نساء رائدات
صفحة 2 من اصل 2 • شاطر
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
- محمد منسىVIP™
- المشاركات : 3296
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
خديجة بنت خويلد
سيدة نساء قريش
كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يخرج من البيت حتى يذكرها فيحسن الثناء عليها.
هى أم المؤمنين، وخير نساء العالمين، السيدة خديجة بنت خويلد -رضى اللَّه عنها- كانت تدعى في الجاهلية: الطاهرة؛ لطهارة سريرتها وسيرتها، وكان أهل مكة يصفونها بسيدة نساء قريش، وكانت ذات شرف ومال وحزم وعقل، وكان لها تجارة، فاختارت النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم بها، وبرَّرت ذلك الاختيار بقولها له: إنه مما دعانى إليك دون أهل مكة ما بلغني من صدق حديثك، وعظيم أمانتك، وكرم أخلاقك. وقد سمعت من غلامها ميسرة -الذي رافق النبي صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى الشام - ما أكد لها صدق حدسها ونظرتها في أمانته وصدقه وحسن سيرته في الناس، فقد روى لها ما رآه في طريق الذهاب والعودة عن الغمامة التي كانت تظلل النبي صلى الله عليه وسلم حين يشتد الحر، وعن خُلق النبي صلى الله عليه وسلم وسلوكياته في التجارة، وأخبرها بأنه كان لا يعرض شيئًا عُنْوة على أحد، وأنه كان أمينًا في معاملاته، فأحبه تجَّار الشام وفضَّلوه على غيره. كل هذه الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم جعلت السيدة خديجة - رضى اللَّه عنها - ترغب في الزواج من النبي صلى الله عليه وسلم، فعرضت نفسها عليه، وبعثت إليه من يخبره برغبتها في الزواج منه، لما رأت فيه من جميل الخصال وسديد الأفعال.
وفكر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الأمر، فوجد التي تدعوه إلى الزواج امرأة ذات شرف وكفاءة، من أوسط قريش نسبًا، وأطهرهم قلبًا ويدًا، فلم يتردد.
وتزوج محمد الأمين صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم وعمره خمسة وعشرون عامًا خديجة الطاهرة وعمرها أربعون عامًا، فولدت له أولاده كلهم - عدا إبراهيم - وهم: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة الزهراء، والقاسم، وعبد الله.
وكانت -رضى الله عنها- مثالا للوفاء والطاعة، تسعى إلى مرضاة زوجها، ولما رأت حبه صلى الله عليه وسلم لخادمها زيد بن حارثة وهبته له.
وعندما نزل الوحى على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كانت أول من آمن به. فقد جاءها الرسول صلى الله عليه وسلم يرتجف، ويقص عليها ما رأى في غار حراء، ويقول: "زمِّلونى زمِّلوني" أى غطُّوني. فغطته حتى ذهب عنه ما به من الخوف والفزع، ثم أخبرها - رضى اللَّه عنها - بما رأى في الغار وبما سمع، حتى قال: "لقد خشيتُ على نفسي". فأجابته بلا تردد وطمأنته في حكمة بكلماتها التي نزلت عليه بردًا وسلامًا فأذابت ما به من خوف وهلع، قائلة: "كلا واللَّه، ما يخزيك اللَّه أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتُكْسِبُ المعدوم، وتَقْرِى الضَّيف، وتُعين على نوائب الحق" [البخاري]. ثم سارعت إلى التصديق برسالته والدخول معه في الدين الجديد.. فكان قولها الحكيم تثبيتًا لفؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وتسرية عنه.
إنها لحكيمة لبيبة عاقلة، علمت بشفافيتها ونور بصيرتها حقيقة الأمر، وأن اللَّه لا يجزي عن الخير إلا الخير، ولا يجزي عن الإحسان إلا الإحسان، وأنه يزيد المهتدين هدي، ويزيد الصادقين صدقًا على صدقهم، فقالت: أبشر يابن عم واثبت، فوالذي نفسى بيده، إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة.
ثم أرادت أن تؤكد لنفسها ولزوجها صِدْقَ ما ذَهَبَا إليه، فتوجهت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل الذي كان يقرأ في التوراة والإنجيل وعنده علم بالكتاب -فقد تنصر في الجاهلية وترك عبادة الأصنام- فقصت عليه الخبر، فقال ورقة: قدوس قدُّوس، والذي نفس ورقة بيده، لئن كنت صدقْتيني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له: فليثبت.
فلما سمعت خديجة -رضى اللَّه عنها- ذلك، أسرعت بالرجوع إلى زوجها وقرة عينها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأخبرته بالنبوة والبشرى فهدَّأت من رَوْعِه.
وكانت -رضى الله عنها- تهيئ للنبي صلى الله عليه وسلم الزاد والشراب ليقضي شهر رمضان في غار حراء، وكانت تصحبه أو تزوره أحيانًا، وقد تمكث معه أيامًا تؤنس وحشته وترعاه.
ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون شِعْبِ أبى طالب، وحاصرهم كفار قريش دخلت معهم السيدة خديجة -رضى الله عنها-، وذاقت مرارة الجوع والحرمان، وهي صاحبة الثراء والنعيم.
فرضي اللَّه عن أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، كانت نعم العون لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منذ أول يوم في رحلة الدعوة الشاقة، آمنت به وصدقته، فكان إيمانها أول البشرى بصدق الدعوة وانتصار الدين. وثبتت إلى جواره وواسته بمالها، وحبها، وحكمتها، وكانت حصنًا له ولدعوته ولأصحابه الأولين، بإيمانها العميق، وعقلها الراجح، وحبها الفياض، وجاهها العريض، فوقفت بجانبه حتى اشتد ساعده، وازداد المسلمون، وانطلقت الدعوة إلى ما قدر اللَّه لها من نصر وظهور، وما هيأ لها من ذيوع وانتشار.. فلا عجب إذن إذا ما نزل جبريل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول اللَّه! هذه خديجة قد أتتك ومعها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربِّها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب (من لؤلؤ مجوَّف) لا صَخَب فيه ولانَصَب (لا ضجيج فيه ولا تعب) [متفق عليه]. ولا عجب إذا ما تفانى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حبها، إلى درجة يقول معها: "إنى لأحب حبيبها".
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما ذبح الشاة، ثم يقطعها أعضاءً، ثم يبعثها في صواحب خديجة".
لقد كانت مثاًلا للزوجة الصالحة، وللأم الحانية، وللمسلمة الصادقة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "كُمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد" [متفق عليه]. وتُوفيت -رضى اللَّه عنها- في رمضان قبل الهجرة بأعوام ثلاثة، في نفس العام الذي تُوفِّى فيه أبو طالب: عام الحزن كما سماه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، حيث فقد فيه المعين والسند، إلا رب العالمين. ودفنت بالحجون، ونزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حفرتها التي دفنت فيها، وكان موتها قبل أن تشرع صلاة الجنائز.
ورد في كتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبي قوله:
" خديجة أم المؤمنين وسيدة نساء العالمين في زمانها. أم القاسم ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشية الأسدية. أم أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من آمن به وصدقه قبل كل أحد وثبتت جأشه ومضت به إلى ابن عمها ورقة.
ومناقبها جمة. وهي ممن كمل من النساء. كانت عاقلة جليلة دينة مصونة كريمة من أهل الجنة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثني عليها ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين ويبالغ في تعظيمها بحيث إن عائشة كانت تقول: ما غرت من امرأة ما غرت من خديجة من كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها.
ومن كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنها لم يتزوج امرأة قبلها وجاءه منها عدة أولاد ولم يتزوج عليها قط ولا تسرى إلى أن قضت نحبها فوجد لفقدها فإنها كانت نعم القرين. وكانت تنفق عليه من مالها ويتجر هو صلى الله عليه وسلم لها.
وقد أمره الله أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
الواقدي: حدثنا ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس وابن أبي الزناد عن هشام وروي عن جبير بن مطعم أن عم خديجة عمرو بن أسد زوجها بالنبي صلى الله عليه وسلم وأن أباها مات قبل الفجار. ثم قال الواقدي هذا المجتمع عليه عند أصحابنا ليس بينهم اختلاف. الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بنت ثمان وعشرين سنة. قال الزبير بن بكار: كانت خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة وأمها هي فاطمة بنت زائدة العامرية.
كانت خديجة أولاً تحت أبي هالة بن زرارة التميمي ثم خلف عليها بعده عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ثم بعده النبي صلى الله عليه وسلم فبنى بها وله خمس وعشرون سنة. وكانت أسن منه بخمس عشرة سنة.
عن عائشة: أن خديجة توفيت قبل أن تفرض الصلاة وقيل: توفيت في رمضان ودفنت بالحجون عن خمس وستين سنة.
وقال مروان بن معاوية عن وائل بن داود عن عبد الله البهي قال: قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار لها فذكرها يوماً فحملتني الغيرة فقلت: لقد عوضك الله من كبيرة السن قال: فرأيته غضب غضباً أسقطت في خلدي وقلت في نفسي: اللهم إن أذهبت غضب رسولك عني لم أعد أذكرها بسوء. فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما لقيت قال: "كيف قلت؟ والله لقد آمنت بي إذ كذبني الناس وآوتني إذ رفضني الناس ورزقت منها الولد وحرمتموه مني" قالت: فغدا وراح علي بها شهراً.
قال الواقدي: خرجوا من شعب بني هاشم قبل الهجرة بثلاث سنين فتوفي أبو طالب وقبله خديجة بشهر وخمسة أيام. وقال الحاكم: ماتت بعد أبي طالب بثلاثة أيام.
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة مما كنت أسمع من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وما تزوجني إلا بعد موتها بثلاث سنين. ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب.
أبو يعلى في مسنده سماعنا: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا سهل بن زياد ثقة: حدثني الأزرق بن قيس عن عبد الله بن نوفل أو ابن بريدة عن خديجة بنت خويلد قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين أطفالي منك؟ قال: "في الجنة" قالت: فأين أطفالي من أزواجي من المشركين؟ قال: "في النار". فقلت: بغير عمل قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين" فيه انقطاع.
محمد بن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة سمع أبا هريرة يقول: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه خديجة أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. متفق على صحته.
عبد الله بن جعفر: سمعت علياً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خير نسائها خديجة بنت خويلد وخير نسائها مريم بنت عمران. أحمد: حدثنا محمد بن بشر حدثنا محمد بن عمرو: حدثنا أبو سلمة ويحيى بن عبد الرحمن قالا: لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون فقالت: يا رسول الله ألا تزوج؟ قال: "ومن" قالت: سودة بنت زمعة قد آمنت بك واتبعتك. الحديث بطوله وهو مرسل.
قال ابن إسحاق: تتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلاك أبي طالب وخديجة. وكانت خديجة وزيرة صدق. وهي أقرب إلى قصي من النبي صلى الله عليه وسلم برجل. وكانت متمولة فعرضت على النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج في مالها إلى الشام فخرج مع مولاها ميسرة. فلما قدم باعت خديجة ما جاء به فأضعف فرغبت فيه فعرضت نفسها عليه فتزوجها وأصدقها عشرين بكرة.
فأولادها منه: القاسم والطيب والطاهر ماتوا رضعاً ورقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة.
قالت عائشة: أول ما بدى به النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة...... إلى أن قالت: فقال: "إقرأ باسم ربك الذي خلق" قالت: فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: "زملوني".... فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال: "مالي يا خديجة"؟. وأخبرها الخبر وقال: "قد خشيت على نفسي". فقالت له: كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتعين على نوائب الحق. وانطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل بن أسد وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الخط العربي وكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب وكان شيخاً قد عمي. فقالت: اسمع من ابن أخيك ما يقول. فقال: يا ابن أخي ما ترى فأخبره. فقال: هذا الناموس الذي أنزل على موسى الحديث.
قال الشيخ عز الدين بن الأثير: خديجة أول خلق الله أسلم لإجماع المسلمين.
وقال الزهري وقتادة وموسى بن عقبة وابن إسحاق والواقدي وسعيد ين يحيى: أول من آمن بالله ورسوله خديجة وأبو بكر وعلي رضي الله عنهم.
قال ابن إسحاق: حدثني إسماعيل بن أبي حكيم أنه بلغه عن خديجة أنها قالت: يا ابن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاءك فلما جاءه قال: يا خديجة هذا جبريل فقالت: اقعد على فخذي ففعل فقالت: هل تراه قال: نعم قالت: فتحول إلى الفخذ اليسرى ففعل: قالت: هل تراه قال: نعم فألقت خمارها وحسرت عن صدرها. فقالت: هل تراه قال: لا قالت: أبشر فإنه والله ملك وليس بشيطان.
قال ابن عبد البر: روي من وجوه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا خديجة جبريل يقرئك السلام وفي بعضها "يا محمد اقرأ على خديجة من ربها السلام".
قال ابن عبد البر: روي من وجوه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا خديجة جبريل يقرئك السلام وفي بعضها "يا محمد اقرأ على خديجة من ربها السلام".
عن حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خديجة سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم". في إسناده لين.
حماد بن سلمة عن حميد عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة حتى خشي عليه حتى تزوج عائشة.
معمر عن قتادة. وأبو جعفر الرازي عن ثابت واللفظ لقتادة عن أنس مرفوعاً: "حسبك من نساء العالمين أربع".
وقال ثابت عن أنس: "خير نساء العالمين مريم وآسية وخديجة بنت خويلد وفاطمة".
الدراوردي عن إبراهيم بن عقبة عن كريب عن ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم فاطمة وخديجة وامرأة فرعون آسية".
مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة فتناولتها فقلت: عجوز كذا وكذا قد أبدلك الله بها خيراً منها. قال: "ما أبدلني الله خيراً منها لقد آمنت بي حين كفر الناس وأشركتني في مالها حين حرمني الناس ورزقني الله ولدها وحرمني ولد غيرها". قلت: والله لا أعاتبك فيها بعد اليوم.
وروى عروة عن عائشة قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة.
قال الواقدي: توفيت في رمضان ودفنت بالحجون.
وقال قتادة: ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين وكذا قال عروة".
وجاء في كتاب "أسد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير المؤرخ:
" خديجة بِنْت خويلد بن أسد بن عَبْد العُزى بن قصيّ القُرَشِيَّة الأَسَدِيَّة أم المؤمنين، زوج النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم، أول امْرَأَة تزوجها، وأول خلق الله أسلم بإجماع المسلمين، لم يتقدمها رجلٌ ولا امْرَأَة.
قال الزبير: كانت تدعى في الجاهلية الطاهرة. وأمها فاطِمَة بِنْت زائدة بن الأصم، واسمه جُندب بن هذم بن رواحة بن حُجْر بن عَبْد بن مَعيص بن عامر بن لؤي. وكانت خديجة قبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت أبي هالة بن زرارة بن نبّاش بن عَديّ بن حبيب بن صُرَد بن سلامة بن جِروة أُسيِّد بن عُمر بن تميم التميمي. كذا نسبه الزبير.
وقال علي بن عَبْد العزيز الجرجاني: كانت خديجة عند أبي هالة: هِنْد بن النباش بن زُرارة بن وَقدان بن حبيب بن سلامة بن جِروَة بن أُسَيّد بن عَمْرو بن تميم.
ثم اتفقا فقالا: ثم خلف عليها بعد أبي هالة عتيق بن عابد بن عَبْد الله بن عُمر بن مخزوم المخزومي. ثم خلف عليها بعد عتيق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقال قتادة: كانت خديجة تحت عتيق بن عابد بن عَبْد الله بن عُمر بن مخزوم، ثم خلف عليها بعده أبو هالة هِنْد بن زرارة بن النباش.
قال قتادة: والقول الأول أصح إن شاء الله تعالى، قاله أبو عُمر.
وروى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: وتزوج خديجة قبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي بكر: عتيق بن عابد بن عَبْد الله بن عُمر بن مخزوم، ثم هلك عنها فتزوجها بعده أبو هالة النباش بن زرارة. قال: وكانت خديجة قبل أن ينكحها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت عتيق بن عابد بن عَبْد الله، فولدت له هِنْد بِنْت عتيق، ثم خلف عليها بعد عتيق أبو هالة مالك بن النباش بن زرارة التميمي الأسدي، حليف بني عَبْد الدار بن قصي، فولدت له هِنْد بِنْت أبي هالة، وهالة ابن أبي هالة، فهِنْد بِنْت عتيق، وهِنْد وهالة ابنا أبي هالة كلهم أخوة أولاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من خديجة.
كل ذلك ذكره الزبير، وهذا عكس ما نقله أبو عُمر عن الزبير، فإن أبا عُمر نقل عن الزبير أنها كانت عند أبي هالة أوّلاً ثم بعده عند عتيق.
ونقل أبو نعيم عن الزبير فقدَّم عتيقاً على أبي هالة، وأما الذي رويناه في نسب قريش للزبير قال: وكانت يعني خديجة قبل النَّبِيّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند عتيق بن عابد بن عَبْد الله بن عُمر بن مخزوم فولدت له جارية، وهلك عنها عتيق، فتزوجها أبو هالة بن مالك، أحد بني عَمْرو بن تميم، ثم أحد بني أُسيد.
ونقل أبو نعيم عن الزبير فقدَّم عتيقاً على أبي هالة، وأما الذي رويناه في نسب قريش للزبير قال: وكانت يعني خديجة قبل النَّبِيّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند عتيق بن عابد بن عَبْد الله بن عُمر بن مخزوم فولدت له جارية، وهلك عنها عتيق، فتزوجها أبو هالة بن مالك، أحد بني عَمْرو بن تميم، ثم أحد بني أُسيد.
قال الزبير: وبعض الناس يقول: أبو هالة قبل عتيق.
وتزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خديجة رضي الله عنها قبل الوحي وعُمره حينئذ خمس وعشرون سنة وقيل: إحدى وعشرون سنة، زوّجها منه عمها عَمْرو بن أسد. ولما خطبها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال عمها: مُحَمَّد بن عَبْد الله بن عَبْد المُطَّلِب يخطب خديجة بِنْت خويلد، هذا الفحل لا يُقدَع أنفه.
وكان عُمرها حينئذ أربعين سنة وأقامت معه أربعاً وعشرين سنة. وكان سبب تزوجها برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أخبرنا أبو جعفر بإسناده عن يونس، عن ابن إسحاق قال: كانت خديجة امْرَأَة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها تضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه. فلما بلغها عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما بلغها من صدق حديثه وعِظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه وعَرَضت عليه أن يخرج في مالها إلى الشام تاجراً، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار، مع غلام لها يقال له: ميسرة، فقبله منها وخرج في مالها ومعه غلامها ميسرة، حتى قدم الشام فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ظل شجرة قريباً من صومعة راهب، فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ قال: هذا الرجل من قريش من أهل الحرم. فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلاّ نبي. ثم باع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد، ثم أقبل قافلاً إلى مَكَّة، فلما قدم على خديجة بمالها باعت ما جاء به، فأضعف أو قريبا، وحدّثها ميسرة عن قول الراهب. وكانت خديجة امْرَأَة حازمة لبيبة شريفة مع ما أراد الله بها من كرامتها. فلما اخبرها ميسرة بعثت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت له: أني قد رغبت فيك لقرابتك مني، وشرفك في قومك، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها، وكانت أوسط نساء قريش نسباً، وأعظمهم شرفاً، وأكثرهم مالاً. فلما قالت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قالت، ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه حمزة بن عَبْد المُطَّلِب حتى دخل على خويلد بن أسد، فخطبها إليه فتزوجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فولدت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولده كلهم قبل أن ينزل عليه الوحي: زينب، وأم كُلْثُوم، وفاطِمَة، ورقية، والقاسم، والطاهر، والطيب. فأما القاسم والطيب والطاهر فهلكوا قبل الإسلام، وبالقاسم كان يكنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأما بناته فأدركن الإسلام، فهاجرن معه واتبعنه وأمنّ به.
وقيل إن الطاهر والطيب ولدا في الإسلام.
وقد تقدم أن عمها عُمراً زوجها، وأن أباها كان قد مات، قاله الزبير وغيره.
واختلف العلماء في أولاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منها، فروى معُمر عن الزهري قال: زعم بعض العلماء أنها ولدت له ولداً يسمى الطاهر، وقال: قال بعضهم: ما نعلمها ولدت له إلاّ القاسم وبناته الأربع.
وقال عقيل، عن ابن هشام، وذكر بناته وقال: والقاسم والطاهر.
وقال قتادة: ولدت له خديجة غلامين، وأربع بنات: القاسم وبه كان يكنى، وعاش حتى مشى، وعَبْد الله مات صغيراً.
وقال الزبير: ولدت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم والقاسم وهو أكبر ولده ثم زينب ثم عَبْد الله وكان، يقال له الطيب، ويقال له الطاهر، ثم مات القاسم بمَكَّة، وهو أول ميت مات من ولده، ثم عَبْد الله مات أيضاً بمَكَّة.
وقال الزبير أيضاً: حدثني إبراهيم بن المنذر، عن ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن: أن خديجة بِنْت خويلد ولدت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم القاسم، والطاهر، والطيب، وعَبْد الله، وزينب ورقية، وأم كُلْثُوم، وفاطِمَة.
وقال علي بن عَبْد العزيز الجرجاني: أولاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: القاسم وهو أكبر ولده ثم زينب، قال: وقال الكلبي: زينب والقاسم، ثم أم كُلْثُوم، ثم فاطِمَة، ثم رقية، ثم عَبْد الله وكان يقال له الطيب والطاهر. قال: وهذا هو الصحيح، وغيره تخليط.
وقال الكلبي: ولد عَبْد الله في الإسلام، وكل ولده منها ولد قبل الإسلام. وأما إسلامها فأخبرنا مُحَمَّد بن مُحَمَّد سرايا بن علي وغير واحد بإسنادهم إلى مُحَمَّد بن إسماعيل: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عُقَيل، عن ابن شهاب، عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت: أوّل ما بُدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصالحة، في النوم، كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح... وذكر الحديث، قال: يعني جبريل، عليه السلام : "اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَق" فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة رضي الله عنها فقال: "زمّلوني"، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، وقال لخديجة وأخبرها الخبر: "لقد خشيت على نفسي" فقالت خديجة: كلا، والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلّ، وتُكسب المعدوم وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. وانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل، وكان أمرأ تنصر في الجاهلية، ويكتب الكتاب العبراني، ويكتب من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا ليتني فيها جَذَعاً، ليتني أكون حيّاً إذ يخرجك قومك.
أخبرنا أبو جعفر بإسناده إلى يونس، عن ابن إسحاق قال: وكانت خديجة أول من أمن بالله ورسوله، وصدّق بما جاء به، فخفف الله بذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لا يسمع شيئاً يكرهه من ردّ عليه وتكذيب له فيحزنه إلا فرّج الله عنه بها إذا رجع إليها تُثبِّته وتخفف عنه، وتصدّقه وتهوّن عليه أمر الناس، رضي الله عنها.
قال ابن إسحاق: وحدثني إسماعيل بن أبي حكيم مولى الزبير: أنه حُدّث، عن خديجة أنها قالت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا ابن عم، هل تستطيع أن تخبرني بصاحبك الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: "نعم". فبينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندها إذ جاءه جبريل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "هذا جبريل قد جاءني". فقالت: أتراه الآن؟ قال: "نعم". قالت: اجلس على شِقّي الأيسر. فجلس، فقالت: هل تراه الآن؟ قال: "نعم". قالت: فاجلس على شقي الأيمن. فجلس فقالت: هل تراه الآن؟ قال: "نعم". قالت: فتحول فاجلس في حجري. فتحول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجلس، فقالت: هل تراه؟ قال: "نعم". قال: فتحسرت وألقت خمارها، فقالت: هل تراه؟ قال: "لا". قالت: ما هذا شيطان، إن هذا لمَلَك يا ابن عم، اثبت وأبشر ثم أمنت به وشهدت أن الذي جاء به الحق.
أخبرنا أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن علي، أخبرنا أبو الفضل بن ناصر، أخبرنا أبو صالح أحمد بن عَبْد الملك المؤذّن، أخبرنا الحُسَيْن بن فاذشاه، أخبرنا أبو القاسم الطبراني حدثنا القاسم بن زكريا المطرّز، حدثنا يوسف بن موسى القطان، حدثنا تميم بن الجعد حدثنا أبو جعفر الرازي، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "خير نساء العالمين مَرْيَم بِنْت عُمران، وآسية بِنْت مزاحم، وخديجة بِنْت خويلد، وفاطِمَة بِنْت مُحَمَّد صلّى الله عليه وسلّم".
قال: وأخبرنا أبو صالح، أخبرنا أبو علي الحسن بن علي الواعظ، أخبرنا أحمد بن جعفر، أخبرنا عَبْد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا أبو عَبْد الرَّحْمَن، حدثنا داود، عن علباء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: خط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الأرض أربع خطوط، قال: "أتدرون ما هذا؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "أفضل نساء أهل الجنة خديجة بِنْت خويلد، وفاطِمَة بِنْت مُحَمَّد، ومَرْيَم بِنْت عُمران، وآسية بِنْت مزاحم امْرَأَة فرعون".
قال: في أصل الشيخ: داود مُصَلِّح، ورواه عارم: داود بن أبي الفرات، عن عِلباء بن أحمر.
أخبرنا إبراهيم وإسماعيل وغيرهما بإسنادهم عن مُحَمَّد بن عيسى: أخبرنا الحُسَيْن بن حريث، حدثنا الفضل بن موسى، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشّر خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب. أخبرنا يحيى بن محمود وعَبْد الوهاب بن أبي حبّة بإسنادهما إلى مسلم: حدثنا أبو كريب، أخبرنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عَبْد الله بن جعفر قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "خير نسائها خديجة بِنْت خويلد، وخير نسائها مَرْيَم بِنْت عُمران". قال أبو كريب: وأشار وكيع إلى السماء والأرض.
أخبرنا أبو الفضل عَبْد الله بن أحمد بن مُحَمَّد الطوسي، أخبرنا أبو جعفر بن أحمد السراج، حدثنا أبو علي بن شاذان، حدثنا أبو عَمْرو عُثْمان بن أحمد الدقاق، حدثنا ابن أبي العوّام، حدثنا الوليد بن القاسم، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن ابن أبي أوفى: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشّر خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا نَصَب فيه ولا صَخَب.
أخبرنا عَبْد الله بن أحمد أخبرنا أبو بكر بن بدران الحلواني قال: قرئ على أبي الحُسَيْن مُحَمَّد بن أحمد بن مُحَمَّد الأبنوسي وأنا أسمع، أخبركم أبو الحُسَيْن مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن بن جعفر الدينوري فأقرّ به، أخبرنا أبو بكر مُحَمَّد بن عَبْد الله بن غيلان الخزاز، حدثنا أبو هشام الرفاعي، حدثنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: ما غِرتُ على أحد من أزواج النَّبِيّ ما غرت على خديجة، وما بي أن أكون أدركتها، وما ذاك إلا لكثرة ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لها، وإن كان مما تذبح الشاة يتّبع بها صدائق خديجة، فيهديها لهنّ.
أخبرنا يحيى بن محمود وأبو ياسر بإسنادهما عن مسام قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كُريب وابن نُمير قالوا: حدثنا ابن فُضيل، عن عَمَارَة، عن أبي زُرعة قال: سمعت أبا هريرة قال: أتى جبريل النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتك ومعها إناء فيه إذام. أو طعام أو شراب. فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها، ومنّي، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب. قال أبو بكر في روايته: عن أبي هريرة ولم يقل سمعت، ولم يقل في الحديث: ومني.
وروى مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة، فيحسن الثناء عليها. فذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلا عجوزاً، فقد أبدلك الله خيراً منها! فغضب حتى اهتز مُقدّم شعره من الغضب، ثم قال: "لا، والله ما أبدلني الله خيراً منها، أمنت إذ كفر الناس، وصدّقتني وكذبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً إذ حرمني أولادَ النساء". قالت عائشة: فقلت في نفسي: لا أذكرها بسيئة أبداً.
وروى الزبير بن بكار، عن مُحَمَّد بن الحسن، عن يَعْلَى بن المغيرة عن ابن أبي رواد قال: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على خديجة في مرضها الذي ماتت فيه، فقال لها: "بالكُره مني ما أثني عليكِ يا خديجة، وقد يجعل الله في الكره خيراً كثيراً، أما علمت أن الله تعالى زوجني معك في الجنة مَرْيَم بِنْت عُمران، وكَلْثَم أخت موسى، وآسية امْرَأَة فرعون". فقالت: وقد فعل ذلك يا رسول؟ قال: "نعم". قالت: بالرفاء والبنين.
أخبرنا عُبَيْد الله بن أحمد بإسناده عن يونس، عن ابن إسحاق قال: ثم إن خديجة توفيت بعد أبي طالب وكانا ماتا في عام واحد، فتتابعت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المصائب بهلاك خديجة وأبي طالب، وكانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام كان يسكن إليها.
وقال أبو عُبَيْدة معُمر بن المثنى: توفيت خديجة قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل: بأربع سنين. وقال عروة وقتادة: توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين. وهذا هو الصواب. وقالت عائشة: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة. قيل: إن وفاة خديجة كانت بعد أبي طالب بثلاثة أيام وكان موتها في رمضان، ودفنت بالحجون. قيل: كان عُمرها خمساً وستين سنة.
أخرجها الثلاثة".
(( إن لم يكن شعري كعهدي به
فحسنك الشعر الذي أهوي ))
م . منسي
فحسنك الشعر الذي أهوي ))
م . منسي
- محمد منسىVIP™
- المشاركات : 3296
أم المؤمنين مارية القبطية
(أم إبراهيم المصرية)
مؤمنة من أهل مصر، ارتبط اسمها بالسيدة هاجـر، زوج خليـل الله إبراهيم -عليه السلام-، تزوجت من نبي، وأنجبت له ولدًا، وقدمت إلى بلاد الحجاز؛ لتسكن يثرب. وقد بَـيَّن النبي ( أن له بمصر رحمًا؛ وأوصى أصحابه بالإحسان إلى أهلها عند فتحها، فقال (: "إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحمًا" (أي صهرًا) [مسلم].
إنها مارية بنت شمعون، أهداها المقوقس - عظيم القبط في مصر- للنبي ومعها أختها سيرين، وعبد خصى يُدْعَى مأبور، وأَلْف مثقال ذهب، وعشرون ثوبًا لينًا من نسيج مصر، وبغلة شهباء تُسمى دلدل، وبعض من عسل، وبعض المسك، وبعض أعواد البخور. وقد حملها إلى النبي ( حاطبُ بن أبى بلتعة رسول النبي ) إلى المقوقس. وقد عرض حاطب الإسلام على مارية فأسلمت.
وُلدت مارية بقرية تدعى حَفن تقع على شرق النيل في صعيد مصر، وقضت فيها طفولتها، فلما شبت انتقلت مع أختها سيرين إلى قصر المقوقس بالإسكندرية.
فلما وصلت هدية المقوقس إلى نبى اللَّه محمد أنزل مارية وأختها سيرين على أم سليم الغميصاء بنت ملحان، ثم وهب سيرين إلى شاعره حسان بن ثابت، واحتفظ لنفسه بالسيدة مارية -رضى الله عنها-. أكرمها النبي، ونزلت من قلبه منزلة عظيمة، وكانت -رضى الله عنها- جميلة، وأنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان الأنصاري، فكانت بجوار السيدة عائشة، وكان النبي يقضى معظم الليل والنهار عندها، فحزنت لذلك السيدة عائشة، وغارت عليها فحولها النبي إلى العالية بضواحى المدينة وكان يذهب إليها هناك، وبعد سنة تقريبًا أنجبت مارية للنبي ابنه إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمانِ من الهجرة. -ويقال: إن النبي بعدها أعتقها وتزوجها- وقد فرح النبي بابنه فرحًا كبيرًا؛ وسماه في اليوم السابع إبراهيم، وحلق شعره وتصدق بوزنه فضة، وعَقَّ عنه بكبش.
مرض "إبراهيم" ابن رسول اللَّه، وخطفه الموت من أبويه في ربيع الأول سنة إحدى عشر من الهجرة بعد أن عاش في حجرهما سبعة عشر شهرًا، فوضعه النبي بين يديه وذرفت عيناه عليه، وقال: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" [متفق عليه]. ويروى أن مارية وأختها سيرين كانتا تبكيان على إبراهيم.
وتوفى النبي بعد وفاة ابنه إبراهيم بسنة واحدة، ولم تعمِّر السيدة مارية -رضى الله عنها- بعد وفاة رسول الله طويلا؛ حيث توفيت -رضى اللَّه عنها- سنة ست عشرة من الهجرة، وصلى عليها عمر بن الخطاب -رضى اللَّه عنه-، ودفنت بالبقيع بجانب أمهات المؤمنين.
وبعد فتح مصر سنة عشرين من الهجرة اهتم الصحابي الجليل عبادة بن الصامت بالبحث عن القرية التي ولدت بها السيدة مارية، وبنى بها مسجدًا، وتعرف الآن ببلدة الشيخ عبادة.
جاء في كتاب "أسد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير المؤرخ:
"مارِيَة القبطية: مولاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسُرِّيَّتُه، وهي أم ولده إبراهيم بن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم أهداها له المقوقس صاحب الإسكندرية، وأهدى معها أختها سيرين وخُصِيّاً يقال له: مأبور، وبغلة شهباء، وحلّة من حرير. وقال مُحَمَّد بن إسحاق: أهدى المقوقس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جواري أربعاً، منهن مارِيَة أم إبراهيم، وسيرين التي وهبها النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم لحسان بن ثابت، فولدت له عَبْد الرَّحْمَن. وأما مأبور الخصيّ الذي أهداه المقوقس مع مارِيَة، وهو الذي اتهم بمارِيَة، فامر النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم عليّاً أن يقتله، فقال علي: يا رسول الله، أكون كالسكّة المحماة، أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ فقال: "بل الشّاهد يرى ما لا يرى الغائب". فذهب عليّ إليه ليقتله فرآه مجبوباً ليس له ذكر، فعاد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنه لمجبوب.
وأهديت مارِيَة فوصلت إلى المدينة سنة ثمان، وتوفيت سنة ست عشرةَ في خلافة عُمر. وكان عُمر يجمع الناس بنفسه لشهود جنازتها، وصلى عليها عُمر.
أخرجها الثلاثة".
- محمد منسىVIP™
- المشاركات : 3296
أسماء بنت أبى بكر (ذات النطاقين)
توفيت 73 هـ
السيدة الفاضلة أسماء بنت أبى بكر الصديق بن أبى قحافة، أمها قُتيلة بنت عبد العُزّى بن عبد بن أسعد بن نصربن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وأخت عبد اللَّه بن أبى بكر لأبيه وأمه، وأخت عائشة لأبيها، وكانت أَكبر من عائشة فى السن، وكانت أسن من عائشة بعشر سنين، ووالدة عبد الله بن الزبير، وآخر المهاجرات وفاة. شهدت اليرموك مع ابنها وزوجها الزبير .
توفيت 73 هـ
السيدة الفاضلة أسماء بنت أبى بكر الصديق بن أبى قحافة، أمها قُتيلة بنت عبد العُزّى بن عبد بن أسعد بن نصربن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وأخت عبد اللَّه بن أبى بكر لأبيه وأمه، وأخت عائشة لأبيها، وكانت أَكبر من عائشة فى السن، وكانت أسن من عائشة بعشر سنين، ووالدة عبد الله بن الزبير، وآخر المهاجرات وفاة. شهدت اليرموك مع ابنها وزوجها الزبير .
ولدت أسماء قبل الهجرة النبوية بسبع وعشرين سنة. وتزوجت من الزبير بن العوام قبل هجرتها إلى المدينة. فلما استقر النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه هاجرت مع زوجها وكانت حاملاً، وفى المدينة، ولدت عبد اللَّه بن الزبير، فكان أول مولود فى الإسلام بالمدينة بعد هجرة المصطفى، كما ولدت له عروة، والمنذر، والمهاجر، وعاصم، وخديجة الكبرى، وأم حسن، وعائشة.
ورد في كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان: " وأما أسماء فهي ذات النطاقين وتزوجها الزبير بمكة فولدت له عدة أولاد، ثم طلقها فكانت مع عبد الله ابنها حتى قتل، وبقيت مائة سنة حتى عميت وماتت بمكة رضي الله عنها".
وسُميت "ذات النطاقين" لأنه لما تجهز رسول اللَّه للهجرة ومعه أبو بكر الصديق أرادت أن تجهز طعامًا، ولم تجد ما تربطه به، فشقت نطاقها نصفين، نصفًا تربط به الطعام، ونصفًا لها.
فقال لها رسول اللَّه (: "قد أبدلكِ اللَّه بنطاقكِ هذا نطاقين فى الجنة". فقيل لها: ذات النطاقين.
وكانت -رضى الله عنها- صامدة صابرة، بعد هجرة أبيها أبى بكر إلى المدينة، حسنة التصرف والتدبير، قالت: ولما توجه رسول اللَّه من مكة إلى المدينة -ومعه أبوبكر- حمل أبو بكر معه جميع ماله: خمسة آلاف أو ستة آلاف، فأتانى جدي أبوقحافة، وقد ذهب بصره، فقال: إن هذا واللَّه قد فجعكم بمالِه مع نَفسه! فقلت: كلا يا أبتِ! قد ترك لنا خيرًا كثيرًا.
فعمدتُ إلى أحجار فجعلتهن فى كوة فى البيت - كان أبو بكر يجعل ماله فيها - وغطيت على الأحجار بثوب، ثم جئتُ به، فأخذتُ بيده فوضعتُها على الثوب، فقلتُ: ترك لنا هذا ! فجعل يَجِدُ مسّ الحجارة من وراء الثوب. فقال: لا بأس، إن كان ترك لكم هذا، فقد أحسن، ففي هذا لكم بلاغ. قالت: لا والله ما ترك لنا شيئًا، لكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك.
كانت - رضى الله عنها- تؤثر رضا الله تعالى، وتجعل دونه كل رضا، فلما جاءتها أمها "قتيلة بنت عبد العزى" -وكانت مشركة- وقدَّمت لها هدايا، فرفضت أن تقبلها، وقالت: لا أقبلها حتى يأذن لى رسول اللَّه، ولا تدخلى علي. فذكرت ذلك عائشةُ للنبى فأنزل اللَّه: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)[الممتحنة: 8].
وكانت تقول ما تراه حقًا وما تتمناه صدقًا، مصرحة بذلك من غير إيماء ولا استحياء، فقد حدّث هشام بن عروة عن أبيه، قال: دخلت أنا وعبد اللَّه بن الزبير على أسماء - قبل قتل ابن الزبير بعشر ليالٍ، وأنها وَجِعَة- فقال عبد اللَّه: كيف تجدينك؟ قالت: وجِعَة. قال: إن فى الموت لعافية. قالت: لعلك تشتهى موتي، فلذلك تتمناه، فلا تفعل. فالتفت إلى عبد اللَّه فضحكت، فقالت: واللَّه ما أشتهى أن أموت حتى يأتى على أحد طرفيك: إما أن تُقتل فأحتسبك، وإما أن تظفر فتقرَّ عينى عليك.
كانت باحثة عن الحق، فإذا وجدته كانت أسرع الناس عملاً به، ومرشدة غيرها إليه؛ حرصًا على عموم النفع والخير، وتوضيحًا لما استشكل من الأمور، فقد دخل عليها عبد اللَّه -بعد أن خذله أنصاره مستيئسين من النصر على الحَجَّاج- فقال لها: يا أماه! ما ترين؟ قد خذلنى الناس، وخذلنى أهل بيتي! فقالت: لايلعَبنَّ بك صبيان بنى أمية. عِشْ كريمًا أو مِتْ كريمًا. فخرج فأسند ظهره إلى الكعبة ومعه نفر يسير، فجعل يقاتل فى شجاعة جيش الحجاج.
ولما ناداه الحجاج ليقبل الأمان ويدخل فى طاعة أمير المؤمنين، دخل على أمه أسماء، فقال لها: إن هذا - يعنى الحجاج - قد أمَّنني. قالت : يا بني، لا ترضَ الدنية، فإن الموت لابد منه. قال: إنى أخاف أن يمثَّل بي، قالت: يا بنى ما يضير الشاة سلخها بعد ذبحها.
عندئذٍ خرج فقاتل قتالاً باسلاً حتى استُشهد! وأقبل عليه الحجاج فحز رأسه، ثم بعث بها إلى عبد الملك بن مروان، وصلبه منكسًا، وعظم الأمر على أمه أسماء - وكان قد ذهب بصرها - فخرجت إلى الحجاج مع بعض جواريها، فلما دخلت عليه قالت: أما آن لهذا الراكب أن ينزل تقصد ابنها عبد الله؟ فقال الحجاج: المنافق؟ فقالت: لا واللَّه ماكان منافقًا. سمعتُ رسول اللَّه يقول: "يخرج فى ثقيف كذاب ومُبير (قاتل). فأما الكذاب فقد رأيناه - تقصد المختار الثقفي- وأما المبُير فأنت هو! [الطبراني].
ثم جاء كتاب عبد الملك بن مروان بإنزال ابنها من الخشبة ودفعه إلى أهله، فغسلتْه أمه أسماء وطَـيَّـبَـتْـهُ، ثم دفنتْه.
وقد روت أسماء الكثير من الأحاديث، وروى عنها أبناؤها وأولادهم، فعن عبد اللَّه بن عروة بن الزبير، قال: قلتُ لجدتي أسماء: كيف كان أصحاب رسول اللَّه إذا سمعوا القرآن؟ قالت: تَدْمعُ أعينهم، وتقشعر جلودهم، كما نعتهم اللَّه، قال: قلتُ: فإن ناسًا هاهنا إذا سمع أحدهم القرآن خر مغشيَّا عليه! فقالت: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم.
امتد العمر بأسماء حتى بلغت مائة عام، وتُوفِيَت فى سنة 73 هجرية، ولم يسقط لها سن، ولم يُنكر لها عقل! رضى اللَّه عنها.
(( إن لم يكن شعري كعهدي به
فحسنك الشعر الذي أهوي ))
م . منسي
فحسنك الشعر الذي أهوي ))
م . منسي
- محمد منسىVIP™
- المشاركات : 3296
أم المؤمنين سودة بنت زمعة
(المهاجرة أرملة المهاجر)
لُقِّبت بالمهاجرة أرملة المهاجر، لأنها أسلمت وهاجرت بدينها إلى الحبشة مع زوجها السكران بن عمرو بن عبد شمس، وتحملت مشاق الهجرة ومتاعب الغربة، وتوفي زوجها بعد أن عاد معها من الحبشة وقبل الهجرة إلى المدينة، وأمست سودة وحيدة لا عائل لها ولامعين، فأبوها مازال على كفره وضلاله، ولم يزل أخوها عبد اللَّه ابن زمعة على دين آبائه، فخشيت أن يفتناها في دينها.
فلما سمع الرسول ما أصاب السيدة سودة وصبرها والتجاءها إلى الله؛ خشي عليها بطش أهلها، وهم أعداء الإسلام والمسلمين، فأراد أن يرحمها وينجدها من عذابها، ويعينها على حزنها، ويجزيها على إسلامها وإيمانها خيرًا، فأرسل إليها خولة بنت حكيم -رضى اللَّه عنها- تخطبها له، وكانت السيدة خديجة -رضى الله عنها- قد ماتت، وهو بغير زوجة، وكانت سودة قد بلغت من العمر حينئذٍ الخامسة والخمسين، بينما كان رسول الله في الخمسين من عمره.
وحين دخلت خولة عليها قالت: ما أدخل الله عليكم من الخير والبركة ! قالت: سودة: وما ذاك؟ فقالت خولة: إن رسول الله أرسلنى إليك لأخطبك إليه. قالت: وددت ذلك. فقالت خولة: دخلت على أبيها وكان شيخًا كبيرًا مازال على جاهليته وحيَّـيْـتُه بتحية أهل الجاهلية، فقلت: أنعِم صباحًا. فقال: من أنت؟ قلت: خولة بنت حكيم. فرحَّب بي، وقال ما شاء الله أن يقول. فقلت: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يذكر سودة ابنة زمعة. فقال: هو كفء كريم، فما تقول صاحبتك؟ قلت: تُحِبُّ ذلك. قال: ادعوها إلي. ولما جاءت قال: أى سودةُ، زعمت هذه أن محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب أرسل يخطبك وهو كفء كريم، أفتحبين أن أزوجكه؟ قالت: نعم. قال: فادعوه لي. فدعته خولة، فجاء فزوَّجه.
وفى رواية ابن سعد: أن النبي خطبها، فقالت: أمرى إليك، فقال لها مُرى رجلا من قومك يزوجك. فأمرت حاطب بن عمرو وهو ابن عمها وأول مهاجر إلى الحبشة فزوجها.
ودخلت السيدة سودة بنت زمعة -رضى الله عنها- بيت النبوة، وأصبحت واحدة من أمهات المؤمنين، وكانت الزوجة الثانية لرسول الله، وكان ذلك قبل الهجرة بثلاث سنوات.
وكانت السيدة سودة مثالا نادرًا في التفانىي في خدمة النبي وابنته أم كلثوم وفاطمة، فكانت تقوم على رعايتهما بكل إخلاص ووفاء، ثم هاجرت مع الرسول إلى المدينة.
وكانت السيدة سودة -رضى اللَّه عنها- تحب رسول اللَّه حبَّا شديدًا، وكانت تسعى إلى مرضاته دائمًا، فلما كبرت في السن، ولم تعد بها إلى الأزواج حاجَةً، وأحست بعجزها عن الوفاء بحقوق النبي، أرادت أن تصنع من أجله شيئًا يعجبه ويرضيه ويرفع مكانتها عنده... فاهتدت إلى أن تهب يومها لعائشة؛ لعلمها أنها حبيبة إلى قلب رسول الله، وحتى لا تشعر رسول الله بالحرج، وبررت له ما أقدمت عليه بقولها: ما بىي على الأزواج من حرص، ولكنى أحب أن يبعثنى الله يوم القيامة زوجًا لك. وتفرغت للعبادة والصلاة.
قال لها رسول الله :"يا بنت زمعة، لوتعلمين علم الموت، لعلمت أنه أشد مما تظنين".
وكانت السيدة عائشة - رضى اللَّه عنها - تغبطها على عبادتها وحسن سيرتها، قالت: ما رأيت امرأة أحب إلى أن أكون في مِسْلاخها (هديها وصلاحها) من سودة .
ولما خرجت سودة -رضى الله عنها- مع رسول الله إلى حجة الوداع! قال: "هذه الحجة، ثم ظهور الحُصْر" أى الْـزَمْـنَ بيوتكنّ ولا تخرجْنَ منها. فكانت - رضى الله عنها - تقول: حججت واعتمرت فأنا أَقرُّ في بيتي كما أمرنى الله عز وجل، ولا تحركنا دابة بعد رسول الله.
وكانت السيدة سودة -رضى الله عنها- زاهدة في الدنيا مقبلة على الآخرة. بعث إليها عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- في خلافته ببعض الدراهم، فوزعتها على الفقراء والمساكين.
وظلت كذلك حتى توفيت في آخر خلافة عمر فحضر جنازتها، وصلى عليها، ودفنت بالبقيع.
وكان للسيدة سودة نصيب من العلم والرواية، فقد روت -رضى الله عنها- أحاديثًا لرسول الله.
ورد في كتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبي عن سودة بنت زمعة:
" سودة بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية.
وهي أول من تزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة وانفردت به نحواً من ثلاث سنين أو أكثر حتى دخل بعائشة.
وكانت سيدة جليلة نبيلة ضخمة وكانت أولاً عند السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو العامري.
وهي التي وهبت يومها لعائشة رعاية لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت قد فركت رضي الله عنها.
لها أحاديث: وخرج لها البخاري.
لها أحاديث: وخرج لها البخاري.
حدث عنها: ابن عباس ويحيى بن عبد الله الأنصاري.
توفيت في آخر خلافة عمر بالمدينة.
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة من امرأة فيها حدة فلما كبرت جعلت يومها من النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة.
وروى الواقدي عن ابن أخي الزهري عن أبيه قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بسودة في رمضان سنة عشر من النبوة وهاجر بها وماتت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين.
وقال الواقدي: وهذا الثبت عندنا.
وروى عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أن سودة رضي الله عنها توفيت زمن عمر.
قال ابن سعد: أسلمت سودة وزوجها فهاجرا إلى الحبشة.
وعن بكير بن الأشج: أن السكران قدم من الحبشة بسودة فتوفي عنها. فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أمري إليك قال: "مري رجلاً من قومك يزوجك" فأمرت حاطب بن عمرو العامري فزوجها وهو مهاجري بدري. هشام الدستوائي: حدثنا القاسم بن أبي بزة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى سودة بطلاقها. فجلست على طريقه فقالت: أنشدك بالذي أنزل عليك كتابه لم طلقتني؟ ألموجدة؟ قال: "لا" قالت: فأنشدك الله لما راجعتني فلا حاجة لي في الرجال ولكني أحب أن أبعث في نسائك. فراجعها قالت: فإني قد جعلت يومي لعائشة.
عن الأعمش عن إبراهيم قالت سودة: يا رسول الله صليت خلفك البارحة فركعت بي حتى أمسكت بأنفي مخافة أن يقطر الدم فضحك. وكانت تضحكه الأحيان بالشيء.
عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "هذه ثم ظهور الحصر".
قال صالح: فكانت سودة تقول: لا أحج بعدها.
وقالت عائشة: استأذنت سودة ليلة المزدلفة أن تدفع قبل حطمة الناس وكانت امرأة ثبطة أي ثقيلة فأذن لها.
عن حماد بن زيد عن هشام عن ابن سيرين: أن عمر بعث إلى سودة بغرارة دراهم. فقالت: ما هذه قالوا: دراهم قالت: في الغرارة مثل التمر يا جارية: بلغيني القنع ففرقتها.
يروى لسودة خمسة أحاديث: منها في الصحيحين حديث واحد عن البخاري.
عن الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن عبد الرحمن عن ريطة عن عمرة عن عائشة قالت: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بعث زيداً وبعث معه أبا رافع مولاه وأعطاهما بعيرين وخمس مئة درهم فخرجنا جميعاً وخرج زيد وأبو رافع بفاطمة وبأم كلثوم وبسودة بنت زمعة وبأم أيمن وأسامة ابنه."
(( إن لم يكن شعري كعهدي به
فحسنك الشعر الذي أهوي ))
م . منسي
فحسنك الشعر الذي أهوي ))
م . منسي
- محمد منسىVIP™
- المشاركات : 3296
بلقيـس
بلقيس اسم أطلقه العرب على ملكة اليمن. عاصمتها سبأ. وسبب تمليك العرب إياها مع أنفتهم من تمليك النساء، أن ملك اليمن المسمى هدهاد بن شرحبيل لما ملك بعد أبيه، أساء السياسة وانهمك بالفسق ولم يسمع ببنت ذات جمال إلا أحضرها. واستهتر في ذلك حتى جاء لبنت عمه بلقيس في قصرها فأعدت له رجلين فقتلاه ثم أحضرت كبراء المملكة وأخبرتهم بما فعلت بعد أن وبختهم على عدم أنفتهم وتراخيهم عن حماية أعراضهم، فانتخبوها ملكة عليهم جزاء لها على هذه المكرمة. فملكتهم في القرن العاشر قبل المسيح في عصر سليمان.
قصتها حافلة بالدروس والعبر زاخرة بالحكم والدلالات وأنموذج لحكم الشعوب والأمم بكفاءة واقتدار. وشهادة على قدرة المرأة على أن تقود وتسوس إذا توافرت لها القدرات العقلية والملكات الذهنية، وقدوة في مخاطبة الملوك من ناحية ومخاطبة الأنبياء من ناحية أخرى.
إنها بلقيس وقيل تلقمة بنت السيرح وهو الهدهاد وقيل شراحيل بن ذي جدن بن السيرح بن الحرث أو الحارث بن قيس بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. كان أبوها من أكابر الملوك، وكان يأبى أن يتزوج من أهل اليمن. فيقال إنه تزوج امرأة من الجن اسمها ريحانة بنت السكن فولدت له هذه المرأة التي هي تلقمة أو بلقيس.
وقد آل إليها حكم سبأ بعد وفاة أبيها، في القرن السابع عشر قبل البعثة وذكر الثعلبي وغيره أن قومها ملكوا عليهم بعد موت أبيها رجلا، فعم به الفساد. فأرسلت إليه تخطبه فتزوجها فلما دخلت عليه سقته خمرا، ثم حزت رأسه ونصبته على بابها فأقبل الناس عليها وملكوها عليهم.
وقد ساست قومها سياسة حكيمة أشاد القرآن الكريم بها وقص طرفا منها فأحبها الخواص والعوام لما تميزت به من الخلق الفاضل والسلوك النبيل والعقل الرشيد والذكاء النادر. وخضعوا لحكمها ووضعوا أنفسهم تحت إمرتها. وأسلموا لها قيادهم عن رضا وطيب نفس منهم. مع أن النخوة العربية كانت تأبى كل الإباء أن يولوا أمرهم امرأة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنها امرأة فريدة في سماتها النفسية والخلقية والعقلية. فاقت في قدرتها عظماء الرجال من قومها، فآثروها بالملك وارتضوا أن تكون خلفا لأبيها، وكان من أعظم ملوكهم وأشدهم بأسا وأوسعهم حلما وسياسة.
وقد أخبر القرآن الكريم في وصفه لها ولقومها أنها أوتيت من كل شيء يحتاج إليه الملوك في سياسة الناس وتدبير الملك، وأن لها عرشا عظيما بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
وقد ذكرها القرآن الكريم في موضع الإشادة والتكريم حيث أسلمت مع نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام وخرجت بقومها من ظلام الشرك وعبادة الشمس إلى عبادة الله الواحد الأحد خالق الشمس والقمر وكل ما في الكون.
وقد سخّر الله سبحانه لسليمان الإنس والجن والحيوان والطير والريح وعلمه لغة الحيوان والطير. قال عز وجل: “وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيهَا الناسُ عُلمْنَا مَنطِقَ الطيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُل شَيْءٍ إِن هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ” (النمل: 16).
وقال سبحانه: “وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِن وَالْإِنسِ وَالطيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيهَا النمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، فَتَبَسمَ ضَاحِكاً من قَوْلِهَا وَقَالَ رَب أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التِي أَنْعَمْتَ عَلَي وَعَلَى وَالِدَي وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالِحِينَ” (النمل: 17 19)
وورد ذكر بلقيس وقصتها مع سليمان عليه السلام في عدة آيات من سورة النمل في قوله عز وجل: “وَتَفَقدَ الطيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ. لأعَذبَنهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنهُ أَوْ لَيَأْتِيَني بِسُلْطَانٍ مبِينٍ، فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سبأ بِنَبَإٍ يَقِينٍ. إِني وَجَدت امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُل شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ، وَجَدتهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشمْسِ مِن دُونِ اللهِ وَزَينَ لَهُمُ الشيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدهُمْ عَنِ السبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ، أَلا يَسْجُدُوا لِلهِ الذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ، اللهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ رَب الْعَرْشِ الْعَظِيمِ” (النمل: 20 26).
كان الهدهد من جملة ما سخر للنبي الملك سليمان عليه السلام، وكان يقوم بدور حيوي في خدمة سليمان وجيشه، فقد كان بمثابة جهاز الاستطلاع والاستشعار بلغة العصور الحديثة. وكان أهم ما يكشف عنه مصادر المياه سواء أكانت على سطح الأرض أم في باطنها، فإذا كانت على سطح الأرض وصلوا إليها ونهلوا منها وقضوا حاجاتهم. وإذا كانت في باطن الأرض حفروا عنها واستخرجوها ولذلك كان لطائر الهدهد أهمية خاصة.
وكان لهذا الطائر الذي اهتم به سليمان تحديدا أهمية خاصة. وكان لكل طائفة من الدواب والطير قائدها المسؤول عنها.
وكان سليمان يهتم بشؤون هذه الطوائف على السواء. وعندما تفقد الطير لم يجده. ولم يقطع بغيابه وافترض أنه لم يره أو أنه كان من الغائبين فإن كان من الغائبين من دون إذن سليمان أو علمه فقد توعده سليمان بالعذاب الشديد أو الذبح، ومع ذلك فقد ترك باب العفو والمسامحة مفتوحا إذا جاءه الهدهد بسلطان مبين أي بحجة غياب مقنعة.
ولأن الهدهد لم يكن مذنبا بل جاء بأمر جلل. ولأنه يدرك سماحة نبي الله سليمان فعندما وصل بعد قليل من السؤال عنه واقترب من سليمان وروى له ما رآه من أهل سبأ وكيف أنهم تملكهم امرأة. ووصف له هذه المرأة وما تتمتع به من قدرات هائلة، كما حدثه عن عظمة عرشها قرر سليمان أن يتأكد من صدق ودقة معلومات جهاز مخابراته الهدهد وفي ذلك يقول الله عز وجل: “قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. اذْهَب بكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُم تَوَل عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ” (النمل: 27 28).
اوذهب الهدهد مسرعا حاملا رسالة سليمان إلى بلقيس وعندما وصل إلى قصرها ألقاها إليها وهي في خلوة ثم وقف في جانب ينتظر ما يكون من جوابها على كتاب سليمان. وفتحت بلقيس الكتاب وقرأت ما فيه، ولما كان حكمها يقوم على الشورى كما تدل آيات القرآن الكريم كما أنها تتمتع بالرزانة وحسن التصرف فإنها لم تبادر إلى رد فعل متسرع قد تندم عليه في المستقبل، وإنما جمعت وزراءها وأمراءها وأكابر دولتها إلى مشورتها، وفي البداية أخبرتهم بوصول الكتاب ثم بعنوانه ثم بمضمونه ثم سألتهم الرأي والمشورة: “قَالَتْ يَا أَيهَا المَلأ إِني أُلْقِيَ إِلَي كِتَابٌ كَرِيمٌ. إِنهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنهُ بِسْمِ اللهِ الرحْمَنِ الرحِيمِ. أَلا تَعْلُوا عَلَي وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ” (النمل: 29 30).
كان قوم بلقيس يتمتعون بالقوة والشجاعة. وكانوا يلتزمون نحوها بالسمع والطاعة، كما كانوا مستعدين لأن يخوضوا معها القتال، إذا قررت ذلك. لكن ذلك لم يكن رأيها ولا قرارها فقد كانت الدعوة التي يحملها الكتاب دعوة للصلاح والإسلام والى عدم الاغترار بالقوة والاستعلاء في الأرض. وكان من حكمة بلقيس أن تختبر نوايا صاحب الكتاب: “قَالُوا نَحْنُ أُوْلُو قُوةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ. قَالَتْ إِن الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزةَ أَهْلِهَا أَذِلةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ. وَإِني مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ” (النمل: 33 35).
كانت الهدية التي أرسلتها بلقيس مع وفدها لسليمان تحتوي على كثير من الدرر والجواهر وحلي الذهب والفضة والجواري والغلمان، وكانت تريد أن تختبر سليمان وتعرف إن كان ملكا أم نبيا، وأن تقيم معه في الحالتين أواصر المودة والسلام ولكن سليمان الذي كان نبيا وملكا لم يكن هدفه المال ولم يكن مقصده الدرر والجوهر، وهو الذي دعا ربه أن يهبه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فاستجاب الله دعاءه، ولذلك لم يكن مثل هذه الهدية يغريه فرد الهدية: “فَلَما جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللهُ خَيْرٌ مما آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيتِكمْ تَفْرَحونَ. ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنهُم منْهَا أَذِلةً وَهُمْ صَاغِرُونَ”(النمل 36 37).
وأدركت بلقيس أنها ليست أمام ملك طامع في مزيد من الملك أو المال وإنما هي أمام نبي مرسل فقررت الذهاب إليه وسط حشد من كبار قومها وعلم سليمان بعزمها فقرر أن يختبرها: “قَالَ يَا أَيهَا المَلأ أَيكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأتُونِي مُسْلِمِينَ، قَالَ عِفْريتٌ منَ الْجِن أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مقَامِكَ وَإِني عَلَيْهِ لَقَوِي أَمِينٌ. قَالَ الذِي عِندَهُ عِلْمٌ منَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَد إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَما رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِن رَبي غَنِي كَرِيمٌ. قَالَ نَكرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الذِينَ لَا يَهْتَدُونَ. فَلَما جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنا مُسْلِمِينَ. وَصَدهَا مَا كَانَت تعْبُدُ مِن دُونِ اللهِ إِنهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ، قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصرْحَ فَلَما رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنهُ صَرْحٌ ممَردٌ من قَوَارِيرَ قَالَتْ رَب إِني ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلهِ رَب الْعَالَمِينَ” (النمل: 38 44).
تسجل هذه الآيات الكريمات الاختبار الذي قرره النبي سليمان عليه السلام لبلقيس حين طلب من خاصته الإتيان بعرشها فعرض جني أن يحضره قبل أن يقوم سليمان من مجلسه وكان يمتد من الصباح حتى الظهيرة وعرض آخر عنده علم من الكتاب قيل انه جبريل عليه السلام وقيل إنه جني مؤمن وقيل إنه سليمان نفسه والأشهر أنه آصف بن يرضيا ابن خالة سليمان أن يأتيه به في مثل لمح البصر. فلما جيء له بالعرش أمر بتغيير بعض ملامحه، فلما جاءت بلقيس ورأته وسئلت إن كان هو عرشها؟ وكانت تركته خلفها لم تشأ أن تجيب إجابة قاطعة بالإيجاب أو النفي مما يدل على فطنتها وسعة إدراكها وقوة حيلتها.
وحين دعيت إلى دخول صرح سليمان وكان مبنيا من قوارير وله سقف من زجاج وكان مزينا بالكائنات البحرية ظنت انه بحر فلما همت بدخوله كشفت عن ساقيها.
وذكر الثعلبي أن سليمان لما تزوجها بعد إسلامها وقومها أقرها على مملكة اليمن وردها إليه، وكان يزورها في كل شهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام ثم يعود على البساط، وأمر الجان فبنوا له ثلاثة قصور في اليمن هي غمدان وسالحين وبيتون. وتوفيت بلقيس بعد بضع سنوات من وفاة سليمان بعد عمر طويل من الحكم الرشيد وبعد أن قادت قومها قبل إسلامها إلى القوة وشدة البأس. وقادتهم بإسلامها للخروج مع سليمان من الظلمات إلى النور، ولتظل سيرتها درسا هاديا ونبراسا مرشدا لكل امرأة سليمة الفطرة صادقة الإيمان .
بلقيس اسم أطلقه العرب على ملكة اليمن. عاصمتها سبأ. وسبب تمليك العرب إياها مع أنفتهم من تمليك النساء، أن ملك اليمن المسمى هدهاد بن شرحبيل لما ملك بعد أبيه، أساء السياسة وانهمك بالفسق ولم يسمع ببنت ذات جمال إلا أحضرها. واستهتر في ذلك حتى جاء لبنت عمه بلقيس في قصرها فأعدت له رجلين فقتلاه ثم أحضرت كبراء المملكة وأخبرتهم بما فعلت بعد أن وبختهم على عدم أنفتهم وتراخيهم عن حماية أعراضهم، فانتخبوها ملكة عليهم جزاء لها على هذه المكرمة. فملكتهم في القرن العاشر قبل المسيح في عصر سليمان.
قصتها حافلة بالدروس والعبر زاخرة بالحكم والدلالات وأنموذج لحكم الشعوب والأمم بكفاءة واقتدار. وشهادة على قدرة المرأة على أن تقود وتسوس إذا توافرت لها القدرات العقلية والملكات الذهنية، وقدوة في مخاطبة الملوك من ناحية ومخاطبة الأنبياء من ناحية أخرى.
إنها بلقيس وقيل تلقمة بنت السيرح وهو الهدهاد وقيل شراحيل بن ذي جدن بن السيرح بن الحرث أو الحارث بن قيس بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. كان أبوها من أكابر الملوك، وكان يأبى أن يتزوج من أهل اليمن. فيقال إنه تزوج امرأة من الجن اسمها ريحانة بنت السكن فولدت له هذه المرأة التي هي تلقمة أو بلقيس.
وقد آل إليها حكم سبأ بعد وفاة أبيها، في القرن السابع عشر قبل البعثة وذكر الثعلبي وغيره أن قومها ملكوا عليهم بعد موت أبيها رجلا، فعم به الفساد. فأرسلت إليه تخطبه فتزوجها فلما دخلت عليه سقته خمرا، ثم حزت رأسه ونصبته على بابها فأقبل الناس عليها وملكوها عليهم.
وقد ساست قومها سياسة حكيمة أشاد القرآن الكريم بها وقص طرفا منها فأحبها الخواص والعوام لما تميزت به من الخلق الفاضل والسلوك النبيل والعقل الرشيد والذكاء النادر. وخضعوا لحكمها ووضعوا أنفسهم تحت إمرتها. وأسلموا لها قيادهم عن رضا وطيب نفس منهم. مع أن النخوة العربية كانت تأبى كل الإباء أن يولوا أمرهم امرأة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنها امرأة فريدة في سماتها النفسية والخلقية والعقلية. فاقت في قدرتها عظماء الرجال من قومها، فآثروها بالملك وارتضوا أن تكون خلفا لأبيها، وكان من أعظم ملوكهم وأشدهم بأسا وأوسعهم حلما وسياسة.
وقد أخبر القرآن الكريم في وصفه لها ولقومها أنها أوتيت من كل شيء يحتاج إليه الملوك في سياسة الناس وتدبير الملك، وأن لها عرشا عظيما بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
وقد ذكرها القرآن الكريم في موضع الإشادة والتكريم حيث أسلمت مع نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام وخرجت بقومها من ظلام الشرك وعبادة الشمس إلى عبادة الله الواحد الأحد خالق الشمس والقمر وكل ما في الكون.
وقد سخّر الله سبحانه لسليمان الإنس والجن والحيوان والطير والريح وعلمه لغة الحيوان والطير. قال عز وجل: “وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيهَا الناسُ عُلمْنَا مَنطِقَ الطيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُل شَيْءٍ إِن هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ” (النمل: 16).
وقال سبحانه: “وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِن وَالْإِنسِ وَالطيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيهَا النمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، فَتَبَسمَ ضَاحِكاً من قَوْلِهَا وَقَالَ رَب أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التِي أَنْعَمْتَ عَلَي وَعَلَى وَالِدَي وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالِحِينَ” (النمل: 17 19)
وورد ذكر بلقيس وقصتها مع سليمان عليه السلام في عدة آيات من سورة النمل في قوله عز وجل: “وَتَفَقدَ الطيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ. لأعَذبَنهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنهُ أَوْ لَيَأْتِيَني بِسُلْطَانٍ مبِينٍ، فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سبأ بِنَبَإٍ يَقِينٍ. إِني وَجَدت امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُل شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ، وَجَدتهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشمْسِ مِن دُونِ اللهِ وَزَينَ لَهُمُ الشيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدهُمْ عَنِ السبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ، أَلا يَسْجُدُوا لِلهِ الذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ، اللهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ رَب الْعَرْشِ الْعَظِيمِ” (النمل: 20 26).
كان الهدهد من جملة ما سخر للنبي الملك سليمان عليه السلام، وكان يقوم بدور حيوي في خدمة سليمان وجيشه، فقد كان بمثابة جهاز الاستطلاع والاستشعار بلغة العصور الحديثة. وكان أهم ما يكشف عنه مصادر المياه سواء أكانت على سطح الأرض أم في باطنها، فإذا كانت على سطح الأرض وصلوا إليها ونهلوا منها وقضوا حاجاتهم. وإذا كانت في باطن الأرض حفروا عنها واستخرجوها ولذلك كان لطائر الهدهد أهمية خاصة.
وكان لهذا الطائر الذي اهتم به سليمان تحديدا أهمية خاصة. وكان لكل طائفة من الدواب والطير قائدها المسؤول عنها.
وكان سليمان يهتم بشؤون هذه الطوائف على السواء. وعندما تفقد الطير لم يجده. ولم يقطع بغيابه وافترض أنه لم يره أو أنه كان من الغائبين فإن كان من الغائبين من دون إذن سليمان أو علمه فقد توعده سليمان بالعذاب الشديد أو الذبح، ومع ذلك فقد ترك باب العفو والمسامحة مفتوحا إذا جاءه الهدهد بسلطان مبين أي بحجة غياب مقنعة.
ولأن الهدهد لم يكن مذنبا بل جاء بأمر جلل. ولأنه يدرك سماحة نبي الله سليمان فعندما وصل بعد قليل من السؤال عنه واقترب من سليمان وروى له ما رآه من أهل سبأ وكيف أنهم تملكهم امرأة. ووصف له هذه المرأة وما تتمتع به من قدرات هائلة، كما حدثه عن عظمة عرشها قرر سليمان أن يتأكد من صدق ودقة معلومات جهاز مخابراته الهدهد وفي ذلك يقول الله عز وجل: “قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. اذْهَب بكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُم تَوَل عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ” (النمل: 27 28).
اوذهب الهدهد مسرعا حاملا رسالة سليمان إلى بلقيس وعندما وصل إلى قصرها ألقاها إليها وهي في خلوة ثم وقف في جانب ينتظر ما يكون من جوابها على كتاب سليمان. وفتحت بلقيس الكتاب وقرأت ما فيه، ولما كان حكمها يقوم على الشورى كما تدل آيات القرآن الكريم كما أنها تتمتع بالرزانة وحسن التصرف فإنها لم تبادر إلى رد فعل متسرع قد تندم عليه في المستقبل، وإنما جمعت وزراءها وأمراءها وأكابر دولتها إلى مشورتها، وفي البداية أخبرتهم بوصول الكتاب ثم بعنوانه ثم بمضمونه ثم سألتهم الرأي والمشورة: “قَالَتْ يَا أَيهَا المَلأ إِني أُلْقِيَ إِلَي كِتَابٌ كَرِيمٌ. إِنهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنهُ بِسْمِ اللهِ الرحْمَنِ الرحِيمِ. أَلا تَعْلُوا عَلَي وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ” (النمل: 29 30).
كان قوم بلقيس يتمتعون بالقوة والشجاعة. وكانوا يلتزمون نحوها بالسمع والطاعة، كما كانوا مستعدين لأن يخوضوا معها القتال، إذا قررت ذلك. لكن ذلك لم يكن رأيها ولا قرارها فقد كانت الدعوة التي يحملها الكتاب دعوة للصلاح والإسلام والى عدم الاغترار بالقوة والاستعلاء في الأرض. وكان من حكمة بلقيس أن تختبر نوايا صاحب الكتاب: “قَالُوا نَحْنُ أُوْلُو قُوةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ. قَالَتْ إِن الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزةَ أَهْلِهَا أَذِلةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ. وَإِني مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ” (النمل: 33 35).
كانت الهدية التي أرسلتها بلقيس مع وفدها لسليمان تحتوي على كثير من الدرر والجواهر وحلي الذهب والفضة والجواري والغلمان، وكانت تريد أن تختبر سليمان وتعرف إن كان ملكا أم نبيا، وأن تقيم معه في الحالتين أواصر المودة والسلام ولكن سليمان الذي كان نبيا وملكا لم يكن هدفه المال ولم يكن مقصده الدرر والجوهر، وهو الذي دعا ربه أن يهبه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فاستجاب الله دعاءه، ولذلك لم يكن مثل هذه الهدية يغريه فرد الهدية: “فَلَما جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللهُ خَيْرٌ مما آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيتِكمْ تَفْرَحونَ. ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنهُم منْهَا أَذِلةً وَهُمْ صَاغِرُونَ”(النمل 36 37).
وأدركت بلقيس أنها ليست أمام ملك طامع في مزيد من الملك أو المال وإنما هي أمام نبي مرسل فقررت الذهاب إليه وسط حشد من كبار قومها وعلم سليمان بعزمها فقرر أن يختبرها: “قَالَ يَا أَيهَا المَلأ أَيكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأتُونِي مُسْلِمِينَ، قَالَ عِفْريتٌ منَ الْجِن أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مقَامِكَ وَإِني عَلَيْهِ لَقَوِي أَمِينٌ. قَالَ الذِي عِندَهُ عِلْمٌ منَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَد إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَما رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِن رَبي غَنِي كَرِيمٌ. قَالَ نَكرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الذِينَ لَا يَهْتَدُونَ. فَلَما جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنا مُسْلِمِينَ. وَصَدهَا مَا كَانَت تعْبُدُ مِن دُونِ اللهِ إِنهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ، قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصرْحَ فَلَما رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنهُ صَرْحٌ ممَردٌ من قَوَارِيرَ قَالَتْ رَب إِني ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلهِ رَب الْعَالَمِينَ” (النمل: 38 44).
تسجل هذه الآيات الكريمات الاختبار الذي قرره النبي سليمان عليه السلام لبلقيس حين طلب من خاصته الإتيان بعرشها فعرض جني أن يحضره قبل أن يقوم سليمان من مجلسه وكان يمتد من الصباح حتى الظهيرة وعرض آخر عنده علم من الكتاب قيل انه جبريل عليه السلام وقيل إنه جني مؤمن وقيل إنه سليمان نفسه والأشهر أنه آصف بن يرضيا ابن خالة سليمان أن يأتيه به في مثل لمح البصر. فلما جيء له بالعرش أمر بتغيير بعض ملامحه، فلما جاءت بلقيس ورأته وسئلت إن كان هو عرشها؟ وكانت تركته خلفها لم تشأ أن تجيب إجابة قاطعة بالإيجاب أو النفي مما يدل على فطنتها وسعة إدراكها وقوة حيلتها.
وحين دعيت إلى دخول صرح سليمان وكان مبنيا من قوارير وله سقف من زجاج وكان مزينا بالكائنات البحرية ظنت انه بحر فلما همت بدخوله كشفت عن ساقيها.
وذكر الثعلبي أن سليمان لما تزوجها بعد إسلامها وقومها أقرها على مملكة اليمن وردها إليه، وكان يزورها في كل شهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام ثم يعود على البساط، وأمر الجان فبنوا له ثلاثة قصور في اليمن هي غمدان وسالحين وبيتون. وتوفيت بلقيس بعد بضع سنوات من وفاة سليمان بعد عمر طويل من الحكم الرشيد وبعد أن قادت قومها قبل إسلامها إلى القوة وشدة البأس. وقادتهم بإسلامها للخروج مع سليمان من الظلمات إلى النور، ولتظل سيرتها درسا هاديا ونبراسا مرشدا لكل امرأة سليمة الفطرة صادقة الإيمان .
================================
(( إن لم يكن شعري كعهدي به
فحسنك الشعر الذي أهوي ))
م . منسي
فحسنك الشعر الذي أهوي ))
م . منسي
- محمد منسىVIP™
- المشاركات : 3296
أم المؤمنين زينب بنت خزيمة الهلالية
أم المساكين
أول من دفن من أمهات المؤمنين في المدينة.
هي زينب بنت خزيمة الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية، وكانت أخت ميمونة بنت الحارث {أم المؤمنين} لأمها، وكانت تدعى في الجاهلية {أم المساكين}. وصفت بالطيبة والكرم والعطف على الفقراء والمساكين في الجاهلية والإسلام، ولا يكاد اسمها يذكر في أي كتاب إلا مقرونا بلقبها الكريم -أم المساكين .
زينب بنت خزيمة هي إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والتي لم يمض على دخول حفصة البيت المحمدي وقت قصير حين دخلته أرملة شهيد قرشي من المهاجرين الأولين فكانت بذلك رابعة أمهات المؤمنين. ويبدو أن قصر مقامها ببيت الرسول صلى الله عليه وسلم قد صرف عنها كتاب السيرة ومؤرخي عصر المبعث فلم يصل من أخبارها سوى بضع روايات لا تسلم من تناقض واختلاف، وزينب بنت خزيمة أرملة شهيد قرشي من المهاجرين الأولين هو عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، قتل عنها في بدر فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة 3 هجرية، ويقال إنه كان زواجا شكليا، حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوجها بدافع الشفقة.
واختلف فيمن تولى زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم ففي الإصابة عن ابن الكلبي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها إلى نفسها فجعلت أمرها إليه فتزوجها ، وقال ابن هشام في السيرة : زوَّجه إياها عمها قبيصة بن عمرو الهلالي، وأصدقها الرسول صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم .
واختلفوا أيضا في المدة التي أقامتها ببيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي الإصابة رواية تقول: كان دخوله صلى الله عليه وسلم بها بعد دخوله على حفصة بنت عمر، رضي الله عنها، ثم لم تلبث عنده شهرين أو ثلاثة وماتت، ورواية أخرى عن إبن كلبي تقول: ( فتزوجها في شهر رمضان سنة ثلاث، فأقامت عنده ثمانية أشهر وماتت في ربيع الآخر سنة أربع) .
وكانت زينب بنت جحش {رضي الله عنها} أجودهن، يعني أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأبرهن باليتامى والمساكين، حتى كانت تعرف بأم المساكين .
ورد في كتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبي:
" زينب أم المؤمنين بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله الهلالية.
فتدعى أيضاً: أم المساكين لكثرة معروفها أيضاً.
قتل زوجها عبد الله بن جحش يوم أحد فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لم تمكث عنده إلا شهرين أو أكثر وتوفيت رضي الله عنها.
وقيل: كانت أولاً عند الطفيل بن الحارث وما روت شيئاً.
وقال النسابة علي بن عبد العزيز الجرجاني: كانت عند الطفيل ثم خلف عليها أخوه الشهيد: عبيدة بن الحارث المطلبي.
وهي أخت أم المؤمنين ميمونة لأمها".
وجاء في كتاب "أسد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير المؤرخ:
" زينب بِنْت خزيمة بن الحَارِث بن عَبْد الله بن عَمْرو بن عَبْد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية، زوج النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم، يقال لها: أم المساكين، لكثرة إطعامها للمساكين وصدقتها عليهم. وكانت تحت عَبْد الله بن جحش، فقتل عنها يوم أحد، فتزوجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: كانت عند الطفيل بن الحَارِث بن المُطَّلِب بن عَبْد مناف، ثم خلف عليها أخوة عُبَيْدة بن الحَارِث، قاله أبو عُمر عن علي بن عَبْد العزيز الجرجاني. وقال: كانت أخت ميمونة زوج النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم لأمها.
قال أبو عُمر: ولم أر ذلك لغيره.
وتزوجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد حفصة. قال أبو عُمر: ولم تلبث عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا يسيراً شهرين أو ثلاثة حتى توفيت، وكانت وفاتها في حياته. لا خلاف فيه.
وذكر ابن منده في ترجمتها قول النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم: "أسرعكنَّ لُحوقاً بي أطولكنَّ يداً" فكان نساء النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم يتذارعن أيتهنّ أطول يداً، فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يداً في الخير.
وهذا عندي وهم، فإنه صلّى الله عليه وسلّم قال: "أسرعكن لحوقاً بي". وهذه سبقته، إنما أراد أول نسائه تموت بعد وفاته، وقد تقدم في زينب بِنْت جحش، وهو بها أشبه، لأنها كانت أيضاً كثيرة الصدقة من عمل يدها، وهي أول نسائه توفيت بعده، والله أعلم.
أخرجها الثلاثة
(( إن لم يكن شعري كعهدي به
فحسنك الشعر الذي أهوي ))
م . منسي
فحسنك الشعر الذي أهوي ))
م . منسي
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
مواضيع مماثلة
للمشاركة انت بحاجه الى تسجيل الدخول او التسجيل
يجب ان تعرف نفسك بتسجيل الدخول او بالاشتراك معنا للمشاركة
صفحة 2 من اصل 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى