::::ألف ليلة وليلة::::
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
أحبائى .. أعضاء المنتدى الكرام
جئت لكم بأجمل القصص التى طالما كنا نسمعها ونحن صغاراَ
وطالما أحببناها كثيرا .. ومازلنا
( ألف ليلة وليلة )
من منا لم يعشقها ..؟؟!!
وسأقوم بحكاية كل الليالى ... ليلة بعد أخرى
فلنبدأ الآن
*****************************
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه صلاة وسلاما دائمين متلازمين
الى يوم الدين ( وبعد) فان سير الاولين صارت عبرة للاخرين لكي يرى الانسان العبر التي حصلت لغيره فيعتبر، ويطالع
حديث الامم السالفة وما جرى لهم فينزجر ، فسبحان من جعل حديث الاولين عبرة لقوم آخرين فمن تلك العبر الحكايات
التي تسمى (الف ليلة وليلة ) وما فيها من الغرائب والامثال
( حكاية الملك شهريار واخيه الملك شاه زمان)
( حكى) والله اعلم انه فيما مضى من قديم الزمان وسالف العصر والاوان ملك من ملوك ساسان بجزائر الهند والصين
صاحب جند واعوان ولدان احدهما كبير والاخر صغير. وكانا فارسين بطلين وكان الكبير افرس من الصغير وقد ملك البلاد
وحكم بالعدل بين العباد اسمه الملك شهريار. وكان اخوه الصغير شاه زمان . وكان ملك سمرقند العجم ولم يزل الامر
مستقيما في بلادهما وكل واحد منهما في مملكته حاكم عادل في رعيته مدة عشرين سنة، ولم يزالا على هذه الحالة
الى ان اشتاق الكيبر الى اخيه الصغير فامر وزيره ان يسافر اليه سافر حتى وصل ودخل على اخيه وبلغه السلام واعلمه
ان اخاه مشتاق اليه وقصده ان يزوره فاجابه بالسمع والطاعة وتجهز للسفر واقام وزيره حاكما على بلاده وخرج طالبا
اخيه فلما كان نصف الليل تذكر حاجة نسيها في قصره فرجع ودخل قصره فوجد زوجته راقدة في فراشه معانقة عبدا
اسود من العبيد فلما رأى هذا اسودت الدنيا في وجهه وقال في نفسه اذا كان هذا الامر قد وقع وانا ما فارقت المدينة
فكيف حال هذه العاهرة اذا غبت عند اخي مدة ثم انه سل سيفه وضرب الاثنين فقتلهما في الفراش ورجع من وقته
وساعته وامر بالرحيل وسار الى ان وصل الى مدينة اخيه ففرح اخوه بقدومه ثم خرج اليه ولاقاه وسلم عليه ففرح به
غاية الفرح وزين له المدينة وجلس معه يتحدث بانشراح فتذكر الملك شاه زمان ما كان من امر زوجته فحصل عنده غم زائد
واصفر لونه وضعف جسمه فلما رآه اخوه على هذه الحالة ظن في نفسه ان ذلك بسبب مفارقته بلاده وملكه، فترك
سبيله ولم يسأل عن ذلك ثم انه قال له في بعض الايام يا اخي ان في باطني جرحا. ولم يخبره بما رأى من زوجته، فقال
اني اريد ان تسافر معي الى الصيد والقنص لعل صدرك ينشرح فأبى ذلك. فسافر اخوه وحده الى الصيد وكان في
قصره شبابيك تطل على بستان اخيه فنظر واذا باب القصر قد فتح وخرج منه عشرون جارية وعشرون عبدا، وامرأة
اخيه تمشي بينهم وهي في غاية الحسن والجمال حتى وصلوا الى فسيقة وخلعوا ثيابهم وجلسوا مع بعضهم . واذا
بامرأة الملك قالت يا مسعود فجاءها عبد اسود فعانقها وعانقته وواقعها، وكذلك باقي العبيد فعلوا بالجواري، ولم
يزالوا كذلك حتى ولّى النهار فلما رأى ذلك أخو الملك قال والله ان بليتي اخف من هذه البلية وقد
هان ما عنده من القهر والغم وقال هذا اعظم مما جرى لي، ولم يزل في اكل وشرب، وبعد هذا ا جاء اخوه من السفر
فسلما على بعضهما، ونظر الملك شهريار الى اخيه الملك شاه زمان وقد رد لونه واحمر وجهه وصار يأكل بشهية بعدما
كان قليل الاكل، فتعجب من ذلك وقال يا اخي كنت اراك مصفر اللون والوجه والان قد رد اليك لونك فاخبرني بحالك
فقال له اما تغير لوني فاذكر ملك وعف عني عن اخبارك برد لوني، فقال له اخبرني اولا بتغير لونك وضعفك حتى
اسمعه فقال له يا اخي انك لما ارسلت وزيرك الي يطلبني للحضور بين يديك جهزت حالي وقد برزت من مدينتي ثم اني
تذكرت الخرزة التي اعطيتها لك في قصري فرجعت فوجدت زوجتي معها عبد اسود وهو نائم في فراشي فقتلتهما
وجئت اليك وانا متفكر في هذا الامر فهذا سبب تغير لوني وضعفي. واما رد لوني فاعف عني من ان اذكره لك فلما سمع
اخوه كلامه قال اقسمت عليك بالله ان تخبرني بسبب رد لونك فاعاد عليه جميع ما رأه فقال شهريار لاخيه شاه زمان
مرادي ان انظر بعيني فقال له اخوه شاه زمان اجعل انك مسافر للصيد والقنص واختف عندي وانت شاهد ذلك وتحققه
عيانا، فنادى الملك من ساعته بالسفر فخرجت العساكر والخيام الى ظاهرة المدينة وخرج الملك ثم انه جلس في الخيام
وقال لغلمائه لا يدخل علي احد ثم انه تنكر وخرج متخفيا الى القصر الذي فيه اخوه وجلس في الشباك المطل على
البستان ساعة من الزمان، واذا بالجواري وسيدتهم دخلوا مع العبيد وفعلوا كما قال له اخوه واستمروا كذلك الى العصر
فلما رأى الملك شهريار ذلك الامر طار عقله من رأسه وقال لاخيه شاه زمان قم بنا نسافر الى حال سبيلنا وليس لنا
حاجة بالملك حتى ننظر هل جرى لاحد مثلنا او لا، فيكون موتنا خير من حياتنا فاجابه لذلك ثم انهما خرجا من باب سري
في القصر ولم يزالا مسافرين اياما ولياليا الى ان وصلا الى شجرة في وسط مرج عندها عين ماء بجانب البحر المالح
فشربا من تلك العين وجلسا يستريحان فلما كان بعد ساعة مضت من النهار اذ هما بالبحر قد هاج وطلع منه عمود اسود
صاعد الى السماء وهو قاصد تلك المرجة، قال فلما رأيا ذلك خافا وطلعا الى اعلى الشجرة وكانت عالية وصار ينظران
ماذا يكون الخبر واذا بجني طويل القامة عريض الهامة واسع الصدر على رأسه صندوق فطلع الى البر وأتى نحو
الشجرة التي هما فوقها وجلس تحتها وفتح الصندوق واخرج منه علبة ثم فتحها فخرجت منها صبية غراء بهية كأنها
الشمس المضيئة كما قال الشاعر:
اشرقت في الدجى فلاح النهار واستنارت بنورها الاسحار
من سناها الشموس تشرق لما تتبدي وتنجلي الاقمار
تسجد الكائنات بين يديها حين تبدو وتهتك الاستار
واذا اومضت يروق حماها هطلت بالمدافع الامطار
قال فلما نظر اليها الجني قال يا سيدة الحرائر التي قد اختطفتك ليلة عرسك اريد ان انام قليلا ثم ان الجني وضع رأسه
على ركبتها ونام ، فرفعت رأسها الى اعلى الشجرة فرأت الملكين. فرفعت رأس الجني من فوق ركبتها ووضعتها على
الارض ووقفت تحت الشجرة ، وقالت لهما بالاشارة انزلا ولا تخافا من هذا العفريت ، فقالا لها بالله عليك ان تسامحينا من
هذا الامر فقالت لهما بالله عليكما ان تنزلا والا نبهت عليكما العفريت فيقتلكما، ونزلا اليها فقامت لهما وقالت ارصعا
رصعا عنيفا والا انبه عليكما العفريت فقالت لهما مالي اراكما تتغامزان ان لم تتقدما وتفعلا نبهت عليكما العفريت فمن
خوفهما من الجني فعلا ما امرتهما به فلما فرغا قالت لهما اقفا واخرجت لهما من جيبها كيسا واخرجت منه عقدا فيه
خمسمائة وسبعون خاتما فقالت لهما اتدريان ما هذه فقالا لها لا ندري فقالت لهما اصحاب هذه الخواتم كلهم كانوا
يفعلون بي على غفلة قرن هذا العفريت فأعطياني خاتميكما انتما الآخران فأعطياها من يديهما خاتمين فقالت لهما ان
هذا العفريت قد اختطفني ليلة عرسي ثم انه وضعني في علبة وجعل العلبة داخل الصندوق ورمى على الصندوق سبعة
اقفال وجعلني في قاع البحر العجاج المتلاطم بالامواج ويعلم ان المرأة منا اذا ارادت امرا لم يغلبها شيء.
تعجبا غاية ´العجب وقالا لبعضهما اذا كان هذا عفريتا وجرى له اعظم مما جرى لنا فهذا شيء يسلينا ثم انصرفا من
ساعتهما عنها ورجعا الى مدينة الملك شهريار ودخلا قصره ثم انه رمى عنق زوجته وكذلك اعناق الجواري والعبيد
وصار المك شهريار كلما ياخذ بنتا بكرا يزيل بكارتها ويقتلها من ليلتها ولم يزل على ذلك مدة ثلاث سنوات فضجت الناس
وهربت ببناتها ولم يبق في المدينة بنت تتحمل الوطء. ثم ان الملك امر الوزير بان يأتيه ببنت على جري عادته فخرج
الوزير وفتش فلم يجد بنتا فتوجه الى منزله وهو غضبان مقهور خائف على نفسه من الملك وكان الوزير له بنتان ذا حسن
وجمال وبهاء وقد واعتدال الكبيرة اسمها شهرزاد والصغيرة اسمها دنيازاد وكانت الكبيرة قد قرأت الكتب والتواريخ
وسير الملوك المتقدمين واخبار الامم الماضين قيل انها جمعت الف كتاب من كتب التواريخ المتعلقة بالامم السالفة
والشعراء فقالت لأبيها مالي أراك متغيرا ً حاملا ً الهم والأحزان وقد قال بعضهم في المعنى شعرا ً:
قل لمن يحمل هما ان حما لا يدوم
مثل ما يفنى السرور هكذا تفنى الهموم
فلما سمع الوزير من ابنته هذا الكلام حكى لها ما جرى له من الأول إلى الاخر مع الملك فقالت له بالله يا أبت زوجني هذا
الملك فإما أن اعيش وإما أن أكون فداءا ً لبنات المسلمين وسبباً لخلاصهن من بين يديه: وتزوجت الفتاة من الملك .
( يتبع )
*************************
الليلة الاولى
قالت بلغني ايها الملك السعيد انه كان هناك تاجرا من التجار كثير المال والمعاملات في البلاد قد ركب يوما وخرج يطالب
في بعض البلاد فاشتد عليه الحر فجلس تحت شجرة وحط يده في خرجه واكل كسرة كانت معه وتمرة فلما فرغ من اكل
التمرة رمى النواة فاذا هو بعفريت طويل القامة وبيده سيف فدنا من ذلك التاجر وقال له قم حتى اقتلك مثل ما قتلت
ولدي فقال له التاجر كيف قتلت ولدك قال لما اكلت التمر ورميت نواتها جاءت النواة في صدر ولدي فقضي عليه لساعته
فقال التاجر للعفريت اعلم ايها العفريت انه علي دين ولي مال كثير واولاد وزوجة وعندي رهون فدعني اذهب الى بيتي
واعطي كل ذي حقه ثم اعود اليك فتفعل بي ما تريد فاستوثق منه الجني واطلقه فرجع الى بلاده وقضى جميع تعلقاته
واوصل الحقوق الى اهلها واعلم زوجته واولاده بما جرى له فبكوا وكذلك جميع اهله ونسائه واولاده واوصى وقعد
عندهم الى تمام السنة ثم توجه واخذ كفنه من تحت ابطه وودع اهله وجيرانه وجميع اهله.
كان ذلك اليوم اول السنة الجديدة. فبينما هو جالس يبكي واذا بشيخ كبير قد اقبل عليه ومعه غزالة فسلم على هذا
التاجر وحياه وقال له ما سبب جلوسك في هذا المكان وانت منفرد وهو مأوى الجن. فاخبره التاجر بما جرى له مع ذلك
العفريت فتعجب الشيخ وقال والله يا اخي ما دينك الا دين عظيم وحكايتك حكاية عجيبة ثم انه جلس بجانبه وقال والله يا
اخي لا ابرح من عندك حتى انظر ما يجري لك مع ذلك العفريت ثم انه جلس عنده يتحدث معه فغشي على ذلك التاجر
وحصل له الخوف والفزع والغم الشديد والفكر المزيد واذا بشيخ ثان قد اقبل عليهما ومعه كلبتان سلاقيتان من الكلاب
السود فسألهما بعد السلام عليهما عن سبب جلوسهما في هذا المكان وهو مأوى الجان فاخبروه بالقصة فلم يستقر بهم
الجلوس حتى اقبل عليهم شيخ ثالث ومعه بغلة فسلم عليهم وسألهم عن سبب جلوسهم في هذا المكان فاخبروه بالقصة
ويبنما هم كذلك اذا بغبرة هاجت وزوبعة عظيمة قد اقبلت من وسط تلك البرية فانكشف الغبار واذا بذلك الجني وبيده
سيف مسلول وعيونه ترمي الشرر فاتاهم وجلب ذلك التاجر من يبنهم وقال له قم اقتلك مثل ما قتلت ولدي وحشاشة
كبدي فانتحب ذلك التاجر وبكى واعلن الثلاثة شيوخ بالبكاء والعويل والنحيب فانتبه منهم الشيخ الاول وقبل يد
العفريت وقال له ناج ملوك الجان اذا حكيت لك جكايتي مع هذه الغزالة اتهب لي ثلث دم هذا التاجر؟ قال نعم. الشيخ
الاول اعلم ايها العفريت ان هذه الغزالة بنت عمي، كنت قد تزوجتها وهي صغيرة السن واقمت معها نحو ثلاثين سنة فلم
ارزق منها بولد فاخذت لي سرية فرزقت منها بولد ذكر كانه البدر فكبر شيئا فشيئا الى ان صار ابن خمس عشرة سنة
فطرأت لي سفرة بعض المداثن فسافرت بمتجرعظيم وكانت بنت عمي هذه الغزالة تعلمت السحر واكهانة من صغرها
فسحرت ذلك الولد عجلا وسحرت الجارية امه بقرة وسلمتها الى الراعي ثم جئت انا بعد مدة طويلة من السفر فسالت عن
ولدي وعن امه فقالت لي جاريتك ماتت وابنك هرب ولا اعلم اين ذهب فجلست مدة سنة وانا حزين الى ان جاء عيه
الضحية فارسلت الى الراعي ان يخصني ببقرة سمينة فجاءني ببقرة سمينة وهي سريتي التي سحرتها تلك الغزالة
فشمرت ثيابي واخذ ت السكين بيدي وتهيأت لذبحها . فصاحت وبكت بكاءا شد يدا فقمت عنها وامرت الراعي بذ بحها
فذ بحها وسلخها فلم يجد فيها شحما ولا لحما غير جلد وعظم فند مت على ذبحها واعطيتها للراعي وقلت له ائتني
بعجل سمين فأتاني بولدي المسحور عجلا فلما رأني ذلك العجل قطع حبله وبكى فاخذتني الرأفة عليه وقلت للراعي :
اثتني ببقرة ودع هذا . وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح فقالت لها اختها ما أطيب حد يثك وألطفه وألذه
وأعذبه فقالت لها واين هذا مما ساحدثكم به الليلة المقبلة اذ عشت وابقاني الملك فقال الملك في نفسه والله ما اقتلها
حتى اسمع بقية حديثها ثم انهم باتوا تلك الليلة متعانقين , فخرج الملك الى محل حكمه وطلع الوزير بالكفن تحت ابطه
ولم يخبره الملك بشيء من ذلك فتعجب غاية التعجب ثم انفض الديوان ودخل الملك شهريار قصره.
وإلى لقاء إن شاء الله فى الليلة التالية
*************************
عدل سابقا من قبل sad angel في الإثنين 21 سبتمبر 2009 - 11:43 عدل 1 مرات
جميله جدا قصة الف ليلة وليلة رغم من انها اسطورة ومش حقيقية لكن بجد تحفة
تسلمي ايدك علي كل ما تقدمية لنا من ابداعات دائما
تحياتي لكي
Wolf Man
تسلمي ايدك علي كل ما تقدمية لنا من ابداعات دائما
تحياتي لكي
Wolf Man
أوعى المظاهر تخدعك ولا كلمه حلوه توقعك ولا صاحب ندل يضيعك ولا عيشه مره تغيرك
ولا قلب عشقته يحيرك ولا ناس حبتها تدمرك ولا غربه صعبه تكسرك
ولا حبيب مخلص يخصرك ولا دمعت حزن تسهرك ولا كلمه تقولها تصغرك
دى الدنيا لحظات والناس مقامات والزمن مسافات والحب كلمات وانت زى
الورد ان دبل مات
للمراسلة والاعلان على الموقع اتصل بنا
ولا قلب عشقته يحيرك ولا ناس حبتها تدمرك ولا غربه صعبه تكسرك
ولا حبيب مخلص يخصرك ولا دمعت حزن تسهرك ولا كلمه تقولها تصغرك
دى الدنيا لحظات والناس مقامات والزمن مسافات والحب كلمات وانت زى
الورد ان دبل مات
للمراسلة والاعلان على الموقع اتصل بنا
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
الليلة الثانية
قالت دنيازاد لاختها يا أختي أتممي لنا حديثك قالت حباً وكرامة إن أذن لي الملك في ذلك، فقال لها الملك: احكي،
فقالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنه لما رأى بكاء العجل حن قلبه إليه وقال للراعي: ابق هذا العجل بين البهائم. كل
ذلك والجني يتعجب ثم قال صاحب الغزالة: كل ذلك جرى وابنة عمي تنظر وترى وتقول اذبح هذا العجل فإنه سمين، فلم
يهن علي أن أذبحه وأمرت الراعي أن يأخذه فاخذه وتوجه به وفي ثاني يوم وأنا جالس وإذا بالراعي قد أقبل علي
وقال: يا سيدي إني سأقول شيئاً تسر به ولي البشارة. فقلت: نعم فقال: أيها التاجر إن لي بنتاً كانت تعلمت السحر
في صغرها فلما كنا بالأمس وأعطيتني العجل دخلت به عليها فنظرت إليه ابنتي وغطت وجهها وبكت ثم إنها ضحكت
وقالت: يا أبي قد خس قدري عندك حتى تدخل علي الرجال الأجانب. فقلت لها: وأين الرجال الأجانب ولماذا بكيت
وضحكت؟ فقالت لي أن هذا العجل الذي معك ابن سيدي التاجر ولكنه مسحور وسحرته زوجة أبيه هو وأمه فهذا سبب
ضحكي وأما سبب بكائي فمن أجل أمه حيث ذبحها أبوه وما صدقت بطلوع الصباح حتى جئت إليك لأعلمك . فلما سمعت
أيها الجني كلام هذا الراعي خرجت معه وأنا سكران من غير مدام من كثرة الفرح والسرور الذي حصل لي إلى أن أتيت
إلى داره فرحبت بي ابنة الراعي وقبلت يدي ثم إن العجل جاء إلي وتمرغ علي فقلت لابنة الراعي: أحقا ما تقولينه عن
ذلك العجل؟ فقالت: نعم يا سيدي إنه ابنك وحشاشة كبدك فقلت لها: أيها الصبية إن أنت خلصتيه فلك عندي ما تحت يد
أبيك من المواشي والأموال فتبسمت وقالت: يا سيدي ليس لي رغبة في المال إلا بشرطين: الأول: أن تزوجني به
والثاني: أن أسحر من سحرته وأحبسها وإلا فلست آمن مكرها فلما سمعت أيها الجني كلام بنت الراعي قلت: ولك فوق
جميع ما تحت يد أبيك من الأموال زيادة وأما بنت عمي فدمها مباح.
فلما سمعت كلامي أخذت طاسة ملأتها ماء ثم أنها عزمت عليها ورشت بها العجل وقالت: له إن كان الله خلقك عجلاً فدم
على هذه الصفة ولا تتغير وإن كنت مسحوراً فعد إلى خلقتك الأولى بإذن الله تعالى وإذا به انتفض ثم صار إنساناً
فوقعت عليه وقلت له: بالله عليك احكي لي جميع ما صنعت بك وبأمك بنت عمي فحكى لي جميع ما جرى لهما فقلت: يا
ولدي قد قيض الله لك من خلصك وخلص حقك ثم إني أيها الجني زوجته ابنة الراعي ثم أنها سحرت ابنة عمي هذه
الغزالة وجئت إلى هنا فرأيت هؤلاء الجماعة فسألتهم عن حالهم فأخبروني بما جرى لهذا التاجر فجلست لأنظر ما يكون
وهذا حديثي فقال الجني: هذا حديث عجيب وقد وهبت لك ثلث دمه فعند ذلك تقدم الشيخ صاحب الكلبتين السلاقيتين
وقال له: اعلم يا سيد ملوك الجان أن هاتين الكلبتين أخوتي وأنا ثالثهم ومات والدي وخلف لنا ثلاثة آلاف دينار ففتحت
انا دكاناً أبيع فيه وأشتري وسافر أخي بتجارته وغاب عنا مدة سنة ثم أتى وما معه شيء فقلت: يا أخي أما أشرت
عليك بعدم السفر؟ فبكى وقال: يا أخي قدر الله عز وجل علي بهذا ولم يبق لهذا الكلام فائدة ولست أملك شيئاً فأخذته
وطلعت به إلى الدكان ثم ذهبت به إلى الحمام وألبسته حلة من الملابس الفاخرة وقلت له: يا أخي إني أحسب ربح دكاني
من السنة إلى السنة ثم أقسمه دون رأس المال بيني وبينك ثم إني عملت حساب الدكان من ربح مالي فوجدته ألفي
دينار فحمدت الله عز وجل وفرحت غاية الفرح وقسمت الربح بيني وبينه وأقمنا مع بعضنا أياماً ثم إن أخوتي طلبوا
السفر أيضاً وأرادوا أن أسافر معهم فلم أرض وقلت لهم: أي شيء كسبتم من سفركم حتى أكسب أنا؟ فألحوا علي
ولم أطعهم بل أقمنا في دكاكيننا نبيع ونشتري سنة كاملة وهم يعرضون علي السفر وأنا لم أرض حتى مضت ستة
سنوات.ثم وافقتهم على السفر وقلت لهم: يا أخوتي إننا نحسب ما عندنا من المال فحسبناه فإذا هو ستة آلاف دينار
فقلت: ندفن نصفها تحت الأرض لينفعا إذا أصابنا أمر ويأخذ كل واحد منا ألف دينار ونتسبب فيها قالوا: نعم الرأي
فأخذت المال وقسمته نصفين ودفنت ثلاثة آلاف دينار. وأما الثلاثة آلاف دينار الأخرى فأعطيت كل واحد منهم ألف دينار
وجهزنا بضائع واكترينا مركباً ونقلنا فيها حوائجنا وسافرنا مدة شهر كامل إلى أن دخلنا مدينة وبعنا بضائعنا فربحنا
في الدينار عشرة دنانير ثم أردنا السفر فوجدنا على شاطئ البحر جارية فقبلت يدي وقالت: يا سيدي هل عندك إحسان
ومعروف أجازيك عليهما؟ قلت: نعم فقالت: يا سيدي تزوجني وخذني إلى بلادك فإني قد وهبتك نفسي فافعل معي
معروفاً لأني ممن يصنع معه المعروف والإحسان، ويجازي عليهما ولا يغرنك حالي. فلما سمعت كلامها حن قلبي إليها
لأمر يريده الله عز وجل، فأخذتها وكسوتها وفرشت لها في المركب فرشاً حسناً وأقبلت عليها وأكرمتها ثم سافرنا
وقد أحبها قلبي محبة عظيمة وصرت لا أفارقها ليلاً ولا نهاراً و اشتغلت بها عن إخوتي، فغاروا مني وحسدوني على
مالي وكثرت بضاعتي وطمحت عيونهم في المال جميعه، وتحدثوا بقتلي وأخذ مالي وزين لهم الشيطان أعمالهم
فجاؤوني وأنا نائم بجانب زوجتي ورموني في البحر فلما استيقظت زوجتي انتفضت فصارت عفريتة وحملتني
وأطلعتني على جزيرة وغابت عني قليلاً وعادت إلي عند الصباح، وقالت لي: أنا زوجتك التي حملتك ونجيتك من القتل
بإذن الله تعالى، واعلم أني جنية رأيتك فاحبك قلبي وأنا مؤمنة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم فجئتك بالحال الذي
رأيتني فيه فتزوجت بي وها أنا قد نجيتك من الغرق، وقد غضبت على إخوتك ولا بد أن أقتلهم. فلما سمعت حكايتها
تعجبت وشكرتها على فعلها وقلت لها أما هلاك إخوتي فلا ينبغي ثم حكيت لها ما جرى لي معهم.
فلما سمعت كلامي قالت: أنا في هذه الليلة أطير إليهم وأغرق مراكبهم وأهلكهم، فقلت لها: بالله لا تفعلي فإن صاحب
المثل يقول: يا محسناً لمن أساء كفي المسيء فعله وهم إخوتي على كل حال، قالت لا بد من قتلهم، فاستعطفتها ثم
أنها حملتني وطارت، فوضعتني على سطح داري ففتحت الأبواب وأخرجت الذي خبأته تحت الأرض وفتحت دكاني بعد
ما سلمت على الناس واشتريت بضائع، فلما كان الليل، دخلت داري فوجدت هاتين الكلبتين مربوطتين فيها، فلما رأياني
قاما إلي وبكيا وتعلقا بي، فلم أشعر إلا وزوجتي قالت هؤلاء إخوتك فقلت من فعل بهم هذا الفعل قالت أنا أرسلت
إلى أختي ففعلت بهم ذلك وما يتخلصون إلا بعد عشر سنوات، فجئت وأنا سائر إليها تخلصهم بعد إقامتهم عشر
سنوات، في هذا الحال، فرأيت هذا الفتى فأخبرني بما جرى له فأردت أن لا أبرح حتى أنظر ما يجري بينك وبينه وهذه قصتي.
قال الجني: إنها حكاية عجيبة وقد وهبت لك ثلث دمه في جنايته فعند ذلك تقدم الشيخ الثالث صاحب البغلة، وقال
للجني أنا أحكي لك حكاية أعجب من حكاية الاثنين، وتهب لي باقي دمه وجنايته، فقال الجني نعم فقال الشيخ أيها
السلطان ورئيس الجان إن هذه البغلة كانت زوجتي سافرت وغبت عنها سنة كاملة، ثم قضيت سفري وجئت إليها في
الليل فرأيت عبد أسود راقدا معها في الفراش وهما في كلام وغنج وضحك وتقبيل وهراش فلما رأتني عجلت وقامت
إلي بكوز فيه ماء فتكلمت عليه رشتني، وقالت اخرج من هذه الصورة إلى صورة كلب فصرت في الحال كلباً فطردتني
من البيت فخرجت من الباب ولم أزل سائراً، حتى وصلت دكان جزار فتقدمت وصرت آكل من العظام.
فلما رآني صاحب الدكان أخذني ودخل بي بيته فلما رأتني بنت الجزار غطت وجهها مني وقالت أتجيء لنا برجل
وتدخل علينا به فقال أبوها أين الرجل قالت إن هذا الكلب سحرته امرأة وأنا أقدر على تخليصه فلما سمع أبوها كلامها
قال: عليك يا ابنتي خلصيه فأخذت كوزاً فيه ماء وتكلمت عليه ورشت علي منه قليلاً وقالت: اخرج من هذه الصورة إلى
صورتك الأولى، فصرت إلى صورتي الأولى فقبلت يدها وقلت لها: أريد أن تسحري زوجتي كما سحرتني فأعطتني
قليلاً من الماء، وقالت إذا رأيتها نائمة فرش هذا الماء عليها تصير كما أنت طالب فوجدتها نائمة فرششت عليها الماء،
وقلت اخرجي من هذه الصورة إلى صورة بغلة فصارت في الحال بغلة وهي هذه التي تنظرها بعينك أيها السلطان
ورئيس ملوك الجان، فلما فرغ من حديثه اهتز الجني من الطرب ووهب له باقي دمه وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
فقالت لها أختها: يا ما أحلى حديثك وأطيبه وألذه وأعذبه فقالت:وأين هذا مما سأحدثكم به الليلة المقبلة إن عشت
وأبقاني الملك فقال الملك: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها لأنه عجيب ثم باتوا تلك الليلة متعانقين إلى الصباح .
وإلى اللقاء بإذن الله فى الليلة التالية
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
الليلة الثالثة
قالت لها دنيازاد أتمي حديثك فقالت حباً وكرامة بلغني أيها الملك السعيد أن التاجر أقبل على الشيوخ وشكرهم وهناؤه بالسلامة ورجع كل واحد إلى بلده وما هذا بأعجب من حكاية الصياد فقال لها الملك: وما حكاية الصياد؟
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان هناك رجل وكان طاعناً في السن وله زوجة وثلاثة أولاد وهو فقير الحال وكان من عادته أنه يرمي شبكته كل يوم أربع مرات لا غير ثم أنه خرج يوماً من الأيام في وقت الظهر إلى شاطئ البحر وحط مقطفه وطرح شبكته وصبر إلى أن استقرت في الماء ثم جمع خيطانها فوجدها ثقيلة فجذبها فلم يقدر على ذلك فذهب بالطرف إلى البر ودق وتداً وربطها فيه ثم تعرى وغطس في الماء حول الشبكة وما زال يعالج حتى أطلعها ولبس ثيابه وأتى إلى الشبكة فوجد فيها حماراً ميتاً فلما رأى ذلك حزن وقال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال أن هذا الرزق عجيب وأنشد يقول:
يا خائضاً في ظلام الليل والهـلـكة أقصر عناك فليس الرزق بالحركة
ثم أن الصياد لما رأى الحمار الميت خلصه من الشبكة وعصرها، فلما فرغ من عصرها نشرها وبعد ذلك نزل البحر، وقال بسم الله وطرحها فيه وصبر عليها حتى استقرت ثم جذبها فثقلت ورسخت أكثر من الأول فظن أنه سمك فربط الشبكة وتعرى ونزل وغطس، ثم عالجها إلى أن خلصها وأطلعها إلى البر فوجد فيها زيراً كبيراً، وهو ملآن برمل وطين فلما رأى ذلك تأسف ثم إنه رمى الزير وعصر شبكته ونظفها واستغفر الله وعاد إلى البحر ثالث مرة ورمى الشبكة وصبر عليها حتى أستقرت وجذبها فوجد فيها شقافة وقوارير فأنشد قول الشاعر:
هو الرزق لا حل لديك ولا ربط ولا قلم يجدي عليك ولا خـط
ثم أنه رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم أنك تعلم أني لم أرم شبكتي غير أربع مرات وقد رميت ثلاثا، ثم أنه سمى الله ورمى الشبكة في البحر وصبر إلى أن أستقرت وجذبها فلم يطق جذبها وإذا بها أشتبكت في الأرض فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله فتعرى وغطس عليها وصار يعالج فيها إلى أن طلعت الى البر وفتحها فوجد فيها قمقما من نحاس أصفر ملآن وفمه مختوم برصاص عليه طبع خاتم سيدنا سليمان.
رآه الصياد فرح وقال هذا أبيعه في سوق النحاس فإنه يساوي عشرة دنانير ذهبا ثم أنه حركه فوجده ثقيلاً فقال: لا بد أني أفتحه وأنظر ما فيه وأدخره في الخرج ثم أبيعه في سوق النخاس ثم أنه أخرج سكينا، وعالج الرصاص إلى أن فكه من القمقم وحطه على الارض وخرج من ذلك القمقم دخان صعد إلى عنان السماء ومشى على وجه الأرض فتعجب غاية العجب وبعد ذلك تكامل الدخان، واجتمع ثم انتفض فصار عفريتاً رأسه في السحاب ورجلاه في التراب ارتعدت فرائصه وتشبكت أسنانه، ونشف ريقه وعمي عن طريقه فلما رآه العفريت قال لا إله إلا الله سليمان نبي الله، فقال العفريت: يا نبي الله لا تقتلني فإني لا عدت أخالف لك قولاً ولا أعصي لك أمراً، فقال له الصياد: أيها المارد أتقول سليمان نبي الله، وسليمان مات من مدة ألف وثمانمائة سنة، ونحن في آخر الزمان فما قصتك، وما حديثك وما سبب دخولك إلى هذا القمقم.
فلما سمع المارد كلام الصياد قال: لا إله إلا الله أبشر يا صياد، فقال الصياد: بماذا تبشرني فقال بقتلك في هذه الساعة أشر القتلات وأي شيء يوجب قتلي وقد خلصتك من القمقم ونجيتك من قرار البحر، وأطلعتك إلى البر فقال العفريت: تمن علي أي موتة تموتها، وأي قتلة تقتلها قال الصياد ما ذنبي حتى يكون هذا جزائي منك.
قال العفريت اسمع حكايتي يا صياد، قال الصياد: قل وأوجز في الكلام فإن روحي وصلت إلى قدمي. قال اعلم أني من الجن المارقين، وقد عصيت سليمان بن داود وأنا صخر الجني فأرسل الى وزيره آصف بن برخيا وقادني إليه وأنا ذليل على رغم أنفي وأوقفني بين يديه فلما رآني سليمان استعاذ مني وعرض علي الإيمان والدخول تحت طاعته فأبيت فطلب هذا القمقم وحبسني فيه وختم علي بالرصاص وطبعه بالاسم الأعظم، وأمر الجن فاحتملوني وألقوني في وسط البحر فأقمت مائة عام وقلت في قلبي كل من خلصني أغنيته إلى الأبد فمرت المائة عام ولم يخلصني أحد، ودخلت مائة أخرى فقلت من خلصني فتحت له كنوز الأرض، فلم يخلصني أحد فمرت علي أربعمائة عام أخرى فقلت كل من خلصني أقضي له ثلاث حاجات فلم يخلصني أحد فغضبت غضباً شديداً وقلت في نفسي كل من خلصني في هذه الساعة قتلته ومنيته كيف يموت وها أنك قد خلصتني ومنيتك كيف تموت فلما سمع الصياد كلام العفريت قال يا لله العجب انا ما جئت اخلصك الا في هذه الايام قال الصياد للعفريت اعف عن قتلي يعفو الله عنك ولا تهلكني يسلط الله عليك من يهلكك فقال لا بد من قتلك فلما تحقق الصياد منه راجع العفريت وقال اعف عني اكراما لما اعتقتك فقال العفريت وانا ما اقتلك الا لاجل ما خلصتني فقال له الصياد يا شيخ العفاريت اصنع مليحا فتقابلني بالقبيح ولكن لم يكذب المثل حيث قال : .
فعلنا جميلاً قابـلـونـا بـضـده وهذا لعمري من فعال الفواجـر
ومن يفعل المعروف مع غير أهله يجازى كما جوزي مجير أم عامر
فلما سمع كلامه قال لا تطمع فلا بد من موتك، فقال الصياد هذا جني، وأنا إنسي وقد أعطاني الله عقلاً كاملاً وها أنا أدبر أمراً في هلاكه، بحيلتي وعقلي وهو يدبر بمكره وخبثه، ثم قال للعفريت: هل صممت على قتلي قال نعم، فقال له بالاسم الأعظم المنقوش على خاتم سليمان أسألك عن شيء وتصدقني فيه، قال نعم، ثم إن العفريت لما سمع ذكر الاسم الأعظم اضطرب واهتز وقال: اسأل وأوجز، فقال له: كيف كنت في هذا القمقم، والقمقم لا يسع يدك ولا رجلك فكيف يسعك كلك، فقال له العفريت: وهل أنت لا تصدق أنني كنت فيه فقال الصياد لا أصدق حتى أنظر بعيني،
.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
ونلتقى مع الليلة التالية ... قريبا ...
قالت لها دنيازاد أتمي حديثك فقالت حباً وكرامة بلغني أيها الملك السعيد أن التاجر أقبل على الشيوخ وشكرهم وهناؤه بالسلامة ورجع كل واحد إلى بلده وما هذا بأعجب من حكاية الصياد فقال لها الملك: وما حكاية الصياد؟
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان هناك رجل وكان طاعناً في السن وله زوجة وثلاثة أولاد وهو فقير الحال وكان من عادته أنه يرمي شبكته كل يوم أربع مرات لا غير ثم أنه خرج يوماً من الأيام في وقت الظهر إلى شاطئ البحر وحط مقطفه وطرح شبكته وصبر إلى أن استقرت في الماء ثم جمع خيطانها فوجدها ثقيلة فجذبها فلم يقدر على ذلك فذهب بالطرف إلى البر ودق وتداً وربطها فيه ثم تعرى وغطس في الماء حول الشبكة وما زال يعالج حتى أطلعها ولبس ثيابه وأتى إلى الشبكة فوجد فيها حماراً ميتاً فلما رأى ذلك حزن وقال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال أن هذا الرزق عجيب وأنشد يقول:
يا خائضاً في ظلام الليل والهـلـكة أقصر عناك فليس الرزق بالحركة
ثم أن الصياد لما رأى الحمار الميت خلصه من الشبكة وعصرها، فلما فرغ من عصرها نشرها وبعد ذلك نزل البحر، وقال بسم الله وطرحها فيه وصبر عليها حتى استقرت ثم جذبها فثقلت ورسخت أكثر من الأول فظن أنه سمك فربط الشبكة وتعرى ونزل وغطس، ثم عالجها إلى أن خلصها وأطلعها إلى البر فوجد فيها زيراً كبيراً، وهو ملآن برمل وطين فلما رأى ذلك تأسف ثم إنه رمى الزير وعصر شبكته ونظفها واستغفر الله وعاد إلى البحر ثالث مرة ورمى الشبكة وصبر عليها حتى أستقرت وجذبها فوجد فيها شقافة وقوارير فأنشد قول الشاعر:
هو الرزق لا حل لديك ولا ربط ولا قلم يجدي عليك ولا خـط
ثم أنه رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم أنك تعلم أني لم أرم شبكتي غير أربع مرات وقد رميت ثلاثا، ثم أنه سمى الله ورمى الشبكة في البحر وصبر إلى أن أستقرت وجذبها فلم يطق جذبها وإذا بها أشتبكت في الأرض فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله فتعرى وغطس عليها وصار يعالج فيها إلى أن طلعت الى البر وفتحها فوجد فيها قمقما من نحاس أصفر ملآن وفمه مختوم برصاص عليه طبع خاتم سيدنا سليمان.
رآه الصياد فرح وقال هذا أبيعه في سوق النحاس فإنه يساوي عشرة دنانير ذهبا ثم أنه حركه فوجده ثقيلاً فقال: لا بد أني أفتحه وأنظر ما فيه وأدخره في الخرج ثم أبيعه في سوق النخاس ثم أنه أخرج سكينا، وعالج الرصاص إلى أن فكه من القمقم وحطه على الارض وخرج من ذلك القمقم دخان صعد إلى عنان السماء ومشى على وجه الأرض فتعجب غاية العجب وبعد ذلك تكامل الدخان، واجتمع ثم انتفض فصار عفريتاً رأسه في السحاب ورجلاه في التراب ارتعدت فرائصه وتشبكت أسنانه، ونشف ريقه وعمي عن طريقه فلما رآه العفريت قال لا إله إلا الله سليمان نبي الله، فقال العفريت: يا نبي الله لا تقتلني فإني لا عدت أخالف لك قولاً ولا أعصي لك أمراً، فقال له الصياد: أيها المارد أتقول سليمان نبي الله، وسليمان مات من مدة ألف وثمانمائة سنة، ونحن في آخر الزمان فما قصتك، وما حديثك وما سبب دخولك إلى هذا القمقم.
فلما سمع المارد كلام الصياد قال: لا إله إلا الله أبشر يا صياد، فقال الصياد: بماذا تبشرني فقال بقتلك في هذه الساعة أشر القتلات وأي شيء يوجب قتلي وقد خلصتك من القمقم ونجيتك من قرار البحر، وأطلعتك إلى البر فقال العفريت: تمن علي أي موتة تموتها، وأي قتلة تقتلها قال الصياد ما ذنبي حتى يكون هذا جزائي منك.
قال العفريت اسمع حكايتي يا صياد، قال الصياد: قل وأوجز في الكلام فإن روحي وصلت إلى قدمي. قال اعلم أني من الجن المارقين، وقد عصيت سليمان بن داود وأنا صخر الجني فأرسل الى وزيره آصف بن برخيا وقادني إليه وأنا ذليل على رغم أنفي وأوقفني بين يديه فلما رآني سليمان استعاذ مني وعرض علي الإيمان والدخول تحت طاعته فأبيت فطلب هذا القمقم وحبسني فيه وختم علي بالرصاص وطبعه بالاسم الأعظم، وأمر الجن فاحتملوني وألقوني في وسط البحر فأقمت مائة عام وقلت في قلبي كل من خلصني أغنيته إلى الأبد فمرت المائة عام ولم يخلصني أحد، ودخلت مائة أخرى فقلت من خلصني فتحت له كنوز الأرض، فلم يخلصني أحد فمرت علي أربعمائة عام أخرى فقلت كل من خلصني أقضي له ثلاث حاجات فلم يخلصني أحد فغضبت غضباً شديداً وقلت في نفسي كل من خلصني في هذه الساعة قتلته ومنيته كيف يموت وها أنك قد خلصتني ومنيتك كيف تموت فلما سمع الصياد كلام العفريت قال يا لله العجب انا ما جئت اخلصك الا في هذه الايام قال الصياد للعفريت اعف عن قتلي يعفو الله عنك ولا تهلكني يسلط الله عليك من يهلكك فقال لا بد من قتلك فلما تحقق الصياد منه راجع العفريت وقال اعف عني اكراما لما اعتقتك فقال العفريت وانا ما اقتلك الا لاجل ما خلصتني فقال له الصياد يا شيخ العفاريت اصنع مليحا فتقابلني بالقبيح ولكن لم يكذب المثل حيث قال : .
فعلنا جميلاً قابـلـونـا بـضـده وهذا لعمري من فعال الفواجـر
ومن يفعل المعروف مع غير أهله يجازى كما جوزي مجير أم عامر
فلما سمع كلامه قال لا تطمع فلا بد من موتك، فقال الصياد هذا جني، وأنا إنسي وقد أعطاني الله عقلاً كاملاً وها أنا أدبر أمراً في هلاكه، بحيلتي وعقلي وهو يدبر بمكره وخبثه، ثم قال للعفريت: هل صممت على قتلي قال نعم، فقال له بالاسم الأعظم المنقوش على خاتم سليمان أسألك عن شيء وتصدقني فيه، قال نعم، ثم إن العفريت لما سمع ذكر الاسم الأعظم اضطرب واهتز وقال: اسأل وأوجز، فقال له: كيف كنت في هذا القمقم، والقمقم لا يسع يدك ولا رجلك فكيف يسعك كلك، فقال له العفريت: وهل أنت لا تصدق أنني كنت فيه فقال الصياد لا أصدق حتى أنظر بعيني،
.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
ونلتقى مع الليلة التالية ... قريبا ...
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
الليلة الرابعة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العفريت انتفض وصار دخاناً صاعداً إلى الجو، ثم اجتمع ودخل في القمقم قليلاً قليلا، وإذا بالصياد قد أسرع وأخذ سدادة الرصاص المختومة وسد بها فم القمقم ونادى العفريت، وقال له: تمن علي أي موتة تموتها لأرمينك في هذا البحر وأبني لي هنا بيتاً وكل من أتى هنا أمنعه أن يصطاد وأقول له هنا عفريت وكل من أطلعه يبين له أنواع الموت ويخيره بينها.
فلما سمع العفريت كلام الصياد أراد الخروج فلم يقدر ورأى نفسه محبوساً ورأى عليه طبع خاتم سليمان وعلم أن الصياد ذهب بالقمقم إلى جهة البحر، فلطف المارد كلامه وخضع وقال ما تريد أن تصنع بي يا صياد، قال: ألقيك في البحر إن كنت أقمت فيه ألفاً وثمانمائة عام فأنا أجعلك تمكث إلى أن تقوم الساعة، أما قلت لك أبقيني يبقيك الله ولا تقتلني يقتلك الله فأبيت فقال العفريت افتح لي حتى أحسن إليك فقال له الصياد تكذب يا ملعون، أنا مثلي ومثلك مثل وزير يونان والحكيم روبان.
قال الصياد: اعلم أيها العفريت، أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان في مدينة الفرس وأرض رومان ملك يقال له الملك يونان ذا مال وجنود وبأس وأعوان من سائر الأجناس، وكان في جسده برص قد عجزت فيه الأطباء والحكماء ولم ينفعه من شرب أدوية ولم يقدر أحد من الأطباء أن يداويه.
وكان قد دخل مدينة الملك يونان حكيم كبير طاعن في السن يقال له الحكيم روبان وكان عارفاً بالكتب اليونانية والفارسية والرومية والعربية والسريانية وعلم الطب والنجوم وعالماً بأصول حكمتها وقواعد أمورها من منفعتها ومضرتها. عالماً بخواص النباتات والحشائش والأعشاب المضرة والنافع وعرف علم الفلاسفة وحاز جميع العلوم الطبية وغيرها، ثم إن الحكيم لما دخل المدينة وأقام بها أيام سمع خبر الملك وما جرى له في بدنه من البرص الذي ابتلاه الله به وقد عجزت عن مداواته الأطباء وأهل العلوم.
فلما بلغ ذلك الحكيم بات مشغولاً، فلما أصبح الصباح لبس ودخل على الملك يونان وأعلمه بنفسه فقال: أيها الملك: بلغني ما اعتراك من هذا الذي في جسدك وأن كثيراً من الأطباء لم يعرفوا الحيلة في زواله وها أنا أداويك أيها الملك ولا أسقيك دواء ولا أدهنك بدهن.
فلما سمع الملك يونان كلامه تعجب وقال له: كيف تفعل، فو الله لو ابرأتني أغنيك لولد الولد وأنعم عليك،وكل ما تتمناه فهو لك وتكون نديمي وحبيبي. ثم أنه خلع عليه وأحسن إليه وقال له أتبرئني من هذا المرض بلا دواء ولا دهان؟ قال نعم أبرئك بلا مشقة في جسدك. فتعجب الملك ثم قال له: أيها الحكيم الذي ذكرته لي يكون في أي الأوقات وفي أي الأيام، فأسرع به يا ايها الحكيم ؛ قال له سمعاً وطاعة، ثم نزل من عند الملك واكترى له بيتاً حط فيه كتبه وأدويته وعقاقيره ثم استخرج الأدوية والعقاقير وجعل منها صولجاناً وجوفه وعمل له قصبة وصنع له كرة بمعرفته.
فلما صنع الجميع وفرغ منها طلع إلى الملك في اليوم الثاني ودخل عليه وأمره أن يركب إلى الميدان وأن يلعب بالكرة والصولجان وكان معه الأمراء والحجاب والوزراء وأرباب الدولة، فما استقر به الجلوس في الميدان حتى دخل عليه الحكيم روبان وناوله الصولجان وقال له: خذ هذا الصولجان واقبض عليه مثل هذه القبضة وامش في الميدان واضرب به الكرة بقوتك حتى يعرق كفك وجسدك فينفذ الدواء من كفك فيسري في سائر جسدك فإذا عرقت واسرى الدواء فيك فارجع إلى قصرك وادخل الحمام واغتسل فقد برئت.
فعند ذلك أخذ الملك يونان ذلك الصولجان من الحكيم ومسكه بيده وركب الجواد وركب الكرة بين يديه وساق خلفها حتى لحقها وضربها بقوة وهو قابض بكفه على قصبة الصولجان، وما زال يضرب به الكرة حتى عرق كفه وسائر بدنه وسرى فيه الدواء من القبضة.
وعرف الحكيم روبان أن الدواء سرى في جسده فأمره بالرجوع إلى قصره وأن يدخل الحمام من ساعته، فرجع الملك يونان من وقته وأمر أن يخلو له الحمام فأخلوه له، وتسارع الفراشون وتسابق المماليك وأعدوا للملك قماشا ودخل الحمام واغتسل غسيلاً جيداً ولبس ثيابه داخل الحمام ثم خرج منه وركب إلى قصره ونام فيه.
هذا ما كان من أمر الملك يونان، وأما ما كان من أمر الحكيم روبان فإنه رجع إلى داره ، فلما أصبح الصباح طلع إلى الملك واستأذن عليه وأشار إلى الملك بهذه الأبيات:
ذهت الفصاحة إذا دعيت لها أبـاً وإذا دعت يوماً سواك لهـا أبـى
يا صاحب الوجـه الـذي أنـواره تمحو من الخطب الكوية غياهبا
ما زال وجهك مشرقاً متـهـلـلاً فلا ترى وجه الزمان مقطـبـا
أوليتني من فضلك المتن الـتـي فعلت بنا فعل السحاب مع الربـا
وصرفت جل المال في طلب العلا حتى بلغت من الزمان مـآربـا
فلما فرغ من شعره نهض الملك وعانقه وأجلسه بجانبه وخلع عليه الخلع السنية.
ولما خرج الملك من الحمام نظر إلى جسده فلم يجد فيه شيئاً من البرص وصار جسده نقياً مثل الفضة البيضاء ففرح بذلك غاية الفرح واتسع صدره وانشرح، فلما أصبح الصباح دخل الديوان وجلس على سرير ملكه ودخل عليه الحجاب وأكابر الدولة ودخل عليه الحكيم روبان، فلما رآه قام إليه مسرعاً وأجلسه بجانبه وإذا بموائد الطعام قد مدت فأكل صحبته وما زال عنده ينادمه طول نهاره.
فلما أقبل الليل أعطى الحكيم ألفي دينار غير الخلع والهدايا وأركبه جواده وانصرف إلى داره والملك يونان يتعجب من صنعه ويقول: هذا داواني من ظاهر جسدي ولم يدهني بدهان، فو الله ما هذه إلا حكمة بالغة، فيجب علي لهذا الرجل الإنعام والإكرام وأن أتخذه جليساً وأنيساً مدى الزمان. وبات الملك يونان مسروراً فرحاً بصحة جسمه وخلاصه من مرضه.
فلما أصبح الملك وجلس على كرسيه ووقف أرباب دولته بين يديه وجلس الأمراء والوزراء على يمينه ويساره ثم طلب الحكيم روبان فدخل عليه فقام له الملك وأجلسه بجانبه وخلع عليه وأعطاه، ولم يزل يتحدث معه إلى أن أقبل الليل فرسم له بخمس خلع وألف دينار، ثم انصرف الحكيم إلى داره وهو شاكر للملك.
فلما أصبح الصباح خرج الملك إلى الديوان وقد أحدق به الأمراء والوزراء والحجاب، وكان له وزير من وزرائه بشع المنظر نحس الطالع لئيم بخيل حسود مجبول على الحسد والمقت. فلما رأى ذلك الوزير أن الملك قرب الحكيم روبان وأعطاه هذا الأنعام حسده عليه وأضمر له الشر .
ثم أن الوزير تقدم إلى الملك يونان وقال له: أنت الذي شمل الناس إحسانك ولك عندي نصيحة عظيمة فإن أخفيتها عنك أكون ولد زنا، فإن أمرتني أن أبديها أبديتها لك.
فقال الملك: وما نصيحتك؟ فقال: أيها الملك فما الدهر له بصاحب، وقد رأيتك على غير صواب حيث أنعم على عدوه وعلى من يطلب زوال ملكه وقد أحسن إليه وأكرمه غاية الإكرام وقربه غاية القرب، وأنا أخشى على الملك من ذلك.
فانزعج الملك وتغير لونه وقال له: من الذي تزعم أنه عدوي وأحسنت إليه؟ فقال له: إن كنت نائماً فاستيقظ فأنا أشير إلى الحكيم روبان. فقال له الملك: إن هذا صديقي وهو أعز الناس عندي لأنه داواني بشيء قبضته بين يدي وأبرات من مرضي الذي عجزت فيه الأطباء وهو لا يوجد مثله في هذا الزمان وأنت تقول عليه هذا المقال. وما أظن أنك تقول ذلك إلا حسداً كما بلغني عن الملك السندباد.ثم قال الملك يونان ذكر والله أعلم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
ونتقابل مرة أخرى مع ليلة تالية
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العفريت انتفض وصار دخاناً صاعداً إلى الجو، ثم اجتمع ودخل في القمقم قليلاً قليلا، وإذا بالصياد قد أسرع وأخذ سدادة الرصاص المختومة وسد بها فم القمقم ونادى العفريت، وقال له: تمن علي أي موتة تموتها لأرمينك في هذا البحر وأبني لي هنا بيتاً وكل من أتى هنا أمنعه أن يصطاد وأقول له هنا عفريت وكل من أطلعه يبين له أنواع الموت ويخيره بينها.
فلما سمع العفريت كلام الصياد أراد الخروج فلم يقدر ورأى نفسه محبوساً ورأى عليه طبع خاتم سليمان وعلم أن الصياد ذهب بالقمقم إلى جهة البحر، فلطف المارد كلامه وخضع وقال ما تريد أن تصنع بي يا صياد، قال: ألقيك في البحر إن كنت أقمت فيه ألفاً وثمانمائة عام فأنا أجعلك تمكث إلى أن تقوم الساعة، أما قلت لك أبقيني يبقيك الله ولا تقتلني يقتلك الله فأبيت فقال العفريت افتح لي حتى أحسن إليك فقال له الصياد تكذب يا ملعون، أنا مثلي ومثلك مثل وزير يونان والحكيم روبان.
قال الصياد: اعلم أيها العفريت، أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان في مدينة الفرس وأرض رومان ملك يقال له الملك يونان ذا مال وجنود وبأس وأعوان من سائر الأجناس، وكان في جسده برص قد عجزت فيه الأطباء والحكماء ولم ينفعه من شرب أدوية ولم يقدر أحد من الأطباء أن يداويه.
وكان قد دخل مدينة الملك يونان حكيم كبير طاعن في السن يقال له الحكيم روبان وكان عارفاً بالكتب اليونانية والفارسية والرومية والعربية والسريانية وعلم الطب والنجوم وعالماً بأصول حكمتها وقواعد أمورها من منفعتها ومضرتها. عالماً بخواص النباتات والحشائش والأعشاب المضرة والنافع وعرف علم الفلاسفة وحاز جميع العلوم الطبية وغيرها، ثم إن الحكيم لما دخل المدينة وأقام بها أيام سمع خبر الملك وما جرى له في بدنه من البرص الذي ابتلاه الله به وقد عجزت عن مداواته الأطباء وأهل العلوم.
فلما بلغ ذلك الحكيم بات مشغولاً، فلما أصبح الصباح لبس ودخل على الملك يونان وأعلمه بنفسه فقال: أيها الملك: بلغني ما اعتراك من هذا الذي في جسدك وأن كثيراً من الأطباء لم يعرفوا الحيلة في زواله وها أنا أداويك أيها الملك ولا أسقيك دواء ولا أدهنك بدهن.
فلما سمع الملك يونان كلامه تعجب وقال له: كيف تفعل، فو الله لو ابرأتني أغنيك لولد الولد وأنعم عليك،وكل ما تتمناه فهو لك وتكون نديمي وحبيبي. ثم أنه خلع عليه وأحسن إليه وقال له أتبرئني من هذا المرض بلا دواء ولا دهان؟ قال نعم أبرئك بلا مشقة في جسدك. فتعجب الملك ثم قال له: أيها الحكيم الذي ذكرته لي يكون في أي الأوقات وفي أي الأيام، فأسرع به يا ايها الحكيم ؛ قال له سمعاً وطاعة، ثم نزل من عند الملك واكترى له بيتاً حط فيه كتبه وأدويته وعقاقيره ثم استخرج الأدوية والعقاقير وجعل منها صولجاناً وجوفه وعمل له قصبة وصنع له كرة بمعرفته.
فلما صنع الجميع وفرغ منها طلع إلى الملك في اليوم الثاني ودخل عليه وأمره أن يركب إلى الميدان وأن يلعب بالكرة والصولجان وكان معه الأمراء والحجاب والوزراء وأرباب الدولة، فما استقر به الجلوس في الميدان حتى دخل عليه الحكيم روبان وناوله الصولجان وقال له: خذ هذا الصولجان واقبض عليه مثل هذه القبضة وامش في الميدان واضرب به الكرة بقوتك حتى يعرق كفك وجسدك فينفذ الدواء من كفك فيسري في سائر جسدك فإذا عرقت واسرى الدواء فيك فارجع إلى قصرك وادخل الحمام واغتسل فقد برئت.
فعند ذلك أخذ الملك يونان ذلك الصولجان من الحكيم ومسكه بيده وركب الجواد وركب الكرة بين يديه وساق خلفها حتى لحقها وضربها بقوة وهو قابض بكفه على قصبة الصولجان، وما زال يضرب به الكرة حتى عرق كفه وسائر بدنه وسرى فيه الدواء من القبضة.
وعرف الحكيم روبان أن الدواء سرى في جسده فأمره بالرجوع إلى قصره وأن يدخل الحمام من ساعته، فرجع الملك يونان من وقته وأمر أن يخلو له الحمام فأخلوه له، وتسارع الفراشون وتسابق المماليك وأعدوا للملك قماشا ودخل الحمام واغتسل غسيلاً جيداً ولبس ثيابه داخل الحمام ثم خرج منه وركب إلى قصره ونام فيه.
هذا ما كان من أمر الملك يونان، وأما ما كان من أمر الحكيم روبان فإنه رجع إلى داره ، فلما أصبح الصباح طلع إلى الملك واستأذن عليه وأشار إلى الملك بهذه الأبيات:
ذهت الفصاحة إذا دعيت لها أبـاً وإذا دعت يوماً سواك لهـا أبـى
يا صاحب الوجـه الـذي أنـواره تمحو من الخطب الكوية غياهبا
ما زال وجهك مشرقاً متـهـلـلاً فلا ترى وجه الزمان مقطـبـا
أوليتني من فضلك المتن الـتـي فعلت بنا فعل السحاب مع الربـا
وصرفت جل المال في طلب العلا حتى بلغت من الزمان مـآربـا
فلما فرغ من شعره نهض الملك وعانقه وأجلسه بجانبه وخلع عليه الخلع السنية.
ولما خرج الملك من الحمام نظر إلى جسده فلم يجد فيه شيئاً من البرص وصار جسده نقياً مثل الفضة البيضاء ففرح بذلك غاية الفرح واتسع صدره وانشرح، فلما أصبح الصباح دخل الديوان وجلس على سرير ملكه ودخل عليه الحجاب وأكابر الدولة ودخل عليه الحكيم روبان، فلما رآه قام إليه مسرعاً وأجلسه بجانبه وإذا بموائد الطعام قد مدت فأكل صحبته وما زال عنده ينادمه طول نهاره.
فلما أقبل الليل أعطى الحكيم ألفي دينار غير الخلع والهدايا وأركبه جواده وانصرف إلى داره والملك يونان يتعجب من صنعه ويقول: هذا داواني من ظاهر جسدي ولم يدهني بدهان، فو الله ما هذه إلا حكمة بالغة، فيجب علي لهذا الرجل الإنعام والإكرام وأن أتخذه جليساً وأنيساً مدى الزمان. وبات الملك يونان مسروراً فرحاً بصحة جسمه وخلاصه من مرضه.
فلما أصبح الملك وجلس على كرسيه ووقف أرباب دولته بين يديه وجلس الأمراء والوزراء على يمينه ويساره ثم طلب الحكيم روبان فدخل عليه فقام له الملك وأجلسه بجانبه وخلع عليه وأعطاه، ولم يزل يتحدث معه إلى أن أقبل الليل فرسم له بخمس خلع وألف دينار، ثم انصرف الحكيم إلى داره وهو شاكر للملك.
فلما أصبح الصباح خرج الملك إلى الديوان وقد أحدق به الأمراء والوزراء والحجاب، وكان له وزير من وزرائه بشع المنظر نحس الطالع لئيم بخيل حسود مجبول على الحسد والمقت. فلما رأى ذلك الوزير أن الملك قرب الحكيم روبان وأعطاه هذا الأنعام حسده عليه وأضمر له الشر .
ثم أن الوزير تقدم إلى الملك يونان وقال له: أنت الذي شمل الناس إحسانك ولك عندي نصيحة عظيمة فإن أخفيتها عنك أكون ولد زنا، فإن أمرتني أن أبديها أبديتها لك.
فقال الملك: وما نصيحتك؟ فقال: أيها الملك فما الدهر له بصاحب، وقد رأيتك على غير صواب حيث أنعم على عدوه وعلى من يطلب زوال ملكه وقد أحسن إليه وأكرمه غاية الإكرام وقربه غاية القرب، وأنا أخشى على الملك من ذلك.
فانزعج الملك وتغير لونه وقال له: من الذي تزعم أنه عدوي وأحسنت إليه؟ فقال له: إن كنت نائماً فاستيقظ فأنا أشير إلى الحكيم روبان. فقال له الملك: إن هذا صديقي وهو أعز الناس عندي لأنه داواني بشيء قبضته بين يدي وأبرات من مرضي الذي عجزت فيه الأطباء وهو لا يوجد مثله في هذا الزمان وأنت تقول عليه هذا المقال. وما أظن أنك تقول ذلك إلا حسداً كما بلغني عن الملك السندباد.ثم قال الملك يونان ذكر والله أعلم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
ونتقابل مرة أخرى مع ليلة تالية
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
الليلة ... الخامســـــــــة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك يونان قال لوزيره ايها الوزير
أنت داخلك الحسد من أجل هذا الحكيم فتريد أن أقتله وبعد ذلك أندم كما
ندم السندباد على قتل الباز . فقال الوزير: وكيف كان ذلك؟ فقال الملك:
ذكر أنه كان ملك ملوك الفرس وكان له بازرباه لا يفارقه ويبيت طوال
الليل حامله على يده وإذا طلع إلى الصيد يأخذه معه وهو عامل له طاسة من
الذهب معلقة في رقبته يسقيه منها.
فبينما الملك جالس وإذا بالوكيل على طير الصيد يقول: يا ملك الزمان هذا
أوان الخروج إلى الصيد، فاستعد الملك وأخذ الباز على يده وساروا إلى أن
وصلوا إلى واد ونصبوا شبكة الصيد وإذا بغزالة وقعت في تلك الشبكة فقال
الملك: من فاتت الغزالة من جهته قتلته، فضيقوا عليها حلقة الصيد وإذا
بالغزالة أقبلت على الملك وشبت على رجليها وحطت يديها على صدره كأنها
تقبل الأرض للملك فطأطأ الملك للغزالة ففرت من فوق دماغه وراحت إلى
البر.
فالتفت الملك إلى العسكر فرآهم يتغامزون عليه، فقال: يا وزيري ماذا
يقول العساكر فقال: يقولون إنك قلت كل من فاتت الغزالة من جهته يقتل
فقال الملك: وحياة رأسي لأتبعنها حتى أجيء بها، ثم طلع الملك في أثر
الغزالة ولم يزل ورائها وصار الباز يلطشها على عينيها إلى أن أعماها
ودوخها فسحب الملك دبوساً وضربها فقلبها ونزل فذبحها وسلخها وكانت ساعة
حر وكان المكان قفراً لم يوجد فيه ماء فعطش الملك وعطش الحصان. فالتفت
الملك فرأى شجرة ينزل منها ماء مثل السمن، وكان الملك لابساً في كفه
جلداً فأخذ الطاسة في رقبة الباز وملأها من ذلك الماء ووضع الماء قدامه
وإذا بالباز لطش الطاسة فقلبها، فأخذ الملك الطاسة ثانياً، وملأها وظن
أن الباز عطشان فوضعها قدامه فلطشها ثانياً وقلبها فغضب الملك من الباز
وأخذ الطاسة ثالثاً وقدمها للحصان فقلبها الباز بجناحه فقال الملك خيبك
الله يا أشأم الطيور أحرمتني من الشرب وأحرمت نفسك وأحرمت الحصان ثم
ضرب الباز بالسيف فرمى أجنحته.
فصار الباز يقيم رأسه يقول بالإشارة انظر الذي فوق الشجرة فرفع الملك
عينه فرأى حية والذي يسيل هو سمها فندم الملك على قص أجنحة الباز ثم
قام وركب حصانه حتى وصل الى مكانه الاول فالقى الغزالة الى الطباخ ثم
جلس على الكرسي والباز على يده فشهق الباز ومات فصاح الملك حزناً
وأسفاً على قتل الباز.
فلما سمع الوزير كلام الملك يونان قال له: أيها الملك العظيم الشأن وما
الذي فعلته من الضرر ورأيت منه سوءا إنما افعل معك هذا شفقة عليك
وستعلم صحة ذلك فإن قبلت مني نجوت وإلا هلكت كما هلك وزير كان قد احتال
على ابن ملك من الملوك، وكان لذلك الملك ولد مولع بالصيد وكان له
وزيراً، فأمر الملك ذلك الوزير أن يكون مع ابنه أينما توجه فخرج يوماً
من الأيام، إلى الصيد وخرج معه وزير أبيه فسارا جميعاً فنظرا إلى وحش
كبير فقال الوزير لابن الملك دونك هذا الوحش فاطلبه فقصده ابن الملك،
حتى غاب عن العين وغاب عنه الوحش في البرية، وتحير ابن الملك فلم يعرف
أين يذهب وإذا بجارية على رأس الطريق تبكي فقال لها ابن الملك ومن أنت:
قالت بنت ملك من ملوك الهند وكنت في البرية فأدركني النعاس، فوقعت من
فوق الدابة ولم أعلم بنفسي فصرت منقطعة حائرة.
فلما سمع ابن الملك كلامها رق لحالها وحملها على ظهر دابته وسار حتى مر
بجزيرة فقالت له الجارية: يا سيدي أريد أن أزيل ضرورة فأنزلها إلى
الجزيرة ثم تعوقت فاستبطأها فدخل خلفها وهي لا تعلم به، فإذا هي غولة
وهي تقول لأولادها يا أولادي قد أتيتكم اليوم بغلام سمين فقالوا لها
أتينا به يا أمنا نأكله في بطوننا.
فلما سمع ابن الملك كلامهم أيقن بالهلاك وارتعد فرائضه وخشي على نفسه
ورجع فخرجت الغولة فرأته كالخائف الوجل وهو يرتعد فقالت له: ما بالك
خائفاً، فقال لها أن لي عدواً، وأنا خائف منه فقالت الغولة إنك تقول
أنا ابن الملك قال لها نعم، قالت له مالك لا تعطي عدوك شيئاً من المال،
فترضيه به، فقال لها أنه لا يرضى بمال ولا يرضى إلا بالروح وأنا خائف
منه، وأنا رجل مظلوم فقالت له: إن كنت مظلوماً كما تزعم فاستعن بالله
عليه بأنه يكفيك شره.
فرفع ابن الملك رأسه إلى السماء وقال: يا من يجيب دعوة المضطر، إذا
دعاه ويكشف السوء انصرني على عدوي واصرفه عني، إنك على ما تشاء قدير
فلما سمعت الغولة دعاءه، انصرفت عنه وانصرف ابن الملك إلى أبيه، وحدثه
بحديث الوزير وأنت أيها الملك متى آمنت لهذا الحكيم قتلك أقبح
القتلات.ثم ان الملك يونان قال لوزيره: أيها الوزير كيف العمل فيه،
فقال له الوزير: أرسل إليه في هذا الوقت واطلبه، فإن حضر فاضرب عنقه
فتكفيء شره وتستريح منه واغدر به قبل أن يغدر بك، فقال الملك يونان
صدقت أيها الوزير ثم إن الملك أرسل إلى الحكيم، فحضر .
فلما حضر الحكيم قال له الملك: أتعلم لماذا أحضرتك، فقال الحكيم: لا
يعلم الغيب إلا الله تعالى، فقال له الملك: أحضرتك لأقتلك وأعدمك روحك،
فتعجب الحكيم من تلك المقالة ، وقال أيها الملك لماذا تقتلني؟ وأي ذنب
بدا مني فقال له الملك: قد قيل لي إنك جاسوس وقد أتيت لتقتلني ثم إن
الملك صاح على السياف، وقال له اضرب رقبة هذا الغدار، وأرحنا من شره،
فقال الحكيم أبقني يبقيك الله ولا تقتلني يقتلك الله فقال الملك للحكيم
، إني لا آمن إلا أن أقتلك فإنك برأتني بشيء أمسكته بيدي فلا آمن أن
تقتلني بشيء أشمه أو غير ذلك فقال الحكيم أيها الملك أهذا جزائي منك،
تقابل المليح بالقبيح فقال الملك: لا بد من قتلك تحقق الحكيم من صدق
الملك بكى وتأسف على ما صنع من الجميل مع غير أهله، كما قيل في المعنى:
ميمونة من سمات العقل عارية لكن أبوها من الألباب قد
خلقا
لم يمش في باريس يوماً ولا وحل إلا بنور هداه يتقى
الـزلـفـا
بعد ذلك تقدم السياف والحكيم يبكي ويقول للملك: أبقني يبقيك الله ولا
تقتلني يقتلك الله، وأنشد قول الشاعر:
نصحت فلم أفلح وغشوا فأفلـحـوا فأوقعني نصـحـي
بـدار هـوان
فإن عشت لا أنصح وإن مت فأنع لي ذوي النصح من بعدي
بكل لـسـان
ثم إن الحكيم قال للملك أيكون هذا جزائي منك، فتجازيني مجازاة التمساح
قال الملك: وما حكاية التمساح، فقال الحكيم لا يمكنني أن أقولها، وأنا
في هذا الحال فبالله عليك أبقني يبقيك الله، ثم إن الحكيم بكى بكاء
شديداً فقام بعض خواص الملك وقال أيها الملك هب لنا دم هذا الحكيم،
لأننا ما رأيناه فعل معك ذنباً إلا أبراك من مرضك الذي أعياه الأطباء
والحكماء.
فلما تحقق الحكيم أيها العفريت أن الملك قاتله لا محالة قال أيها الملك
إن كان ولا بد من قتلي فأمهلني حتى أنزل إلى داري فأخلص وأوصي أهلي
وجيراني أن يدفنوني وأهب كتب الطب وعندي كتاب خاص الخاص أهبه لك هدية
تدخره في خزانتك، فقال الملك للحكيم وما هذا الكتاب قال: فيه شيء لا
يحصى وأقل ما فيه من الأسرار إذا قطعت رأسي وفتحته وعددت ثلاث ورقات ثم
تقرأ ثلاثة أسطر من الصحيفة التي على يسارك فإن الرأس تكلمك وتجاوبك
على جميع ما سألتها عنه.
فتعجب الملك وقال أيها الحكيم: وهل إذا قطعت رأسك تكلمت فقال نعم أيها
الملك، ثم أن الملك أرسله مع المحافظة عليه، فنزل الحكيم إلى داره وقضى
أشغاله في ذلك اليوم وفي اليوم الثاني طلع الملك إلى الديوان وإذا
بالحكيم يدخل ويقف امامه ومعه كتاب عتيق ومكحلة فيها ذرور، وجلس وقال
ائتوني بطبق، فأتوه بطبق وكتب فيه الذرور وفرشه وقال: أيها الملك خذ
هذا الكتاب ولا تعمل به، حتى تقطع رأسي فإذا قطعتها فاجعلها في ذلك
الطبق وأمر بكبسها على ذلك الذرور فإذا فعلت ذلك فإن دمها ينقطع، ثم
افتح الكتاب ففتحه الملك فوجده ملصوقاً فحط إصبعه في فمه وبله بريقه
وفتح أول ورقة والثانية والثالثة والورق لا ينفتح إلا بجهد، ففتح الملك
ست ورقات ونظر فيها فلم يجد كتابة فقال الملك: أيها الحكيم ما فيه شيء
مكتوب فقال الحكيم قلب زيادة على ذلك فقلب فيه زيادة فلم يكن إلا
قليلاً من الزمان حتى سرى فيه السم لوقته وساعته فإن الكتاب كان
مسموماً فعند ذلك تزحزح الملك وصاح وقد سرى فيه السم، فأنشد الحكيم:
تحكموا فاستطالوا في حكومتهـم وعن قليل كان الحكم لـم
يكـن
لو أنصفوا أنصفوا لكن بغوا فبغى عليهم الدهر بالآفات
والمـحـن
وأصبحوا ولسان الحال ينشـدهـم هذا بذاك ولا عتب على الزمـن
وإلى ليلة تالية ...... إن شاء الله
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك يونان قال لوزيره ايها الوزير
أنت داخلك الحسد من أجل هذا الحكيم فتريد أن أقتله وبعد ذلك أندم كما
ندم السندباد على قتل الباز . فقال الوزير: وكيف كان ذلك؟ فقال الملك:
ذكر أنه كان ملك ملوك الفرس وكان له بازرباه لا يفارقه ويبيت طوال
الليل حامله على يده وإذا طلع إلى الصيد يأخذه معه وهو عامل له طاسة من
الذهب معلقة في رقبته يسقيه منها.
فبينما الملك جالس وإذا بالوكيل على طير الصيد يقول: يا ملك الزمان هذا
أوان الخروج إلى الصيد، فاستعد الملك وأخذ الباز على يده وساروا إلى أن
وصلوا إلى واد ونصبوا شبكة الصيد وإذا بغزالة وقعت في تلك الشبكة فقال
الملك: من فاتت الغزالة من جهته قتلته، فضيقوا عليها حلقة الصيد وإذا
بالغزالة أقبلت على الملك وشبت على رجليها وحطت يديها على صدره كأنها
تقبل الأرض للملك فطأطأ الملك للغزالة ففرت من فوق دماغه وراحت إلى
البر.
فالتفت الملك إلى العسكر فرآهم يتغامزون عليه، فقال: يا وزيري ماذا
يقول العساكر فقال: يقولون إنك قلت كل من فاتت الغزالة من جهته يقتل
فقال الملك: وحياة رأسي لأتبعنها حتى أجيء بها، ثم طلع الملك في أثر
الغزالة ولم يزل ورائها وصار الباز يلطشها على عينيها إلى أن أعماها
ودوخها فسحب الملك دبوساً وضربها فقلبها ونزل فذبحها وسلخها وكانت ساعة
حر وكان المكان قفراً لم يوجد فيه ماء فعطش الملك وعطش الحصان. فالتفت
الملك فرأى شجرة ينزل منها ماء مثل السمن، وكان الملك لابساً في كفه
جلداً فأخذ الطاسة في رقبة الباز وملأها من ذلك الماء ووضع الماء قدامه
وإذا بالباز لطش الطاسة فقلبها، فأخذ الملك الطاسة ثانياً، وملأها وظن
أن الباز عطشان فوضعها قدامه فلطشها ثانياً وقلبها فغضب الملك من الباز
وأخذ الطاسة ثالثاً وقدمها للحصان فقلبها الباز بجناحه فقال الملك خيبك
الله يا أشأم الطيور أحرمتني من الشرب وأحرمت نفسك وأحرمت الحصان ثم
ضرب الباز بالسيف فرمى أجنحته.
فصار الباز يقيم رأسه يقول بالإشارة انظر الذي فوق الشجرة فرفع الملك
عينه فرأى حية والذي يسيل هو سمها فندم الملك على قص أجنحة الباز ثم
قام وركب حصانه حتى وصل الى مكانه الاول فالقى الغزالة الى الطباخ ثم
جلس على الكرسي والباز على يده فشهق الباز ومات فصاح الملك حزناً
وأسفاً على قتل الباز.
فلما سمع الوزير كلام الملك يونان قال له: أيها الملك العظيم الشأن وما
الذي فعلته من الضرر ورأيت منه سوءا إنما افعل معك هذا شفقة عليك
وستعلم صحة ذلك فإن قبلت مني نجوت وإلا هلكت كما هلك وزير كان قد احتال
على ابن ملك من الملوك، وكان لذلك الملك ولد مولع بالصيد وكان له
وزيراً، فأمر الملك ذلك الوزير أن يكون مع ابنه أينما توجه فخرج يوماً
من الأيام، إلى الصيد وخرج معه وزير أبيه فسارا جميعاً فنظرا إلى وحش
كبير فقال الوزير لابن الملك دونك هذا الوحش فاطلبه فقصده ابن الملك،
حتى غاب عن العين وغاب عنه الوحش في البرية، وتحير ابن الملك فلم يعرف
أين يذهب وإذا بجارية على رأس الطريق تبكي فقال لها ابن الملك ومن أنت:
قالت بنت ملك من ملوك الهند وكنت في البرية فأدركني النعاس، فوقعت من
فوق الدابة ولم أعلم بنفسي فصرت منقطعة حائرة.
فلما سمع ابن الملك كلامها رق لحالها وحملها على ظهر دابته وسار حتى مر
بجزيرة فقالت له الجارية: يا سيدي أريد أن أزيل ضرورة فأنزلها إلى
الجزيرة ثم تعوقت فاستبطأها فدخل خلفها وهي لا تعلم به، فإذا هي غولة
وهي تقول لأولادها يا أولادي قد أتيتكم اليوم بغلام سمين فقالوا لها
أتينا به يا أمنا نأكله في بطوننا.
فلما سمع ابن الملك كلامهم أيقن بالهلاك وارتعد فرائضه وخشي على نفسه
ورجع فخرجت الغولة فرأته كالخائف الوجل وهو يرتعد فقالت له: ما بالك
خائفاً، فقال لها أن لي عدواً، وأنا خائف منه فقالت الغولة إنك تقول
أنا ابن الملك قال لها نعم، قالت له مالك لا تعطي عدوك شيئاً من المال،
فترضيه به، فقال لها أنه لا يرضى بمال ولا يرضى إلا بالروح وأنا خائف
منه، وأنا رجل مظلوم فقالت له: إن كنت مظلوماً كما تزعم فاستعن بالله
عليه بأنه يكفيك شره.
فرفع ابن الملك رأسه إلى السماء وقال: يا من يجيب دعوة المضطر، إذا
دعاه ويكشف السوء انصرني على عدوي واصرفه عني، إنك على ما تشاء قدير
فلما سمعت الغولة دعاءه، انصرفت عنه وانصرف ابن الملك إلى أبيه، وحدثه
بحديث الوزير وأنت أيها الملك متى آمنت لهذا الحكيم قتلك أقبح
القتلات.ثم ان الملك يونان قال لوزيره: أيها الوزير كيف العمل فيه،
فقال له الوزير: أرسل إليه في هذا الوقت واطلبه، فإن حضر فاضرب عنقه
فتكفيء شره وتستريح منه واغدر به قبل أن يغدر بك، فقال الملك يونان
صدقت أيها الوزير ثم إن الملك أرسل إلى الحكيم، فحضر .
فلما حضر الحكيم قال له الملك: أتعلم لماذا أحضرتك، فقال الحكيم: لا
يعلم الغيب إلا الله تعالى، فقال له الملك: أحضرتك لأقتلك وأعدمك روحك،
فتعجب الحكيم من تلك المقالة ، وقال أيها الملك لماذا تقتلني؟ وأي ذنب
بدا مني فقال له الملك: قد قيل لي إنك جاسوس وقد أتيت لتقتلني ثم إن
الملك صاح على السياف، وقال له اضرب رقبة هذا الغدار، وأرحنا من شره،
فقال الحكيم أبقني يبقيك الله ولا تقتلني يقتلك الله فقال الملك للحكيم
، إني لا آمن إلا أن أقتلك فإنك برأتني بشيء أمسكته بيدي فلا آمن أن
تقتلني بشيء أشمه أو غير ذلك فقال الحكيم أيها الملك أهذا جزائي منك،
تقابل المليح بالقبيح فقال الملك: لا بد من قتلك تحقق الحكيم من صدق
الملك بكى وتأسف على ما صنع من الجميل مع غير أهله، كما قيل في المعنى:
ميمونة من سمات العقل عارية لكن أبوها من الألباب قد
خلقا
لم يمش في باريس يوماً ولا وحل إلا بنور هداه يتقى
الـزلـفـا
بعد ذلك تقدم السياف والحكيم يبكي ويقول للملك: أبقني يبقيك الله ولا
تقتلني يقتلك الله، وأنشد قول الشاعر:
نصحت فلم أفلح وغشوا فأفلـحـوا فأوقعني نصـحـي
بـدار هـوان
فإن عشت لا أنصح وإن مت فأنع لي ذوي النصح من بعدي
بكل لـسـان
ثم إن الحكيم قال للملك أيكون هذا جزائي منك، فتجازيني مجازاة التمساح
قال الملك: وما حكاية التمساح، فقال الحكيم لا يمكنني أن أقولها، وأنا
في هذا الحال فبالله عليك أبقني يبقيك الله، ثم إن الحكيم بكى بكاء
شديداً فقام بعض خواص الملك وقال أيها الملك هب لنا دم هذا الحكيم،
لأننا ما رأيناه فعل معك ذنباً إلا أبراك من مرضك الذي أعياه الأطباء
والحكماء.
فلما تحقق الحكيم أيها العفريت أن الملك قاتله لا محالة قال أيها الملك
إن كان ولا بد من قتلي فأمهلني حتى أنزل إلى داري فأخلص وأوصي أهلي
وجيراني أن يدفنوني وأهب كتب الطب وعندي كتاب خاص الخاص أهبه لك هدية
تدخره في خزانتك، فقال الملك للحكيم وما هذا الكتاب قال: فيه شيء لا
يحصى وأقل ما فيه من الأسرار إذا قطعت رأسي وفتحته وعددت ثلاث ورقات ثم
تقرأ ثلاثة أسطر من الصحيفة التي على يسارك فإن الرأس تكلمك وتجاوبك
على جميع ما سألتها عنه.
فتعجب الملك وقال أيها الحكيم: وهل إذا قطعت رأسك تكلمت فقال نعم أيها
الملك، ثم أن الملك أرسله مع المحافظة عليه، فنزل الحكيم إلى داره وقضى
أشغاله في ذلك اليوم وفي اليوم الثاني طلع الملك إلى الديوان وإذا
بالحكيم يدخل ويقف امامه ومعه كتاب عتيق ومكحلة فيها ذرور، وجلس وقال
ائتوني بطبق، فأتوه بطبق وكتب فيه الذرور وفرشه وقال: أيها الملك خذ
هذا الكتاب ولا تعمل به، حتى تقطع رأسي فإذا قطعتها فاجعلها في ذلك
الطبق وأمر بكبسها على ذلك الذرور فإذا فعلت ذلك فإن دمها ينقطع، ثم
افتح الكتاب ففتحه الملك فوجده ملصوقاً فحط إصبعه في فمه وبله بريقه
وفتح أول ورقة والثانية والثالثة والورق لا ينفتح إلا بجهد، ففتح الملك
ست ورقات ونظر فيها فلم يجد كتابة فقال الملك: أيها الحكيم ما فيه شيء
مكتوب فقال الحكيم قلب زيادة على ذلك فقلب فيه زيادة فلم يكن إلا
قليلاً من الزمان حتى سرى فيه السم لوقته وساعته فإن الكتاب كان
مسموماً فعند ذلك تزحزح الملك وصاح وقد سرى فيه السم، فأنشد الحكيم:
تحكموا فاستطالوا في حكومتهـم وعن قليل كان الحكم لـم
يكـن
لو أنصفوا أنصفوا لكن بغوا فبغى عليهم الدهر بالآفات
والمـحـن
وأصبحوا ولسان الحال ينشـدهـم هذا بذاك ولا عتب على الزمـن
وإلى ليلة تالية ...... إن شاء الله
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
: الليلة السادسة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصياد لما قال للعفريت لو أبقيتني كنت أبقيتك، لكن ما أردت إلا قتلي فأنا أقتلك محبوساً في هذا القمقم، وألقيك في هذا البحر ثم صرخ المارد وقال بالله عليك أيها الصياد لا تفعل وأبقني كرماً ولا تؤاخذني بعملي، فإذا كنت أنا مسيئاً كن أنت محسناً ولا تعمل كما عمل أمامة مع عاتكة.
قال الصياد وما شأنهما، فقال العفريت ما هذا وقت حديث وأنا في السجن حتى تطلعني منه وأنا أحدثك بشأنهما فقال الصياد لا بد من إلقائك في البحر ولا سبيل إلى إخراجك منه ثم قوى قلبه وقال: أيها العفريت قال الله تعالى: وأوفوا بالعهد، إن العهد كان مسؤولاً وأنت قد عاهدتني وحلفت أنك لا تغدر بي فإن غدرت بي يغدر بك الله فإنه غيور يمهل ولا يهمل، وأنا قلت لك مثل ما قاله الحكيم رويان للملك يونان أبقني يبقيك الله. فضحك العفريت ومشى قدامه، وقال أيها الصياد اتبعني فمشى الصياد وراءه وهو لم يصدق بالنجاة إلى أن خرجا من ظاهر المدينة وطلعا على جبل ونزلا إلى برية مقسمة وإذا في وسطها بركة ماء، فوقف العفريت عليها وأمر الصياد أن يطرح الشبكة ويصطاد، فنظر الصياد إلى البركة، وإذا بهذا السمك ألواناً،منها الأبيض والأحمر والأزرق والأصفر، فتعجب الصياد من ذلك ثم أنه طرح شبكته فوجد فيها أربع سمكات، كل سمكة بلون.
فقال له العفريت ادخل بها إلى السلطان وقدمها إليه، فإنه يعطيك ما يغنيك وبالله أقبل عذري فإنني في هذا الوقت لم أعرف طريقاً وأنا في هذا البحر مدة ألف وثمانمائة عام، ما رأيت ظاهر الدنيا إلا في هذه الساعة ولا تصطاد منها كل يوم إلا مرة واحدة واستودعك الله، ثم دق الأرض بقدميه فانشقت وابتلعته ومضى الصياد إلى المدينة وهو متعجب مما جرى له مع هذا العفريت ثم أخذ السمك ودخل به منزله وأتى بمأجور ثم ملأه ماء وحط فيه السمك فاختبط السمك من داخل المأجور في الماء ثم حمل المأجور فوق رأسه وقصد به قصر الملك كما أمره العفريت.
فلما طلع الصياد إلى الملك وقدم له السمك تعجب الملك غاية العجب من ذلك السمك الذي قدمه إليه لأنه لم ير في عمره مثله صفة ولا شكلاً، فقالوا: ألقوا هذا السمك للجارية الطباخة فأمرها الوزير أن تقليه، وقال لها يا جارية إن المثل يقول ما ادخرت دمعتي إلا لشدتي ففرجينا اليوم على طهيك وحسن طبيخك فإن هذا السمك هدية جاء بها واحد الى السلطان ثم رجع الوزير بعدما أوصاها فأمره الملك أن يعطي الصياد أربعمائة دينار فأعطاه الوزير إياها فأخذها في حجره وتوجه إلى منزله لزوجته، وهو فرحان مسرور ثم اشترى لعياله ما يحتاجون إليه هذا ما كان من أمر الصياد.
وأما ما كان من أمر الجارية فإنها أخذت السمك ونظفته ورصته، في الطاجن ثم إنها تركت السمك حتى استوى وجهه وقلبته على الوجه الثاني، وإذا بحائط المطبخ قد انشقت وخرجت منها صبية رشيقة القد أسيلة الخد كاملة الوصف وفي معاصمها أساور وفي أصابعها خواتم بالفصوص المثمنة وفي يدها قضيب من الخيزران فغرزت القضيب في الطاجن وقالت: يا سمك هل أنت على العهد القديم مقيم، فلما رأت الجارية هذا غشي عليها وقد أعادت الصبية القول ثانياً وثالثاً فرفع السمك رأسه في الطاجن وقال: نعم، نعم ثم قال جميعا هذا البيت:
إن عدت عدنا وإن وافيت وافينا وإن هجرت فإنا قد تكافـينـا
فعند ذلك قلبت الصبية الطاجن وخرجت من الموضع الذي دخلت منه والتحمت حائط المطبخ ثم قامت الجارية فرأت الأربع سمكات محروقة مثل الفحم الأسود، فقالت الجارية من أول غزوته حصل كسر عصبته فبينما هي تعاقب نفسها، وإذا بالوزير واقف على رأسها، وقال لها هاتي السمك للسلطان فبكت الجارية وأعلمت الوزير بالحال وبالذي جرى فتعجب الوزير من ذلك وقال ما هذا الا امر عجيب ثم أنه أرسل إلى الصياد فأتوا به إليه، فقال له أيها الصياد لا بد أن تجيء لنا بأربع سمكات مثل التي جئت بها أولاً.
فخرج الصياد إلى البركة وطرح شبكته ثم جذبها وإذا بأربع سمكات، فأخذها وجاء بها إلى الوزير، فدخل بها الوزير إلى الجارية وقال لها قومي اقليها قدامي، حتى أرى هذه القصة فقامت الجارية وأصلحت السمك، ووضعته في الطاجن على النار فما استقر إلا قليلاً وإذا بالحائط قد انشقت، والصبية قد ظهرت وهي لابسة ملبسها وفي يدها القضيب فغرزته في الطاجن وقالت: يا سمك يا سمك هل أنت على العهد القديم مقيم، فرفعت السمكات رؤوسها وأنشدت البيت السابق . وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
ونلتقى فى ليلة أخرى إن شاءالله
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصياد لما قال للعفريت لو أبقيتني كنت أبقيتك، لكن ما أردت إلا قتلي فأنا أقتلك محبوساً في هذا القمقم، وألقيك في هذا البحر ثم صرخ المارد وقال بالله عليك أيها الصياد لا تفعل وأبقني كرماً ولا تؤاخذني بعملي، فإذا كنت أنا مسيئاً كن أنت محسناً ولا تعمل كما عمل أمامة مع عاتكة.
قال الصياد وما شأنهما، فقال العفريت ما هذا وقت حديث وأنا في السجن حتى تطلعني منه وأنا أحدثك بشأنهما فقال الصياد لا بد من إلقائك في البحر ولا سبيل إلى إخراجك منه ثم قوى قلبه وقال: أيها العفريت قال الله تعالى: وأوفوا بالعهد، إن العهد كان مسؤولاً وأنت قد عاهدتني وحلفت أنك لا تغدر بي فإن غدرت بي يغدر بك الله فإنه غيور يمهل ولا يهمل، وأنا قلت لك مثل ما قاله الحكيم رويان للملك يونان أبقني يبقيك الله. فضحك العفريت ومشى قدامه، وقال أيها الصياد اتبعني فمشى الصياد وراءه وهو لم يصدق بالنجاة إلى أن خرجا من ظاهر المدينة وطلعا على جبل ونزلا إلى برية مقسمة وإذا في وسطها بركة ماء، فوقف العفريت عليها وأمر الصياد أن يطرح الشبكة ويصطاد، فنظر الصياد إلى البركة، وإذا بهذا السمك ألواناً،منها الأبيض والأحمر والأزرق والأصفر، فتعجب الصياد من ذلك ثم أنه طرح شبكته فوجد فيها أربع سمكات، كل سمكة بلون.
فقال له العفريت ادخل بها إلى السلطان وقدمها إليه، فإنه يعطيك ما يغنيك وبالله أقبل عذري فإنني في هذا الوقت لم أعرف طريقاً وأنا في هذا البحر مدة ألف وثمانمائة عام، ما رأيت ظاهر الدنيا إلا في هذه الساعة ولا تصطاد منها كل يوم إلا مرة واحدة واستودعك الله، ثم دق الأرض بقدميه فانشقت وابتلعته ومضى الصياد إلى المدينة وهو متعجب مما جرى له مع هذا العفريت ثم أخذ السمك ودخل به منزله وأتى بمأجور ثم ملأه ماء وحط فيه السمك فاختبط السمك من داخل المأجور في الماء ثم حمل المأجور فوق رأسه وقصد به قصر الملك كما أمره العفريت.
فلما طلع الصياد إلى الملك وقدم له السمك تعجب الملك غاية العجب من ذلك السمك الذي قدمه إليه لأنه لم ير في عمره مثله صفة ولا شكلاً، فقالوا: ألقوا هذا السمك للجارية الطباخة فأمرها الوزير أن تقليه، وقال لها يا جارية إن المثل يقول ما ادخرت دمعتي إلا لشدتي ففرجينا اليوم على طهيك وحسن طبيخك فإن هذا السمك هدية جاء بها واحد الى السلطان ثم رجع الوزير بعدما أوصاها فأمره الملك أن يعطي الصياد أربعمائة دينار فأعطاه الوزير إياها فأخذها في حجره وتوجه إلى منزله لزوجته، وهو فرحان مسرور ثم اشترى لعياله ما يحتاجون إليه هذا ما كان من أمر الصياد.
وأما ما كان من أمر الجارية فإنها أخذت السمك ونظفته ورصته، في الطاجن ثم إنها تركت السمك حتى استوى وجهه وقلبته على الوجه الثاني، وإذا بحائط المطبخ قد انشقت وخرجت منها صبية رشيقة القد أسيلة الخد كاملة الوصف وفي معاصمها أساور وفي أصابعها خواتم بالفصوص المثمنة وفي يدها قضيب من الخيزران فغرزت القضيب في الطاجن وقالت: يا سمك هل أنت على العهد القديم مقيم، فلما رأت الجارية هذا غشي عليها وقد أعادت الصبية القول ثانياً وثالثاً فرفع السمك رأسه في الطاجن وقال: نعم، نعم ثم قال جميعا هذا البيت:
إن عدت عدنا وإن وافيت وافينا وإن هجرت فإنا قد تكافـينـا
فعند ذلك قلبت الصبية الطاجن وخرجت من الموضع الذي دخلت منه والتحمت حائط المطبخ ثم قامت الجارية فرأت الأربع سمكات محروقة مثل الفحم الأسود، فقالت الجارية من أول غزوته حصل كسر عصبته فبينما هي تعاقب نفسها، وإذا بالوزير واقف على رأسها، وقال لها هاتي السمك للسلطان فبكت الجارية وأعلمت الوزير بالحال وبالذي جرى فتعجب الوزير من ذلك وقال ما هذا الا امر عجيب ثم أنه أرسل إلى الصياد فأتوا به إليه، فقال له أيها الصياد لا بد أن تجيء لنا بأربع سمكات مثل التي جئت بها أولاً.
فخرج الصياد إلى البركة وطرح شبكته ثم جذبها وإذا بأربع سمكات، فأخذها وجاء بها إلى الوزير، فدخل بها الوزير إلى الجارية وقال لها قومي اقليها قدامي، حتى أرى هذه القصة فقامت الجارية وأصلحت السمك، ووضعته في الطاجن على النار فما استقر إلا قليلاً وإذا بالحائط قد انشقت، والصبية قد ظهرت وهي لابسة ملبسها وفي يدها القضيب فغرزته في الطاجن وقالت: يا سمك يا سمك هل أنت على العهد القديم مقيم، فرفعت السمكات رؤوسها وأنشدت البيت السابق . وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
ونلتقى فى ليلة أخرى إن شاءالله
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
: الليلة السابعــــــة
قالت شهرزاد :
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه لما تكلم السمك قلبت الطاجن بالقضيب
وخرجت من الموضع الذي جاءت منه والتحم الحائط، فعند ذلك قام الوزير
وقال: هذا أمر لا يمكن إخفاؤه عن الملك،و ثم أنه تقدم إلى الملك وأخبره
بما جرى قدامه فقال الملك: لا بد أن أنظر بعيني، فأرسل إلى الصياد
وأمره أن يأتيني بأربع سمكات مثل الأولى وأمهله ثلاثة أيام. فذهب
الصياد إلى البركة وأتاه بالسمك في الحال. فأمر الملك أن يعطوه
أربعمائة دينار. ثم التفت الملك إلى الوزير وقال له: شو أنت السمك هنا
قدامي فقال الوزير سمعاً وطاعة، فأحضر الطاجن ورمى فيه السمك وإذا
بالحائط قد انشقت وخرج منها عبد أسود كأنه ثور من الثيران أو من قوم
عاد وفي يده فرع من شجرة خضراء وقال: يا سمك يا سمك هل أنت على العهد
القديم مقيم؟ فرفع السمك رأسه من الطاجن وقال: نعم نعم البيت الذي
سمعناه:
ثم أقبل العبد على الطاجن وقلبه إلى أن صار فحماً أسود، ثم ذهب من حيث
أتى، فلما غاب العبد عن أعينهم قال الملك: هذا أمر لا يمكن السكوت عنه،
ولا بد أن هذا السمك له شأن غريب، فأمر بإحضار الصياد، فلما حضر قال
له: من أين هذا السمك فقال له من بركة بين أربعة جبال وراء هذا الجبل
الذي بظاهر مدينتك، فالتفت الملك إلى الصياد وقال له: مسيرة كم يوم،
قال له يا مولانا السلطان مسيرة نصف ساعة.
فتعجب السلطان وأمر بخروج العسكر مع الصياد فصار الصياد يلعن العفريت
وساروا إلى أن طلعوا الجبل ونزلوا منه إلى برية متسعة لم يروها مدة
أعمارهم والسلطان وجميع العسكر يتعجبون من تلك البرية التي نظروها بين
أربع جبال والسمك فيها على أربعة ألوان أبيض وأحمر وأصفر وأزرق.
فوقف الملك متعجباً وقال للعسكر ولمن حضر: هل أحد رأى هذه البركة في
هذا المكان، فقالوا كلهم لا، فقال الملك: والله لا أدخل مدينتي ولا
أجلس على تخت ملكي حتى أعرف حقيقة هذه البركة وسمكها.
ثم أمر الناس بالنزول حول هذه الجبال فنزلوا، ثم دعا بالوزير وكان
وزيراً خبيرا عاقلا لبيبا عالماً بالأمور، فلما حضر قال له: إني أردت
أن أعمل شيئاً فأخبرك به وذلك أنه خطر ببالي أن أنفرد بنفسي في هذه
الليلة وأبحث عن خبر هذه البركة وسمكها، فاجلس على باب خيمتي وقل
للأمراء والوزراء والحجاب أن السلطان متشوش وأمرني أن لا آذن لأحد في
الدخول عليه ولا تعلم أحدا بقصدي، فلم يقدر الوزير على مخالفته.
ثم أن الملك غير حالته وتقلد سيفه وانسل من بينهم ومشى بقية ليله إلى
الصباح، فلم يزل سائراً حتى اشتد عليه الحر فاستراح ثم مشى بقية يومه
وليلته الثانية إلى الصباح فلاح له سواد من بعد ففرح وقال: لعلي أجد من
يخبرني بقصة البركة وسمكها، فلما قرب من السواد وجده قصراً مبنياً
بالحجارة السود مصفحاً بالحديد وأحد شقي بابه مفتوح والآخر مغلق.
ففرح الملك ووقف على الباب ودق دقاً لطيفاً فلم يسمع جواباً، فدق
ثانياً وثالثاً فلم يسمع جواباً، فدق رابعاً دقاً مزعجاً فلم يجبه أحد،
فقال لا شك أنه خال، فشجع نفسه ودخل من باب القصر إلى دهليز ثم صرخ
وقال: يا أهل القصر إني رجل غريب وعابر سبيل، هل عندكم شيء من الزاد؟
وأعاد القول ثانياً وثالثاً فلم يسمع جواباً، فقوى قلبه وثبت نفسه ودخل
من الدهليز إلى وسط القصر فلم يجد فيه أحدا، غير أنه مفروش وفي وسطه
فسقية عليها أربع سباع من الذهب الاحمر تلقي الماء من أفواهها كالدر
والجواهر وفي دائره طيور وعلى هذا القصر شبكة تمنعها من الطلوع، فتعجب
من ذاك وتأسف حيث لم ير فيه أحد يستخبر منه عن تلك البركة والسمك
والجبال والقصر، ثم جلس بين الأبواب يتفكر وإذا هو بأنين يترنم بهذا
الشعر:
لما خفيت ضنى ووجدي قد ظهر والنوم من عيني تبدل بالسهـر
ناديت وجداً قد تزايد بي الفكـر يا وجد لا تبقى علـي
ولا تـذر
ها مهجتي بين المشقة والخطر
فلما سمع السلطان ذلك الأنين نهض قائماً وقصد جهته فوجد ستراً مسبولاً
على باب مجلس فرفعه فرأى خلف الستر شاباً جالساً على سرير مرتفع عن
الأرض ، وهو شاب مليح بقد رجيح ولسان فصيح وشامة على كرسي خده كترس من
عنبر ففرح به الملك وسلم عليه والصبي جالس ، فرد السلام على الملك وقال
له: يا سيدي اعذرني عن عدم القيام، فقال الملك: أيها الشاب أخبرني عن
هذه البركة وعن سمكها الملون وعن هذا القصر وسبب وحدتك فيه وما سبب
بكائك؟ فلما سمع الشاب هذا الكلام نزلت دموعه على خده وبكى بكاء
شديداً، فتعجب الملك وقال: ما يبكيك أيها الشاب؟ فقال كيف لا أبكي وهذه
حالتي، ومد يده إلى أذياله فرفعها فإذا نصفه التحتاني إلى قدميه حجر
ومن صرته إلى شعر رأسه بشر.
ثم قال الشاب: اعلم أيها الملك أن لهذا السمك أمراً عجيباً كان والدي
ملك هذه المدينة وكان اسمع محمود صاحب الجزائر السود وصاحب هذه الجبال
الأربعة أقام في الملك سبعين عاماً ثم توفي والدي وتسلطنت بعده وتزوجت
بابنة عمي وكانت تحبني محبة عظيمة بحيث إذا غبت عنها لا تأكل ولا تشرب
حتى تراني، فمكثت في عصمتي خمس سنين إلى أن ذهبت يوماً من الايام إلى
الحمام فأمرت الطباخ أن يجهز لنا طعاماً لأجل العشاء، ثم دخلت هذا
القصر ونمت في الموضع الذي أنا فيه وأمرت جاريتين أن يروحا على وجهي
فجلست واحدة عند رأسي والأخرى عند رجلي وقد قلقت لغيابها ولم يأخذني
نوم غير أن عيني كانت مغمضة ونفسي يقظانة.
فسمعت التي عند رأسي تقول للتي عند رجلي يا مسعودة إن سيدنا مسكين
شبابه ويا خسارته مع سيدتنا الخبيثة الخاطئة. فقالت الأخرى: لعن الله
الزانيات ولكن مثل سيدنا وأخلاقه لا يصلح لهذه الزانية التي كل ليلة
تبيت في غير فراشه.
فقالت التي عند رأسي: إن سيدنا مغفل حيث لم يسأل عنها. فقالت الأخرى
ويلك وهل عند سيدنا علم بحالها أو هي تفعل ذلك باختياره بل هي تعمل له
عملاً في قدح الشراب الذي يشربه كل ليلة قبل المنام فتضع فيه البنج
فينام ولا يشعر بما يجري ولم يعلم أين تذهب ولا ماذا تصنع لأنها بعدما
تسقيه الشراب تلبس ثيابها وتخرج من عنده فتغيب إلى الفجر وتأتي إليه
وتبخره عند أنفه بشيء فيستيقظ من منامه.
فلما سمعت كلام الجواري صار الضياء في وجهي ظلاماً وما صدقت أن الليل
اقبل وجاءت بنت عمي من الحمام فمددنا السماط وأكلنا وجلسنا ساعة زمنية
نتنادم كالعادة ثم دعوت بالشراب الذي أشربه عند المنام فناولتني الكأس
فراوغت عنه وجعلت اني أشربه مثل عادتي ودلقته في عبي ورقدت في الوقت
والساعة وإذا بها تقول: نم ليتك لم تقم، والله كرهتك وكرهت صورتك وملت
نفسي من عشرتك. ثم قامت ولبست أخفر ثيابها وتبخرت وتقلدت سيفاً وفتحت
باب القصر وخرجت.
فقمت وتبعتها حتى خرجت من القصر وشقت في أسواق المدينة إلى أن انتهت
إلى أبواب المدينة فتكلمت بكلام لا أفهمه فتساقطت الأقفال وانفتحت
الأبواب وخرجت وأنا خلفها وهي لا تشعر حتى انتهت إلى ما بين الكيمان
وأتت حصناً فيه قبة مبنية بطين لها باب فدخلته هي وصعدت أنا على سطح
القبة وأشرفت عليها اذا بها قد دخلت على عبد أسود فقبلت الأرض بين يديه.
فرفع ذلك العبد رأسه وقال لها: ويلك ما سبب قعودك إلى هذه الساعة كان
عندنا السود وشربوا الشراب وسار كل واحد بحبيبته وأنا ما رضيت أن أشرب
، فقالت: يا سيدي وحبيب قلبي أما تعلم أني متزوجة بابن عمي وأنا أكره
النظر في صورته وأبغض نفسي في صحبته، ولولا أني أخشى على خاطرك لكنت قد
جعلت المدينة خراباً يصيح فيها البوم والغراب.
فقال العبد: تكذبين يا عاهرة وأنا أحلف وحق فتوة السود وإلا تكون
مروءتنا مروءة البيض. إن بقيت تقعدي إلى هذا الوقت مثل هذا اليوم لا
أصاحبك، يا خائنة تغيبين علي من أجل زوجك يالعينة ؟
قال الملك: فلما سمعت كلامها وأنا أنظر بعيني ما جرى بينهما صارت
الدنيا في وجهي ظلاماً وصارت بنت عمي واقفة تبكي إليه وتتذلل بين يديه
وتقول له: يا حبيبي وثمرة فؤادي يا حبيبي يا نور عيني. وما زالت تبكي
وتتضرع له حتى رضي عليها ففرحت وقامت وقالت له: يا
سيدي هل عندك ما تأكله جاريتك، فقال لها قومي لهذه القوارة تجدي فيها
بوظة فاشربيها.
فقامت وأكلت وشربت وغسلت يديها، وجاءت إلى العبد فرقدا على قش القصب
فلما نظرت الى هذه الفعال التي فعلتها بنت
عمي غبت عن الوجود فنزلت من فوق اعلى القبة ودخلت واخذت السيف من بنت
عمي وهممت ان اقتل الاثنين فضربت العبد على رقبته فظننت انه قد قضى عليه .
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
ونستكمل فيما بعد ليلة أخرى من ليالى ألف ليلة وليلة
قالت شهرزاد :
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه لما تكلم السمك قلبت الطاجن بالقضيب
وخرجت من الموضع الذي جاءت منه والتحم الحائط، فعند ذلك قام الوزير
وقال: هذا أمر لا يمكن إخفاؤه عن الملك،و ثم أنه تقدم إلى الملك وأخبره
بما جرى قدامه فقال الملك: لا بد أن أنظر بعيني، فأرسل إلى الصياد
وأمره أن يأتيني بأربع سمكات مثل الأولى وأمهله ثلاثة أيام. فذهب
الصياد إلى البركة وأتاه بالسمك في الحال. فأمر الملك أن يعطوه
أربعمائة دينار. ثم التفت الملك إلى الوزير وقال له: شو أنت السمك هنا
قدامي فقال الوزير سمعاً وطاعة، فأحضر الطاجن ورمى فيه السمك وإذا
بالحائط قد انشقت وخرج منها عبد أسود كأنه ثور من الثيران أو من قوم
عاد وفي يده فرع من شجرة خضراء وقال: يا سمك يا سمك هل أنت على العهد
القديم مقيم؟ فرفع السمك رأسه من الطاجن وقال: نعم نعم البيت الذي
سمعناه:
ثم أقبل العبد على الطاجن وقلبه إلى أن صار فحماً أسود، ثم ذهب من حيث
أتى، فلما غاب العبد عن أعينهم قال الملك: هذا أمر لا يمكن السكوت عنه،
ولا بد أن هذا السمك له شأن غريب، فأمر بإحضار الصياد، فلما حضر قال
له: من أين هذا السمك فقال له من بركة بين أربعة جبال وراء هذا الجبل
الذي بظاهر مدينتك، فالتفت الملك إلى الصياد وقال له: مسيرة كم يوم،
قال له يا مولانا السلطان مسيرة نصف ساعة.
فتعجب السلطان وأمر بخروج العسكر مع الصياد فصار الصياد يلعن العفريت
وساروا إلى أن طلعوا الجبل ونزلوا منه إلى برية متسعة لم يروها مدة
أعمارهم والسلطان وجميع العسكر يتعجبون من تلك البرية التي نظروها بين
أربع جبال والسمك فيها على أربعة ألوان أبيض وأحمر وأصفر وأزرق.
فوقف الملك متعجباً وقال للعسكر ولمن حضر: هل أحد رأى هذه البركة في
هذا المكان، فقالوا كلهم لا، فقال الملك: والله لا أدخل مدينتي ولا
أجلس على تخت ملكي حتى أعرف حقيقة هذه البركة وسمكها.
ثم أمر الناس بالنزول حول هذه الجبال فنزلوا، ثم دعا بالوزير وكان
وزيراً خبيرا عاقلا لبيبا عالماً بالأمور، فلما حضر قال له: إني أردت
أن أعمل شيئاً فأخبرك به وذلك أنه خطر ببالي أن أنفرد بنفسي في هذه
الليلة وأبحث عن خبر هذه البركة وسمكها، فاجلس على باب خيمتي وقل
للأمراء والوزراء والحجاب أن السلطان متشوش وأمرني أن لا آذن لأحد في
الدخول عليه ولا تعلم أحدا بقصدي، فلم يقدر الوزير على مخالفته.
ثم أن الملك غير حالته وتقلد سيفه وانسل من بينهم ومشى بقية ليله إلى
الصباح، فلم يزل سائراً حتى اشتد عليه الحر فاستراح ثم مشى بقية يومه
وليلته الثانية إلى الصباح فلاح له سواد من بعد ففرح وقال: لعلي أجد من
يخبرني بقصة البركة وسمكها، فلما قرب من السواد وجده قصراً مبنياً
بالحجارة السود مصفحاً بالحديد وأحد شقي بابه مفتوح والآخر مغلق.
ففرح الملك ووقف على الباب ودق دقاً لطيفاً فلم يسمع جواباً، فدق
ثانياً وثالثاً فلم يسمع جواباً، فدق رابعاً دقاً مزعجاً فلم يجبه أحد،
فقال لا شك أنه خال، فشجع نفسه ودخل من باب القصر إلى دهليز ثم صرخ
وقال: يا أهل القصر إني رجل غريب وعابر سبيل، هل عندكم شيء من الزاد؟
وأعاد القول ثانياً وثالثاً فلم يسمع جواباً، فقوى قلبه وثبت نفسه ودخل
من الدهليز إلى وسط القصر فلم يجد فيه أحدا، غير أنه مفروش وفي وسطه
فسقية عليها أربع سباع من الذهب الاحمر تلقي الماء من أفواهها كالدر
والجواهر وفي دائره طيور وعلى هذا القصر شبكة تمنعها من الطلوع، فتعجب
من ذاك وتأسف حيث لم ير فيه أحد يستخبر منه عن تلك البركة والسمك
والجبال والقصر، ثم جلس بين الأبواب يتفكر وإذا هو بأنين يترنم بهذا
الشعر:
لما خفيت ضنى ووجدي قد ظهر والنوم من عيني تبدل بالسهـر
ناديت وجداً قد تزايد بي الفكـر يا وجد لا تبقى علـي
ولا تـذر
ها مهجتي بين المشقة والخطر
فلما سمع السلطان ذلك الأنين نهض قائماً وقصد جهته فوجد ستراً مسبولاً
على باب مجلس فرفعه فرأى خلف الستر شاباً جالساً على سرير مرتفع عن
الأرض ، وهو شاب مليح بقد رجيح ولسان فصيح وشامة على كرسي خده كترس من
عنبر ففرح به الملك وسلم عليه والصبي جالس ، فرد السلام على الملك وقال
له: يا سيدي اعذرني عن عدم القيام، فقال الملك: أيها الشاب أخبرني عن
هذه البركة وعن سمكها الملون وعن هذا القصر وسبب وحدتك فيه وما سبب
بكائك؟ فلما سمع الشاب هذا الكلام نزلت دموعه على خده وبكى بكاء
شديداً، فتعجب الملك وقال: ما يبكيك أيها الشاب؟ فقال كيف لا أبكي وهذه
حالتي، ومد يده إلى أذياله فرفعها فإذا نصفه التحتاني إلى قدميه حجر
ومن صرته إلى شعر رأسه بشر.
ثم قال الشاب: اعلم أيها الملك أن لهذا السمك أمراً عجيباً كان والدي
ملك هذه المدينة وكان اسمع محمود صاحب الجزائر السود وصاحب هذه الجبال
الأربعة أقام في الملك سبعين عاماً ثم توفي والدي وتسلطنت بعده وتزوجت
بابنة عمي وكانت تحبني محبة عظيمة بحيث إذا غبت عنها لا تأكل ولا تشرب
حتى تراني، فمكثت في عصمتي خمس سنين إلى أن ذهبت يوماً من الايام إلى
الحمام فأمرت الطباخ أن يجهز لنا طعاماً لأجل العشاء، ثم دخلت هذا
القصر ونمت في الموضع الذي أنا فيه وأمرت جاريتين أن يروحا على وجهي
فجلست واحدة عند رأسي والأخرى عند رجلي وقد قلقت لغيابها ولم يأخذني
نوم غير أن عيني كانت مغمضة ونفسي يقظانة.
فسمعت التي عند رأسي تقول للتي عند رجلي يا مسعودة إن سيدنا مسكين
شبابه ويا خسارته مع سيدتنا الخبيثة الخاطئة. فقالت الأخرى: لعن الله
الزانيات ولكن مثل سيدنا وأخلاقه لا يصلح لهذه الزانية التي كل ليلة
تبيت في غير فراشه.
فقالت التي عند رأسي: إن سيدنا مغفل حيث لم يسأل عنها. فقالت الأخرى
ويلك وهل عند سيدنا علم بحالها أو هي تفعل ذلك باختياره بل هي تعمل له
عملاً في قدح الشراب الذي يشربه كل ليلة قبل المنام فتضع فيه البنج
فينام ولا يشعر بما يجري ولم يعلم أين تذهب ولا ماذا تصنع لأنها بعدما
تسقيه الشراب تلبس ثيابها وتخرج من عنده فتغيب إلى الفجر وتأتي إليه
وتبخره عند أنفه بشيء فيستيقظ من منامه.
فلما سمعت كلام الجواري صار الضياء في وجهي ظلاماً وما صدقت أن الليل
اقبل وجاءت بنت عمي من الحمام فمددنا السماط وأكلنا وجلسنا ساعة زمنية
نتنادم كالعادة ثم دعوت بالشراب الذي أشربه عند المنام فناولتني الكأس
فراوغت عنه وجعلت اني أشربه مثل عادتي ودلقته في عبي ورقدت في الوقت
والساعة وإذا بها تقول: نم ليتك لم تقم، والله كرهتك وكرهت صورتك وملت
نفسي من عشرتك. ثم قامت ولبست أخفر ثيابها وتبخرت وتقلدت سيفاً وفتحت
باب القصر وخرجت.
فقمت وتبعتها حتى خرجت من القصر وشقت في أسواق المدينة إلى أن انتهت
إلى أبواب المدينة فتكلمت بكلام لا أفهمه فتساقطت الأقفال وانفتحت
الأبواب وخرجت وأنا خلفها وهي لا تشعر حتى انتهت إلى ما بين الكيمان
وأتت حصناً فيه قبة مبنية بطين لها باب فدخلته هي وصعدت أنا على سطح
القبة وأشرفت عليها اذا بها قد دخلت على عبد أسود فقبلت الأرض بين يديه.
فرفع ذلك العبد رأسه وقال لها: ويلك ما سبب قعودك إلى هذه الساعة كان
عندنا السود وشربوا الشراب وسار كل واحد بحبيبته وأنا ما رضيت أن أشرب
، فقالت: يا سيدي وحبيب قلبي أما تعلم أني متزوجة بابن عمي وأنا أكره
النظر في صورته وأبغض نفسي في صحبته، ولولا أني أخشى على خاطرك لكنت قد
جعلت المدينة خراباً يصيح فيها البوم والغراب.
فقال العبد: تكذبين يا عاهرة وأنا أحلف وحق فتوة السود وإلا تكون
مروءتنا مروءة البيض. إن بقيت تقعدي إلى هذا الوقت مثل هذا اليوم لا
أصاحبك، يا خائنة تغيبين علي من أجل زوجك يالعينة ؟
قال الملك: فلما سمعت كلامها وأنا أنظر بعيني ما جرى بينهما صارت
الدنيا في وجهي ظلاماً وصارت بنت عمي واقفة تبكي إليه وتتذلل بين يديه
وتقول له: يا حبيبي وثمرة فؤادي يا حبيبي يا نور عيني. وما زالت تبكي
وتتضرع له حتى رضي عليها ففرحت وقامت وقالت له: يا
سيدي هل عندك ما تأكله جاريتك، فقال لها قومي لهذه القوارة تجدي فيها
بوظة فاشربيها.
فقامت وأكلت وشربت وغسلت يديها، وجاءت إلى العبد فرقدا على قش القصب
فلما نظرت الى هذه الفعال التي فعلتها بنت
عمي غبت عن الوجود فنزلت من فوق اعلى القبة ودخلت واخذت السيف من بنت
عمي وهممت ان اقتل الاثنين فضربت العبد على رقبته فظننت انه قد قضى عليه .
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
ونستكمل فيما بعد ليلة أخرى من ليالى ألف ليلة وليلة
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
: الليلة الثامنة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشاب المسحور قال للملك: لما ضربت
العبد لأقطع رأسه قطعت الحلقوم والجلد واللحم فظننت أني قتلته فشخر
شخيراً عالياً فتحركت بنت عمي وقامت بعد ذهابي فأخذت السيف وردته إلى
موضعه وأتت المدينة ودخلت القصر ورقدت في فراشي إلى الصباح، ورأيت بنت
عمي في ذلك اليوم قد قطعت شعرها ولبست ثياب الحزن وقالت: يا ابن عمي لا
تلمني فيما أفعله، فإنه بلغني أن والدتي توفيت وأن والدي قتل في
الجهاد، وأن أخوي أحدهما مات ملسوعاً وبعد السنة قالت لي أريد أن أبني
لي في قصرك مدفناً مثل القبة وأنفرد فيه بالأحزان أسميه بيت الأحزان.
فقلت لها افعلي ما بدا لك فبنيت لها بيتاً للحزن في وسطه قبة ومدفن ثم
نقلت العبد وأنزلته فيه وهو ضعيف جداً لا ينفعها بنافعة لكنه يشرب
الشراب، ومن اليوم الذي جرحته فيه ما تكلم إلا أنه حي لأن أجله لم يفرغ
فصارت كل يوم تدخل عليه القبة بكرة وعشياً وتبكي عنده، وتعدد عليه
وتسقيه الشراب ولم تزل على هذه الحالة وأنا أطول بالي عليها إلى أن
دخلت عليها يوماً من الأيام، على غفلة فوجدتها تبكي وتلطم وجهها وتقول
هذه الأبيات:
عدمت وجودي في الورى بعد بعدكم فإن فـؤادي لا يحـب
سـواكـم
خذوا كرماً جسمي إلى أين ترتمـوا وأين حللتم
فادفنـونـي حـداكـم
وإن تذكروا اسمي عند قبري يجيبكم أنين عظامي عند صوت
نـداكـم
فلما فرغت من شعرها قلت لها وسيفي مسلول في يدي: هذا كلام الخائنات
اللاتي ينكرن العشره، ولا يحفظن الصحبة وأردت أن أضربها فرفعت يدي في
الهواء فقامت وقد علمت أني أنا الذي جرحت العبد قامت على قدميها وتكلمت
بكلام لا أفهمه، وقالت جعل الله بسحري نصفك حجراً ونصفك الآخر بشراً،
فصرت كما ترى وبقيت لا أقوم ولا أقعد ولا أنا ميت ولا أنا حي.
فلما صرت هكذا سحرت المدينة وما فيها من الأسواق والغبطان وكانت
مدينتنا أربعة أصناف مسلمين ونصارى ويهود ومجوس فسحرتهم سمكاً، فالأبيض
مسلمون والأحمر مجوس والأزرق نصارى والأصفر يهود وسحرت الجزائر الأربع
جبال وأحاطتها بالبركة، ثم إنها كل يوم تعذبني، وتضربني بسوط من الجلد
مائة ضربة حتى يسيل الدم ثم تلبسني من تحت هذه الثياب ثوباً من الشعر
على نصفي الفوقاني ثم أن الشاب بكى وأنشد هذا الشعر:
صبراً لحكمك يا إله وللـقـضـا أنا صابر إن كان فيه
لك الرضا
قد ضقت بالأمر الذي قد نالنـي فوسياني آل النبي
المرتـضـى
فعند ذلك التفت الملك إلى الشاب وقال له: أيها الشاب لقد زدتني هماً
على همي، ثم قال له: وأين تلك المرأة قال في المدفن الذي فيه العبد
راقد في القبة وهي تجيء له كل يوم مرة وعند مجيئها تجيء إلى وتجردني من
ثيابي وتضربني بالسوط مئة ضربة وأنا أبكي وأصيح ولم يكن في حركة حتى
أدفعها عن نفسي ثم بعد أن تعاقبني تذهب إلى العبد بالشراب بكرة النهار.
قال الملك: والله يا فتى لأفعلن معك معروفاً أذكر به وجميلاً يؤرخونه
سيراً من بعدي، ثم جلس الملك يتحدث معه إلى أن أقبل الليل ثم قام الملك
وصبر إلى أن جاء وقت السحر فتجرد من ثيابه وتقلد سيفه ونهض إلى المحل
الذي فيه العبد فنظر إلى الشمع والقناديل ورأى البخور والأدهان ثم قصد
العبد وضربه فقتله ثم حمله على ظهره ورماه في بئر كانت في القصر، ثم
نزل ولبس ثياب العبد والسيف معه مسلول ، فبعد ساعة أتت العاهرة الساحرة
وعند دخولها جردت ابن عمها من ثيابه وأخذت سوطاً، وضربته فقال آه
يكفيني ما أنا فيه فارحميني فقالت: هل كنت أنت رحمتني وأبقيت لي
معشوقي، ثم ألبسته اللباس الشعر والقماش من فوقه ثم نزلت إلى العبد
ومعها قدح الشراب ودخلت عليه القبة وبكت وولولت وقالت: يا سيدي كلمني
يا سيدي حدثني وأنشدت تقول:
فإلى متى هذا التجنب والـجـفـا إن الذي فعل الغرام
لقد كـفـى
كم قد تطيل الهجر لي معتـمـداً إن كان قصدك حاسدي
فقد اشتفى
ثم إنها بكت وقالت: يا سيدي كلمني وحدثني فخفض صوته، وعوج لسانه وتكلم
بكلام السود وقال: آه لا حول ولا قوة إلا بالله فلما سمعت كلامه صرخت
من الفرح وغشي عليها ثم إنها استفاقت وقالت لعل سيدي صحيح، فخفض الملك
صوته بضعف وقال: يا عاهرة أنت لا تستحقي أن أكلمك، قالت ما سبب ذلك،
قال سببه أنك طول النهار تعاقبين زوجك وهو يصرخ ويستغيث حتى أحرمتيني
النوم من العشاء إلى الصباح، ولم يزل زوجك يتضرع ويدعو عليك حتى أقلقني
صوته ولولا هذا لكنت تعافيت خلصيه مما هو فيه وأريحينا فقالت: سمعاً
وطاعة.
ثم قامت وخرجت من القبة إلى القصر وأخذت طاسة ملأتها ماء ثم تكلمت
عليها فصار الماء يغلي كما يغلي القدر ثم رشته وقالت: بحق ما تلوته أن
تخرج من هذه الصورة إلى صورتك الأولى: فانتفض الشاب وقام على قدميه،
وفرح بخلاصه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى
الله عليه وسلم، ثم قالت له: اخرج ولا ترجع إلى هنا وإلا قتلتك وصرخت
في وجهه.
فخرج من بين يديها وعادت إلى القبة ونزلت وقالت: يا سيدي اخرج إلي حتى
أنظرك، فقال لها بكلام ضعيف ان الذي فعلتيه،قد أراحني من الفرع ولكنك
لم تريحيني من الأصل، فقالت يا حبيبي وما هو الأصل قال: أهل هذه
المدينة والأربع جزائر كل ليلة، إذا انتصف الليل يرفع السمك رأسه ويدعو
علي وعليك فهو سبب منع العافية عن جسمي، فخلصيهم وتعالي خذي بيدي،
وأقيميني، فقد توجهت إلى العافية فلما سمعت كلام الملك وهي تظنه العبد،
قالت له وهي فرحة يا سيدي على رأسي وعيني بسم الله، ثم نهضت وقامت وهي
مسرورة تجري وخرجت إلى البركة وأخذت من مائها قليلاً.
الديك صاح .....
والنهار قد لاح
فسكتت شهر زاد عن الكلام المباح
وإلى ليلة مقبلة إن شاءالله ...
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشاب المسحور قال للملك: لما ضربت
العبد لأقطع رأسه قطعت الحلقوم والجلد واللحم فظننت أني قتلته فشخر
شخيراً عالياً فتحركت بنت عمي وقامت بعد ذهابي فأخذت السيف وردته إلى
موضعه وأتت المدينة ودخلت القصر ورقدت في فراشي إلى الصباح، ورأيت بنت
عمي في ذلك اليوم قد قطعت شعرها ولبست ثياب الحزن وقالت: يا ابن عمي لا
تلمني فيما أفعله، فإنه بلغني أن والدتي توفيت وأن والدي قتل في
الجهاد، وأن أخوي أحدهما مات ملسوعاً وبعد السنة قالت لي أريد أن أبني
لي في قصرك مدفناً مثل القبة وأنفرد فيه بالأحزان أسميه بيت الأحزان.
فقلت لها افعلي ما بدا لك فبنيت لها بيتاً للحزن في وسطه قبة ومدفن ثم
نقلت العبد وأنزلته فيه وهو ضعيف جداً لا ينفعها بنافعة لكنه يشرب
الشراب، ومن اليوم الذي جرحته فيه ما تكلم إلا أنه حي لأن أجله لم يفرغ
فصارت كل يوم تدخل عليه القبة بكرة وعشياً وتبكي عنده، وتعدد عليه
وتسقيه الشراب ولم تزل على هذه الحالة وأنا أطول بالي عليها إلى أن
دخلت عليها يوماً من الأيام، على غفلة فوجدتها تبكي وتلطم وجهها وتقول
هذه الأبيات:
عدمت وجودي في الورى بعد بعدكم فإن فـؤادي لا يحـب
سـواكـم
خذوا كرماً جسمي إلى أين ترتمـوا وأين حللتم
فادفنـونـي حـداكـم
وإن تذكروا اسمي عند قبري يجيبكم أنين عظامي عند صوت
نـداكـم
فلما فرغت من شعرها قلت لها وسيفي مسلول في يدي: هذا كلام الخائنات
اللاتي ينكرن العشره، ولا يحفظن الصحبة وأردت أن أضربها فرفعت يدي في
الهواء فقامت وقد علمت أني أنا الذي جرحت العبد قامت على قدميها وتكلمت
بكلام لا أفهمه، وقالت جعل الله بسحري نصفك حجراً ونصفك الآخر بشراً،
فصرت كما ترى وبقيت لا أقوم ولا أقعد ولا أنا ميت ولا أنا حي.
فلما صرت هكذا سحرت المدينة وما فيها من الأسواق والغبطان وكانت
مدينتنا أربعة أصناف مسلمين ونصارى ويهود ومجوس فسحرتهم سمكاً، فالأبيض
مسلمون والأحمر مجوس والأزرق نصارى والأصفر يهود وسحرت الجزائر الأربع
جبال وأحاطتها بالبركة، ثم إنها كل يوم تعذبني، وتضربني بسوط من الجلد
مائة ضربة حتى يسيل الدم ثم تلبسني من تحت هذه الثياب ثوباً من الشعر
على نصفي الفوقاني ثم أن الشاب بكى وأنشد هذا الشعر:
صبراً لحكمك يا إله وللـقـضـا أنا صابر إن كان فيه
لك الرضا
قد ضقت بالأمر الذي قد نالنـي فوسياني آل النبي
المرتـضـى
فعند ذلك التفت الملك إلى الشاب وقال له: أيها الشاب لقد زدتني هماً
على همي، ثم قال له: وأين تلك المرأة قال في المدفن الذي فيه العبد
راقد في القبة وهي تجيء له كل يوم مرة وعند مجيئها تجيء إلى وتجردني من
ثيابي وتضربني بالسوط مئة ضربة وأنا أبكي وأصيح ولم يكن في حركة حتى
أدفعها عن نفسي ثم بعد أن تعاقبني تذهب إلى العبد بالشراب بكرة النهار.
قال الملك: والله يا فتى لأفعلن معك معروفاً أذكر به وجميلاً يؤرخونه
سيراً من بعدي، ثم جلس الملك يتحدث معه إلى أن أقبل الليل ثم قام الملك
وصبر إلى أن جاء وقت السحر فتجرد من ثيابه وتقلد سيفه ونهض إلى المحل
الذي فيه العبد فنظر إلى الشمع والقناديل ورأى البخور والأدهان ثم قصد
العبد وضربه فقتله ثم حمله على ظهره ورماه في بئر كانت في القصر، ثم
نزل ولبس ثياب العبد والسيف معه مسلول ، فبعد ساعة أتت العاهرة الساحرة
وعند دخولها جردت ابن عمها من ثيابه وأخذت سوطاً، وضربته فقال آه
يكفيني ما أنا فيه فارحميني فقالت: هل كنت أنت رحمتني وأبقيت لي
معشوقي، ثم ألبسته اللباس الشعر والقماش من فوقه ثم نزلت إلى العبد
ومعها قدح الشراب ودخلت عليه القبة وبكت وولولت وقالت: يا سيدي كلمني
يا سيدي حدثني وأنشدت تقول:
فإلى متى هذا التجنب والـجـفـا إن الذي فعل الغرام
لقد كـفـى
كم قد تطيل الهجر لي معتـمـداً إن كان قصدك حاسدي
فقد اشتفى
ثم إنها بكت وقالت: يا سيدي كلمني وحدثني فخفض صوته، وعوج لسانه وتكلم
بكلام السود وقال: آه لا حول ولا قوة إلا بالله فلما سمعت كلامه صرخت
من الفرح وغشي عليها ثم إنها استفاقت وقالت لعل سيدي صحيح، فخفض الملك
صوته بضعف وقال: يا عاهرة أنت لا تستحقي أن أكلمك، قالت ما سبب ذلك،
قال سببه أنك طول النهار تعاقبين زوجك وهو يصرخ ويستغيث حتى أحرمتيني
النوم من العشاء إلى الصباح، ولم يزل زوجك يتضرع ويدعو عليك حتى أقلقني
صوته ولولا هذا لكنت تعافيت خلصيه مما هو فيه وأريحينا فقالت: سمعاً
وطاعة.
ثم قامت وخرجت من القبة إلى القصر وأخذت طاسة ملأتها ماء ثم تكلمت
عليها فصار الماء يغلي كما يغلي القدر ثم رشته وقالت: بحق ما تلوته أن
تخرج من هذه الصورة إلى صورتك الأولى: فانتفض الشاب وقام على قدميه،
وفرح بخلاصه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى
الله عليه وسلم، ثم قالت له: اخرج ولا ترجع إلى هنا وإلا قتلتك وصرخت
في وجهه.
فخرج من بين يديها وعادت إلى القبة ونزلت وقالت: يا سيدي اخرج إلي حتى
أنظرك، فقال لها بكلام ضعيف ان الذي فعلتيه،قد أراحني من الفرع ولكنك
لم تريحيني من الأصل، فقالت يا حبيبي وما هو الأصل قال: أهل هذه
المدينة والأربع جزائر كل ليلة، إذا انتصف الليل يرفع السمك رأسه ويدعو
علي وعليك فهو سبب منع العافية عن جسمي، فخلصيهم وتعالي خذي بيدي،
وأقيميني، فقد توجهت إلى العافية فلما سمعت كلام الملك وهي تظنه العبد،
قالت له وهي فرحة يا سيدي على رأسي وعيني بسم الله، ثم نهضت وقامت وهي
مسرورة تجري وخرجت إلى البركة وأخذت من مائها قليلاً.
الديك صاح .....
والنهار قد لاح
فسكتت شهر زاد عن الكلام المباح
وإلى ليلة مقبلة إن شاءالله ...
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
الليلة التاسعة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية الساحرة، لما أخذت شيئاً من
ماء البركة وتكلمت عليه تحرك السمك، ورفع رأسه وصاروا آدميين في الحال،
وانفك السحر عن أهل المدينة وصارت المدينة عامرة والأسواق منصوبة، وصار
كل واحد في صناعته وانقلبت الجبال جزائر، كما كانت ثم أن الصبية
الساحرة رجعت إلى الملك في الحال وهي تظن أنه العبد، وقالت يا حبيبي
ناولني يدك الكريمة أقبلها. فقال الملك بكلام خفي: تقربي مني، فدنت منه
وقد أخذ صارمه وطعنها به في صدرها حتى خرج من ظهرها وخرج فوجد الشاب
المسحور واقفاً في انتظاره فهنأه بالسلامة وقبل الشاب يده وشكره فقال
له الملك: اتقعد في مدينتك أو تجيء معي إلى مدينتي؟ فقال الشاب: يا ملك
الزمان أتدري ما بينك وبين مدينتك؟ فقال الملك يومان ونصف فعند ذلك قال
له الشاب: إن كنت نائماً فاستيقظ إن بينك وبين مدينتك سنة أتيت في
يومين ونصف لأن المدينة كانت مسحورة وأنا أيها الملك لا أفارقك
لحظة عين.
ففرح الملك بقوله ثم تعانقا وفرحا فرحاً شديداً، ثم مشيا حتى وصلا إلى
القصر وأخبر الملك الذي كان مسحوراً أرباب دولته أنه مسافر إلى الحج
الشريف فهياؤا له جميع ما يحتاج إليه هو والسلطان وقلب السلطان ملتهب
على مدينته حيث غاب عنها سنة. ثم سافر ومعه خمسون مملوكاً ومعه
الهدايا، ولم يزالا مسافرين ليلاً ونهاراً سنة كاملة حتى أقبلا على
مدينة السلطان.
فخرج الوزير والعساكر لمقابلته بعدما قطعوا الرجاء منه وأقبلت العساكر
وقبلت الأرض بين يديه وهناؤه بالسلامة فدخل وجلس على الكرسي ثم أقبل
على الوزير وأعلمه بكل ما جرى على الشاب، فلما سمع الوزير ما جرى هنأه
بالسلامة.
ولما استقر الحال أنعم السلطان على أناس كثيرون، ثم قال للوزير علي
بالصياد الذي أتى بالسمك فأرسل إلى ذلك الصياد الذي كان سبباً لخلاص
أهل المدينة فأحضروه وخلع عليه وسأله عن حاله وهل له أولاد فأخبره أن
له ابناً وبنتين فتزوج الملك بإحدى بنتيه وتزوج الشاب بالأخرى،. وأخذ
الملك الإبن عنده وجعله خازندارا، ثم أرسل الوزير إلى مدينة الشاب التي
هي الجزائر السود وقلده سلطنتها وأرسل معه الخمسين مملوكا وارسل معه
كثيرا من الخلع لسائر الأمراء. فقبل الوزير يديه وسافر. وأما الصياد
فإنه قد صار أغنى أهل زمانه وبناته زوجات الملوك ، وما هذا بأعجب مما
جرى للحمال.
حكاية الحمال مع البنات
كان هناك إنسان من مدينة بغداد وكان اعزب وكان حمالاً. فبينما هو في
السوق يوماً من الأيام متكئاً على قفصه إذ وقفت عليه امرأة ملتفة بإزار
موصلي من حرير فرفعت قناعها فبان من تحته عيون سوداء بأهداب وأجفان
ناعمة الأطراف كاملة الأوصاف، وبعد ذلك قالت هات قفصك واتبعني.فما صدق
الحمال بذلك واخذ القفص وتبعها إلى أن وقفت على باب دار فطرقت الباب
فنزل رجل نصراني، فأعطته ديناراً وأخذت منه مقداراً من الزيتون وضعته
في القفص وقالت له: احمله واتبعني، فقال الحمال: هذا والله نهار مبارك.
ثم حمل القفص وتبعها فوقفت عند دكان فاكهاني واشترت منه تفاحاً شامياً
وسفرجلاً عثمانياً وخوخاً عمانياً وياسميناً حلبياً وليموناً مصرياً
وتمر حنا وشقائق النعمان وبنفسجاً ووضعت الجميع في قفص الحمال وقالت
له: احمل، فحمل وتبعها حتى وقفت على جزار وقالت له: اقطع عشرة أرطال
لحمة فقطع لها، ولفت اللحم في ورق موز ووضعته في القفص وقالت له: احمل
يا حمال فحمل وتبعها، ثم وقفت على النقلي وأخذت من سائر النقل وقالت
للحمال: احمل واتبعني فحمل القفص وتبعها إلى أن وقفت على دكان الحلواني
واشترت طبقاً وملأته من جميع ما عنده من مشبك وقطايف ووضعت جميع أنواع
الحلاوة في الطبق ووضعته في القفص. فقال الحمال: لو أعلمتني لجئت معي
ببغل نحمل عليه هذه الأمور، فتبسمت.
ثم وقفت على العطار واشترت منه عشرة مياه ماء ورد وماء زهر وأخذت قدراً
من السكر وأخذت مرش ماء وحصى لبان ذكر وعودا عنبر ومسكاً وأخذت شمعاً
اسكندرانياً ووضعت الجميع في القفص وقالت: احمل قفصك واتبعني، فحمل
القفص وتبعها به إلى أن أتت داراً مليحة وقدامها رحبة فسيحة مصفحة
بصفائح الذهب الأحمر، فوقفت الصبية على الباب ودقت دقاً لطيفاً وإذا
بالباب انفتح . فنظر الحمال إلى من فتح الباب فوجدها صبية رشيقة القد
ذات حسن وجمال وعيون كعيون الغزلان وحواجب كهلال رمضان
وخدود مثل شقائق النعمان وفم كخاتم سليمان ووجه كالبدر في الإشراق
فلما نظر الحمال إليها سلبت عقله وكاد القفص أن يقع من فوق رأسه، ثم
قال: ما رأيت أبرك من هذا النهار، فقالت الصبية مرحبا وهي من داخل
الباب ومشوا حتى انتهوا إلى قاعة فسيحة مزركشة مليحة ذات تراكيب وشاذر
وأثاث ومصاطب وخزائن عليها الستور مرخيات، وفي وسط القاعة سرير من
المرمر مرصع بالدر والجوهر منصوب عليه ناموسية منا الأطلس الأحمر .
فنهضت الصبية من فوق السرير وخطرت قليلاً إلى أن صارت في وسط القاعة
عند أختيها وقالت: ما وقوفكن، حطوا عن رأس هذا الحمال المسكين، فجاءت
الدلالة من قدامه والبوابة من خلفه، وساعدتهما الثالثة وحططن عن الحمال
وأفرغن ما في القفص وصفوا كل شيء في محله وأعطين الحمال دينارين وقلن
له: توجه يا حمال، فنظر إلى البنات وما هن فيه من الحسن والطبائع فلم
ير أحسن منهن ولكن ليس عندهن رجال.
فتعجب غاية العجب ووقف عن الخروج، فقالت له الصبية: ما بالك لا تروح؟
هل أنت استقللت الأجرة، والتفتت إلى أختها وقالت لها: أعطيه ديناراً
آخر فقال الحمال: والله يا سيدتي إن أجرتي نصفان، وما استقللت الأجرة
وإنما اشتغل قلبي وسري بكن وكيف حالكن وأنتن وحدكن وما عندكن رجال ولا
أحد يؤانسكن وأنتن تعرفن أن المنارة لا تثبت إلا على أربعة وليس لكن
رابع، وما يكمل حظ النساء إلا بالرجال.
أنتن ثلاثة فتفتقرن إلى رابع يكون رجلاً عاقلاً لبيباً حاذقاً وللأسرار
كاتماً فقلن له: نحن بنات ونخاف أن نودع السر عند من لا يحفظه، وقد
قرأنا في الأخبار شعراً:
صن عن سواك السر لا تودعه من أودع السر فقد ضـيعـه
فلما سمع الحمال كلامهن قال: وحياتكن أني رجل عاقل أمين قرأت الكتب
واطلعت على التواريخ، أظهر الجميل وأخفي القبيح وأعمل بقول الشاعر:
لا يكتم السر إلا كل ذي ثـقة والسر عند خيار الناس مكتوم
فلما سمعت البنات الشعر وما أبداه من الكلام قلن له: أنت تعلم أننا
غرمنا على هذا المقام جملة من المال فهل معك شيء تجازينا به، فنحن لا
ندعك تجلس عندنا حتى تغرم مبلغنا من المال لأن خاطرك أن تجلس عندنا
وتصير نديمنا وتطلع على وجوهنا الصباح. فقالت صاحبة الدار: وإذا كانت
بغير المال محبة فلا تساوي وزن حبة، وقالت البوابة إن لم يكن معك شيء
فاذهب بلا شيء فقالت الدالة يا أختي نكف عنه فوالله ما قصر اليوم معنا
ولو كان غيره ما طول روحه علينا ومهما جاء عليه أغرمه عنه.
ففرح الحمال وقال والله ما استفتحت بالدراهم إلا منك، فقلن له اجلس على
الرأس والعين وقامت الدلالة وشدت وسطها وصبت القناني وروقت المدام
وأحضرت ما يحتاجون إليه ثم قدمت المدام وجلست هي وأختها وجلس الحمال
بينهن وهو يظن أنه في المنام. ولم يزل الحمال معهن هذه
تكلمه وهذه تجذبه بالشوم تضربه وهو معهن حتى لعبت الخمرة بعقولهم.
فلما تحكم الشراب معهم قامت البوابة ثم رمت نفسها في تلك البحيرة وأخذت تلهو في الماء .
وإلى ليلة أخرى إن شاءالله
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية الساحرة، لما أخذت شيئاً من
ماء البركة وتكلمت عليه تحرك السمك، ورفع رأسه وصاروا آدميين في الحال،
وانفك السحر عن أهل المدينة وصارت المدينة عامرة والأسواق منصوبة، وصار
كل واحد في صناعته وانقلبت الجبال جزائر، كما كانت ثم أن الصبية
الساحرة رجعت إلى الملك في الحال وهي تظن أنه العبد، وقالت يا حبيبي
ناولني يدك الكريمة أقبلها. فقال الملك بكلام خفي: تقربي مني، فدنت منه
وقد أخذ صارمه وطعنها به في صدرها حتى خرج من ظهرها وخرج فوجد الشاب
المسحور واقفاً في انتظاره فهنأه بالسلامة وقبل الشاب يده وشكره فقال
له الملك: اتقعد في مدينتك أو تجيء معي إلى مدينتي؟ فقال الشاب: يا ملك
الزمان أتدري ما بينك وبين مدينتك؟ فقال الملك يومان ونصف فعند ذلك قال
له الشاب: إن كنت نائماً فاستيقظ إن بينك وبين مدينتك سنة أتيت في
يومين ونصف لأن المدينة كانت مسحورة وأنا أيها الملك لا أفارقك
لحظة عين.
ففرح الملك بقوله ثم تعانقا وفرحا فرحاً شديداً، ثم مشيا حتى وصلا إلى
القصر وأخبر الملك الذي كان مسحوراً أرباب دولته أنه مسافر إلى الحج
الشريف فهياؤا له جميع ما يحتاج إليه هو والسلطان وقلب السلطان ملتهب
على مدينته حيث غاب عنها سنة. ثم سافر ومعه خمسون مملوكاً ومعه
الهدايا، ولم يزالا مسافرين ليلاً ونهاراً سنة كاملة حتى أقبلا على
مدينة السلطان.
فخرج الوزير والعساكر لمقابلته بعدما قطعوا الرجاء منه وأقبلت العساكر
وقبلت الأرض بين يديه وهناؤه بالسلامة فدخل وجلس على الكرسي ثم أقبل
على الوزير وأعلمه بكل ما جرى على الشاب، فلما سمع الوزير ما جرى هنأه
بالسلامة.
ولما استقر الحال أنعم السلطان على أناس كثيرون، ثم قال للوزير علي
بالصياد الذي أتى بالسمك فأرسل إلى ذلك الصياد الذي كان سبباً لخلاص
أهل المدينة فأحضروه وخلع عليه وسأله عن حاله وهل له أولاد فأخبره أن
له ابناً وبنتين فتزوج الملك بإحدى بنتيه وتزوج الشاب بالأخرى،. وأخذ
الملك الإبن عنده وجعله خازندارا، ثم أرسل الوزير إلى مدينة الشاب التي
هي الجزائر السود وقلده سلطنتها وأرسل معه الخمسين مملوكا وارسل معه
كثيرا من الخلع لسائر الأمراء. فقبل الوزير يديه وسافر. وأما الصياد
فإنه قد صار أغنى أهل زمانه وبناته زوجات الملوك ، وما هذا بأعجب مما
جرى للحمال.
حكاية الحمال مع البنات
كان هناك إنسان من مدينة بغداد وكان اعزب وكان حمالاً. فبينما هو في
السوق يوماً من الأيام متكئاً على قفصه إذ وقفت عليه امرأة ملتفة بإزار
موصلي من حرير فرفعت قناعها فبان من تحته عيون سوداء بأهداب وأجفان
ناعمة الأطراف كاملة الأوصاف، وبعد ذلك قالت هات قفصك واتبعني.فما صدق
الحمال بذلك واخذ القفص وتبعها إلى أن وقفت على باب دار فطرقت الباب
فنزل رجل نصراني، فأعطته ديناراً وأخذت منه مقداراً من الزيتون وضعته
في القفص وقالت له: احمله واتبعني، فقال الحمال: هذا والله نهار مبارك.
ثم حمل القفص وتبعها فوقفت عند دكان فاكهاني واشترت منه تفاحاً شامياً
وسفرجلاً عثمانياً وخوخاً عمانياً وياسميناً حلبياً وليموناً مصرياً
وتمر حنا وشقائق النعمان وبنفسجاً ووضعت الجميع في قفص الحمال وقالت
له: احمل، فحمل وتبعها حتى وقفت على جزار وقالت له: اقطع عشرة أرطال
لحمة فقطع لها، ولفت اللحم في ورق موز ووضعته في القفص وقالت له: احمل
يا حمال فحمل وتبعها، ثم وقفت على النقلي وأخذت من سائر النقل وقالت
للحمال: احمل واتبعني فحمل القفص وتبعها إلى أن وقفت على دكان الحلواني
واشترت طبقاً وملأته من جميع ما عنده من مشبك وقطايف ووضعت جميع أنواع
الحلاوة في الطبق ووضعته في القفص. فقال الحمال: لو أعلمتني لجئت معي
ببغل نحمل عليه هذه الأمور، فتبسمت.
ثم وقفت على العطار واشترت منه عشرة مياه ماء ورد وماء زهر وأخذت قدراً
من السكر وأخذت مرش ماء وحصى لبان ذكر وعودا عنبر ومسكاً وأخذت شمعاً
اسكندرانياً ووضعت الجميع في القفص وقالت: احمل قفصك واتبعني، فحمل
القفص وتبعها به إلى أن أتت داراً مليحة وقدامها رحبة فسيحة مصفحة
بصفائح الذهب الأحمر، فوقفت الصبية على الباب ودقت دقاً لطيفاً وإذا
بالباب انفتح . فنظر الحمال إلى من فتح الباب فوجدها صبية رشيقة القد
ذات حسن وجمال وعيون كعيون الغزلان وحواجب كهلال رمضان
وخدود مثل شقائق النعمان وفم كخاتم سليمان ووجه كالبدر في الإشراق
فلما نظر الحمال إليها سلبت عقله وكاد القفص أن يقع من فوق رأسه، ثم
قال: ما رأيت أبرك من هذا النهار، فقالت الصبية مرحبا وهي من داخل
الباب ومشوا حتى انتهوا إلى قاعة فسيحة مزركشة مليحة ذات تراكيب وشاذر
وأثاث ومصاطب وخزائن عليها الستور مرخيات، وفي وسط القاعة سرير من
المرمر مرصع بالدر والجوهر منصوب عليه ناموسية منا الأطلس الأحمر .
فنهضت الصبية من فوق السرير وخطرت قليلاً إلى أن صارت في وسط القاعة
عند أختيها وقالت: ما وقوفكن، حطوا عن رأس هذا الحمال المسكين، فجاءت
الدلالة من قدامه والبوابة من خلفه، وساعدتهما الثالثة وحططن عن الحمال
وأفرغن ما في القفص وصفوا كل شيء في محله وأعطين الحمال دينارين وقلن
له: توجه يا حمال، فنظر إلى البنات وما هن فيه من الحسن والطبائع فلم
ير أحسن منهن ولكن ليس عندهن رجال.
فتعجب غاية العجب ووقف عن الخروج، فقالت له الصبية: ما بالك لا تروح؟
هل أنت استقللت الأجرة، والتفتت إلى أختها وقالت لها: أعطيه ديناراً
آخر فقال الحمال: والله يا سيدتي إن أجرتي نصفان، وما استقللت الأجرة
وإنما اشتغل قلبي وسري بكن وكيف حالكن وأنتن وحدكن وما عندكن رجال ولا
أحد يؤانسكن وأنتن تعرفن أن المنارة لا تثبت إلا على أربعة وليس لكن
رابع، وما يكمل حظ النساء إلا بالرجال.
أنتن ثلاثة فتفتقرن إلى رابع يكون رجلاً عاقلاً لبيباً حاذقاً وللأسرار
كاتماً فقلن له: نحن بنات ونخاف أن نودع السر عند من لا يحفظه، وقد
قرأنا في الأخبار شعراً:
صن عن سواك السر لا تودعه من أودع السر فقد ضـيعـه
فلما سمع الحمال كلامهن قال: وحياتكن أني رجل عاقل أمين قرأت الكتب
واطلعت على التواريخ، أظهر الجميل وأخفي القبيح وأعمل بقول الشاعر:
لا يكتم السر إلا كل ذي ثـقة والسر عند خيار الناس مكتوم
فلما سمعت البنات الشعر وما أبداه من الكلام قلن له: أنت تعلم أننا
غرمنا على هذا المقام جملة من المال فهل معك شيء تجازينا به، فنحن لا
ندعك تجلس عندنا حتى تغرم مبلغنا من المال لأن خاطرك أن تجلس عندنا
وتصير نديمنا وتطلع على وجوهنا الصباح. فقالت صاحبة الدار: وإذا كانت
بغير المال محبة فلا تساوي وزن حبة، وقالت البوابة إن لم يكن معك شيء
فاذهب بلا شيء فقالت الدالة يا أختي نكف عنه فوالله ما قصر اليوم معنا
ولو كان غيره ما طول روحه علينا ومهما جاء عليه أغرمه عنه.
ففرح الحمال وقال والله ما استفتحت بالدراهم إلا منك، فقلن له اجلس على
الرأس والعين وقامت الدلالة وشدت وسطها وصبت القناني وروقت المدام
وأحضرت ما يحتاجون إليه ثم قدمت المدام وجلست هي وأختها وجلس الحمال
بينهن وهو يظن أنه في المنام. ولم يزل الحمال معهن هذه
تكلمه وهذه تجذبه بالشوم تضربه وهو معهن حتى لعبت الخمرة بعقولهم.
فلما تحكم الشراب معهم قامت البوابة ثم رمت نفسها في تلك البحيرة وأخذت تلهو في الماء .
وإلى ليلة أخرى إن شاءالله
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
الليلـــــــة العاشـــــــــرة
قالت شهرزاد للملك شهريار
بلغني أيها الملك السعيد أنهن لم يزلن يتغزلن ويتمازحن
و يتضاحكن إلى أن قلن له وما اسمك؟ قال: اسمه البغل الجسور
الذي يرعى حبك الجسور ويعلق بالسمسم المقشور ويبيت في خان أبي منصور
فضحكن ثم عادوا إلى منادمتهم ولم يزالوا كذلك إلى أن أقبل الليل عليهم
فقلن للحمال توجه وأرنا عرض أكتافك.
فقال والله خروج الروح أهون من الخروج من عندكن، دعونا نصل الليل
بالنهار وكل منا يروح الى حاله فقالت الدلالة بحياتي عندكن تدعنه ينام
عندنا نضحك عليه فإنه خليع ظريف فقلن له: تبيت عندنا بشرط أن تدخل تحت
الحكم ومهما رأيت فلا تسأل عنه ولا عن سببه، فقال نعم، فقلن قم واقرأ
ما على الباب مكتوباً، فقام إلى الباب فوجده مكتوبً عليه بماء الذهب:
لا تتكلم فيما لا يعنيك تسمع ما لا يرضيك.
فقال الحمال اشهدوا أني لا أتكلم فيما لا يعنيني، ثم قامت الدلالة
وجهزت لهم مأكولاً ثم أوقدوا الشموع والعود وقعدوا في أكل وشرب وإذا هم
سمعوا دق الباب فلم يختل نظامهم فقامت واحدة منهن إلى الباب ثم عادت
وقالت كمل صفاؤهن في هذه الليلة لأني وجدت بالباب ثلاثة أعجام ذقونهم
محلوقة وهم عور بالعين الشمال وهذا من عجائب الاتفاق، وهم ناس غرباء قد
حضروا من أرض الروم ولكل واحد منهم شكل وصورة مضحكة، فإن دخلوا نضحك
عليهم. ولم تزل تتلطف بصاحبتيها حتى قالتا لها دعيهم يدخلون واشترطي
عليهم أن لا يتكلموا فيما لا يعنيهم فيسمعوا ما لا يرضيهم. ففرحت وراحت
ثم عادت ومعها الثلاثة العور وهم صعاليك فسلموا فقام لهم البنات
وأقعدوهم فنظر الرجال الثلاثة إلى الحمال فوجدوه سكران فلما عاينوه
ظنوا أنه منهم وقالوا: هو صعلوك مثلنا يؤانسنا.
فلما سمع الحمال هذا الكلام قام وقلب عينيه وقال لهم: اقعدوا بلا فضول
أما قرأتم ما على الباب فضحك البنات وقلن لبعضهن إننا نضحك على
الصعاليك والحمال، ثم وضعن الأكل للصعاليك فأكلوا ثم جلسوا يتنادمون
والبوابة تسقيهم. ولما دار الكأس بينهم قال الحمال للصعاليك يا إخواننا
هل معكم حكاية أو نادرة تسلوننا بها فدبت فيهم الحرارة وطلبوا آلات
اللهو فأحضرت لهم البوابة دفا فقام الصعاليك وأخذ واحد منهم الدف، وأخذ
واحد العود، وأخذ واحد الجنك وضربوا بها وغنت البنات وصار لهم صوت عال.
فبينما هم كذلك وإذا بطارق يطرق الباب، فقامت البوابة لتنظر وكان السبب
أنه في تلك الليلة نزل الخليفة هارون الرشيد لينظر ويسمع ما يتجدد من
الأخبار هو وجعفر وزيره ومسرور سياف نقمته، وكان من عادته أن يتنكر في
صفة التجار، فلما نزل تلك الليلة ومشى في المدينة جاءت طريقهم على تلك
الدار فسمعوا آلات اللهو فقال الخليفة لجعفر اني اريد ان ندخل هذه
الدار ونشاهد صواحب هذه الاصوات فقال جعفر هؤلاء قوم قد دخل السكر فيهم
ونخشى أن يصيبنا منهم شر، فقال لا بد من دخولنا وأريد أن نتحايل حتى
ندخل عليهم فقال جعفر: سمعاً وطاعة.
ثم تقدم جعفر وطرق الباب فخرجت البوابة وفتحت الباب، فقال لها: يا
سيدتي نحن تجار من طبرية ولنا في بغداد عشرة أيام ومعنا تجارة ونحن
نازلون في خان التجار وعزم علينا تاجر في هذه الليلة فدخلنا عنده وقدم
لنا طعاماً فأكلنا ثم تنادمنا عنده ساعة، ثم أذن لنا بالانصراف فخرجنا
بالليل ونحن غرباء فتهنا عن الخان الذي نحن فيه فنرجو من مكارمكم أن
تدخلونا هذه الليلة نبيت عندكم ولكم الثواب فنظرت البوابة إليهم
فوجدتهم بهيئة التجار وعليهم الوقار فدخلت لصاحبتيها وشاورتهما فقالتا
لها أدخليهم.
فرجعت وفتحت لهم الباب فقالوا ندخل بإذنك، قالت ادخلوا فدخل الخليفة
وجعفر ومسرور فلما رأيتهم البنات قمن لهم وخدمنهم وقلن مرحباً وأهلاً
وسهلاً بضيوفنا، ولنا عليكم شرط أن لا تتكلموا فيما لا يعنيكم فتسمعوا
ما لا يرضيكم قالوا نعم. وبعد ذلك جلسوا للشراب والمنادمة فنظر الخليفة
إلى الصعاليك الثلاثة فوجدهم عورا بالعين الشمال فتعجب منهم ونظر إلى
البنات وما هم فيه من الحسن والجمال فتحير وتعجب، واستمر في المنادمة
والحديث وأتين الخليفة بشراب فقال أنا حاج وانعزل عنهم.
فقامت البوابة وقدمت له سفرة مزركشة ووضعت عليها باطية من الصيني وسكبت
فيها ماء الخلاف وأرخت فيه قطعة من الثلج ومزجته بسكر فشكرها الخليفة
وقال في نفسه لا بد أن أجازيها في غد على فعلها من صنيع الخير، ثم
اشتغلوا بمنادمتهم، فلما تحكم الشراب قامت صاحبة البيت وخدمتهم، ثم
أخذت بيد الدلالة وقالت: يا أختي قومي نفضي ديننا فقالت لها نعم، فعند
ذلك قامت البوابة وأطلعت الصعاليك خلف الأبواب قدامهن وذلك بعد أن أخلت
وسط القاعة ونادين الحمال وقلن له: ما أقل مودتك ما أنت غريب بل أنت من
أهل الدار.
فقام الحمال وشدوا وسطه وقال: ما تردن قلن قف مكانك، ثم قامت الدلالة
وقالت للحمال ساعدني، فرأى كلبتين من الكلاب السود في رقبتيهما جنازير
فأخذهما الحمال ودخل بهما إلى وسط القاعة فقامت صاحبة المنزل وشمرت عن
معصميها وأخذت سوطاً وقالت للحمال قدم كلبة منهما فجرها في الجنزير
وقدمها والكلبة تبكي وتحرك رأسها إلى الصبية فنزلت عليها الصبية بالضرب
على رأسها والكلبة تصرخ وما زالت تضربها حتى كلت سواعدها فرمت السوط من
يدها ثم ضمت الكلبة إلى صدرها ومسحت دموعها وقبلت رأسها ثم قالت للحمال
ردها وهات الثانية، فجاء بها وفعلت بها مثل ما فعلت بالأولى.
فعند ذلك اشتعل قلب الخليفة وضاق صدره وغمز جعفر أن يسألها، فقال له
بالإشارة اسكت، ثم التفتت صاحبة البيت للبوابة وقالت لها: قومي لقضاء
ما عليك قالت نعم. ثم إن صاحبة البيت صعدت على سرير من المرمر مصفح
بالذهب والفضة وقالت البوابة والدلالة ائتيا بما عندكما، فأما البوابة
فإنها صعدت على سرير بجانبها وأما الدلالة فإنها دخلت مخدعاً وأخرجت
منه كيساً من الأطلس بأهداب خضر ووقفت قدام الصبية صاحبة المنزل ونفضت
الكيس وأخرجت منه عوداً وأصلحت أوتاره وأنشدت هذه الأبيات:
ردوا على جفني النوم الذي سلـبـا وخبروني بعـقـلـي
انه ذهـبـا
علمت لما رضيت الحب مـنـزلة إن المنام على
جفني قد غضـبـا
قالوا عهدناك من أهل الرشاد فمـا أغواك قلت اطلب
من لحظتي السببا
إني له عن دمي المسفوك معتـذر أقول حملته في سفكـه
تـعـبـا
ألقى بمرآة فكري شمس صورته فعكسها شب في
أحشائي اللهبـا
من صاغه الله من ماء الحياة وقد أجرى بقيته في
ثغـره شـنـبـا
ماذا ترى في محب ما ذكرت لـه إلا شكى أو بكى
أو حن أو طربا
يرى خيالك في المـاء الـزلال إذا رام الشراب
فيروى وهو ما شرب
فلما سمعت الصبية ذلك، قالت طيبك الله، ثم شقت ثيابها ووقعت على الأرض
مغشياً عليها، فلما انكشف جسدها رأى الخليفة أثر ضرب المقارع والسياط
فتعجب من ذلك غاية العجب فقامت البوابة ورشت الماء على وجهها وأتت
إليها بحلة وألبستها إياها، فقال الخليفة لجعفر أما تنظر إلى هذه
المرأة وما عليها من أثر الضرب، فأنا لا أقدر أن أسكت على هذا وما
أستريح إلا إن وقفت على حقيقة خبر هذه الصبية وحقيقة خبر هاتين
الكلبتين، فقال جعفر: يا مولانا قد شرطوا علينا شرطاً وهو أن لا نتكلم
فيما لا يعنينا فنسمع ما لا يرضينا، ثم قامت الدلالة فأخذت العود
وأسندته إلى نهدها، وغمزته بأناملها وأنشدت تقول:
إن شكونا الهوى فمـاذا تـقـول أو تلفنا شوقاً فكيف
الـسـبـيل
أو بعثنا رسولاً يتـرجـم عـنـا ما يؤدي شكوى المحب
رسـول
أو صبرنا فما لنـا مـن بـقـاء بعد فقد الأحـبـاب
إلا قـلـيل
أيها الغائبون عن لمـح عـينـي وهم في الفؤاد منـي
حـلـول
هل حفظتم لدى الهوى عهد صب ليس عنه مدى الزمـان يحـول
أم نسيتم على التبـاعـد صـبـا شفه فيكم الضنى والـنـحـول
وإذا الحشر ضمنـا أتـمـنـى من لدن ربنا حسـابـاً
يطـول
فلما سمعت المرأة الثانية. شعر الدلالة شقت ثيابها. كما فعلت الأولى.
وصرخت ثم ألقت نفسها على الأرض مغشياً عليها، فقامت الدلالة وألبستها
حلة ثانية بعد أن رشت الماء على وجهها ثم قامت المرأة الثالثة وجلست
على سرير وقالت للدلالة غني لي لأفي ديني فما بقي غير هذا الصوت فأصلحت
الدلالة العود وأنشدت هذه الأبيات:
فإلى متى هذا الصدود وذا الجفـا فلقد جرى من أدمعي
ما قد كفى
كم قد أطلت الهجر لي معتـمـداً إن كان قصدك حاسدي
فقد اشتفى
لو أنصف الدهر الخؤون لعاشـق ما كان يوم للعواذل
منـصـفـا
ويزيد وجدي في هواك تلـهـفـاً فمتى وعدت ولا
رأيتك مخلـفـا
أيحل في شرع الغرام تـذلـلـي ويكون غيري بالوصال
مشرفـا
ولقد كلفت بحبـكـم مـتـلـذذاً وغدا عذولي في
الهوى متكلفـا
فلما سمعت المرأة الثالثة قصيدتها صرخت وشقت ثيابها وألقت نفسها على
الأرض مغشياً عليها فلما انكشف جسدها ظهر فيه ضرب المقارع، مثل من
قبلها فقال الصعاليك ليتنا ما دخلنا هذه الدار وقال لهم لم ذلك فقد
اشتغل سرنا بهذا الأمر فقال الخليفة أما أنتم من هذا البيت، قالوا لا
ولا ظننا هذا الموضع إلا للرجل الذي عندكم. فقال الحمال والله ما رأيت
هذا الموضع إلا هذه الليلة وليتني بت على الكيمان ولم أبت فيه.
فقال الجميع نحن سبعة رجال وهن ثلاث نسوة وليس لهن رابعة فنسألهن عن
حالهن فإن لم يجبننا طوعاً أجبننا كرهاً واتفق الجميع على ذلك، فقال
جعفر ما هذا رأي سديد دعوهم فنحن ضيوف عندهن وقد شرطن علينا، شرطاً
فنوفي به ولم يبق من الليل إلا القليل وكل منا يمضي إلى حال سبيله، ثم
إنه غمز الخليفة وقال ما بقي غير ساعة، وفي غد تحضرهن بين يديك،
فتسألهن عن قصتهن فأبى الخليفة وقال لم يبق لي صبر عن خبرهن وقد كثر
بينهن القيل والقال، ثم قالوا ومن يسألهن فقال بعضهم الحمال ثم قال لهم
النساء يا جماعة في أي شيء تتكلمون.
فقال الحمال لصاحبة البيت وقال لها يا سيدتي سألتك بالله وأقسم عليك به
أن تخبرينا عن حال الكلبتين، وأي سبب تعاقبيهما ثم تعودين تبكين،
وتقبلينهما وأن تخبرينا عن سبب ضرب أختك بالمقارع وهذا سؤالنا والسلام
فقالت صاحبة المكان للجماعة اصحيح ما يقوله عنكم فقال الجميع نعم، إلا
جعفر فإنه سكت.
فلما سمعت الصبية كلامهم فقالت والله لقد آذيتمونا يا ضيوفنا، الأذية
البالغة، وتقدم أننا شرطنا عليكم أن من يتكلم فيما لا يعنيه، سمع ما لا
يرضيه أما كفى أننا أدخلناكم منزلنا وأطعمناكم زادنا ولكن لا ذنب عليكم
وإنما الذنب على من أوصلكم إلينا ثم شمرت عن معصمها وضربت الأرض ثلاث
ضربات وقالت عجلوا.
وإذا بباب خزانة قد فتح وخرج منه سبعة عبيد وبأيديهم سيوف مسلولة وقالت
كتفوا هؤلاء الذي قد كثر كلامهم واربطوا بعضهم ببعض ففعلوا وقالوا
أيتها المخدرة ائذني لنا في ضرب رقابهم، فقالت أمهلوهم ساعة حتى أسألهم
عن حالهم قبل ضرب رقابهم، فقال الحمال بالله يا سيدتي لا تقتليني بذنب
الغير فإن الجميع أخطأوا، ودخلوا في الذنب، إلا أنا والله لقد كانت
ليلتنا طيبة لو سلمنا من هؤلاء الصعاليك الذين لو دخلوا مدينة عامرة
لخربوها، ثم أنشد يقول:
ما أحسن الغفران من قادر لا سيما عن غير ذي ناصر
يحرمة الود الذي بـينـنـا لا تقتلي الأول
بـالآخـر
فلما فرغ الحمال من كلامه ضحكت الصبية .
وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح
عندما لاح الصباح ..... والديك صاح
قالت شهرزاد للملك شهريار
بلغني أيها الملك السعيد أنهن لم يزلن يتغزلن ويتمازحن
و يتضاحكن إلى أن قلن له وما اسمك؟ قال: اسمه البغل الجسور
الذي يرعى حبك الجسور ويعلق بالسمسم المقشور ويبيت في خان أبي منصور
فضحكن ثم عادوا إلى منادمتهم ولم يزالوا كذلك إلى أن أقبل الليل عليهم
فقلن للحمال توجه وأرنا عرض أكتافك.
فقال والله خروج الروح أهون من الخروج من عندكن، دعونا نصل الليل
بالنهار وكل منا يروح الى حاله فقالت الدلالة بحياتي عندكن تدعنه ينام
عندنا نضحك عليه فإنه خليع ظريف فقلن له: تبيت عندنا بشرط أن تدخل تحت
الحكم ومهما رأيت فلا تسأل عنه ولا عن سببه، فقال نعم، فقلن قم واقرأ
ما على الباب مكتوباً، فقام إلى الباب فوجده مكتوبً عليه بماء الذهب:
لا تتكلم فيما لا يعنيك تسمع ما لا يرضيك.
فقال الحمال اشهدوا أني لا أتكلم فيما لا يعنيني، ثم قامت الدلالة
وجهزت لهم مأكولاً ثم أوقدوا الشموع والعود وقعدوا في أكل وشرب وإذا هم
سمعوا دق الباب فلم يختل نظامهم فقامت واحدة منهن إلى الباب ثم عادت
وقالت كمل صفاؤهن في هذه الليلة لأني وجدت بالباب ثلاثة أعجام ذقونهم
محلوقة وهم عور بالعين الشمال وهذا من عجائب الاتفاق، وهم ناس غرباء قد
حضروا من أرض الروم ولكل واحد منهم شكل وصورة مضحكة، فإن دخلوا نضحك
عليهم. ولم تزل تتلطف بصاحبتيها حتى قالتا لها دعيهم يدخلون واشترطي
عليهم أن لا يتكلموا فيما لا يعنيهم فيسمعوا ما لا يرضيهم. ففرحت وراحت
ثم عادت ومعها الثلاثة العور وهم صعاليك فسلموا فقام لهم البنات
وأقعدوهم فنظر الرجال الثلاثة إلى الحمال فوجدوه سكران فلما عاينوه
ظنوا أنه منهم وقالوا: هو صعلوك مثلنا يؤانسنا.
فلما سمع الحمال هذا الكلام قام وقلب عينيه وقال لهم: اقعدوا بلا فضول
أما قرأتم ما على الباب فضحك البنات وقلن لبعضهن إننا نضحك على
الصعاليك والحمال، ثم وضعن الأكل للصعاليك فأكلوا ثم جلسوا يتنادمون
والبوابة تسقيهم. ولما دار الكأس بينهم قال الحمال للصعاليك يا إخواننا
هل معكم حكاية أو نادرة تسلوننا بها فدبت فيهم الحرارة وطلبوا آلات
اللهو فأحضرت لهم البوابة دفا فقام الصعاليك وأخذ واحد منهم الدف، وأخذ
واحد العود، وأخذ واحد الجنك وضربوا بها وغنت البنات وصار لهم صوت عال.
فبينما هم كذلك وإذا بطارق يطرق الباب، فقامت البوابة لتنظر وكان السبب
أنه في تلك الليلة نزل الخليفة هارون الرشيد لينظر ويسمع ما يتجدد من
الأخبار هو وجعفر وزيره ومسرور سياف نقمته، وكان من عادته أن يتنكر في
صفة التجار، فلما نزل تلك الليلة ومشى في المدينة جاءت طريقهم على تلك
الدار فسمعوا آلات اللهو فقال الخليفة لجعفر اني اريد ان ندخل هذه
الدار ونشاهد صواحب هذه الاصوات فقال جعفر هؤلاء قوم قد دخل السكر فيهم
ونخشى أن يصيبنا منهم شر، فقال لا بد من دخولنا وأريد أن نتحايل حتى
ندخل عليهم فقال جعفر: سمعاً وطاعة.
ثم تقدم جعفر وطرق الباب فخرجت البوابة وفتحت الباب، فقال لها: يا
سيدتي نحن تجار من طبرية ولنا في بغداد عشرة أيام ومعنا تجارة ونحن
نازلون في خان التجار وعزم علينا تاجر في هذه الليلة فدخلنا عنده وقدم
لنا طعاماً فأكلنا ثم تنادمنا عنده ساعة، ثم أذن لنا بالانصراف فخرجنا
بالليل ونحن غرباء فتهنا عن الخان الذي نحن فيه فنرجو من مكارمكم أن
تدخلونا هذه الليلة نبيت عندكم ولكم الثواب فنظرت البوابة إليهم
فوجدتهم بهيئة التجار وعليهم الوقار فدخلت لصاحبتيها وشاورتهما فقالتا
لها أدخليهم.
فرجعت وفتحت لهم الباب فقالوا ندخل بإذنك، قالت ادخلوا فدخل الخليفة
وجعفر ومسرور فلما رأيتهم البنات قمن لهم وخدمنهم وقلن مرحباً وأهلاً
وسهلاً بضيوفنا، ولنا عليكم شرط أن لا تتكلموا فيما لا يعنيكم فتسمعوا
ما لا يرضيكم قالوا نعم. وبعد ذلك جلسوا للشراب والمنادمة فنظر الخليفة
إلى الصعاليك الثلاثة فوجدهم عورا بالعين الشمال فتعجب منهم ونظر إلى
البنات وما هم فيه من الحسن والجمال فتحير وتعجب، واستمر في المنادمة
والحديث وأتين الخليفة بشراب فقال أنا حاج وانعزل عنهم.
فقامت البوابة وقدمت له سفرة مزركشة ووضعت عليها باطية من الصيني وسكبت
فيها ماء الخلاف وأرخت فيه قطعة من الثلج ومزجته بسكر فشكرها الخليفة
وقال في نفسه لا بد أن أجازيها في غد على فعلها من صنيع الخير، ثم
اشتغلوا بمنادمتهم، فلما تحكم الشراب قامت صاحبة البيت وخدمتهم، ثم
أخذت بيد الدلالة وقالت: يا أختي قومي نفضي ديننا فقالت لها نعم، فعند
ذلك قامت البوابة وأطلعت الصعاليك خلف الأبواب قدامهن وذلك بعد أن أخلت
وسط القاعة ونادين الحمال وقلن له: ما أقل مودتك ما أنت غريب بل أنت من
أهل الدار.
فقام الحمال وشدوا وسطه وقال: ما تردن قلن قف مكانك، ثم قامت الدلالة
وقالت للحمال ساعدني، فرأى كلبتين من الكلاب السود في رقبتيهما جنازير
فأخذهما الحمال ودخل بهما إلى وسط القاعة فقامت صاحبة المنزل وشمرت عن
معصميها وأخذت سوطاً وقالت للحمال قدم كلبة منهما فجرها في الجنزير
وقدمها والكلبة تبكي وتحرك رأسها إلى الصبية فنزلت عليها الصبية بالضرب
على رأسها والكلبة تصرخ وما زالت تضربها حتى كلت سواعدها فرمت السوط من
يدها ثم ضمت الكلبة إلى صدرها ومسحت دموعها وقبلت رأسها ثم قالت للحمال
ردها وهات الثانية، فجاء بها وفعلت بها مثل ما فعلت بالأولى.
فعند ذلك اشتعل قلب الخليفة وضاق صدره وغمز جعفر أن يسألها، فقال له
بالإشارة اسكت، ثم التفتت صاحبة البيت للبوابة وقالت لها: قومي لقضاء
ما عليك قالت نعم. ثم إن صاحبة البيت صعدت على سرير من المرمر مصفح
بالذهب والفضة وقالت البوابة والدلالة ائتيا بما عندكما، فأما البوابة
فإنها صعدت على سرير بجانبها وأما الدلالة فإنها دخلت مخدعاً وأخرجت
منه كيساً من الأطلس بأهداب خضر ووقفت قدام الصبية صاحبة المنزل ونفضت
الكيس وأخرجت منه عوداً وأصلحت أوتاره وأنشدت هذه الأبيات:
ردوا على جفني النوم الذي سلـبـا وخبروني بعـقـلـي
انه ذهـبـا
علمت لما رضيت الحب مـنـزلة إن المنام على
جفني قد غضـبـا
قالوا عهدناك من أهل الرشاد فمـا أغواك قلت اطلب
من لحظتي السببا
إني له عن دمي المسفوك معتـذر أقول حملته في سفكـه
تـعـبـا
ألقى بمرآة فكري شمس صورته فعكسها شب في
أحشائي اللهبـا
من صاغه الله من ماء الحياة وقد أجرى بقيته في
ثغـره شـنـبـا
ماذا ترى في محب ما ذكرت لـه إلا شكى أو بكى
أو حن أو طربا
يرى خيالك في المـاء الـزلال إذا رام الشراب
فيروى وهو ما شرب
فلما سمعت الصبية ذلك، قالت طيبك الله، ثم شقت ثيابها ووقعت على الأرض
مغشياً عليها، فلما انكشف جسدها رأى الخليفة أثر ضرب المقارع والسياط
فتعجب من ذلك غاية العجب فقامت البوابة ورشت الماء على وجهها وأتت
إليها بحلة وألبستها إياها، فقال الخليفة لجعفر أما تنظر إلى هذه
المرأة وما عليها من أثر الضرب، فأنا لا أقدر أن أسكت على هذا وما
أستريح إلا إن وقفت على حقيقة خبر هذه الصبية وحقيقة خبر هاتين
الكلبتين، فقال جعفر: يا مولانا قد شرطوا علينا شرطاً وهو أن لا نتكلم
فيما لا يعنينا فنسمع ما لا يرضينا، ثم قامت الدلالة فأخذت العود
وأسندته إلى نهدها، وغمزته بأناملها وأنشدت تقول:
إن شكونا الهوى فمـاذا تـقـول أو تلفنا شوقاً فكيف
الـسـبـيل
أو بعثنا رسولاً يتـرجـم عـنـا ما يؤدي شكوى المحب
رسـول
أو صبرنا فما لنـا مـن بـقـاء بعد فقد الأحـبـاب
إلا قـلـيل
أيها الغائبون عن لمـح عـينـي وهم في الفؤاد منـي
حـلـول
هل حفظتم لدى الهوى عهد صب ليس عنه مدى الزمـان يحـول
أم نسيتم على التبـاعـد صـبـا شفه فيكم الضنى والـنـحـول
وإذا الحشر ضمنـا أتـمـنـى من لدن ربنا حسـابـاً
يطـول
فلما سمعت المرأة الثانية. شعر الدلالة شقت ثيابها. كما فعلت الأولى.
وصرخت ثم ألقت نفسها على الأرض مغشياً عليها، فقامت الدلالة وألبستها
حلة ثانية بعد أن رشت الماء على وجهها ثم قامت المرأة الثالثة وجلست
على سرير وقالت للدلالة غني لي لأفي ديني فما بقي غير هذا الصوت فأصلحت
الدلالة العود وأنشدت هذه الأبيات:
فإلى متى هذا الصدود وذا الجفـا فلقد جرى من أدمعي
ما قد كفى
كم قد أطلت الهجر لي معتـمـداً إن كان قصدك حاسدي
فقد اشتفى
لو أنصف الدهر الخؤون لعاشـق ما كان يوم للعواذل
منـصـفـا
ويزيد وجدي في هواك تلـهـفـاً فمتى وعدت ولا
رأيتك مخلـفـا
أيحل في شرع الغرام تـذلـلـي ويكون غيري بالوصال
مشرفـا
ولقد كلفت بحبـكـم مـتـلـذذاً وغدا عذولي في
الهوى متكلفـا
فلما سمعت المرأة الثالثة قصيدتها صرخت وشقت ثيابها وألقت نفسها على
الأرض مغشياً عليها فلما انكشف جسدها ظهر فيه ضرب المقارع، مثل من
قبلها فقال الصعاليك ليتنا ما دخلنا هذه الدار وقال لهم لم ذلك فقد
اشتغل سرنا بهذا الأمر فقال الخليفة أما أنتم من هذا البيت، قالوا لا
ولا ظننا هذا الموضع إلا للرجل الذي عندكم. فقال الحمال والله ما رأيت
هذا الموضع إلا هذه الليلة وليتني بت على الكيمان ولم أبت فيه.
فقال الجميع نحن سبعة رجال وهن ثلاث نسوة وليس لهن رابعة فنسألهن عن
حالهن فإن لم يجبننا طوعاً أجبننا كرهاً واتفق الجميع على ذلك، فقال
جعفر ما هذا رأي سديد دعوهم فنحن ضيوف عندهن وقد شرطن علينا، شرطاً
فنوفي به ولم يبق من الليل إلا القليل وكل منا يمضي إلى حال سبيله، ثم
إنه غمز الخليفة وقال ما بقي غير ساعة، وفي غد تحضرهن بين يديك،
فتسألهن عن قصتهن فأبى الخليفة وقال لم يبق لي صبر عن خبرهن وقد كثر
بينهن القيل والقال، ثم قالوا ومن يسألهن فقال بعضهم الحمال ثم قال لهم
النساء يا جماعة في أي شيء تتكلمون.
فقال الحمال لصاحبة البيت وقال لها يا سيدتي سألتك بالله وأقسم عليك به
أن تخبرينا عن حال الكلبتين، وأي سبب تعاقبيهما ثم تعودين تبكين،
وتقبلينهما وأن تخبرينا عن سبب ضرب أختك بالمقارع وهذا سؤالنا والسلام
فقالت صاحبة المكان للجماعة اصحيح ما يقوله عنكم فقال الجميع نعم، إلا
جعفر فإنه سكت.
فلما سمعت الصبية كلامهم فقالت والله لقد آذيتمونا يا ضيوفنا، الأذية
البالغة، وتقدم أننا شرطنا عليكم أن من يتكلم فيما لا يعنيه، سمع ما لا
يرضيه أما كفى أننا أدخلناكم منزلنا وأطعمناكم زادنا ولكن لا ذنب عليكم
وإنما الذنب على من أوصلكم إلينا ثم شمرت عن معصمها وضربت الأرض ثلاث
ضربات وقالت عجلوا.
وإذا بباب خزانة قد فتح وخرج منه سبعة عبيد وبأيديهم سيوف مسلولة وقالت
كتفوا هؤلاء الذي قد كثر كلامهم واربطوا بعضهم ببعض ففعلوا وقالوا
أيتها المخدرة ائذني لنا في ضرب رقابهم، فقالت أمهلوهم ساعة حتى أسألهم
عن حالهم قبل ضرب رقابهم، فقال الحمال بالله يا سيدتي لا تقتليني بذنب
الغير فإن الجميع أخطأوا، ودخلوا في الذنب، إلا أنا والله لقد كانت
ليلتنا طيبة لو سلمنا من هؤلاء الصعاليك الذين لو دخلوا مدينة عامرة
لخربوها، ثم أنشد يقول:
ما أحسن الغفران من قادر لا سيما عن غير ذي ناصر
يحرمة الود الذي بـينـنـا لا تقتلي الأول
بـالآخـر
فلما فرغ الحمال من كلامه ضحكت الصبية .
وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح
عندما لاح الصباح ..... والديك صاح
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
الليلة الحادية عشر
قالت شهرزاد:
بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية لما ضحكت بعد غيظها، أقبلت
على الجماعة وقالت أخبروني بخبركم فما بقي من عمركم إلا ساعة ولولا
أنتم أعزاء او اكابر قومكم او حكام لعجلت بجزائكم فقال الخليفة ويلك يا
جعفر عرفها بنا وإلا تقتلنا فقال جعفر هذا بعض ما نستحق، فقال له
الخليفة لا ينبغي الهزل في وقت الجد كل منهما له وقت ثم أن الصبية
أقبلت على الصعاليك، وقالت لهم هل أنتم أخوة فقالوا لها لا والله ما
نحن إلا فقراء.
فقالت لواحد منهم هل أنت ولدت أعور فقال لا والله وإنما جرى لي أمر
غريب حيت تلفت عيني ولهذا الأمر حكاية لو كتبت بالإبر على أماق البصر
لكانت عبرة لمن اعتبر، فسألت الثاني والثالث فقالا لها مثل الأول ثم
قالوا أن كل واحد منا من بلد وأن حديثنا لعجيب وأمرنا لغريب، فالتفتت
الصبية لهم، وقالت كل واحد منكم يحكي حكايته وما سبب مجيئه إلى مكاننا
ثم يملس على رأسه ويروح إلى حال سبيله فأول من تقدم ، فقال يا سيدتي
أنا رجل حمال حملتني هذه الدلالة وأتت بي إلى هنا وجرى لي معكم ما جرى
وهذا حديثي والسلام، فقالت له ملس على رأسك وروح فقال والله ما أروح
حتى أسمع حديث رفقائي.
فتقدم الصعلوك الأول وقال لها يا سيدتي، إن سبب حلق ذقني وتلف عيني أن
والدي كان ملكاً وله أخ وكان أخوه ملكاً على مدينة أخرى واتفق علي أن
أمي ولدتني في اليوم الذي ولد فيه ابن عمي، ثم مضت سنوات وأعوام، وأيام
حتى كبرنا وكنت أزور عمي في بعض السنين وأقعد عنده أشهرا عديدة فزرته
مرة فأكرمني ابن عمي غاية الإكرام وذبح لي الأغنام وروق لي المدام
وجلسنا للشراب فلما تحكم الشراب فينا قال ابن عمي: يا ابن عمي إن لي
عندك حاجة مهمةواريد ان لا تخالفني فيما اريد ان افعله فقلت له حبا
وكرامة فاستوثق مني بالإيمان العظام ونهض من وقته وساعته وغاب قليلاً،
ثم عاد وخلفه امرأة مزينة مطيبة وعليها من الحلل ما يساوي مبلغاً
عظيماً.
فالتفت إلي والمرأة خلفه، وقال خذ هذه المرأة واسبقني على الجبانة
الفلانية ووصفها لي فعرفتها وقال ادخل بها التربة وانتظرني هناك فلم
يمكني المخالفة ولم أقدر على رد سؤاله لأجل الذي حلفته فأخذت المرأة
وسرت إلى أن دخلت التربة فلما استقر بنا الجلوس جاء ابن عمي ومعه طاسة
فيها ماء وكيس فيه جبس وقدوم ثم إنه أخذ القدوم وجاء إلى قبر في وسط
التربة ففكه ونقض أحجاره إلى ناحية التربة، ثم حفر بالقدوم في الأرض،
حتى كشف عن طابق قدر الباب الصغير فبان من تحت الطابق سلم معقود.
ثم ألتفت إلى المرأة بالإشارة وقال لها دونك وما تختارين فنزلت المرأة
على ذلك السلم، ثم التفت إلي وقال يا ابن عمي تمم المعروف إذا نزلت أنا
في ذلك الموضع فرد الطابق ورد عليه التراب كما كان وهذا تمام المعروف
وهذا الجبس الذي في الكيس وهذا الماء الذي في الطاسة أعجن منه الجبس
وجبس القبر في دائر الأحجار كما كان أول حتى لا يعرفه أحد ولا يقول هذا
فتح جديد وباطنه عتيق لأن لي سنة كاملة، وأنا أعمل فيه، وما يعلم به
إلا الله وهذه حاجتي عندك، ثم قال لا أوحش الله منك، يا ابن عمي، ثم
نزل على السلم.
و غاب عني فقمت ورددت الطابق وفعلت ما أمرني به حتى صار القبر كما كان
ثم رجعت إلى قصر عمي، وكان عمي في الصيد والقنص فنمت تلك الليلة فلما
أصبح الصباح تذكرت الليلة الماضية وما جرى بيني وبين ابن عمي وندمت على
ما فعلت معه .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح .....
فسكتت عن الكلام المباح .....
موعدنا غدا ً مع ليلة أخرى ....
من ألف ليلة وليلة ......
قالت شهرزاد:
بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية لما ضحكت بعد غيظها، أقبلت
على الجماعة وقالت أخبروني بخبركم فما بقي من عمركم إلا ساعة ولولا
أنتم أعزاء او اكابر قومكم او حكام لعجلت بجزائكم فقال الخليفة ويلك يا
جعفر عرفها بنا وإلا تقتلنا فقال جعفر هذا بعض ما نستحق، فقال له
الخليفة لا ينبغي الهزل في وقت الجد كل منهما له وقت ثم أن الصبية
أقبلت على الصعاليك، وقالت لهم هل أنتم أخوة فقالوا لها لا والله ما
نحن إلا فقراء.
فقالت لواحد منهم هل أنت ولدت أعور فقال لا والله وإنما جرى لي أمر
غريب حيت تلفت عيني ولهذا الأمر حكاية لو كتبت بالإبر على أماق البصر
لكانت عبرة لمن اعتبر، فسألت الثاني والثالث فقالا لها مثل الأول ثم
قالوا أن كل واحد منا من بلد وأن حديثنا لعجيب وأمرنا لغريب، فالتفتت
الصبية لهم، وقالت كل واحد منكم يحكي حكايته وما سبب مجيئه إلى مكاننا
ثم يملس على رأسه ويروح إلى حال سبيله فأول من تقدم ، فقال يا سيدتي
أنا رجل حمال حملتني هذه الدلالة وأتت بي إلى هنا وجرى لي معكم ما جرى
وهذا حديثي والسلام، فقالت له ملس على رأسك وروح فقال والله ما أروح
حتى أسمع حديث رفقائي.
فتقدم الصعلوك الأول وقال لها يا سيدتي، إن سبب حلق ذقني وتلف عيني أن
والدي كان ملكاً وله أخ وكان أخوه ملكاً على مدينة أخرى واتفق علي أن
أمي ولدتني في اليوم الذي ولد فيه ابن عمي، ثم مضت سنوات وأعوام، وأيام
حتى كبرنا وكنت أزور عمي في بعض السنين وأقعد عنده أشهرا عديدة فزرته
مرة فأكرمني ابن عمي غاية الإكرام وذبح لي الأغنام وروق لي المدام
وجلسنا للشراب فلما تحكم الشراب فينا قال ابن عمي: يا ابن عمي إن لي
عندك حاجة مهمةواريد ان لا تخالفني فيما اريد ان افعله فقلت له حبا
وكرامة فاستوثق مني بالإيمان العظام ونهض من وقته وساعته وغاب قليلاً،
ثم عاد وخلفه امرأة مزينة مطيبة وعليها من الحلل ما يساوي مبلغاً
عظيماً.
فالتفت إلي والمرأة خلفه، وقال خذ هذه المرأة واسبقني على الجبانة
الفلانية ووصفها لي فعرفتها وقال ادخل بها التربة وانتظرني هناك فلم
يمكني المخالفة ولم أقدر على رد سؤاله لأجل الذي حلفته فأخذت المرأة
وسرت إلى أن دخلت التربة فلما استقر بنا الجلوس جاء ابن عمي ومعه طاسة
فيها ماء وكيس فيه جبس وقدوم ثم إنه أخذ القدوم وجاء إلى قبر في وسط
التربة ففكه ونقض أحجاره إلى ناحية التربة، ثم حفر بالقدوم في الأرض،
حتى كشف عن طابق قدر الباب الصغير فبان من تحت الطابق سلم معقود.
ثم ألتفت إلى المرأة بالإشارة وقال لها دونك وما تختارين فنزلت المرأة
على ذلك السلم، ثم التفت إلي وقال يا ابن عمي تمم المعروف إذا نزلت أنا
في ذلك الموضع فرد الطابق ورد عليه التراب كما كان وهذا تمام المعروف
وهذا الجبس الذي في الكيس وهذا الماء الذي في الطاسة أعجن منه الجبس
وجبس القبر في دائر الأحجار كما كان أول حتى لا يعرفه أحد ولا يقول هذا
فتح جديد وباطنه عتيق لأن لي سنة كاملة، وأنا أعمل فيه، وما يعلم به
إلا الله وهذه حاجتي عندك، ثم قال لا أوحش الله منك، يا ابن عمي، ثم
نزل على السلم.
و غاب عني فقمت ورددت الطابق وفعلت ما أمرني به حتى صار القبر كما كان
ثم رجعت إلى قصر عمي، وكان عمي في الصيد والقنص فنمت تلك الليلة فلما
أصبح الصباح تذكرت الليلة الماضية وما جرى بيني وبين ابن عمي وندمت على
ما فعلت معه .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح .....
فسكتت عن الكلام المباح .....
موعدنا غدا ً مع ليلة أخرى ....
من ألف ليلة وليلة ......
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
: الليلــــــــــــة الثانية عشر
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك قال للصبية ثم خرجت إلى
المقابر وفتشت على التربة فلم أعرفها ولم أزل أفتش حتى أقبل الليل ولم
أهتد إليها فرجعت إلى القصر لم آكل ولم أشرب وقد اشتغل خاطري بابن عمي
من حيث لا أعلم له حالاً فاغتممت غماً شديداً وبت ليلتي مغموماً إلى
الصباح فجئت ثانياً إلى الجبانة وأنا أتفكر فيما فعله ابن عمي وندمت
على طاعتي له. وقد فتشت في الترب جميعاً فلم أعرف تلك التربة ولازمت
التفتيش سبعة أيام فلم أعرف له طريقاً.
فزاد بي الوسواس حتى كدت أن أجن. ورجعت إلى ابي وساعة وصولي إلى مدينة
أبي نهض إلى جماعة من باب المدينة وكتفوني فتعجبت كل العجب لاني ابن
سلطان المدينة وهم خدم أبي وغلماني ولحقني منهم خوف زائد فقلت في نفسي:
يا ترى ماذا جرى لوالدي وصرت أسأل الذين كتفوني عن سبب ذلك فلم يردوا
جواباً.
و بعد حين قال لي بعضهم وكان خادماً عندي إن أباك قد غدر به الزمان
وخانته العساكر وقتله الوزير ونحن نترقب وقوعك فأخذوني وأنا غائب عن
الدنيا بسبب هذه الأخبار التي سمعتها عن أبي فلما مثلت بين يدي الوزير
الذي قتل أبي وكان بيني وبينه عداوة قديمة اذ كنت مولعاً بضر البندق
فاتفق أن كنت واقفاً يوماً من الأيام على سطح قصر وإذا بطائر نزل على
سطح قصر الوزير وكان واقفاً هناك فأردت أن أضرب الطير واذا بالبندقية
أخطأت واصابت عين الوزير فأتلفتها بالقضاء والقدر كما قال الشاعر:
دع الأقدار تفعل ما تـشـاء وطب نفساً بما فعل القضاء
ولا تفرح ولا تحزن بشيء فإن الشيء ليس له بـقـاء
وكما قال الآخر:
مشينا خطا كتبـت عـلـينـا ومن كتب عليه خطاً مشاهـا
ومن كانت منـيتـه بـأرض فليس يموت في أرض سواها
ثم قال ذلك الصعلوك: فلما أتلفت عين الوزير لم يقدر أن يتكلم لأن والدي
كان ملك المدينة. فلما وقفت قدامه مكتفا أمر بضرب عنقي فقلت: أتقتلني
بغير ذنب فقال أي ذنب أعظم من هذا وأشار إلى عينه المتلفة فقلت له:
فعلت ذلك خطأ فقال إن كنت فعلته خطأ فأنا أفعله بك عمدا.ً ثم قال:
قدموه بين يدي فقدموني بين يديه فمد إصبعه في عيني الشمال فأتلفها فصرت
من ذلك الوقت أعور كما تروني، ثم كتفني ووضعني في صندوق وقال للسياف
تسلم هذا، وأشهر حسامك وخذه واذهب به إلى خارج المدينة واقتله ودعه
للوحوش تأكله. فذهب بي السياف وصار حتى خرج من المدينة وأخرجني من
الصندوق وأنا مكتوف اليدين مقيد الرجلين وأراد أن يغمي عيني ويقتلني
فبكيت وأنشدت هذه الأبيات:
جعلتكموا درعاًً لتمنعوا سهام العدا عني فكنتم
نصالها
وكنت أرجي عند كل مـلـمة تخص يميني أن تكون شمالها
إذا لم تقوا نفسي مكايدة العـدا فكونوا سكوتاً لا عليها ولا
لها
وأنشدت أيضاً هذه الأبيات:
وإخوان اتخذتـهـم دروعـاً فكانوها ولكن لـلأعـادي
وخلتهموا سهامـاً صـائبـات فكانوها ولكن فـي فـؤادي
وقالوا قد سعينا كل سـعـي لقد صدقوا ولكن في فسادي
فلما سمع السياف شعري، وكان سياف أبي ولي عليه إحسان، قال يا سيدي كيف
أفعل وأنا عبد مأمور؟ ثم قال لي: فز بعمرك ولا تعد إلى هذه الارض فتهلك
وتهلكني معك كما قال الشاعر:
ونفسك فر بها إن خفت ضيماً وخل الدار تنعي من بناهـا
فإنك واحد أرضـاً بـأرض ونفسك لم تجد نفساً
سواهـا
عجبت لمن يعيش بـدار ذل وأرض الله واسعة فـلاهـا
وما غلظت رقاب الأسد حتى بأنفسها تولت ما عـنـاهـا
فلما قال ذلك، قبلت يديه وما صدقت حتى فررت وهان علي تلف عيني بنجاتي
من القتل وسافرت حتى وصلت إلى مدينة عمي فدخلت عليه وأعلمته بما جرى
لوالدي وبما جرى لي من تلف عيني فبكى بكاء شديداً وقال لقد زدتني هماً
على همي وغماً على غمي فإن ابن عمك قد فقد منذ أيام ولم أعلم بما جرى
له ولم يخبرني أحد بخبره وبكى حتى أغمي عليه فلما استفاق قال يا ولدي
قد حزنت على ابن عمك حزناً شديداً وأنت زدتني بما حصل لك ولابنك غماً
على غمي، ولكن يا ولدي، بعينك ولا بروحك، ثم إنه لم يمكني السكوت عن
ابن عمي الذي هو ولده فأعلمته بالذي جرى له كله ففرح عمي بما قلته له
فرحاً شديداً عند سماع خبر ابنه وقال أرني التربة فقلت والله يا عمي لم
أعرف مكانها لأني رجعت بعد ذلك مرات لأفتش عليها فلم أعرف مكانها ثم
ذهبت أنا وعمي إلى الجبانة ونظرت يميناً وشمالاً فعرفتها ففرحت أنا
وعمي فرحاً شديداً ودخلت أنا وإياه التربة وأزحنا التراب ورفعنا الطابق
ونزلت أنا وعمي مقدار خمسين درجة فلما وصلنا إلى آخر السلم وإذا بدخان
طلع علينا فغشي أبصارنا فقال عمي: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم، ثم مشينا. وإذا نحن بقاعة ممتلئة دقيقاً وحبوباً ومأكولات وغير
ذلك ورأينا في وسط القاعة ستارة مسبولة على سرير فنظر عمي إلى السرير
فوجد ابنه هو والمرأة التي قد نزلت معه صارا فحماً أسودا وهما متعانقين
كأنهما ألقيا في جب نار فلما نظر عمي ذلك بصق في وجهه وقال تستحق يا
خبيث فهذا عذاب الدنيا وبقي عذاب الآخرة وهو أشد وأبقى.
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك قال للصبية ثم خرجت إلى
المقابر وفتشت على التربة فلم أعرفها ولم أزل أفتش حتى أقبل الليل ولم
أهتد إليها فرجعت إلى القصر لم آكل ولم أشرب وقد اشتغل خاطري بابن عمي
من حيث لا أعلم له حالاً فاغتممت غماً شديداً وبت ليلتي مغموماً إلى
الصباح فجئت ثانياً إلى الجبانة وأنا أتفكر فيما فعله ابن عمي وندمت
على طاعتي له. وقد فتشت في الترب جميعاً فلم أعرف تلك التربة ولازمت
التفتيش سبعة أيام فلم أعرف له طريقاً.
فزاد بي الوسواس حتى كدت أن أجن. ورجعت إلى ابي وساعة وصولي إلى مدينة
أبي نهض إلى جماعة من باب المدينة وكتفوني فتعجبت كل العجب لاني ابن
سلطان المدينة وهم خدم أبي وغلماني ولحقني منهم خوف زائد فقلت في نفسي:
يا ترى ماذا جرى لوالدي وصرت أسأل الذين كتفوني عن سبب ذلك فلم يردوا
جواباً.
و بعد حين قال لي بعضهم وكان خادماً عندي إن أباك قد غدر به الزمان
وخانته العساكر وقتله الوزير ونحن نترقب وقوعك فأخذوني وأنا غائب عن
الدنيا بسبب هذه الأخبار التي سمعتها عن أبي فلما مثلت بين يدي الوزير
الذي قتل أبي وكان بيني وبينه عداوة قديمة اذ كنت مولعاً بضر البندق
فاتفق أن كنت واقفاً يوماً من الأيام على سطح قصر وإذا بطائر نزل على
سطح قصر الوزير وكان واقفاً هناك فأردت أن أضرب الطير واذا بالبندقية
أخطأت واصابت عين الوزير فأتلفتها بالقضاء والقدر كما قال الشاعر:
دع الأقدار تفعل ما تـشـاء وطب نفساً بما فعل القضاء
ولا تفرح ولا تحزن بشيء فإن الشيء ليس له بـقـاء
وكما قال الآخر:
مشينا خطا كتبـت عـلـينـا ومن كتب عليه خطاً مشاهـا
ومن كانت منـيتـه بـأرض فليس يموت في أرض سواها
ثم قال ذلك الصعلوك: فلما أتلفت عين الوزير لم يقدر أن يتكلم لأن والدي
كان ملك المدينة. فلما وقفت قدامه مكتفا أمر بضرب عنقي فقلت: أتقتلني
بغير ذنب فقال أي ذنب أعظم من هذا وأشار إلى عينه المتلفة فقلت له:
فعلت ذلك خطأ فقال إن كنت فعلته خطأ فأنا أفعله بك عمدا.ً ثم قال:
قدموه بين يدي فقدموني بين يديه فمد إصبعه في عيني الشمال فأتلفها فصرت
من ذلك الوقت أعور كما تروني، ثم كتفني ووضعني في صندوق وقال للسياف
تسلم هذا، وأشهر حسامك وخذه واذهب به إلى خارج المدينة واقتله ودعه
للوحوش تأكله. فذهب بي السياف وصار حتى خرج من المدينة وأخرجني من
الصندوق وأنا مكتوف اليدين مقيد الرجلين وأراد أن يغمي عيني ويقتلني
فبكيت وأنشدت هذه الأبيات:
جعلتكموا درعاًً لتمنعوا سهام العدا عني فكنتم
نصالها
وكنت أرجي عند كل مـلـمة تخص يميني أن تكون شمالها
إذا لم تقوا نفسي مكايدة العـدا فكونوا سكوتاً لا عليها ولا
لها
وأنشدت أيضاً هذه الأبيات:
وإخوان اتخذتـهـم دروعـاً فكانوها ولكن لـلأعـادي
وخلتهموا سهامـاً صـائبـات فكانوها ولكن فـي فـؤادي
وقالوا قد سعينا كل سـعـي لقد صدقوا ولكن في فسادي
فلما سمع السياف شعري، وكان سياف أبي ولي عليه إحسان، قال يا سيدي كيف
أفعل وأنا عبد مأمور؟ ثم قال لي: فز بعمرك ولا تعد إلى هذه الارض فتهلك
وتهلكني معك كما قال الشاعر:
ونفسك فر بها إن خفت ضيماً وخل الدار تنعي من بناهـا
فإنك واحد أرضـاً بـأرض ونفسك لم تجد نفساً
سواهـا
عجبت لمن يعيش بـدار ذل وأرض الله واسعة فـلاهـا
وما غلظت رقاب الأسد حتى بأنفسها تولت ما عـنـاهـا
فلما قال ذلك، قبلت يديه وما صدقت حتى فررت وهان علي تلف عيني بنجاتي
من القتل وسافرت حتى وصلت إلى مدينة عمي فدخلت عليه وأعلمته بما جرى
لوالدي وبما جرى لي من تلف عيني فبكى بكاء شديداً وقال لقد زدتني هماً
على همي وغماً على غمي فإن ابن عمك قد فقد منذ أيام ولم أعلم بما جرى
له ولم يخبرني أحد بخبره وبكى حتى أغمي عليه فلما استفاق قال يا ولدي
قد حزنت على ابن عمك حزناً شديداً وأنت زدتني بما حصل لك ولابنك غماً
على غمي، ولكن يا ولدي، بعينك ولا بروحك، ثم إنه لم يمكني السكوت عن
ابن عمي الذي هو ولده فأعلمته بالذي جرى له كله ففرح عمي بما قلته له
فرحاً شديداً عند سماع خبر ابنه وقال أرني التربة فقلت والله يا عمي لم
أعرف مكانها لأني رجعت بعد ذلك مرات لأفتش عليها فلم أعرف مكانها ثم
ذهبت أنا وعمي إلى الجبانة ونظرت يميناً وشمالاً فعرفتها ففرحت أنا
وعمي فرحاً شديداً ودخلت أنا وإياه التربة وأزحنا التراب ورفعنا الطابق
ونزلت أنا وعمي مقدار خمسين درجة فلما وصلنا إلى آخر السلم وإذا بدخان
طلع علينا فغشي أبصارنا فقال عمي: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم، ثم مشينا. وإذا نحن بقاعة ممتلئة دقيقاً وحبوباً ومأكولات وغير
ذلك ورأينا في وسط القاعة ستارة مسبولة على سرير فنظر عمي إلى السرير
فوجد ابنه هو والمرأة التي قد نزلت معه صارا فحماً أسودا وهما متعانقين
كأنهما ألقيا في جب نار فلما نظر عمي ذلك بصق في وجهه وقال تستحق يا
خبيث فهذا عذاب الدنيا وبقي عذاب الآخرة وهو أشد وأبقى.
ونتقابل فى ليلة تالية من ليالى ألف ليلة وليلة
الليلــــــــــــة الثانية عشر
الليلــــــــــــة الثانية عشر
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك قال للصبية ثم خرجت إلى
المقابر وفتشت على التربة فلم أعرفها ولم أزل أفتش حتى أقبل الليل ولم
أهتد إليها فرجعت إلى القصر لم آكل ولم أشرب وقد اشتغل خاطري بابن عمي
من حيث لا أعلم له حالاً فاغتممت غماً شديداً وبت ليلتي مغموماً إلى
الصباح فجئت ثانياً إلى الجبانة وأنا أتفكر فيما فعله ابن عمي وندمت
على طاعتي له. وقد فتشت في الترب جميعاً فلم أعرف تلك التربة ولازمت
التفتيش سبعة أيام فلم أعرف له طريقاً.
فزاد بي الوسواس حتى كدت أن أجن. ورجعت إلى ابي وساعة وصولي إلى مدينة
أبي نهض إلى جماعة من باب المدينة وكتفوني فتعجبت كل العجب لاني ابن
سلطان المدينة وهم خدم أبي وغلماني ولحقني منهم خوف زائد فقلت في نفسي:
يا ترى ماذا جرى لوالدي وصرت أسأل الذين كتفوني عن سبب ذلك فلم يردوا
جواباً.
و بعد حين قال لي بعضهم وكان خادماً عندي إن أباك قد غدر به الزمان
وخانته العساكر وقتله الوزير ونحن نترقب وقوعك فأخذوني وأنا غائب عن
الدنيا بسبب هذه الأخبار التي سمعتها عن أبي فلما مثلت بين يدي الوزير
الذي قتل أبي وكان بيني وبينه عداوة قديمة اذ كنت مولعاً بضر البندق
فاتفق أن كنت واقفاً يوماً من الأيام على سطح قصر وإذا بطائر نزل على
سطح قصر الوزير وكان واقفاً هناك فأردت أن أضرب الطير واذا بالبندقية
أخطأت واصابت عين الوزير فأتلفتها بالقضاء والقدر كما قال الشاعر:
دع الأقدار تفعل ما تـشـاء وطب نفساً بما فعل القضاء
ولا تفرح ولا تحزن بشيء فإن الشيء ليس له بـقـاء
وكما قال الآخر:
مشينا خطا كتبـت عـلـينـا ومن كتب عليه خطاً مشاهـا
ومن كانت منـيتـه بـأرض فليس يموت في أرض سواها
ثم قال ذلك الصعلوك: فلما أتلفت عين الوزير لم يقدر أن يتكلم لأن والدي
كان ملك المدينة. فلما وقفت قدامه مكتفا أمر بضرب عنقي فقلت: أتقتلني
بغير ذنب فقال أي ذنب أعظم من هذا وأشار إلى عينه المتلفة فقلت له:
فعلت ذلك خطأ فقال إن كنت فعلته خطأ فأنا أفعله بك عمدا.ً ثم قال:
قدموه بين يدي فقدموني بين يديه فمد إصبعه في عيني الشمال فأتلفها فصرت
من ذلك الوقت أعور كما تروني، ثم كتفني ووضعني في صندوق وقال للسياف
تسلم هذا، وأشهر حسامك وخذه واذهب به إلى خارج المدينة واقتله ودعه
للوحوش تأكله. فذهب بي السياف وصار حتى خرج من المدينة وأخرجني من
الصندوق وأنا مكتوف اليدين مقيد الرجلين وأراد أن يغمي عيني ويقتلني
فبكيت وأنشدت هذه الأبيات:
جعلتكموا درعاًً لتمنعوا سهام العدا عني فكنتم
نصالها
وكنت أرجي عند كل مـلـمة تخص يميني أن تكون شمالها
إذا لم تقوا نفسي مكايدة العـدا فكونوا سكوتاً لا عليها ولا
لها
وأنشدت أيضاً هذه الأبيات:
وإخوان اتخذتـهـم دروعـاً فكانوها ولكن لـلأعـادي
وخلتهموا سهامـاً صـائبـات فكانوها ولكن فـي فـؤادي
وقالوا قد سعينا كل سـعـي لقد صدقوا ولكن في فسادي
فلما سمع السياف شعري، وكان سياف أبي ولي عليه إحسان، قال يا سيدي كيف
أفعل وأنا عبد مأمور؟ ثم قال لي: فز بعمرك ولا تعد إلى هذه الارض فتهلك
وتهلكني معك كما قال الشاعر:
ونفسك فر بها إن خفت ضيماً وخل الدار تنعي من بناهـا
فإنك واحد أرضـاً بـأرض ونفسك لم تجد نفساً
سواهـا
عجبت لمن يعيش بـدار ذل وأرض الله واسعة فـلاهـا
وما غلظت رقاب الأسد حتى بأنفسها تولت ما عـنـاهـا
فلما قال ذلك، قبلت يديه وما صدقت حتى فررت وهان علي تلف عيني بنجاتي
من القتل وسافرت حتى وصلت إلى مدينة عمي فدخلت عليه وأعلمته بما جرى
لوالدي وبما جرى لي من تلف عيني فبكى بكاء شديداً وقال لقد زدتني هماً
على همي وغماً على غمي فإن ابن عمك قد فقد منذ أيام ولم أعلم بما جرى
له ولم يخبرني أحد بخبره وبكى حتى أغمي عليه فلما استفاق قال يا ولدي
قد حزنت على ابن عمك حزناً شديداً وأنت زدتني بما حصل لك ولابنك غماً
على غمي، ولكن يا ولدي، بعينك ولا بروحك، ثم إنه لم يمكني السكوت عن
ابن عمي الذي هو ولده فأعلمته بالذي جرى له كله ففرح عمي بما قلته له
فرحاً شديداً عند سماع خبر ابنه وقال أرني التربة فقلت والله يا عمي لم
أعرف مكانها لأني رجعت بعد ذلك مرات لأفتش عليها فلم أعرف مكانها ثم
ذهبت أنا وعمي إلى الجبانة ونظرت يميناً وشمالاً فعرفتها ففرحت أنا
وعمي فرحاً شديداً ودخلت أنا وإياه التربة وأزحنا التراب ورفعنا الطابق
ونزلت أنا وعمي مقدار خمسين درجة فلما وصلنا إلى آخر السلم وإذا بدخان
طلع علينا فغشي أبصارنا فقال عمي: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم، ثم مشينا. وإذا نحن بقاعة ممتلئة دقيقاً وحبوباً ومأكولات وغير
ذلك ورأينا في وسط القاعة ستارة مسبولة على سرير فنظر عمي إلى السرير
فوجد ابنه هو والمرأة التي قد نزلت معه صارا فحماً أسودا وهما متعانقين
كأنهما ألقيا في جب نار فلما نظر عمي ذلك بصق في وجهه وقال تستحق يا
خبيث فهذا عذاب الدنيا وبقي عذاب الآخرة وهو أشد وأبقى.
********
ونتقابل فى ليلة تالية من ليالى ألف ليلة وليلة
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
الليـــلة الثالثـــــة عشـــر ...
قالت شهرزاد للملك شهريار: بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك قال للصبية والجماعة
والخليفة وجعفر يستمعون الكلام: ثم أن عمي ضرب ولده بالنعال وهو راقد
كالفحم الأسود فتعجبت من ضربه، وحزنت على ابن عمي حيث صار والصبية
فحماً أسودا ثم قلت بالله يا عمي خفف الهم عن قلبك فقد اشتغل سري
وخاطري بما قد جرى لولدك اما يكفيك ما هو فيه حتى تضربه بالنعال؟
فقال يا ابن أخي:
إن ولدى هذا كان يأتى بأفعال تستوجب العقاب الشديد
وقلت له أحذر من هذه الفعال
القبيحة التي لم يفعلها أحد قبلك ولا يفعلها أحد بعدك وإلا نبقى بين
الملوك بالعار والنقصان إلى الممات وتشيع أخبارنا مع الركبان، وإياك أن
تصدر منك هذه الفعال فإني أسخط عليك وأقتلك .
ففعل هذا المكان الذي تحت الأرض خفية ونقل فيه المأكول كما تراه
واستغفلني لما خرجت إلى الصيد وأتى هذا المكان فغار عليه وعلى الصبية الحق
سبحانه وتعالى وأحرقهما. ثم بكى وبكيت معه وقال لي: أنت ولدي عوضاً
عنه. ثم أني تفكرت ساعة في الدنيا وحوادثها من قتل الوزير لوالدي وأخذه
مكانه وتلف عيني وما جرى لابن عمي من الحوادث الغريبة فبكيت. ثم أننا
صعدنا ورددنا الطابق والتراب وعملنا القبر كما كان، ثم رجعنا إلى
منزلنا فلم يستقر بنا الجلوس حتى سمعنا دق طبول وبوقات ورمحت الأبطال
وامتلأت الدنيا بالعجاج والغبار من حوافر الخيل فحارت عقولنا ولم نعرف
الخبر. فسأل الملك عن الخبر فقيل إن وزير أخيك قتله وجمع العساكر
والجنود وجاء بعسكره ليهجموا على المدينة غفلة وأهل المدينة لم يكن لهم
طاقة بهم فسلموا إليه فقلت في نفسي متى وقعت أنا في يده قتلني وتراكمت
الأحزان وتذكرت الحوادث التي حدثت لأبي وأمي ولم أعرف كيف العمل فإن
ظهرت عرفني أهل المدينة وعساكر أبي فيسعون في قتلي وهلاكي فلم أجد
شيئاً أنجو به إلا حلق ذقني فحلقتها وغيرت ثيابي وخرجت من المدينة
وقصدت هذه المدينة والسلام لعل أحداً يوصلني إلى أمير المؤمنين وخليفة
رب العالمين حتى أحكي له قصتي وما جرى لي فوصلت إلى هذه المدينة في هذه
الليلة فوقفت حائراً ولم أدر أين أمضي وإذا بهذا الصعلوك واقف فسلمت
عليه وقلت: له أنا غريب أيضاً. فبينما نحن كذلك وإذا برفيقنا هذا
الثالث جاءنا وسلم علينا وقال: أنا غريب فقلنا له: ونحن غريبان، فمشينا
وقد هجم علينا الظلام فساقنا القدر إليكم، وهذا سبب حلق ذقني، وتلف
عيني، فقالت الصبية: ملس على رأسك. فقال لها: لا أروح حتى أسمع خبر
غيري. فتعجبوا من حديثه، فقال الخليفة لجعفر: والله أنا ما رأيت مثل
الذي جرى لهذا الصعلوك. ثم تقدم الصعلوك الثاني وقبل الأرض وقال يا
سيدتي: أنا ما ولدت أعور، وإنما لي حكاية عجيبة لو كتبت بالإبر على
آماق البصر، لكانت عبرة لمن اعتبر. فأنا ملك ابن ملك وقرأت القرآن على
سبع روايات وقرأت الكتب على أربابها من مشايخ العلم وقرأت علم النجوم
وكلام الشعراء واجتهدت في سائر العلوم حتى فقت أهل زماني. فعظم حظي عند
سائر الكتبة وشاع ذكري في سائر الأقاليم والبلدان وشاع خبري عند سائر
الملوك فسمع بي ملك الهند. فأرسل يطلبني من أبي وأرسل إليه هدايا
وتحفاً تصلح للملوك. فجهزني أبي في ست مراكب وسرنا في البحر مدة شهر
كامل حتى وصلنا إلى البر وأخرجنا خيلاً كانت معنا في المركب وحملنا
عشرة احمال هدايا ومشينا قليلا.ً وإذا بغبار قد علا وثار حتى سد
الأقطار واستمر ساعة من النهار ثم انكشف قبان من تحته ستون فارساً وهم
ليوث وعوانس فتأملناهم وإذا هم عرب قطاع طريق فلما رأونا ونحن نفر قليل
ومعنا عشرة أجمال هدايا لملك الهند رمحوا علينا وشرعوا الرماح بين
أيديهم نحونا.
فأشرنا إليهم بالأصابع وقلنا لهم: نحن رسل إلى ملك الهند المعظم فلا
تؤذونا فقالوا نحن لسنا في أرضه ولا تحت حكمه ثم إنهم قتلوا بعض
الغلمان وهرب الباقون وهربت أنا بعد أن جرحت جرحاً بليغاً واشتغلت عنا
العرب بالمال والهدايا التي كانت معنا فصرت لا أدري أين أذهب، وكنت
عزيزاً فصرت ذليلاً وسرت إلى أن أتيت رأس الجبل فدخلت مغارة حتى طلع
النهار ثم سرت منها حتى وصلت إلى مدينة عامرة بالخير وقد ولى عنها
الشتاء ببرده وأقبل عليها الربيع بورده.
ففرحت بوصولي إليها وقد تعبت من المشي وعلاني الهم والاصفرار فتغيرت
حالتي ولا أدري أين أسلك فملت إلى خياط في دكان وسلمت عليه فرد علي
السلام ورحب بي وباسطني عن سبب غربتي فأخبرته بما جرى لي من أوله إلى
آخره، فاغتم لأجلي وقال يا فتى لا تظهر ما عندك فإني أخاف عليك من ملك
المدينة لأنه أكبر أعداء أبيك وله عنده ثأر.
ثم أحضر لي مأكولاً ومشروباً فأكلت وأكل معي وتحادثت معه في الليل
وأخلى لي محلاً في جانب حانوته وأتاني بما أحتاج إليه من فراش وغطاء،
فأقمت عنده ثلاثة أيام، ثم قال لي أما تعرف صنعة تكسب بها فقلت له: إني
فقيه طالب علم كاتب حاسب، فقال: إن صنعتك في بلادنا كاسدة وليس في
مدينتنا من يعرف علماً ولا كتابة غير المال فقلت والله لا أدري شيئاً
غير الذي ذكرته لك، فقال شد وسطك وخذ فأساً وحبلاً واحتطب في البرية
حطباً تتقوت به إلى أن يفرج الله عنك ولا تعرف أحداً بنفسك فيقتلوك، ثم
اشترى لي فأساً وحبلاً وأرسلني مع بعض الحطابين وأوصاهم علي، فخرجت
معهم واحتطبت فأتيت بحمل على رأسي فبعته بنصف دينار فأكلت ببعضه وأبقيت
بعضه، ودمت على هذا الحال مدة سنة.
ثم بعد السنة ذهبت يوماً على عادتي إلى البرية لأحتطب منها ودخلتها،
فوجدت فيها خميلة أشجار فيها حطب كثير فدخلت الخميلة، وأتيت شجرة وحفرت
حولها وأزلت التراب عن جدارها فاصطكت الفأس في حلقة نحاس فنظفت التراب
وإذا هي في طابق من خشب فكشفته فبان تحت سلم فنزلت إلى أسفل السلم
فرأيت باباً فدخلته فرأيت قصراً محكم البنيان فوجدت فيه صبية كالدرة
السنية تنفي إلى القلب كل هم وغم وبلية.
فلما نظرت إليها سجدت لخالقها لما أبدع فيها من الحسن والجمال فنظرت
غلي وقالت لي أنت أنسي أم جني، فقلت لها: إنسي، فقالت: ومن أوصلك إلى
هذا المكان الذي لي فيه خمسة وعشرون سنة، ما رأيت فيه إنسياً أبداً
فلما سمعت كلامها وجدت له عذوبة وقلت لها يا سيدتي أوصلني الله إلى
منزلك ولعله يزيل همي وغمي وحكيت لها ما جرى لي من الأول إلى الآخر.
فصعب عليها حالي وبكت وقالت أنا الأخرى أعلمك بقصتي فاعلم أني بنت ملك
أقصى الهند صاحب جزيرة الآبنوس وكان قد زوجني بابن عمي فاختطفني ليلة
زفافي عفريت اسمه جرجريس بن رجوس بن إبليس فطار بي إلى هذا المكان ونقل
فيه كل ما أحتاج إليه من الحلى والحلل والقماش والمتاع والطعام
والشراب. في كل عشرة أيام يجيئني مرة فيبيت هنا ليلة وعاهدني إذا عرضت
لي حاجة ليلاً أو نهاراً أن ألمس بيدي هذين السطرين المكتوبين على
القبة فما ارفع يدي حتى أراه عندي ومنذ كان عندي له اليوم أربعة أيام
وبقي له ستة أيام حتى يأتي فهل لك أن تقيم عندي خمسة أيام، ثم تنصرف
قبل مجيئه بيوم فقلت نعم.
ففرحت ثم نهضت على أقدامها وأخذت بيدي وأدخلتني من باب مقنطر وانتهت بي
على مرتبة وأجلستني معها وأتت بسكر ممسك وسقتني، ثم قدمت لي مأكولاً
وتحادثنا ثم قالت لي ثم واسترح فإنك تعبان، فنمت يا سيدتي وقد نسيت ما
جرى لي، وشكرتها فلما استيقظت وجدتها تكبس رجلي فدعوت لها وجلسنا
نتحادث ساعة، ثم قالت والله إني كنت ضيقة الصدر وأنا تحت الأرض وحدي
ولم أجد من يحدثني خمسة وعشرين سنة فالحمد لله الذي أرسلك إلي ثم
أنشدت:
لو علمنا مجيئكم لفـرشـنـا مهجة القلب أو سواد العيون
وفرشنا خدودنا والتـقـينـا لكون المسير فوق
الجفـون
فلما سمعت شعرها شكرتها وقد تمكنت محبتها في قلبي، وذهب عني همي وغمي،
ثم جلسنا في مسامرة إلى الليل،
وأصبحنا مسرورين فقلت لها هل أطلعك من تحت الأرض وأريحك من هذا الجني
فضحكت وقالت اقنع واسكت ففي كل عشرة أيام يوم للعفريت وتسعة لك فقلت
وقد غلب علي الغرام فأنا في هذه أكسر هذه القبة التي عليها النقش
المكتوب لعل العفريت يجيء حتى أقتله فإني موعود بقتل العفاريت فلما
سمعت كلامي أنشدت:
يا طالباً للفراق مـهـلاً بحيلة قد كفى اشتـياق
اصبر فطبع الزمان غدر وآخر الصحبة الفـراق
فلما سمعت شعرها لم ألتفت لكلامها بل رفست القبة رفساً قوياً
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وإلى ليلة أخرى من ألف ليلة وليلة
قالت شهرزاد للملك شهريار: بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك قال للصبية والجماعة
والخليفة وجعفر يستمعون الكلام: ثم أن عمي ضرب ولده بالنعال وهو راقد
كالفحم الأسود فتعجبت من ضربه، وحزنت على ابن عمي حيث صار والصبية
فحماً أسودا ثم قلت بالله يا عمي خفف الهم عن قلبك فقد اشتغل سري
وخاطري بما قد جرى لولدك اما يكفيك ما هو فيه حتى تضربه بالنعال؟
فقال يا ابن أخي:
إن ولدى هذا كان يأتى بأفعال تستوجب العقاب الشديد
وقلت له أحذر من هذه الفعال
القبيحة التي لم يفعلها أحد قبلك ولا يفعلها أحد بعدك وإلا نبقى بين
الملوك بالعار والنقصان إلى الممات وتشيع أخبارنا مع الركبان، وإياك أن
تصدر منك هذه الفعال فإني أسخط عليك وأقتلك .
ففعل هذا المكان الذي تحت الأرض خفية ونقل فيه المأكول كما تراه
واستغفلني لما خرجت إلى الصيد وأتى هذا المكان فغار عليه وعلى الصبية الحق
سبحانه وتعالى وأحرقهما. ثم بكى وبكيت معه وقال لي: أنت ولدي عوضاً
عنه. ثم أني تفكرت ساعة في الدنيا وحوادثها من قتل الوزير لوالدي وأخذه
مكانه وتلف عيني وما جرى لابن عمي من الحوادث الغريبة فبكيت. ثم أننا
صعدنا ورددنا الطابق والتراب وعملنا القبر كما كان، ثم رجعنا إلى
منزلنا فلم يستقر بنا الجلوس حتى سمعنا دق طبول وبوقات ورمحت الأبطال
وامتلأت الدنيا بالعجاج والغبار من حوافر الخيل فحارت عقولنا ولم نعرف
الخبر. فسأل الملك عن الخبر فقيل إن وزير أخيك قتله وجمع العساكر
والجنود وجاء بعسكره ليهجموا على المدينة غفلة وأهل المدينة لم يكن لهم
طاقة بهم فسلموا إليه فقلت في نفسي متى وقعت أنا في يده قتلني وتراكمت
الأحزان وتذكرت الحوادث التي حدثت لأبي وأمي ولم أعرف كيف العمل فإن
ظهرت عرفني أهل المدينة وعساكر أبي فيسعون في قتلي وهلاكي فلم أجد
شيئاً أنجو به إلا حلق ذقني فحلقتها وغيرت ثيابي وخرجت من المدينة
وقصدت هذه المدينة والسلام لعل أحداً يوصلني إلى أمير المؤمنين وخليفة
رب العالمين حتى أحكي له قصتي وما جرى لي فوصلت إلى هذه المدينة في هذه
الليلة فوقفت حائراً ولم أدر أين أمضي وإذا بهذا الصعلوك واقف فسلمت
عليه وقلت: له أنا غريب أيضاً. فبينما نحن كذلك وإذا برفيقنا هذا
الثالث جاءنا وسلم علينا وقال: أنا غريب فقلنا له: ونحن غريبان، فمشينا
وقد هجم علينا الظلام فساقنا القدر إليكم، وهذا سبب حلق ذقني، وتلف
عيني، فقالت الصبية: ملس على رأسك. فقال لها: لا أروح حتى أسمع خبر
غيري. فتعجبوا من حديثه، فقال الخليفة لجعفر: والله أنا ما رأيت مثل
الذي جرى لهذا الصعلوك. ثم تقدم الصعلوك الثاني وقبل الأرض وقال يا
سيدتي: أنا ما ولدت أعور، وإنما لي حكاية عجيبة لو كتبت بالإبر على
آماق البصر، لكانت عبرة لمن اعتبر. فأنا ملك ابن ملك وقرأت القرآن على
سبع روايات وقرأت الكتب على أربابها من مشايخ العلم وقرأت علم النجوم
وكلام الشعراء واجتهدت في سائر العلوم حتى فقت أهل زماني. فعظم حظي عند
سائر الكتبة وشاع ذكري في سائر الأقاليم والبلدان وشاع خبري عند سائر
الملوك فسمع بي ملك الهند. فأرسل يطلبني من أبي وأرسل إليه هدايا
وتحفاً تصلح للملوك. فجهزني أبي في ست مراكب وسرنا في البحر مدة شهر
كامل حتى وصلنا إلى البر وأخرجنا خيلاً كانت معنا في المركب وحملنا
عشرة احمال هدايا ومشينا قليلا.ً وإذا بغبار قد علا وثار حتى سد
الأقطار واستمر ساعة من النهار ثم انكشف قبان من تحته ستون فارساً وهم
ليوث وعوانس فتأملناهم وإذا هم عرب قطاع طريق فلما رأونا ونحن نفر قليل
ومعنا عشرة أجمال هدايا لملك الهند رمحوا علينا وشرعوا الرماح بين
أيديهم نحونا.
فأشرنا إليهم بالأصابع وقلنا لهم: نحن رسل إلى ملك الهند المعظم فلا
تؤذونا فقالوا نحن لسنا في أرضه ولا تحت حكمه ثم إنهم قتلوا بعض
الغلمان وهرب الباقون وهربت أنا بعد أن جرحت جرحاً بليغاً واشتغلت عنا
العرب بالمال والهدايا التي كانت معنا فصرت لا أدري أين أذهب، وكنت
عزيزاً فصرت ذليلاً وسرت إلى أن أتيت رأس الجبل فدخلت مغارة حتى طلع
النهار ثم سرت منها حتى وصلت إلى مدينة عامرة بالخير وقد ولى عنها
الشتاء ببرده وأقبل عليها الربيع بورده.
ففرحت بوصولي إليها وقد تعبت من المشي وعلاني الهم والاصفرار فتغيرت
حالتي ولا أدري أين أسلك فملت إلى خياط في دكان وسلمت عليه فرد علي
السلام ورحب بي وباسطني عن سبب غربتي فأخبرته بما جرى لي من أوله إلى
آخره، فاغتم لأجلي وقال يا فتى لا تظهر ما عندك فإني أخاف عليك من ملك
المدينة لأنه أكبر أعداء أبيك وله عنده ثأر.
ثم أحضر لي مأكولاً ومشروباً فأكلت وأكل معي وتحادثت معه في الليل
وأخلى لي محلاً في جانب حانوته وأتاني بما أحتاج إليه من فراش وغطاء،
فأقمت عنده ثلاثة أيام، ثم قال لي أما تعرف صنعة تكسب بها فقلت له: إني
فقيه طالب علم كاتب حاسب، فقال: إن صنعتك في بلادنا كاسدة وليس في
مدينتنا من يعرف علماً ولا كتابة غير المال فقلت والله لا أدري شيئاً
غير الذي ذكرته لك، فقال شد وسطك وخذ فأساً وحبلاً واحتطب في البرية
حطباً تتقوت به إلى أن يفرج الله عنك ولا تعرف أحداً بنفسك فيقتلوك، ثم
اشترى لي فأساً وحبلاً وأرسلني مع بعض الحطابين وأوصاهم علي، فخرجت
معهم واحتطبت فأتيت بحمل على رأسي فبعته بنصف دينار فأكلت ببعضه وأبقيت
بعضه، ودمت على هذا الحال مدة سنة.
ثم بعد السنة ذهبت يوماً على عادتي إلى البرية لأحتطب منها ودخلتها،
فوجدت فيها خميلة أشجار فيها حطب كثير فدخلت الخميلة، وأتيت شجرة وحفرت
حولها وأزلت التراب عن جدارها فاصطكت الفأس في حلقة نحاس فنظفت التراب
وإذا هي في طابق من خشب فكشفته فبان تحت سلم فنزلت إلى أسفل السلم
فرأيت باباً فدخلته فرأيت قصراً محكم البنيان فوجدت فيه صبية كالدرة
السنية تنفي إلى القلب كل هم وغم وبلية.
فلما نظرت إليها سجدت لخالقها لما أبدع فيها من الحسن والجمال فنظرت
غلي وقالت لي أنت أنسي أم جني، فقلت لها: إنسي، فقالت: ومن أوصلك إلى
هذا المكان الذي لي فيه خمسة وعشرون سنة، ما رأيت فيه إنسياً أبداً
فلما سمعت كلامها وجدت له عذوبة وقلت لها يا سيدتي أوصلني الله إلى
منزلك ولعله يزيل همي وغمي وحكيت لها ما جرى لي من الأول إلى الآخر.
فصعب عليها حالي وبكت وقالت أنا الأخرى أعلمك بقصتي فاعلم أني بنت ملك
أقصى الهند صاحب جزيرة الآبنوس وكان قد زوجني بابن عمي فاختطفني ليلة
زفافي عفريت اسمه جرجريس بن رجوس بن إبليس فطار بي إلى هذا المكان ونقل
فيه كل ما أحتاج إليه من الحلى والحلل والقماش والمتاع والطعام
والشراب. في كل عشرة أيام يجيئني مرة فيبيت هنا ليلة وعاهدني إذا عرضت
لي حاجة ليلاً أو نهاراً أن ألمس بيدي هذين السطرين المكتوبين على
القبة فما ارفع يدي حتى أراه عندي ومنذ كان عندي له اليوم أربعة أيام
وبقي له ستة أيام حتى يأتي فهل لك أن تقيم عندي خمسة أيام، ثم تنصرف
قبل مجيئه بيوم فقلت نعم.
ففرحت ثم نهضت على أقدامها وأخذت بيدي وأدخلتني من باب مقنطر وانتهت بي
على مرتبة وأجلستني معها وأتت بسكر ممسك وسقتني، ثم قدمت لي مأكولاً
وتحادثنا ثم قالت لي ثم واسترح فإنك تعبان، فنمت يا سيدتي وقد نسيت ما
جرى لي، وشكرتها فلما استيقظت وجدتها تكبس رجلي فدعوت لها وجلسنا
نتحادث ساعة، ثم قالت والله إني كنت ضيقة الصدر وأنا تحت الأرض وحدي
ولم أجد من يحدثني خمسة وعشرين سنة فالحمد لله الذي أرسلك إلي ثم
أنشدت:
لو علمنا مجيئكم لفـرشـنـا مهجة القلب أو سواد العيون
وفرشنا خدودنا والتـقـينـا لكون المسير فوق
الجفـون
فلما سمعت شعرها شكرتها وقد تمكنت محبتها في قلبي، وذهب عني همي وغمي،
ثم جلسنا في مسامرة إلى الليل،
وأصبحنا مسرورين فقلت لها هل أطلعك من تحت الأرض وأريحك من هذا الجني
فضحكت وقالت اقنع واسكت ففي كل عشرة أيام يوم للعفريت وتسعة لك فقلت
وقد غلب علي الغرام فأنا في هذه أكسر هذه القبة التي عليها النقش
المكتوب لعل العفريت يجيء حتى أقتله فإني موعود بقتل العفاريت فلما
سمعت كلامي أنشدت:
يا طالباً للفراق مـهـلاً بحيلة قد كفى اشتـياق
اصبر فطبع الزمان غدر وآخر الصحبة الفـراق
فلما سمعت شعرها لم ألتفت لكلامها بل رفست القبة رفساً قوياً
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وإلى ليلة أخرى من ألف ليلة وليلة
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
الليلة الرابعة عشر ....
*********************************
قالت شهرزاد للملك شهريار :
بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك الثاني قال للصبية يا سيدتي
لما رفست القبة رفساً قوياً، قالت لي المرأة أن العفريت قد وصل إلينا
أما حذرتك من هذا ولله لقد آذيتني ولكن انج بنفسك واطلع من المكان الذي
جئت منه فمن شدة خوفي نسيت نعلي وفأسي، فلما طلعت درجتين التفت
لأنظرهما فرأيت الأرض قد انشقت وطلع منها عفريت ذو منظر بشع، وقال ما
هذه الزعجة التي أرعشتني بها فما مصيبتك. فقالت ما أصابني شيء غير أن
صدري ضاق، فأردت أن أشرب شراباً يشرح صدري فنهضت لأقضي أشغالي فوقعت
على القبة، فقال لها العفريت يا فاجرة ونظر في القصر يميناً وشمالاً
فرأى النعل والفأس فقال لها ما هذه إلا متاع الإنس من جاء إليك فقالت:
ما نظرتهما إلا في هذه الساعة ولعلهما تعلقا معك.
فقال العفريت هذا كلام محال لا ينطلي علي يا عاهرة، ثم أنه ،
صلبها بين أربعة أوتاد وجعل يعاقبها ويقررها بما كان فلم يهن علي أن
أسمع بكاءها فطلعت من السلم مذعوراً من الخوف فلما وصلت إلى أعلى
الموضع رددت الطابق كما كان وسترته بالتراب وندمت على ما فعلت غاية
الندم وتذكرت الصبية وحسنها وكيف يعاقبها هذا الملعون وهي معه منذ خمسة
وعشرون سنة وما عاقبها إلا بسببي وتذكرت أبي ومملكته وكيف صرت حطاباً،
فقلت هذا البيت:
إذا ما أتاك الدهر يوماً بنـكـبة فيوما ترى يسراً ويوم
ترى عسرا
ثم مشيت إلى أن أتيت رفيقي الخياط فلقيته في الانتظار فقال لي: بت
البارحة وقلبي عندك وخفت عليك من وحش أو غيره فالحمد لله على سلامتك
فشكرته على شفقته علي ودخلت خلوتي، وإذا بصديقي الخياط دخل علي وقال لي
في الدكان شخص أعجمي يطلبك ومعه فأسك ونعلك قد جاء بهما إلى الخياطين
وقال لهم أني خرجت وقت آذان المؤذن، لأجل صلاة الفجر فعثرت بهما ولم
أعلم لمن هما ، فدله الخياطون عليك وها هو قاعد في دكاني فاخرج إليه
واشكره وخذ فأسك ونعلك.
فلما سمعت هكذا الكلام اصفر لوني وتغير حالي فبينما أنا كذلك وإذا بأرض
محلي قد انشقت وطلع منها الأعجمي وإذا هو العفريت وقد كان عاقب الصبية
غاية العقاب فلم تقر له بشيء فأخذ الفأس والنعل وقال لها إن كنت من
ذرية إبليس فأنا أجيء بصاحب هذا الفأس والنعل ثم جاء بهذه الحيلة إلى
الخياطين ودخل علي ولم يمهلني بل اختطفني وطار وعلا بي ونزل بي وغاص في
الأرض وأنا لا أعلم بنفسي، ثم طلع بي القصر الذي كنت فيه فرأيت الصبية
والدم يسيل من جوانبها فقطرت عيناي بالدموع.
فأخذها العفريت وقال لها يا عاهرة هذا عشيقك فنظرت إلي وقالت له لا
أعرفه ولا رأيته إلا في هذه الساعة، فقال لها العفريت هذه العقوبة ولم
تقري، فقالت ما رأيته عمري وما يحل من الله أن أكذب عليه، فقال لها
العفريت إن كنت لا تعرفينه، فخذي هذا السيف واضربي عنقه فأخذت السيف
وجاءتني ووقفت على رأسي فأشرت لها بحاجبي ودمعي يجري على وجنتي فنهضت
وغمزتني وقالت أنت الذي فعلت هذا كله فأشرت لها أن هذا وقت العفو ولسان
حالي يقول:
يترجم طرفي عن لساني لتعلمـوا ويبدو لكم ما كان صدري
يكتم
ولما التقينا والـدمـوع سـواجـم خرست وطرفي
بالهوى يتكـلـم
فلما فهمت الصبية إشارتي رمت السيف من يدها يا سيدتي، فناولني العفريت
السيف وقال لي اضرب عنقها وأنا أطلقك ولا أنكد عليك، فقلت نعم، وأخذت
السيف وتقدمت بنشاط ورفعت يدي، فقالت لي بحاجبها أنا ما قصرت في حقك
فهطولت عيناي بالدموع ورميت السيف من يدي، وقلت أيها العفريت الشديد
والبطل الصنديد، إذا كانت امرأة ناقصة عقل ودين لم تستحل ضرب عنقي فكيف
يحل لي أن أضرب عنقها ولم أرها عمري، فلا أفعل ذلك أبداً ولو سقيت من
الموت كأس الردى.
فقال العفريت أنتما بينكما مودة وأخذ السيف وضرب يد الصبية فقطعها، ثم
ضرب الثانية فقطعها ثم قطع رجلها اليمنى ثم قطع رجلها اليسرى حتى قطع
أرباعها بأربع ضربات وأنا أنظر بعيني فأيقنت بالموت ثم أشارت إلي
بعينها فرآها العفريت فقال لها زنيت بعينك ثم ضربها فقطع رأسها، والتفت
إلي وقال يا إنسي نحن في شرعنا إذا زنت الزوجة يحل لنا قتلها، وهذه
الصبية اختطفتها ليلة عرسها، وهي بنت اثنتي عشرة سنة ولم تعرف أحداً
غيري وكنت أجيئها في كل عشرة أيام ليلة واحدة في زي رجل أعجمي. فلما
تحققت أنها خانتني فقتلتها وأما أنت فلم أتحقق أنك خنتني فيها، ففرحت
يا سيدتي وطمعت في العفريت وقلت له: ما أتمناه عليك، قال تمن علي أي
صورة اسحرك فيها إما صورة كلب وإما صورة حمار وإما صورة قرد فقلت له
وقد طمعت أن يعفو عني والله إن عفوت عني يعفو الله عنك، بعفوك عن رجل
مسلم لم يؤذيك وتضرعت إليه غاية التضرع، وبقيت بين يديه، وقلت له أنا
مظلوم.
فقال لي لا تطل علي الكلام أما القتل فلا تخف منه وأما العفو عنك فلا
تطمع فيه وأما سحرك فلا بد منه، ثم شق الأرض وطار بي إلى الجو حتى نظرت
إلى الدنيا حتى كأنها قصعة ماء، ثم حطني على جبل وأخذ قليلاً من التراب
وهمهم عليه وتكلم ورشني وقال اخرج من هذه الصورة إلى صورة قرد.
فمن ذلك الوقت صرت قرداً ابن مائة سنة فلما رأيت نفسي في هذه الصورة
القبيحة بكيت على روحي وصبرت على جور الزمان وانحدرت من أعلى الجبل إلى
أسفله وسافرت مدة شهر، ثم ذهبت إلى شاطئ البحر المالح، فوقفت ساعة وإذا
أنا بمركب في وسط البحر قاصدة البر، فاختفيت خلف صخرة على جانب البحر
وسرت إلى أن أتيت وسط المركب.
فقال واحد منهم أخرجوا هذا المشؤوم من المركب، وقال واحد منهم نقتله،
وقال آخر اقتله بهذا السيف فأمسكت طرف السيف وبكيت، وسالت دموعي فحن
علي الريس وقال لهم يا تجار إن هذا القرد استجار بي وقد أجرته وهو في
جواري فلا أحد يعرض له ولا يشوش عليه.
ورسينا على مدينة عظيمة، فيها عالم كثير لايحصى عددهم فساعة وصولنا
أوقفنا مركبنا فجاءتنا مماليك من طرف ملك المدينة فنزلوا المركب وهنأوا
التجار بالسلامة، وقالوا إن ملكنا يهنئكم بالسلامة وقد أرسل إليكم هذا
الدرج الورق وقال كل واحد يكتب فيه سطرا فقمت وأنا في صورة قرد وخطفت
الدرج من أيديهم، فخافوا أن أقطعه وأرميه في الماء فنهروني وأرادوا
قتلي فأشرت لهم أني أكتب فقال لهم الريس دعوه يكتب فإن لخبط الكتابة
طردناه وإن أحسنها اتخذته ولداً فإني ما رأيت قرداً أفهم منه ثم أخذت
القلم واستنديت الحبر وكتبت سطراً بقلم الرقاع ورقمت هذا الشعر:
لقد كتب الدهر فضل الكرام وفضلك للآن لايحـسـب
فلا أيتم الله منـك الـورى لأنك للفضل نـعـم الأب
وكتبت بقلم الثلث هذين البيتين:
وما من كاتب إلا سيفـنـى ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بخطك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه
وكتبت تحته بقلم المسبق هذين البيتين:
إذا فتحت دواة العز والـنـعـم فاجعل مدادك من جود ومن
كرم
واكتب بخير إذا ما كنت مقتـدراً بذاك شرفت فضلاً نسبه القلـم
ثم ناولتهم ذلك الدرج الورق فطلعوا به إلى الملك، فلما تأمل الملك ما
في ذلك الدرج فلم يعجبه خط أحد إلا خطي، فقال لأصحابه توجهوا إلى صاحب
هذا الخط وألبسوه هذه الحلة وأركبوه بغلة وهاتوه بالنوبة وأحضروه بين
يدي فلما سمعوا كلام الملك تبسموا فغضب منهم ثم قال كيف آمركم بأمر
فتضحكون عليه، فقالوا أيها الملك ما نضحك على كلامك، بل الذي كتب هذا
الخط قرد وليس هو آدميا وهو مع الريس. فتعجب الملك من كلامهم واهتز من
الطرب، وقال أريد أن أشتري هذا القرد، ثم بعث رسلا إلى المركب ومعهم
البغلة والحلة وقال لابد أن تلبسوه هذه الحلة وتركبوه البغلة وتأتوا
به، فساروا إلى المركب وأخذوني من الريس وألبسوني الحلة، فلما طلعوا بي
للملك ورأيته قبلت الأرض بين يديه ثلاث مرات فأمرني بالجلوس، فجلست على
ركبتي. فتعجب الحاضرون من أدبي وكان الملك أكثرهم تعجبا ثم أن الملك
أمر الخلق بالإنصراف ، ولم يبق إلا الملك والطواشي ومملوك صغير وأنا،
ثم أمر بطعام فقدموا سفرة طعام فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين فأشار
إلي الملك أن آكل فقمت وقبلت الأرض بين يديه سبع مرات وجلست آكل معه
وحينما ارتفعت السفرة أخذت الدواة والقلم والقرطاس وكتبت هذين البيتين:
أنا جر الضان ترياق من العلـل وأصحن الحلو فيها
منتهى أملي
يا لهف قلبي على مد السماط إذا ماجت كنافته بالسمن
والعسـل
ثم قمت وجلست بعيدا فنظر الملك إلى ما كتبته وقرأه فتعجب وقال هل يكون
عند قرد هذه الفصاحة وهذا الخط والله إن هذا من أعجب العجب ثم قدم
للملك شطرنج، فقال لي الملك أتلعب قلت برأسي نعم، فتقدمت وصففت الشطرنج
ولعبت معه مرتين فغلبته فحار عقل الملك وقال لو كان هذا آدميا لفاق أهل
زمانه، ثم قال لخادمه إذهب إلى سيدتك وقل لها: كلمي الملك حتى تجيء
فتتفرج على هذا القرد العجيب. فذهب الطواشي وعاد معه سيدته بنت الملك،
فلما نظرت إلي غطت وجهها، وقالت يا أبي كيف طاب خاطرك أن ترسل إلي
فيراني الرجال الأجانب فقال يابنتي ما عندك سوى المملوك الصغير
والطواشي الذي رباك وهذا القرد وأنا أبوك فممن تغطين وجهك. فقالت إن
هذا القرد إبن ملك وإسم أبيه إيمار، صاحب جزائر الأبنوس الداخلة وهو
مسحور وسحره العفريت جرجريس ، وقد قتل زوجته بنت ملك أقناموس وهذا الذي
تزعم أنه قردا إنما هو رجل عالم عاقل. فتعجب الملك من إبنته ونظر إلي
وقال: أحق ما تقول عنك فقلت برأسي نعم وبكيت فقال الملك لبنته من أين
عرفت أنه مسحور فقالت: يا أبت كان عندي وأنا صغيرة عجوز ماكرة ساحرة
علمتني السحر، وقد حفظته وأتقنته وعرفت مائة وسبعين بابا من أبوابه،
أقل باب منها أنقل به حجارة مدينتك خلف جبل قاف وأجعلها لجة بحر وأجعل
أهلها سمكا في وسطه. فقال أبوها: بحق إسم الله عليك أن تخلصي لنا هذا
الشاب، حتى أجعله وزيري وهل فيك هذه الفضيلة ولم أعلم فخلصيه حتى أجعله
وزيري لأنه شاب ظريف لبيب، فقالت له حبا وكرامة، ثم أخذت بيدها سكينا،
وعملت دائرة.
وقام الديك وصاح ...
فسكتت شهرزاد عن الكلام المباح ..
وإلى ليلة أخرى من ليالى ألف ليلة وليلة
ودى وورودى لكم ....
*********************************
قالت شهرزاد للملك شهريار :
بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك الثاني قال للصبية يا سيدتي
لما رفست القبة رفساً قوياً، قالت لي المرأة أن العفريت قد وصل إلينا
أما حذرتك من هذا ولله لقد آذيتني ولكن انج بنفسك واطلع من المكان الذي
جئت منه فمن شدة خوفي نسيت نعلي وفأسي، فلما طلعت درجتين التفت
لأنظرهما فرأيت الأرض قد انشقت وطلع منها عفريت ذو منظر بشع، وقال ما
هذه الزعجة التي أرعشتني بها فما مصيبتك. فقالت ما أصابني شيء غير أن
صدري ضاق، فأردت أن أشرب شراباً يشرح صدري فنهضت لأقضي أشغالي فوقعت
على القبة، فقال لها العفريت يا فاجرة ونظر في القصر يميناً وشمالاً
فرأى النعل والفأس فقال لها ما هذه إلا متاع الإنس من جاء إليك فقالت:
ما نظرتهما إلا في هذه الساعة ولعلهما تعلقا معك.
فقال العفريت هذا كلام محال لا ينطلي علي يا عاهرة، ثم أنه ،
صلبها بين أربعة أوتاد وجعل يعاقبها ويقررها بما كان فلم يهن علي أن
أسمع بكاءها فطلعت من السلم مذعوراً من الخوف فلما وصلت إلى أعلى
الموضع رددت الطابق كما كان وسترته بالتراب وندمت على ما فعلت غاية
الندم وتذكرت الصبية وحسنها وكيف يعاقبها هذا الملعون وهي معه منذ خمسة
وعشرون سنة وما عاقبها إلا بسببي وتذكرت أبي ومملكته وكيف صرت حطاباً،
فقلت هذا البيت:
إذا ما أتاك الدهر يوماً بنـكـبة فيوما ترى يسراً ويوم
ترى عسرا
ثم مشيت إلى أن أتيت رفيقي الخياط فلقيته في الانتظار فقال لي: بت
البارحة وقلبي عندك وخفت عليك من وحش أو غيره فالحمد لله على سلامتك
فشكرته على شفقته علي ودخلت خلوتي، وإذا بصديقي الخياط دخل علي وقال لي
في الدكان شخص أعجمي يطلبك ومعه فأسك ونعلك قد جاء بهما إلى الخياطين
وقال لهم أني خرجت وقت آذان المؤذن، لأجل صلاة الفجر فعثرت بهما ولم
أعلم لمن هما ، فدله الخياطون عليك وها هو قاعد في دكاني فاخرج إليه
واشكره وخذ فأسك ونعلك.
فلما سمعت هكذا الكلام اصفر لوني وتغير حالي فبينما أنا كذلك وإذا بأرض
محلي قد انشقت وطلع منها الأعجمي وإذا هو العفريت وقد كان عاقب الصبية
غاية العقاب فلم تقر له بشيء فأخذ الفأس والنعل وقال لها إن كنت من
ذرية إبليس فأنا أجيء بصاحب هذا الفأس والنعل ثم جاء بهذه الحيلة إلى
الخياطين ودخل علي ولم يمهلني بل اختطفني وطار وعلا بي ونزل بي وغاص في
الأرض وأنا لا أعلم بنفسي، ثم طلع بي القصر الذي كنت فيه فرأيت الصبية
والدم يسيل من جوانبها فقطرت عيناي بالدموع.
فأخذها العفريت وقال لها يا عاهرة هذا عشيقك فنظرت إلي وقالت له لا
أعرفه ولا رأيته إلا في هذه الساعة، فقال لها العفريت هذه العقوبة ولم
تقري، فقالت ما رأيته عمري وما يحل من الله أن أكذب عليه، فقال لها
العفريت إن كنت لا تعرفينه، فخذي هذا السيف واضربي عنقه فأخذت السيف
وجاءتني ووقفت على رأسي فأشرت لها بحاجبي ودمعي يجري على وجنتي فنهضت
وغمزتني وقالت أنت الذي فعلت هذا كله فأشرت لها أن هذا وقت العفو ولسان
حالي يقول:
يترجم طرفي عن لساني لتعلمـوا ويبدو لكم ما كان صدري
يكتم
ولما التقينا والـدمـوع سـواجـم خرست وطرفي
بالهوى يتكـلـم
فلما فهمت الصبية إشارتي رمت السيف من يدها يا سيدتي، فناولني العفريت
السيف وقال لي اضرب عنقها وأنا أطلقك ولا أنكد عليك، فقلت نعم، وأخذت
السيف وتقدمت بنشاط ورفعت يدي، فقالت لي بحاجبها أنا ما قصرت في حقك
فهطولت عيناي بالدموع ورميت السيف من يدي، وقلت أيها العفريت الشديد
والبطل الصنديد، إذا كانت امرأة ناقصة عقل ودين لم تستحل ضرب عنقي فكيف
يحل لي أن أضرب عنقها ولم أرها عمري، فلا أفعل ذلك أبداً ولو سقيت من
الموت كأس الردى.
فقال العفريت أنتما بينكما مودة وأخذ السيف وضرب يد الصبية فقطعها، ثم
ضرب الثانية فقطعها ثم قطع رجلها اليمنى ثم قطع رجلها اليسرى حتى قطع
أرباعها بأربع ضربات وأنا أنظر بعيني فأيقنت بالموت ثم أشارت إلي
بعينها فرآها العفريت فقال لها زنيت بعينك ثم ضربها فقطع رأسها، والتفت
إلي وقال يا إنسي نحن في شرعنا إذا زنت الزوجة يحل لنا قتلها، وهذه
الصبية اختطفتها ليلة عرسها، وهي بنت اثنتي عشرة سنة ولم تعرف أحداً
غيري وكنت أجيئها في كل عشرة أيام ليلة واحدة في زي رجل أعجمي. فلما
تحققت أنها خانتني فقتلتها وأما أنت فلم أتحقق أنك خنتني فيها، ففرحت
يا سيدتي وطمعت في العفريت وقلت له: ما أتمناه عليك، قال تمن علي أي
صورة اسحرك فيها إما صورة كلب وإما صورة حمار وإما صورة قرد فقلت له
وقد طمعت أن يعفو عني والله إن عفوت عني يعفو الله عنك، بعفوك عن رجل
مسلم لم يؤذيك وتضرعت إليه غاية التضرع، وبقيت بين يديه، وقلت له أنا
مظلوم.
فقال لي لا تطل علي الكلام أما القتل فلا تخف منه وأما العفو عنك فلا
تطمع فيه وأما سحرك فلا بد منه، ثم شق الأرض وطار بي إلى الجو حتى نظرت
إلى الدنيا حتى كأنها قصعة ماء، ثم حطني على جبل وأخذ قليلاً من التراب
وهمهم عليه وتكلم ورشني وقال اخرج من هذه الصورة إلى صورة قرد.
فمن ذلك الوقت صرت قرداً ابن مائة سنة فلما رأيت نفسي في هذه الصورة
القبيحة بكيت على روحي وصبرت على جور الزمان وانحدرت من أعلى الجبل إلى
أسفله وسافرت مدة شهر، ثم ذهبت إلى شاطئ البحر المالح، فوقفت ساعة وإذا
أنا بمركب في وسط البحر قاصدة البر، فاختفيت خلف صخرة على جانب البحر
وسرت إلى أن أتيت وسط المركب.
فقال واحد منهم أخرجوا هذا المشؤوم من المركب، وقال واحد منهم نقتله،
وقال آخر اقتله بهذا السيف فأمسكت طرف السيف وبكيت، وسالت دموعي فحن
علي الريس وقال لهم يا تجار إن هذا القرد استجار بي وقد أجرته وهو في
جواري فلا أحد يعرض له ولا يشوش عليه.
ورسينا على مدينة عظيمة، فيها عالم كثير لايحصى عددهم فساعة وصولنا
أوقفنا مركبنا فجاءتنا مماليك من طرف ملك المدينة فنزلوا المركب وهنأوا
التجار بالسلامة، وقالوا إن ملكنا يهنئكم بالسلامة وقد أرسل إليكم هذا
الدرج الورق وقال كل واحد يكتب فيه سطرا فقمت وأنا في صورة قرد وخطفت
الدرج من أيديهم، فخافوا أن أقطعه وأرميه في الماء فنهروني وأرادوا
قتلي فأشرت لهم أني أكتب فقال لهم الريس دعوه يكتب فإن لخبط الكتابة
طردناه وإن أحسنها اتخذته ولداً فإني ما رأيت قرداً أفهم منه ثم أخذت
القلم واستنديت الحبر وكتبت سطراً بقلم الرقاع ورقمت هذا الشعر:
لقد كتب الدهر فضل الكرام وفضلك للآن لايحـسـب
فلا أيتم الله منـك الـورى لأنك للفضل نـعـم الأب
وكتبت بقلم الثلث هذين البيتين:
وما من كاتب إلا سيفـنـى ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بخطك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه
وكتبت تحته بقلم المسبق هذين البيتين:
إذا فتحت دواة العز والـنـعـم فاجعل مدادك من جود ومن
كرم
واكتب بخير إذا ما كنت مقتـدراً بذاك شرفت فضلاً نسبه القلـم
ثم ناولتهم ذلك الدرج الورق فطلعوا به إلى الملك، فلما تأمل الملك ما
في ذلك الدرج فلم يعجبه خط أحد إلا خطي، فقال لأصحابه توجهوا إلى صاحب
هذا الخط وألبسوه هذه الحلة وأركبوه بغلة وهاتوه بالنوبة وأحضروه بين
يدي فلما سمعوا كلام الملك تبسموا فغضب منهم ثم قال كيف آمركم بأمر
فتضحكون عليه، فقالوا أيها الملك ما نضحك على كلامك، بل الذي كتب هذا
الخط قرد وليس هو آدميا وهو مع الريس. فتعجب الملك من كلامهم واهتز من
الطرب، وقال أريد أن أشتري هذا القرد، ثم بعث رسلا إلى المركب ومعهم
البغلة والحلة وقال لابد أن تلبسوه هذه الحلة وتركبوه البغلة وتأتوا
به، فساروا إلى المركب وأخذوني من الريس وألبسوني الحلة، فلما طلعوا بي
للملك ورأيته قبلت الأرض بين يديه ثلاث مرات فأمرني بالجلوس، فجلست على
ركبتي. فتعجب الحاضرون من أدبي وكان الملك أكثرهم تعجبا ثم أن الملك
أمر الخلق بالإنصراف ، ولم يبق إلا الملك والطواشي ومملوك صغير وأنا،
ثم أمر بطعام فقدموا سفرة طعام فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين فأشار
إلي الملك أن آكل فقمت وقبلت الأرض بين يديه سبع مرات وجلست آكل معه
وحينما ارتفعت السفرة أخذت الدواة والقلم والقرطاس وكتبت هذين البيتين:
أنا جر الضان ترياق من العلـل وأصحن الحلو فيها
منتهى أملي
يا لهف قلبي على مد السماط إذا ماجت كنافته بالسمن
والعسـل
ثم قمت وجلست بعيدا فنظر الملك إلى ما كتبته وقرأه فتعجب وقال هل يكون
عند قرد هذه الفصاحة وهذا الخط والله إن هذا من أعجب العجب ثم قدم
للملك شطرنج، فقال لي الملك أتلعب قلت برأسي نعم، فتقدمت وصففت الشطرنج
ولعبت معه مرتين فغلبته فحار عقل الملك وقال لو كان هذا آدميا لفاق أهل
زمانه، ثم قال لخادمه إذهب إلى سيدتك وقل لها: كلمي الملك حتى تجيء
فتتفرج على هذا القرد العجيب. فذهب الطواشي وعاد معه سيدته بنت الملك،
فلما نظرت إلي غطت وجهها، وقالت يا أبي كيف طاب خاطرك أن ترسل إلي
فيراني الرجال الأجانب فقال يابنتي ما عندك سوى المملوك الصغير
والطواشي الذي رباك وهذا القرد وأنا أبوك فممن تغطين وجهك. فقالت إن
هذا القرد إبن ملك وإسم أبيه إيمار، صاحب جزائر الأبنوس الداخلة وهو
مسحور وسحره العفريت جرجريس ، وقد قتل زوجته بنت ملك أقناموس وهذا الذي
تزعم أنه قردا إنما هو رجل عالم عاقل. فتعجب الملك من إبنته ونظر إلي
وقال: أحق ما تقول عنك فقلت برأسي نعم وبكيت فقال الملك لبنته من أين
عرفت أنه مسحور فقالت: يا أبت كان عندي وأنا صغيرة عجوز ماكرة ساحرة
علمتني السحر، وقد حفظته وأتقنته وعرفت مائة وسبعين بابا من أبوابه،
أقل باب منها أنقل به حجارة مدينتك خلف جبل قاف وأجعلها لجة بحر وأجعل
أهلها سمكا في وسطه. فقال أبوها: بحق إسم الله عليك أن تخلصي لنا هذا
الشاب، حتى أجعله وزيري وهل فيك هذه الفضيلة ولم أعلم فخلصيه حتى أجعله
وزيري لأنه شاب ظريف لبيب، فقالت له حبا وكرامة، ثم أخذت بيدها سكينا،
وعملت دائرة.
وقام الديك وصاح ...
فسكتت شهرزاد عن الكلام المباح ..
وإلى ليلة أخرى من ليالى ألف ليلة وليلة
ودى وورودى لكم ....
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
الليلة الخامسة عشر
*************
قالت شهرزاد
بلغني أيها الملك السعيد ذوالرأى الرشيد
أن الصعلوك قال للصبية :-
ثم أن بنت الملك
أخذت بيدها سكينا مكتوبا عليها أسماء عبرانية، وخطت بها دائرة في وسط
وكتبت فيها أسماء وطلاسم وعزمت بكلام وقرأت كلاما، لا يفهم، فبعد ساعة
أظلمت علينا جهات القصر، حتى ظننا أن الدنيا قد إنطبقت علينا وإذا
بالعفريت قد تدلى علينا في أقبح صفة ، ففزعنا منه. فقالت بنت الملك لا
أهلا بك ولا سهلا، فقال العفريت وهو في صورة أسد يا خائنة كيف خنت
اليمين أما تحالفنا على أن لا يعترض أحدنا للآخر فقالت له يا لعين ومن
أين لك يمين فقال العفريت خذي ما جاءك ثم انقلب أسدا وفتح فاه وهجم على
الصبية. فأسرعت وأخذت شعرة من شعرها بيدها، وهمهمت بشفتيها فصارت
الشعرة سيفا ماضيا وضربت ذلك الأسد فقطعته نصفين، فصارت رأسه عقربا،
وانقلبت الصبية حية عظيمة وهمهمت على هذا اللعين وهو في صفة عقرب،
فتقاتلا قتالا شديدا، ثم انقلب العقرب عقابا فانقلبت الحية نسرا وصارت
وراء العقاب واستمرا ساعة زمانية ثم انقلب العقاب قطا أسود، فانقلبت
الصبية ذئبا فتشاحنا في القصر ساعة زمانية وتقاتلا قتالا شديدا فرأى
القط نفسه مغلوبا فانقلب وصار رمانة حمراء كبيرة ووقعت تلك الرمانة في
بركة وانتثر الحب كل حبة وحدها وامتلأت أرض القصر حبا فانقلب ذلك الذئب
ديكا لأجل أن يلتقط ذلك الحب حتى لا يترك منه حبة فبالأمر المقدر، دارت
حبة في جانب الفسقية فصار الديك يصيح ويرفرف بأجنحته ويشير إلينا
بمنقاره ونحن لا نفهم ما يقول، ثم صرخ علينا صرخة تخيل لنا منها أن
القصر قد انقلب علينا ودار في أرض القصر كلها حتى رأى الحبة التي تدارت
في جانب الفسقية فانقض عليها ليلتقطها وإذا بالحبة سقطت في الماء
فانقلب الديك حمارا كبيرا ونزل خلفها وغاب ساعة وإذا بنا قد سمعنا
صراخا عاليا فارتجفنا. وبعد ذلك طلع العفريت وهو شعلة نار فألقى من فمه
نارا ومن عينيه ومنخريه نارا ودخانا وانقلبت الصبية لجة نار فاردنا أن
نغطس في ذلك الماء خوفا على أنفسنا من الحريق والهلاك فما شعرنا إلا
العفريت قد صرخ من تحت النيران وصار عندنا في الليوان ونفخ في وجوهنا
بالنار فلحقته الصبية ونفخت في وجهه بالنار أيضا فأصابنا الشر منها
ومنه، فأما شررها فلم يؤذينا وأما شرره فلحقني منه شرارة في عيني
فأتلفها وأنا في صورة القرد ولحق الملك شرارة منه في وجهه فأحرقت نصفه
التحتاني بذقنه وحنكه ووقعت أسنانه التحتانية ووقعت شرارة في صدر
الطواشي فاحترق ومات من وقته وساعته فأيقنا بالهلاك وقطعنا رجاءنا من
الحياة. فبينما نحن كذلك وإذا بقائل يقول: الله أكبر الله أكبر وإذا
بالقائل بنت الملك قد أحضرت العفريت فنظرنا إليه فرأيناه قد صار كوم
رماد، ثم جاءت الصبية وقالت إلحقوني بطاسة فجاؤوا بها اليها فتكلمت
عليها بكلام لا نفهمه ثم رشتني بالماء وقالت أخلص بحق الحق وبحق إسم
الله الأعظم إلى صورتك الأولى فصرت بشرا كما كنت أولا ولكن تلفت عيني.
فقالت الصبية النار يا والدي ثم أنها لم تزل تستغيث من النار وإذا بشرر
أسود قد طلع إلى صدرها وطلع إلى وجهها فلما وصل إلى وجهها بكت وقالت
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. ثم نظرنا إليها
فرأيناها كوم رماد بجانب كوم العفريت فحزنا عليها وتمنيت لو كنت مكانها
ولا أرى ذلك الوجه المليح الذي عمل في هذا المعروف يصير رمادا ولكن حكم
الله لا يرد. فلما رأى الملك أبنته صارت كوم رماد نتف لحيته ولطم على
وجهه وشق ثيابه وفعلت كما فعل وبكينا عليها ثم جاء الحجاب وأرباب
الدولة فوجدوا السلطان في حالة العدم وعنده كوم رماد فتعجبوا وداروا
حول الملك ساعة فلما أفاق أخبرهم بما جرى لإبنته مع العفريت فعظمت
مصيبتهم وصرخ النساء والجواري وعملوا العزاء سبعة أيام. ثم إن الملك
أمر أن يبني على رماد ابنته قبة عظيمة وأوقد فيها الشموع والقناديل
وأما رماد العفريت فإنهم أذروه في الهواء إلى لعنة الله ثم مرض السلطان
واستمر مرضه شهرا وعادت إليه العافية فطلبني وقال لي يا فتى قد قضينا
زماننا في أهنأ عيش آمنين من نوائب الزمان حتى جئتنا فأقبلت علينا
الأكدار فليتنا ما رأيناك ولا رأينا طلعتك القبيحة التي بسببها صرنا في
حالة العدم. فأولا عدمت ابنتي التي كانت تساوي مائة رجل وثانيا جرى لي
من الحريق ما جرى وعدم أضراسي ومات خادمي ولكن ما بيدك حيلة بل جرى
قضاء الله علينا وعليك والحمد لله حيث خلصتك إبنتي وأهلكت نفسها، فاخرج
يا ولدي وكفى ما جرى بسببك وكل ذلك مقدر علينا وعليك،. فخرجت يا سيدتي
من عنده وما صدقت بالنجاة ولا أدري أين أتوجه، وخطر على قلبي ما جرى لي
وكيف خلوني في الطريق سالما منهم ومشيت شهرا وقلت بعيني ولا بروحي
ودخلت الحمام قبل أن أخرج من المدينة وحلقت ذقني وجئت يا سيدتي وفي كل
يوم أبكي وأتفكر المصائب التي كانت عاقبتها تلف عيني
، وكلما أتذكر ما
جرى لي أبكي وأنشد هذه الأبيات:
( تحيرت والرحمن لا شك في امري وحلت بي الاحزان من حيث لا ادري
ساصبرحتى يعلم الناس انني صبرت على شيء امر من الصبر
وما احسن الصبر الجميل مع التقى وما قدر المولى على خلقه يجري
سرائر سرى ترجمان سريرتي اذ كان سر السر سرك في سري
ولو ان ما بي
بالجبال لهدمت وبالنار اطفأها وبالريح لم يسر
ومن قال ان الدهر فيه حلاوة فلا بد من يوم امر من المر ).
ثم سافرت الأقطار وقصدت دار السلام بغداد لعلي أتوصل إلى أمير المؤمنين
وأخبره بما جرى لي، فوصلت إلى بغداد هذه الليلة فوجدت أخي هذا الأول
واقفا متحيرا فقلت السلام عليكم وتحدثت معه وإذا بأخينا الثالث قد أقبل
علينا وقال السلام عليكم أنا رجل غريب فقلنا ونحن غريبان وقد وصلنا هذه
الليلة المباركة. فمشينا نحن الثلاثة وما فينا أحد يعرف حكاية أحد
فساقتنا المقادير إلى هذا الباب ودخلنا عليكم وهذا سبب حلق ذقني وتلف
عيني فقالت له إن كانت حكايتك غريبة فامسح على رأسك واخرج في حال
سبيلك، فقال لا أخرج حتى أسمع حديث رفيقي. فتقدم الصعلوك الثالث وقال
أيتها السيدة قصتي مثل قصتهما بل قصتي أعجب وذلك أن هذين جاءهما القضاء
والقدر وأما أنا فسبب حلق ذقني وتلف عيني أنني جلبت القضاء لنفسي والهم
لقلبي وذلك أني كنت ملكا إبن ملك، ومات والدي وأخذت الملك من بعده
وحكمت وعدلت وأحسنت للرعية وكان لي محبة في السفر في البحر وكانت
مدينتي على البحر والبحر متسع وحولنا جزائر معدة للقتال. فأردت أن
أتفرج على الجزائر فنزلت في عشرة مراكب وأخذت معي مؤونة شهر وسافرت
عشرين يوما. ففي ليلة من الليالي هبت علينا رياح مختلفة إلى أن لاح
الفجر فهدأ الريح وسكن البحر حتى أشرقت الشمس، ثم أننا أشرفنا على
جزيرة وطلعنا إلى البر وطبخنا شيئا نأكله فأكلنا ثم أقمنا يومين
وسافرنا عشرين يوما فاختلفت علينا المياه وعلى الريس استغرب الريس
واستغرب البحر فقلنا للناظور: انظر البحر بتأمل، فطلع على الصاري ثم
نزل الناطور وقال للريس: رأيت عن يميني سمكا على وجه الماء ونظرت إلى
وسط البحر فرأيت سوادا من بعيد يلوح تارة أسود وتارة أبيض. فلما سمع
الريس كلام الناظور ضرب الأرض بعمامته ونتف لحيته وقال للناس ابشروا
بهلاكنا جميعا ولا يسلم منا أحد، وشرع يبكي وكذلك نحن الجميع نبكي على
أنفسنا فقلت أيها الريس أخبرنا بما رأى الناظور فقال يا سيدي أعلم أننا
تهنا يوم جاءت علينا الرياح المختلفة ولم يهدأ الريح إلا بكرة النهار
ثم أقمنا يومين فتهنا في البحر ولم نزل تائهين أحد عشر يوما من تلك
الليلة وليس لنا ريح يرجعنا إلى ما نحن قاصدون آخر النهار وفي غد نصل
إلى جبل من حجر أسود يسمى حجر المغناطيس ويجرنا المياه غصبا إلى جهته.
فيتمزق المركب ويروح كل مسمار في المركب إلى الجبل ويلتصق به لان الله
وضع حجر المغناطيس سرا ثم إن الريس يا سيدتي بكى بكاء شديد فتحققنا
أننا هالكون لا محالة وكل منا ودع صاحبه. فلما جاء الصباح قربنا من تلك
الجبل وساقتنا المياه إليه غصبا، فلما صارت المراكب تحته انفتحت وفرت
المسامير منها وكل حديد فيها نحو حجر المغناطيس ونحن دائرون حوله وفي
آخر النهار تمزقت المراكب فمنا من غرق ومنا من سلم ولكن أكثرنا غرق
والذين سلموا لم يعلموا ببعضهم لأن تلك الأمواج واختلاف الرياح
أدهشتهم. وأما أنا يا سيدتي فنجاني الله تعالى لما أراده من مشقتي
وعذابي وبلوتي، فطلعت على لوح من الألواح فألقاه الريح والامواج إلى
جبل فأصبت طريقا متطرفا إلى أعلاه على هيئة السلالم منقورة في الجبل .
الديك صاح
والنهار قد لاح
فسكتت شهرزاد عن الكلام المباح
وإلى موعدنا القادم فى ليلةٍ أخرى من ليالى ألف ليلة وليلة
ودى وورودى للجميع
*************
قالت شهرزاد
بلغني أيها الملك السعيد ذوالرأى الرشيد
أن الصعلوك قال للصبية :-
ثم أن بنت الملك
أخذت بيدها سكينا مكتوبا عليها أسماء عبرانية، وخطت بها دائرة في وسط
وكتبت فيها أسماء وطلاسم وعزمت بكلام وقرأت كلاما، لا يفهم، فبعد ساعة
أظلمت علينا جهات القصر، حتى ظننا أن الدنيا قد إنطبقت علينا وإذا
بالعفريت قد تدلى علينا في أقبح صفة ، ففزعنا منه. فقالت بنت الملك لا
أهلا بك ولا سهلا، فقال العفريت وهو في صورة أسد يا خائنة كيف خنت
اليمين أما تحالفنا على أن لا يعترض أحدنا للآخر فقالت له يا لعين ومن
أين لك يمين فقال العفريت خذي ما جاءك ثم انقلب أسدا وفتح فاه وهجم على
الصبية. فأسرعت وأخذت شعرة من شعرها بيدها، وهمهمت بشفتيها فصارت
الشعرة سيفا ماضيا وضربت ذلك الأسد فقطعته نصفين، فصارت رأسه عقربا،
وانقلبت الصبية حية عظيمة وهمهمت على هذا اللعين وهو في صفة عقرب،
فتقاتلا قتالا شديدا، ثم انقلب العقرب عقابا فانقلبت الحية نسرا وصارت
وراء العقاب واستمرا ساعة زمانية ثم انقلب العقاب قطا أسود، فانقلبت
الصبية ذئبا فتشاحنا في القصر ساعة زمانية وتقاتلا قتالا شديدا فرأى
القط نفسه مغلوبا فانقلب وصار رمانة حمراء كبيرة ووقعت تلك الرمانة في
بركة وانتثر الحب كل حبة وحدها وامتلأت أرض القصر حبا فانقلب ذلك الذئب
ديكا لأجل أن يلتقط ذلك الحب حتى لا يترك منه حبة فبالأمر المقدر، دارت
حبة في جانب الفسقية فصار الديك يصيح ويرفرف بأجنحته ويشير إلينا
بمنقاره ونحن لا نفهم ما يقول، ثم صرخ علينا صرخة تخيل لنا منها أن
القصر قد انقلب علينا ودار في أرض القصر كلها حتى رأى الحبة التي تدارت
في جانب الفسقية فانقض عليها ليلتقطها وإذا بالحبة سقطت في الماء
فانقلب الديك حمارا كبيرا ونزل خلفها وغاب ساعة وإذا بنا قد سمعنا
صراخا عاليا فارتجفنا. وبعد ذلك طلع العفريت وهو شعلة نار فألقى من فمه
نارا ومن عينيه ومنخريه نارا ودخانا وانقلبت الصبية لجة نار فاردنا أن
نغطس في ذلك الماء خوفا على أنفسنا من الحريق والهلاك فما شعرنا إلا
العفريت قد صرخ من تحت النيران وصار عندنا في الليوان ونفخ في وجوهنا
بالنار فلحقته الصبية ونفخت في وجهه بالنار أيضا فأصابنا الشر منها
ومنه، فأما شررها فلم يؤذينا وأما شرره فلحقني منه شرارة في عيني
فأتلفها وأنا في صورة القرد ولحق الملك شرارة منه في وجهه فأحرقت نصفه
التحتاني بذقنه وحنكه ووقعت أسنانه التحتانية ووقعت شرارة في صدر
الطواشي فاحترق ومات من وقته وساعته فأيقنا بالهلاك وقطعنا رجاءنا من
الحياة. فبينما نحن كذلك وإذا بقائل يقول: الله أكبر الله أكبر وإذا
بالقائل بنت الملك قد أحضرت العفريت فنظرنا إليه فرأيناه قد صار كوم
رماد، ثم جاءت الصبية وقالت إلحقوني بطاسة فجاؤوا بها اليها فتكلمت
عليها بكلام لا نفهمه ثم رشتني بالماء وقالت أخلص بحق الحق وبحق إسم
الله الأعظم إلى صورتك الأولى فصرت بشرا كما كنت أولا ولكن تلفت عيني.
فقالت الصبية النار يا والدي ثم أنها لم تزل تستغيث من النار وإذا بشرر
أسود قد طلع إلى صدرها وطلع إلى وجهها فلما وصل إلى وجهها بكت وقالت
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. ثم نظرنا إليها
فرأيناها كوم رماد بجانب كوم العفريت فحزنا عليها وتمنيت لو كنت مكانها
ولا أرى ذلك الوجه المليح الذي عمل في هذا المعروف يصير رمادا ولكن حكم
الله لا يرد. فلما رأى الملك أبنته صارت كوم رماد نتف لحيته ولطم على
وجهه وشق ثيابه وفعلت كما فعل وبكينا عليها ثم جاء الحجاب وأرباب
الدولة فوجدوا السلطان في حالة العدم وعنده كوم رماد فتعجبوا وداروا
حول الملك ساعة فلما أفاق أخبرهم بما جرى لإبنته مع العفريت فعظمت
مصيبتهم وصرخ النساء والجواري وعملوا العزاء سبعة أيام. ثم إن الملك
أمر أن يبني على رماد ابنته قبة عظيمة وأوقد فيها الشموع والقناديل
وأما رماد العفريت فإنهم أذروه في الهواء إلى لعنة الله ثم مرض السلطان
واستمر مرضه شهرا وعادت إليه العافية فطلبني وقال لي يا فتى قد قضينا
زماننا في أهنأ عيش آمنين من نوائب الزمان حتى جئتنا فأقبلت علينا
الأكدار فليتنا ما رأيناك ولا رأينا طلعتك القبيحة التي بسببها صرنا في
حالة العدم. فأولا عدمت ابنتي التي كانت تساوي مائة رجل وثانيا جرى لي
من الحريق ما جرى وعدم أضراسي ومات خادمي ولكن ما بيدك حيلة بل جرى
قضاء الله علينا وعليك والحمد لله حيث خلصتك إبنتي وأهلكت نفسها، فاخرج
يا ولدي وكفى ما جرى بسببك وكل ذلك مقدر علينا وعليك،. فخرجت يا سيدتي
من عنده وما صدقت بالنجاة ولا أدري أين أتوجه، وخطر على قلبي ما جرى لي
وكيف خلوني في الطريق سالما منهم ومشيت شهرا وقلت بعيني ولا بروحي
ودخلت الحمام قبل أن أخرج من المدينة وحلقت ذقني وجئت يا سيدتي وفي كل
يوم أبكي وأتفكر المصائب التي كانت عاقبتها تلف عيني
، وكلما أتذكر ما
جرى لي أبكي وأنشد هذه الأبيات:
( تحيرت والرحمن لا شك في امري وحلت بي الاحزان من حيث لا ادري
ساصبرحتى يعلم الناس انني صبرت على شيء امر من الصبر
وما احسن الصبر الجميل مع التقى وما قدر المولى على خلقه يجري
سرائر سرى ترجمان سريرتي اذ كان سر السر سرك في سري
ولو ان ما بي
بالجبال لهدمت وبالنار اطفأها وبالريح لم يسر
ومن قال ان الدهر فيه حلاوة فلا بد من يوم امر من المر ).
ثم سافرت الأقطار وقصدت دار السلام بغداد لعلي أتوصل إلى أمير المؤمنين
وأخبره بما جرى لي، فوصلت إلى بغداد هذه الليلة فوجدت أخي هذا الأول
واقفا متحيرا فقلت السلام عليكم وتحدثت معه وإذا بأخينا الثالث قد أقبل
علينا وقال السلام عليكم أنا رجل غريب فقلنا ونحن غريبان وقد وصلنا هذه
الليلة المباركة. فمشينا نحن الثلاثة وما فينا أحد يعرف حكاية أحد
فساقتنا المقادير إلى هذا الباب ودخلنا عليكم وهذا سبب حلق ذقني وتلف
عيني فقالت له إن كانت حكايتك غريبة فامسح على رأسك واخرج في حال
سبيلك، فقال لا أخرج حتى أسمع حديث رفيقي. فتقدم الصعلوك الثالث وقال
أيتها السيدة قصتي مثل قصتهما بل قصتي أعجب وذلك أن هذين جاءهما القضاء
والقدر وأما أنا فسبب حلق ذقني وتلف عيني أنني جلبت القضاء لنفسي والهم
لقلبي وذلك أني كنت ملكا إبن ملك، ومات والدي وأخذت الملك من بعده
وحكمت وعدلت وأحسنت للرعية وكان لي محبة في السفر في البحر وكانت
مدينتي على البحر والبحر متسع وحولنا جزائر معدة للقتال. فأردت أن
أتفرج على الجزائر فنزلت في عشرة مراكب وأخذت معي مؤونة شهر وسافرت
عشرين يوما. ففي ليلة من الليالي هبت علينا رياح مختلفة إلى أن لاح
الفجر فهدأ الريح وسكن البحر حتى أشرقت الشمس، ثم أننا أشرفنا على
جزيرة وطلعنا إلى البر وطبخنا شيئا نأكله فأكلنا ثم أقمنا يومين
وسافرنا عشرين يوما فاختلفت علينا المياه وعلى الريس استغرب الريس
واستغرب البحر فقلنا للناظور: انظر البحر بتأمل، فطلع على الصاري ثم
نزل الناطور وقال للريس: رأيت عن يميني سمكا على وجه الماء ونظرت إلى
وسط البحر فرأيت سوادا من بعيد يلوح تارة أسود وتارة أبيض. فلما سمع
الريس كلام الناظور ضرب الأرض بعمامته ونتف لحيته وقال للناس ابشروا
بهلاكنا جميعا ولا يسلم منا أحد، وشرع يبكي وكذلك نحن الجميع نبكي على
أنفسنا فقلت أيها الريس أخبرنا بما رأى الناظور فقال يا سيدي أعلم أننا
تهنا يوم جاءت علينا الرياح المختلفة ولم يهدأ الريح إلا بكرة النهار
ثم أقمنا يومين فتهنا في البحر ولم نزل تائهين أحد عشر يوما من تلك
الليلة وليس لنا ريح يرجعنا إلى ما نحن قاصدون آخر النهار وفي غد نصل
إلى جبل من حجر أسود يسمى حجر المغناطيس ويجرنا المياه غصبا إلى جهته.
فيتمزق المركب ويروح كل مسمار في المركب إلى الجبل ويلتصق به لان الله
وضع حجر المغناطيس سرا ثم إن الريس يا سيدتي بكى بكاء شديد فتحققنا
أننا هالكون لا محالة وكل منا ودع صاحبه. فلما جاء الصباح قربنا من تلك
الجبل وساقتنا المياه إليه غصبا، فلما صارت المراكب تحته انفتحت وفرت
المسامير منها وكل حديد فيها نحو حجر المغناطيس ونحن دائرون حوله وفي
آخر النهار تمزقت المراكب فمنا من غرق ومنا من سلم ولكن أكثرنا غرق
والذين سلموا لم يعلموا ببعضهم لأن تلك الأمواج واختلاف الرياح
أدهشتهم. وأما أنا يا سيدتي فنجاني الله تعالى لما أراده من مشقتي
وعذابي وبلوتي، فطلعت على لوح من الألواح فألقاه الريح والامواج إلى
جبل فأصبت طريقا متطرفا إلى أعلاه على هيئة السلالم منقورة في الجبل .
الديك صاح
والنهار قد لاح
فسكتت شهرزاد عن الكلام المباح
وإلى موعدنا القادم فى ليلةٍ أخرى من ليالى ألف ليلة وليلة
ودى وورودى للجميع
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
الليلة السادسة عشر
***********
قالت شهرزاد
بلغنى أيها الملك السعيد
ذو الرأى الرشيد
أن الصعلوك الثالث قال للصبية أني سميت
الله ودعوته وابتهلت إليه وحاولت الطلوع على الجبل وصرت أتمسك بالنقر
التي فيه حتى أسكن الله الريح في تلك الساعة وأعانني على الطلوع فطلعت
سالما على الجبل وفرحت بسلامتي غاية الفرح ولم يكن لي دأب إلا القبة
فدخلت وصليت ركعتين شكرا لله على سلامتي ثم إني نمت تحت القبة. فسمعت
قائلا يقول يا ابن خصيب إذا انتهيت من منامك، فاحفر تحت رجليك قوسا من
نحاس وثلاث نشابات من رصاص منقوشا عليها طلاسم فخذ القوس والنشابات
وارم للفارس الذي على القبة وارح الناس من هذا البلاء العظيم فإذا رميت
الفارس يقع في البحر ويقع القوس من يدك فخذ القوس، وادفنه في موضعه.
فإذا فعلت ذلك يطفو البحر ويعلو حتى يساوي الجبل، ويطلع عليه زورق فيه
شخص غير الذي رميته فيجيء اليك وفي يده مجذاف، فاركب معه ولا تسم الله
تعالى فإنه يحملك ويسافر بك مدة عشرة أيام إلى أن يوصلك إلى بلدك وهذا
يتم لك إن لم تسم الله. ثم استيقظت من نومي، وقمت بنشاط وقصدت
الماء، كما قال الهاتف وضربت الفارس فرميته فوقع في البحر ووقع القوس
من يدي فأخذت القوس ودفنته فهاج البحر وعلا حتى ساوى الجبل الذي أنا
عليه فلم ألبث غير ساعة حتى رأيت زورقا في وسط البحر يقصدني فحمدت الله تعالى
فلما وصل إلي الزورق وجدت فيه شخصا من النحاس صدره لوح من
الرصاص، منقوش بأسماء وطلاسم. فنزلت في الزورق وأنا ساكت لا أتكلم
فحملني الشخص أول يوم والثاني والثالث إلى تمام عشرة أيام حتى ذكرت
الله وسميت وهللت وكبرت فلما فعلت ذلك قذفني من الزورق في البحر ثم رجع
في البحر وكنت أعرف العوم فعمت ذلك اليوم إلى الليل حتى كلت سواعدي
وتعبت أكتافي وصرت في الهلكات ثم تشهدت وأيقنت بالموت وهاج البحر من
كثرة الرياح فجاءت موجة كالقلعة العظيمة، فحملتني وقذفتني قذفة صرت بها
فوق البر، لما يريد الله فطلعت البر وعصرت ثيابي ونشفتها على الأرض
وبت. فلما أصبحت لبست ثيابي وقمت أنظر أين أمشي فوجدت غوطة فجئتها ودرت
حولها فوجدت الموضع الذي فيه جزيرة صغيرة، والبحر محيط بها، فقلت في
نفسي كلما أخلص من بلية أقع في أعظم منها فبينما أنا كذلك إذ نظرت
مركبا فيها ناس.
فقمت وطلعت على شجرة وإذا بالمركب التصقت بالبر وطلع
منها عشرة عبيد معهم مساحي فمشوا حتى وصلوا إلى وسط الجزيرة وحفروا في
الأرض وكشفوا عن طابق فرفعوا الطابق وفتحوا بابه، ثم عادوا إلى المركب
ونقلوا منها خبزا ودقيقا وسمناً وعسلاً وأغناماً وجميع ما يحتاج إليه
الساكن وصار العبيد مترددين بين المركب وباب الطابق وهم يحولون من
المركب وينزلون في الطابق إلى أن نقلوا جميع ما في المركب. ثم بعد ذلك
طلع العبيد ومعهم ثياب أحسن ما يكون وفي وسطهم، شيخ كبير هرم قد عمر
زمنا طويلا وأضعفه الدهر، حتى صار فانيا ويد ذلك الشيخ في يد صبي قد
أفرغ في قالب الجمال فلم يزالوا يا سيدتي سائرين حتى أتوا إلى الطابق
ونزلوا فيه، وغابوا عن عيني. فلما توجهوا قمت ونزلت من فوق الشجرة
ومشيت إلى موضع الردم، ونبشت التراب ونقلته وصبرت نفسي حتى أزلت جميع
التراب فانكشف الطابق فإذا هو خشب مقدار حجر الطاحون فرفعته فبان من
تحته سلم معقود من حجر فتعجبت من ذلك ونزلت السلم حتى إنتهيت إلى آخره
فوجدت شيئا نظيفا ووجدت بستانا وثانيا إلى تمام تسعة وثلاثين وكل بستان
أرى فيه ما يكل عنه الواصفون من أشجار وأنهار وأثمار وذخائر. ورأيت
بابا فقلت في نفسي ما الذي في هذا المكان، فلابد أن أفتحه وأنظر ما فيه
ثم فتحته فوجدت فيه فرسا مسرجا ملجما مربوطا ففككته وركبته فطار بي إلى
حطني على سطح وأنزلني وضربني بذيله فأتلف عيني وفر مني فنزلت من فوق
السطح فوجدت عشرة شبان عور فلما رأوني قالوا لا مرحبا بك، فقلت لهم:
أتقبلوني أجلس عندكم. فقالوا والله لا تجلس عندنا فخرجت من عندهم حزين
القلب باكي العين، وكتب الله لي السلامة حتى وصلت إلى بغداد فحاقت ذقني
وصرت صعلوكا فوجدت هذين الإثنين الاعورين فسلمت عليهما وقلت لهما أنا
غريب، فقالا ونحن غريبان فهذا سبب تلف عيني، وحلق ذقني،
فقالت له أمسح
على رأسك وروح، فقال: لا أروح حتى أسمع قصة هؤلاء. ثم أن الصبية التفتت
إلى الخليفة وجعفر ومسرور وقالت لهم أخبروني بخبركم، فتقدم جعفر وحكى
لها الحكاية فلما سمعت كلامه قالت وهبت بعضكم لبعض فخرجوا إلى أن صاروا
في الزقاق فقال الخليفة للصعاليك يا جماعة إلى أين تذهبون فقالوا ما
ندري أين نذهب فقال لهم الخليفة سيروا وبيتوا عندنا وقال لجعفر خذهم
واحضرهم لي غدا، حتى ننظر ما يكون، فامتثل جعفر ما أمره به الخليفة.
ثم أن الخليفة طلع إلى قصره ولم يجئه نوم في تلك الليلة فلما اصبح جلس على
كرسي المملكة ودخلت عليه أرباب الدولة، فالتفت إلى جعفر بعد أن طلعت
أرباب الدولة وقال ائتني بالثلاث صبايا والكلبتين والصعاليك، فنهض جعفر
وأحضرهم بين يديه فأدخل الصبايا تحت الأستار. والتفت لهن جعفر وقال لهن
قد عفونا عنكن لما أسلفتن من الإحسان إلينا ولم تعرفنا فها أنا أعرفكن
وأنتن بين يدي الخامس من بني العباس هارون الرشيد، فلا تخبرنه إلا حقا
فلما سمع الصبايا كلام جعفر، عن لسان أمير المؤمنين تقدمت الكبيرة
وقالت
يا أمير المؤمنين إن لي حديثا لو كتب بالإبر على آماق البصر لكان
عبرة لمن اعتبر .
و....
قام الديك وصاح
فسكتت شهرزاد عن الكلام المباح
وإلى ليلةٍ تالية من ليالى ألف ليلة وليلة
***********
قالت شهرزاد
بلغنى أيها الملك السعيد
ذو الرأى الرشيد
أن الصعلوك الثالث قال للصبية أني سميت
الله ودعوته وابتهلت إليه وحاولت الطلوع على الجبل وصرت أتمسك بالنقر
التي فيه حتى أسكن الله الريح في تلك الساعة وأعانني على الطلوع فطلعت
سالما على الجبل وفرحت بسلامتي غاية الفرح ولم يكن لي دأب إلا القبة
فدخلت وصليت ركعتين شكرا لله على سلامتي ثم إني نمت تحت القبة. فسمعت
قائلا يقول يا ابن خصيب إذا انتهيت من منامك، فاحفر تحت رجليك قوسا من
نحاس وثلاث نشابات من رصاص منقوشا عليها طلاسم فخذ القوس والنشابات
وارم للفارس الذي على القبة وارح الناس من هذا البلاء العظيم فإذا رميت
الفارس يقع في البحر ويقع القوس من يدك فخذ القوس، وادفنه في موضعه.
فإذا فعلت ذلك يطفو البحر ويعلو حتى يساوي الجبل، ويطلع عليه زورق فيه
شخص غير الذي رميته فيجيء اليك وفي يده مجذاف، فاركب معه ولا تسم الله
تعالى فإنه يحملك ويسافر بك مدة عشرة أيام إلى أن يوصلك إلى بلدك وهذا
يتم لك إن لم تسم الله. ثم استيقظت من نومي، وقمت بنشاط وقصدت
الماء، كما قال الهاتف وضربت الفارس فرميته فوقع في البحر ووقع القوس
من يدي فأخذت القوس ودفنته فهاج البحر وعلا حتى ساوى الجبل الذي أنا
عليه فلم ألبث غير ساعة حتى رأيت زورقا في وسط البحر يقصدني فحمدت الله تعالى
فلما وصل إلي الزورق وجدت فيه شخصا من النحاس صدره لوح من
الرصاص، منقوش بأسماء وطلاسم. فنزلت في الزورق وأنا ساكت لا أتكلم
فحملني الشخص أول يوم والثاني والثالث إلى تمام عشرة أيام حتى ذكرت
الله وسميت وهللت وكبرت فلما فعلت ذلك قذفني من الزورق في البحر ثم رجع
في البحر وكنت أعرف العوم فعمت ذلك اليوم إلى الليل حتى كلت سواعدي
وتعبت أكتافي وصرت في الهلكات ثم تشهدت وأيقنت بالموت وهاج البحر من
كثرة الرياح فجاءت موجة كالقلعة العظيمة، فحملتني وقذفتني قذفة صرت بها
فوق البر، لما يريد الله فطلعت البر وعصرت ثيابي ونشفتها على الأرض
وبت. فلما أصبحت لبست ثيابي وقمت أنظر أين أمشي فوجدت غوطة فجئتها ودرت
حولها فوجدت الموضع الذي فيه جزيرة صغيرة، والبحر محيط بها، فقلت في
نفسي كلما أخلص من بلية أقع في أعظم منها فبينما أنا كذلك إذ نظرت
مركبا فيها ناس.
فقمت وطلعت على شجرة وإذا بالمركب التصقت بالبر وطلع
منها عشرة عبيد معهم مساحي فمشوا حتى وصلوا إلى وسط الجزيرة وحفروا في
الأرض وكشفوا عن طابق فرفعوا الطابق وفتحوا بابه، ثم عادوا إلى المركب
ونقلوا منها خبزا ودقيقا وسمناً وعسلاً وأغناماً وجميع ما يحتاج إليه
الساكن وصار العبيد مترددين بين المركب وباب الطابق وهم يحولون من
المركب وينزلون في الطابق إلى أن نقلوا جميع ما في المركب. ثم بعد ذلك
طلع العبيد ومعهم ثياب أحسن ما يكون وفي وسطهم، شيخ كبير هرم قد عمر
زمنا طويلا وأضعفه الدهر، حتى صار فانيا ويد ذلك الشيخ في يد صبي قد
أفرغ في قالب الجمال فلم يزالوا يا سيدتي سائرين حتى أتوا إلى الطابق
ونزلوا فيه، وغابوا عن عيني. فلما توجهوا قمت ونزلت من فوق الشجرة
ومشيت إلى موضع الردم، ونبشت التراب ونقلته وصبرت نفسي حتى أزلت جميع
التراب فانكشف الطابق فإذا هو خشب مقدار حجر الطاحون فرفعته فبان من
تحته سلم معقود من حجر فتعجبت من ذلك ونزلت السلم حتى إنتهيت إلى آخره
فوجدت شيئا نظيفا ووجدت بستانا وثانيا إلى تمام تسعة وثلاثين وكل بستان
أرى فيه ما يكل عنه الواصفون من أشجار وأنهار وأثمار وذخائر. ورأيت
بابا فقلت في نفسي ما الذي في هذا المكان، فلابد أن أفتحه وأنظر ما فيه
ثم فتحته فوجدت فيه فرسا مسرجا ملجما مربوطا ففككته وركبته فطار بي إلى
حطني على سطح وأنزلني وضربني بذيله فأتلف عيني وفر مني فنزلت من فوق
السطح فوجدت عشرة شبان عور فلما رأوني قالوا لا مرحبا بك، فقلت لهم:
أتقبلوني أجلس عندكم. فقالوا والله لا تجلس عندنا فخرجت من عندهم حزين
القلب باكي العين، وكتب الله لي السلامة حتى وصلت إلى بغداد فحاقت ذقني
وصرت صعلوكا فوجدت هذين الإثنين الاعورين فسلمت عليهما وقلت لهما أنا
غريب، فقالا ونحن غريبان فهذا سبب تلف عيني، وحلق ذقني،
فقالت له أمسح
على رأسك وروح، فقال: لا أروح حتى أسمع قصة هؤلاء. ثم أن الصبية التفتت
إلى الخليفة وجعفر ومسرور وقالت لهم أخبروني بخبركم، فتقدم جعفر وحكى
لها الحكاية فلما سمعت كلامه قالت وهبت بعضكم لبعض فخرجوا إلى أن صاروا
في الزقاق فقال الخليفة للصعاليك يا جماعة إلى أين تذهبون فقالوا ما
ندري أين نذهب فقال لهم الخليفة سيروا وبيتوا عندنا وقال لجعفر خذهم
واحضرهم لي غدا، حتى ننظر ما يكون، فامتثل جعفر ما أمره به الخليفة.
ثم أن الخليفة طلع إلى قصره ولم يجئه نوم في تلك الليلة فلما اصبح جلس على
كرسي المملكة ودخلت عليه أرباب الدولة، فالتفت إلى جعفر بعد أن طلعت
أرباب الدولة وقال ائتني بالثلاث صبايا والكلبتين والصعاليك، فنهض جعفر
وأحضرهم بين يديه فأدخل الصبايا تحت الأستار. والتفت لهن جعفر وقال لهن
قد عفونا عنكن لما أسلفتن من الإحسان إلينا ولم تعرفنا فها أنا أعرفكن
وأنتن بين يدي الخامس من بني العباس هارون الرشيد، فلا تخبرنه إلا حقا
فلما سمع الصبايا كلام جعفر، عن لسان أمير المؤمنين تقدمت الكبيرة
وقالت
يا أمير المؤمنين إن لي حديثا لو كتب بالإبر على آماق البصر لكان
عبرة لمن اعتبر .
و....
قام الديك وصاح
فسكتت شهرزاد عن الكلام المباح
وإلى ليلةٍ تالية من ليالى ألف ليلة وليلة
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
الليلة السابعة عشر
******
قالت شهرزاد للملك شهريار
بلغنى ايها الملك السعيد
ذو الرأى الرشيد
أن كبيرة الصبايا، لما تقدمت بين يدي
أمير المؤمنين وقالت إن لي حديثا عجيبا وهو أن هاتين الصبيتين أختاي من
أبي من غير أمي فمات والدنا وخلف خمسة آلاف دينار وكنت أنا اصغرهن سنا
فتجهزت أختاي وتزوجت كل واحدة برجل ومكثنا مدة ثم إن كل واحد من
أزواجهما هيأ متجرا واخذ من زوجته ألف دينار وسافروا مع بعضهم، وتركوني
فغابوا أربع سنين وضيع زوجاهما المال، وخسرا وتركاهما في بلاد الناس
فجاءتاني في هيئة الشحاتين. فلما رأيتهما ذهلت منهما ولم أعرفهما ثم
إني لما عرفتهما، قلت لهما: ما هذا الحال، فقالتا يا أختاه إن الكلام
لا يفيد الآن، وقد جرى القلم بما حكم الله فأرسلتهما إلى الحمام وألبست
كل واحدة حلة وقلت لهما يا أختي أنتما الكبيرتان وأنا الصغيرة وأنتم
عوضا عن أبي وأمي والإرث الذي نابني معكما قد جعل الله فيه البركة فكلا
من زكاته وأحوالي جليلة وأنا وأنتما سواء وأحسنت إليهما غاية الإحسان
فمكثنا عندي مدة سنة كاملة وصار لهما مال من مالي فقالتا لي أن الزواج
خير لنا وليس لنا صبر عنه. فقلت لهما يا أختي لم تريا في الزواج خيرا
فإن الرجل الجيد قليل في هذا الزمان وقد جربتما الزواج فلم يقبلا
كلامي، وتزوجا بغير رضاي فزوجتهما من مالي وسترتهما ومضتا مع زوجيهما
فأقاما مدة يسيرة ولعب عليهما زوجاهما وأخذ ما كان معهما وسافرا
وتركاهما فجاءتا عندي وهما عريانتين واعتذرتا وقالتا لا تؤاخذينا، فأنت
أصغر منا سنا وأكمل عقلا، وما بقينا نذكر الزواج أبدا. فقلت مرحبا بكما
يا أختي ما عندي أعز منكما وقبلتهما وزدتهما إكراما
ولم نزل على هذه
الحالة سنة كاملة فأردت أن أجهز لي مركبا إلى البصرة، فجهزت مركبا
كبيرة وحملت فيها البضائع والمتاجر وما أحتاج إليه وقلت يا أختي هل
لكما أن تقعدا في المنزل حتى أسافر وأرجع أو تسافرا معي، فقالتا نسافر
معك فإنا لا نطيق فراقك فأخذتهما وسافرنا، وكنت قسمت مالي نصفين فأخذت
النصف وخبأت النصف الثاني وقلت ربما يصيب المركب شيء ويكون في العمر
مدة فإذا رجعنا نجد شيئا ينفعنا. ولم نزل مسافرين أياما وليالي، فتاهت
بنا المركب ودخلت المركب بحرا غير البحر الذي نريده ولم نعلم بذلك مدة،
وطاب لنا الريح عشرة أيام فلاحت لنا مدينة على بعد فقلنا للريس ما إسم
هذه المدينة التي أشرفنا عليها فقال والله لا أعلم ولا رأيتها قط، ولا
سلكت عمري هذا البحر، ولكن جاء الأمر بسلامة فما بقي إلا أن تدخلوا هذه
المدينة وتخرجوا بضائعكم فإن حصل لكم بيع فبيعوا وغاب ساعة. ثم جاءنا
وقال قوموا إلى المدينة وتعجبوا من صنع الله في خلقه واستعيذوا من سخطه
فطلعنا المدينة فوجدنا كل من فيها مسخوطا حجارة سوداء، فاندهشنا من ذلك
ومشينا في الأسواق فوجدنا البضائع باقية والذهب والفضة باقيين على
حالهما ففرحنا وقلنا لعل هذا يكون له أمر عجيب، وتفرقنا في شوارع
المدينة وكل واحد اشتغل عن رفيقه بما فيها من المال والقماش. وأما أنا
فطلعت إلى القلعة فوجدتها محكمة فدخلت قصر الملك فوجدت فيه جميع
الأواني من الذهب والفضة ثم رأيت الملك جالسا وعنده حجابه ونوابه
ووزرائه وعليه من الملابس شيء يتحير فيه الفكر فلما قربت من الملك
وجدته جالسا على كرسي مرصع بالدر والجواهر فيه كل درة تضيء كالنجمة
وعليه حلة مزركشة بالذهب وواقفا حوله خمسون مملوكا بين أنواع الحرير،
وفي أيديهم السيوف مجردة. فلما نظرت لذلك دهش عقلي ثم مشيت ودخلت قاعة
الحريم، فوجدت في حيطانها ستائر من الحرير ووجدت الملكة عليها حلة
مزركشة بالؤلؤ الرطب وعلى رأسها تاج مكلل بأنواع الجواهر وفي عنقها
قلائد وعقودا وجميع ما عليها من الملبوس والمصاغ باق على حاله وهي
ممسوخة حجر أسود ووجدت بابا مفتوحا فدخلته ووجدت فيه سلما بسبع درج
فصعدته، فرأيت مكانا مرخما مفروشا بالبسط المذهبة ووجدت فيه سرير من
المرمر مرصعا بالدر والجواهر ونظرت نورا لامعا في جهة فقصدتها فوجدت
فيها جوهرة مضيئة قدر بيض النعامة على كرسي صغير، وهي تضيء كالشمعة،
ونورها ساطع ومفروش على ذلك السرير من أنواع الحرير ما يحير الناظر.
فلما نظرت إلى ذلك تعجبت ورأيت في ذلك المكان شموعا موقدة فقلت في نفسي
لابد أن أحدا أوقد هذه الشموع، ثم إني مشيت حتى دخلت موضعا غيره وصرت
أفتش في تلك الأماكن ونسيت نفسي مما أدهشني من التعجب من تلك الأحوال،
واستغرق فكري إلى أن دخل الليل فأردت الخروج فلم أعرف الباب وتهت عنه
فعدت إلى الجهة التي فيها الشموع الموقدة وجلست على السرير وتغطيت
بلحاف بعد أن قرأت شيئا من القرآن وأوردت النوم فلم أستطع ولحقني
القلق. فلما انتصف الليل سمعت تلاوة القرآن بصوت حسن رقيق فالتفت إلى
مخدع فرأيت بابه مفتوحا فدخلت الباب ونظرت المكان فإذا هو معبد وفيه
قناديل معلقة موقدة وفيه سجادة مفروشة جالس عليها شاب حسن المنظر
فتعجبت كيف هو سالم دون أهل المدينة فدخلت وسلمت عليه فرفع بصره ورد
علي السلام
فقلت له أسألك بحق ما تتلوه من كتاب الله أن تجيبني عن
سؤالي. فتبسم وقال أخبرني عن سبب دخولك هذا المكان وأنا أخبرك بجواب ما
تسألينه عنه فأخبرته بخبري فتعجب من ذلك، ثم إنني سألته عن خبر هذه
المدينة فقال أمهليني ثم طبق المصحف وادخله كيس من الأطلس وأجلسني
بجنبه فنظرت إليه فإذا هو كالبدر حسن الأوصاف لين الأعطاف بهي المنظر
رشيق القد أسيل الخد زهي الجنات كأنه المقصود من هذه الأبيات:
رصد النجم ليلـه فـبـدا لـه قد المليح يمـيس فـي
بـرديه
وأمـد زحـل ســواد ذوائب والمسك هادي الخال في خديه
وغدت من المربح حمرة خـده والقوس يرمي النبل من جفنيه
وعطارد أعطاه فـرط ذكـائه وأبى السها نظر الوشـاة إلـيه
فغدا المنجم حائرا مـمـا أرى والأرض باس الأرض بين يديه
فنظرت له نظرة أعقبتني ألف حسرة وأوقدت بقلبي كل جمرة فقلت له يا مولاي
أخبرني عما سألتك فقال سمعا وطاعة. أعلمي أن هذه المدينة مدينة والدي
وجميع أهله وقومه وهو الملك الذي رأيته على الكرسي ممسوخا حجرا وأما
الملكة التي رأيتها فهي أمي وقد كانوا مجوسا يعبدون النار دون الملك
الجبار وكانوا يقسمون بالنار والنور والظل والخرور والفلك الذي يدور
وكان أبي ليس له ولد فرزق بي في آخر عمره فرباني حتى نشأت وقد سبقت لي
السعادة، وكان عندنا عجوز طاعنة في السن مسلمة تؤمن بالله ورسوله في
الباطن وتوافق أهلي في الظاهر وكان أبي يعتقد فيها لما يرى عليها من
الأمانة والعفة وكان يكرمها ويزيد في إكرامها وكان يعتقد أنها على
دينه. فلما كبرت سلمني أبي إليها وقال: خذيه وربيه وعلميه أحوال ديننا
وأحسني تربيته وقومي بخدمته فأخذتني العجوز وعلمتني دين الإسلام من
الطهارة والوضوء والصلاة وحفظتني القرآن فلما أتمت ذلك قالت لي يا ولدي
أكتم هذا الأمر عن أبيك ولا تعلمه به لئلا يقتلك فكتمته عنه ولم أزل
على هذا الحال مدة أيام قلائل وقد ماتت العجوز
وزاد أهل المدينة في
كفرهم وعتوهم وضلالهم. فبينما هم على ما هم فيه إذ سمعوا مناديا ينادي
بأعلى صوته مثل الرعد القاصف سمعه القريب والبعيد يقول يا أهل المدينة
أرجعوا عن عبادة النار واعبدوا الملك الجبار فحصل عند أهل المدينة فزع
واجتمعوا عند أبي وهو ملك المدينة وقالوا له: ما هذا الصوت المزعج الذي
سمعناه فاندهشنا من شدة هوله فقال لهم لايهولنكم الصوت ولا يردعنكم عن
دينكم. فمالت قلوبهم إلى قول أبي ولم يزالوا مكبين على عبادة النار
واستمروا على طغيانهم مدة سنة حتى جاء ميعاد ما سمعوا الصوت الأول فظهر
لهم ثانيا فسمعوا ثلاث مرات على ثلاث سنين في كل سنة مرة فلم يزالوا
عاكفين على ما هم عليه حتى نزل عليهم المقت والسخط من السماء بعد طلوع
الفجر، فمسخوا حجارة سودا وكذلك دوابهم وأنعامهم ولم يسلم من أهل هذه
المدينة غيري، ومن يوم ما جرت هذه الحادثة وأنا على هذه الحالة في صلاة
وصيام وتلاوة قرآن وقد يئست من الوحدة وما عندي من يؤنسني.
فعند ذلك
قلت له أيها الشاب هل لك أن تروح معي إلى مدينة بغداد وتنظر إلى
العلماء وإلى الفقهاء فتزداد علما وفقها وأكون أنا جاريتك مع إني سيدة
قومي وحاكمة على رجال وخدم وغلمان، وعندي مركب مشحون بالمتجر وقد رمتنا
المقادير على هذه المدينة حتى كان ذلك سببا في إطلاعنا على هذه الأمور
وكان النصيب في إجتماعنا ولم أزل أرغبه في التوجه حتى أجابني إليه .
وحينئذ ٍ ...
النهار لاح
والديك صاح
فسكتت شهرزاد عن الكلام المباح
وإلى ليلة أخرى من ألف ليلة وليلة
ودى وورودى للجميع
******
قالت شهرزاد للملك شهريار
بلغنى ايها الملك السعيد
ذو الرأى الرشيد
أن كبيرة الصبايا، لما تقدمت بين يدي
أمير المؤمنين وقالت إن لي حديثا عجيبا وهو أن هاتين الصبيتين أختاي من
أبي من غير أمي فمات والدنا وخلف خمسة آلاف دينار وكنت أنا اصغرهن سنا
فتجهزت أختاي وتزوجت كل واحدة برجل ومكثنا مدة ثم إن كل واحد من
أزواجهما هيأ متجرا واخذ من زوجته ألف دينار وسافروا مع بعضهم، وتركوني
فغابوا أربع سنين وضيع زوجاهما المال، وخسرا وتركاهما في بلاد الناس
فجاءتاني في هيئة الشحاتين. فلما رأيتهما ذهلت منهما ولم أعرفهما ثم
إني لما عرفتهما، قلت لهما: ما هذا الحال، فقالتا يا أختاه إن الكلام
لا يفيد الآن، وقد جرى القلم بما حكم الله فأرسلتهما إلى الحمام وألبست
كل واحدة حلة وقلت لهما يا أختي أنتما الكبيرتان وأنا الصغيرة وأنتم
عوضا عن أبي وأمي والإرث الذي نابني معكما قد جعل الله فيه البركة فكلا
من زكاته وأحوالي جليلة وأنا وأنتما سواء وأحسنت إليهما غاية الإحسان
فمكثنا عندي مدة سنة كاملة وصار لهما مال من مالي فقالتا لي أن الزواج
خير لنا وليس لنا صبر عنه. فقلت لهما يا أختي لم تريا في الزواج خيرا
فإن الرجل الجيد قليل في هذا الزمان وقد جربتما الزواج فلم يقبلا
كلامي، وتزوجا بغير رضاي فزوجتهما من مالي وسترتهما ومضتا مع زوجيهما
فأقاما مدة يسيرة ولعب عليهما زوجاهما وأخذ ما كان معهما وسافرا
وتركاهما فجاءتا عندي وهما عريانتين واعتذرتا وقالتا لا تؤاخذينا، فأنت
أصغر منا سنا وأكمل عقلا، وما بقينا نذكر الزواج أبدا. فقلت مرحبا بكما
يا أختي ما عندي أعز منكما وقبلتهما وزدتهما إكراما
ولم نزل على هذه
الحالة سنة كاملة فأردت أن أجهز لي مركبا إلى البصرة، فجهزت مركبا
كبيرة وحملت فيها البضائع والمتاجر وما أحتاج إليه وقلت يا أختي هل
لكما أن تقعدا في المنزل حتى أسافر وأرجع أو تسافرا معي، فقالتا نسافر
معك فإنا لا نطيق فراقك فأخذتهما وسافرنا، وكنت قسمت مالي نصفين فأخذت
النصف وخبأت النصف الثاني وقلت ربما يصيب المركب شيء ويكون في العمر
مدة فإذا رجعنا نجد شيئا ينفعنا. ولم نزل مسافرين أياما وليالي، فتاهت
بنا المركب ودخلت المركب بحرا غير البحر الذي نريده ولم نعلم بذلك مدة،
وطاب لنا الريح عشرة أيام فلاحت لنا مدينة على بعد فقلنا للريس ما إسم
هذه المدينة التي أشرفنا عليها فقال والله لا أعلم ولا رأيتها قط، ولا
سلكت عمري هذا البحر، ولكن جاء الأمر بسلامة فما بقي إلا أن تدخلوا هذه
المدينة وتخرجوا بضائعكم فإن حصل لكم بيع فبيعوا وغاب ساعة. ثم جاءنا
وقال قوموا إلى المدينة وتعجبوا من صنع الله في خلقه واستعيذوا من سخطه
فطلعنا المدينة فوجدنا كل من فيها مسخوطا حجارة سوداء، فاندهشنا من ذلك
ومشينا في الأسواق فوجدنا البضائع باقية والذهب والفضة باقيين على
حالهما ففرحنا وقلنا لعل هذا يكون له أمر عجيب، وتفرقنا في شوارع
المدينة وكل واحد اشتغل عن رفيقه بما فيها من المال والقماش. وأما أنا
فطلعت إلى القلعة فوجدتها محكمة فدخلت قصر الملك فوجدت فيه جميع
الأواني من الذهب والفضة ثم رأيت الملك جالسا وعنده حجابه ونوابه
ووزرائه وعليه من الملابس شيء يتحير فيه الفكر فلما قربت من الملك
وجدته جالسا على كرسي مرصع بالدر والجواهر فيه كل درة تضيء كالنجمة
وعليه حلة مزركشة بالذهب وواقفا حوله خمسون مملوكا بين أنواع الحرير،
وفي أيديهم السيوف مجردة. فلما نظرت لذلك دهش عقلي ثم مشيت ودخلت قاعة
الحريم، فوجدت في حيطانها ستائر من الحرير ووجدت الملكة عليها حلة
مزركشة بالؤلؤ الرطب وعلى رأسها تاج مكلل بأنواع الجواهر وفي عنقها
قلائد وعقودا وجميع ما عليها من الملبوس والمصاغ باق على حاله وهي
ممسوخة حجر أسود ووجدت بابا مفتوحا فدخلته ووجدت فيه سلما بسبع درج
فصعدته، فرأيت مكانا مرخما مفروشا بالبسط المذهبة ووجدت فيه سرير من
المرمر مرصعا بالدر والجواهر ونظرت نورا لامعا في جهة فقصدتها فوجدت
فيها جوهرة مضيئة قدر بيض النعامة على كرسي صغير، وهي تضيء كالشمعة،
ونورها ساطع ومفروش على ذلك السرير من أنواع الحرير ما يحير الناظر.
فلما نظرت إلى ذلك تعجبت ورأيت في ذلك المكان شموعا موقدة فقلت في نفسي
لابد أن أحدا أوقد هذه الشموع، ثم إني مشيت حتى دخلت موضعا غيره وصرت
أفتش في تلك الأماكن ونسيت نفسي مما أدهشني من التعجب من تلك الأحوال،
واستغرق فكري إلى أن دخل الليل فأردت الخروج فلم أعرف الباب وتهت عنه
فعدت إلى الجهة التي فيها الشموع الموقدة وجلست على السرير وتغطيت
بلحاف بعد أن قرأت شيئا من القرآن وأوردت النوم فلم أستطع ولحقني
القلق. فلما انتصف الليل سمعت تلاوة القرآن بصوت حسن رقيق فالتفت إلى
مخدع فرأيت بابه مفتوحا فدخلت الباب ونظرت المكان فإذا هو معبد وفيه
قناديل معلقة موقدة وفيه سجادة مفروشة جالس عليها شاب حسن المنظر
فتعجبت كيف هو سالم دون أهل المدينة فدخلت وسلمت عليه فرفع بصره ورد
علي السلام
فقلت له أسألك بحق ما تتلوه من كتاب الله أن تجيبني عن
سؤالي. فتبسم وقال أخبرني عن سبب دخولك هذا المكان وأنا أخبرك بجواب ما
تسألينه عنه فأخبرته بخبري فتعجب من ذلك، ثم إنني سألته عن خبر هذه
المدينة فقال أمهليني ثم طبق المصحف وادخله كيس من الأطلس وأجلسني
بجنبه فنظرت إليه فإذا هو كالبدر حسن الأوصاف لين الأعطاف بهي المنظر
رشيق القد أسيل الخد زهي الجنات كأنه المقصود من هذه الأبيات:
رصد النجم ليلـه فـبـدا لـه قد المليح يمـيس فـي
بـرديه
وأمـد زحـل ســواد ذوائب والمسك هادي الخال في خديه
وغدت من المربح حمرة خـده والقوس يرمي النبل من جفنيه
وعطارد أعطاه فـرط ذكـائه وأبى السها نظر الوشـاة إلـيه
فغدا المنجم حائرا مـمـا أرى والأرض باس الأرض بين يديه
فنظرت له نظرة أعقبتني ألف حسرة وأوقدت بقلبي كل جمرة فقلت له يا مولاي
أخبرني عما سألتك فقال سمعا وطاعة. أعلمي أن هذه المدينة مدينة والدي
وجميع أهله وقومه وهو الملك الذي رأيته على الكرسي ممسوخا حجرا وأما
الملكة التي رأيتها فهي أمي وقد كانوا مجوسا يعبدون النار دون الملك
الجبار وكانوا يقسمون بالنار والنور والظل والخرور والفلك الذي يدور
وكان أبي ليس له ولد فرزق بي في آخر عمره فرباني حتى نشأت وقد سبقت لي
السعادة، وكان عندنا عجوز طاعنة في السن مسلمة تؤمن بالله ورسوله في
الباطن وتوافق أهلي في الظاهر وكان أبي يعتقد فيها لما يرى عليها من
الأمانة والعفة وكان يكرمها ويزيد في إكرامها وكان يعتقد أنها على
دينه. فلما كبرت سلمني أبي إليها وقال: خذيه وربيه وعلميه أحوال ديننا
وأحسني تربيته وقومي بخدمته فأخذتني العجوز وعلمتني دين الإسلام من
الطهارة والوضوء والصلاة وحفظتني القرآن فلما أتمت ذلك قالت لي يا ولدي
أكتم هذا الأمر عن أبيك ولا تعلمه به لئلا يقتلك فكتمته عنه ولم أزل
على هذا الحال مدة أيام قلائل وقد ماتت العجوز
وزاد أهل المدينة في
كفرهم وعتوهم وضلالهم. فبينما هم على ما هم فيه إذ سمعوا مناديا ينادي
بأعلى صوته مثل الرعد القاصف سمعه القريب والبعيد يقول يا أهل المدينة
أرجعوا عن عبادة النار واعبدوا الملك الجبار فحصل عند أهل المدينة فزع
واجتمعوا عند أبي وهو ملك المدينة وقالوا له: ما هذا الصوت المزعج الذي
سمعناه فاندهشنا من شدة هوله فقال لهم لايهولنكم الصوت ولا يردعنكم عن
دينكم. فمالت قلوبهم إلى قول أبي ولم يزالوا مكبين على عبادة النار
واستمروا على طغيانهم مدة سنة حتى جاء ميعاد ما سمعوا الصوت الأول فظهر
لهم ثانيا فسمعوا ثلاث مرات على ثلاث سنين في كل سنة مرة فلم يزالوا
عاكفين على ما هم عليه حتى نزل عليهم المقت والسخط من السماء بعد طلوع
الفجر، فمسخوا حجارة سودا وكذلك دوابهم وأنعامهم ولم يسلم من أهل هذه
المدينة غيري، ومن يوم ما جرت هذه الحادثة وأنا على هذه الحالة في صلاة
وصيام وتلاوة قرآن وقد يئست من الوحدة وما عندي من يؤنسني.
فعند ذلك
قلت له أيها الشاب هل لك أن تروح معي إلى مدينة بغداد وتنظر إلى
العلماء وإلى الفقهاء فتزداد علما وفقها وأكون أنا جاريتك مع إني سيدة
قومي وحاكمة على رجال وخدم وغلمان، وعندي مركب مشحون بالمتجر وقد رمتنا
المقادير على هذه المدينة حتى كان ذلك سببا في إطلاعنا على هذه الأمور
وكان النصيب في إجتماعنا ولم أزل أرغبه في التوجه حتى أجابني إليه .
وحينئذ ٍ ...
النهار لاح
والديك صاح
فسكتت شهرزاد عن الكلام المباح
وإلى ليلة أخرى من ألف ليلة وليلة
ودى وورودى للجميع
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
الليلة الثامنة عشر
************
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية ما زالت تحسن للشاب التوجه
معها حتى غلب عليها النوم فنامت تلك الليلة تحت رجليه وهي لا تصدق بما
هي فيه من الفرح، ثم قالت فلما أصبح الصباح قمنا ودخلنا إلى الخزائن
وأخذنا ما خف حمله وغلا ثمنه ونزلنا من القلعة إلى المدينة فقابلنا
العبيد والريس وهم يفتشون علي فلما رأوني فرحوا بي وسألوني عن سبب
غيابي فأخبرتهم بما رأيت وحكيت لهم قصة الشاب وسبب مسخ أهل هذه المدينة
وما جرى لهم فتعجبوا من ذلك. فلما رأتني أختاي ومعي ذلك الشاب حسدتاني
عليه وصارتا في غيظ وأضمرتا المكر لي. ثم نزلنا المركب وأنا بغاية
الفرح وأكثر فرحي بصحبة هذا الشاب وأقمنا ننتظر الريح حتى طابت لنا
الريح فنشرنا القلوع وسافرنا
فقعدت أختاي عندنا وصارت تتحدثان فقالتا
لي يا أختاه ما تصنعين بهذا الشاب الحسن فقلت لهما قصدي أن اتخذه بعلا،
ثم التفت إليه وأقبلت عليه وقلت يا سيدي أنا أقصد أن أقول لك شيئا فلا
تخالفني فيه. فقال سمعا وطاعة. ثم التفت إلى أختاي وقلت لهما يكفيني
هذا الشاب وجميع هذه الأموال لكما فقالتا نعم ما فعلت ولكنهما أضمرتا
لي الشر ولم نزل سائرين مع اعتدال الريح حتى خرجنا من بحر الخوف ودخلنا
بحر الأمان وسافرنا أياما قلائل إلى أن قربنا من مدينة البصرة ولاحت
لنا أبنيتها، فأدركنا المساء فلما أخذنا النوم قامت أختاي وحملتاني أنا
والغلام ورمتانا في البحر، فأما الشاب فإنه كان لا يحسن العوم فغرق
وكتبه الله من الشهداء.
وأما أنا فكنت من السالمين، فلما سقطت في البحر
رزقني الله بقطعة من خشب فركبتها وضربتني الأمواج إلى أن رمتني على
ساحل جزيرة فلم أزل أمشي في الجزيرة باقي ليلتي فلما أصبح الصباح رأيت
طريقا فيه أثر مشي على قدر ابن آدم وتلك الطريق متصلة من الجزيرة إلى
البر وقد طلعت الشمس فنشفت ثيابي فيها وسرت في الطريق ولم أزل سائرة
إلى أن قربت من البر الذي فيه المدينة وإذا بحية تقصدني وخلفها ثعبان
يريد هلاكها وقد تدلى لسانها من شدة التعب. فأخذتني الشفقة عليها فقعدت
إلى حجر وألقيته على رأس الثعبان فمات من وقته فنشرت الحية جناحين
وصارت في الجو فتعجبت من ذلك وقد تعبت فنمت في موضعي ساعة، فلما أفقت
وجدت تحت رجلي جارية وهي تكبس رجلي فجلست واستحيت منها وقلت لها من أنت
وما شانك فقالت ما أسرع ما نسيتني أنت التي فعلت معي الجميل وقتلت
عدوي، فإني الحية التي خلصتيني من الثعبان جني وهو عدوي وما نجاني منه
إلا أنت.
فلما نجيتني منه طرت في الريح وذهبت إلى المركب التي رماك
منها أختاك ونقلت جميع ما فيها إلى بيتك وأحرقتها وأما أختاك فإني
سحرتهما كلبتين من الكلاب السود، فإني عرفت جميع ما جرى لك معهما، وأما
الشاب فإنه غرق ثم حملتني أنا والكلبتين والقتنا فوق سطح داري فرأيت
جميع ما كان في المركب من الأموال في وسط بيتي ولم يضع منه شيء، ثم أن
الحية قالت لي وحق النقش الذي على خاتم سليمان إذا لم تضربي كل واحدة
منها في كل يوم ثلاثمائة سوط لآتين أجعلك مثلهما فقلت سمعا وطاعة.
فلم أزل يا أمير المؤمنين أضربها ذلك الضرب وأشفق عليهما، فتعجب الخليفة من
ذلك
ثم قال للصبية الثانية: وأنت ما سبب الضرب الذي على جسدك فقالت: يا
أمير المؤمنين إني كان لي والد مات وخلف مالا كثيرا، فأقمت بعده مدة
يسيرة وتزوجت برجل اسعد أهل زمانه فأقمت معه سنة كاملة ومات فورثت منه
ثمانين ألف دينار، فبينما أنا جالسة في يوم من الأيام إذ دخلت علي عجوز
بوجه مسقوط وحاجب ممغوط وعيونها مفجرة وأسنانها مكسرة ومخاطها سائل
وعنقها مائل كما قال فيها الشاعر:
عجوز النحس إبليس يراها تعلمه الخديعة من سكوت
تقود من السياسة ألف بغل إذا نفروا بخيط العنكبوت
فلما دخلت العجوز علمت علي وقالت أن عندي بنتا يتيمة والليلة عملت
عرسها وأنا قصدي لك الأجر والثواب فاحضري عرسها فأنها مكسورة الخاطر
ليس لها إلا الله تعالى ثم بكت وقبلت رجلي فأخذتني الرحمة والرأفة فقلت
سمعا وطاعة فقالت جهزي نفسك فإني وقت العشاء أجي وآخذك ثم قبلت يدي
وذهبت فقمت وهيأت نفسي وجهزت حالي وإذا بالعجوز قد أقبلت وقالت يا
سيدتي أن سيدات البلد قد حضرن وأخبرتهن بحضورك ففرحن وهن في انتظارك،
فقمت وتهيأت وأخذت جواري معي وسرت حتى أتينا إلى زقاق هب فيه النسيم
وراق فرأينا بوابة مقنطرة قبة من الرخام مشيدة البنيان وفي داخلها قصر
قد قام من التراب وتعلق بالسحاب فلما وصلنا إلى الباب طرقته العجوز
ففتح لنا ودخلنا فوجدنا دهليزا مفروشا بالبسط معلقا فيه قناديل موقدة
وشموع مضيئة وفيه الجواهر والمعادن معلقة فمشينا في الدهليز إلى أن
دخلنا القاعة فلم يوجد لها نظير مفروشة بالفراش الحرير معلقا فيها
القناديل الموقدة والشموع المضيئة وفي صدر القاعة سرير من المرمر مرصع
بالدر والجوهر وعليه ناموسية من الأطلس وإذا بصبية خرجت من الناموسية
مثل القمر فقالت لي مرحبا وأهلا وسهلا يا أختي آنستيني وجبرت خاطري
وأنشدت تقول:
لو تعلم الدار من زارها فرحـت واستبشرت ثم باست موضع
القدم
وأعلنت بلسـان الـحـال قـائلة أهلا وسهلا بأهل الجود
والكرم
ثم جلست وقالت يا أختي أن لي أخا وقد رآك في الأفراح وهو شاب احسن مني
وقد أحبك قلبه حبا شديدا وأعطى هذه العجوز دراهم حتى أتتك وعملت الحيلة
لأجل اجتماعه بك ويريد أخي أن يتزوجك بسنة الله ورسوله وما في الحلال
من عيب فلما سمعت كلامها ورأيت نفسي قد انحجزت في الدار فقلت للصبية
سمعا وطاعة ففرحت وصفقت بيدها وفتحت بابا، فخرج منه شاب مثل القمر كما
قال الشاعر:
قد زاد حسنا تبارك الـلـه جل الذي صاغـه وسـواه
قد حاز كل الجمال متفـردا كل الورى في جماله تهواه
فلما فرغت من شعري بكيت فلما سمع الشعر ونظر إلى بكائي أزداد غيظا على
غيظه
وأنشد هذين البيتين:
تركت حبيب القلب لا عن ملالة ولكن جنى ذنبا يؤدي إلى
الترك
إذا ارى شريكا في المحبة بيننـا وإيمان قلبي لا يميل إلى
الشرك
فلما فرغ من شعره بكيت واستعطفته، وإذا بالعجوز قد دخلت ورمت نفسها على
أقدام الشاب وقبلتها وقالت يا ولدي بحق تربيتي لك تعفوا عن هذه الصبية
فإنها ما فعلت ذنبا يوجب ذلك وأنت شاب صغير فأخاف عليك من دعائها ثم
بكت العجوز، ولم تزل تلح عليه حتى قال عفوت عنها، ولكن لابد لي أن أعمل
فيها أثرا يظهر عليها بقية عمرها، ثم أمر العبيد فجذبوني من ثيابي
وأحضر قضيبا من سفرجل ونزل به على جسدي بالضرب، ولم يزل يضربني ذلك
الشاب على ظهري وجنبي حتى غبت عن الدنيا من شدة الضرب وقد يئست من
حياتي ثم أمر العبيد أنه إذا دخل الليل يحملونني ويأخذون العجوز معهم
ويرمونني في بيتي الذي كنت فيه سابقا. ففعلوا ما أمرهم به سيدهم ورموني
في بيتي، فتعاهدت نفسي وتداويت فلما شفيت بقيت أضلاعي كأنها مضروبة
بالمقارع، كما ترى فاستمريت في مداواة نفسي أربعة أشهر حتى شفيت، ثم
جئت إلى الدار التي جرت لي فيها ذلك الأمر فوجدتها خربة ووجدت الزقاق
مهد وما من أوله إلى آخره ووجدت في موقع الدار كيما ولم أعلم سبب ذلك
فجئت إلى أختي هذه التي من أبي فوجدت عندها هاتين الكلبتين فسلمت عليها
وأخبرتها بخبري وبجميع ما جرى لي .
فقالت من ذا الذي من نكبات الزمان،
سلم الحمد لله الذي جعل الأمر بسلامة ثم أخبرتني بخبرها وبجميع ما جرى
لها من أختيها وقعدت أنا وهي لا نذكر خبر الزواج على ألسنتنا ثم
صاحبتنا هذه الصبية الدلالة في كل يوم تخرج فتشتري لنا ما نحتاج إليه
من المصالح على جري عادتها، فوقع لنا ما وقع من مجيء الجمال والصعاليك
ومن مجيئكم في صفة تجار فلما صرنا في هذا اليوم ولم نشعر إلا نحن بين
يديك وهذه حكايتنا،
فتعجب الخليفة من هذه الحكاية وجعلها تاريخها مثبتا
في خزانته
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
ونلتقى فى الليلة التالية من ألف ليلة وليلة
خالص مودتى والورد لكم جميعاً
************
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية ما زالت تحسن للشاب التوجه
معها حتى غلب عليها النوم فنامت تلك الليلة تحت رجليه وهي لا تصدق بما
هي فيه من الفرح، ثم قالت فلما أصبح الصباح قمنا ودخلنا إلى الخزائن
وأخذنا ما خف حمله وغلا ثمنه ونزلنا من القلعة إلى المدينة فقابلنا
العبيد والريس وهم يفتشون علي فلما رأوني فرحوا بي وسألوني عن سبب
غيابي فأخبرتهم بما رأيت وحكيت لهم قصة الشاب وسبب مسخ أهل هذه المدينة
وما جرى لهم فتعجبوا من ذلك. فلما رأتني أختاي ومعي ذلك الشاب حسدتاني
عليه وصارتا في غيظ وأضمرتا المكر لي. ثم نزلنا المركب وأنا بغاية
الفرح وأكثر فرحي بصحبة هذا الشاب وأقمنا ننتظر الريح حتى طابت لنا
الريح فنشرنا القلوع وسافرنا
فقعدت أختاي عندنا وصارت تتحدثان فقالتا
لي يا أختاه ما تصنعين بهذا الشاب الحسن فقلت لهما قصدي أن اتخذه بعلا،
ثم التفت إليه وأقبلت عليه وقلت يا سيدي أنا أقصد أن أقول لك شيئا فلا
تخالفني فيه. فقال سمعا وطاعة. ثم التفت إلى أختاي وقلت لهما يكفيني
هذا الشاب وجميع هذه الأموال لكما فقالتا نعم ما فعلت ولكنهما أضمرتا
لي الشر ولم نزل سائرين مع اعتدال الريح حتى خرجنا من بحر الخوف ودخلنا
بحر الأمان وسافرنا أياما قلائل إلى أن قربنا من مدينة البصرة ولاحت
لنا أبنيتها، فأدركنا المساء فلما أخذنا النوم قامت أختاي وحملتاني أنا
والغلام ورمتانا في البحر، فأما الشاب فإنه كان لا يحسن العوم فغرق
وكتبه الله من الشهداء.
وأما أنا فكنت من السالمين، فلما سقطت في البحر
رزقني الله بقطعة من خشب فركبتها وضربتني الأمواج إلى أن رمتني على
ساحل جزيرة فلم أزل أمشي في الجزيرة باقي ليلتي فلما أصبح الصباح رأيت
طريقا فيه أثر مشي على قدر ابن آدم وتلك الطريق متصلة من الجزيرة إلى
البر وقد طلعت الشمس فنشفت ثيابي فيها وسرت في الطريق ولم أزل سائرة
إلى أن قربت من البر الذي فيه المدينة وإذا بحية تقصدني وخلفها ثعبان
يريد هلاكها وقد تدلى لسانها من شدة التعب. فأخذتني الشفقة عليها فقعدت
إلى حجر وألقيته على رأس الثعبان فمات من وقته فنشرت الحية جناحين
وصارت في الجو فتعجبت من ذلك وقد تعبت فنمت في موضعي ساعة، فلما أفقت
وجدت تحت رجلي جارية وهي تكبس رجلي فجلست واستحيت منها وقلت لها من أنت
وما شانك فقالت ما أسرع ما نسيتني أنت التي فعلت معي الجميل وقتلت
عدوي، فإني الحية التي خلصتيني من الثعبان جني وهو عدوي وما نجاني منه
إلا أنت.
فلما نجيتني منه طرت في الريح وذهبت إلى المركب التي رماك
منها أختاك ونقلت جميع ما فيها إلى بيتك وأحرقتها وأما أختاك فإني
سحرتهما كلبتين من الكلاب السود، فإني عرفت جميع ما جرى لك معهما، وأما
الشاب فإنه غرق ثم حملتني أنا والكلبتين والقتنا فوق سطح داري فرأيت
جميع ما كان في المركب من الأموال في وسط بيتي ولم يضع منه شيء، ثم أن
الحية قالت لي وحق النقش الذي على خاتم سليمان إذا لم تضربي كل واحدة
منها في كل يوم ثلاثمائة سوط لآتين أجعلك مثلهما فقلت سمعا وطاعة.
فلم أزل يا أمير المؤمنين أضربها ذلك الضرب وأشفق عليهما، فتعجب الخليفة من
ذلك
ثم قال للصبية الثانية: وأنت ما سبب الضرب الذي على جسدك فقالت: يا
أمير المؤمنين إني كان لي والد مات وخلف مالا كثيرا، فأقمت بعده مدة
يسيرة وتزوجت برجل اسعد أهل زمانه فأقمت معه سنة كاملة ومات فورثت منه
ثمانين ألف دينار، فبينما أنا جالسة في يوم من الأيام إذ دخلت علي عجوز
بوجه مسقوط وحاجب ممغوط وعيونها مفجرة وأسنانها مكسرة ومخاطها سائل
وعنقها مائل كما قال فيها الشاعر:
عجوز النحس إبليس يراها تعلمه الخديعة من سكوت
تقود من السياسة ألف بغل إذا نفروا بخيط العنكبوت
فلما دخلت العجوز علمت علي وقالت أن عندي بنتا يتيمة والليلة عملت
عرسها وأنا قصدي لك الأجر والثواب فاحضري عرسها فأنها مكسورة الخاطر
ليس لها إلا الله تعالى ثم بكت وقبلت رجلي فأخذتني الرحمة والرأفة فقلت
سمعا وطاعة فقالت جهزي نفسك فإني وقت العشاء أجي وآخذك ثم قبلت يدي
وذهبت فقمت وهيأت نفسي وجهزت حالي وإذا بالعجوز قد أقبلت وقالت يا
سيدتي أن سيدات البلد قد حضرن وأخبرتهن بحضورك ففرحن وهن في انتظارك،
فقمت وتهيأت وأخذت جواري معي وسرت حتى أتينا إلى زقاق هب فيه النسيم
وراق فرأينا بوابة مقنطرة قبة من الرخام مشيدة البنيان وفي داخلها قصر
قد قام من التراب وتعلق بالسحاب فلما وصلنا إلى الباب طرقته العجوز
ففتح لنا ودخلنا فوجدنا دهليزا مفروشا بالبسط معلقا فيه قناديل موقدة
وشموع مضيئة وفيه الجواهر والمعادن معلقة فمشينا في الدهليز إلى أن
دخلنا القاعة فلم يوجد لها نظير مفروشة بالفراش الحرير معلقا فيها
القناديل الموقدة والشموع المضيئة وفي صدر القاعة سرير من المرمر مرصع
بالدر والجوهر وعليه ناموسية من الأطلس وإذا بصبية خرجت من الناموسية
مثل القمر فقالت لي مرحبا وأهلا وسهلا يا أختي آنستيني وجبرت خاطري
وأنشدت تقول:
لو تعلم الدار من زارها فرحـت واستبشرت ثم باست موضع
القدم
وأعلنت بلسـان الـحـال قـائلة أهلا وسهلا بأهل الجود
والكرم
ثم جلست وقالت يا أختي أن لي أخا وقد رآك في الأفراح وهو شاب احسن مني
وقد أحبك قلبه حبا شديدا وأعطى هذه العجوز دراهم حتى أتتك وعملت الحيلة
لأجل اجتماعه بك ويريد أخي أن يتزوجك بسنة الله ورسوله وما في الحلال
من عيب فلما سمعت كلامها ورأيت نفسي قد انحجزت في الدار فقلت للصبية
سمعا وطاعة ففرحت وصفقت بيدها وفتحت بابا، فخرج منه شاب مثل القمر كما
قال الشاعر:
قد زاد حسنا تبارك الـلـه جل الذي صاغـه وسـواه
قد حاز كل الجمال متفـردا كل الورى في جماله تهواه
فلما فرغت من شعري بكيت فلما سمع الشعر ونظر إلى بكائي أزداد غيظا على
غيظه
وأنشد هذين البيتين:
تركت حبيب القلب لا عن ملالة ولكن جنى ذنبا يؤدي إلى
الترك
إذا ارى شريكا في المحبة بيننـا وإيمان قلبي لا يميل إلى
الشرك
فلما فرغ من شعره بكيت واستعطفته، وإذا بالعجوز قد دخلت ورمت نفسها على
أقدام الشاب وقبلتها وقالت يا ولدي بحق تربيتي لك تعفوا عن هذه الصبية
فإنها ما فعلت ذنبا يوجب ذلك وأنت شاب صغير فأخاف عليك من دعائها ثم
بكت العجوز، ولم تزل تلح عليه حتى قال عفوت عنها، ولكن لابد لي أن أعمل
فيها أثرا يظهر عليها بقية عمرها، ثم أمر العبيد فجذبوني من ثيابي
وأحضر قضيبا من سفرجل ونزل به على جسدي بالضرب، ولم يزل يضربني ذلك
الشاب على ظهري وجنبي حتى غبت عن الدنيا من شدة الضرب وقد يئست من
حياتي ثم أمر العبيد أنه إذا دخل الليل يحملونني ويأخذون العجوز معهم
ويرمونني في بيتي الذي كنت فيه سابقا. ففعلوا ما أمرهم به سيدهم ورموني
في بيتي، فتعاهدت نفسي وتداويت فلما شفيت بقيت أضلاعي كأنها مضروبة
بالمقارع، كما ترى فاستمريت في مداواة نفسي أربعة أشهر حتى شفيت، ثم
جئت إلى الدار التي جرت لي فيها ذلك الأمر فوجدتها خربة ووجدت الزقاق
مهد وما من أوله إلى آخره ووجدت في موقع الدار كيما ولم أعلم سبب ذلك
فجئت إلى أختي هذه التي من أبي فوجدت عندها هاتين الكلبتين فسلمت عليها
وأخبرتها بخبري وبجميع ما جرى لي .
فقالت من ذا الذي من نكبات الزمان،
سلم الحمد لله الذي جعل الأمر بسلامة ثم أخبرتني بخبرها وبجميع ما جرى
لها من أختيها وقعدت أنا وهي لا نذكر خبر الزواج على ألسنتنا ثم
صاحبتنا هذه الصبية الدلالة في كل يوم تخرج فتشتري لنا ما نحتاج إليه
من المصالح على جري عادتها، فوقع لنا ما وقع من مجيء الجمال والصعاليك
ومن مجيئكم في صفة تجار فلما صرنا في هذا اليوم ولم نشعر إلا نحن بين
يديك وهذه حكايتنا،
فتعجب الخليفة من هذه الحكاية وجعلها تاريخها مثبتا
في خزانته
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
ونلتقى فى الليلة التالية من ألف ليلة وليلة
خالص مودتى والورد لكم جميعاً
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
الليـلة التاسعة عشر
قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة أمر أن تكتب هذه القصة في
الدواوين ويجعلوها في خزانة الملك ثم أنه قال للصبية الأولى هل عندك
خبر بالعفريتة التي سحرت أختيك، قالت يا أمير المؤمنين إنها أعطتني
شيئا من شعرها، وقالت إن أردت حضوري فاحرقي من هذا الشعر شيئا فأحضر
إليك عاجلا ولو كنت خلف جبل قاف. فقال الخليفة أحضري لي الشعر فأحضرته
الصبية فأخذه الخليفة، وأحرق منه شيئا فلما فاحت منه رائحة إهتز القصر
وسمعوا دويا وصلصلة وإذا بالجنية حضرت وكانت مسلمة فقالت السلام عليكم
يا خليفة الله فقال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فقالت أعلم أن
هذه الصبية صنعت معي جميلا ولا أقدر أن أكافئها عليه فهي أنقذتني من
الموت وقتلت عدوي ورأيت ما فعله معها أختاها فما رأيت إلا أني أنتقم
منهما فسحرتهما كلبتين بعد أن أردت قتلهما فخشيت أن يصعب عليها، وإن
أردت خلاصهما، يا أمير المؤمنين أخلصهما كرامة لك ولها فإني من
المسلمين.
فقال لها خلصيهما وبعد ذلك نشرع في أمر الصبية المضروبة،
وتفحص عن حالها فإذا ظهر لي صدقها أخذت ثأرها ممن ظلمها فقالت العفريتة
يا أمير المؤمنين أنا أدلك على ما فعل بهذه الصبية هذا الفعل وظلمها
وأخذ مالها وهو أقرب الناس إليك، ثم إن العفريتة أخذت طاسة من الماء
وعزمت عليها، ورشت وجه الكلبتين، وقالت لهما عودا إلى صورتكما الأولى
البشرية فعادتا صبيتين سبحان خالقهما، ثم قالت يا أمير المؤمنين أن
الذي ضرب الصبية، ولدك الأمين فإنه كان يسمع بحسنها وجمالها، وحكت له
العفريتة جميع ما جرى للصبية فتعجب وقال الحمد لله خلاص هاتين الكلبتين
على يدي.
ثم أن الخليفة أحضر ولده الأمين بين يديه وسأله عن قصة الصبية
الأولى فأخبره على وجه الحق فأحضره الخليفة القضاة والشهود والصعاليك
الثلاثة، وأحضر الصبية الأولى وأختيها اللتين كانتا مسحورتين في صورة
كلبتين، وزوج الثلاثة للثلاثة الصعاليك الذين أخبروه أنهم كانوا ملوكا
وعملهم حجابا عنده وأعطاهم ما يحتاجون إليه وأنزلهم في قصر بغداد ورد
الصبية المضروبة لولده الأمين وأعطاها مالا كثيرا وأمر أن تبنى الدار
أحسن ما كانت ثم أن الخليفة تزوج بالدلالة وجلس يسامرها تلك الليلة .
فلما أصبح أفرد لها بيتا وجواري يخدمنها ورتب لها راتبا، وشيد لها قصرا
ثم قال لجعفر ليلة من الليالي أني أريد أن ننزل في هذه الليلة إلى
المدينة ونسأل عن أحوال الحكام والمتولين وكل من شكا منه أحد عزلناه
فقال جعفر ومسرور نعم، وساروا في المدينة ومشوا في الأسواق مروا بزقاق،
فرأوا شيخا كبيرا على رأسه شبكة وفي يده عصا وهو ماش على مهله. ثم إن
الخليفة تقدم إليه وقال له يا شيخ ما حرفتك قال يا سيدي صياد وعندي
عائلة وخرجت من بيتي من نصف النهار إلى هذا الوقت ولم يقسم الله لي
شيئا أقوت به عيالي وقد كرهت نفسي وتمنيت الموت. فقال له الخليفة هل لك
أن ترجع معنا إلى البحر وتقف على شاطئ الدجلة وترمي شبكتك على بختي وكل
ما طلع اشتريته منك بمائة دينار. ففرح الرجل لما سمع هذا الكلام وقال
على رأسي أرجع معكم. ثم أن الصياد رجع إلى البحر ورمى شبكته وصبر
عليها، ثم أنه جذب الخيط وجر الشبكة إليه فطلع في الشبكة صندوق مقفول
ثقيل الوزن فلما نظر الخليفة وجده ثقيلا فأعطى الصياد مائة دينار
وانصرف وحمل الصندوق مسرور هو وجعفر وطلعا به مع الخليفة إلى القصر
وأوقد الشموع والصندوق بين يدي الخليفة فتقدم جعفر ومسرور وكسروا
الصندوق فوجدوا فيه قفة خوص مخيطة بصوف أحمر فقطعوا الخياطة فرأوا فيها
قطعة بساط فرفعوها فوجدوا تحتها أزار فرفعوا الأزار فوجدوا تحتها صبية
كأنها سبيكة مقتولة ومقطوعة. فلما نظرها الخليفة جرت دموعه على خده
والتفت إلى جعفر وقال: يا كلب الوزراء أيُقتل القتلى في زمني ويرمون في
البحر ويصيرون متعلقين بذمتي والله لابد أن أقتص لهذه الصبية ممن قتلها
وأقتله وقال لجعفر وحق اتصال نسبي بالخلفاء من بني العباس إن لم تأتيني
بالذي قتل هذه لأنصفها منه لأصلبنك على باب قصري أنت وأربعين من بني
عمك، واغتاظ الخليفة. فقال جعفر أمهلني ثلاثة أيام قال أمهلتك.
ثم خرج
جعفر من بين يديه ومشى في المدينة وهو حزين وقال في نفسه من أعرف من
قتل هذه الصبية حتى أحضره للخليفة وإن أحضرت له غيره يصير معلقا بذمتي
ولا أدري ما أصنع. ثم إن جعفر جلس في بيته ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع
أرسل له الخليفة يطلبه فلما تمثل بين يديه قال له أين قاتل الصبية قال
جعفر يا أمير المؤمنين أأنا أعلم الغيب حتى أعرف قاتلها؟، فاغتاظ الخليفة
وأمر بصلبه على باب قصره وأمر مناديا ينادي في شوارع بغداد من أراد
الفرجة على صلب جعفر البرمكي وزير الخليفة وصلب أولاد عمه على باب قصر
الخليفة ليخرج ليتفرج. فخرج الناس من جميع الحارات ليتفرجوا على صلب
جعفر وصلب أولاد عمه ولم يعلموا سبب ذلك ثم أمر بنصب الخشب فنصبوه
وأوقفهم تحته لأجل الصلب وصاروا ينتظرون الإذن من الخليفة وصار الخلق
يتباكون على جعفر وعلى أولاد عمه.
فبينما هم كذلك وإذا بشاب حسن نقي
الأثواب يمشي بين الناس مسرعا إلى أن وقف بين يدي الوزير وقال له
سلامتك من هذه الوقفة يا سيد الأمراء وكهف الفقراء، أنا الذي قتلت
القتيلة التي وجدتموها في الصندوق، فاقتلني فيها واقتص مني. فلما سمع
جعفر كلام الشاب وما أبداه من الخطاب فرح بخلاص نفسه وحزن على الشاب.
فبينما هم في الكلام وإذا بشيخ كبير يفسح الناس ويمشي بينهم بسرعة إلى
أن وصل إلى جعفر والشاب فسلم عليهما ثم قال أيها الوزير لا تصدق كلام
هذا الشاب فإنه ما قتل هذه الصبية إلا أنا فاقتص لها مني. فقال الشاب
أيها الوزير، إن هذا الشيخ كبير خرفان لا يدري ما يقول وأنا الذي
قتلتها فاقتص مني. فقال الشيخ، يا ولدي أنت صغير تشتهي الدنيا وأنا
كبير شبعت من الدنيا وأنا أفديك وأفدي الوزير وبني عمه وما قتل الصبية
إلا أنا، فبالله عليك أن تعجل بالإقتصاص مني، فلما نظر إلى ذلك الأمر
تعجب منه وأخذ الشاب والشيخ وطلع بهما عند الخليفة وقال يا أمير
المؤمنين قد حضر قاتل الصبية فقال الخليفة أين هو، فقال إن هذا الشاب
يقول أنا القاتل وهذا الشيخ يكذبه ويقول لا بل أنا القاتل. فنظر
الخليفة إلى الشيخ والشاب وقال من منكما قتل هذه الصبية فقال الشاب ما
قتلتها إلا أنا وقال الشيخ ما قتلها إلا أنا.
فقال الخليفة لجعفر خذ
الإثنين واصلبهما فقال جعفر إذا كان القاتل واحد فقتل الثاني ظلم، فقال
الشاب: وحق من رفع السماء وبسط الأرض أني أنا الذي قتلت الصبية وهذه
أمارة قتلها، ووصف ما وجده الخليفة فتحقق عند الخليفة أن الشاب هو الذي
قتل الصبية فتعجب الخليفة وقال: وما سبب إقرارك بالقتل من غير ضرب
وقولك اقتصوا لها مني.
فقال الشاب: أعلم يا أمير المؤمنين أن هذه
الصبية زوجتي وبنت عمي وهذا الشيخ أبوها وهو عمي وتزوجت بها وهي بكر
فرزقني الله منها ثلاثة أولاد ذكور وكانت تحبني وتخدمني ولم أر عليها
شيئا، فلما كان أول هذا الشهر مرضت مرضا شديدا فأحضرت لها الأطباء حتى
حصلت لها العافية فأردت أن أدخلها الحمام فقالت إني أريد شيئا قبل دخول
الحمام لأني أشتهيه فقلت لها وما هو فقالت: إني أشتهي تفاحة أشمها وأعض
منها عضة. فطلعت من ساعتي إلى المدينة وفتشت على التفاح ولو كانت
الواحدة بدينار فلم أجده فبت تلك الليلة وأنا متفكر فلما أصبح الصباح
خرجت من بيتي ودرت على البساتين واحد واحد فلم أجده فيها فصادفني بستانىّ
كبير فسألته عن التفاح فقال: يا ولدي هذا شيء قل أن يوجد لأنه معدوم
ولا يوجد إلا في بستان أمير المؤمنين الذي في البصرة وهو عند بستانىّ
يدخره للخليفة فجئت إلى زوجتي وقد حملتني محبتي إياها على أن هيأت نفسي
وسافرت يوما ليلا ونهارا في الذهاب والإياب وجئت لها بثلاث تفاحات
إشتريتها من بستانىّ البصرة بثلاثة دنانير، ثم إني دخلت وناولتها إياها
فلم تفرح بها بل تركتها في جانبها وكان مرض الحمى قد اشتد بها، ولم تزل
في ضعفها إلى أن مضى لها عشرة أيام وبعد ذلك عوفيت فخرجت من البيت
وذهبت إلى دكاني وجلست في بيعي وشرائي.
فبينما أنا جالس في وسط النهار
وإذا بعبد أسود مر علي وفي يده تفاحة يلعب بها فقلت له: من أين هذه
التفاحة حتى آخذ مثلها فضحك وقال أخذتها من حبيبتي وأنا كنت غائبا وجئت
فوجدتها ضعيفة وعندها ثلاث تفاحات فقالت إن زوجي الديوث سافر من شأنها
إلى البصرة فاشتراها بثلاثة دنانير فأخذت منها هذه التفاحة، فلما سمعت
كلام العبد يا أمير المؤمنين اسودت الدنيا في وجهي وقفلت دكاني وجئت
إلى البيت وأنا فاقد العقل من شدة الغيظ فلم أجد التفاحة الثالثة فقلت
لها: أين التفاحة الثالثة فقالت لا أدري ولا أعرف أين ذهبت. فتحققت قول
العبد وقمت وأخذت سكينا وركبت على صدرها ونحرتها بالسكين وقطعت رأسها
وأعضائها ووضعتها في القفة بسرعة وغطيتها بالإزار ووضعت عليها شقة بساط
وأنزلتها في الصندوق وقفلته وحملتها على بغلتي ورميتها في الدجلة بيدي.
فبالله عليك يا أمير المؤمنين أن تعجل بقتلي قصاصا لها فإني خائف من
مطالبتها يوم القيامة فإني لما رميتها في بحر الدجلة ولم يعلم بها أحد
رجعت إلى البيت فوجدت ولدي الكبير يبكي ولم يكن له علم بما فعلت في
أمه.
فقلت له ما يبكيك فقال إني أخذت تفاحة من التفاح الذي عند أمي
ونزلت بها إلى الزقاق ألعب مع إخوتي وإذا بعبد طويل خطفها مني وقال لي
من أين جاءتك هذه فقلت له هذه سافر أبي وجاء بها من البصرة من أجل أمي
وهي ضعيفة واشترى ثلاث تفاحات بثلاثة دنانير فأخذها مني وضربني وراح
بها فخفت من أمي أن تضربني من شأن التفاحة. فلما سمعت كلام الولد علمت
أن العبد هو الذي افترى الكلام الكذب على بنت عمي وتحققت أنها قتلت
ظلما ثم إني بكيت بكاء شديدا وإذا بهذا الشيخ وهو عمي والدها قد أقبل
فأخبرته بما كان فجلس بجانبي وبكى ولم نزل نبكي إلى نصف الليل وأقمنا
العزاء خمسة أيام ولم نزل إلى هذا اليوم ونحن نتأسف على قتلها،
فبحرمة
أجدادك أن تعجل بقتلي وتقتص مني. فلما سمع الخليفة كلام الشاب تعجب
وقال والله لا أقتل إلا العبد الخبيث .
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن
الكلام المباح .
ونلتقى فى الليلة القادمة إن شاءالله
مودتى للجميع
قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة أمر أن تكتب هذه القصة في
الدواوين ويجعلوها في خزانة الملك ثم أنه قال للصبية الأولى هل عندك
خبر بالعفريتة التي سحرت أختيك، قالت يا أمير المؤمنين إنها أعطتني
شيئا من شعرها، وقالت إن أردت حضوري فاحرقي من هذا الشعر شيئا فأحضر
إليك عاجلا ولو كنت خلف جبل قاف. فقال الخليفة أحضري لي الشعر فأحضرته
الصبية فأخذه الخليفة، وأحرق منه شيئا فلما فاحت منه رائحة إهتز القصر
وسمعوا دويا وصلصلة وإذا بالجنية حضرت وكانت مسلمة فقالت السلام عليكم
يا خليفة الله فقال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فقالت أعلم أن
هذه الصبية صنعت معي جميلا ولا أقدر أن أكافئها عليه فهي أنقذتني من
الموت وقتلت عدوي ورأيت ما فعله معها أختاها فما رأيت إلا أني أنتقم
منهما فسحرتهما كلبتين بعد أن أردت قتلهما فخشيت أن يصعب عليها، وإن
أردت خلاصهما، يا أمير المؤمنين أخلصهما كرامة لك ولها فإني من
المسلمين.
فقال لها خلصيهما وبعد ذلك نشرع في أمر الصبية المضروبة،
وتفحص عن حالها فإذا ظهر لي صدقها أخذت ثأرها ممن ظلمها فقالت العفريتة
يا أمير المؤمنين أنا أدلك على ما فعل بهذه الصبية هذا الفعل وظلمها
وأخذ مالها وهو أقرب الناس إليك، ثم إن العفريتة أخذت طاسة من الماء
وعزمت عليها، ورشت وجه الكلبتين، وقالت لهما عودا إلى صورتكما الأولى
البشرية فعادتا صبيتين سبحان خالقهما، ثم قالت يا أمير المؤمنين أن
الذي ضرب الصبية، ولدك الأمين فإنه كان يسمع بحسنها وجمالها، وحكت له
العفريتة جميع ما جرى للصبية فتعجب وقال الحمد لله خلاص هاتين الكلبتين
على يدي.
ثم أن الخليفة أحضر ولده الأمين بين يديه وسأله عن قصة الصبية
الأولى فأخبره على وجه الحق فأحضره الخليفة القضاة والشهود والصعاليك
الثلاثة، وأحضر الصبية الأولى وأختيها اللتين كانتا مسحورتين في صورة
كلبتين، وزوج الثلاثة للثلاثة الصعاليك الذين أخبروه أنهم كانوا ملوكا
وعملهم حجابا عنده وأعطاهم ما يحتاجون إليه وأنزلهم في قصر بغداد ورد
الصبية المضروبة لولده الأمين وأعطاها مالا كثيرا وأمر أن تبنى الدار
أحسن ما كانت ثم أن الخليفة تزوج بالدلالة وجلس يسامرها تلك الليلة .
فلما أصبح أفرد لها بيتا وجواري يخدمنها ورتب لها راتبا، وشيد لها قصرا
ثم قال لجعفر ليلة من الليالي أني أريد أن ننزل في هذه الليلة إلى
المدينة ونسأل عن أحوال الحكام والمتولين وكل من شكا منه أحد عزلناه
فقال جعفر ومسرور نعم، وساروا في المدينة ومشوا في الأسواق مروا بزقاق،
فرأوا شيخا كبيرا على رأسه شبكة وفي يده عصا وهو ماش على مهله. ثم إن
الخليفة تقدم إليه وقال له يا شيخ ما حرفتك قال يا سيدي صياد وعندي
عائلة وخرجت من بيتي من نصف النهار إلى هذا الوقت ولم يقسم الله لي
شيئا أقوت به عيالي وقد كرهت نفسي وتمنيت الموت. فقال له الخليفة هل لك
أن ترجع معنا إلى البحر وتقف على شاطئ الدجلة وترمي شبكتك على بختي وكل
ما طلع اشتريته منك بمائة دينار. ففرح الرجل لما سمع هذا الكلام وقال
على رأسي أرجع معكم. ثم أن الصياد رجع إلى البحر ورمى شبكته وصبر
عليها، ثم أنه جذب الخيط وجر الشبكة إليه فطلع في الشبكة صندوق مقفول
ثقيل الوزن فلما نظر الخليفة وجده ثقيلا فأعطى الصياد مائة دينار
وانصرف وحمل الصندوق مسرور هو وجعفر وطلعا به مع الخليفة إلى القصر
وأوقد الشموع والصندوق بين يدي الخليفة فتقدم جعفر ومسرور وكسروا
الصندوق فوجدوا فيه قفة خوص مخيطة بصوف أحمر فقطعوا الخياطة فرأوا فيها
قطعة بساط فرفعوها فوجدوا تحتها أزار فرفعوا الأزار فوجدوا تحتها صبية
كأنها سبيكة مقتولة ومقطوعة. فلما نظرها الخليفة جرت دموعه على خده
والتفت إلى جعفر وقال: يا كلب الوزراء أيُقتل القتلى في زمني ويرمون في
البحر ويصيرون متعلقين بذمتي والله لابد أن أقتص لهذه الصبية ممن قتلها
وأقتله وقال لجعفر وحق اتصال نسبي بالخلفاء من بني العباس إن لم تأتيني
بالذي قتل هذه لأنصفها منه لأصلبنك على باب قصري أنت وأربعين من بني
عمك، واغتاظ الخليفة. فقال جعفر أمهلني ثلاثة أيام قال أمهلتك.
ثم خرج
جعفر من بين يديه ومشى في المدينة وهو حزين وقال في نفسه من أعرف من
قتل هذه الصبية حتى أحضره للخليفة وإن أحضرت له غيره يصير معلقا بذمتي
ولا أدري ما أصنع. ثم إن جعفر جلس في بيته ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع
أرسل له الخليفة يطلبه فلما تمثل بين يديه قال له أين قاتل الصبية قال
جعفر يا أمير المؤمنين أأنا أعلم الغيب حتى أعرف قاتلها؟، فاغتاظ الخليفة
وأمر بصلبه على باب قصره وأمر مناديا ينادي في شوارع بغداد من أراد
الفرجة على صلب جعفر البرمكي وزير الخليفة وصلب أولاد عمه على باب قصر
الخليفة ليخرج ليتفرج. فخرج الناس من جميع الحارات ليتفرجوا على صلب
جعفر وصلب أولاد عمه ولم يعلموا سبب ذلك ثم أمر بنصب الخشب فنصبوه
وأوقفهم تحته لأجل الصلب وصاروا ينتظرون الإذن من الخليفة وصار الخلق
يتباكون على جعفر وعلى أولاد عمه.
فبينما هم كذلك وإذا بشاب حسن نقي
الأثواب يمشي بين الناس مسرعا إلى أن وقف بين يدي الوزير وقال له
سلامتك من هذه الوقفة يا سيد الأمراء وكهف الفقراء، أنا الذي قتلت
القتيلة التي وجدتموها في الصندوق، فاقتلني فيها واقتص مني. فلما سمع
جعفر كلام الشاب وما أبداه من الخطاب فرح بخلاص نفسه وحزن على الشاب.
فبينما هم في الكلام وإذا بشيخ كبير يفسح الناس ويمشي بينهم بسرعة إلى
أن وصل إلى جعفر والشاب فسلم عليهما ثم قال أيها الوزير لا تصدق كلام
هذا الشاب فإنه ما قتل هذه الصبية إلا أنا فاقتص لها مني. فقال الشاب
أيها الوزير، إن هذا الشيخ كبير خرفان لا يدري ما يقول وأنا الذي
قتلتها فاقتص مني. فقال الشيخ، يا ولدي أنت صغير تشتهي الدنيا وأنا
كبير شبعت من الدنيا وأنا أفديك وأفدي الوزير وبني عمه وما قتل الصبية
إلا أنا، فبالله عليك أن تعجل بالإقتصاص مني، فلما نظر إلى ذلك الأمر
تعجب منه وأخذ الشاب والشيخ وطلع بهما عند الخليفة وقال يا أمير
المؤمنين قد حضر قاتل الصبية فقال الخليفة أين هو، فقال إن هذا الشاب
يقول أنا القاتل وهذا الشيخ يكذبه ويقول لا بل أنا القاتل. فنظر
الخليفة إلى الشيخ والشاب وقال من منكما قتل هذه الصبية فقال الشاب ما
قتلتها إلا أنا وقال الشيخ ما قتلها إلا أنا.
فقال الخليفة لجعفر خذ
الإثنين واصلبهما فقال جعفر إذا كان القاتل واحد فقتل الثاني ظلم، فقال
الشاب: وحق من رفع السماء وبسط الأرض أني أنا الذي قتلت الصبية وهذه
أمارة قتلها، ووصف ما وجده الخليفة فتحقق عند الخليفة أن الشاب هو الذي
قتل الصبية فتعجب الخليفة وقال: وما سبب إقرارك بالقتل من غير ضرب
وقولك اقتصوا لها مني.
فقال الشاب: أعلم يا أمير المؤمنين أن هذه
الصبية زوجتي وبنت عمي وهذا الشيخ أبوها وهو عمي وتزوجت بها وهي بكر
فرزقني الله منها ثلاثة أولاد ذكور وكانت تحبني وتخدمني ولم أر عليها
شيئا، فلما كان أول هذا الشهر مرضت مرضا شديدا فأحضرت لها الأطباء حتى
حصلت لها العافية فأردت أن أدخلها الحمام فقالت إني أريد شيئا قبل دخول
الحمام لأني أشتهيه فقلت لها وما هو فقالت: إني أشتهي تفاحة أشمها وأعض
منها عضة. فطلعت من ساعتي إلى المدينة وفتشت على التفاح ولو كانت
الواحدة بدينار فلم أجده فبت تلك الليلة وأنا متفكر فلما أصبح الصباح
خرجت من بيتي ودرت على البساتين واحد واحد فلم أجده فيها فصادفني بستانىّ
كبير فسألته عن التفاح فقال: يا ولدي هذا شيء قل أن يوجد لأنه معدوم
ولا يوجد إلا في بستان أمير المؤمنين الذي في البصرة وهو عند بستانىّ
يدخره للخليفة فجئت إلى زوجتي وقد حملتني محبتي إياها على أن هيأت نفسي
وسافرت يوما ليلا ونهارا في الذهاب والإياب وجئت لها بثلاث تفاحات
إشتريتها من بستانىّ البصرة بثلاثة دنانير، ثم إني دخلت وناولتها إياها
فلم تفرح بها بل تركتها في جانبها وكان مرض الحمى قد اشتد بها، ولم تزل
في ضعفها إلى أن مضى لها عشرة أيام وبعد ذلك عوفيت فخرجت من البيت
وذهبت إلى دكاني وجلست في بيعي وشرائي.
فبينما أنا جالس في وسط النهار
وإذا بعبد أسود مر علي وفي يده تفاحة يلعب بها فقلت له: من أين هذه
التفاحة حتى آخذ مثلها فضحك وقال أخذتها من حبيبتي وأنا كنت غائبا وجئت
فوجدتها ضعيفة وعندها ثلاث تفاحات فقالت إن زوجي الديوث سافر من شأنها
إلى البصرة فاشتراها بثلاثة دنانير فأخذت منها هذه التفاحة، فلما سمعت
كلام العبد يا أمير المؤمنين اسودت الدنيا في وجهي وقفلت دكاني وجئت
إلى البيت وأنا فاقد العقل من شدة الغيظ فلم أجد التفاحة الثالثة فقلت
لها: أين التفاحة الثالثة فقالت لا أدري ولا أعرف أين ذهبت. فتحققت قول
العبد وقمت وأخذت سكينا وركبت على صدرها ونحرتها بالسكين وقطعت رأسها
وأعضائها ووضعتها في القفة بسرعة وغطيتها بالإزار ووضعت عليها شقة بساط
وأنزلتها في الصندوق وقفلته وحملتها على بغلتي ورميتها في الدجلة بيدي.
فبالله عليك يا أمير المؤمنين أن تعجل بقتلي قصاصا لها فإني خائف من
مطالبتها يوم القيامة فإني لما رميتها في بحر الدجلة ولم يعلم بها أحد
رجعت إلى البيت فوجدت ولدي الكبير يبكي ولم يكن له علم بما فعلت في
أمه.
فقلت له ما يبكيك فقال إني أخذت تفاحة من التفاح الذي عند أمي
ونزلت بها إلى الزقاق ألعب مع إخوتي وإذا بعبد طويل خطفها مني وقال لي
من أين جاءتك هذه فقلت له هذه سافر أبي وجاء بها من البصرة من أجل أمي
وهي ضعيفة واشترى ثلاث تفاحات بثلاثة دنانير فأخذها مني وضربني وراح
بها فخفت من أمي أن تضربني من شأن التفاحة. فلما سمعت كلام الولد علمت
أن العبد هو الذي افترى الكلام الكذب على بنت عمي وتحققت أنها قتلت
ظلما ثم إني بكيت بكاء شديدا وإذا بهذا الشيخ وهو عمي والدها قد أقبل
فأخبرته بما كان فجلس بجانبي وبكى ولم نزل نبكي إلى نصف الليل وأقمنا
العزاء خمسة أيام ولم نزل إلى هذا اليوم ونحن نتأسف على قتلها،
فبحرمة
أجدادك أن تعجل بقتلي وتقتص مني. فلما سمع الخليفة كلام الشاب تعجب
وقال والله لا أقتل إلا العبد الخبيث .
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن
الكلام المباح .
ونلتقى فى الليلة القادمة إن شاءالله
مودتى للجميع
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
الليلة العشرون
قالت شهرزاد للملك شهريار :
بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة اقسم أنه لا يقتل إلا العبد
لأن الشاب معذور، ثم أن الخليفة التفت إلى جعفر وقال له أحضر لي هذا
العبد الخبيث الذي كان سببا في هذه القضية وإن لم تحضره فأنت تقتل عوضا
عنه، فنزل يبكي ويقول: من أين أحضره ولا كل مرة تسلم الجرة وليس لي في
هذا الأمر حيلة والذي سلمني في الأول يسلمني في الثاني، والله ما بقيت
أخرج من بيتي ثلاثة أيام والحق سبحانه يفعل ما يشاء. ثم أقام في بيته
ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع أحضر القاضي وأوصى وودع أولاده وبكى وإذا
برسول الخليفة أتى إليه وقال له أن أمير المؤمنين في أشد ما يكون من
الغضب وأرسلني إليك وحلف أنه لا يمر هذا النهار إلا وأنت مقتول إن لم
تحضر العبد. فلما سمع جعفر هذا الكلام بكى هو وأولاده
فلما فرغ من
التوديع تقدم إلى بنته الصغيرة ليودعها وكان يحبها أكثر من أولاده
جميعا فضمها إلى صدره وبكى على فراقها فوجد في جيبها شيء مكببا فقال
لها ما الذي في جيبك فقالت له يا أبت تفاحة جاء بها عبدنا ريحان ولها
معي أربعة أيام وما أعطاها لي حتى أخذ مني دينارين. فلما سمع جعفر بذكر
العبد والتفاحة فرح وقال يا قريب الفرج، ثم إنه أمر بإحضار العبد فحضر
فقال له من أين هذه التفاحة فقال يا سيدي من مدة خمسة أيام كنت ماشيا
فدخلت في بعض أزقة المدينة فنظرت صغار يلعبون ومع واحد منهم هذه
التفاحة فخطفتها منه وضربته فبكى وقال هذه لأمي وهي مريضة واشتهت على
أبي تفاحا فسافر إلى البصرة وجاء لها بثلاث تفاحات بثلاث دنانير فأخذت
هذه ألعب بها ثم بكى فلم ألتفت إليه وأخذتها وجئت بها إلى هنا فأخذتها
سيدتي الصغيرة بدينارين،
فلما سمع جعفر هذه القصة تعجب لكون الفتنة
وقتل الصبية من عبده وأمر بسجن العبد وفرح بخلاص نفسه
ثم أنشد هذين
البيتين:
ومن كانت دريته بعـبـد فما للنفس تجعله فداهـا
فإنك واجد خدما كـثـيرا ونفسك لم تجد نفسا سواها
ثم أنه قبض على العبد وطلع به إلى الخليفة فأمر أن تؤرخ هذه الحكاية
وتجعل سيرا بين الناس فقال له جعفر لاتعجب يا أمير المؤمنين من هذه
القصة فما هي بأعجب من حديث نور الدين مع شمس الدين أخيه فقال الخليفة
وأي حكاية أعجب من هذه الحكاية فقال جعفر: يا أمير المؤمنين لا أحدثك
إلا بشرط أن تعتق عبدي من القتل. فقال قد وهبت لك دمه.
حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه
فقال جعفر: أعلم يا أمير المؤمنين أنه كان في مصر سلطان صاحب عدل
وإحسان له وزير عاقل خبير له علم بالأمور والتدبير وكان شيخا كبيرا وله
ولدان كأنهما قمران وكان الكبير شمس الدين وأدهم الصغير نور الدين وكان
الصغير أميز من الكبير في الحسن والجمال وليس في زمانه أحسن منه حتى
أنه شاع ذكره في البلاد فكان بعض أهلها يسافر من بلاده إلى بلده لأجل
رؤية جماله، فأتفق أن والدهما مات فحزن عليه السلطان وأقبل على الولدين
وفر بهما وخلع عليهما وقال لهما أنتما في مرتبة أبيكما ففرحا وقبلا
الأرض بين يديه وعملا العزاء لأبيهما شهرا كاملا ودخلا في الوزارة وكل
منهما يتولاها جمعة وإذا أراد السلطان السفر يسافر مع واحد منهما،
فاتفق في ليلة من الليالي أن السلطان كان عازما على السفر في الصباح
وكانت النوبة للكبير. فبينما الأخوان يتحدثان في تلك الليلة: إذ قال
الكبير يا أخي قصدي أن أتزوج أنا وأنت في ليلة واحدة فقال الصغير إفعل
يا أخي ما تريد فإني موافقك على ما تقول واتفقا على ذلك. ثم أن الكبير
قال لأخيه إن قدر الله وخطبنا بنتين ودخلنا في ليلة واحدة ووضعنا في
يوم واحد وأراد الله وجاءت زوجتك بغلام وجاءت زوجتي ببنت نزوجهما
لبعضهما لأنهما أولاد عم فقال نور الدين يا أخي ما تأخذ من ولدي في مهر
بنتك قال آخذ من ولدك في مهر بنتي ثلاثة آلاف دينار وثلاثة بساتين
وثلاث ضياع فإن عقد الشاب عقده بغير هذا لا يصح. فلما سمع نور الدين
هذا الكلام قال ما هذا المهر الذي اشترطه على ولدي أما تعلم أننا إخوان
ونحن الإثنان وزيران في مقام واحد وكان الواجب عليك أن تقدم ابنتك
لولدي هدية من غير مهر، فانك تعلم أن الذكر أفضل من الأنثى وولدي ذكر
ويذكر به وخلاف ابنتك فقال ومالها قال لا ذكر بها بين الأمراء ولكن أنت
تريد أن تفعل معي على رأي الذي قال أن أردت أن تطرده فأجمل الثمن
غاليا، وقيل أن بعض الناس قدم على بعض أصحابه فقصده في حاجة فغلى عليه
الثمن. فقال له شمس الدين أراك قد قصرت لأنك تعمل إبنك أفضل من بنتي
ولا شك أنك ناقص عقل وليس لك أخلاق حيث تذكر شركة الوزارة وأنا ما
أدخلتك معي في الوزارة إلا شفقة عليك ولأجل أن تساعدني وتكون لي معينا
ولكن قل ما شئت وحيث صدر منك هذا القول والله لا أزوج بنتي لولدك ولو
وزنت ثقلها ذهبا، فلما سمع نور الدين كلام أخيه اغتاظ وقال وأنا لا
أزوج إبني إبنتك فقال شمس الدين أنا لا أرضاه لها بعلا ولو أنني أريد
السفر لكنت عملت معك العبر ولكن لما أرجع من السفر يعمل الله ما يريد.
فلما سمع نور الدين من أخيه ذلك الكلام امتلأ غيظا وغاب عن الدنيا وكتم
ما به وبات كل واحد في ناحية. فلما أصبح الصباح برر السلطان للسفر وذهب
إلى الجزيرة وقصد الأهرام وصحبه الوزير شمس الدين، وأما أخوه نور الدين
فبات في تلك الليلة في أشد ما يكون من الغيظ فلما أصبح الصباح قام وصلى
الصبح وعمد إلى خزانته وأخذ منها خرجا صغيرا وملأه ذهبا وتذكر قول أخيه
واحتقاره إياه وافتخاره
فأنشد هذه الأبيات:
سافر تجد عوضا عمن تـفـارقـه وانصب فإن لذيذ
العيش في النصب
ما في المقام لـذي لـب وذي أدب معزة فاترك الأوطان
واغـتـرب
إني رأيت وقوف المـاء يفـسـده فإن جرى طاب أو لم
يجر لم يطب
والبدر أقول منـه مـا نـظـرت إليه في كل
حين عين مـرتـقـب
والأسد لولا فراق الغاب ما قنصت والسهم لولا فراق
القوس لم يصب
والتبر كالتراب ملقى في أماكـنـه والعود في أرضه
نوع من الحطب
فإن تغرب هذا عـز مـطـلـبـه وإن أقام فلا
يعلـو إلـى رتـب
فلما فرغ من شعره أمر بعض غلمانه أن يشد له بغلة سريعة المشي فشدها
ووضع عليها سرجا مذهبا بركابات هندية وعباءات من القطيفة الأصفهانية
فسارت كأنها عروس مجلّية وأمر أن يجعل عليها بساط حرير وسجادة وأن يوضع
الخرج من تحت السجادة ثم قال للغلام والعبيد:
قصدي أن أتفرج خارج المدينة وأروح نواحي القليوبية وأبيت ثلاث ليال
فلا يتبعني منكم أحد فإن عندي ضيق صدر. ثم أسرع وركب البغلة وأخذ معه
شيئا قليلا من الزاد وخرج من مصر واستقبل البر فما جاء عليه الظهر حتى
دخل مدينة بلبيس فنزل عن بغلته واستراح وأراح البغلة وأكل شيئا وأخذ من
بلبيس ما يحتاج إليه وما يعلق به على بغلته ثم استقبل البر فما جاء
عليه الظهر بعد يومين حتى دخل مدينة القدس فنزل عن بغلته واستراح وأراح
بغلته وأخرج شيئا أكله ثم وضع الخرج تحت رأسه وفرش البساط ونام في مكان
والغيظ غالب عليه، ثم أنه بات في ذلك المكان. فلما أصبح الصباح ركب
وصار يسوق البغلة إلى أن وصل إلى مدينة حلب فنزل في بعض الخانات وأقام
ثلاثة أيام حتى استراح وأراح البغلة وشم الهواء ثم عزم على السفر وركب
بغلته وخرج مسافراً ولا يدري أين يذهب ولم يزل سائراً إلى أن وصل إلى
مدينة البصرة ليلاً ولم يشعر بذلك حتى نزل في الخان وأنزل الخرج عن
البغلة وفرش السجادة وأودع البغلة بعدتها عند البواب وأمره أن يسيرها
فأخذها وسيرها فاتفق أن وزير البصرة كان جالس في شباك قصره فنظر إلى
البغلة ونظر ما عليها من العدة المثمنة فظنها بغلة وزير من الوزراء أو
ملك من الملوك، فتأمل في ذلك وحار عقله وقال لبعض غلمانه ائتني بهذا
البواب. فذهب الغلام إلى الوزير فتقدم البواب وقبل الأرض بين يديه وكان
الوزير شيخا كبيرا، فقال للبواب من صاحب هذه البغلة وما صفاته، فقال
البواب يا سيدي إن صاحب هذه البغلة شاب صغير ظريف الشمائل من أولاد
التجار عليه هيبة ووقار. فلما سمع الوزير كلام البواب قام على قدميه
وركب وسار إلى الخان، ودخل على الشاب فلما رأى نور الدين الوزير قادما
عليه قام ولاقاه واحتضنه ونزل الوزير من فوق جواده وسلم عليه فرحب به
وأجلسه عنده، وقال له يا ولدي من أين أقبلت وماذا تريد. فقال نور الدين
يا مولاي إني قدمت من مدينة مصر، وكان أبي وزيرا فيها وقد انتقل إلى
رحمة الله وأخبره بما جرى من المبتدأ إلى المنتهى ثم قال وعزمت على
نفسي أن لا أعود أبدا حتى أنظر جميع المدن والبلدان، فلما سمع الوزير
كلامه قال له يا ولدي لا تطاوع النفس فترميك في الهلاك، فإن البلدان
خراب وأنا أخاف عليك من عواقب الزمان. ثم إنه أمر بوضع الخرج عن البغلة
والبساط والسجادة، وأخذ نور الدين معه إلى بيته وأنزله في مكان ظريف
وأكرمه وأحسن إليه وأحبه حبا شديدا وقال له يا ولدي أنا بقيت رجلا
كبيرا ولم يكن لي ولد ذكر وقد رزقني الله بنتا تقاربك في الحسن ومنعت
عنها خطابا كثيرة وقد وقع حبك في قلبي، فهل لك أن تأخذ إبنتي جارية
لخدمتك وتكون لها بعلاً. فإن كنت تقبل ذلك أطلع إلى سلطان البصرة وأقول
له أنه ولد أخي وأوصلك إليه، حتى أجعلك وزيرا مكاني وألزم أنا بيتي
فإني صرت رجلا كبيرا. فلما سمع نور الدين كلام وزير البصرة أطرق برأسه
ثم قال سمعا وطاعة، ففرح الوزير بذلك وأمر غلمانه أن يصنعوا له طعاما
وأن يزينوا قاعة الجلوس الكبرة المعدة لحضور أكابر الأمراء، ثم جمع
أصحابه ودعا أكابر الدولة وتجار البصرة فحضروا بين يديه وقال لهم أنه
كان لي أخ وزير بالديار المصرية ورزقه الله ولدين وأنا كما تعلمون
رزقني الله بنتا، وكان أخي أوصاني أن أزوج بنتي لأحد أولاده فأجبته إلى
ذلك فلما استحقت الزواج أرسل إلي أحد أولاده وهو هذا الشاب الحاضر،
فلما جاءني أحببت أن أكتب كتابه على بنتي ويدخل بها عندي. فقالوا: نعم
ما قلت، ثم شربوا السكر ورشوا ماء الورود وانصرفوا وأما الوزير فإنه
أمر غلمانه أن يأخذوا نور الدين ويدخلوا به الحمام وأعطاه الوزير بدلة
من خاص ملبوسه وأرسل إليه الفوط والطاسات ومجامر البخور وما يحتاج إليه
فلما خرج من الحمام لبس البدلة فصار كالبدر ليلة تمامه، ثم ركب بغلته
ودخل على الوزير فقبل يده، ورحب الوزير
وحينها قام الديك وصاح وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن
الكلام المباح.
ونلتقى فى ليلة قادمة إن شاءالله
عدل سابقا من قبل sad angel في الإثنين 21 سبتمبر 2009 - 11:41 عدل 1 مرات
- The Bigest HackerVIP™
- المشاركات : 546
الوظيفة : Hack
الليلة الواحدة والعشرون
قالت شهرزاد:
بلغني أيها الملك السعيد
أن الوزير قام له ورحب به وقال له: قم
وأدخل هذه الليلة على زوجتك وفي غد أطلع بك إلى السلطان، وأرجوا لك من
الله كل خير فقام نور الدين ودخل على زوجته بنت الوزير هذا ما كان من
أمر نور الدين وأما ما كان من أمر أخيه فإنه غاب مع السلطان مدة في
السفر، ثم رجع فلم يجد أخاه فسأل عنه الخدم، فقالوا له من يوم سافرت مع
السلطان ركب بغلته بعدة الموكب، وقال أنا متوجه إلى جهة القليوبية
فأغيب يوما أو يومين فإن صدري ضاق ولا يتبعني، منكم أحد. ومن يوم خروجه
إلى هذا اليوم لم نسمع له خبرا فتشوش خاطر شمس الدين على فراق أخيه
واغتم غما شديدا لفقده وقال في نفسه ما سبب ذلك إلا أني أغلظت عليه في
الحديث ليلة سفري مع السلطان فلعله تغير خاطره وخرج مسافرا فلا بد أن
أرسل خلفه ثم طلع وأعلم السلطان بذلك فكتب بطاقات وأرسل بها إلى نوابه
في جميع البلاد ونور الدين قطع بلادا بعيدة في مدة غياب أخيه مع
السلطان فذهبت الرسل بالمكاتيب ثم عادوا ولم يقفوا له على خبر ويئس شمس
الدين من أخيه، وقال لقد أغظت بكلامي من جهة زواج الأولاد فليت ذلك لم
يكن وما حصل ذلك إلا من قلة عقلي وعدم تدبيري. ثم بعد مدة يسيرة خطب
بنت رجل من تجار مصر وكتب كتابه عليها ودخل بها وقد اتفق أن ليلة دخول
شمس الدين، على زوجته كانت ليلة دخول نور الدين على زوجته بنت وزير
البصرة وذلك بإرادة الله تعالى حتى ينفذ حكمه في خلقه وكان الأمر كما
قالاه فاتفق أن الزوجتين حملتا منهما وقد وضعت زوجة شمس الدين وزير مصر
بنتا لا يرى في مصر أحسن منها، ووضعت زوجة نور الدين، ولدا ذكرا لا يرى
في زمانه أحسن منه
كما قال الشاعر:
ومهفهف يغني النديم بـريقـه عن كأسه الملأى وعن أبريقه
فعل المدام ولونها ومذاقـهـا من مقلتيه ووجنتـيه
وريقـه
فسموه حسنا وفي سابع ولادته صنعوا الولائم وعملوا أسمطة لا تصلح إلا
لأولاد الملوك ثم أن وزير البصرة أخذ معه نور الدين وطلع به إلى
السلطان فلما صار قدامه قبل الأرض بين يديه وكان نور الدين فصيح اللسان
ثابت الجنان صاحب حسن وإحسان فأنشد قول الشاعر:
هذا الذي عم الأنام بعدلـه وسطا فمهد سائر الآفـاق
أشكر صنائعه فلسن صنائعا لكنهن قـلائد الأعـنـاق
وألثم أنامله فلسن أنـامـلا لكنهن مفـاتـح الأرزاق
فألزمها السلطان وشكر نور الدين على ما قال وقال لوزيره من هذا الشاب
فحكى له الوزير قصته من أولها إلى آخرها وقال له هذا إبن أخي فقال وكيف
يكون إبن أخيك ولم نسمع به، فقال يا مولانا السلطان إنه كان لي أخ وزير
بالديار المصرية وقد مات وخلف ولدين، فالكبير جلس في مرتبة والده وزيرا
وهذا الصغير جاء عندي وحلف أني لا أزوج إبنتي إلا له، فلما جاء زوجته
بها وهو شاب وأنا صرت شيخا كبيرا وقل سمعي وعجز تدبيري والقصد من
مولانا السلطان أن يجعله في مرتبتي، فإنه إبن أخي وزوج إبنتي وهو أهل
للوزارة لأنه صاحب رأي وتدبير.
فنظر السلطان إليه فأعجبه، واستحسن رأي
الوزير بما أشار عليه من تقديمه في رتبة الوزراء فأنعم عليه بها، وأمر
له بخلعة عظيمة، وزاد له الجوامك والجرايات إلى أن إتسع عليه الحال
وسار له مراكب تسافر من تحت يده بالمتاجر وغيرها وعمر أملاكا كثيرة
ودواليب وبساتين إلى أن بلغ عمر ولده حسن أربع سنين، فتوفي الوزير
الكبير والد زوجة نور الدين، فأخرجه خرجة عظيمة وأوراه في التراب ثم
اشتغل بعد ذلك بتربية ولده فلما بلغ أشده أحضر له فقيها يقرئه في بيته
وأوصاه بتعليمه وحسن تربيته فأقرأه وعلمه فوائد في العلم بعد أن حفظ
القرآن في مدة سنوات وما زال حسن يزداد جمالا وحسنا واعتدالا
كما قال
الشاعر:
قمر تكامل في المحاسن وانتهى فالشمس تشرق من شقائق خده
ملك الجمال بأسره فكـأنـمـا حسن البرية كلها من
عـنـده
وقد رباه الفقيه في قصر أبيه ومن حين نشأته لم يخرج من قصر الوزارة إلى
أن أخذه والده الوزير نور الدين يوما من الأيام وألبسه بدلة من أفخر
ملبوسه وأركبه بغلة من خيار بغاله وطلع به إلى السلطان ودخل به عليه
فنظر الملك حسن بدر الدين بن الوزير نور الدين فانبهر من حسنه، وقال
لأبيه يا وزير لابد أنك تحضره معك في كل يوم فقال سمعا وطاعة ثم عاد
الوزير بولده إلى منزله وما زال يطلع به إلى حضرة السلطان في كل يوم
إلى أن بلغ الولد من العمر خمسة عشر عاما ثم ضعف والده الوزير نور
الدين، فاحضره وقال له يا ولدي أعلم أن الدنيا دار فناء والآخرة دار
بقاء وأريد أن أوصيك وصايا فافهم ما أقول لك وأصغ قلبك إليه وصار يوصيه
بحسن عشرة الناس وحسن التدبير. ثم إن نور الدين تذكر أخاه وأوطانه
وبلاده وبكى على فرقة الأحباب، وسجت دموعه وقال يا ولدي إسمع قولي فإن
لي أخا يسمى شمس الدين، وهو عمك ولكنه وزير بمصر قد فارقته وخرجت على
غير رضاه، والقصد أنك تأخذ دوجا من الورق وتكتب ما أمليه عليك فأحضر
قرطاسا وصار يكتب فيه كل ما قاله أبوه فأملى عليه جميع ما جرى له من
أوله إلى آخره وكتب له تاريخ زواجه ودخوله على بنت الوزير وتاريخ وصوله
إلى البصرة واجتماعه بوزيرها. وكتب وصية موثقة ثم قال لولده: إحفظ هذه
الوصية فإن ورقتها فيها، أصلك وحسبك ونسبك فإن أصابك شئ من الأمور
فاقصد مصر، واستدل على عمك وسلم عليه وأعلمه أني مت غريبا مشتاقا إليه
فأخذ حسن بدر الدين، الرقعة وطواها ولف عليها خرقة مشمعة وخاطها بين
البطانة والظهارة وصار يبكي على أبيه من أجل فراقه وهو صغير
وما زال
نور الدين يوصي ولده حسن بدر الدين حتى طلعت روحه فأقام الحزن في بيته
وحزن عليه السلطان وجميع الأمراء ودفنوه ولم يزالوا في حزن مدة شهرين،
وولده لم يركب ولم يطلع الديوان ولم يقابل السلطان وأقام مكانه بعض
الحجاب، وولى السلطان وزيرا مكانه وأمره أن يختم على أماكن نور الدين
وعلى عماراته وعلى أملاكه. فنزل الوزير الجديد وأخذ الحجاب وتوجهوا إلى
بيت الوزير نور الدين يختمون عليه ويقبضون على ولده حسن الدين ويطلعون
به إلى السلطان ليعمل فيه ما يقتضي رأيه وكان بين العسكر مملوك من
مماليك الوزير نور الدين، المتوفي فلم يهن عليه ولد سيده فذهب ذلك
المملوك إلى حسن بدر الدين فوجده منكس الرأس حزين القلب على فراق والده
فأعلمه بما جرى، فقال له هل في الأمر مهلة حتى أدخل فآخذ معي شيئا من
الدنيا لأستعين به على الغربة فقال له المملوك أنج بنفسك فلما سمع كلام
المملوك غطى رأسه بذيله وخرج ماشيا
إلى أن صار خارج المدينة فسمع الناس
يقولون أن السلطان أرسل الوزير الجديد إلى بيت الوزير المتوفي ليختم
على ماله وأماكنه ويقبض على ولده حسن بدر الدين ويطلع به إليه فيقتله
وصارت الناس تتأسف على حسنه وجماله فلما سمع كلام الناس خرج إلى غير
مقصد ولم يعلم أين يذهب. فلم يزل سائرا إلى أن ساقته المقادير إلى تربة
والده فدخل المقبرة ومشى بين القبور إلى أن جلس عند قبر أبيه وأزال
ذيله من فوق رأسه، فبينما هو جالس عند تربة أبيه إذ قدم عليه يهودي من
البصرة وقال يا سيدي مالي أراك متغيرا فقال له إني كنت نائما في هذه
الساعة، فرأيت أبي يعاتبني على عدم زيارتي قبره فقمت وأنا مرعوب وخفت
أن يفوت النهار ولم أزره، فيصعب علي الأمر، فقال له اليهودي يا سيدي إن
أباك كان أرسل مراكب تجارة وقدم منها البعض ومرادي أن أشتري منك وثائق
كل مركب قدمت بألف دينار ثم أخرج اليهودي كيسا ممتلئا من الذهب، وعد
منه ألف دينار ودفعه إلى حسن إبن الوزير ثم قال اليهودي إكتب لي ورقة
واختمها فأخذ حسن إبن الوزير ورقة وكتب فيها كاتب هذه الورقة حسن بدر
الدين إبن الوزير نور الدين قد باع اليهودي فلان جميع وثائق كل مركب،
وردت من مراكب أبيه المسافرة بألف دينار وقبض الثمن على سبيل التعجيل.
فأخذ اليهودي الورقة وصار حسن يبكي ويتذكر ما كان فيه من العز والإقبال
ثم دخل عليه الليل وأدركه النوم فنام عند قبر أبيه
ولم يزل نائما حتى
طلع القمر فتدحرجت رأسه عن القبر ونام على ظهره وصار يلمع وجهه في
القمر وكانت المقابر عامرة بالجن المؤمنين، فخرجت جنية فنظرت وجه حسن
وهو نائم فلما رأته تعجبت من حسنه وجماله وقالت سبحان الله ما هذا
الشاب إلا كأنه من الحور العين، ثم طارت إلى الجو تطوف على عادتها فرأت
عفريتا طائرا فسلمت عليه وسلم عليها فقالت له من أين أقبلت قال: من مصر
فقالت له هل لك أن تروح معي، حتى تنظر إلى حسن هذا الشاب النائم في
المقبرة فقال لها نعم فسارا حتى نزلا في المقبرة فقالت له هل رأيت في
عمرك مثل هذا فنظر العفريت إليه وقال سبحان من لا شبيه له ولكن يا أختي
إن أردت حدثتك بما رأيت فقالت له حدثني، فقال لها إني رأيت مثل هذا
الشاب في إقليم مصر وهي بنت الوزير وقد علم بها الملك فخطبها من أبيها
شمس الدين. فقال له يا مولانا السلطان أقبل عذري وارحم عبرتي فإنك تعرف
أن أخي نور الدين خرج من عندنا ولا نعلم أين هو، وكان شريكي في الوزارة
وسبب خروجه أني جلست أتحدث معه في شأن الزواج فغضب مني وخرج مغضبا وحكى
للملك جميع ما جرى بينهما، ثم قال للملك فكان ذلك سببا لغيظه وأنا حالف
أن لا أزوج بنتي إلا لإبن أخي من يوم ولدتها أمها وذلك نحو ثماني عشرة
سنة ومن مدة قريبة سمعت أن أخي تزوج بنت وزير البصرة وجاء منها بولد
وأنا لا أزوج بنتي إلا له كرامة، لأخي ثم إني أرخت وقت زواجي وحمل
زوجتي وولدة هذه البنت وهي باسم ابن عمها والبنات كثير. فلما سمع
السلطان كلام الوزير غضب غضبا شديدا، وقال له كيف يخطب مثلي من مثلك
بنتا فتمنعها منه وتحتج بحجة باردة وحياة رأسي لا أزوجها إلا لأقل مني
برغم أنفك.
وأدرك شهرزادالصباح
فسكتت عن الكلام المباح
ونلتقى فى ليلةٍ أخرى من ليالى ألف ليلة وليلة
****************************************************************
وان شاء الله اكمل القصة فى وقت اخر
مواضيع مماثلة
للمشاركة انت بحاجه الى تسجيل الدخول او التسجيل
يجب ان تعرف نفسك بتسجيل الدخول او بالاشتراك معنا للمشاركة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى