سيرة عظماء الأمة عماد الدين زنكي
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
عماد الدين زنكي
عماد الدين زنكي بن آقسنقر بن عبد الله. أبو المظفر الأتابك. الملك المنصور عماد الدين. قائد عسكري وحاكم مسلم، حكم أجزاء من بلاد الشام وحارب الصليبيين.
كان أبوه مملوك السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي.
نشأته
ولد في 17 من شوال 511هـ وهو ثاني أولاد عماد الدين زنكي بعد سيف الدين غازي، وقد تأثر أبناء عماد الدين بما كان لأبيهم من خلال وفضائل، فكانوا جميعا من رجال الجهاد وفرسانه، على تفاوت في ذلك بينهم.
وبعد وفاة عماد الدين زنكي اقتسم ولداه: سيف الدين غازي ونور الدين محمود دولته، فحكم الأول الموصل وثبّت أقدامه بها، وانفرد الآخر بحكم حلب ، وكان الحد الفاصل بين أملاك الأخوين هو نهر الخابور في الجزيرة السورية ، وكان كلا الأخوين مؤهلا لما وجهته له الأقدار، فكان سيف الدين غازي صاحب سياسة وأناة، على حين كان نور الدين مجاهدا مخلصا جياش العاطفة صادق الإيمان، ميالا إلى جمع كلمة المسلمين وإخراج الأعداء من ديار المسلمين،وهو ما جذب الناس إليه، وحبب القلوب فيه.
وكان على نور الدين أن يواصل سياسة أبيه في جهاد الصليبيين، يدفعه إلى ذلك طبيعته المفطورة على حب الجهاد، وملازمته لأبيه في حروبه معهم. وقرب إمارته في حلب بشمال سوريا من الصليبيين جعله أكثر الناس إحساسا بالخطر الصليبي .
أهم صفاته الشخصية
حرصه على تطبيق الشريعة
كان نور الدين محمود يقول: "نحن شحن (شرطة) الشريعة نمضي أوامرها" وقال أيضاً: "نحن نحفظ الطريق من لص وقاطع طريق والأذى الحاصل منهما قريب أفلا نحفظ الدين ونمنع عنه ما يناقضه, وهو الأصل"
قال عنه ابن كثير: "كان يقوم في أحكامه بالمعدلة الحسنة واتباع الشرع المطهر .. وأظهر ببلاده السنة وأمات البدعة"
أمر بإلغاء كل الضرائب والمكوس التي كانت تؤخذ من الشعب وذلك عندما قص عليه وزيره موفق الدين خالد بن محمد بن نصر القيسراني الشاعر أنه رأى في منامه كأنه يغسل ثياب الملك نور الدين، فأمره بأن يكتب مناشير بوضع المكوس والضرائب عن البلاد، وقال له: هذا تأويل رؤياك. وكتب إلى الناس ليكون منهم في حل مما كان أخذ منهم، ويقول لهم: إنما صرف ذلك في قتال أعدائكم من الكفرة والذب عن بلادكم ونسائكم وأولادكم. وكتب بذلك إلى سائر ممالكه وبلدان سلطانه، وأمر الوعاظ أن يستحلوا له من التجار، وكان يقول في سجوده: اللهم ارحم المكاس العشار الظالم محمود الكلب.
مقدمة :
عندما يحيى الإنسان لهدف ما يجعله نصب عينيه بحيث لا يرى غيره ولا يعمل إلا لتحقيقه ولا يفكر في سواه، يدندن حوله ليل نهار، يسعى للوصول إليه بكل السبل، فإن هذا الإنسان مهما كان حاله يستحق الإعجاب والثناء والتقدير، كيف إذا كان هذا الهدف هو الدفاع عن الأمة الإسلامية وإنقاذ المقدسات الأسيرة وتحرير الأراضى المحتلة، كيف وإذا كان الساعى لتحقيق هذا الهدف السامى هو أول من سعى لتحقيقه ؟ وكيف إذا كان معظم من حوله أو حتى كلهم يعمل ضده ويعيقه في هذا السعى الحميد ؟ فهو كالمغرد والطائر وحده في سماء مليئة بالغيوم والكواسر، وبطلنا الذى سنسرد سيرته هو رائد الجهاد الإسلامى ضد الوجود الصليبى بالشام بعد أن ظن الجميع أنهم لن يخرجوا أبداً من بلاد الإسلام، هذا البطل الذى كسر أسطورة الصليبيين الذين لا يقهرون هو البطل العظيم عماد الدين زنكى .
البطل بن البطل
كان من النتائج الطيبة لإهتمام الوزير العظيم 'نظام الملك' بالعلم والمدارس وأهل الصلاح خلال وزارته لسلاطين السلاجقة العظام ألب أرسلان وولده ملكشاه، وحرصه على استعمال الأكفاء وأصحاب الديانة في المناصب الهامة والقيادية، أن سطح نجم العديد من الرجال والأبطال على مستوى عال من الكفاءة والمسئولية وكان لهم الأثر العظيم في حفظ بلاد الإسلام، من هؤلاء القائد 'آق سنقر بن عبد الله التركى' الملقب بقسيم الدولة وكان له مكانة عظيمة عند السلطان ملكشاه السلجوقى حتى أنه قد جعله والياً على حلب، وقد قتل هذا القائد في دفاعه عن الدولة السلجوقية ضد الخارجين عليها ولم يترك وراءه سوى ولد صغير في العشرة من العمر هو بطلنا الفذ ورائد الجهاد ضد الصليبيين عماد الدين زنكى .
تولى الأمير كربوقا أمير الموصل تربية عماد الدين زنكى وتعهده بالعناية والرعاية وتعليمه فنون الفروسية والقيادة والقتال ، وترقى في سلك الجندية حتى صار مقدم عساكر مدينة واسط ثم ظهرت كفاءته القتالية سنة 517 في قتاله مع الخليفة العباسى المسترشد بالله ضد أحد الثوار الشيعة واسمه 'دبيس بن صدفة' مما جعل السلطان السلجوقى محمود يرقيه ليصبح قائد شحنة بغداد سنة 521ه ويعطيه لقب الأتابك أى مربى الأمير، ذلك لأنه توسم فيه الخير والصلاح والنجابة، فعهد إليه بتربية ولديه ألب أرسلان وفروخ شاه .
من قيادة إلى ولاية
بعد أن أصبح عماد الدين زنكى قائداً ، حدث تغير كبير في مجرى الأحداث في منطقة الشام الملتهبة حيث توفى أمير الموصل عز الدين مسعود ، وحاول بعض المنتفعين توليه ولده الصغير مكانه، ولكن قاضى الموصل بهاء الدين الشهرزورى ذهب إلى السلطان محمود وطلب منه تعيين أمير قوى وكفء للموصل التى على حدود الشام حيث الوجود الصليبى الكثيف في سواحل الشام منذ ثلاثين سنة والذى أسفر عن قيام أربع ممالك صليبية أنطاكية ـ الرها ـ طرابلس ـ بيت المقدس في الشام هذا غير سيطرة الصليبين علي اغلب بلاد الشام .
بعد تفكير سريع وإمعان نظر عميق قرر السلطان محمود أن يسند ولاية الموصل وأعمالها إلى بطلنا عماد الدين زنكى، الذى لم يجد السلطان محمود
عدله
وصف ابن الأثير نور الدين بأنه: "كان يتحرى العدل وينصف المظلوم من الظالم كائناً من كان, القوي والضعيف عنده في الحق سواء, فكان يسمع شكوى المظلوم ويتولى كشف ذلك بنفسه, ولا يكل ذلك إلى حاجب ولا أمير, فلا جرم أن سار ذكره في شرق الأرض وغربها."
قال ابن الأثير: وهو أول من ابتنى داراً للعدل، وكان يجلس فيها في الأسبوع مرتين، وقيل: أربع مرات، وقيل: خمس. ويحضر القاضي والفقهاء من سائر المذاهب، ولا يحجبه يومئذ حاجب ولا غيره، بل يصل إليه القوي والضعيف، فكان يكلم الناس ويستفهمهم ويخاطبهم بنفسه، فيكشف المظالم، وينصف المظلوم من الظالم.
وكان سبب ذلك أن أسد الدين شيركوه بن شاذي كان قد عظم شأنه عند نور الدين، حتى صار كأنه شريكه في المملكة، واقتنى الأملاك والأموال والمزارع والقرى، وكان ربما ظلم نوابه جيرانه في الأراضي والأملاك العدل، وكان القاضي كمال الدين ينصف كل من استعداه على جميع الأمراء إلا أسد الدين هذا فما كان يهجم عليه، فلما علم نور الدين بذلك ابتنى نور الدين دار العدل تقدم أسد إلى نوابه أن لا يدعوا لأحد عنده ظلامة، وإن كانت عظيمة، فإن زوال ماله عنده أحب إليه من أن يراه نور الدين بعين ظالم، أو يوقفه مع خصم من العامة، ففعلوا ذلك.
فلما جلس نور الدين بدار العدل مدة متطاولة ولم ير أحداً يستعدي على أسد الدين، سأل القاضي عن ذلك فأعلمه بصورة الحال، فسجد نور الدين شكرا لله، وقال: الحمد لله الذي أصحابنا ينصفون من أنفسهم.
تدينه وزهده
كان نور الدين يصلي كثيرا بالليل وحكي عنه أنه يصلي فيطيل الصلاة, وله أوراد في النهار, فإذا جاء الليل وصلى العشاء نام, ثم يستيقظ نصف الليل, ويقوم إلى الوضوء والصلاة والدعاة إلى بكرة, ثم يظهر للركوب ويشتغل بمهام الدولة.
قال عنه ابن كثير في البداية والنهاية: "وقد كان رحمه الله حسن الخط كثير المطالعة للكتب الدينية، متبعاً للآثار النبوية، محافظاً على الصلوات في الجماعات، كثير التلاوة، محباً لفعل الخيرات، عفيف البطن والفرج، مقتصداً في الإنفاق على نفسه وعياله في المطعم والملبس، حتى قيل: إنه كان أدنى الفقراء في زمانه أعلا نفقة منه من غير اكتناز ولا استئثار بالدنيا، ولم يسمع منه كلمة فحش قط، في غضب ولا رضا، صموتاً وقوراً."
قال ابن الأثير: لم يكن بعد عمر بن عبد العزيز مثل الملك نور الدين، ولا أكثر تحرياً للعدل والإنصاف منه، وكانت له دكاكين بحمص قد اشتراها مما يخصه من المغانم، فكان يقتات منها، وزاد امرأته من كراها على نفقتها عليها، واستفتى العلماء في مقدار ما يحل له من بيت المال فكان يتناوله ولا يزيد عليه شيئاً، ولو مات جوعاً، وكان يكثر اللعب بالكرة فعاتبه رجل من كبار الصالحين في ذلك فقال: إنما الأعمال بالنيات، وإنما أريد بذلك تمرين الخيل على الكر والفر، وتعليمها ذلك، ونحن لا نترك الجهاد.
وكان لا يلبس الحرير، وكان يأكل من كسب يده بسيفه ورمحه.وكان نور الدين يستقرض من الشيخ عمر الملا من الموصل -وكان من الصالحين الزاهدين- في كل رمضان ما يفطر عليه، وكان يرسل إليه بفتيت ورقاق فيفطر عليه جميع رمضان.
وكان يدعو قائلاً: "اللهم انصر دينك ولا تنصر محموداً من الكلب محمود حتى ينصر ", وكان يدعو أيضاً: " إنك يا رب إن نصرت فدينك نصرت, فلا تمنعهم النصر بسبب محمود إن كان غير مستحق للنصر ".
الأوضاع على الجبهة الشامية
عندما تولى عماد الدين زنكى الموصل تسنى له أن يرى الأوضاع على الجهة الشامية عن قرب حيث كانت الصورة قاتمة فالصليبيون قد احتلوا معظم سواحل الشام وأقاموا أربع إمارات صليبية بالشام والجزيرةالسورية ، أما المدن والحصون التى تحت حكم المسلمين فهى تعانى من الفرقة والإختلاف والتنافر وربما التقاتل فيما بينها، فكل وال على مدينة يتعامل فيها كأنه ملك مستقل عن سائر البلاد، وأغلبهم بل كلهم يتقى شر الصليبيين ويتحاشى الصدام معهم خوفاً على ضياع ملكه وانهدام دنياه، وهذا الخذلان من ولاة الأمصار سهل للصليبيين مهمتهم وجعل وجودهم في الشام يترسخ شيئاً فشيئاً .
أضف إلى ذلك أن الأمصار الإسلامية كلها تقريباً كانت في حالة فوضى واضطراب، فالخلاف على أشده بين أمراء البيت السلجوقى بعضهم بعضاً، كذلك الخلاف بين السلطان مسعود السلجوقى والخليفة العباسي المسترشد بالله على أشده . ومن خلال النظر في هذه الأوضاع كلها قرر عماد الدين زنكى أخذ زمام المبادرة والقيام بعمل لم يسبقه فيه أحد ووضع نصب عينيه هدفاً عظيماً طالما حلم المسلمون بتحقيقه ولكن يتعد نطاقه الأحلام إلى الحقيقة، قرر البطل تحرير بلاد الشام من الوجود الصليبى .
بناء القاعدة الصلبةمن البديهيات الأساسية في قتال أى عدو وطرد أى محتل وتحرير أى أرض أن تكون جبهة المقاومة والدفاع واحدة صلبة مجتمعة، إذ كيف يجاهد المسلمون بصف مهترىء ممزق لذا كان أول ما سعى عماد الدين لتحقيقه هو تكوين وبناء القاعدة الصلبة للمسلمين بتوحيد الجبهة الداخلية ل سوريا ، وربما كانت هذه المهمة هى أصعب مرحلة في مراحل الانتصار .
بدأ عماد الدين زنكى بمدينة حلب الهامة في المنطقة الشمالية من بلاد الشام في 1 محرم سنة 522 هجرية أى بعد شهور قليلة من ولايته على الموصل مما يوضح أن هذا الرجل الفذ كان يملك خطة شاملة ورؤية واضحة معدة سلفاً لحركته بأرض الشام، ولم يكن ضمة لمدينة 'حلب' بالشىء السهل فلقد ظل محاصراً لها عدة شهور قبل فتحها وكان عليها بعض الطامعين المتغلبين، ثم قام بعدها بضم مدينة 'حماة' في السنة التالية 523 هجرية، ثم ضم مدينة سرجى ودارا ثم حصن الأثارب وكان بيد الصليبيين، ثم انشغل عماد الدين زنكى بالخلافات العنيفة بين الخليفة المسترشد والسلطان مسعود بل تورط فيها وذلك لعدة سنوات، ثم عاد بعدها لهدفه الأسمى وضم عدة قلاع للأكراد الحميدية والهكارية وقلعة الصور وواصل سعيه حتى استقامت له ديار بكر و إقليم الجبال سنة 528 هجرية .استقامت معظم بلاد الشام لعماد الدين زنكى عدا ما كان بيد الصليبيين ودمشق قلب الشام وحاضرته وقد حاول زنكى ضم دمشق سنة 529 هجرية ولكنه فشل وبقيت خارج سلطته وبقي يخطط ويفكر كيفية الوصول إلى دمشق .
في دمشقأنشأ المدارس السنية وركز أهتمامه بالمذهبين الحنفي والشافعي. فأنشأ للحنفية المدرسة النورية الكبرى والمدرسة النورية الصغرى. كما أنشأ المدارس للمذهبين المالكي والحنبلي.
بنى أول وأكبر دار للحديث ووكل أمرها إلى الحافظ الكبير ابن عساكر
بنى دوراً للأيتام لتخريج العلماء وخصص لها الأوقاف الكثيرة.
في مصر
قتاله للصليبيين
استهل نور الدين حكمه في سوريا بالقيام ببعض الهجمات على إمارة أنطاكية الصليبية، واستولى على عدة قلاع في شمال الشام ومنطقة الساحل السوري، ثم قضى على محاولة "جوسلين الثاني" لاستعادة الرها التي فتحها عماد الدين زنكي وكانت هزيمة الصليبيين في الرها أشد من هزيمتهم الأولى، وعاقب نور الدين من خان المسلمين من أرمن الرها، وخاف بقية أهل البلد من المسيحيين على أنفسهم فغادروها.
وكان نور الدين دائم السعي إلى استمالة القوى الإسلامية المتعددة في الشام وشمال العراق وكسب ودها وصداقتها؛ لتستطيع مواجهة العدو الصليبي، فعقد معاهدة مع معين الدين أنر حاكم دمشق سنة (541هـ = 1147م) وتزوج ابنته، فلما تعرض أنر لخطر الصليبيين وكانت تربطه بهم معاهدة وحلف لم يجد غير نور الدين يستجير به، فخرج إليه، وسارا معا صاحب دمشق ونور الدين واستوليا على بصرى وصرخند في جنوب سوريا قبل أن يقعا في يد الصليبيين، ثم غادر نور الدين دمشق؛ حتى يبعث في قلب حاكمها الأمان، وأنه لا يفكر إلا في القضاء على الصليبيين؛ فتوجه إلى حصون إمارة إنطاكية، واستولى على أرتاح وكفر لاثا وبصرفوت وغيرها .
وعلى أثر ذلك ملك الرعب قلوب الصليبيين من نور الدين، وأدركوا أنهم أمام رجل لا يقل كفاءة وقدرة عن أبيه عماد الدين، وكانوا قد ظنوا أنهم قد استراحوا بموته، لكن أملهم تبدد أمام حماسة ابنه وشجاعته، وكانت سنه إذ ذاك تسعا وعشرين سنة، لكنه أوتي من الحكمة والتدبير خيرا كثيرا.
وفي سنة (542هـ = 1147م) وصلت الحملة الصليبية الثانية على الشام بزعامة لويس السابع وكونراد الثالث، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها ، وعجزت عن احتلال دمشق أهم مدن الشام ، ويرجع الفضل في ذلك لصبر المجاهدين واجتماع كلمة جيش المسلمين ووحدة صفهم، وكان للقوات التي جاءت مع سيف الدين غازي وأخيه نور الدين أكبر الأثر في فشل تلك الحملة، واستغل نور الدين هذه النكبة التي حلّت بالصليبيين وضياع هيبتهم للهجوم على أنطاكية بعد أن ازداد نفوذه في الشام، فهاجم في سنة (544هـ=1149م) الإقليم المحيط بقلعة حارم الواقعة على الضفة الشرقية لنهر العاصي ، ثم حاصر قلعة إنب، فنهض "ريموند دي بواتيه" صاحب أنطاكية لنجدتها، والتقى الفريقان في (21 من صفر 544هـ= آخر يونيو 1149م) ونجح المسلمون في تحقيق النصر وكان من جملة القتلى صاحب إنطاكية وغيره من قادة الفرنج
نور الدين في دمشق
آمن نور الدين بضرورة وحدة الصف، وانتظام القوى الإسلامية المبعثرة بين الفرات والبحر تقف كالبنيان المرصوص أمام أطماع الصليبيين، وكانت دمشق أهم المدن وعزم نور الدين على ضمها وكان معين الدين أنر صاحب السلطة الفعلية في دمشق يرتبط بعلاقات ومعاهدات مع الصليبيين ، وبعد وفاته قام مجير الدين أبق بأستلام الحكم بدمشق ، ونظرا لاهمية دمشق وموقعها الهام في وسط بلاد الشام فقد تمسك بها الصليبيون وخصصوا لها حامية كبيرة للدفاع عنها . فكر نور الدين وعينه على دمشق ووضع الخطة تلو الاخرى لمهاجمة الصليبين واستعادة دمشق .
ونجح نور الدين في دخول دمشق سنة (549هـ = 1154م) بعد عدة مواجهات مع الصليبين اللذين دافعوا بشراسة عن أهم معاقلهم في الشرق وكانت هذه الخطوة حاسمة في تاريخ الحروب الصليبية؛ حيث توحدت بلاد الشام تحت زعامة نور الدين: من الرها شمالا حتى حوران جنوبا، واتزنت الجبهة الإسلامية مع الجبهة الصليبية بعد ان ضم نور الدين دمشق واصبحت عاصمة الدولة وموحدة بلاد الشام من الشمال إلى الجنوب والشرق واستقر نور الدين زنكي وأنطلق منها لفتح مزيد من البلاد في الجنوب وتوسيع ملكه .
الطريق إلى مصر
بعد نجاح نور الدين في ضم دمشق واصبحت عاصمة دولته ومنطلق الحكم واصبح ملك دمشق وموحد الشام لم يعد أمام الصليبيين للغزو والتوسع سوى طريق الجنوب بعد أن أحكم نور الدين سيطرته بلاد الشام؛ ولذا تطلع الصليبيون إلى مصر باعتبارها الميدان الجديد لتوسعهم، وشجعهم على ذلك أن الدولة الفاطمية في مصر تعاني الضعف فاستولوا على عسقلان ، وكان ذلك إيذانا بمحاولتهم غزو مصر، مستغلين الفوضى في البلاد، وتحولت نياتهم إلى عزم حيث قام "بلدوين الثالث" ملك بيت المقدس بغزو مصر سنة (558هـ = 1163م) محتجا بعدم التزام الفاطميين بدفع الجزية له، غير أن حملته فشلت وأجبر على الانسحاب.
وأثارت هذه الخطوة الجريئة مخاوف نور الدين، فأسرع بشن حملات على الصليبيين في الشام حتى يشغلهم عن الاستعداد لغزو مصر، ودخل في سباق مع الزمن للفوز بمصر وضمها لملكة في الشام ، فأرسل عدة حملات من دمشق تحت قيادة "أسد الدين شيركوه" وبصحبته ابن أخيه الشاب اليافع صلاح الدين الأيوبي ، ابتدأت من سنة (559هـ = 1164م) واستمرت نحو خمس سنوات وفشلت عدة مرات بسبب خيانه صاحب مصر وتعاونه مع الصليبين والفساد المتفشي ولكن اسد الدين لم يتراجع ففي كل مرة كان يعيد تجهيز جيشه وينطلق من جديد بأوامر نور الدين في دمشق حتى نجحت بعد سباق محموم مع الصليبيين في الظفر بمصر سنة (564هـ = 1169م) وتولى شيركوه الوزارة للخليفة العاضد آخر الخلفاء الفاطميين، على أنه لم يلبث أن توفي فعين نور الدين زنكي ابن اخية صلاح الدين الأيوبي وزيرا على مصر وضمها لملكه في الشام .
نجح صلاح الدين الأيوبي في إقامة الأمن واستتباب الأمور وتثبيت أقدامه في البلاد، وجاءت الفرصة المناسبة لإسقاط الدولة الفاطميين؛ فقطع الدعاء للخليفة الفاطمي ودعا للخليفة العباسي في أول جمعة من سنة (567هـ = سبتمبر 1171م). وبنجاح نور الدين في ضم مصر إلى جبهة الكفاح يكون قد حقق الحلقة الأخيرة من حلقات الجبهة الإسلامية .
وفاته
فاجأته الحمى واشتد به المرض في 11 شوال 569هـ 15 مايو 1174 وهو في التاسعة والخمسين من عمره وتوفى ودفن في دمشق .
مصادر
أحمد تمام: "نور الدين محمود.. وبناء الوحدة الإسلامية" موقع اسلام اونلاين
ابن كثير: البداية والنهاية
ابن الأثير: الكامل في التاريخ- دار صادر- بيروت 1399-1979م.
ابن خلكان: وفيات الأعيان- تحقيق إحسان عباس- دار صادر- بيروت 1978م.
تحياتى ليكم
د. علي محمد الصلابي: نور الدين محمود زنكي شخصيته وعصره- دار الأندلس الجديدة-القاهرة 2008
حسين مؤنس: نور الدين محمود سيرة مؤمن صادق- الدار السعودية للنشر والتوزيع- جدة- السعودية 1408هـ = 1987م.
فايد حماد محمد عاشور : جهاد المسلمين في الحروب الصليبية- مؤسسة الرسالة- بيروت 1405هـ = 1985م.
عماد الدين زنكي بن آقسنقر بن عبد الله. أبو المظفر الأتابك. الملك المنصور عماد الدين. قائد عسكري وحاكم مسلم، حكم أجزاء من بلاد الشام وحارب الصليبيين.
كان أبوه مملوك السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي.
نشأته
ولد في 17 من شوال 511هـ وهو ثاني أولاد عماد الدين زنكي بعد سيف الدين غازي، وقد تأثر أبناء عماد الدين بما كان لأبيهم من خلال وفضائل، فكانوا جميعا من رجال الجهاد وفرسانه، على تفاوت في ذلك بينهم.
وبعد وفاة عماد الدين زنكي اقتسم ولداه: سيف الدين غازي ونور الدين محمود دولته، فحكم الأول الموصل وثبّت أقدامه بها، وانفرد الآخر بحكم حلب ، وكان الحد الفاصل بين أملاك الأخوين هو نهر الخابور في الجزيرة السورية ، وكان كلا الأخوين مؤهلا لما وجهته له الأقدار، فكان سيف الدين غازي صاحب سياسة وأناة، على حين كان نور الدين مجاهدا مخلصا جياش العاطفة صادق الإيمان، ميالا إلى جمع كلمة المسلمين وإخراج الأعداء من ديار المسلمين،وهو ما جذب الناس إليه، وحبب القلوب فيه.
وكان على نور الدين أن يواصل سياسة أبيه في جهاد الصليبيين، يدفعه إلى ذلك طبيعته المفطورة على حب الجهاد، وملازمته لأبيه في حروبه معهم. وقرب إمارته في حلب بشمال سوريا من الصليبيين جعله أكثر الناس إحساسا بالخطر الصليبي .
أهم صفاته الشخصية
حرصه على تطبيق الشريعة
كان نور الدين محمود يقول: "نحن شحن (شرطة) الشريعة نمضي أوامرها" وقال أيضاً: "نحن نحفظ الطريق من لص وقاطع طريق والأذى الحاصل منهما قريب أفلا نحفظ الدين ونمنع عنه ما يناقضه, وهو الأصل"
قال عنه ابن كثير: "كان يقوم في أحكامه بالمعدلة الحسنة واتباع الشرع المطهر .. وأظهر ببلاده السنة وأمات البدعة"
أمر بإلغاء كل الضرائب والمكوس التي كانت تؤخذ من الشعب وذلك عندما قص عليه وزيره موفق الدين خالد بن محمد بن نصر القيسراني الشاعر أنه رأى في منامه كأنه يغسل ثياب الملك نور الدين، فأمره بأن يكتب مناشير بوضع المكوس والضرائب عن البلاد، وقال له: هذا تأويل رؤياك. وكتب إلى الناس ليكون منهم في حل مما كان أخذ منهم، ويقول لهم: إنما صرف ذلك في قتال أعدائكم من الكفرة والذب عن بلادكم ونسائكم وأولادكم. وكتب بذلك إلى سائر ممالكه وبلدان سلطانه، وأمر الوعاظ أن يستحلوا له من التجار، وكان يقول في سجوده: اللهم ارحم المكاس العشار الظالم محمود الكلب.
مقدمة :
عندما يحيى الإنسان لهدف ما يجعله نصب عينيه بحيث لا يرى غيره ولا يعمل إلا لتحقيقه ولا يفكر في سواه، يدندن حوله ليل نهار، يسعى للوصول إليه بكل السبل، فإن هذا الإنسان مهما كان حاله يستحق الإعجاب والثناء والتقدير، كيف إذا كان هذا الهدف هو الدفاع عن الأمة الإسلامية وإنقاذ المقدسات الأسيرة وتحرير الأراضى المحتلة، كيف وإذا كان الساعى لتحقيق هذا الهدف السامى هو أول من سعى لتحقيقه ؟ وكيف إذا كان معظم من حوله أو حتى كلهم يعمل ضده ويعيقه في هذا السعى الحميد ؟ فهو كالمغرد والطائر وحده في سماء مليئة بالغيوم والكواسر، وبطلنا الذى سنسرد سيرته هو رائد الجهاد الإسلامى ضد الوجود الصليبى بالشام بعد أن ظن الجميع أنهم لن يخرجوا أبداً من بلاد الإسلام، هذا البطل الذى كسر أسطورة الصليبيين الذين لا يقهرون هو البطل العظيم عماد الدين زنكى .
البطل بن البطل
كان من النتائج الطيبة لإهتمام الوزير العظيم 'نظام الملك' بالعلم والمدارس وأهل الصلاح خلال وزارته لسلاطين السلاجقة العظام ألب أرسلان وولده ملكشاه، وحرصه على استعمال الأكفاء وأصحاب الديانة في المناصب الهامة والقيادية، أن سطح نجم العديد من الرجال والأبطال على مستوى عال من الكفاءة والمسئولية وكان لهم الأثر العظيم في حفظ بلاد الإسلام، من هؤلاء القائد 'آق سنقر بن عبد الله التركى' الملقب بقسيم الدولة وكان له مكانة عظيمة عند السلطان ملكشاه السلجوقى حتى أنه قد جعله والياً على حلب، وقد قتل هذا القائد في دفاعه عن الدولة السلجوقية ضد الخارجين عليها ولم يترك وراءه سوى ولد صغير في العشرة من العمر هو بطلنا الفذ ورائد الجهاد ضد الصليبيين عماد الدين زنكى .
تولى الأمير كربوقا أمير الموصل تربية عماد الدين زنكى وتعهده بالعناية والرعاية وتعليمه فنون الفروسية والقيادة والقتال ، وترقى في سلك الجندية حتى صار مقدم عساكر مدينة واسط ثم ظهرت كفاءته القتالية سنة 517 في قتاله مع الخليفة العباسى المسترشد بالله ضد أحد الثوار الشيعة واسمه 'دبيس بن صدفة' مما جعل السلطان السلجوقى محمود يرقيه ليصبح قائد شحنة بغداد سنة 521ه ويعطيه لقب الأتابك أى مربى الأمير، ذلك لأنه توسم فيه الخير والصلاح والنجابة، فعهد إليه بتربية ولديه ألب أرسلان وفروخ شاه .
من قيادة إلى ولاية
بعد أن أصبح عماد الدين زنكى قائداً ، حدث تغير كبير في مجرى الأحداث في منطقة الشام الملتهبة حيث توفى أمير الموصل عز الدين مسعود ، وحاول بعض المنتفعين توليه ولده الصغير مكانه، ولكن قاضى الموصل بهاء الدين الشهرزورى ذهب إلى السلطان محمود وطلب منه تعيين أمير قوى وكفء للموصل التى على حدود الشام حيث الوجود الصليبى الكثيف في سواحل الشام منذ ثلاثين سنة والذى أسفر عن قيام أربع ممالك صليبية أنطاكية ـ الرها ـ طرابلس ـ بيت المقدس في الشام هذا غير سيطرة الصليبين علي اغلب بلاد الشام .
بعد تفكير سريع وإمعان نظر عميق قرر السلطان محمود أن يسند ولاية الموصل وأعمالها إلى بطلنا عماد الدين زنكى، الذى لم يجد السلطان محمود
عدله
وصف ابن الأثير نور الدين بأنه: "كان يتحرى العدل وينصف المظلوم من الظالم كائناً من كان, القوي والضعيف عنده في الحق سواء, فكان يسمع شكوى المظلوم ويتولى كشف ذلك بنفسه, ولا يكل ذلك إلى حاجب ولا أمير, فلا جرم أن سار ذكره في شرق الأرض وغربها."
قال ابن الأثير: وهو أول من ابتنى داراً للعدل، وكان يجلس فيها في الأسبوع مرتين، وقيل: أربع مرات، وقيل: خمس. ويحضر القاضي والفقهاء من سائر المذاهب، ولا يحجبه يومئذ حاجب ولا غيره، بل يصل إليه القوي والضعيف، فكان يكلم الناس ويستفهمهم ويخاطبهم بنفسه، فيكشف المظالم، وينصف المظلوم من الظالم.
وكان سبب ذلك أن أسد الدين شيركوه بن شاذي كان قد عظم شأنه عند نور الدين، حتى صار كأنه شريكه في المملكة، واقتنى الأملاك والأموال والمزارع والقرى، وكان ربما ظلم نوابه جيرانه في الأراضي والأملاك العدل، وكان القاضي كمال الدين ينصف كل من استعداه على جميع الأمراء إلا أسد الدين هذا فما كان يهجم عليه، فلما علم نور الدين بذلك ابتنى نور الدين دار العدل تقدم أسد إلى نوابه أن لا يدعوا لأحد عنده ظلامة، وإن كانت عظيمة، فإن زوال ماله عنده أحب إليه من أن يراه نور الدين بعين ظالم، أو يوقفه مع خصم من العامة، ففعلوا ذلك.
فلما جلس نور الدين بدار العدل مدة متطاولة ولم ير أحداً يستعدي على أسد الدين، سأل القاضي عن ذلك فأعلمه بصورة الحال، فسجد نور الدين شكرا لله، وقال: الحمد لله الذي أصحابنا ينصفون من أنفسهم.
تدينه وزهده
كان نور الدين يصلي كثيرا بالليل وحكي عنه أنه يصلي فيطيل الصلاة, وله أوراد في النهار, فإذا جاء الليل وصلى العشاء نام, ثم يستيقظ نصف الليل, ويقوم إلى الوضوء والصلاة والدعاة إلى بكرة, ثم يظهر للركوب ويشتغل بمهام الدولة.
قال عنه ابن كثير في البداية والنهاية: "وقد كان رحمه الله حسن الخط كثير المطالعة للكتب الدينية، متبعاً للآثار النبوية، محافظاً على الصلوات في الجماعات، كثير التلاوة، محباً لفعل الخيرات، عفيف البطن والفرج، مقتصداً في الإنفاق على نفسه وعياله في المطعم والملبس، حتى قيل: إنه كان أدنى الفقراء في زمانه أعلا نفقة منه من غير اكتناز ولا استئثار بالدنيا، ولم يسمع منه كلمة فحش قط، في غضب ولا رضا، صموتاً وقوراً."
قال ابن الأثير: لم يكن بعد عمر بن عبد العزيز مثل الملك نور الدين، ولا أكثر تحرياً للعدل والإنصاف منه، وكانت له دكاكين بحمص قد اشتراها مما يخصه من المغانم، فكان يقتات منها، وزاد امرأته من كراها على نفقتها عليها، واستفتى العلماء في مقدار ما يحل له من بيت المال فكان يتناوله ولا يزيد عليه شيئاً، ولو مات جوعاً، وكان يكثر اللعب بالكرة فعاتبه رجل من كبار الصالحين في ذلك فقال: إنما الأعمال بالنيات، وإنما أريد بذلك تمرين الخيل على الكر والفر، وتعليمها ذلك، ونحن لا نترك الجهاد.
وكان لا يلبس الحرير، وكان يأكل من كسب يده بسيفه ورمحه.وكان نور الدين يستقرض من الشيخ عمر الملا من الموصل -وكان من الصالحين الزاهدين- في كل رمضان ما يفطر عليه، وكان يرسل إليه بفتيت ورقاق فيفطر عليه جميع رمضان.
وكان يدعو قائلاً: "اللهم انصر دينك ولا تنصر محموداً من الكلب محمود حتى ينصر ", وكان يدعو أيضاً: " إنك يا رب إن نصرت فدينك نصرت, فلا تمنعهم النصر بسبب محمود إن كان غير مستحق للنصر ".
الأوضاع على الجبهة الشامية
عندما تولى عماد الدين زنكى الموصل تسنى له أن يرى الأوضاع على الجهة الشامية عن قرب حيث كانت الصورة قاتمة فالصليبيون قد احتلوا معظم سواحل الشام وأقاموا أربع إمارات صليبية بالشام والجزيرةالسورية ، أما المدن والحصون التى تحت حكم المسلمين فهى تعانى من الفرقة والإختلاف والتنافر وربما التقاتل فيما بينها، فكل وال على مدينة يتعامل فيها كأنه ملك مستقل عن سائر البلاد، وأغلبهم بل كلهم يتقى شر الصليبيين ويتحاشى الصدام معهم خوفاً على ضياع ملكه وانهدام دنياه، وهذا الخذلان من ولاة الأمصار سهل للصليبيين مهمتهم وجعل وجودهم في الشام يترسخ شيئاً فشيئاً .
أضف إلى ذلك أن الأمصار الإسلامية كلها تقريباً كانت في حالة فوضى واضطراب، فالخلاف على أشده بين أمراء البيت السلجوقى بعضهم بعضاً، كذلك الخلاف بين السلطان مسعود السلجوقى والخليفة العباسي المسترشد بالله على أشده . ومن خلال النظر في هذه الأوضاع كلها قرر عماد الدين زنكى أخذ زمام المبادرة والقيام بعمل لم يسبقه فيه أحد ووضع نصب عينيه هدفاً عظيماً طالما حلم المسلمون بتحقيقه ولكن يتعد نطاقه الأحلام إلى الحقيقة، قرر البطل تحرير بلاد الشام من الوجود الصليبى .
بناء القاعدة الصلبةمن البديهيات الأساسية في قتال أى عدو وطرد أى محتل وتحرير أى أرض أن تكون جبهة المقاومة والدفاع واحدة صلبة مجتمعة، إذ كيف يجاهد المسلمون بصف مهترىء ممزق لذا كان أول ما سعى عماد الدين لتحقيقه هو تكوين وبناء القاعدة الصلبة للمسلمين بتوحيد الجبهة الداخلية ل سوريا ، وربما كانت هذه المهمة هى أصعب مرحلة في مراحل الانتصار .
بدأ عماد الدين زنكى بمدينة حلب الهامة في المنطقة الشمالية من بلاد الشام في 1 محرم سنة 522 هجرية أى بعد شهور قليلة من ولايته على الموصل مما يوضح أن هذا الرجل الفذ كان يملك خطة شاملة ورؤية واضحة معدة سلفاً لحركته بأرض الشام، ولم يكن ضمة لمدينة 'حلب' بالشىء السهل فلقد ظل محاصراً لها عدة شهور قبل فتحها وكان عليها بعض الطامعين المتغلبين، ثم قام بعدها بضم مدينة 'حماة' في السنة التالية 523 هجرية، ثم ضم مدينة سرجى ودارا ثم حصن الأثارب وكان بيد الصليبيين، ثم انشغل عماد الدين زنكى بالخلافات العنيفة بين الخليفة المسترشد والسلطان مسعود بل تورط فيها وذلك لعدة سنوات، ثم عاد بعدها لهدفه الأسمى وضم عدة قلاع للأكراد الحميدية والهكارية وقلعة الصور وواصل سعيه حتى استقامت له ديار بكر و إقليم الجبال سنة 528 هجرية .استقامت معظم بلاد الشام لعماد الدين زنكى عدا ما كان بيد الصليبيين ودمشق قلب الشام وحاضرته وقد حاول زنكى ضم دمشق سنة 529 هجرية ولكنه فشل وبقيت خارج سلطته وبقي يخطط ويفكر كيفية الوصول إلى دمشق .
في دمشقأنشأ المدارس السنية وركز أهتمامه بالمذهبين الحنفي والشافعي. فأنشأ للحنفية المدرسة النورية الكبرى والمدرسة النورية الصغرى. كما أنشأ المدارس للمذهبين المالكي والحنبلي.
بنى أول وأكبر دار للحديث ووكل أمرها إلى الحافظ الكبير ابن عساكر
بنى دوراً للأيتام لتخريج العلماء وخصص لها الأوقاف الكثيرة.
في مصر
قتاله للصليبيين
استهل نور الدين حكمه في سوريا بالقيام ببعض الهجمات على إمارة أنطاكية الصليبية، واستولى على عدة قلاع في شمال الشام ومنطقة الساحل السوري، ثم قضى على محاولة "جوسلين الثاني" لاستعادة الرها التي فتحها عماد الدين زنكي وكانت هزيمة الصليبيين في الرها أشد من هزيمتهم الأولى، وعاقب نور الدين من خان المسلمين من أرمن الرها، وخاف بقية أهل البلد من المسيحيين على أنفسهم فغادروها.
وكان نور الدين دائم السعي إلى استمالة القوى الإسلامية المتعددة في الشام وشمال العراق وكسب ودها وصداقتها؛ لتستطيع مواجهة العدو الصليبي، فعقد معاهدة مع معين الدين أنر حاكم دمشق سنة (541هـ = 1147م) وتزوج ابنته، فلما تعرض أنر لخطر الصليبيين وكانت تربطه بهم معاهدة وحلف لم يجد غير نور الدين يستجير به، فخرج إليه، وسارا معا صاحب دمشق ونور الدين واستوليا على بصرى وصرخند في جنوب سوريا قبل أن يقعا في يد الصليبيين، ثم غادر نور الدين دمشق؛ حتى يبعث في قلب حاكمها الأمان، وأنه لا يفكر إلا في القضاء على الصليبيين؛ فتوجه إلى حصون إمارة إنطاكية، واستولى على أرتاح وكفر لاثا وبصرفوت وغيرها .
وعلى أثر ذلك ملك الرعب قلوب الصليبيين من نور الدين، وأدركوا أنهم أمام رجل لا يقل كفاءة وقدرة عن أبيه عماد الدين، وكانوا قد ظنوا أنهم قد استراحوا بموته، لكن أملهم تبدد أمام حماسة ابنه وشجاعته، وكانت سنه إذ ذاك تسعا وعشرين سنة، لكنه أوتي من الحكمة والتدبير خيرا كثيرا.
وفي سنة (542هـ = 1147م) وصلت الحملة الصليبية الثانية على الشام بزعامة لويس السابع وكونراد الثالث، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها ، وعجزت عن احتلال دمشق أهم مدن الشام ، ويرجع الفضل في ذلك لصبر المجاهدين واجتماع كلمة جيش المسلمين ووحدة صفهم، وكان للقوات التي جاءت مع سيف الدين غازي وأخيه نور الدين أكبر الأثر في فشل تلك الحملة، واستغل نور الدين هذه النكبة التي حلّت بالصليبيين وضياع هيبتهم للهجوم على أنطاكية بعد أن ازداد نفوذه في الشام، فهاجم في سنة (544هـ=1149م) الإقليم المحيط بقلعة حارم الواقعة على الضفة الشرقية لنهر العاصي ، ثم حاصر قلعة إنب، فنهض "ريموند دي بواتيه" صاحب أنطاكية لنجدتها، والتقى الفريقان في (21 من صفر 544هـ= آخر يونيو 1149م) ونجح المسلمون في تحقيق النصر وكان من جملة القتلى صاحب إنطاكية وغيره من قادة الفرنج
نور الدين في دمشق
آمن نور الدين بضرورة وحدة الصف، وانتظام القوى الإسلامية المبعثرة بين الفرات والبحر تقف كالبنيان المرصوص أمام أطماع الصليبيين، وكانت دمشق أهم المدن وعزم نور الدين على ضمها وكان معين الدين أنر صاحب السلطة الفعلية في دمشق يرتبط بعلاقات ومعاهدات مع الصليبيين ، وبعد وفاته قام مجير الدين أبق بأستلام الحكم بدمشق ، ونظرا لاهمية دمشق وموقعها الهام في وسط بلاد الشام فقد تمسك بها الصليبيون وخصصوا لها حامية كبيرة للدفاع عنها . فكر نور الدين وعينه على دمشق ووضع الخطة تلو الاخرى لمهاجمة الصليبين واستعادة دمشق .
ونجح نور الدين في دخول دمشق سنة (549هـ = 1154م) بعد عدة مواجهات مع الصليبين اللذين دافعوا بشراسة عن أهم معاقلهم في الشرق وكانت هذه الخطوة حاسمة في تاريخ الحروب الصليبية؛ حيث توحدت بلاد الشام تحت زعامة نور الدين: من الرها شمالا حتى حوران جنوبا، واتزنت الجبهة الإسلامية مع الجبهة الصليبية بعد ان ضم نور الدين دمشق واصبحت عاصمة الدولة وموحدة بلاد الشام من الشمال إلى الجنوب والشرق واستقر نور الدين زنكي وأنطلق منها لفتح مزيد من البلاد في الجنوب وتوسيع ملكه .
الطريق إلى مصر
بعد نجاح نور الدين في ضم دمشق واصبحت عاصمة دولته ومنطلق الحكم واصبح ملك دمشق وموحد الشام لم يعد أمام الصليبيين للغزو والتوسع سوى طريق الجنوب بعد أن أحكم نور الدين سيطرته بلاد الشام؛ ولذا تطلع الصليبيون إلى مصر باعتبارها الميدان الجديد لتوسعهم، وشجعهم على ذلك أن الدولة الفاطمية في مصر تعاني الضعف فاستولوا على عسقلان ، وكان ذلك إيذانا بمحاولتهم غزو مصر، مستغلين الفوضى في البلاد، وتحولت نياتهم إلى عزم حيث قام "بلدوين الثالث" ملك بيت المقدس بغزو مصر سنة (558هـ = 1163م) محتجا بعدم التزام الفاطميين بدفع الجزية له، غير أن حملته فشلت وأجبر على الانسحاب.
وأثارت هذه الخطوة الجريئة مخاوف نور الدين، فأسرع بشن حملات على الصليبيين في الشام حتى يشغلهم عن الاستعداد لغزو مصر، ودخل في سباق مع الزمن للفوز بمصر وضمها لملكة في الشام ، فأرسل عدة حملات من دمشق تحت قيادة "أسد الدين شيركوه" وبصحبته ابن أخيه الشاب اليافع صلاح الدين الأيوبي ، ابتدأت من سنة (559هـ = 1164م) واستمرت نحو خمس سنوات وفشلت عدة مرات بسبب خيانه صاحب مصر وتعاونه مع الصليبين والفساد المتفشي ولكن اسد الدين لم يتراجع ففي كل مرة كان يعيد تجهيز جيشه وينطلق من جديد بأوامر نور الدين في دمشق حتى نجحت بعد سباق محموم مع الصليبيين في الظفر بمصر سنة (564هـ = 1169م) وتولى شيركوه الوزارة للخليفة العاضد آخر الخلفاء الفاطميين، على أنه لم يلبث أن توفي فعين نور الدين زنكي ابن اخية صلاح الدين الأيوبي وزيرا على مصر وضمها لملكه في الشام .
نجح صلاح الدين الأيوبي في إقامة الأمن واستتباب الأمور وتثبيت أقدامه في البلاد، وجاءت الفرصة المناسبة لإسقاط الدولة الفاطميين؛ فقطع الدعاء للخليفة الفاطمي ودعا للخليفة العباسي في أول جمعة من سنة (567هـ = سبتمبر 1171م). وبنجاح نور الدين في ضم مصر إلى جبهة الكفاح يكون قد حقق الحلقة الأخيرة من حلقات الجبهة الإسلامية .
وفاته
فاجأته الحمى واشتد به المرض في 11 شوال 569هـ 15 مايو 1174 وهو في التاسعة والخمسين من عمره وتوفى ودفن في دمشق .
مصادر
أحمد تمام: "نور الدين محمود.. وبناء الوحدة الإسلامية" موقع اسلام اونلاين
ابن كثير: البداية والنهاية
ابن الأثير: الكامل في التاريخ- دار صادر- بيروت 1399-1979م.
ابن خلكان: وفيات الأعيان- تحقيق إحسان عباس- دار صادر- بيروت 1978م.
تحياتى ليكم
د. علي محمد الصلابي: نور الدين محمود زنكي شخصيته وعصره- دار الأندلس الجديدة-القاهرة 2008
حسين مؤنس: نور الدين محمود سيرة مؤمن صادق- الدار السعودية للنشر والتوزيع- جدة- السعودية 1408هـ = 1987م.
فايد حماد محمد عاشور : جهاد المسلمين في الحروب الصليبية- مؤسسة الرسالة- بيروت 1405هـ = 1985م.
ليست مشكلتي إن لم يفهم البعض ما اعنيه..
فهذه قناعاتي .. وهذه افكاري ..
وهذه كتاباتي بين يديكم
أكتب ما اشعر به .. وأقول ما أنا مؤمن به ..
ليس بالضرورة ما أكتبه يعكس حياتي الشخصيه ...
هي في النهاية مجرد رؤيه لأفكاري
جزاك الله كل خير يا ماساري تحياتي لك
wolf man
:هه1:
wolf man
:هه1:
متشكر جدا
على المرور الجميل
تحياتى ليك
:26:
على المرور الجميل
تحياتى ليك
:26:
ليست مشكلتي إن لم يفهم البعض ما اعنيه..
فهذه قناعاتي .. وهذه افكاري ..
وهذه كتاباتي بين يديكم
أكتب ما اشعر به .. وأقول ما أنا مؤمن به ..
ليس بالضرورة ما أكتبه يعكس حياتي الشخصيه ...
هي في النهاية مجرد رؤيه لأفكاري
للمشاركة انت بحاجه الى تسجيل الدخول او التسجيل
يجب ان تعرف نفسك بتسجيل الدخول او بالاشتراك معنا للمشاركة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى