ALL-UP
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ALL-UP


 
أحدث الصورأحدث الصور  الرئيسيةالرئيسية  س .و .جس .و .ج  بحـثبحـث  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
خادم Discord

 

 السَّهَر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد منسى
المدير العام™
المدير العام™
محمد منسى


نشاط العضو نشاط العضو : 5883

السَّهَر Empty
مُساهمةموضوع: السَّهَر   السَّهَر Emptyالإثنين 3 ديسمبر 2018 - 21:42

السَّهَر


فى وقت قديم، لم يكن هناك وجود لكلمة «السَّهَر»، والشخص الذى يبقى مستيقظًا طوال الليل، أو لوقت طويل منه، ويريد أن يُعَبِّر عن ذلك، فإنه مُضطرٌّ أن يقول جملة طويلة مثل: «سأبقى مستيقظًا لوقت طويل من الليل»، أو: «لن أنام هذه الليلة»، وقتها، لم يكن استيقاظهم هذا لأجل المتعة، على الأقل لم يشعروا بتلك اللذَّة الغامضة، حتى ظهرَتْ كلمة «السَّهَر».


يحدث أحيانًا، ولأسباب تتعلَّق بشخصية الليل نفسه، وأسلوبه الخاص، أنْ يشتبك فى مشاجرة أثناء قدومه، أو ينسى نفسه عندما يتوقف ليتلصَّص على نافذة، أو يتابع حادث ما، ربما يكون قادمًا من أماكن بعيدة، ويضطر أن يسير فى مناطق وشوارع موحشة، يتعرَّض فيها لمحاولات سرقة ويُصاب بأذى ما، وكثيرًا ما ظَلَّ مُلقيَ بالشارع لبعض الوقت وهو طافٍ على دمه، إلى أن تنقذه فتاة أو امرأة، بأن تسحبه من يديه أو قدميه لبيتها، أو تجلس إليه فى مكانه، وتفعل كل شيء لتوقف نزيفه، ولا تنسَ أن تحتفظ لنفسها فى النهاية بقطعة من ملابسه المُبلَّلَة بدمه، ليدخل معها بعد ذلك فى قصة حب، كحبيبة، صديقة، أُمّ، أُخت، ابنة، وربما أَنقذَه رجل عابر، وخاطَ له جرحه بشكل عشوائى، لتكون هذه الجروح فيما بعد هى المناطق الأكثر وِحْشة وإظلامًا فى جسد الليل، ومنها تصدر الأصوات العميقة التى تبدو مجهولة المصدر، ويخافها المسافرون والوحيدون بشكل خاص رغم ضعفها، إلا أن هذا لم يمنع الليل أن يتخذ الرجال الذين أغلقوا جروحه بهذا الشكل أصدقاء له، فَهُمْ فى النهاية قد أنقذوا حياته، كما سينقذه أطفال، حيوانات، وكائنات أخرى ربما لن يقابل أيًّا منهم مرة أخرى، ويعتبر نفسه مَدينًا لهم، لذا، يُلقى بعضَ نجماته كل ليلة بشكل عشوائى، ربما تصادفها يد أحدهم.


لم يكن الليل يتأخَّر عن المكان الذى يتجه إليه أكثر من ساعة واحدة، مهما كان جرحه خطيرًا، فإما أن يفيق بشكل تلقائى قبل نهاية تلك الساعة، أو يقوم مَنْ يخيط له جرحه بإفاقته، حتى لو أنه لم يُكمِل خياطة الجرح، فيملؤه له بحفنة ملح، سكر، أو تراب، ويربط عليه سريعًا بقطعة قماش، أحيانًا يُكمل الليل خياطة الجرح بنفسه أثناء الطريق، وهو يضغط بأسنانه على قطعة من خشب، ربما لا يبالى، ويترك جرحه مفتوحًا حتى يتوقف النزيف بنفسه.


دم الليل خفيف القوام، بين العطر والماء، له لون الشجَن، ولا يَجفُّ أبدًا، فكانوا يستعملون قِطَعًا من القماش النظيف لامتصاصه من الأرض، ويحتفظون بها بعد ذلك، هم يحبون رائحته الرهيفة، لونه الحالم الشجيّ، ويحتاجونه للسَّهَر.


ظهرَتْ كلمة «السهَر» عندما أُصيب الليل بجُرح لأول مرة، كان جرحه كبيرًا، وظَلَّ مُلقى فى الشارع لوقت طويل، حتى تجمَّع حوله عدد من المتشردين بعد أن شمُّوا رائحة لم يصادفوها من قبل، وعندما تتبَّعوها وجدوها تتسرَّب بخفَّة من دمه، كانت مزيجًا من رائحة مطر بَحَريّ، ندف سحاب، وعُشب نَبَتَ لتوّه، لم يستطيعوا وصْفها أو تسميتها، لكنها جعلَتْ حواسَّهم تبتسم، اقترَحَتْ مُتشرِّدة أربعينية أن يخيطوا للَّيل جرحه قبل أن ينزف كل دمه، جلسَتْ إلى جواره، نَقَلَتْ رأسه إلى ركبتها، خاطَت الجرح فى دقائق، وأَفاقَ الليل قبل أن تنقضى ساعة منذ إصابته حتى الانتهاء من خياطة جرحه، ابتسمَ للمرأة، أَخرَجَ من قلبه ثلاث نجمات طِفلات ثبَّتَهُن على صدرها، وغادرهم مُتعَجِّلاً كمن يخشى فوات موعد مهم، كانوا مأخوذين برائحة دمه، فهتف أحدهم له: «يا ليل، رائحة دمك جميلة»، التفَتَ الليل إلى الرجل وقال: «اسمها السَّهَر»، فى هذه الليلة ظلَّتْ رائحة دم الليل حاضرة مثل عطر خفيف، ولم يَنَمْ أيّ من المتشردين.


مع تكرار تَعَرُّض الليل للإصابة، وقيام الكائنات بخياطة جروحه، لاحظوا أنهم لا يشعرون برغبة فى النوم طالما يَشمُّون رائحة دمه، وقد أراد أن يكافئهم لإنقاذهم حياته، فدَلَّهم على طريقة تُبقيهم مستيقظين كيفما شاءوا، بأن يحصلوا أثناء خياطتهم لجُرحه على قطرات قليلة من دمه، أو يُبلِّلوا به قطعة صغيرة من قماش، ويضعونها فى إناء فُخارى مكشوف، وطالما تسرى رائحة الدم فى الهواء يَظلُّون مستيقظين.


منذ أن دَلَّهم الليل على طريقته تلك، صاروا يستعملون اسم رائحة دمه «السَّهَر»، ليصِفُوا بقاء الشخص مستيقظًا طوال الليل، أو لوقت طويل منه، ثم تحوَّلَتْ كلمة «السَّهَر» من وَصْف إلى اسم تُعرَف به هذه الحالة التى يعشقها الكثير من البشر.


بعد ظهور كلمة «السَّهَر» للعالم ظَهَرَتْ المتعة فى أنْ يقضى أحدهم الليل أو جزءًا طويلاً منه بلا نوم، أدركوا تلك اللذَّة الغامضة، وذلك الشعور السحريّ، كأن كلمة «السَّهَر» هى مفتاح متعة الليل، مثلما لكل شىء فى العالم كلمة هى مفتاحه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السَّهَر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ALL-UP ::  القسم العام :: المنتدى المفتوح :: المنتدى الكتابى-
انتقل الى: