الصدى.
فى ماضٍ بعيد، لم يكن هناك صدى لأيّ صوت فى العالم، إلى أنْ فَقَدَتْ إحدى الأمهات ابنتها أثناء لَعِبِهما معًا لعبة بسيطة فى بيتهما البسيط.
بحثَتْ الأم عن طفلتها فى البيت، وعندما لم تجدها فَكّرَتْ أن اللعبة ربما أخذَتْها إلى مكان ما فى العالم، فخرَجَتْ، سألَتْ عنها فى الشوارع القريبة، إلا أن أحدًا لم يكن يعرف شيئًا، مشَتْ فى شوارع بعيدة وهى تنادى ابنتها، دخلَتْ عوالم داخل العالم الذى تعرفه، وأخرى خارجه، تنادى بأعلى صوتها، كان الصوت وحيدًا مثلها بلا أيّ صدى أو مساعدة من كائن آخر.
ظلَّتْ الأم تمشى، تتنقَّل من ليل إلى نهار، تعبُرُ غابات، صحارى، ومياه، حتى بدأ صوتها يتعَب، نظرَتْ إلى الكائنات حولها، كأنها تطلب منهم أن يفعلوا شيئًا، فإنْ كان أحدهم لم يَرَ ابنتها، وهذا شيء غريب، وإنْ كان أيًّا منهم لن يساعدها فى البحث، فلينادوا معها على الأقل، كلٌ من مكانه، عندها، بدأتْ الجبال، الأشجار، السحاب، والمياه، يُردِّدون خلف الأم وهم يُقلِّدون صوتها طِبْق الأصل، فبدا الكون كله وكأنه ينادى الابنة بصوت أمها، حتى إن الأم عندما انهارت وبَكَتْ، ردَّدَت الكائنات بكائَها، ولم يمضِ وقت طويل حتى سمعوا صوت الطفلة وهى تهتف من مكان ما: «أمى»، ردَّدت الكائنات صوت الابنة طِبْق الأصل، ضحِكَتْ الأم ونادت ابنتها، ردَّدتْ الكائنات ضحكتها وندائها، وهكذا، ظلَّت الكائنات تُردِّد خلف الأم وابنتها، وتُقلِّد صوتيهما طِبْق الأصل، حتى عثرت كلٌ منهما على الأخرى. ومنذ ذلك اليوم، صارت هذه اللعبة موجودة فى العالم مع تعديل بسيط، فيمكن لأيّ شخص أن يحصل على صدى لصوته، حيث تقوم الكائنات التى تُشْبِهه فى العالم بترديد كلماتِه، ولو أنَّ كائنًا لم يحصل على صدى لصوته، فهذا لعدم وجود كائنات تُشبهه بشكل كافٍ على مسافة قريبة، أو أنه لم يرفع صوته كفاية لتسمعه، أو لأن هناك زحام كبير بينه وبينها يمنع وصول صوته إليها.
أحيانًا، يقف شخصان إلى جوار بعضهما بعضًا، فيحصل أحدهما على صدى لصوته لأن هناك كائن يُشبهه فى الجوار، بينما لا يحصل الآخر على صداه لأن لا أحد يشبهه، وربما يقف شخص واحد بمواجهة شجرتين، فتردُّ إحداهما عليه لأنها تشبهه، بينما تظَلُّ الأخرى صامتة لأنها تشبه واحدًا غيره.
لكن، وفى النهاية، لا داع لأن يقلق أيّ كائن، فهناك دومًا ما ومَنْ يتماسّ مع روحه، أكثر من ذلك، سيحصل لنفسه على أكثر من صدى.