الليلــة الأخـــيرة!
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
- محمد منسىVIP™
- المشاركات : 3296
الليلــة الأخـــيرة!
[/size]
أحيانا يتوقف المرء لمحاسبة نفسه، فيسترجع شريط ذكرياته على مر السنين، ويصحح خطواته، ويتطلع الى الأمام راجيا عفو الله ورضاه، وأحيانا أخرى يكون أوان المراجعة قد انتهي.. صحيح أنه أدرك فداحة أخطائه, ولكن بعد فوات الأوان، فالإنسان قد تجرفه الدنيا بأطماعها فيتخلى عن أبويه وأقرب الناس إليه، غير مدرك أنه كما يدين يدان، وأن الجزاء من جنس العمل، ولا بديل عن أن يراقب كل منا الله فى خطواته، وأن يستغفره ويتوب إليه، وإليكم الرسالة التالية:
يرتعش القلم فى يدي، وتتبعثر الكلمات من ذاكرتى وأنا أكتب إليك رسالتى الحزينة، التى ربما تكون دافعا لإصلاح بعض ما فسد، حيث إننى محاسب على المعاش، كنت أشغل وظيفة كبيرة بشركة مقاولات، ثم أحلت إلى التقاعد منذ نحو عامين، ولدى ثلاثة أبناء (بنت وولدان)، وتزوجت البنت عقب تخرجها فى كليتها من مهندس شاب، وانتقلت للإقامة معه فى محافظة ساحلية، وفقا لمقتضيات عمله، بينما سافر الولدان إلى دولة عربية ويشغلان موقعين متميزين فى شركتين بها، ونحن ننتمى إلى أصول ريفية، فلقد ولدت فى قرية بوسط الدلتا لأب موظف بجهة حكومية، وأم ربة منزل، ولى ثلاثة أشقاء (بنت وولدان)، وانتقلنا إلى القاهرة حيث اشترى والدى شقة كبيرة، وتبدلت حياتنا فصرنا نعيش على نمط مختلف من الحياة، وكبرنا وتخرجنا فى كلياتنا، وكانت أختى تدرس بالجامعة الأمريكية، وتعرفت على شاب مصرى حاصل على الجنسية الأمريكية، ومن أسرة محترمة، وأبدى رغبته فى الزواج منها، ونقلت رغبتها إلى أبوينا، فسألا عنه وباركا زواجهما، وهكذا سافرت معه، وانشغلت بحياتها الجديدة عنا، واقتصرت علاقتها بنا على الاتصال من حين إلى آخر، وبعدها هاجر أخى الأكبر إلى كندا، وبقيت أنا وأخى الأصغر فى مصر، وظل ارتباطنا كما هو قويا، ولم يعكر صفو حياتنا أى شيء، وبمرور الوقت تباعدت المسافات بيننا، ولم نعد نسمع أى أخبار عن شقيقنا وشقيقتنا المقيمين فى الخارج، وكانت هذه هى نقطة البداية فى الانقطاع المتتالى للخيوط التى تربطنا، وجسور المودة التى تصلنا معا، وكنت ألمح فى عيون أبى وأمى الحزن والخوف والقلق أحيانا، لكنهما كتما هذه المشاعر، وكانا يصطنعان الابتسامة فى وجهى أنا وشقيقى الأصغر.
وعندما أنهيت دراستى الجامعية التحقت بشركة معروفة، وعملت بها محاسبا، وتعرفت فيها على زميلة لي، ووجدت فيها فتاة أحلامي، وأفضيت إليها بما أكنه لها من حب وإعجاب، وشيئا فشيئا وجدتها تبادلنى الشعور نفسه، وألمحت لى إلى أن أزور أهلها بصحبة أبي، وحدثته فى الأمر فلم يمانع، وزارتها والدتى مرتين، وقالت لى إننى مادمت قد اخترتها فإنها تبارك خطوتي، ولم تزد على ذلك، وتخيلت وقتها أن لها ملاحظات على فتاتي، وألححت عليها أن أعرف ما بداخلها، وهل تتحفظ على شيء فى أسرتها ولا تريد أن تبوح به، فردت عليّ بأن الأحاسيس وحدها لا تكفى للحكم على الأشخاص، وأنها لا تنكر عليهم خلقا، إذ يتعاملون بأسلوب محترم، وأن الأيام كفيلة بتقريب المسافات، فكل زيجة فى أولها تكون صعبة ثم لا تلبث مع الأيام أن تتحسن، ويصبح الزوجان أقرب لبعضهما من الأهل، وضربت لى مثلا بها هى وأبى، حيث أصبحا كيانا واحدا فى جسدين، فتزوجت فتاتى وانتقلت إلى شقة فى منطقة بعيدة عن منزلنا، وكان شقيقى الأصغر قد تخرج فى كليته وجاءه عقد عمل فى دولة عربية، واستقرت أوضاعه هناك، وتزوج من معلمة مصرية مسافرة إلى البلد نفسه، وخلا البيت الكبير على أبى وأمي، ولم يكن يطرق بابهما أحد سواى من حين إلى آخر كلما سنحت لى الفرصة لأخذ إجازة من عملى، ولم يدر بخلدى ما تخبئه الأقدار من مفاجآت.
وذات يوم دق هاتف منزلى فى ساعة متأخرة من الليل، وكنت وقتها نائما، فاستيقظت وهرولت إلى الهاتف لأعرف من يتصل بنا، وماذا يريد فى هذا التوقيت غير المناسب، فإذا به أبى، ولم يدع لى فرصة للكلام، إذ قال لى بصوت متهدج: «أمك ماتت».. يا الله.. أمى.. أمى ماتت دون أن أراها، وأسمع صوتها، وأطلب منها أن تدعو لى كما كنت أطلب منها دائما، وأسرعت إلى ارتداء ملابسى، وذهبت إلى المنزل فإذا بى أجد أمى مستلقاه على السرير وقد شحب لون أبى، والدموع تنسال على خديه فى صمت أبلغ من أى تعبير، فخررت على قدميها أقبلهما وأنا فى منتهى الجزع والألم، وفى الصباح ودعناها إلى مثواها الأخير، وجاءت زوجتى وأولادى وأقمنا مع والدى أسبوعين، ثم طلبت منه أن يأتى معنا إلى شقتنا لأننا لن نتركه بمفرده، لكنه رفض تماما أن يغادر منزله أو أن يتزوج من باب «الونس» كما يقولون، أو أن ينتقل إلى الإقامة فى دار للمسنين، وقد أبلغته أننى على استعداد لأن أدفع أى رسوم مهما تكن باهظة فى سبيل أن يجد من يخدمه، ويلبى له طلباته، ويسهر على راحته.
وخرجت ليلتها منكسرا وأنا أشعر بأن شيئا ما لا تحمد عقباه سوف يقع، وأصبحت أزور أبى كثيرا، ولاحقته بالاتصالات اليومية على هاتف المنزل لكى أطمئن عليه، وظللنا على هذه الحال خمس سنوات، ثم سافرت فى مهمة عمل لمدة ستة أشهر، وانشغلت بالمهمة عن أبي، ولم تسأل زوجتى ولا أولادى عنه أيضا، وكست البلادة أذهاننا وقلوبنا، وأعترف بأننى قصرت فى حقه، ويبدو أنه كان يرى أننى الذى يجب أن أتصل به، فى حين لا يبادر هو بالاتصال مهما يطل الوقت، إذ لم يأتنى تليفون واحد منه، وبعد فترة طويلة جاءتنى مكالمة هاتفية من شخص لا أعرفه، وقدم لى نفسه بأنه جار لأبى فى منزل العائلة، وسألنى عن مكاني، وعرف أننى مسافر إلى الخارج، فقال لي: إن أبى مات وحيدا، وإنه لم يعلم أحد بوفاته إلا بعد عدة أيام على رحيله، إذ أبلغوا جهات الشرطة بأن رائحة كريهة تنبعث من شقة جارهم الذى يعيش وحيدا بعد رحيل زوجته، وانصراف أبنائه عن زيارته، وأن رجال الأمن كسروا قفل الشقة فوجدوا أبى رحمه الله ممددا على أريكة فى الصالة، وبالكشف عليه عرف الطبيب الشرعى أن وفاته طبيعية، لكن جثته بدأت فى التحلل.. قال لى الرجل ذلك فى كلمات سريعة ومباشرة، وأغلق بعدها الهاتف، ولم تمض ساعات حتى وصلت إلى القاهرة، ويا هول ما رأيت، فما رواه لى جار أبى أقل كثيرا من الوضع المفزع الذى كان أبى عليه.
وتبدلت حياتى تماما، وانتابنى هاجس بأننى سأموت بنفس الطريقة، فالمرء كما يدين يدان، وساءت أحوالى فى عملي، واضطربت علاقتى بزوجتي، فلقد حملتها المسئولية عن عدم السؤال عن أبى فى فترة غيابى، وكذلك أولادي، وقلت لهم: إذا كنتم تنظرون إلى أبناء أعمامكم فهم يعيشون فى الخارج، أما نحن فنعيش فى القاهرة، وما كان هذا ليحدث لولا إهمالنا فى حق جدكم، فردت عليّ زوجتى بأنها غير ملزمة برعاية أبي، إذ كيف ستزوره وتطمئن عليه والمسافة طويلة بين المنطقة التى يقطن بها، والمنطقة التى نعيش بها أنا وهى وأولادنا، وقد تغيرت طباعها تماما منذ ذلك الوقت، وأصبحت تفتعل أى مشكلات بيننا، ولم أستطع أن أتعامل مع عصبيتها التى ازدادت يوما بعد آخر، ووجدتنى ألقى عليها الطلاق مرتين، وحاولت أن أتماسك حتى لا أفقد آخر أمل فى استمرار حياتنا الزوجية، لكنها تمادت فى العناد، فطلقتها للمرة الثالثة، وتركت المنزل غير نادمة، بل وربما تكون هى التى سعت إلى ذلك بعد أن ملت من الحياة معي.. على حد تعبيرها، وجمعت أولادى الثلاثة، وكانوا وقتها قد تخرجوا فى الجامعة، وتزوجت ابنتنا الكبرى، وشرحت لهم الوضع بأننى لم أقصر فى حق أمهم، فما فعلته بي، وموقفها المعاند لى هو الذى أدى بنا إلى الانفصال، لكنهم هزوا رءوسهم بما يعنى أنهم يميلون إليها ولا يصدقونني، وبعدها توقفت ابنتى عن زيارتى، وتتصل بى من وقت إلى آخر من باب ذر الرماد فى العيون، أما ولداى الآخران فقد سافرا للعمل فى دولة عربية واستقل كل منهما بحياته، وصرت وحيدا، وأصبحت أترقب لحظة النهاية، والليلة الأخيرة لى فى الدنيا، إذ يبدو أن سيناريو أبى سوف يتكرر معي، وأننى سأموت وحيدا، ولن يعرف برحيلى عن الدنيا أحد.. إنه شيء قاس جدا أن يتخلى عنك أقرب الناس إليك، وأن يمحوك أبناؤك من ذاكرتهم، فأبنائى أسقطونى من حساباتهم ظنا منهم أننى تجنيت على أمهم، ويكررون الآن ما فعلته أنا وأشقائى بأبوينا عندما أهملناهما ولم نسأل عنهما باستمرار، وقد خاطبت أخوتى بأن يدركوا أن صلة الرحم أهم من الدنيا بكل ما فيها، وأن يتواصلوا معى, لكن هيهات أن يسمعنى أحد، لا أولادي، ولا أشقائي.
إننى أدرك أن الجزاء من جنس العمل، وإننى حتما سأموت وحيدا، لكنى أرجو أبنائى ألا يكرروا الخطأ الذى وقعت فيه أنا وأعمامهم عندما انشغلنا عن جدهما وجدتهما، وأن يعودوا إلى رشدهم، وأحذرهم بأن الدوائر سوف تدور، وأن ما يفعلونه اليوم سيلقون عليه الجزاء غدا، والجزاء دائما من جنس العمل، فلا يرتكبوا ما ارتكبناه من حماقات وأنانية وانشغال بالذات، وإننى أسألك: هل يغفر الله لى ذنبى الكبير فى حق أبي، فأتفادى أن أموت وحيدا؟ وهل يسمع أولادى ندائى فيسارعون إلى تصحيح وضعهم الخاطئ، ويدركون أننى أحبهم، ولم أقصر فى حق أمهم، ويبقى هناك شيء مهم أرجو إبلاغك به، وهو أننى لن أتزوج لا زواج «ونس» ولا غيره، فقط كل ما أريده هو أن أحتضن أولادى من جديد، وأن يكونوا قريبين مني، فكنوز الدنيا كلها لا تساوى لحظة دفء واحدة بين أحضانهم.
أستغفر الله العظيم.. ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه وتعالي.. وإليه المصير.
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
من القواعد والسنن الثابتة التى أودعها الله عز وجل هذا الكون أن الجزاء من جنس العمل، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، «جزاء وفاقا»، ولو وضعنا هذه القاعدة نصب أعيننا لزجرتنا عن كثير من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك «كما لا يجتنى من الشوك العنب، كذلك لا ينزل الله الفجار منازل الأبرار، فاسلكوا أى طريق شئتم، فأى طريق سلكتم وردتم على أهله» وهذه القاعدة دافعة إلى الأعمال الصالحة، لكنها غابت عنك أنت وأشقائك، فشغلتكم الدنيا عن بر أبويكم وصلة أرحامكم، وأحسب أنك لست وحدك الذى يعانى آلام بعده عن أبويه، فأشقاؤك كذلك يعانون فى دواخلهم الشعور نفسه، وربما يكون الفرق الوحيد بينكم انك عايشت هذا الاحساس قبلهم بحكم الظروف التى واجهتك من انفصالك عن زوجتك، وانصراف أبنائك إلى شواغلهم تماما كما فعلتم من قبل.
وقد ارتكبتم إثما كبيرا بعدم الاهتمام بأبويكم وهما فى سن الجلال والاحترام، فأحوج مايكون المرء إلى أبنائه عندما يكبر فى السن وتتطلب أوضاعه الصحية المتابعة الدائمة، ولذلك قرن الله سبحانه وتعالى حق الوالدين بعبادته، وأكد ذلك فى آيات كثيرة منها «واعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا» وأيضا قوله تعالى: «قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا..». وجعل كذلك الشكر له مقرونا بالشكر للأبوين، إذ يقول: «أن اشكر لى ولوالديك إلىّ المصير»، وليس العمل فى الخارج أو المعيشة فى أماكن بعيدة مبررا لتجاهل الآباء والأمهات، إذ إن بر الوالدين أفضل عند الله من الجهاد، بل إنه أعلى مراتب الجهاد فى سبيل الله، وذلك لحديث عبدالله بن عمر رضى الله عنهما حيث قال: «جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم يستأذنه فى الجهاد، فقال: أحىّ والداك؟.. قال نعم: قال ففيهما فجاهد، والسبب هو أن بر الوالدين فرض عين بينما الجهاد فرض كفاية، كما تأتى رعاية الوالدين فى المنزلة بعد الصلاة، فحينما سئل رسول الله عن أى الأعمال أفضل، قال «الصلاة لوقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد فى سبيل الله»، وليس هذا فحسب، وإنما أيضا رضا الرب فى رضا الوالد، وسخط الرب فى سخط الوالد كما جاء فى الحديث الشريف،
وعن أبى الدرداء قال: «سمعت رسول الله يقول: الوالد أوسط أبواب الجنة، وإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه». وفى السن المتقدمة تزداد أهمية وجود الابن بجوار أبيه، ويشير الرسول إلى هذه الأهمية بقوله: «رغم أنفه، فرغم أنفه ثم رغم أنفه، قيل من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر, أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة» رواه مسلم.
ومهما يقدم المرء لأبويه فإنه يظل عاجزا عن أن يوفيهما حقهما، وأذكر عن أبى بردة أنه شهد هو وابن عمر رضى الله عنهما، رجلا يطوف بالبيت، وقد حمل أمه على ظهره، وهو يقول إنى لها بعيرها المذلل، إن أذعرت بركابها لم أذعر، ثم قال: يابن عمر، أترانى جزيتها؟ قال: لا , ولا بزفرة واحدة، لذلك فإنكم لم تقدموا لأبويكم ما يستحقانه من الرعاية والاهتمام، لا أنت ولا إخوتك الذين لا يعفيهم من المسئولية انهم هاجروا إلى الخارج، أو انتقلوا للاقامة فى مناطق بعيدة، فحالة البكاء والقلق التى تعتريك الآن هى الحالة نفسها التى عاناها أبواك قبل رحيلهما عن الحياة، وإذا كانت والدتك رحمها الله قد ماتت وأبوك إلى جوارها يؤنس وحدتها ويمرضها قدر استطاعته، فإنه رحل وحيدا، بعد أن فقد أبناءه، وهم على قيد الحياة، وما أقساه من إحساس يعيشه المرء، وقد انفض من حوله الجميع، ولا أدرى كيف طاوعتكم قلوبكم على هذه القسوة تجاه أعز الناس، وهل هناك من هو أعز من الأبوين؟
ولعل أبناءك يستوعبون هذا الدرس القاسى فيسارعون إلى مد جسور التواصل معك، ويدركون أنهم إذا لم يتجنبوا ما سبق أن وقعت فيه أنت وأشقاؤك من عقوق الوالدين وعدم السؤال عليهما، فسوف يتجرعون الكأس نفسها، وليعلم أشقاؤك وهم الآن فى أعمار متقدمة أن الفرصة مازالت سانحة أمامهم لتدارك ما فات، بالدعوة لأبويهم أن ينزلهما الله منازل الصديقين والشهداء، وأن يستغفروا ربهم على ما اقترفوه فى حقهما من العقوق والتجاهل، وأن يتواصلوا معك، ومع عائلتكم وأقاربكم فى البلد الذى نشأتم فيه، فهناك أرحام لكم لا تعلمون عنهم شيئا، وربما هم فى حاجة إليكم، فصلة الرحم أوصى بها القرآن ولعن من قطعها، فقال تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا».
وقوله أيضا «والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض، أولئك لهم اللعنة، ولهم سوء الدار».
ولاشك أن الأبوين لهما مكانة ومنزلة عظيمة، وقد أدركها أيضا المفكرون والشعراء، وحذروا من سوء عاقبة عقوقهما، وفى ذلك يقول المعرى:
جَنى أبٌ ابناً غرضاً … إن عقَّ فهو على جُرْمٍ يكافيهِ
تَحَمَّلْ عن أبيكَ الثقلَ يوماً … فإن الشيخَ قد ضَعُفَتْ قواهُ
أتى بكَ عن قضاءٍ لم تُرِدُه … وآثَرَ أن تفوزَ بما حَوَاهُ
وكم سهر أبواك على راحتكم، وكم سهرت أنت على راحة أولادك الذين يجب أن يفيقوا من غفلتهم، ولعلهم يتذكرون ما قدمته لهم على مدار عمرك، فقلب الأب لايغفو إلا بعد أن تغفو جميع القلوب على حد تعبير «ريشيليو» فما أكثر الأوقات التى سهرتها على راحتهم وبذلت أقصى ما فى وسعك حتى وصلوا إلى ما هم فيه الآن، فلا يكون جزاؤك أن يتخلوا عنك، فعليهم أن يتوقفوا لمحاسبة أنفسهم على بعدهم عنك، وعن أمهم التى انفصلت عنها ولا رجعة إليها بعد الطلاق الثالث، وقد فات أوان مناقشة ما حدث بينكما لكن ليأخذ الجميع العبرة والعظة بعدم التسرع فى الطلاق، خصوصا بعد أن يقطع الزوجان مشوارا طويلا فى الحياة معا، وليعطى كل منهما مساحة كافية لمراجعة مواقفه، وإعادة ترتيب أموره والتقاط أنفاسه، ويمكن أن يبتعدا عن بعضهما لفترة تهدأ فيها نفساهما، ثم يلتقيان من جديد.
وإنى أذكر أبناءك بالقول الهندى المأثور بأننا نعرف قيمة الملح عندما نفقده، وقيمة الأب عندما يموت، ولعلهم يدركون قيمتك وأنت على قيد الحياة، فتعود علاقتكم معا إلى ما كانت عليه قبل انصراف كل منهم إلى حياته، وتأنس بهم، ولا تقلق فإن الله غافر الذنب، قابل التوبة، وأظنك قد عرفت الطريق السليم، وأتمنى أن يعرفه أيضا أبناؤك حتى ينعموا بالراحة والطمأنينة ولا يتكرر معهم ما حدث فى «الليلة الأخيرة» التى رحل فيها أبوك وحيدا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(( إن لم يكن شعري كعهدي به
فحسنك الشعر الذي أهوي ))
م . منسي
فحسنك الشعر الذي أهوي ))
م . منسي
للمشاركة انت بحاجه الى تسجيل الدخول او التسجيل
يجب ان تعرف نفسك بتسجيل الدخول او بالاشتراك معنا للمشاركة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى