تعالى اشطفها
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تاريخ ابن خلدون

صفحة 7 من اصل 20 الصفحة السابقة  1 ... 6, 7, 8 ... 13 ... 20  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأحد 4 مايو 2008 - 0:04

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

بسم الله الرحمن الرحيم



تمهيـــد
يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه الغني بلطفه عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي وفقه الله تعالى‏:‏ الحمد لله الذي له العزة والجبروت وبيده الملك والملكوت وله الأسماء الحسنى والنعوت العالم فلا يعزب عنه ما تظهره النجوى أو يخفيه السكوت القادر فلا يعجزه شي في السماوات والأرض ولا يفوت‏.‏ أنشأنا من الأرض نسماً واستعمرنا فيها أجيالاً وأمماً ويسر لنا منها أرزاقاً وقسماً‏.‏ تكنفنا الأرحام والبيوت ويكفلنا الرزق والقوت وتبلينا الأيام والوقوت وتعتورنا الآجال التي خط علينا كتابها الموقوت وله البقاء والثبوت وهو الحي الذي لا يموت والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي العربي المكتوب في التوراة والإنجيل المنعوت الذي تمخض لفصاله الكون قبل ان تتعاقب الآحاد والسبوت ويتباين زحل واليهموت وشهد بصدقه الحمائم والعنكبوت وعلى آله وأصحابه الذين لهم في محبته واتباعه الأثر البعيد والصيت والشمل الجميع في مظاهرته ولعدوهم الشمل الشتيت صلى الله عليه وعليهم ما اتصل بالإسلام جده المبخوت وانقطع بالكفر حبله المبتوت وسلم كثيراً‏.‏ أما بعد فإن فن التاريخ من الفنون التي تتداولها الأمم والأجيال وتشد إليه الركائب والرحال وتسمو إلى معرفته السوقة والأغفال وتتنافس فيه الملوك والأقيال ويتساوى في فهمه العلماء والجهال إذ هو في ظاهره لا يزيد على إخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأول تنمو فيها الأقوال وتضرب فيها الأمثال وتطرف بها الأندية إذا غصها الاختفال وتؤدي إلينا شأن الخليقة كيف تقلبت بها ألاحوال واتسع للدول فيها النطاق والمجال وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال وحان منهم الزوال وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومباديها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق وجدير بأن يعد في علومها وخليق‏.‏ وإن فحول المؤرخين في الإسلام قد استوعبوا أخبار الأيام وجمعوها وسطروها في صفحات الدفاتر وأودعوها وخلطها المتطفلون بدسائس من الباطل وهموا فيها أو ابتدعوها وزخارف من الروايات المضعفة لفقوها ووضعوها واقتفى تلك الآثار الكثير ممن بعدهم واتبعوها‏.‏ وأدوها إلينا كما سمعوها ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال ولم يراعوها ولا رفضوا ترهات الأحاديث ولا دفعوها فالتحقيق قليل وطرف التنقيح في الغالب كليل والغلط والوهم نسيب للأخبار وخليل والتقليد عريق في الآدميين وسليل والتطفل على الفنون عريض وطويل ومرعى الجهل بين الأنام وخيم وبيل‏.‏ والحق لا يقاوم سلطانه والباطل يقذف بشهاب النظر شيطانه والناقل إنما هو يملي وينقل والبصيرة تنقد الصحيح إذا تمقل والعلم يجلو لها صفحات الصواب ويصقل‏.‏ هذا وقد دون الناس في الأخبار وأكثروا وجمعوا تواريخ الأمم والدول في العالم وسطروا‏.‏ والذين ذهبوا بفضل الشهرة والأمانة المعتبرة واستفرغوا دواوين من قبلهم في صحفهم المتأخرة هم قليلون لا يكادون يجاوزون عدد الأنامل ولا حركات العوامل مثل ابن إسحاق والطبري وابن الكلبي ومحمد بن عمر الواقدي وسيف بن عمر الأسدي والمسعودي وغيرهم من المشاهير المتميزين عن الجماهير وإن كان فى كتب المسعودي والواقدي من المطعن والمغمز ما هو معروف عند الأثبات ومشهور بين الحفظة الثقات إلا أن الكافة اختصتهم بقبول أخبارهم واقتفاء سننهم في التصنيف واتباع آثارهم والناقد البصير قسطاس نفسه في تزييفهم فيما ينقلون‏.‏ أو اعتبارهم فللعمران طبائع في أحواله ترجع إليها الأخبار وتحمل عليها الروايات والآثار‏.‏ ثم إن أكثر التواريخ لهؤلاء عامة المناهج والمسالك لعموم الدولتين صدر الإسلام في الآفاق والممالك وتناولها البعيد من الغايات في المآخذ والمتارك‏.‏ ومن هؤلاء من استوعب ما قبل الملة هن الدول والأمم والأمر العمم كالمسعودي ومن نحا منحاه‏.‏ وجاء من بعدهم من عدل عن الإطلاق إلي التقييد ووقف في العموم والإحاطة عن الشأو البعيد فقيد شوارد عصره واستوعب أخبار أفقه وقطره واقتصر على أحاديث دولته ومصره‏.‏ كما فعل أبوحيان مؤرخ الأندلس والدولة الأموية بها وابن الرفيق مؤرخ إفريقية والدول التي كانت بالقيروان‏.‏ شم لم يأت من بعد هؤلاء إلا مقلد وبليد الطبع والعقل أو متبلد ينسج على ذلك المنوال ويحتذي منه بالمثال ويذهل عما أحالته الأيام من الأحوال واستبدلت به من عوائد الأمم والأجيال‏.‏ فيجلبون الأخبار عن الدول وحكايات الوقائع في العصور الأول صوراً قد تجردت عن موادها وصفاحاً انتضيت من أغمادها ومعارف تستنكر للجهل بطارفها وتلادها إنما هي حوادث لم تعلم أصولها وأنواع لم تعتبر أجناسها ولا تحققت فصولها يكررون في موضوعاتهم الأخبار المتداولة بأعيانها اتباعاً لمن عني من المتقدمين بشأنها ويغفلون أمر الأجيال الناشئة في ديوانها بما أعوز عليهم من ترجمانها فتستعجم صحفهم عن بيانها‏.‏ ثم إذا تعرضوا لذكر الدولة نسقوا أخبارها نسقاً محافظين على نقلها وهماً أو صدقاً لا يتعرضون لبدايتها ولا يذكرون السبب الذي رفع من رايتها وأظهر من آيتها ولا علة الوقوف عند غايتها فيبقى الناظر متطلعاً بعد إلى افتقاد أحوال مبادىء الدول ومراتبها مفتشاً عن أسباب تزاحمها أو تعاقبها باحثاً عن المقنع في تباينها أوتناسبها حسبما نذكر ذلك كله في مقدمة الكتاب‏.‏ ثم جاء آخرون بإفراط الاختصار وذهبوا إلى الاكتفاء بأسماء الملوك والاقتصار مقطوعة عن الأنساب والأخبار موضوعة عليها أعداد أيامهم بحروف الغبار كما فعله ابن رشيق في ميزان العمل ومن اقتفى هذا الأثر من الهمل‏.‏ وليس يعتبر لهؤلاء مقال ولا يعد لهم ثبوت ولا انتقال لما أذهبوا من الفوائد وأخلوا بالمذاهب المعروفة للمؤرخين والعوائد‏.‏ ولما طالعت كتب القوم وسبرت غور الأمس واليوم نبهت عين القريحة من سنة الغفلة والنوم وسمت التصنيف من نفسي وأنا المفلس أحسن السوم‏.‏ فأنشأت في التاريخ كتاباً رفعت به عن أحوال الناشئة من الأجيال حجاباً وفصلته في الأخبار والاعتبار باباً باباً وأبديت فيه لأولية الدول والعمران عللاً وأسباباً وبنيته على أخبار الأمم الذين عمروا المغرب في هذه الأعصار وملؤوا أكناف النواحي منه والأمصار وما كان لهم من الدول الطوال أو القصار ومن سلف من الملوك والأنصار وهم العرب البربر إذ هما الجيلان اللذان عرف بالمغرب مأواهما وطال فيه على الأحقاب مثواهما حتى لا يكاد يتصور فيه ما عداهما ولا يعرف أهله من أجيال الآدميين سواهما‏.‏ فهذبت مناحيه تهذيباً وقربته لأفهام العلماء والخاصة تقريباً وسلكت في ترتيبه وتبويبه مسلكاً غريباً واخترعته من بين المناحي مذهباً عجيباً وطريقة مبتدعة وأسلوباً‏.‏ وشرحت فيه من أحوال العمران والتمدن وما يعرض في الاجتماع الإنساني من العوارض الذاتية ما يمتعك بعلل الكوائن وأسبابها ويعرفك كيف دخل اهل الدول من أبوابها حتى تنزع من التقليد يدك وتقف على أحوال ما قبلك من الأيام والأجيال ما بعدك‏.‏ ورتبتة على مقدمة وثلاثة كتب‏:‏ المقدمة‏:‏ في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه والإلماع بمغالط المؤرخين‏.‏ الكتاب الأول‏:‏ في العمران وذكر ما يعرض فيه من العوارض الذاتية من الفلك والسلطان والكسب والمعاش والصنائع والعلوم وما لذلك من العلل والأسباب‏.‏ الكتاب الثاني‏:‏ في أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدإ الخليقة إلى هذا العهد وفيه الإلماع ببعض من عاصرهم من الأمم المشاهير ودولهم مثل النبط والسريانيين والفرس وبني إسرائيل والقبط واليونان والروم والترك والإفرنجة‏.‏ الكتاب الثالث‏:‏ في أخبار البربر ومن إليهم من زناتة وذكر أوليتهم وأجيالهم وما كان لهم بديار المغرب خاصة من الملك والدول‏.‏ ثم كانت الرحلة إلى المشرق لاجتلاء أنواره وقضاء الفرض والسنة في مطافه ومزاره والوقوف على آثاره في دواوينه وأسفاره فأفدت ما نقص من أخبار ملوك العجم بتلك الديار ودول الترك فيما ملكوه من الأقطار وأتبعت بها ما كتبته فى تلك
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل


تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:02

الفصل الثالث والأربعون في أن حملة العلم في الإسلام أكثرهم العجم
من الغريب الواقع أن حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم وليس في العرب حملة علم لا في العلوم الشرعية ولا في العلوم العقلية إلا في القليل النادر‏.‏ وإن كان منهم العربي في نسبه فهو أعجمي في لغته ومرباه ومشيخته مع أن الملة عربية وصاحب شريعتها عربي‏.‏ والسبب في ذلك أن الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة وإنما أحكام الشريعة التي هي أوامر الله ونواهيه كان الرجال ينقلونها في صدورهم وقد عرفوا مأخذها من الكتاب والسنة بما تلقوة من صاحب الشرع وأصحابه‏.‏ والقوم يرمئذ عرب لم يعرفوا أمر التعليم والتآليف والتدوين ولا دفعوا إليه ولا دعتهم إليه الحاجة‏.‏ وجرى الأمر على ذلك زمن الصحاية والتابعين وكانوا يسموق المختصين بحمل ذلك‏.‏ ونقله القراء أي الذين يقرأون الكتاب وليسوا أميين لأن الأمية يومئذ صفة عامة في الصحابة بما كانوا عرباً فقيل لحملة القرآن يومئذ قراء إشارة إلى هذا‏.‏ فهم قراء لكتاب الله والسنة المأثورة عن الله لأنهم لم يعرفوا الأحكام الشرعية إلا منه‏.‏ ومن الحديث الذي هو في غالب موارده تفسير له وشرح قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما‏:‏ كتاب الله وسنتي ‏"‏‏.‏ فلما بعد النقل من لدن دولة الرشيد فما بعد احتيج إلى وضع التفاسير القرآنية وتقييد الحديث مخافه ضياعه ثم احتيج إلى معرفة الأسانيد وتعديل الناقلين للتمييز بين الصحيح من الأسانيد وما دونه ثم كثر استخراج أحكام الوقائع من الكتاب والسنة وفسد مع ذلك اللسان فاحتيج إلى وضع القوانين النحوية وصارت العلوم الشرعية كلها ملكات في الاستنباط والاستخراج والتنظير والقياس واحتاجت إلى علوم أخرى هي وسائل لها‏:‏ من معرفة قوانين العربيه وقوانين ذلك الاستنباط والقياس والذب عن العقائد الإيمانية بالأدلة لكثرة البدع والإلحاد فصارت هذه العلوم كلها علوماً ذات ملكات محتاجة إلى التعليم فاندرجت في جملة الصنائع‏.‏ وقد كنا قدمنا أن الصنائع من منتحل الحضر وأن العرب أبعد الناس عنها فصارت العلوم لذلك حضرية وبعد العرب عنها وعن سوقها‏.‏ والحضر لذلك العهد هم العجم أو من في معناهم من الموالي وأهل الحواضر الذين هم يومئذ تبع للعجم في الحضارة وأحوالها من الصنائع والحرف لإنهم أقوم على ذلك للحضارة الراسخة فيهم منذ دولة الفرس فكان صاحب صناعة النحو سيبويه والفارسي من بعده والزجاج من بعدهما وكلهم عجم في أنسابهم‏.‏ وإنما ربوا في اللسان العربي فاكتسبوه بالمربى ومخالطة العرب وصيروه قوانين وفناً لمن بعدهم‏.‏ وكذا حملة الحديث الذين حفظوه على أهل الإسلام أكثرهم عجم أو مستعجمون باللغة والمربى لاتساع الفن بالعراق‏.‏ وكان علماء أصول الفقه كلهم عجماً كما يعرف وكذا حملة علم الكلام وكذا أكثر المفسرين‏.‏ ولم يقم بحفظ العلم وتدوييه إلا الأعاجم‏.‏ وظهر مصداق قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لو تعلق العلم بأكناف السماء لناله قوم من أهل فارس ‏"‏‏.‏ وأما العرب الذين أدركوا هذه الحضارة وسوقها وخرجوا إليها عن البداوة فشغلتهم الرياسة في الدولة العباسية وما دفعوا إليه من القيام بالملك عن القيام بالعلم والنظر فيه فإنهم كانوا أهل الدولة وحاميتها وأولي سياستها مع ما يلحقهم من الأنفة عن انتحال العلم حينئذ بما صار من جملة الصنائع‏.‏ والرؤساء ابداً يستنكفون عن الصنائع والمهن وما يجر إليها ودفعوا ذلك إلى من قام به من العجم والمولدين‏.‏ وما زالوا يرون لهم حق القيام به فإنه دينهم وعلومهم ولا يحتقرون حملتها كل الاحتقار‏.‏ حتى إذا خرج الأمر من العرب جملة وصار للعجم صارت العلوم الشرعية غريبة النسبة عند أهل الملك بما هم عليه من البعد عن نسبتها وامتهن حملتها بما يرون أنهم بعداء عنهم مشتغلين بما لا يغني ولا يجدي عليهم في الملك والسياسة كما ذكرناه في فصل المراتب الدينية‏.‏ فهذا الذي قررناه هو السبب في أن حملة الشريعة أو عامتهم من العجم‏.‏ وأما العلوم العقلية أيضاً فلم تظهر في الملة إلا بعد أن تميز حملة العلم ومؤلفوه‏.‏ واستقر العلم كله صناعة فاختصت بالعجم وتركها العرب وانصرفوا عن انتحالها فلم يحملها إلا المعربون من العجم شأن الصنائع كما قلناه أولاً‏.‏ فلم يزل ذلك في الأمصار الإسلامية ما دامت الحضارة في العجم وببلادهم من العراق وخراسان وما وراء النهر‏.‏ فلما خربت تلك الأمصار وذهبت منها الحضارة التي هي سر الله في حصول العلم والصنائع ذهب العلم من العجم جملة لما شملهم من البداوة‏.‏ واختص العلم ألامصار الموفورة الحضارة‏.‏ ولا أوفر اليوم في الحضارة من مصر فهي أم العالم وإيوان الإسلام وينبوع العلم والصنائع‏.‏ وبقي بعض الحضارة فيما وراء النهر لما هناك من حضارة بالدولة التي فيها فلهم بذلك حصة من العلوم والصنائع لا تنكر‏.‏ وقد دلنا إلى ذلك كلام بعض علمائهم في تآليف وصلت إلينا إلى هذه البلاد وهو سعد الدين التفتازاني‏.‏ وأما غيره من العجم فلم نر لهم من بعد الإمام ابن الخطيب ونصير الدين طوسي كلاماً يعول على نهايته في الإصابة‏.‏ فاعتبر ذلك وتأمله تر عجباً في أحوال الخليقة‏.‏ والله يخلق ما يشاء لا إله إلا هو وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير

محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:03

الفصل الرابع والأربعون في أن العجمة إذا سبقت إلى اللسان قصرت بصاحبها
في تحصيل العلوم عن أهل اللسان العربي والسر في ذلك أن مباحث العلوم كلها إنما هي في المعاني الذهنية والخيالية من بين العلوم الشرعية التى هي أكثر مباحثها في الألفاظ وموادها من الأحكام المتلقاة من الكتاب والسنة ولغاتها المؤدية لها وهي كلها في الخيال وبين العلوم العقلية وهي في الذهن‏.‏ واللغات إنما هي ترجمان عما في الضمائر من تلك المعاني يؤديها بعض إلى بعض بالمشافهة في المناظرة والتعليم وممارسة البحث بالعلوم لتحصيل ملكتها بطول المران على ذلك‏.‏ والألفاظ واللغات وسائط وحجب بين الضمائر وروابط وختام عن المعاني‏.‏ ولا بد في اقتناص تلك المعاني من ألفاظها لمعرفة دلالاتها اللغوية عليها وجودة الملكة لناظر فيها وإلا فيعتاص عليه اقتناصها زيادة على ما يكون في مباحثها الذهنية من الاعتياص‏.‏ وإذا كانت ملكته في تلك الدلالات راسخة بحيث يتبادر المعاني إلى ذهنه من تلك الألفاظ عند استعمالها شأن البديهي والجبلي زال ذاك الحجاب بالجملة بين المعاني والفهم أو خف ولم يبق إلا معاناة ما في المعاني من المباحث فقط‏.‏ هذا كله إذا كان التعليم تلقيناً وبالخطاب والعبارة‏.‏ وأما إن احتاج المتعلم إلى الدراسة والتقييد بالكتاب ومشافهة الرسوم الخطية من الدواوين بمسائل العلوم كان هنالك حجاب آخر بين الخط ورسومه في الكتاب وبين الألفاظ المقولة في الخيال‏.‏ لأن رسوم الكتابة لها دلالة خاصة على الألفاظ المقولة‏.‏ وما لم تعرف تلك الدلالة تعذرت معرفة العبارة وإن عرف بملكة قاصرة كانت معرفتها أيضاً قاصرة ويزداد على الناظر والمتعلم بذلك حجاب آخر بينه وبين مطلوبه من تحصيل ملكات العلوم أعوص من الحجاب الأول‏.‏ وإذا كانت ملكته في الدلالة اللفظية والخطية مستحكمه ارتفعت الحجب بينه وبين المعاني‏.‏ وصار إنما يعاني فهم مباحثها فقط‏.‏ هذا شأن المعاني مع الألفاظ والخط بالنسبة إلى كل لغة‏.‏ والمتعلمون لذلك في الصغر أشد استحكاماً لملكاتهم‏.‏ ثم إن الملة الإسلامية لما اتسع ملكها واندرجت الأمم في طيها ودرست علوم الأولين بنبوتها وكتابها وكانت أمية النزعة والشعار فأخذ الملك والعزة وسخرية الأمم لهم بالحضارة والتهذيب وصيروا علومهم الشرعية صناعة بعد أن كانت نقلاً فحدثت فيهم الملكات وكثرت الدواوين والتآليف وتشوفوا إلى علوم الأمم‏.‏ فنقلوها بالترجمة إلى علومهم وأفرغوها في قالب أنظارهم وجردوها من تلك اللغات الأعجمية إلى لسانهم وأربوا فيها على مداركهم وبقيت تلك الدفاتر التي بلغتهم الأعجمية نسياً منسياً وطللاً مهجوراً وهباء منثوراً‏.‏ وأصبحت العلوم كلها بلغة العرب ودواوينها المسطرة بخطهم واحتاج القائمون بالعلوم إلى معرفة الدلالات اللفظية والخطية في لسانهم دون ما سواه من الألسن لدروسها وذهاب العناية بها‏.‏ وقد تقدم لنا أن اللغة ملكة في اللسان وكذا الخط صناعة ملكتها في اليد قإذا تقدمت في اللسان ملكة العجمة صار مقصراً في اللغة العربية لما قدمناه من أن الملكة إذا تقدمت في صناعة بمحل فقل أن يجيد صاحبها ملكة في صناعه أخرى وهو ظاهر‏.‏ وإذا كان مقصراً في اللغة العربية ودلالاتها اللفظية والخطية اعتاص عليه فهم المعاني منها كما مر‏.‏ إلا أن تكون ملكة العجمة السابقة لم تستحكم حين انتقل منها إلى العربية كأصاغر أبناء العجم الذين يربون مع العرب قبل أن تستحكم عجمتهم فتكون اللغة العربية كأنها السابقة لهم ولا ايكون عندهم تقصير في فهم المعاني من العربية‏.‏ وكذا أيضاً شأن من سبق له تعلم الخط الأعجمي قبل العربي‏.‏ ولهذا نجد الكثير من علماء الأعاجم في دروسهم ومجالس تعليمهم يعدلون عن نقل التقاسير من الكتب إلى قراءتها ظاهراً يخففون بذلك عن أنفسهم مؤونة بعض الحجب ليقرب عليهم تناول المعاني‏.‏ وصاحب الملكة في العبارة والخط مستغن عن ذلك بتمام ملكته وإنه صار له فهم الأقوال من الخط والمعاني من الأقوال كالجبلة الراسخة وارتفعت الححب بينه وبين المعاني‏.‏ وربما يكون الدؤوب على التعليم والمران على اللغة وممارسة الخط يفضيان بصاحبهما إلى تمكن الملكة كما نجده في الكثير من علماء الأعاجم إلا أنه في النادر‏.‏ وإذا قرن بنظيره من علماء العرب وأهل طبقته منهم كان باع العربي أطول وملكته أقوى لما عند المستعجم من الفتور بالعجمه السابقة التي يؤثر القصور بالضرورة ولا يعترض ذلك بما تقدم بأن علماء الإسلام أكثرهم العجم لأن المراد بالعجم هنالك عجم النسب لتداول الحضارة فيهم التي قررنا أنها سبب لانتحال الصنائع والملكات ومن جملتها العلوم‏.‏ وأما عجمة اللغة فليست من ذلك وهي المرادة هنا‏.‏ ولا يعترض ذلك أيضاً مما كان لليونانيين في علومهم من رسوخ القدم فإنهم إنما تعلموها من لغتهم السابقة لهم وخطهم المتعارف بينهم‏.‏ والأعجمي المتعلم للعلم في الملة الإسلامية يأخذ العلم بغير لسانه الذي سبق إليه ومن غير خطه الذي يعرف ملكته‏.‏ فلهذا يكون له ذلك حجاباً كما قلناه‏.‏ وهذا عام في جميح أصناف أهل اللسان الأعجمي من الفرس والروم والترك والبربر والفرنج وسائر من ليس من أهل اللسان العربي‏.‏ وفي ذلك آيات للمتوسمين‏.‏

محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:04

الفصل الخامس والأربعون في علوم اللسان العربي
أركانه أربعة‏:‏ وهي اللغة والنحو والبيان والأدب‏.‏ ومعرفتها ضرورية على أهل الشريعة إذ مأخذ الأحكام الشرعية كلها من الكتاب والسنة وهي بلغة العرب ونقلتها من الصحابة والتابعين عرب وشرح مشكلاتها من لغتهم فلا بد من معرفة العلوم المتعلقة بهذا اللسان لمن أراد علم الشريعة‏.‏ وتتفاوت قي التأكيد بتفاوت مراتبها في التوفية بمقصود الكلام حسبما يتبين في الكلام عليها فناً فناً‏.‏ والذي يتحصل أن الأهم المقدم منها هو النحو إذ به يتبين أصول المقاصد بالدلالة فيعرف الفاعل من المفعول والمبتدأ من الخبر ولولاه لجهل أصل الإفادة‏.‏ وكان من حق علم اللغة التقدم لولا ان أكثر الأوضاع باقية في موضوعاتها لم تتغير بخلاف الإعراب الدال على الإسناد والمسند والمسند إليه فإنه تغير بالجملة ولم يبق له أثر‏.‏ فلذلك كان علم النحو أهم من اللغة إذ في جهله الإخلال بالتفاهم جملة وليست كذلك اللغة‏.‏ واللة سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق‏.‏ علم النحو اعلم أن اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصوده‏.‏ وتلك العبارة فعل لساني ناشئ عن القصد بإفادة الكلام فلابد أن تصير ملكة متقررة في العضو الفاعل لها وهو اللسان‏.‏ وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم‏.‏ وكانت الملكة الحاصلة للعرب من ذلك أحسن الملكات وأوضحها إبانة عن المقاصد لدلالة غير الكلمات فيها على كثير من المعاني‏.‏ مثل الحركات التي تعين الفاعل من المفعول من المجرور أعني المضاف ومثل الحروف التي تفضي بالأفعال أي الحركات إلى الذوات من غير تكلف ألفاظ أخرى‏.‏ وليس يوجد ذلك إلا في لغة العرب‏.‏ وأما غيرها من اللغات فكل معنى أو حال لا بد له من ألفاظ تخصه بالدلالة ولذلك نجد كلام العجم في مخاطباتهم أطول مما نقدره بكلام العرب‏.‏ وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصاراً ‏"‏‏.‏ فصار للحروف في لغتهم والحركات والهيآت أي الأوضاع اعتبار في الدلالة على المقصود غير متكلفين فيه لصناعة يستفيدون ذلك منها‏.‏ إنما هي ملكة في ألسنتهم يأخذها الآخر عن الأول كما تأخذ صبياننا لهذا العهد لغاتنا‏.‏ فلما جاء الإسلام وفارقوا الحجاز لطلب الملك الذي كان في أيدي الأمم والدول وخالطوا العجم تغيرت تلك الملكة بما ألقى إليها السمع من المخالفات التي للمتعربين من العجم‏.‏ والسمع أبو الملكات اللسانية ففسدت بما ألقي إليها مما يغايرها لجنوحها إليه باعتياد السمع‏.‏ وخشي أهل العلوم منهم أن تفسد تلك الملكة رأساً ويطول العهد بها فينغلق القرآن والحديث على المفهوم فاستنبطوا من مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكة مطردة شبه الكليات والقواعد يقيسون عليها سائر أنواع الكلام ويلحقون الأشباه بالأشباه‏.‏ مثل أن الفاعل مرفوع والمفعول منصوب والمبتدأ مرفوع‏.‏ ثم رأوا تغير الدلالة بتغير حركات هذه الكلمات فاصطلحوا على تسميته إعراباً وتسمية الموجب لذلك التغير عاملاً وأمثال ذلك‏.‏ وصارت كلها اصطلاحات خاصة بهم فقيدوها بالكتاب وجعلوها صناعة لهم مخصوصة واصطلحوا على تسميتها بعلم النحو‏.‏ وأول من كتب فيها أبو الأسود الدؤلي من بني كنانة ويقال بإشارة علي رضي الله عنه لأنه رأى تغير الملكة فأشار عليه بحفظها ففزع إلى ضبطها بالقوانين الحاضرة المستقرأة ثم كتب فيها الناس من بعده إلى أن انتهت إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي أيام الرشيد أحوج ما كان الناس إليها لذهاب تلك الملكة من العرب‏.‏ فهذب الصناعة وكمل أبوابها‏.‏ وأخذها عنه سيبويه فكمل تفاريعها واستكثر من أدلتها وشواهدها ووضع فيها كتابه المشهور الذي صار إماماً لكل ما كتب فيها من بعده‏.‏ ثم وضع أبو علي الفارسي وأبو القاسم الزجاج كتباً مختصرة للمتعلمين يحذون فيها حذو الإمام في كتابه‏.‏ ثم طال الكلام في هذه الصناعة وحدث الخلاف بين أهلها في الكوفة والبصرة‏:‏ المصرين القديمين للعرب‏.‏ وكثرت الأدلة والحجاج بينهم وتباينت الطرق في التعليم وكثر الاختلاف في إعراب كثير من آي القرآن باختلافهم في تلك القواعد وطال ذلك على المتعلمين‏.‏ وجاء المتأخرون بمذاهبهم في الاختصار فاختصروا كثيراً من ذلك الطول مع استيعابهم لجميع ما نقل كما فعله ابن مالك في كتاب التسهيل وأمثاله أو اقتصارهم على المبادىء للمتعلمين كما فعله الزمخشري في المفصل وابن الحاجب في المقدمة له‏.‏ وربما نظموا ذلك نظماً مثل ابن مالك في الأرجوزتين الكبرى والصغرى وابن معطي في الأرجوزة الألفية‏.‏ وبالجملة فالتآليف في هذا الفن أكثر من أن تحصى أو يحاط بها وطرق التعليم فيها مختلفة فطريقة المتقدمين مغايرة لطريقة المتأخرين‏.‏ والكوفيون والبصريون والبغداديون والأندلسيون مختلفة طرقهم كذلك‏.‏ وقد كادت هذه الصناعة أن تؤذن بالذهاب لما رأينا من النقص في سائر العلوم والصنائع بتناقص العمران ووصل إلينا بالمغرب لهذه العصور ديوان من مصر منسوب إلى جمال الدين ابن هشام من علمائها استوفى فيه أحكام الإعراب مجملة ومفصلة‏.‏ وتكلم على الحروف والمفردات والجمل وحذف ما في الصناعة من المتكرر في أكثر أبوابها وسماه بالمغني في الإعراب‏.‏ وأشار إلى نكت إعراب القرآن كلها وضبطها بأبواب وفصول وقواعد انتظمت سائرها فوقفنا منه على علم جم يشهد بعلو قدره في هذه الصناعة ووفور بضاعته منها وكأنه ينحو في طريقته منحى نحاة أهل الموصل الذين أقتفوا آثر ابن جني واتبعوا مصطلح تعليمه فأتى من ذلك بشيء عجيب دال على قوة ملكته واطلاعه‏.‏ والله يزيد في الخلق ما يشاء هذا العلم هو بيان الموضوعات اللغوية‏.‏ وذلك أنه لما فسدت ملكة اللسان العربي في الحركات المسماة عند أهل النحو بالإعراب واستنبطت القوانين لحفظها كما قلناه‏.‏ ثم استمر ذلك الفساد بملابسة العجم ومخالطتهم حتى تأذى الفساد إلى موضوعات الألفاظ فاستعمل كثير من كلام العرب في غير موضوعه عندهم ميلاً مع هجنة المتعربين في اصطلاحاتهم المخالفة لصريح العربية فاحتيج إلى حفظ الموضوعات اللغوية بالكتاب والتدوين خشية الدروس وما ينشأ عنه من الجهل بالقرآن والحديث فشمر كثير من أئمة اللسان لذلك وأملوا فيه الدواوين‏.‏ وكان سابق الحلبة في ذلك الخليل بن أحمد الفراهيدي‏.‏ ألف فيها كتاب العين فحصر فيه مركبات حروف المعجم كلها من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي وهو غاية ما ينتهي إليه التركيب في اللسان العربي‏.‏ وتأتى له حصر ذلك بوجوه عديدة حاصرة وذلك أن جملة الكلمات الثنائية تخرج من جميع الأعداد على التوالي من واحد إلى سبعة وعشرين وهو دون نهاية حروف المعجم بواحد‏.‏ لأن الحرف الواحد منها يؤخذ مع كل واحد من السبعة والعشرين فتكون سبعة وعشرين كلمة ثنائية‏.‏ ثم يؤخذ الثاني مع الستة والعشرين كذلك‏.‏ ثم الثالث والرابع‏.‏ ثم يؤخذ السابع والعشرون مع الثامن والعشرين فيكون واحداً فتكون كلها أعداداً على توالي الأعداد من واحد إلى سبعة وعشرين فتجمع كما

محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:04

هي بالعمل المعروف عند أهل الحساب وهو أن تجمع الأول مع الاخير وتضرب المجموع في نصف العدة‏.‏ ثم تضاعف لأجل قلب الثنائي لأن التقديم والتأخير بين الحروف معتبر في التركيب فيكون الخارج جملة الثنائيات‏.‏ وتخرج الثلاثيات من ضرب عدد الثنائيات فيما يجتمع من واحد إلى ستة وعشرين على توالي العدد لأن كل ثنائية تزيد عليها حرفاً فتكون ثلاثية‏.‏ فتكون الثنائية بمنزلة الحرف الواحد مع كل واحد من الحروف الباقية وهي ستة وعشرون حرفاً بعد الثنائية فتجمع من واحد إلى ستة وعشرين على توالي العدد ويضرب فيه جملة الثنائيات ثم تضرب الخارج في ستة جملة مقلوبات الكلمة الثلاثية فيخرج مجموع تركيبها من حروف المعجم‏.‏ وكذلك في الرباعي والخماسي‏.‏ فانحصرت له التراكيب بهذا الوجه ورتب أبوابه على حروف المعجم بالترتيب المتعارف‏.‏ واعتمد فيه ترتيب المخارج فبدأ بحروف الحلق ثم ما بعده من حروف الحنك ثم الأضراس ثم الشفة وجعل حروف العلة آخراً وهي الحروف الهوائية‏.‏ وبدأ من حروف الحلق بالعين لأنه الأقصى منها‏.‏ فلذلك سمي كتابه بالعين لأن المتقدمين كانوا يذهبون في تسمية دواوينهم إلى مثل هذا وهو تسميته بأول ما يقع فيه من الكلمات والألفاظ‏.‏ ثم بين المهمل منها من المستعمل وكان المهمل في الرباعي والخماسي أكثر لقلة استعمال العرب له لثقله ولحق به الثنائي لقلة دورانه وكان الاستعمال في الثلاثي أغلب فكانت أوضاعه أكثر لدورانه‏.‏ وضمن الخليل ذلك كله في كتاب العين واستوعبه أحسن استيعاب وأوفاه‏.‏ وجاء أبو بكر الزبيدي وكتب لهشام المؤيد بالأندلس في المائه الرابعة فاختصره مع المحافظة على الاستيعاب وحفف منه المهمل كله وكثيراً من شواهد المستعمل ولخصه للحفظ أحسن تلحيص‏.‏ وألف الجوهري من المشارقة كتاب الصحاح على الترتيب المتعارف لحروف المعجم فجعل البداءة منها بالهمزة وجعل الترجمة بالحروف على الحرف اآاخير من الكلمة لاضطرار الناس في الأكثر إلى أواخر الكلم فيجعل ذلك باباً‏.‏ ثم يأتي بالحروف أول الكلمة على ترتيب حروف المعجم أيضاً ويترجم عليها بالفصول إلى آخرها‏.‏ وحصر اللغة اقتداءً بحصر الخليل‏.‏ ثم ألف فيها من الأندلسيين ابن سيده من أهل دانية في دوله علي بن مجاهد كتاب المحكم على ذلك المنحى من الاستيعاب وعلى نحو ترتيب كتاب العين‏.‏ وزاد فيه التعرض لاشتقاقات الكلم وتصاريفها فجاء من أحسن الدواوين‏.‏ ولخصه محمد بن أبي الحسين صاحب المستنصر من ملوك الدولة الحفصية بتونس‏.‏ وقلب ترتيبه إلى ترتيب كتاب الصحاح في اعتبار أواخر الكلم وبناء التراجم عليها فكانا توأمي رحم وسليلي أبوة‏.‏ هذه أصول كتب اللغة فيما علمناه‏.‏ وهناك مختصرات أخرى مختصة بصنف من الكلم ومستوعبة لبعض الأبواب أو لكلها إلا أن وجه الحصر فيها خفي ووجه الحصر في تلك جلي من قبل التراكيب كما رأيت‏.‏ ومن الكتب الموضوعة أيضاً في اللغة كتاب الزمخشري في المجاز وسماه أساس البلاغة بين فيه كل ما تجوزت به العرب من الألفاظ فيما تجوزت به من المدلولات وهو كتاب شريف الإفادة‏.‏ ثم لما كانت العرب تضع الشيء لمعنى على العموم ثم تستعمل في الأمور الخاصة ألفاظاً أخرى خاصة‏.‏ بها فرق ذلك عندنا بين الوضع والاستعمال واحتاج الناس إلى فقه في اللغة عزيز المأخذ كما وضع الأبيض بالوضع العام لكل ما فيه بياض ثم اختص ما فيه بياض من الخيل بالأشهب ومن الإنسان بالأزهر ومن الغنم بالأملح حتى صار استعمال الأبيض في هذه كلها لحناً وخروجاً عن لسان العرب‏.‏ واختص بالتأليف في هذا المنحى الثعالبي وأفرده في كتاب له سماه فقه اللغة وهو من آكد ما يأخذ به اللغوي نفسه أن يحرف استعمال العرب عن مواضعه‏.‏ فليس معرفة الوضع الأول بكاف في التركيب حتى يشهد له استعمال العرب لذلك‏.‏ وأكثر ما يحتاج إلى ذلك الأديب في فني نظمه ونثره حذراً من أن يكثر لحنه في الموضوعات اللغوية في مفرداتها وتراكيبها وهو أشر من اللحن في الإعراب وافحش‏.‏ وكذلك آلف بعض المتأخرين في الألفاظ المشتركة وتكفل بحصرها وإن لم يبلغ إلى النهاية في ذلك فهو مستوعب للأكثر‏.‏ وأما المختصرات الموجودة في هذا الفن المخصوصة بالمتداول من اللغة الكثير الاستعمال تسهيلاً لحفظها على الطالب فكثيرة مثل الألفاظ لابن السكيت والفصيح لثعلب وغيرهما‏.‏ وبعضها أقل لغة من بعض لاختلاف نظرهم في الأهم على الطالب للحفظ‏.‏ والله الخلاق العليم لا رب سواه‏.‏ فصل‏:‏ واعلم أن النقل الذي تثبت به اللغة إنما هو النقل عن العرب أنهم استعملوا هذه الألفاظ لهذه المعاني لا تقل إنهم وضعوها لأنه متعذر وبعيد ولم يعرف أحد منهم‏.‏ وكذلك لا تثبت اللغات بقياس ما لم نعلم استعماله على ما عرف استعماله في ماء العنب باعتبار الإسكار الجامع‏.‏ لأن شهادة الاعتبار في باب القياس إنما يدركها الشرع الدال على صحة القياس من أصله‏.‏ وليس لنا مثله في اللغة إلا العقل وهو محكم وعلى هذا جمهور

محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:05

الأئمة‏.‏ وإن مال إلى القياس فيها القاضي وابن سريج وغيرهم‏.‏ لكن القول بنفيه أرجح‏.‏ ولا تتوهمن أن إثبات اللغة في باب الحدود اللفظية لأن الحد راجع إلى المعاني ببيان أن مدلول اللفظ المجهول الخفي هو مدلول الواضح المشهور واللغة إثبات أن اللفظ كذا لمعنى كذا والفرق في غاية ظهور‏.‏ هذا العلم حادث في الملة بعد علم العربية واللغة وهو من العلوم اللسانية أنه متعلق بالألفاظ وما تفيده‏.‏ ويقصد بها الدلالة عليه من المعاني‏.‏ وذلك أن الأمور التي يقصد المتكلم بها إفادة السامع من كلامه هي‏:‏ إما تصور مفردات تسند ويسند إليها ويفضي بعضها إلى بعض والدلالة على هذه هي المفرادت من الأسماء والأفعال والحروف وأما تمييز المسندات من المسند إليها والأزمنة وبدل عليها بتغير إدركات وهو الإعراب وأبنية الكلمات‏.‏ وهذه كلها هي صناعة النحو‏.‏ ويبقى من الأمور المكتنفة بالواقعات المحتاجة للدلالة أحوال المتخاطبين أو الفاعلين وما يقتضيه حال الفعل وهو محتاج إلى الدلالة عليه لأنه من تمام الإفادة وإذا حصلت للمتكلم فقد بلغ غاية الإفادة من كلامه‏.‏ وإذا لم يشتمل على شيء منها فليس من جنس كلام العرب فإن كلامهم واسع ولكل مقام عندهم مقال يختص به بعد كمال الإعراب والإبانة‏.‏ ألا ترى أن قولهم‏:‏ ‏"‏ زيد جاءني ‏"‏ مغاير لقولهم ‏"‏ جاءني زيد ‏"‏ من قبل أن المتقدم منهما هو الأهم عند المتكلم‏.‏ فمن قال‏:‏ جاءني زيد أفاد أن اهتمامه بالمجيء قبل الشخص المسند إليه ومن قال‏:‏ زيد جاءني أفاد أن اهتمامه بالشخص قبل المجيء المسند‏.‏ وكذا التعبير عن أجزاء الجملة بما يناسب المقام من موصول أو مبهم أو معرفة‏.‏ وكذا تأكيد الإسناد على الجملة كقولهم‏:‏ زيد قائم وإن زيداً قائم وإن زيداً لقائم متغايرة كلها في الدلالة وإن استوت من طريق الإعراب فإن الأول العاري عن التأكيد إنما يفيد الخالي الذهن والثاني المؤكد ب إن يفيد المتردد والثالث يفيد المنكر فهي مختلفة‏.‏ وكذلك تقول‏:‏ جاءني الرجل ثم تقول مكانه بعينه جاءني رجل إذا قصدت بذلك التنكير تعظيمه وأنه رجل لا يعادله أحد من الرجال‏.‏ ثم الجملة الإسنادية تكون خبرية وهي التي لها خارج تطابقة أولاً وإنشائية وهي التي لا خارج لها كالطلب وأنواعه‏.‏ تم قد يتعين ترك العاطف بين الجملتين إذ كان للثانية محل من الإعراب‏:‏ فينزل بذلك منزلة التابع المفرد نعتاً أو توكيداً أو بدلاً بلا عطف أو يتعين العطف إذا لم يكن للثانية محل من الإعراب‏.‏ ثم يقتضي المحل الإطناب أو الإيجاز فيورد الكلام عليهما‏.‏ ثم قد يدل باللفط ولا يراد منطوقه ويراد لازمه إن كان مفرداً كما تقول‏:‏ زيد أسد فلا تريد حقيقة الأسد لمنطوقه وإنما تريد شجاعته اللازمة وتسندها إلى زيد وتسمى هذه استعارة‏.‏ وقد تريد باللفظ المركب الدلالة على ملزومه كما تقول‏:‏ زيد كثير رماد القدور وتريد به ما لزم ذلك عنه من الجود وقرى الضيف لأن كثره الرماد ناشئة عنهما فهي دالة عليهما‏.‏ وهذه كلها دلالة زائدة على دلالة الألفاظ من المفرد والمركب وإنما هي هيئات وأحوال للواقعات جعلت للدلالة عليها أحوال وهيآت في الألفاظ كل بحسب ما يقتضيه مقامه فاشتمل هذا العلم المسمى بالبيان على البحث عن هذه الدلالات التي للهيآت والأحوال والمقامات وجعل على ثلاثة أصنات‏:‏ الصنف الأول يبحث فيه عن هذه الهيأت والأحوال التي تطابق باللفظ جميع مقتضيات الحال ويسمى علم البلاغة والصنف الثاني يبحث فيه عن الدلالة على اللازم اللفظي وملزومه وهي الاستعارة والكناية كما قلناه ويسمى علم البيان‏.‏ وألحقوا بهما صنفاً آخر وهو النظر في تزيين الكلام وتحسينه بنوع من التنميق‏:‏ إما بسجع يفصله أو تجنيس يشابه بين ألفاظه أو ترصيع يقطع أوزانه أو تورية عن المعنى المقصود لإيهام معنى أخفى منه لاشتراك اللفظ بينهما أو طباق بالتقابل بين الأضداد وأمثال ذلك ويسمى عندهم علم البديع‏.‏ وأطلق على الأصناف الثلاثة عند المحدثين اسم البيان وهو اسم الصنف الثاني لأن الأقدمين أول ما تكلموا فيه‏.‏ ثم تلاحقت مسائل الفن واحدة بعد أخرى وكتب فيها جعفر بن يحيى والجاحظ وقدامة وأمثالهم إملاءات غير وافية فيها‏.‏ ثم لم تزل مسائل الفن تكمل شيئاً فشيئاً إلى أن مخض السكاكي زبدته وهذب مسائله ورتب أبوابه على نحو ما ذكرناه آنفاً من الترتيب وألف كتابه المسمى بالمفتاح في النحو والتصريف والبيان فجعل هذا الفن من بعض أجزائه‏.‏ وأخذه المتأخرون من كتابه ولخصوا منه أمهات هي المتداولة لهذا العهد كما فعله السكاكي في كتاب التبيان وابن مالك في كتاب المصباح وجلال الدين القزويني في كتاب الإيضاح والتلخيص وهو أصغر حجماً من الإيضاح والعناية به لهذا العهد عند أهل المشرق في الشرح والتعليم منه أكثر من غيره‏.‏ وبالجملة فالمشارقة على هذا الفن أقوم من المغاربة وسببه والله أعلم أنه كمالي في العلوم اللسانية والصنائع الكمالية توجد في وفور العمران‏.‏ والمشرق أوفر عمراناً من المغرب كما ذكرناه‏.‏ أو نقول لعناية العجم وهم معظم أهل المشرق كتفسير الزمخشري وهو كله مبني على هذا الفن وهو أصله‏.‏ وإنما اختص بأهل المغرب من أصنافه علم البديع خاصة وجعلوه من جملة علوم الأدب الشعرية وفرعوا له ألقاباً وعددوا أبواباً ونوعوا أنواعاً‏.‏ وزعموا أنهم أحصوها من لسان العرب وإنما حملهم على ذلك الولوع بتزيين الألفاظ وأن علم البديع سهل المأخذ‏.‏ وصعبت عليهم مآخذ البلاغة والبيان لدقة أنظارهما وغموض معانيهما فتجافوا عنهما‏.‏ وممن ألف في البديع من أهل إفريقية ابن رشيق وكتاب العمدة له مشهور‏.‏ وجرى كثير من أهل إفريقية والأندلس على منحاه‏.‏ واعلم أن ثمرة هذا الفن إنما هي في فهم الإعجاز من القرآن لأن إعجازه في وفاء الدلالة منه بجميع مقتضيات الأحوال منطوقة ومفهومة وهي أعلى مراتب الكمال مع الكلام فيما يختص بالألفاظ في انتقائها وجودة رصفها وتركيبها وهذا هو الإعجاز الذي تقصر الأفهام عن إدراكه‏.‏ وإنما يدرك بعض الشيء منه من كان له ذوق بمخالطة اللسان العربي وحصول ملكته فيدرك من إعجازه على قدر ذوقه‏.‏ فلهذا كانت مدارك العرب الذين سمعوه من مبلغه أعلى مقاماً في ذلك لأنهم فرسان الكلام وجهابذته والذوق عندهم موجود بأوفر ما يكون وأصحه‏.‏ وأحوج ما يكون إلى هذا الفن المفسرون وأكثر تفاسير المتقدمين غفل منه حتى ظهر جار الله الزمخشري ووضع كتابه في التفسير وتتبع آي القرآن بأحكام هذا الفن بما يبدي البعض من إعجازه فانفرد بهذا الفضل على جميع التفاسير لولا أنه يؤيد عقائد أهل البدع عند اقتباسها من القرآن بوجوه البلاغة‏.‏ ولأجل هذا يتحاماه كثير من أهل السنة مع وفور بضاعته من البلاغة‏.‏ فمن أحكم عقائد السنة وشارك في هذا الفن بعض المشاركة حتى يقتدر على الرد عليه من جنس كلامه أو يعلم أنها بدعة فيعرض عنها ولا تضره في معتقده فإنه يتعين عليه النظر في هذا الكتاب للظفر بشيء من الإعجاز مع السلامة من البدع والأهواء‏.‏ والله الهادي من يشاء إلى سواء السبيل‏.‏

محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:05

علم الأدب
هذا العلم لا موضوع له ينظر في إثبات عوارضه أو نفيها‏.‏ وإنما المقصود منه عند أهل اللسان ثمرته وهي الإجادة في فني المنظوم والمنثور على أساليب العرب ومناحيهم فيجمعون لذلك من كلام العرب ما عساه تحصل به الكلمة من شعر عالي الطبقة وسجع متساو في الإجادة ومسائل من اللغة والنحو مبثوثة أثناء ذلك متفرقة يستقري منها الناظر في الغالب معظم قوانين العربية مع ذكر بعض من أيام العرب يفهم به ما يقع في أشعارهم منها‏.‏ وكذلك ذكر المهم من الأنساب الشهيرة والأخبار العامة‏.‏ والمقصود بذلك كله أن لا يخفى على الناظر فيه شيء من كلام العرب وأساليبهم ومناحي بلاغتهم إذا تصفحه لأنه لا تحصل الملكة من حفظه إلا بعد فهمه فيحتاج إلى تقديم جميع مايتوقف عليه فهمه‏.‏ ثم إنهم إذا أرادوا حد هذا الفن قالوا‏:‏ الأدب هو حفظ أشعار العرب وأخبارها والأخذ من كل علم بطرف يريدون من علوم اللسان أو العلوم الشرعية من حيث متونها فقط وهي القرآن والحديث‏.‏ إذ لا مدخل لغير ذلك من العلوم في كلام العرب إلا ما ذهب إليه المتأخرون عند كلفهم بصناعة البديع من التورية في أشعارهم وترسلهم بالاصطلاحات العلمية فاحتاج صاحب هذا الفن حينئذ إلى معرفة اصطلاحات العلوم ليكون قائماً على فهمها‏.‏ وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة دواوين وهي‏:‏ أدب الكاتب لابن قتيبة وكتاب الكامل للمبرد وكتاب البيان والتبيين للجاحظ وكتاب النوادر لأبي علي القالي البغدادي‏.‏ وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها‏.‏ وكتب المحدثين في ذلك كثيرة‏.‏ وكان الغناء في الصدر الأول من أجزاء هذا الفن لما هو تابع للشعر إذ الغناء إنما هو تلحينه‏.‏ وكان الكتاب والفضلاء من الخواص في الدولة العباسية يأخذون أنفسهم به حرصاً على تحصيل أساليب الشعر وفنونه فلم يكن انتحاله قادحاً في العدالة والمروءة‏.‏ وقد ألف القاضي أبو الفرج الأصبهاني وهو ما هو كتابه في الأغاني جمع فيه أخبار العرب وأشعارهم وأنسابهم وأيامهم ودولهم‏.‏ وجعل مبناه على الغناء في المائة صوت التي اختارها المغنون للرشيد فاستوعب فيه ذلك أتم استيعاب وأوفاه‏.‏ ولعمري إنه ديوان العرب وجامع أشتات المحاسن التي سلفت لهم في كل فن من فنون الشعر والتاريخ والغناء وسائر الأحوال ولا يعدل به كتاب في ذلك فيما نعلمه وهو الغاية التي يسمو إليها الأديب ويقف عندها وأنى له بها‏.‏ ونحن الآن نرجع بالتحقيق على الإجمال فيما تكلمنا عليه من علوم اللسان‏.‏ والله الهادي للصواب‏.‏

محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:06

الفصل السادس والأربعون في أن اللغة ملكة صناعية
اعلم أن اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة إذ هي ملكمات في اللسان للعبارة عن المعاني وجودتها وقصورها بحسب تمام الملكة أو نقصانها‏.‏ وليس ذلك بالنظر إلى المفردات وإنما هو بالنظر إلى التراكيب‏.‏ فإذا حصلت الملكة التامة في تركيب الألفاظ المفردة للتعبير بها عن المعاني المقصودة ومراعاة التأليف الذي يطبق الكلام على مقتضى الحال بلغ المتكلم حينئذ الغاية من إفادة مقصوده للسامع وهذا هو معنى البلاغة‏.‏ والملكات لا تحصل إلا بتكرار الأفعال لأن الفعل يقع أولاً وتعود منه للذات صفة ثم تتكرر فتكون حالاً‏.‏ ومعنى الحال أنها صفة غير راسخة ثم يزيد التكرار فتكون ملكة أي صفة راسخة‏.‏ فالمتكلم من العرب حين كانت ملكته اللغة العربية موجودة فيهم يسمع كلام أهل جيله وأساليبهم في مخاطباتهم وكيفية تعبيرهم عن مقاصدهم كما يسمع الصبي استعمال المفردات في معانيها فيلقنها أولاً ثم يسمع التراكيب بعدها فيلقنها كذلك‏.‏ ثم لا يزال سماعهم لذلك يتجدد في كل لحظة ومن كل متكلم واستعماله يتكرر إلى أن يصير ذلك ملكة وصفة راسخة ويكون كأحدهم‏.‏ هكذا تصيرت الألسن واللغات من جيل إلى جيل وتعلمها العجم والأطفال‏.‏ وهذا هو معنى ما تقوله العامة من أن اللغة للعرب بالطبع أي بالملكة الأولى التي أخذت عنهم ولم يأخذوها عن غيرهم‏.‏ ثم فسدت هذه الملكة لمضر بمخالطتهم الأعاجم‏.‏ وسبب فسادها أن الناشىء من الجيل صار يسمع في العبارة عن المقاصد كيفيات أخرى غير الكيفيات التي كانت للعرب فيعبر بها عن مقصوده لكثرة المخالطين للعرب من غيرهم ويسمع كيفيات العرب أيضاً فاختلط عليه الأمر وأخذ من هذه وهذه فاستحدث ملكة وكانت ناقصة عن الأولى‏.‏ وهذا ولهذا كانت لغة قريش أفصح اللغات العربية وأصرحها لبعدهم عن بلاد العجم من جميع جهاتهم‏.‏ ثم من اكتنفهم من ثقيف وهذيل وخزاعة وبني كنانة وغطفان وبني أسد وبني تميم‏.‏ وأما من بعد عنهم من ربيعة ولخم وجذام وغسان وإياد وقضاعة وعرب اليمن المجاورين لأمم الفرس والروم والحبشة فلم تكن لغتهم تامة الملكة بمخالطة الأعاجم‏.‏ وعلى نسبة بعدهم من قريش كان الأعاجم بلغاتهم في الصحة والفساد عند أهل الصناعة العربية‏.‏ والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق‏.‏

محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:06

الفصل السابع والأربعون في أن لغة العرب لهذا العهد لغة مستقلة مغايرة
للغة مضر ولغة حمير وذلك أنا نجدها في بيان المقاصد والوفاء بالدلالة على سنن اللسان المضري ولم يفقد منها إلا دلالة الحركات على تعين الفاعل من المفعول فاعتاضوا منها بالتقديم والتأخير وبقرائن تدل على خصوصيات المقاصد‏.‏ إلا أن البيان والبلاغة في اللسان المضري أكثر وأعرق لأن الألفاظ بأعيانها دالة على المعاني بأعيانها‏.‏ ويبقى ما تقتضيه الأحوال ويسمى بساط الحال محتاجاً إلى ما يدل عليه‏.‏ وكل معنى لا بد وأن تكتنفه أحوال تخصه فيجب أن تعتبر تلك الأحوال في تأدية المقصود لأنها صفاته وتلك الأحوال في جميع الألسن أكثر ما يدل عليها بألفاظ تخصها بالوضع‏.‏ وأما في اللسان العربي فإنما يدل عليها بأحوال وكيفيات في تراكيب الألفاظ وتأليفها من تقديم أو تأخير أو حذف أو حركة إعراب‏.‏ وقد يدل عليها بالحروف غير المستقلة‏.‏ ولذلك تفاوتت طبقات الكلام في اللسان العربي بحسب تفاوت الدلالة على تلك الكيفيات كما قدمناه فكان الكلام العربي لذلك أوجز وأقل ألفاظاً وعبارة من جميع الألسن‏.‏ وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصاراً ‏"‏‏.‏ واعتبر ذلك بما يحكى عن عيسى بن عمر وقد قال له بعض النحاة‏:‏ ‏"‏ إني أجد في كلام العرب تكراراً في قولهم‏:‏ زيد قائم وإن زيداً قائم وإن زيداً لقائم والمعنى واحد‏.‏ فقال له‏:‏ إن معانيها مختلفة فالأول‏:‏ لإفادة الخالي الذهن من قيام زيد والثاني‏:‏ لمن سمعه فتردد فيه والثالث‏:‏ لمن عرف بالإصرار على إنكاره فاختلفت الدلالة باختلاف الأحوال‏.‏ وما زالت هذه البلاغة والبيان ديدن العرب ومذهبهم لهذا العهد‏.‏ ولا تلتفتن في ذلك إلى خرفشة النحاة أهل صناعة الإعراب القاصرة مداركهم عن التحقيق حيث يزعمون أن البلاغة لهذا العهد ذهبت وأن اللسان العربي فسد اعتباراً بما وقع أواخر الكلم من فساد الإعراب الذي يتدارسون قوانينه‏.‏ وهي مقالة دسها التشيع في طباعهم وألقاها القصور في أفئدتهم وإلا فنحن نجد اليوم الكثير من ألفاظ العرب لم تزل في موضوعاتها الأولى والتعبير عن المقاصد والتعاون فيه بتفاوت الإبانة موجود في كلامهم لهذا العهد وأساليب اللسان وفنونه من النظم والنثر موجودة في مخاطباتهم وفيهم الخطيب المصقع في محافلهم ومجامعهم والشاعر المفلق على أساليب لغتهم‏.‏ والذوق الصحيح والطبع السليم شاهدان بذلك‏.‏ ولم يفقد من أحوال اللسان المدون إلا حركات الإعراب في أواخر الكلم فقط الذي لزم في لسان مضر طريقة واحدة ومهيعاً معروفاً وهو الإعراب وهو بعض من أحكام اللسان وإنما وقعت العناية بلسان مضر لما فسد بمخالطتهم الأعاجم حين استولوا على ممالك العراق والشام ومصر والمغرب وصارت ملكته على غير الصورة التي كانت أولاً فانقلب لغة أخرى‏.‏ وكان القرآن منزلاً به والحديث النبوي منقولاً بغته وهما أصلا الدين والملة فخشي تناسيهما وانغلاق الأفهام عنهما بفقدان اللسان الذي تنزلا به فاحتيج إلى تدوين أحكامه ووضع مقاييسه واستنباط قوانييه‏.‏ وصار علماً ذا فصول وأبواب ومقدمات ومسائل سماه أهله بعلم النحو وصناعة العربية فأصبح فناً محفوظاً وعلماً مكتوياً وسلماً إلى فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم راقياً‏.‏ ولعلنا لو اعتنينا بهذا اللسان العربي لهذا العهد واستقرينا أحكامه نعتاض عن الحركات الإعرابية التي فسدت في دلالتها بأمور أخرى وكيفيات موجودة فيه فتكون لها قوانين تخصها‏.‏ ولعلها تكون في أواخره على غير المنهاج الأول في لغة مضر فليست اللغات وملكاتها مجاناً‏.‏ ولقد كان اللسان المضري مع اللسان الحميري بهذه المثابة وتغيرت عند مضر كثير من موضوعات اللسان الحميري وتصاريف كلماته‏.‏ تشهد بذلك الأنقال الموجودة لدينا خلافاً لمن يحمله القصور على أنهما لغة واحدة ويلتمس إجراء اللغة الحميرية على مقاييس اللغة المضرية وقوانينها كما يزعم بعضهم في اشتقاق ‏"‏ القيل ‏"‏ في اللسان الحميري أنه من القول وكثير من أشباه هذا وليس ذلك بصحيح‏.‏ ولغة حمير لغة أخرى مغايرة للغة مضر في الكثير من أوضاعها وتصاريفها وحركات إعرابها كما هي لغة العرب لعهدنا مع لغة مضر إلا أن العناية بلسان مضر من أجل الشريعة كما قلناه حمل ذلك على الاستنباط والاستقراء وليس عندنا لهذا العهد ما يحملنا على مثل ذلك ويدعونا إليه‏.‏ ومما وقع في لغة هذا الجيل العربي لهذا العهد حيث كانوا من الأقطار شأنهم في النطق بالقاف فإنهم لا ينطقون بها من مخرج القاف عند أهل الأمصار كما هو مذكور في كتب العربية أنه من أقصى اللسان وما فوقة من الحنك الأعلى‏.‏ وما ينطقون بها أيضاً من مخرج الكاف وإن كان أسفل من موضع القاف وما يليه من الحنك الأعلى كما هي بل يجيئون بها متوسطة بين الكاف والقاف وهو موجود للجيل أجمع حيث كانوا من غرب أو شرق حتى صار ذلك علامة عليهم من بين الأمم والأجيال ومختصاً بهم لا يشاركهم فيها غيرهم‏.‏ حتى إن من يريد التعرب والانتساب إلى الجيل والدخول فيها يحاكيهم في النطق بها‏.‏ وعندهم أنه إنما يتميز العربي الصريح من الدخيل في العروبية والحضري بالنطق بهذه القاف‏.‏ ويظهر بذلك أنها لغة مضر بعينها فإن هذا الجيل الباقين معظمهم ورؤساؤهم شرقاً وغرباً في ولد منصور بن عكرمة بن حصفة بن قيس بن عيلان من سليم بن منصور ومن بني عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور‏.‏ وهم لهذا العهد أكثر الأمم في المعمور وأغلبهم وهم من أعقاب مضر وسائر الجيل معهم من بني كهلان فى النطق بهذه القاف أسوة‏.‏ وهذه اللغة لم يبتدعها هذا الجيل بل هي متوارثة فيهم متعاقبة ويظهر من ذلك أنها لغة مضر الأولين ولعلها لغة النبي صلى الله عليه وسلم بعينها‏.‏ وقد ادعى ذلك فقهاء أهل البيت وزعموا أن من قرأ في أم القرآن ‏"‏اهدنا الصراط المستقيم] ‏"‏ بغير القاف التي لهذا الجيل فقد لحن وأفسد صلاتة ولم أدر من أين جاء هذا فإن أهل الأمصار أيضاً لم يستحدثوها وإنما تناقلوها من لحن سلفهم وكان أكثرهم من مضر لما نزلوا الأمصار من لدن الفتح‏.‏ وأهل الجيل أيضاً لم يستحدثوها إلا أنهم أبعد من مخالطة الأعاجم من أهل الأمصار‏.‏ فهذا يرجح فيما يوجد من اللغة لديهم أنه من لغة سلفهم‏.‏ هذا مع اتفاق أهل الجيل كلهم شرقاً وغرباً في النطق بها وأنها الخاصية التي يتميز بها العربي من الهجين والحضري‏.‏ والظاهر أن هذه القاف التي ينطق بها أهل الجيل العربي البدوي هو من مخرج القاف عند أولهم من أهل اللغة وأن مخرج القاف متسع فأوله من أعلى الحنك وآخره مما يلي الكاف‏.‏ فالنطق بها من أعلى الحنك هو لغة الأمصار والنطق بها مما يلي الكاف هي لغة هذا الجيل البدوي‏.‏ وبهذا يندفغ ما قاله أهل البيت من فساد الصلاة بتركها في أم القرآن فإن فقهاء الأمصار كلهم على خلاف ذلك‏.‏ وبعيد أن يكونوا أهملوا ذلك فوجهه ما قلناه‏.‏ نعم نقول إن الأرجح والأولى ما ينطق به أهل الجيل البدوي لأن تواترها فيهم كما قدمناه شاهد بأنها لغة الجيل الأول من سلفهم وأنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ويرجح ذلك أيضاً إدغامهم لها في الكاف لتقارب المخرجين‏.‏ ولو كانت كما ينطق بها أهل الأمصار من أصل الحنك لما كانت قريبة المخرج من الكاف ولم تدغم‏.‏ ثم إن أهل العربية قد ذكروا هذه القاف القريبة من الكاف وجهي التي ينطق بها أهل الجيل البدوي من العرب لهذا العهد وجعلوها متوسطة بين مخرجي القاف والكاف‏.‏ على أنها حرف مستقل وهو بعيد‏.‏ والظاهر أنها من آخر مخرج القاف لاتساعه كما قلناه‏.‏ ثم إنهم يصرحون باستهجانه واستقباحه كأنهم لم يصح عندهم أنها لغة الجيل الأول‏.‏ وفيما ذكرناه من اتصال نطقهم بها لأنهم إنما ورثوها من سلفهم جيلاً بعد جيل وأنها شعارهم الخاص بهم دليل على أنها لغة ذلك الجيل الأول ولغة النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ذلك كله‏.‏ وقد يزعم زاعم أن هذه القاف التي ينطق بها أهل الأمصار ليست من هذا الحرف وأنها إنما جاءت من مخالطتهم للعجم وإنهم ينطقون بها كذلك فليست من لغة العرب‏.‏ ولكن الأقيس كما قدمناه من أنهما حرف واحد متسع المخرج‏.‏ فتفهم ذلك‏.‏ والله الهادي المبين‏.‏


عدل سابقا من قبل محمد منسى في الإثنين 5 مايو 2008 - 16:09 عدل 1 مرات

محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:07

الفصل الثامن والأربعون في أن لغة أهل الحضر والأمصار
لغة قائمة بنفسها مخالفة للغة مضر اعلم أن عرف التخاطب في الأمصار وبين الحضر ليس بلغة مضر القديمة ولا بلغة أهل الجيل بل هي لغة أخرى قائمة بنفسها بعيدة عن لغة مضر وعن لغة هذا الجيل العربي الذي لعهدنا وهي عن لغة مضر أبعد‏.‏ فأما أنها لغة قائمة بنفسها فهو ظاهر يشهد له ما فيها من التغاير الذي بعد عن صناعة أهل النحو لحناً‏.‏ وهي مع ذلك تختلف باختلاف الأمصار في اصطلاحاتهم فلغة أهل المشرق مباينة بعض الشيء للغة أهل المغرب وكذا أهل الأندلس معهما وكل منهم متوصل بلغته إلى تأدية مقصوده والإبانة عما في نفسه‏.‏ وهذا معنى اللسان واللغة‏.‏ وفقدان الإعراب ليس بضائر لهم كما قلناه في لغة العرب لهذا العهد‏.‏ وأما أنها أبعد عن اللسان الأول من لغة هذا الجيل فلأن البعد عن اللسان إنما هو بمخالطة العجمة‏.‏ فمن خالط العجم أكثر كانت لغته عن ذلك اللسان الأصلي أبعد لأن الملكة إنما تحصل بالتعليم كما قلناه‏.‏ وهذه ملكة ممتزجة من الملكة الأولى التي كانت للعرب ومن الملكة الثانية التي للعجم‏.‏ فعلى مقدار ما يسمعونه من العجمة ويربون عليه يبعدون عن الملكة الأولى‏.‏ واعتبر ذلك في أمصار إفريقية والمغرب والاندلس والمشرق‏.‏ أما إفريقية والمغرب فخالطت العرب فيها البرابرة من العجبم لوفور عمرانها بهم ولم يكد يخلو عنهم مصر ولا جيل فغلبت العجمة فيها على اللسان العربي الذي كان لهم وصارت لغة أخرى ممتزجة‏.‏ والعجمة فيها أغلب لما ذكرناه فهي عن اللسان الأول أبعد‏.‏ وكذا المشرق لما غلب العرب على أممه من فارس والترك فخالطوهم وتداولت بينهم لغاتهم في الأكرة والفلاحين والسبي الذين اتخذوهم خولاً ودايات وأظآراً ومراضع ففسدت لغتهم بفساد الملكة حتى انقلبت لغة أخرى‏.‏ وكذا أهل الأندلس مع عجم الجلالقة والإفرنجة‏.‏ وصار أهل الأمصار كلهم من هذه الأقاليم أهل لغة أخرى مخصوصة بهم تخالف لغة مضر ويخالف أيضاً بعضها بعضاً كما نذكره وكأنها لغة أخرى لاستحكام ملكتها في أجيالهم‏.‏ والله يخلق ما يشاء ويقدر‏.‏

محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:07

الفصل التاسع والأربعون في تعلم اللسان المضري
اعلم أن ملكة اللسان المضري لهذا العهد قد ذهبت وفسدت‏.‏ ولغة أهل الجيل كلهم مغايرة للغة مضر التي نزل بها القرآن وإنما هي لغة أخرى من امتزاج العجمة بها كما قدمناه‏.‏ إلا أن اللغات لما كانت ملكات كما مر كان تعلمها ممكناً شأن سائر الملكات‏.‏ ووجه التعليم لمن يبتغي هذه الملكة ويروم تحصيلها أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم الجاري على أساليبهم من القرآن والحديث وكلام السلف ومخاطبات فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم وكلمات المولدين أيضاً في سائر فنونهم حتى يتنزل لكثرة حفظه لكلامهم من المنظوم والمنثور منزلة من نشأ بينهم ولقن العبارة عن المقاصد منهم ثم يتصرف بعد ذلك في التعبير عما في ضميره على حسب عباراتهم وتآليف كلماتهم وما وعاه وحفظه من آساليبهم وترتيب ألفاظهم فتحصل له هذه الملكة بهذا الحفظ والاستعمال ويزداد بكثرتهما رسوخاً وقوة‏.‏ ويحتاج مع ذلك إلى سلامة الطبع والتفهم الحسن لمنازع العرب وأساليبهم في التراكيب ومراعاة التطبيق بينها وبين مقتضيات الأحوال‏.‏ والذوق يشهد بذلك وهو ينشأ ما بين هذه الملكة والطبع السليم فيهما كما يذكر بعد‏.‏ وعلى قدر المحفوظ وكثرة الاستعمال تكون جودة المقول المصنوع نظماً ونثراً‏.‏ ومن حصل على هذه الملكات فقد حصل على لغة مضر وهو الناقد البصير بالبلاغة فيها وهكذا ينبغي أن يكون تعلمها‏.‏ والله يهدي من يشاء بفضله وكرمه‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:08

الفصل الخمسون في أن ملكة هذا اللسان غير صناعة العربية ومستغنية عنها في التعليم
والسبب في ذلك أن صناعة العربية إنما هي معرفة قوانين هذه الملكة ومقاييسها خاصة‏.‏ فهوعلم بكيفية لا نفس كيفية‏.‏ فليست نفس الملكة إنما هي بمثابة من يعرف صناعة من الصنائع علماً ولا يحكمها عملاً‏.‏ مثل أن يقول بصير بالخياطة غير محكم لملكتها في التعبير عن بعض أنواعها‏:‏ الخياطة هي أن تدخل الخيط في خرت الإبرة ثم تغرزها في لفقي الثوب مجتمعين وتخرجها من الجانب الأخر بمقدار كذا ثم تردها إلى حيث ابتدأت وتخرجها قدام منفذها الأول بمطرح ما بين الثقبين الأولين ثم يتمادى على وصفه إلى آخر العمل ويعطي صورة الحبك والتنبيت والتفتيح وسائر أنواع الخياطة وأعمالها‏.‏ وهو إذا طولب أن يعمل ذلك بيده لا يحكم منه شيئاً‏.‏ وكذا لو سئل عالم بالنجارة عن تفصيل الخشب فيقول‏:‏ هو أن تضع المنشار على رأس الخشبة وتمسك بطرفه وآخر قبالتك ممسك بطرفه الآخر وتتعاقبانه بينكما وأطرافه المضرسة المحددة تقطع ما مرت عليه ذاهبة وجائية إلى أن ينتهي إلى آخر الخشبة‏.‏ وهو لو طولب بهذا العمل أوشيء منه لم يحكمه‏.‏ وهكذا العلم بقوانين الإعراب مع هذه الملكة في نفسها فإن العلم بقوانين الإعراب إنما هو علم بكيفية العمل وليس هو نفس العمل‏.‏ وكذلك تجد كثيراً من جهابذة النحاة والمهرة في صناعة العربية المحيطين علماً بتلك القوانين إذا سئل في كتابة سطرين إلى أخيه أو في مودته أو شكوى ظلامة أو قصد من قصوده أخطأ فيها الصواب وأكثر من اللحن ولم يجد تأليف الكلام لذلك والعبارة عن المقصود فيه على أساليب اللسان العربي‏.‏ وكذا نجد كثيراً ممن يحسن هذه الملكة ويجيد الفنين من المنظوم والمنثور وهو لا يحسن إعراب الفاعل من المفعول ولا المرفوع من المجرور ولا شيئاً من قوانين صناعة العربية‏.‏ فمن هنا يعلم أن تلك الملكة هي غير صناعة العربية وأنها مستغنية عنها بالجملة‏.‏ وقد نجد بعض المهرة في صناعة الإعراب بصيراً بحال هذه الملكة وهو قليل واتفاقي وأكثر ما يقع للمخالطين لكتاب سيبويه‏.‏ فإنه لم يقتصر على قوانين الإعراب فقط بل ملأ كتابه من أمثال العرب وشواهد أشعارهم وعباراتهم فكان فيه جزء صالح من تعليم هذه الملكة فتجد العاكف عليه والمحصل له تد حصل على خط من كلام العرب واندرج في محفوظه في أماكنه ومفاصل حاجاته‏.‏ وتنبه به لشأن الملكة فاستوفى تعليمها فكان أبلغ في الإفادة‏.‏ ومن هؤلاء المخالطين لكتاب سيبويه من يغفل عن التفطن لهذا فيحصل على علم اللسان صناعة ولا يحصل عليه ملكة‏.‏ وأما المخالطون لكتب المتأخرين العارية من ذلك إلا من القوانين النحوية مجردة عن أشعار العرب وكلامهم فقلما يشعرون لذلك بأمر هذه الملكة أو يتنبهون لشأنها فتجدهم يحسبون أنهم قد حصلوا على رتبة في لسان العرب وهم أبعد الناس عنه‏.‏ وأهل صناعة العربية بالأندلس ومعلموها أقرب إلى تحصيل هذه الملكة وتعليمها ممن سواهم لقيامهم فيها على شواهد العرب وأمثالهم والتفقه في الكثير من التراكيب في مجالس تعليمهم فيسبق إلى المبتدىء كثير من الملكة أثناء التعليم فتنطبع النفس بها وتستعد إلى تحصيلها وقبولها‏.‏ وأما من سواهم من أهل المغرب وإفريقية وغيرهم فأجروا صناعة العربية مجرى العلوم بحثاً وقطعوا النظر عن التفقه في تراكيب كلام العرب إلا إن أعربوا شاهداً أو رجحوا مذهباً من جهة الاقتضاء الذهني لا من جهة محامل اللسان وتراكيبه‏.‏ فأصبحت صناعة العربية كأنها من جملة قوانين المنطق العقلية أو الجدل وبعدت عن مناحي اللسان وملكته وأفاد ذلك حملتها في هذه الأمصار وآفاقها البعد عن الملكة بالكلية وكأنهم لا ينظرون في كلام العرب‏.‏ وما ذلك إلا لعدولهم عن البحث في شواهد اللسان وتراكيبه وتمييز أساليبه وغفلتهم عن المران في ذلك للمتعلم فهو أحسن ما تفيده الملكة في اللسان‏.‏ وتلك القوانين إنما هي وسائل للتعليم لكنهم أجروها على غير ما قصد بها وأصاروها علماً بحتاً وبعدوا عن ثمرتها‏.‏ وتعلم ما قررناه في هذا الباب أن حصول ملكة اللسان العربي إنما هو بكثرة الحفظ من كلام العرب حتى يرتسم في خياله المنوال الذي نسجوا عليه تراكيبهم فينسج هوعليه‏.‏ ويتنزل بذلك منزلة من نشأ معهم وخالط عباراتهم في كلامهم حتى حصلت له الملكة المستقرة في العبارة عن المقاصد على نحو كلامهم‏.‏ والله مقدر الأمور كلها والله أعلم بالغيب‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:08

الفصل الحادي والخمسون في مصطلح أهل البيان وتحقيق معناه
وبيان أنها لا تحصل غالباً للمستعربين من العجم اعلم أن لفظة الذوق يتداولها المعتنون بفنون البيان ومعناها حصول ملكة البلاغة للسان‏.‏ وقد مر تفسير البلاغة وأنها مطابقة الكلام للمعنى من جميع وجوهه بخواص تقع للتراكيب في إفادة ذلك‏.‏ فالمتكلم بلسان العرب والبليغ فيه يتحرى الهيئة المفيدة لذلك على أساليب العرب وأنحاء مخاطباتهم وينظم الكلام على ذلك الوجه جهده فإذا اتصلت معاناته لذلك بمخالطة كلام العرب حصلت له الملكة في نظم الكلام على ذلك الوجه وسهل عليه أمر التركيب حتى لا يكاد ينحو فيه غير منحى البلاغة التي للعرب وإن سمع تركيباً غير جارى على ذلك المنحى مجه ونبا عنه سمعه بأدنى فكر بل وبغير فكر إلا بما استفاده من حصول هذه الملكة‏.‏ فإن الملكات إذا استقرت ورسخت في محالها ظهر كأنها طبيعة وجبلة لذلك المحل‏.‏ ولذلك يظن كثير من المغفلين ممن لم يعرف شأن الملكات أن الصواب للعرب في لغتهم إعراباً وبلاغة أمر طبيعي‏.‏ ويقول‏:‏ كانت العرب تنطق بالطبع وليس كذلك وإنما هي ملكة لسانية في نظم الكلام تمكنت ورسخت فظهرت في بادىء الرأي أنها جبلة وطبع‏.‏ وهنه الملكة كما تقدم إنما تحصل بممارسة كلام العرب وتكرره على السمع والتفطن لخواص تراكيبه وليست تحصل بمعرفة القوانين العلمية في ذلك التي استنبطها أهل صناعة البيان فإن هذه القوانين إنما تفيد علماً بذلك اللسان ولا تفيد حصول الملكة بالفعل في محلها وقد مر ذلك‏.‏ وإذا تقرر ذلك فملكة البلاغة في اللسان تهدي البليغ إلى وجود النظم وحسن التركيب الموافق لتراكيب العرب في لغتهم ونظم كلامهم‏.‏ ولو رام صاحب هذه الملكة حيداً عن هذه السبيل المعينة والتراكيب المخصوصة لما قدر عليه ولا وافقه عليه لسانه لأنه لا يعتاده ولا تهديه إليه ملكته الراسخة عنده‏.‏ وإذا عرض عليه الكلام حائداً عن أسلوب العرب وبلاغتهم في نظم كلامهم أعرض عنه ومجه وعلم أنه ليس من كلام العرب الذين مارس كلامهم‏.‏ وإنما يعجز عن الاحتجاج بذلك كما تصنع أهل القوانين النحوية والبيانية فإن ذلك استدلال بما حصل من القوانين المفادة بالاستقراء‏.‏ وهذا أمر وجداني حاصل بممارسة كلام العرب حتى يصير كواحد منهم‏.‏ ومثاله‏:‏ لو فرضنا صبياً من صبيانهم نشأ وربي في جيلهم فإنه يتعلم لغتهم ويحكم شأن الإعراب والبلاغة فيها حتى يستولي على غايتها‏.‏ وليس من العلم القانوني في شيء وإنما هو بحصول هذه الملكة في لسانه ونطقه‏.‏ وكذلك تحصل هذه الملكة لمن بعد ذلك الجيل بحفظ كلامهم وأشعارهم وخطبهم والمداومة على ذلك بحيث يحصل الملكة ويصير كواحد ممن نشأ في جيلهم وربي بين أحيائهم‏.‏ والقوانين بمعزل عن هذا‏.‏ واستعير لهذه الملكة عندما ترسخ وتستقر اسم الذوق الذي اصطلح عليه أهل صناعة البيان والذوق إنما هو موضوع لإدراك الطعوم‏.‏ لكن لما كان محل هذه الملكة في اللسان من حيث النطق بالكلام كما هو محل لإدراك الطعوم استعير لها اسمه‏.‏ وأيضاً فهو وجداني اللسان كما أن الطعوم محسوسة له فقيل له ذوق‏.‏ وإذا تبين لك ذلك علمت منه أن الأعاجم الداخلين في اللسان العربي الطارئين عليه المضطرين إلى النطق به لمخالطة أهله كالفرس والروم والترك بالمشرق وكالبربر بالمغرب فإنه لا يحصل لهم هذا الذوق لقصور حظهم في هذه الملكة التي قررنا أمرها لأن قصاراهم بعد طائفة من العمر وسبق ملكة أخرى إلى اللسان وهي لغاتهم أن يعتنوا بما يتداوله أهل المصر بينهم في المحاورة من مفرد ومركب لما يضطرون إليه من ذلك‏.‏ وهذه الملكة قد ذهبت لأهل الأمصار وبعدوا عنها كما تقدم‏.‏ وإنما لهم في ذلك ملكة أخرى وليست هذ ملكة اللسان المطلوبة‏.‏ ومن عرف أحكام تلك الملكة من القوانين المسطرة في الكتب فليس من تحصيل الملكة في شيء إنما حصل أحكامها كما عرفت‏.‏ وإنما تحصل هذه الملكة بالممارسة والاعتياد والتكرر لكلام العرب‏.‏ فإن عرض لك ما تسمعه من أن سيبويه والفارسي والزمخشري وأمثالهم من فرسان الكلام كانوا أعجاماً مع حصول هذه الملكة لهم فاعلم أن أإولئك القوم الذين نسمع عنهم إنما كانوا عجماً في نسبهم فقط‏.‏ أما المربى والنشأة فكانت بين أهل هذه الملكة من العرب ومن تعلمها منهم فاستولوا بذلك من الكلام على غاية لا وراءها وكأنهم في أول نشأتهم بمنزلة الأصاغر من العرب الذين نشأوا في أجيالهم حتى أدركوا كنه اللغة وصاروا من أهلها‏.‏ فهم وإن كانوا عجماً في النسب فليسوا بأعاجم في اللغة والكلام لأنهم أدركوا الملة في عنفوانها واللغة في شبابها ولم تذهب آثار الملكة منها ولا من أهل الأمصار‏.‏ ثم عكفوا على الممارسة والمدارسة لكلام العرب حتى استولوا على غايته‏.‏ واليوم الواحد من العجم إذا خالط أهل اللسان العربي بالأمصار فأول ما يجد تلك الملكة المقصودة من اللسان العربي ممتحية الآثار‏.‏ ويجد ملكتهم الخاصة بهم ملكة أخرى مخالفة لملكة اللسان العربي‏.‏ ثم إذا فرضنا أنه أقبل على الممارسة لكلام العرب وأشعارهم بالمدارسة والحفظ ليستفيد تحصيلها فقل أن يحصل له ما قدمناه من أن الملكة إذا سبقتها ملكة أخرى في المحل فلا تحصل إلا ناقصة مخدوشة‏.‏ وإن فرضنا عجمياً في النسب سلم من مخالطة اللسان العجمي بالكلية وذهب إلى تعلم هذه الملكة بالحفظ والمدارسة فربما يحصل له ذلك لكنه من الندور بحيث لا يخفى عليك بما تقرر‏.‏ وربما يدعي كثير ممن ينظر في هذه القوانين البيانية حصول هذا الذوق له بها وهو غلط أو مغالطة وإنما حصلت له الملكة إن حصلت في تلك القوانين البيانية وليست من ملكة العبارة في شيء‏.‏ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‏.‏ في أن أهل الأمصار على الإطلاق قاصرون في تحصيل هذه الملكة اللسانية التي تستفاد بالتعليم ومن كان منهم أبعد عن اللسان العربي كان حصولها له أصعب وأعسر والسبب في ذلك ما يسبق إلى المتعلم من حصول ملكة منافية للملكة المطلوبة بما سبق إليه من اللسان الحضري الذي أفادتة العجمة حتى نزل بها اللسان عن ملكته الأولى إلى ملكة أخرى هي لغة الحضر لهذا العهد ولهذا نجد المعلمين يذهبون إلى المسابقة بتعليم اللسان للولدان‏.‏ وتعتقد النحاة أن هذه المسابقة بصناعتهم وليس كذلك وإنما هي بتعليم هذه الملكة بمخالطة اللسان وكلام العرب‏.‏ نعم صناعة النحو أقرب إلى مخالطة ذلك‏.‏ وما كان من لغات أهل الأمصار أعرق في العجمة وأبعد عن لسان مضر قصر بصاحبه عن تعلم اللغة المصرية وحصول ملكتها لتمكن المنافاة حينئذ‏.‏ واعتبر ذلك في أهل الأمصار‏.‏ فأهل إفريقية والمغرب لما كانوا أعرق في العجمة وأبعد عن اللسان الأول كان لهم قصور تام في تحصيل ملكته بالتعليم‏.‏ ولقد نقل ابن الرقيق أن بعض كتاب القيروان كتب إلى صاحب له‏:‏ يا أخي ومن لا عدمت فقده أعلمني أبو سعيد كلاماً أنك كنت ذكرت أنك تكون مع الذين تأتي وعاقنا اليوم فلم يتهيأ لنا الخروج‏.‏ وأما أهل المنزل الكلاب من أمير الشين فقد كذبوا هذا باطلاً ليس من هذا حرفاً واحداً‏.‏ وكتابي إليك وأنا مشتاق إليك إن شاء الله‏.‏ وهكذا كانت ملكتهم في اللسان المضري وسببه ما ذكرنا‏.‏ وكذلك أشعارهم كانت بعيدة عن الملكة نازلة عن الطبقة ولم تزل كذلك لهذا العهد‏.‏ ولهذا ما كان لإفريقية من مشاهير الشعراء إلا ابن رشيق وابن شرف‏.‏ وأكثر ما يكون فيها الشعراء طارئين عليها ولم تزل طبقتهم في البلاغة حتى الآن مائلة إلى القصور‏.‏ وأهل الأندلس أقرب منهم إلى تحصيل هذه الملكة بكثرة معاناتها وامتلائهم من المحفوظات اللغوية نظماً ونثراً‏.‏ وكان فيهم ابن حيان المؤرخ إمام أهل الصناعة في هذه الملكة ورافع الراية لهم فيها وابن عبد ربه والقسطلي وأمثالهم من شعراء ملوك الطوائف لما زخرت فيها بحار اللسان والأدب وتداول ذلك فيهم مئين من السنين حتى كان الانفضاض والجلاء أيام تغلب النصرانية‏.‏ وشغلوا عن تعلم ذلك وتناقص العمران فتناقص لذلك شأن الصنائع كلها فقصرت الملكة فيهم عن شأنها حتى بلغت الحضيض‏.‏ وكان من آخرهم صالح بن شريف ومالك بن المرحل من تلاميذ الطبقة الإشبيليين بسبتة وكانت دولة بني الأحمر في أولها وألقت الأندلس أفلاذ كبدها من أهل تلك الملكة بالجلاء إلى العدوة من عدوة إشبيلية إلى سبتة ومن شرق الأندلس إلى إفريقية‏.‏ ولم يلبثوا إلى أن انقرضوا وانقطع سند تعليمهم في هذه الصناعة لعسر قبول العدوة لها وصعوبتها عليهم بعوج ألسنتهم ورسوخهم في العجمة البربرية وهي منافية لما قلناه‏.‏ ثم عادت الملكة من بعد ذلك إلى الأندلس كما كانت ونجم بها ابن سيرين وابن جابر وابن الجياب وطبقتهم ثم إبراهيم الساحلي الطويجن وطبقتة وقفاهم ابن الخطيب من بعدهم الهالك لهذا العهد شهيداً بسعاية أعدائه‏.‏ وكان له في اللسان ملكة لا تدرك واتبع أثره تلميذه من بعده‏.‏ وبالجملة فشأن هذه الملكة بالأندلس أكثر وتعليلها أيسر وأسهل بما هم عليه لهذا العهد كما قدمناة من معاناة علوم اللسان ومحافظتهم عليها وعلى علوم الأدب وسند تعليمها‏.‏ ولأن أهل اللسان العجمي الذين تفسد ملكتهم إنما هم طارئون عليهم‏.‏ وليست عجمتهم أصلاً للغة أهل الأندلس والبربر في هذه العدوة وهم أهلها ولسانهم لسانها إلا في الأمصار فقط‏.‏ وهم فيها منغمسون في بحر عجمتهم ورطانتهم البربرية فيصعب عليهم تحصيل الملكة اللسانية بالتعليم بخلاف أهل الاندلس‏.‏ واعتبر ذلك بحال أهل المشرق لعهد الدولة الأموية والعباسية فكان شأنهم شأن أهل الأنذلس في تمام هذه الملكة وإجادتها لبعدهم لذلك العهد عن الأعاجم ومخالطتهم إلا في القليل‏.‏ فكان أمر هذه الملكة في ذلك العهد أقوم وكان فحول الشعراء وانظر ما اشتمل عليه كتاب الأغاني من نظمهم ونثرهم فإن ذلك الكتاب هو كتاب العرب وديوانهم وفيه لغتهم وأخبارهم وأيامهم وملتهم العربية وسير نبيهم صلى الله عليه وسلم وآثار خلفائهم وملوكهم وأشعارهم وغناؤهم وسائر مغانيهم له فلا كتاب أوعب منه لأحوال العرب‏.‏ وبقي أمر هذه الملكة مستحكماً في المشرق في الدولتين وربما كانت فيهم أبلغ ممن سواهم ممن كان في الجاهلية كما نذكره بعد‏.‏ حتى تلاشى أمر العرب ودرلست لغتهم وفسد كلامهم وانقضى أمرهم ودولتهم وصار الأمر للأعاجم والملك في أيديهم والتغلب لهم‏.‏ وذلك في دولة الديلم والسلجوقية‏.‏ وخالطوا أهل الأمصار وكثروهم فامتلأت الأرض بلغاتهم واستولت العجمة على أهل الأمصار والحواضر حتى بعدوا عن اللسان العربي وملكته وصار متعلمها منهم مقصراً عن تحصيلها‏.‏ وعلى ذلك نجد لسانهم لهذا العهد في فني المنظوم والمنثور وإن كانوا مكثرين منه‏.‏ والله يخلق ما يشاء ويختار والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق لا رب سواه‏.


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:23

الفصل الثالث والخمسون في انقسام الكلام إلى فني النظم والنثر
اعلم أن لسان العرب وكلامهم على فنين في الشعر المنظوم وهو الكلام الموزون المقفى ومعناه الذي تكون أوزانه كلها على روي واحد وهو القافية‏.‏ وفي النثر وهو الكلام غير الموزون وكل واحد من الفنين يشتمل على فنون ومذاهب في الكلام‏.‏ فأما الشعر فمنه المدح والهجاء والرثاء‏.‏ وأما النثر فمنه السجع الذي يؤتى به قطعاً ويلتزم في كل كلمتين منه قافية واحدة يسمى سجعاً ومنه المرسل وهو الذي يطلق فيه الكلام إطلاقاً ولا يقطع أجزاء بل يرسل إرسالاً من غير تقييد بقافية ولا غيرها‏.‏ ويستعمل في الخطب والدعاء وترغيب الجمهور وترهيبهم‏.‏ وأما القرآن وإن كان من المنثور إلا أنه خارخ عن الوصفين وليس يسمى مرسلاً مطلقًا ولا مسجعاً‏.‏ بل تفصيل آيات ينتهي إلى مقاطع يشهد الذوق بانتهاء الكلام عندها‏.‏ ثم يعاد الكلام في الآية الأخرى بعدها ويثنى من غير التزام حرف يكون سجعاً ولا قافية وهو معنى قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ قد فصلنا الآيات ‏"‏‏.‏ وتسمى آخر الآيات فيه فواصل إذ ليست أسجاعاً ولا التزم فيها ما يلتزم في السجع ولا هي أيضاً قواف‏.‏ واطلق اسم المثاني على آيات القرآن كلها على العموم لما ذكرناه واختصت بأم القرآن للغلبة فيها كالنجم للثريا ولهذا سميت السبع المثاني‏.‏ وانظر هذا ما قاله المفسرون في تعليل تسميتها بالمثاني يشهد لك الحق برحجان ما قلناه‏.‏ واعلم أن لكل واحد من هذه الفنون أساليب تختص به عند أهله لا تصلح للفن الآخر ولا تستعمل فيه مثل النسيب المختص بالشعر والحمد والدعاء المختص بالخطب والدعاء المختص بالمخاطبات وأمثال ذلك‏.‏ وقد استعمل المتأخرون أساليب الشعر وموازينة في المنثور من كثرة الأسجاع والتزام التقفية وتقديم النسيب بين يدي الأغراض‏.‏ وصار هذا المنثور إذا تأملته من باب الشعر وفنه ولم يفترقا إلا في الوزن‏.‏ واستمر المتأخرون من الكتاب على هذه الطريقة واستعملوها في المخاطبات السلطانية وقصروا الاستعمال في هذا المنثور كله على هذا الفن الذي ارتضوه وخلطوا الأساليب فيه وهجروا المرسل وتناسوه وخصوصاً أهل المشرق‏.‏ وصارت المخاطبات السلطانية لهذا العهد عند الكتاب الغفل جارية على هذا الأسلوب الذي أشرنا إليه وهو غير صواب من جهة البلاغة لما يلاحظ في تطبيق الكلام على مقتضى الحال من أحوال المخاطب والمخاطب‏.‏ وهذا الفن المنثور المقفى أدخل المتأخرون فيه أساليب الشعر فوجب أن تنزه المخاطبات السلطانية عنه إذ أساليب الشعر تباح فيها اللوذعية وخلط الجد بالهزل والإطناب في الأوصاف وضرب الأمثال وكثرة التشبيهات والاستعارات حيث لا تدعو لذلك كله ضرورة في الخطاب‏.‏ والتزام التقفية أيضاً من اللوذعة والتزيين وجلال الملك والسلطان وخطاب الجمهور عن الملوك بالترغيب والترهيب ينافي ذلك ويباينه‏.‏ والمحمود في المخاطبات السلطانية الترسل وهو إطلاق الكلام وإرساله من غير تسجيع إلا في الأقل النادر‏.‏ وحيث ترسله الملكة إرسالاً من غير تكلف له ثم إعطاء الكلام حقه في مطابقته لمقتضى الحال فإن المقامات مختلفة ولكل مقام أسلوب يخصه من إطناب أو إيجاز أو حذف أو إثبات أو تصريح أو إشارة وكناية واستعارة‏.‏ وأما إجراء المخاطبات السلطانية على هذا النحو الذي هو على أساليب الشعر فمذموم وما حمل عليه أهل العصر إلا استيلاء العجمة على ألسنتهم وقصورهم لذلك عن إعطاء الكلام حقه في مطابقته لمقتضى الحال فعجزوا عن الكلام المرسل لبعد أمده في البلاغة وانفساح خطوته‏.‏ وولعوا بهذا المسجع يلفقون به ما نقصهم من تطبيق الكلام على المقصود ومقتضى الحال فيه‏.‏ ويجبرونه بذلك القدر من التزيين بالإسجاع والألقاب البديعية ويغفلون عما سوى ذلك‏.‏ وأكثر من أخذ بهذا الفن وبالغ فيه في سائر أنحاء كلامهم كتاب المشرق وشعراؤه لهذا العهد حتى إنهم ليخلون بالإعراب في الكلمات والتصريف إذا دخلت لهم في تجنيس أو مطابقة لا يجتمعان معها فيرجحون ذلك الصنف من التجنيس‏.‏ ويدعون الإعراب ويفسدون بنية الكلمة عساها تصادف التجنيس‏.‏ فتأمل ذلك وانتقد بما قدمناه لك تقف على صحة ما ذكرناه‏.‏ والله الموفق للصواب بمنه وكرمه والله تعالى أعلم‏.‏ في أنه لا تتفق الإجادة‏.‏ ‏.‏ في فني المنظوم والمنثور معاً إلا للأقل والسبب في ذلك أنه كما بيناه ملكة في اللسان فإذا سبقت إلى محله ملكة أخرى قصرت بالمحل عن تمام الملكة اللاحقة‏.‏ لأن قبول الملكات وحصولها للطبائع التي على الفطرة الأولى أسهل وأيسر‏.‏ وإذا تقدمتها ملكة أخرى كانت منازعة لها في المدة القابلة وعائقة عن سرعة القبول فوقعت المنافاة وتعذر التمام في الملكة‏.‏ وهذا موجود في الملكات الصناعية كلها على الإطلاق‏.‏ وقد برهنا عليه في موضعه بنحو من هذا البرهان‏.‏ فاعتبر مثله في اللغات فإنها ملكات اللسان وهي بمنزلة الصناعة‏.‏ وانظر من تقدم له شيء من العجمة كيف يكون قاصراً في اللسان العربي أبداً‏.‏ فالأعجمي الذي سبقت له اللغة الفارسية لا يستولي على ملكة اللسان العربي ولا يزال قاصراً فيه ولو تعلمة وعلمه‏.‏ وكذا البربري والرومي الإفرنجي قل أن تجد أحداً منهم محكماً لملكة اللسان العربي‏.‏ وما ذلك إلا لما سبق إلى ألسنتهم من ملكة اللسان الآخر حتى إن طالب العلم من أهل هذه الألسن إذا طلبه بين أهل اللسان العربي ومن كتبهم جاء مقصراً في معارفه عن الغاية والتحصيل وما أتى إلا من قبل اللسان‏.‏ وقد تقدم لك من قبل أن الألسن واللغات شبيهة بالصنائع‏.‏ وقد تقدم لك أن الصنائع وملكاتها لا تزدحم‏.‏ وإن من سبقت له إجادة في صناعة فقل أن يجيد أخرى أو يستولي فيها على الغاية‏.‏ والله خلقكم وما تعلمون‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:24

الفصل الخامس والخمسون في صناعة الشعر ووجه تعلمه
هذا الفن من فنون كلام العرب وهو المسمى بالشعر عندهم ويوجد في سائر اللغات إلا أنا الآن إنما نتكلم في الشعر الذي للعرب‏.‏ فإن أمكن أن يجد فيه أهل الألسن الأخرى مقصودهم من كلامهم وإلا فلكل لسان أحكام في البلاغة تخصه‏.‏ وهو في لسان العرب غريب النزعة عزيز المنحى إذ هو كلام مفصل قطعاً قطعاً متساوية في الوزن متحدة في الحرف الأخير من كل قطعة‏.‏ وتسمى كل قطعة من هذه القطعات عندهم بيتاً ويسمى الحرف الأخير الذي تتفق فيه رؤياً وقافية ويسمى جملة الكلام إلى آخره قصيدة وكلمة‏.‏ وينفرد كل بيت منه بإفادته في تراكيبه حتى كأنه كلام وحده مستقل عما قبله وما بعده‏.‏ وإذا أفرد كان تاماً في بابه في مدح أو نسيب أو رثاء فيحرص الشاعر على إعطاء ذلك البيت ما يستقل في إفادته‏.‏ ثم يستأنف في البيت الآخر كلاماً آخر كذلك ويسترد للخروج من فن إلى فن ومن مقصود إلى مقصود بأن يوطىء المقصود الأول ومعانيه إلى أن يناسب المقصود الثاني ويبعد الكلام عن التنافر‏.‏ كما يستطرد من النسيب إلى المدح ومن وصف البيداء والطلول إلى وصف الركاب أو الخيل أو الطيف ومن وصف الممدوح إلى وصف قومه وعساكره ومن التفجع والعزاء في الرثاء إلى التأبين وأمثال ذلك‏.‏ ويراعى فيه اتفاق القصيدة كلها في الوزن الواحد حذراً من أن يتساهل الطبع في الخروج من وزن إلى وزن يقاربه‏.‏ فقد يخفى ذلك من أجل المقاربة على كثير من الناس‏.‏ ولهذه الموازين شروط وأحكام تضمنها علم العروض‏.‏ وليس كل وزن يتفق في الطبع استعملتة العرب في هذا الفن وإنما هي أوزان مخصوصة يسميها أهل تلك الصناعة البحور‏.‏ وقد حصروها في خمسة عشر بحراً بمعنى أنهم لم يجدوا للعرب في غيرها من الموازين الطبيعية نظماً‏.‏ واعلم أن فن الشعر من بين الكلام كان شريفاً عند العرب ولذلك جعلوه ديوان علومهم وأخبارهم وشاهد صوابهم وخطئهم وأصلاً يرجعون إليه في الكثير من علومهم وحكمهم‏.‏ وكانت ملكته مستحكمة فيهم شأن ملكاتهم كلها‏.‏ والملكات اللسانية كلها إنما تكتسب بالصناعة والارتياض في كلامهم حتى يحصل شبه في تلك الملكة‏.‏ والشعر من بين فنون الكلام صعب المأخذ على من يريد اكتساب ملكته بالصناعة من المتأخرين لاستقلال كل بيت منه بأنه كلام تام في مقصوده ويصلح أن ينفرد دون ما سواه فيحتاج من أجل ذلك إلى نوع تلطف في تلك الملكة حتى يفرغ الكلام الشعري في قوالبه التي عرفت له في ذلك المنحى من شعر العرب ويبرزه مستقلاً بنفسه‏.‏ ثم يأتي ببيت آخر كذلك ثم ببيت أخر ويستكمل الفنون الوافية بمقصوده‏.‏ ثم يناسب بين البيوت في موالاة بعضها مع بعض بحسب اختلاف الفنون التي في القصيدة‏.‏ ولصعوبة منحاه وغرابة فنه كان محكاً للقرائح في استجاده أساليبه وشحذ الأفكار في تنزيل الكلام في قوالبه‏.‏ ولا تكفي فيه ملكة الكلام العربي على الإطلاق بل يحتاج بخصوصه إلى تلطف ومحاولة في رعاية الأساليب التي اختصتة العرب بها وباستعمالها فيه‏.‏ ولنذكر هنا مدلول لفظة الأسلوب عند أهل هذه الصناعة وما يريدون بها في إطلاقهم‏.‏ فاعلم أنها عبارة عندهم عن المنوال الذي تنسج فيه التراكيب أو القالب الذي يفرغ فيه‏.‏ ولا يرجع إلى الكلام باعتبار إفادته كمال المعنى الذي هو وظيفة الإعراب ولا باعتبار إفادته أصل المعنى من خواص التراكيب الذي هو وظيفة البلاغة والبيان ولا باعتبار الوزن كما استعمله العرب فيه الذي هو وظيفة العروض‏.‏ فهذه العلوم الثلاثة خارجة عن هذه الصناعة الشعرية وإنما ترجع إلى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص‏.‏ وتلك الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب وأشخاصها ويصيرها في الخيال كالقالب أو المنوال ثم ينتقي التراكيب الصحيحة عند العرب باعتبار الإعراب والبيان فيرضها فيه رضاً كما يفعله البناء في القالب أو النساج في المنوال حتى يتسع القالب بحصول التراكيب الوافية بمقصود الكلام ويقع على الصورة الصحيحة باعتبار ملكة اللسان العربي فيه كان لكل فن من الكلام أساليب تختص به وتوجد فيه على أنحاء مختلفة فسؤال الطلول في الشعر يكون بخطاب الطلول كقوله‏:‏ يا دار مية بالعلياء فالسند‏.‏ وبكون باستدعاء الصحب للوقوف والسؤال كقوله‏:‏ قفا نسأل الدار التي خف أهلها‏.‏ أو باستبكاء الصحب على الطلل كقوله‏:‏ قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل‏.‏ أو بالاستفهام عن الجواب لمخاطب غير معين كقوله‏:‏ ألم تسأل فتخبرك الرسوم‏.‏ ومثل تحية الطلول بالأمير لمخاطب غير معين بتحيتها كقوله‏:‏ أسفي طلولهم أجش هذيم وغدت عليهم نضرة ونعيم أو بسؤال السقيا لها من البرق كقوله‏:‏ يا برق طالع منزلاً بالأبرق واحد السحاب لها حداء الأينق أو مثل التفجع في الرثاء باستدعاء البكاء كقوله‏:‏ كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر أو باستعظام الحادث كقوله‏:‏ أرأيت من حملوا على الأعواد أرأيت كيف خبا ضياء النادي أو بالتسجيل على الأكوان بالمصيبة لفقده كقوله‏:‏ منابت العشب لاحام ولا راع مضى الردى بطويل الرمح والباع أو بالإنكار على من لم يتفجع له من الجمادات كقول الخارجية‏:‏ أياشجر الخابور مالك مورقاً كأنك لم تجزع على ابن طريف أو بتهنئة قريعه بالراحة من ثقل


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:25

وطأته كقوله‏:‏ ألق الرماح ربيعة بن نزار أوس الردى بقريعك المغوار وأمثال ذلك كثير في سائر فنون الكلام ومذاهبه‏.‏ وتنتظم التراكيب فيه بالجمل وغير الجمل إنشائية وخبرية أسمية أو فعلية متفقة وغير متفقة مفصولة وموصولة على ما هو شأن التراكيب في الكلام العربي في مكان كل كلمة من الأخرى‏.‏ يعرفك فيه ما تستفيده بالارتياض في أشعار العرب من القالب الكلي المجرد في الذهن من التراكيب المعينة التي ينطبق ذلك القالب على جميعها‏.‏ فإن مؤلف الكلام هو كالبناء أو النساج والصورة الذهنية المنطبقة كالقالب الذي يبني فيه أو المنوال الذي ينسج عليه‏.‏ فإن خرج عن القالب في بنائه أو على المنوال في نسجه كان فاسداً‏.‏ ولا تقولن إن حرفة قوانين البلاغة كافية في ذلك لأنا نقول‏:‏ قوانين البلاغة إنما هي قواعد علمية قياسية تفيد جواز استعمال التراكيب على هيأتها الخاصة بالقياس‏.‏ وهو قياس علمي صحيح مطرد كما هو قياس القوانين الإعرابية‏.‏ وهذه الأساليب التي نحن نقررها ليست من القياس في شيء إنما هي هيئة ترسخ في النفس من تتبع التراكيب في شعر العرب جريانها على اللسان حتى تستحكم صورتها فيستفيد بها العمل على مثالها والاحتذاء في كل تركيب من الشعر كما قدمنا ذلك في الكلام بإطلاق‏.‏ وإن القوانين العلمية من العربية والبيان لايفيد تعليمه بوجه‏.‏ وليس كل ما يصح في قياس كلام العرب وقوانينه االعلمية استعملوه‏.‏ وإنما المستعمل عندهم من ذلك أنحاء معروفة يطلع عليها الحافظون كلامهم تندرج صورتها تحت تلك القوانين القياسية‏.‏ فإذا نظر في شعر العرب على هذا النحو وبهذه الأساليب الذهنية التي تصير كالقوالب كان نظراً في المستعمل من تراكيبهم لا فيما يقتضيه القياس‏.‏ ولهذا قلنا إن المحصل لهذه القوالب في الذهن إنما هو حفظ أشعار العرب وكلامهم‏.‏ وهذه القوالب كما تكون في المنظوم تكون في منثور فإن العرب استعملوا كلامهم في كلا الفنين وجاءوا به مفصلاً في النوعين‏.‏ ففي الشعر بالقطع الموزونة والقوافي المقيدة واستقلال الكلام في كل قطعة وفي منثور يعتبرون الموازنة والتشابه بين القطع غالباً وقد يقيدونه بالأسجاع‏.‏ وقد يرسلونه وكل واحد من هذه معروفة في لسان العرب‏.‏ والمستعمل منها عندهم هو الذي يبني مؤلق الكلام عليه تأليفه ولا يعرفه إلا من حفظ كلامهم حتى يتجرد في ذهنه من القوالب المعينة الشخصية قالب كلي مطلق يحذو حذوه في التأليف كما يحذو البناء على القالب والنساج على المنوال‏.‏ فلهذا كان من تأليف الكلام منفرداً عن نظر النحوي والبياني والعروضي‏.‏ نعم إن مراعاة قوانين هذه العلوم شرط فيه لا يتم بدونها فإذا تحصلت هذه الصفات كلها في الكلام اختص بنوع من النظر لطيف في هذه القوالب التي يسمونها أساليب‏.‏ ولا يفيده إلا حفظ كلام العرب نظماً ونثراً‏.‏ وإذا تقرر معنى الأسلوب ما هو فلنذكر بعده حداً أورسماً للشعر يفهمنا حقيقته على صعوبة هذا الغرض‏.‏ فإنا لم نقف عليه لأحد من المتقدمين فيما رأيناه‏.‏ وقول العروضيين في حده إنه الكلام الموزون المقفى ليس بحد لهذا الشعر الذي نحن بصدده ولا رسم له‏.‏ وصناعتهم إنما تنظر في الشعر من حيث اتفاق أبياته في عدد المتحركات والسواكن على التوالي ومماثلة عروض أبيات الشعر لضربها‏.‏ وذلك نظر في وزن مجرد عن الألفاظ ودلالتها فناسب أن يكون حداً عندهم ونحن هنا ننظر في الشعر باعتبار ما فيه من الإعراب والبلاغة والوزن والقوالب الخاصة‏.‏ فلا جرم إن حدهم ذلك لا يصلح له عندنا فلا بد من تعريف يعطينا حقيقته من هذه الحيثية فنقول‏:‏ الشعر هو الكلام البليغ المبني على الاستعارة والأوصاف المفصل بأجزاء متفقة في الوزن والروي مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده الجاري على أساليب العرب المخصوصة به‏.‏ فقولنا الكلام البليغ جنس وقولنا المبني على الاستعارة والأوصاف فصل له عما يخلو من هذه فإنه في الغالب ليس بشعر وقولنا المفصل بأجزاء متفقة الوزن والروي فصل له عن الكلام المنثور الذي ليس بشعر عند الكل وقولنا مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده بيان للحقيقة لأن الشعر لا تكون أبياته إلا كذلك ولم يفصل به شيء‏.‏ وقولنا الجاري على الأساليب المخصوصة به فصل له عما لم يجرمنه على أساليب الشعر المعروفة فإنه حينئذ لا يكون شعراً إنما هو كلام منظوم لأن الشعر له أساليب تخصه لا تكون للمنثور‏.‏ وكذ أساليب المنثور لا تكون للشعر فما كان من الكلام منظوماً وليس على تلك الأساليب فلا يسمى شعراً‏.‏ وبهذا الاعتبار كان الكثير ممن لقيناه من شيوخنا في هذه الصناعة الأدبية يرون أن نظم المتنبي والمعري ليس هو من الشعر في شيء لأنهما لم يجربا على أساليب العرب فيه وقولنا في الحد الجاري على أساليب العرب فصل له عن شعر غير العرب من الأمم عند من يرى أن الشعر يوجد للعرب ولغيرهم‏.‏ ومن يرى أنه لا يوجد لغيرهم فلا يحتاج إلى ذلك ويقول مكانه الجاري على الأساليب المخصوصة‏.‏ إذ قد فرغنا من الكلام على حقيقة الشعر فلنرجع إلى الكلام في كيفية عمله فنقول‏:‏ اعلم أن لعمل الشعر وإحكام صناعته شروطاً أولها‏:‏ الحفظ من جنسه أي من جنس شعر العرب حتى تنشأ في التفس ملكة ينسج على منوالها ويتخير المحفوظ من الحر النقي الكثير الأساليب‏.‏ وهذا المحفوظ المختار أقل ما يكفي فيه شعر شاعر من الفحول الإسلاميين مثل ابن أيي ربيعة وكثير وذي الرمة وجرير وأبي نواس وحبيب والبحتري والرضي وأبي فراس‏.‏ وأكثره شعر كتاب الأغاني لأنه جمع شعر أهل الطبقة لإسلامية كله والمختار من شعر الجاهلية‏.‏ ومن كان خالياً من المحفوظ فنظمه قاصر رديء ولا يعطيه الرونق والحلاوة إلا كثرة المحفوظ‏.‏ فمن قل حفظة أو عدم لم يكن له شعر وإنما هو نظم ساقط‏.‏ واجتناب الشعر أولى بمن لم يكن له محفوظ‏.‏ ثم بعد لامتلاء من الحفظ وشحذ القريحة للنسج على المنوال يقبل على النظم وبالإكثار منه تستحكم ملكته وترسخ‏.‏ وربما يقال إن من شرطه نسيان ذلك المحفوظ لتمحى رسومه حرفية الظاهرة إذ هي صادة عن استعمالها بعينها‏.‏ فإذا نسيها وقد تكيفت النفس بها انتقش الأسلوب فيها كأنه منوال يأخذ بالنسج عليه بأمثالها من كلمات أخرى ضرورة‏.‏ ثم لا بد له من الخلوة واستجادة المكان المنظور فيه من المياه والأزهار وكذا من مسموع لاستنارة القريحة باستجماعها وتنشيطها بملاذ السرور‏.‏ ثم مع هذا كله فشرطه أن يكون على جمام ونشاط فذلك أجمع له وأنشط للقريحة أن تأتي بمثل ذلك منوال الذي في حفظه‏.‏ قالوا‏:‏ وخير الأوقات لذلك أوقات البكر عند الهبوب من النوم وفراغ المعدة ونشاط الفكر وفي هواء الجمام‏.‏ وربما قالوا إن من بواعثه العشق والانتشاء ذكر ذلك ابن رشيق في كتاب العمدة وهو الكتاب الذي انفرد بهذه الصناعة وإعطاء حقها ولم يكتب فيها أحد قبله ولا بعده مثله‏.‏ قلوا‏:‏ فإن استصعب عليه بعد هذا كله فليتركه إلى وقت آخر ولايكره نفسه عليه‏.‏ وليكن بناء البيت على القافية من أول صوغه ونسجه يضعها ويبني الكلام عليها إلى آخره لأنه إن غفل عن بناء البيت على القافية صعب عليه وضعها في محلها‏.‏ فربما تجيء نافرة قلقة وإذا سمح الخاطر بالبيت ولم يناسب الذي عنده فليتركه إلى موضعه الأليق به فإن كل بيت مستقل بنفسه ولم تبق إلا المناسبة قليتخير فيها ما يشاء وليراجع شعره بعد الخلاص منه بالتنقيح والنقد ولا يضن به على الترك إذا لم يبلغ الإجادة‏.‏ فإن الإنسان مفتون بشعره إذ هو نبات فكره واختراع قريحته ولا يستعمل فيه من الكلام إلا الأفصح من التراكيب‏.‏ والخالص من الضرورات اللسانية فليهجرها فإنها تنزل بالكلام عن طبقة البلاغة‏.‏ وقد حظر أئمة اللسان على المولد ارتكاب الضرورة إذ هو في سعة منها بالعدول عنها إلى الطريقة المثلى من الملكة‏.‏ ويجتنب أيضاً المعقد من التراكيب جهده‏.‏ وإنما يقصد منها ما كانت معانيه تسابق ألفاظه إلى الفهم وكذلك كثرة المعاني في البيت الواحد فإن فيه نوع تعقيد على الفهم‏.‏ وإنما المختار منه ما كانت ألفاظة طبقاً على معانيه أو أوفى منها‏.‏ فإن كانت المعاني كثيرة كان حشواً واشتغل الذهن بالغوص عليها فمنع الذوق عن استيفاء مدركه من البلاغة‏.‏ ولا يكون الشعر سهلاً إلا إذا كانت معانيه تسابق ألفاظه إلى الذهن‏.‏ ولهذا كان شيوخنا رحمهم اللة يعيبون شعر أبي بكر بن خفاجة شاعر شرق الأندلس لكثرة معانيه وازدحامها في البيت الواحد كما كانوا يعيبون شعر المتنبي والمعري بعده النسج على الأساليب العربية كما مر فكان شعرهما كلاماً منظوماً نازلاً عن طبقة الشعر والحاكم بذلك هو الذوق‏.‏ وليجتنب الشاعر أيضاً الحوشي من الألفاظ والمقعر وكذلك السوقي المبتذل بالتداول بالاستعمال فإنه ينزل بالكلام عن طبقة البلاغة‏.‏ وكذلك المعاني المبتذلة بالشهرة فإن الكلام ينزل بها عن البلاغة أيضاً فيصير مبتذلاً ويقرب من عدم الإفادة كقولهم‏:‏ النار حارة والسماء فوقنا‏.‏ وبمقدار ما يقرب من طبقة عدم الإفادة يبعد عن رتبة البلاغة إذ هما طرفان‏.‏ ولهذا كان الشعر في الربانيات والنبويات قليل الإجادة في الغالب ولا يحذق فيه إلا الفحول‏.‏ وفي القليل على العسر لأن معانيها متداولة بين الجمهور فتصير مبتذلة لذلك‏.‏ وإذا تعذر الشعر بعد هذا كله فليراوضه ويعاوده فإن القريحة مثل الضرع يدر بالامتراء ويجف ويغرر بالترك والإهمال‏.‏ وبالجملة فهذه الصناعة وتعلمها مستوفى فى كتاب العمدة لابن رشيق وقد ذكرنا منها ما حضرنا بحسب الجهد‏.‏ ومن أراد استيفاء ذلك فعليه بذلك الكتاب ففيه لبغية من ذلك‏.‏ وهذه نبذة كافية والله المعين‏.‏ وقد نظم الناس في أمر هذه الصناعة الشعرية ما يجب فيها‏.‏ ومن أحسن ما قيل في ذلك وأظنه لابن رشيق‏:‏ لعن اللة صنعة الشعر ماذا من صنوف الجهال فيها لقينا يؤثرون الغريب منه على ما كان سهلاً للسامعين مبينا ويرون المحال معنى صحيحاً وخسيس الكلام شيئاً ثميناً يجهلون الصواب منه ولايد رون للجهل أنهم يجهلونا فهم عند من سوانا يلامو ن وفي الحق عندنا يعذرونا فأتى بعضه يشاكل بعضاً وأقامت له الصدور المتونا كل معنى أتاك منه على ما تتمنى لو لم يكن أو يكونا فتناهى من البيان إلى أن كاد حسناً يبين للناظرينا فكأن الألفاظ منه وجوه والمعاني ركبن فيه عيونا قائماً في المرام حسب الأماني يتحلى بحسنه المنشدونا فإذا ما مدحت بالشعر حراً رمت فيه مذاهب المشتهينا فجعلت النسيب سهلاً قريباً وجعلت المديح صدقاً مبينا وتنكبت ماتهجن في السمع وإن كان لفظه موزونا وإذا ما قرضته بهجاء عبت فيه مذاهب المرقبينا فجعلت التصريح منه دواء وجعلت التعريض داء دفينا وإذا ما بكيت فيه على الغا دين يوماً للبين والظاعنينا حلت دون الأسى وذللت ما كا ن من الدمع في العيون مصونا فإذا قيل أطمع الناس طراً وإذا ريم أعجز المعجزينا ومن ذلك أيضاً قول بعضهم وهو الناشي‏:‏ الشعرما قومت زيغ صدوره وشددت بالتهذيب أس متونه ورأيت بالإطناب شعب صدوعه وفتحت بالإيجاز عور عيونه وجمعت بين قريبه وبعيده ووصلت بين مجمه ومعينه وعمدت منه سحد أمر يقتضى شبهاً به فقرينه بقرينه وإذا مدحت به جواداً ماجداً وقضيته بالشكر حق ديونه أصفيته بنفيسه ورصينه وخصصته بخطيره وثمينه فيكون جزلاً في مساق صنوفه ويكون سهلاً في اتفاق فنونه وإذا بكيت به الديار وأهلها أجريت للمحزون ماء شئونه وإذا أردت كناية عن ريبة باينت بين ظهوره وبطونه فجعلت سامعة يشوب شكوكه بثنائه وظنونه بيقينه تيمتها بلطيفه ورقيقه وشغفتها بخبيه وكمينه وإذا اعتذرت لسقطة أسقطتها وأشكت بين مخيله ومبينه فيحول ذنبك عندمن يعتده عتباًعليه مطالباً بيمينه


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:25

الفصل السادس والخمسون في أن صناعة النظم والنثر
إنما هي في الألفاظ لا في المعاني اعلم أن صناعة الكلام نظماً ونثراً إنما هي في الألفاظ لا في المعاني وإنما المعاني تبع لها وهي أصل‏.‏ فالصانع الذي يحاول ملكة الكلام في النظم والنثر إنما يحاولها في الألفاظ بحفظ أمثالها من كلام العرب ليكثر استعماله وجرية على لسانه حتى تستقر له الملكة في لسان مضر ويتخلص من العجمة التي ربي عليها في جيله ويفرض نفسه مثل وليد ينشأ في جيل العرب ويلقن لغتهم كما يلقنها الصبي حتى يصير كأنه واحد منهم في لسانهم‏.‏ وذلك أنا قدمنا أن للسان ملكة من الملكات في النطق يحاول تحصيلها بتكرارها على اللسان حتى تصل شأن الملكات والذي في اللسان والنطق إنما هو الألفاظ وأما المعاني فهي في الضمائر‏.‏ وأيضاً فالمعاني موجودة عند كل واحد وفي طوع كل فكر منها مايشاء ويرضى فلا تحتاج إلى تكلف صناعة في تأليفها‏.‏ وتأليف الكلام للعبارة عنها هو المحتاج للصناعة كما قلناه وهو بمثابة القوالب للمعاني‏.‏ فكما أن الأواني التي يغترف بها الماء من البحر منها آنية الذهب والفضة والصدف والزجاج والخزف والماء واحد في نفسه‏.‏ وتختلف الجودة في الأواني المملوءة بالماء باختلاف جنسها لا باختلاف الماء‏.‏ كذلك جودة اللغة وبلاغتها في الاستعمال تختلف باختلاف طبقات الكلام في تأليفه باعتبار تطبيقه على المقاصد‏.‏ والمعاني واحدة في نفسها وإنما الجاهل بتأليف الكلام وأساليبه على مقتضى ملكة اللسان إذا حاول العبارة عن مقصوده ولم يحسن بمثابة المقعد الذي يروم النهوض ولا يستطيعه لفقدان القدرة عليه‏.‏ والله يعلمكم ما لم تكونوا تعلمون‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:26

الفصل السابع والخمسون في أن حصول هذه الملكة بكثرة الحفظ وجودتها بجودة المحفوظ
قد قدمنا أنه لا بد من كثرة الحفظ لمن يروم تعلم اللسان العربي وعلى قدر جودة المحفوظ وطبقته في جنسه وكثرته من قلته تكون جودة الملكة الحاصلة عنه للحافظ‏.‏ فمن كان محفوظه من أشعار العرب الإسلاميين شعر حبيب أو العتابي أو ابن المعتز أو ابن هانىء أو الشريف الرضي أو رسائل ابن المقفع أو سهل ابن هارون أو ابن الزيات أو البديع أو الصابىء تكون ملكته أجود وأعلى مقاماً ورتبة في البلاغة ممن يحفظ أشعار المتأخرين مثل شعر ابن سهل أو ابن النبيه أو ترسل البيساني أو العماد لأصبهاني لنزول طبقة هؤلا عن أولئك‏.‏ يظهر ذلك للبصير الناقد صاحب الذوق‏.‏ وعلى مقدار جودة المحفوظ أو المسموع تكون جودة الاستعمال من بعده ثم إجادة الملكة من بعدهما‏.‏ فبارتقاء المحفوظ فى طبقته من الكلام ترتقي الملكة الحاصلة لأن الطبع إنما ينسج على منوالها وتنمو قوى الملكة بتغذيتها‏.‏ وذلك أن النفس وإن كانت في جبلتها واحدة بالنوع فهي تختلف في البشر بالقوة والضعف في الإدراكات‏.‏ واختلافها إنما هو باختلاف ما يرد عليها من الإدراكات والملكات والآلوان التي تكيفها من خارج‏.‏ فبهذه يتم وجودها وتخرج من القوة إلى الفعل صورتها‏.‏ والملكات التي تحصل لها إنما تحصل على التدريج كما قدمناه‏.‏ فالملكة الشعرية تنشأ بحفظ الشعر وملكة الكتابة بحفظ الأسجاع والترسيل والعلمية بمخالطة العلوم والإدراكات والأبحاث والأنظار والفقهية بمخالطة الفقه وتنظير المسائل وتفريعها وتخريج الفروع على الأصول والتصوفية الربانية بالعبادات والأذكار وتعطيل الحواس الظاهرة بالخلوة والانفراد عن الخلق ما استطاع حتى تحصل له ملكة الرجوع إلى حسه الباطن وروحه وينقلب ربانياً وكذا سائرها‏.‏ وللنفس في كل واحد منها لون تتكيف به وعلى حسب ما نشأت الملكة عليه من جودة أو رداءة تكون تلك الملكة في نفسها فملكة البلاغة العالية الطبقة في جنسها إنما تحصل بحفظ العالي في طبقته من الكلام ولهذا كان الفقهاء وأهل العلوم كلهم قاصرين في البلاغة وما ذلك إلا ما يسبق إلى محفوظهم ويمتلىء به من القوانين العلمية والعبارات الفقهية الخارجة عن أسلوب البلاغة والنازلة عن الطبقة لأن العبارات عن القوانين والعلوم لا حظ لها في البلاغة فإذا سبق ذلك المحفوظ إلى الفكر وكثر وتلونت به النفس جاءت الملكة الناشئة عنه في غاية القصور وانحرفت عباراته عن أساليب العرب في كلامهم‏.‏ وهكذا نجد شعر الفقهاء والنحاة والمتكلمين والنظار وغيرهم ممن لم يمتلىء من حفظ النقي الحر من كلام العرب‏.‏ أخبرني صاحبنا الفاضل أبو القاسم بن رضوان كاتب العلامة بالدولة المرينية قال‏:‏ ذاكرت يوماً صاحبنا أبا العباس بن شعيب كاتب السلطان أبي الحسن وكان المقدم في البصر باللسان لعهده فأنشدته مطلع قصيدة ابن النحوي ولم أنسبها له وهو هذا‏:‏ لم أدر حين وقفت بالأطلال ما الفرق بين جديدها والبالي فقال لي على البديهة‏:‏ هذا شعر فقيه فقلت له ومن أين لك ذلك قال من قوله‏:‏ ما الفرق إذ هي من عبارات الفقهاء وليست من أساليب كلام العرب فقلت له‏:‏ لله أبوك وأما الكتاب والشعراء فليسوا كذلك لتخيرهم في محفوظهم ومخالطتهم كلام العرب وأساليبهم في الترسل وانتقائهم له الجيد من الكلام‏.‏ ذاكرت يوماً صاحبنا أبا عبد الله بن الخطيب وزير الملوك بالأندلس من بني الأحمر وكان الصدر المقدم في الشعر والكتابة فقلت له‏:‏ أجد استصعاباً علي في نظم الشعر متى رمته مع بصري به وحفظي للجيد من الكلام من القرآن والحديث وفنون من كلام العرب وإن كان محفوظي قليلاً‏.‏ وإنما أتيت والله أعلم بحقيقة الحال من قبل ما حصل في حفظي من الأشعار العلمية والقوانين التأليفية‏.‏ فإني حفظت قصيدتي الشاطبي الكبرى والضغرى في القرا آت والرسم واستظهرتهما وتدارست كتابي ابن الحاجب في الفقه والأصول وجمل الخونجي في المنطق وبعض كتاب التسهيل وكثيراً من قوانين التعليم في المجالس فامتلأ محفوظي من ذلك وخدش وجه الملكة التي استدعيت لها بالمحفوظ الجيد من القرآن والحديث وكلام العرب فعاق القريحة عن بلوغها فنظر إلي ساعة متعجباً ثم قال‏:‏ لله أنت وهل يقول هذا إلا مثلك‏.‏ ويظهر لك من هذا الفصل وما تقرر فيه سر آخر وهو إعطاء السبب في أن كلام الإسلاميين من العرب أعلى طبقة في البلاغة وأذواقها من كلام الجاهلية في منثورهم ومنظومهم‏.‏ فإنا نجد شعر حسان بن ثابت وعمر بن أبي ربيعة والحطيئة وجرير والفرزدق ونصيب وغيلان في الرمة والأحوص وبشار ثم كلام السلف من العرب في الدولة الأموية وصدراً من الدولة العباسية في خطبهم وترسيلهم ومحاوراتهم للفلوك أرفع طبقة في البلاغة بكثير من شعر النابغة وعنترة وابن كلثوم وزهير وعلقمة بن عبدة وطرفة بن العبد ومن كلام الجاهلية في منثورهم ومحاوراتهم‏.‏ والطبع السليم والذوق الصحيح شاهدان بذلك للناقد البصير بالبلاغة‏.‏ والسبب في ذلك أن هؤلاء الذين أدركوا الإسلام سمعوا الطبقة العالية من الكلام في القرآن والحديث اللذين عجز البشر عن الإتيان بمثليهما لكونها ولجت في قلوبهم ونشأت على أساليبها نفوسهم فنهضت طباعهم وارتقت ملكاتهم في البلاغة عن ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية ممن لم يسمع هذه الطبقة ولا نشأ عليها فكان كلامهم في نظمهم ونثرهم أحسن ديباجة وأصفى رونقاً من أولئك وأصفى مبنى وأعدل تثقيفاً بما استفادوه من الكلام العالي الطبقة‏.‏ وتأمل ذلك يشهد لك به ذوقك إن كنت من أهل الذوق والتبصر بالبلاغة‏.‏ ولقد سألت يوماً شيخنا الشريف أبا القاسم قاضي غرناطة لعهدنا وكان شيخ هذه الصناعة أخذ بسبتة عن جماعة من مشيختها من تلاميذ الشلوبين واستبحر في علم اللسان وجاء من وراء الغاية فيه فسألته يوماً‏:‏ ما بال العرب الإسلاميين أعلى طبقة في البلاغة من الجاهليين ولم يكن ليستنكر ذلك بذوقه فسكت طويلاً ثم قال لي‏:‏ والله ما أدري‏!‏ فقلت له‏:‏ أعرض عليك شيئاً ظهر لي في ذلك ولعله السبب فيه‏.‏ وذكرت له هذا الذي كتبت فسكت معجباً ثم قال لي‏:‏ يا فقيه هذا كلام من حقه أن يكتب بالذهب‏.‏ وكان من بعدها يؤثر محلي ويصيخ في مجالس التعليم إلى قولي ويشهد لي بالنباهة في العلوم‏.‏ والله خلق الإنسان وعلمه البيان‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:26

الفصل الثامن والخمسون في بيان المطبوع من الكلام والمصنوع وكيف جودة المصنوع أو قصوله
إعلم أن الكلام الذي هو العبارة والخطاب إنما سره وروحه في إفادة المعنى‏.‏ وأما إذا كان مهملاً فهو كالموات الذي لا عبرة به‏.‏ وكمال الإفادة هو البلاغة على ما عرفت من حدها عند أهل البيان لأنهم يقولون هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال ومعرفة الشروط والأحكام التي بها تطابق التراكيب اللفظية مقتضى الحال هو فن البلاغة‏.‏ وتلك الشروط والأحكام للتراكيب في المطابقة استقريت من لغة العرب وصارت كالقوانين‏.‏ فالتراكيب بوضعها تفيد الإسناد بين المسندين بشروط وأحكام جل قوانين العربية‏.‏ وأحوال هذه التراكيب من تقديم وتأخير وتعريف وتنكير وإضمار وإظهار وتقييد وإطلاق وغيرها يفيد الأحكام المكتنفة من خارج الإسناد وبالمتخاطبين حال التخاطب بشروط وأحكام هي قوانين لفن يسمونه علم المعاني من فنون البلاغة‏.‏ فتندرج قوانين العربية لذلك في قوانين علم المعاني لأن إفادتها الإسناد جزء من إفادتها للأحوال المكتنفة بالإسناد‏.‏ وما قصر من هذه التراكيب عن إفادة مقتضى الحال لخلل في قوانين الإعراب أو قوانين المعاني كان قاصراً عن المطابقة لمقتضى الحال ولحق بالمهمل الذي هو في عداد الموات‏.‏ ثم يتبع هذه الإفادة لمقتضى الحال التفنن في انتقال التركيب بين المعاني بأصناف الدلالات لأن التركيب يدل بالوضع على معنى ثم ينتقل الذهن إلى لازمه أو ملزومه أو شبهه فيكون فيها مجازاً‏:‏ إما باستعارة أو كناية كما هو مقرر في موضعه ويحصل للفكر بذلك الانتقال لذة كما تحصل في الإفادة وأشد‏.‏ لأن في جميعها ظفر بالمدلول من دليله‏.‏ والظفر من أسباب اللذة كما علمت‏.‏ ثم لهذه الانتقالات أيضاً شروط وأحكام كالقوانين صيروها صناعة وسموها بالبيان‏.‏ وهي شقيقة علم المعاني المفيد لمقتضى الحال لأنها راجعة إلى معاني التراكيب ومدلولاتها‏.‏ وقوانين علم المعاني راجعة إلى أحوال التراكيب انفسها من حيث الدلالة‏.‏ واللفظ والمعنى متلازمان متضايقان كما علمت‏.‏ فإذا علم المعاني وعلم البيان هما جزء البلاغة وبهما كمال الإفادة فهو مقصر عن البلاغة ويلتحق عند البلغاء بأصوات الحيوانات العجم وأجدر به أن لا يكون عربياً لأن العربي هو الذي يطابق بإفادته مقتضى الحال‏.‏ فالبلاغة على هذا هي أصل الكلام العربي وسجيته وروحه وطبيعته‏.‏ ثم اعلم أنهم إذا قالوا‏:‏ ‏"‏ الكلام المطبوع فإنهم يعنون به الكلام الذي كملت طبيعته وسجيته من إفادة مدلوله المقصود منه لأنه عبارة وخطاب ليس المقصود منه النطق فقط‏.‏ بل المتكلم يقصد به أن يفيد سامعه ما في ضميره إفادة تامة ويدل به عليه دلالة وثيقة‏.‏ ثم يتبع تراكيب الكلام في هذه السجية التي له بالأصالة ضروب من التحسين والتزيين بعد كمال الإفادة وكأنها تعطيها رونق الفصاحة من تنميق الأسجاع والموازنة بين حمل الكلام وتقسيمه بالأقسام المختلفة الأحكام والتورية باللفظ المشترك عن الخفي من معانيه والمطابقه بين المتضادات ليقع التجانس بين الألفاظ والمعاني يحصل للكلام رونق ولذة في الأسماع وحلاوة وجمال كلها زائدة على الإفادة‏.‏ وهذه الصنعة موجودة في الكلام المعجز في مواضع متعقلة مثل‏:‏ ‏"‏ والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ‏"‏ ومثل‏:‏ ‏"‏ [فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ‏"‏ إلى آخر التقسيم في الآية‏.‏ وكذا‏:‏ ‏"‏ [فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا ‏"‏ إلى آخر الآية‏.‏ وكذا‏:‏ ‏"‏ يحسبون أنهم يحسنون صنعا ‏"‏‏.‏ وأمثاله كثير‏.‏ وذلك بعد كمال الإفادة في أصل هذه التراكيب قبل وقوع هذا البديع فيها‏.‏ وكذا وقع في كلام الجاهلية منه لكن عفواً من غير قصد ولاتعمد‏.‏ ويقال إنه وقع في شعر زهير‏.‏ وأما الإسلاميون فوقع لهم عفواً وقصداً وأتوا منه بالعجائب‏.‏ وأول من أحكم طريقته حبيب بن أوس والبحتري ومسلم بن الوليد فقد كانوا مولعين بالصنعة ويأتون منها بالعجب‏.‏ وقيل إن أول من ذهب إلى معاناتها بشار بن برد وابن هرمة وكانا آخر من يسشهد بشعره في اللسان العربي‏.‏ ثم اتبعهما عمرو بن كلثوم والعتابي ومنصور النميري ومسلم بن الوليد وأبو نواس‏.‏ وجاء على آثرهم حبيب والبحتري‏.‏ ثم ظهر ابن المعتز فختم على البديع والصناعة أجمع‏.‏ ولنذكر مثالاً من المطبوع الخالي من الصناعة مثل قول قيس بن ذريح‏:‏ وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس في السر خاليا وقول كثئر‏:‏ وإني وتهيامي بعزة بعدما تخليت عما بيننا وتخلت لكالمرتجي ظل الغمامة كلها تبوأ منها للمقيل اضمحلت فتأمل هذا المطبوع الفقيد الصنعة في إحكام تأليفه وثقافة تركيبه‏.‏ فلو جاءت فيه الصنعة من وأما المصنوع فكثير من لدجن بشار ثم حبيب وطبقتهما ثم ابن المعتز خاتم الصنعة الذي جرى المتأخرون بعدهم في ميدانهم ونسجوا على منوالهم‏.‏ وقد تعددت أصناف هذه الصنعة عند أهلها واختلفت اصطلاحاتهم في ألقابها‏.‏ وكثير منهم يجعلها مندرجة في البلاغة على أنها غير داخلة في الإفادة وأنها هي تعطي التحسين والرونق‏.‏ وأما المتقدمون من أهل البديع فهي عندهم خارجة عن البلاغة‏.‏ ولذلك يذكرونها في الفنون الأدبية التي لا موضوع لها‏.‏ وهو رأي ابن رشيق في كتاب العمدة له وأدباء


عدل سابقا من قبل محمد منسى في الإثنين 5 مايو 2008 - 16:33 عدل 1 مرات
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:27

الأندلس‏.‏ وذكروا في استعمال هذه الصنعة شروطاً منها أن تقع من غير تكلف ولا اكتراث في ما يقصد منها‏.‏ وأما العفو فلا كلام فيه لأنها إذا برئت من التكلف سلم الكلائم من غيب الاستهجان لأن تكلفها ومعاناتها يصير إلى الغفلة عن التراكيب الأصلية للكلام فتخل بالإفادة من أصلها وتذهب بالبلاغة رأساً‏.‏ ولا يبقى في الكلام إلا تلك التحسينات وهذا هو الغالب اليوم على أهل العصر وأصحاب الأذواق في البلاغه يسخرون من كلفهم بهذه الفنون ويعدون ذلك من القصور عن سواه‏.‏ وسمعت شيخنا الأستاذ أبا البركات البلفيقي وكان من أهل البصر في اللسان والقريحة في ذوقه يقول‏:‏ إن من أشهى ما تقترحه علي نفسي أن اشاهد في بعض الأيام من ينتحل فنون هذا البديع في نظمه أو نثره وقد عوقب بأشد العقوبة ونودي عليه يحذر بذلك تلميذه أن يتعاطوا هذه الصنعة فيكلفون بها ويتناسون البلاغة‏.‏ ثم من شروط استعمالها عندهم الإقلال منها وأن تكون في بيتين ثم ثلاثة من القصيد فتكفي في زينة الشعر ورونقه‏.‏ والإكثار منها عيب قاله ابن رشيق وغيره‏.‏ وكان شيخنا أبو القاسم الشريف السبتي متفق اللسان العربي بالأندلس لوقته يقول‏:‏ هذه الفنون البديعية إذا وقعت للشاعر أو للكاتب فيقبح أن يستكثر منها لأنها من محسنات الكلام ومزيناته فهي بمثابة الخيلان في الوجه يحسن بالواحد والاثنين منها ويقبح بتعدادها‏.‏ وعلى نسبة الكلام المنظوم هو الكلام المنثور في الجاهلية والإسلام‏.‏ وكان أولاً مرسلاً معتبر الموازنة بين جمله وتراكيبه شاهدة موازنته بفواصله من غير التزام سجع ولا اكتراث بصنعة‏.‏ حتى نبغ إبراهيم بن هلال الصابي كاتب بني بويه فتعاطى الصنعة والتقفية وأتى بذلك بالعجب‏.‏ وعاب الناس عليه كلفه بذلك في المخاطبات السلطانية‏.‏ وإنما حمله عليه ما كان في ملوكه من العجمة والبعد عن صولة الخلافة المنفقة لسوق البلاغة‏.‏ ثم انتشرت الصناعة بعده في منثور المتأخرين ونسي عهد الترسيل وتشابهت السلطانيات والأخوانيات والعربيات بالسوقيات‏.‏ واختلط المرعي بالهمل‏.‏ وهذا كله يدلك على أن الكلام المصنوع بالمعاناة والتكليف قاصر عن الكلام المطبوع لقلة الاكتراث فيه بأصل البلاغة والحاكم في ذلك الذوق‏.‏ الله خلقكم وعلمكم ما لم تكونوا تعلمون‏.‏ في ترفع أهل المراتب عن انتحال الشعر اعلم أن الشعر كان ديواناً للعرب فيه علومهم وأخبارهم وحكمهم‏.‏ وكان رؤساء العرب متنافسين فيه وكانوا يقفون بسوق عكاظ لإنشاده وعرض كل واحد منهم ديباجته على فحول الشأن وأهل البصر لتمييز حوكه‏.‏ حتى انتهوا إلى المناغاة في تعليق أشعارهم بأركان البيت الحرام موضع حجهم وبيت أبيهم إبراهيم كما فعل امرؤ القيس بن حجر والنابغة الذبياني وزهير بن أبي سلمى وعنترة بن شداد وطرفة بن العبد وعلقمة بن عبدة والأعشى وغيرهم من أصحاب المعلقات السبع‏.‏ فإنه إنما كان يتوصل إلى تعليق الشعر بها من كان له قدرة على ذلك بقومه وعصبيته ومكانه في مضر على ما قيل في سبب تسميتها بالمعلقات‏.‏ ثم انصرف العرب عن ذلك أول الإسلام بما شغلهم من أمر الدين والنبوة والوحي وما أدهشهم من أسلوب القرآن ونظمه فأخرسوا عن ذلك وسكتوا عن الخوض في النظم والنثر زماناً‏.‏ ثم استقر ذلك وأونس الرشد من الملة‏.‏ ولم ينزل الوحي في تحريم الشعر وحظره وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم وأثاب عليه فرجعوا حينئذ إلى دينهم منه‏.‏ وكان لعمر بن أبي ربيعة كبير قريش لذلك العهد مقامات فيه عالية وطبقة مرتفعة وكان كثيراً ما يعرض شعره على ابن عباس فيقف لاستماعه معجباً به‏.‏ ثم جاء من بعد ذلك الملك الفحل والدولة العزيزة وتقرب إليهم العرب بأشعارهم يمتدحونهم بها‏.‏ ويجيزهم الخلفاء بأعظم الجوائز على نسبة الجودة في أشعارهم ومكانهم من قومهم ويحرصون على استهداء أشعارهم يطلعون منها على الآثار والأخبار واللغة وشرف اللسان‏.‏ والعرب يطالبون ولدهم بحفظها‏.‏ ولم يزل الشاذ هذا أيام بني أمية وصدراً من دولة بني العباس‏.‏ وانظر ما نقله صاحب العقد في مسامرة الرشيد للأصمعي في باب الشعر والشعراء تجد ما كان عليه الرشيد من المعرفة بذلك والرسوخ فيه والعناية بانتحاله والتبصر بجيد الكلام ورديئه وكثرة محفوظه منه‏.‏ ثم جاء خلق من بعدهم لم يكن اللسان لسانهم من أجل العجمة ولقصيرها باللسان وإنما تعلموه صناعة ثم مدحوا بأشعارهم أمراء العجم الذين ليس اللسان لهم طالبين معروفهم فقط لا سوى ذلك من الأغراض كما فعله حبيب والبحتري والمتنيي وابن هانىء ومن بعدهم إلى هلم جرا‏.‏ فصار غرض الشعر في الغالب إنما هو للكدية والاستجداء لذهاب المنافع التي كانت فيه للأولين كما ذكرناه آنفاً‏.‏ وأنف منه لذلك أهل الهمم والمراتب من المتفخرين وتغير الحال فيه وأصبح تعاطيه هجنه في الرئاسة ومذمة هل المناصب الكبيرة‏.‏ والله مقلب الليل والنهار‏.‏ في أشعار العرب وأهل الأمصار لهذا العهد اعلم أن الشعر لا يختص باللسان العربي فقط بل هو موجود في كل لغة سواء كانت عربية أو


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:28

عجمية‏.‏ وقد كان في الفرس شعراء وفي يونان كذلك وذكر منهم أرسطو في كتاب المنطق‏:‏ أوميروس الشاعر وأثنى عليه‏.‏ وكان في حمير أيضاً شعراء متقدمون‏.‏ ولما فسد لسان مضر ولغتهم التي دونت مقاييسها وقوانين إعرابها وفسدت اللغات من بعد بحسب ما خالطها ومازجها من العجمة فكان لجيل العرب بأنفسهم لغة خالفت لغة سلفهم من مضر في الإعراب جملة وفي كثير من الموضوعات اللغوية وبناء الكلمات‏.‏ وكذلك الحضر أهل الأمصار نشأت فيهم لغة أخرى خالفت لسان مضر في الإعراب وأكثر الأوضاع والتصاريف وخالفت أيضاً لغة الجيل من العرب لهذا العهد‏.‏ واختلفت هي في نفسها بحسب اصطلاحات أهل الآفاق فلأهل المشرق وأمصاره لغة غير لغة أهل المغرب وأمصاره وتخالفهما أيضاً لغة أهل الأندلس وأمصاره‏.‏ ثم لما كان الشعر موجوداً بالطبع في أهل كل لسان لأن الموازين على نسبة واحدة في إعداد المتحركات والسواكن وتقابلها موجودة في طباع البشر فلم يهجر الشعر بفقدان لغة واحدة وهي لغة مضر الذين كانوا فحوله وفرسان ميدانه حسبما اشتهر بين أهل الخليقة‏.‏ بل كل جيل وأهل كل لغة من العرب المستعجمين والحضر أهل الأمصار يتعاطون منه ما يطاوعهم في انتحاله ورصف بنائه على مهيع كلامهم‏.‏ فأما العرب أهل هذا الجيل المستعجمون عن لغة سلفهم من مضر فيقرضون الشعر لهذا العهد في سائر الأعاريض على ما كان عليه سلفهم المستعربون ويأتون منه بالمطولات مشتملة على مذاهب الشعر وأعراضه من النسيب والمدح والرثاء والهجاء ويستطيردون في الخروج من فن إلى فن في الكلام‏.‏ وربما هجموا على المقصود لأول كلامهم‏.‏ وأكثر ابتدائهم في قصائدهم باسم الشاعر ثم بعد ذلك ينسبون‏.‏ فأهل أمصار المغرب من العرب يسمون هذه القصائد بالأصمعيات نسبة إلى الأصمعي راوية العرب‏.‏ في أشعارهم‏.‏ وأهل المشرق من العرب يسمون هذا النوع من الشعر بالبدوي والحوراني والقيسي وربما يلحنون فيه ألحاناً بسيطة لا على طريقة الصناعة الموسيقية‏.‏ ثم يغنون به ويسمون الغناء به باسم الحوراني نسبة إلى حوران من أطراف العراق والشام وهي من منازل العرب البادية ومساكنهم إلى هذا العهد‏.‏ ولهم فن آخر كثير التداول في نظمهم يجيئون به مغصناً على أربعة أجزاء يخالف آخرها الثلاثة في رويه ويلتزمون القافية الرابعة في كل بيت إلى آخر القصيدة شبيهاً بالمربع والمخمس الذي أحدثه المتأخرون من المولدين‏.‏ ولهؤلاء العرب في هذا الشعر بلاغة فائقة وفيهم الفحول والمتأخرون عن ذلك والكثير من المنتحلين للعلوم لهذا العهد وخصوصاً علم اللسان يستنكر هذه الفنون التي لهم إذا سمعها ويمج نظمهم إذا أنشد ويعتقد أن ذوقه إنما نبا عنها لاستهجانها وفقدان الإعراب منها‏.‏ وهذ إنما أتى من فقدان الملكة في لغتهم‏.‏ فلو حصلت له ملكة من ملكاتهم لشهد له طبعه وذوقه ببلاغتها إن كان سليماً من الآفات في فطرته ونظره وإلا فالإعراب لا مدخل له في البلاغة إنما البلاغة مطابقة الكلام للمقصود ولمقتضى الحال من الوجود فيه سواء كان الرفع دالاً على الفاعل والنصب دالاً على المفعول أو بالعكس‏.‏ وإنما يدل على ذلك قرائن الكلام كما هو في لغتهم هذه‏.‏ فالدلالة بحسب ما يصطلح عليه أهل الملكة‏:‏ فإذا عرف اصطلاح في ملكة واشتهر صحت الدلالة وإذا طابقت تلك الدلالة المقصود ومقتضى الحال صحت البلاغة‏.‏ ولا عبرة بقوانين النحاة في ذلك‏.‏ وأساليب الشعر وفنونه موجودة في أشعارهم هذه ما عدا حركات الإعراب في أواخر الكلم فإن غالب كلماتهم موقوفة الآخر‏.‏ ويتميز عندهم الفاعل من المفعول والمبتدأ من الخبر بقرائن الكلام لا بحركات الإعراب‏.‏ فمن أشعارهم على لسان الشريف بن هاشم يبكي الجازية بنت سرحان ويذكر ظعنها مع قومها إلى المغرب‏:‏ يفز للأعلام اين ما رأت خاطري يرد غلام البدو يلوي عصيرها وماذا شكاة الروح مما طرا لها غداة وزائع تلف الله خبيرها يحس إن قطاع عامر ضميرها طوى وهند جافي‏.‏ ذكيرها وعادت كما خوارة في يد غاسل على مثل شوك الطلح عقدوا يسيرها تجابذوها اثنين والنزع بينهم على شوك لعه والبقايا جريرها وباتت دموع العين ذارفات لشأنها شبيه دوار السواني يديرها تدارك منها النجم حذراً وزادها مرون يجي متراكباً من صبيرها يصب من القيعان من جانب الصفا عيون ولجاز البرق في غزيرها هاذا الغنى حتى تسابيت غزوة ناضت من بغداد حتى فقيرها ونادى المنادي بالرحيل وشددوا وعرج عاريها على مستعيرها وشد لها الأدهم دياب بن غانم على أيدين ماضي وليد مقرب ميرها وقال لهم حسن بن سرحان غربوا وسوقوا النجوع إن كان أنا هوغفيرها ورجع يقول لهم بلال بن هاشم بحر البلادالعطشى ما بخيرها حرام على باب بغداد وأرضها داخل ولاعائد ركيزه من نعيرها تصدف روحي عن بلاد ابن هاشم على الشمس أو حول الغظا من هجيرها وباتت نيران العذارى قوادح يلوذ وبجرجان يشدوا أسيرها ومن قولهم في رثاء أمير رناتة أبي سعدى اليفرني مقارعهم بإفريقية وأرض الزاب ورثاؤهم له على جهة التهكم‏:‏ تقول فتاة الحي سعدى وهاضها لها في ظعون الباكرين عويل أيا سائلي عن قبر الزناتي خليفة خذ النعت مني لاتكون هبيل تراه يعالي وادي ران وفوقه من الربط عيساوي بناه طويل أراه يميل النور من شارع النقا به الواد شرقاً واليراع دليل أيا لهف كبدي على الزناتي خليفه قد كان لأعقاب الجياد سليل قتيل فتى الهيجا دياب بن غانم جراحه كأفواه المزاد تسيل أيا جائزاً مات الزناتي خليفه لاترحل إلا أن يريد رحيل تبدى ماضي الجبار وقال لي أشكر ما نحنا عليك رضاش أشكر أعد ما بقي ود بيننا صرانا عريب عرباً لابسين نماش نحن غدينا نصدفو ما قضى لنا كما صادفت طعم الزباد طشاش أشكر أعد إلى يزيد ملامه ليحدو ومن عمر بلاده عاش إن كان نبت الشول يلقح بأرضكم هنا العرب مازدنا لهن صياش ومن قولهم في ذكر رحلتهم إلى الغرب وغلبهم زناتة عليه‏:‏ وأي جميل ضاع لي في الشريف بن هاشم وأي رجال ضاع قبلي جميلها لقد كنت أنا وياه فى زهو بيتنا عناني بحجة وأغباني دليلها وعدت كأني شارب من مدامة من الخمر فهو ماقدر من يميلها أو مثل شمطامات مظنون كبدها غريباً وهي مدوخه عن قبيلها أتاها زمان السوء حتى تدوحت وهي بين عرباً غافلاً عن نزيلها كذلك أنا مما لحاني من الوجى شاكي بكبد باديتها زعيلها ومن شعر سلطان بن مطفر بن يحيى من الزواودة أحد بطون رياح وأهل الرياسة فيهم يقولها وهو معتقل بالمهدية في سجن الأمير أبي زكريا بن أبي حفص أول ملوك إفريقية من الموحدين‏:‏ يقول وفي بوح الدجا بعد وهنة حرام على أجفان عيني منامها يا من لقلب حالف الوجد والأسى وروح هيامي طال مافي سقامها حجازية بدوية عربية عداوية ولها بعيد مرامها مولعة بالبدو لاتألف القرى سوى عانك الوعسا يؤتي خيامها غيات ومشتاها بها كل شتوة ممحونة بيها وبيها صحيح غرامها ومرباها عشب الأراضي من الحيا يواتي من الخورالخلايا جسامها تشوق شوق العين مما تداركت عليها من السحب السواري غمامها وماذا بكت بالما وماذا تناحطت عيون غزار المزن عذباً حمامها كأن عروس البكر لاحت تيابها عليها ومن نور الأقاحي خزامها فلاة ودهنا واتساع ومنة ومرعى سوى مافي مراعي نعامها ومشروبها من مخض ألبان شولها غنيم ومن لحم الجوازي طعامها فكافأتها بالود مني وليتني ظفرت بأيام مضت في ركامها ليالي أقواس الصبا في سواعدي إذا قمت لم تحظ من أيدي سهامها وفرسي عديد تحت سرجي مشاقة زمان الصبا سرجاً وبيدي لجامها وكم من رداح أسهرتني ولم أرى من الخلق أبهى من نظام ابتسامها وكم غيرها من كاعب مرجحنة مطرزة الأجفان باهي وشامها وصفقت من وجدي عليها طريحة بكفي ولم ينسى جداها ذمامها ونار بخطب الوجد توهج في الحشا وتوهج لايطفا من الماء ضرامها أيا من وعدتي الوعد هذا إلى متى فني العمر في دار عماني ظلامها ولكن رأيت الشمس تكسف ساعة ويغمى عليها ثم يبدأ غيامها بنود ورايات من السعد أقبلت إلينا بعون الله يهفو علامها أرى في الفلا بالعين أظعان عزوتي ورمحي على كتفي وسيري أمامها بجرعا عتاق النوق من فوق شامس أحب بلاد الله عندي حشامها عليهم ومن هو في حماهم تحية مدى الدهر ماغنى يفينا حمامها فدع ذا ولاتأسف على سالف مضى ففي الدنيا ما دامت لأحد دوامها ومن أشعار المتأخرين منهم قول خالد بن حمزة بن عمر شيخ الكعوب ومن أولاد أبي الليل يعاتب أقتالهم أولاد مهلهل ويجيب شاعرهم شبل بن مسكيانة بن مهلهل عن أبيات فخر عليهم فيها بقومه‏:‏ يقول وذا قول المصاب الذي نشا قوارع قيعان يعاني صعابها يريح بها حادي المصاب إذا سعى فنوناً من إنشاد القوافي عذابها


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:28

محيرة مختارة من نشادها تحدى بها تام الوشا ملتها بها مغربلة عن ناقد في غضونها محكمة القيعان دابي ودابها وهيض بتذكاري لها يا ذوي الندى قوارع من شبل وهذي جوابها أشبل جنيناً من حباك طرائفا فراح يريح الموجعين الغنا بها فخرت ولم تقصر ولا أنت عادم سوى قلت في جمهورها ما أعابها لقولك في أم المتين بن حمزة وحامي حماها عادياً في حرابها سواها طفاها أضرمت بعد طفيه وأثنى طفاها جاسراً لا يهابها وأضرمت بعد الطفيتين ألن صحت لفاس إلى بيت المنى يقتدى بها وبان لوالي الأمر في ذا انشحابها فصار وهي عن كبر الأسنة تهابها كما كان هو يطلب على ذا تجنبت رجال بني كعب الذي يتقي بها ومنا في العتاب‏:‏ وليداً تعاتبتوا أنا أغنى لأنني غنيت بمعلاق الثنا واغتصابها علي ونا ندفع بها كل مبضع بأسياف ننتاش العدا من رقابها فإن كانت الأملاك بغت عرايس علينا بأطراف القنا اختضابها ولا بعدها الإرهاف وذبل ورزق كألسنة الحناش انسلابها بني عمنا ما نرتضي الذل غلمه تسير السبايا والمطايا ركابها وهي عالماً بأن المنايا تنيلها بلا شك والدنيا سريع انقلابها ومنها في وصف الظعائن‏:‏ قطعنا قطوع البيد لا نختشي العدا فتوق بحوبات مخوف جنابها لها كل يوم في الأرامي قتائل ورا الفاجر الممزوج عفو رضابها ومن قولهم في الأمثال الحكمية‏:‏ وطلبك في الممنوع منك سفاهة وصدك عمن صد عنك صواب إذا رأيت أناساً يغلقوا عنك بابهم ظهور المطايا يفتح الله باب ومن قول شبل يذكر انتساب الكعوب إلى برجم‏:‏ الشيب وشبان من أولاد برجم جميع البرايا تشتكي من ضهادها ومن قول خالد يعاتب إخوانه في موالاة شيخ الموحدين أي محمد بن تافراكين المستبد بحجابة السلطان بتونس على سلطانها مكفولة أبي إسحق ابن السلطان أبي يحيى وذلك فيما قرب من عصرنا‏:‏ يقول بلا جهل فتى الجود خالد مقالة قوال وقال صواب مقالة حبر ذات ذهن ولم يكن هريجاً ولا فيما يقول ذهاب تهجست معنا نابها لا لحاجة ولا هرج ينقاد منه معاب وكنت بها كبدي وهي نعم صابة حزينة فكر والحزين يصاب تفوهت بادي شرحها عن مآرب جرت من رجال في القبيل قراب جرى عند فتح الوطن منا لبعضهم مصافاة ود واتساع جناب وبعضهم ملنا له عن خصيمه كما يعلموا قولي يقينه صواب وبعضهمو مرهوب من بعض ملكنا جزاعاً وفي جو الضمير كتاب وبعضهمو جانا جريحاً تسمحت خواطر منها للنزيل وهاب وبعضهمو نظار فينا بسوة نقهناه حتى ما عنا به ساب رجع ينتهي مما سفهنا قبيحه مراراً وفي بعض المرار يهاب وبعضهمو شاكي من أوغاد قادر غلق عنه في أحكام السقائف باب فصمناه عنه واقتضي منه مورد على كره مولى البالقي ودياب ونحن على دافي المدى نطلب العلا لهم ما حططنا للفجور نقاب وحزنا حمى وطن بترشيش بعدما نفقنا عليها سبقاً ورقاب ومهد من الأملاك ما كان خارجاً على أحكام والي أمرها له ناب بردع قروم من قروم قبيلنا بني كعب لاواها الغريم وطاب وساقوا المطايا بالشرا لا نسوا له جماهير ما يغلو بها بحلاب وكسبوا من أصناف السعايا ذخائر ضخائم لحزات الزمان تصاب وعادوا نظير البرمكيين قبل ذا وإلا هلالا في زمان دياب وكانوا لنا درعاً لكل مهمة إلى أن بان من نار العدو شهاب وخلوا الدار في جنح الظلام ولا اتقوا ملامه ولا دار الكرام عتاب كسوا الحي جلباب البهيم لستره وهم لو دروا لبسوا قبيح جباب كذلك منهم حابس ما دار النبأ ذهل حلمي أن كان عقله غاب يظن ظنوناً ليس نحن بأهلها تمنى يكن له في السماح شعاب خطا هو ومن واتاه في سو ظنه بالإثبات من ظن القبائح عاب فواعزوتي إن الفتى بو محمد وهوب لألاف بغير حساب وبرحت الأوغاد منه ويحسبوا بروحه ما يحيى بروح سحاب جروا يطلبوا تحت السحاب شرائع لقوا كل ما يستاملوه سراب وأنه منها عن قريب مفاصل خنوج عناز هوالها وقباب وعن فاتنات الطرف بيض غوانج ربوا خلف أستار وخلف حجاب يتيه إذا تاهوا ويصبوا إذا صبوا بحسن قوانين وصوت رباب يضلوه عن عدم اليمين وربما يطارح حتى ما كأنه شاب بهم حازله زمه وطوع أوامر ولذة مأكول وطيب شراب حرام على ابن تافر كين ما مضى من الود إلا ما بدل بحراب وإن كان له عقل رجيح وفطنة يلجج في اليم الغريق غراب وأما البدا لا بدها من فياعل كبار إلى أن تبقى الرجال كباب ويحمى بها سوق علينا سلاعه ويحمار موصوف القنا وجعاب ويمسي غلام طالب ريح ملكنا ندوما ولا يمسي صحيح بناب أيا واكلين الخبز تبغوا ادامه غلطتوا أدمتوا في السموم لباب ومن شعرعلي بن عمر بن إبراهيم من رؤساء بني عامر لهذا العهد أحد بطون زغبة يعاتب بني غدا منه لأم الحي حيين وأنشطت عصاها ولاصبنا عليه حكام ولكن ضميري يوم بأن بهم إلينا تبرم على شوك القتاد برام وإلا كأبراص التهامي قوادح وبين عواج الكانفات ضرام وإلا لكان القلب في يد قابض أتاهم بمنشار القطيع غشام لما قلت سما من شقا البين زارني إذا كان ينادي بالفراق وخام ألا يا ربوع كان بالأمس عامر بيحيى وحله والقطين لمام وغيد تداني للخطا في ملاعب دجى الليل فيهم ساهر ونيام ونعم يشوف الناظرين التحامها لنا مابدا من مهرق وكظام وعرود باسمها ليدعو لسربها وإطلاق من شرب المها ونعام واليوم ما فيها سوى البوم حولها ينوح على أطلال لها وخيام وقفنا بها طوراً طويلاً نسألها بعين سخينا والدموع سجام ولاصح لي منها سوى وحش خاطري وسقمي من أسباب أن عرفت أوهام ولاقستمو فيها قياساً يدلكم وليس البحورالطاميات تعام وعانوا على هلكاتكم في ورودها من الناس عدمان العقول لئام أياعزوة ركبوا الضلالة ولا لهم قرار ولا دنيا لهن دوام ألا عناهمو لو ترى كيف زايهم مثل سراب فلاه ما لهن تمام خلو القنا يبغون في مرقب العلا مواضع ماهيا لهم بمقام وحق النبي والبيت وأركانه العلى ومن زارها في كل دهر وعام لبر الليالي فيه إن طالت الحيا يذوقون من خمط الكساع مدام ولابرها تبقى البوادي عواكف بكل رديني مطرب وحسام وكل مسافة كالسد إياه عابر عليها من أولاد الكرام غلام وكل كميت يكتعص عض نابه يظل يصارع في العنان لجام وتحمل بنا الأرض العقيمة مدة وتولدنا من كل ضيق كظام بالأبطال والقود الهجان وبالقنا لها وقت وجنات البدور زحام كذلك بوحمو إلى اليسر أبعته وخلى الجياد العاليات تسام وخل رجالاً لا يرى الضيم جارهم ولايجمعوا بدهى العدو زفام ألا يقيموها وعقد بؤسهم وهم عذرعنه دائماً ودوام وكم ثار طعنها على البدو سابق مابين صحا صيح ومابين


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:29

حسام فتى ثار قطار الصوى يومنا على لنا أرض ترك الظاعنين زمام وكما ذا يجيبوا أثرها من غنيمة حليف الثنا قشاع كل غيام وإن جاء خافوه الملوك ووسعوا غدا طبعه يجدي عليه قيام عليكم سلام الله من لسن فاهم ماغنت الورقا وناح حمام ومن شعر عرب نمر بنواحي حوران لامرأة قتل زوجها فبعثت إلى أحلافه من قيس تغريهم بطلب ثأره تقول‏:‏ تقول فتاة الحي أم سلامة بعين أراع الله من لارثى لها تبيت بطول الليل ما تألف الكرى موجعة كان الشقا في مجالها على ما جرى في دارها وبو عيالها بلحظة عين البين غير حالها أيا حين تسريح الذوائب واللحى وبيض العذارى ما حميتو جمالها الموشحك والأزجال للأندلس وأما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم وتهذبت مناحيه وفنونه وبلغ التنميق فيه الغاية استحدث المتفخرون منهم فناً منه سموه بالموشح وينظمونه أسماطاً أسماطاً وأغصاناً أغصاناً يكثرون منها ومن أعاريضها المختلفة‏.‏ ويسمون المتعدد منها بيتاً واحداً ويلتزمون عند قوافي تلك الأغصان وأوزانها متتالياً فيما بعد إلى آخر القطعة وأكثر ما تنتهي عندهم إلى سبعة أبيات‏.‏ ويشتمل كل بيت على أغصان عددها بحسب الأغراض والمذاهب وينسبون فيها ويمدحون كما يفعل في القصائد‏.‏ وتجاروا في ذلك إلى الغاية واستظرفه الناس جملة الخاصة والكافة لسهولة تناوله وقرب طريقه‏.‏ وكان المخترع لها بجزيرة الأندلس مقدم ابن معافر القبريري من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني‏.‏ وأخذ ذلك عنه أبو عبد الله أحمد بن عبد ربه صاحب كتاب العقد ولم يظهر لهما مع المتأخرين ذكر وكسدت موشحاتهما‏.‏ فكان أول من برع في هذا الشأن بعدهما عبادة القزاز شاعر المعتصم بن صمادح صاحب المرية‏.‏ وقد ذكر الأعلم البطليوسي أنه سمع أبا بكر بن زهير يقول‏:‏ كل الوشاحين عيال على عبادة القزاز فيما بدرتم شمس ضحى غصن نقا مسك شم ما أتم ما أوضحا ما أورقا ما أنم لاجرم من لمحا قد عشقا قد حرم وزعموا أنه لم يسبق عبادة وشاح من معاصريه الذين كانوا في زمن‏.‏ الطوائف‏.‏ وجاء مصلياً خلفه منهم ابن رافع رأس شعراء المأمون ابن ذي النون صاحب طليطلة‏.‏ قالوا وقد أحسن في ابتدائه في موشحته التي طارت له حيث يقول‏:‏ العدو قد ترنم بأبدع تلحين وسقت المذانب رياض البساتين وفي انتهائه حيث يقول‏:‏ تخطر ولا تسلم عساك المأمون مروع الكتائب يحيى بن ذي النون ثم جاءت الحلبة التي كانت في دولة الملثمين فظهرت لهم البدائع وسابق فرسان حلبتهم الأعمى الطليطلي ثم يحيى بن بقي وللطليطلي من الموشحات المهذبة قوله‏:‏ كيف السبيل إلى صبري وفي المعالم أشجان والراكب وسط الفلا بالخرد النواعم قد بان وذكر غير واحد من المشايخ أن أهل هذا الشأن بالأندلس يذكرون أن جماعة من الوشاحين اجتمعوا في مجلس بإشبيلية وكان كل واحد منهم اصطنع موشحة وتأنق فيها فتقدم الأعمى الطليطلي للإنشاد فلما افتتح موشحته المشهورة بقوله‏:‏ ضاحك عن جمان سافرعن بدر ضاق عنه الزمان وحواه صدري حرق ابن بقي موشحته وتبعه الباقون‏.‏ وذكر الأعلم البطليوسي أنه سمع ابن زهر يقول‏:‏ ما حسدت قط وشاحاً على قول إلا ابن بقي حين وقع له‏:‏ أما ترى أحمد في مجده العالي لا يلحق أطلعه الغرب فأرنا مثله يا مشرق وكان في عصرهما من الموشحين المطبوعين أبو بكر الأبيض‏.‏ وكان في عصرهما أيضاً الحكيم أبو بكر بن باجة صاحب التلاحين المعروفة‏.‏ ومن الحكايات المشهورة أنه حضر مجلس مخدومه ابن تيفلويت صاحب سرقسطة فألقى على بعض قيناته موشحته التي أولها‏:‏ جرر الذيل أيما جر وصل الشكر منك بالشكر فطرب الممدوح لذلك فلما ختمها بقوله‏:‏ وطرق ذلك التلحين سمع ابن تيفلويت صاح‏:‏ واطرباه وشق ثيابه وقال‏:‏ ما أحسن ما بدأت وما ختمت وحلف بالأيمان المغلظة لا يمشي ابن باجة إلى داره إلا على الذهب‏.‏ فخاف الحكيم سوء العاقبة فاحتال بأن جعل ذهباً في نعله ومشى عليه‏.‏ وذكر أبو الخطاب بن زهر أنه جرى في مجلس أبي بكير بن زهر‏.‏ ذكر أبي بكر الأبيض الوشاح المتقدم الذكر فغض منه أحد الحاضرين فقال كيف تغض مم يقول‏:‏ ما لذ لي شرب راح ل # على رياض الأقاح لا هضيم الوشاح إذا انثنى في الصباح أو في الأصيل أضحى يقول‏:‏ ماللشمول لطمت خدي وللشمال غضن اعتدال ضمه بردي مما أباد القلوبا يمشي لنا مستريبا يا لحظه رد نوبا‏!‏ ويا لماه الشنيبا برد غليل صب غليل لا يستحيل فيه عن العهد ولا يزال في كل حال يرجو الوصال واشتهر بعد هؤلاء في صدر دولة الموحدين محمد بن أبي الفضل بن شرف‏.‏ قال الحسن بن دويريدة‏:‏ رأيت حاتم بن سعيد على هذا الافتتاح‏:‏ شمس قاربت بدراً راح ونديم وابن هردوس الذي له‏:‏ ياليلة الوصل والسعود بالله عودي وابن مؤهل الذي له‏:‏ ما العيد في حلة وطاق وشم طيب وإنما العيد في التلاقي مع الحبيب وأبو إسحق الرديني قال ابن سعيد‏:‏ سمعت أبا الحسن سهل بن مالك يقول إنه دخل على ابن زهر وقد أسن وعليه زي البادية إذ كان يسكن بحصن أستبه فلم يعرفه فجلس حيث انتهى به المجلس‏.‏ وجرت المحاضرة فأنشد لنفسه موشحة وقع فيها‏:‏ كحل الدجى يجري من مقلة الفجر على الصباح ومعصم النهر في حلل خضر من البطاح فتحرك ابن زهر وقال‏:‏ أنت تقول هذا قال‏:‏ اختبر‏!‏ قال‏:‏ ومن تكون فعرفه فقال‏:‏ ارتفع‏!‏ فوالله ما عرفتك‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وسابق الحلبة التى أدركت هؤلاء أبو بكر بن زهر وقد شرقت موشحاته وغربت‏.‏ قال‏:‏ وسمعت أبا الحسن سهل بن مالك يقول‏:‏ قيل لابن زهر لو قيل لك ما أبدع وأرفع ما وقع لك في التوشيح ما كنت تقول قال كنت أقول‏:‏ ما للموله من سكره لا يفيق يا له سكران من غير خمر ما للكئيب المشرق يندب الأوطان هل تستعاد أيامنا بالخليج وليالينا أو يستفاد أو هل يكاد حسن المكان البهيج أن يحيينا روض أظله دوح عليه أنيق مورق الأفنان والماء يجري وعائم وغريق من جنى الريحان واشتهر بعده ابن حيون الذي له من الزجل المشهور قوله‏:‏ يفوق سهمه كل حين بما شئت من يد وعين وينشد في القصيد‏:‏ خلقت مليح علمت رامي فليس تخل ساع من قتال لله ما كان من يوم بهيج بنهر حمص على تلك المروج ثم انعطفنا وعلى فم الخليج نفض في حانه مسك الختام عن عسجد زانه صافي المدام ورداء الأصيل ضمه كف الظلام قال ابن زهر‏:‏ أين كنا نحن عن هذا الرداء وكان معه في بلده مطرف‏.‏ أخبر ابن سعيد عن والده مطرفاً هذا دخل على ابن الفرس فقام له وأكرمه فقال لا تفعل‏!‏ فقال ابن الفرس‏:‏ كيف لا أقوم لمن يقول‏:‏ قلوب تصاب بألحاظ تصيب فقل كيف تبقى بلا وجد وبعد هذا ابن حزمون بمرسية‏.‏ ذكر ابن الرائس أن يحيى الخزرجي دخل عليه في مجلسه فأنشده موشحة لنفسه فقال له ابن حزمون‏:‏ لا يكون الموشح بموشح حتى يكون عارياً عن التكلف قال على مثل ماذا قال على مثل قولي‏:‏ ياهاجري هل إلى الوصال منك سبيل أو هل ترى عن هواك سالي قلب العليل وأبو الحسن سهل بن مالك بغرناطة‏.‏ قال ابن سعيد كان والدي يعجب بقوله‏:‏ إن سيل الصباح في الشرق عاد بحراً في أجمع الأفق أتراها خافت من الغرق فبكت سحرة على الورق واشتهر بإشبيلية لذلك العهد أبو الحسن بن الفضل قال ابن سعيد عن والده سمعت سهل ابن مالك يقول له‏:‏ يا ابن الفضل لك على الوشاحين الفضل بقولك‏:‏ واحسرتا لزمان مضى عشية بان الهوى وانقضى وأفردت بالرغم لا بالرضى وبت على جمرات الغضى أعانق بالفكر تلك الطلول وألثم بالوهم تلك الرسوم قال وسمعت أبا بكر بن الصابوني ينشد الأستاذ أبا الحسن الدباج موشحاته غير ما مرة فما سمعته يقول له لله درك إلا في قوله‏:‏ قسماً بالهوى لذي حجر مالليل المشوق من فجر جمد الصبح ليس يطرد ما لليلي فيما أظن غد اصح ياليل إنك الأبد أوقفصت قوادم النسر فنجوم السماء لا تسري ومن محاسن موشحات ابن الصابوني قوله‏:‏ ماحال صب ذي ضنى واكتئاب أمرضه يا ويلتاه الطبيب عامله محبوبه باجتناب ثم اقتدى فيه الكرى بالحبيب وذا الوصال اليوم قد غرني منه كما شاء وشاء الوصال فلست باللائم من صدني بصورة الحق ولا بالمحال واشتهر ببر أهل العدوة ابن خلف الجزايري صاحب الموشحة المشهورة‏:‏ يد الأصباح قدحت زناد الأنوار في مجامر الزهر وابن خرز البجائي وله من موشحة‏:‏ ثغر الزمان موافق حباك منه بابتسام ومن محاسن الموشحات للمتأخرين موشحة ابن سهل شاعر إشبيلية وسبتة من بعدها فمنها قوله‏:‏ هل درى ظبي الحمى أن قد حمى قلب صب حله عن مكنس فهو في نار وخفق مثل ما لعبت ريح الصبا بالقبس وقد نسج على منواله فيها صاحبنا الوزير أبو عبد الله بن


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:29

الخطيب شاعر الأندلس والمغرب لعصره وقد مر ذكره فقال‏:‏ جادك الغيث إذا الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس‏!‏ في الكرى أو خلسة المختلس‏!‏ إذ يقود الدهر أشتات المنى تنقل الخطو على ما ترسم زمراً بين فرادى وثنا مثل ما يدعو الحجيج الموسم والحيا قد جلل الروض سنا فسنا الأزهار فيه تبسم وروى النعمان عن ماء السما كيف يروي مالك عن أنس فكساه الحسن ثوباً معلما يزدهي منه بأبهى ملبس في ليال كتمت سر الهوى وطر مافيه من عيب سوى أنه مر كلمح البصر حين لذ النوم شيئاً أو كما هجم الصبح هجوم الحرس غارت الشهب بنا أو ربما أثرت فينا عيون النرجس أي شيء لامرىء قد خلصا فيكون الروض قد كنن فيه تنهب الأزهار فيه الفرصا أمنت من مكره ما تتقيه فإذا الماء تناجى والحصى وخلا كل خليل بأخيه يسرق السمع بأذني فرس يا أهيل الحي من وادي الغضا‏!‏ وبقلبي مسكن أنتم به‏!‏ ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا لا أبالي شرقه من غربه فأعيموا عهد أنس قد مضى تعتقوا عبدكم من كربه واتقوا الله وأحيوا مغرما يتلاشى نفساً في نفس حبس القلب عليكم كرما أفترضون خراب الحبس وبقلبي منكم مقترب قد تساوى محسن أو مذنب في هواه بين وعد ووعيد ساحر المقلة معسول اللمى جال في النفس مجال النفس سدد السهم وسمى ورمى ففؤادي نهبة المفترس إن يكن جار وخاب الأمل وفؤاد الصب بالشوق يذوب فهو للنفس حبيب أول ليس في الحب لمحبوب ذنوب أمره معتمل ممتثل في ضلوع قد براها وقلوب ويجازي البر منها والمسي ما لقلبي كلما هبت صبا عاده عيد من الشرق جديد جلب الهم له والوصبا فهو للأشجان في جهد جهيد كان في اللوح له مكتتبا قوله‏:‏ إن عذابي لشديد‏!‏ لاعج من أضلعي قد أضرما فهي نار في هشيم اليبس لم تدع في مهجتي إلا ذما كبقاء الصبح بعد الغلس سلمي يانفس في حكم القضا واصرفي القول إلى المولى الرضى ملهم التوفيق في أم الكتاب الكريم المنتهى والمنتمى أسد السرح وبمر المجلس ينزل النصر عليه مثل ما ينزل الوحي بروح القدس وأما المشارقة فالتكلف ظاهر على ما عانوه من الموثسحات‏.‏ ومن أحسن ما وقع لهم في ذلك موشحة ابن سناء الملك التي اشتهرت شرقاً وغرباً وأولها‏:‏ حبيبي ارفع حجاب النور عن العذار تنظر المسك على كافور في جلنار كللي ياسحب تيجان الربى بالحلى واجعلي سوارها منعطف الجدول ولما شاع فن التوشيح في أهل الأندلس وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أن يلتزموا فيها إعراباً‏.‏ واستحدثوا فناً سموه بالزجل والتزموا النظم فيه على مناحيهم لهذا العهد فجاءوا فيه بالغرائب واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة‏.‏ وأول من أبدع في هذه الطريقة الزجلية أبو بكر بن قزمان وإن كانت قيلت قبله بالأندلس لكن لم يظهر حلاها ولا انسبكت معانيها واشتهرت رشاقتها إلا في زمانه‏.‏ وكان لعهد الملثمين وهو إمام الزجالين على الإطلاق‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ورأيت أزجاله مروية ببغداد أكثر مما رأيتها بحواضر المغرب‏.‏ قال‏:‏ وسمعت أبا الحسن بن جحدر الأشبيلي إمام الزجالين في عصرنا يقول‏:‏ ما وقع لأحد من أئمة هذا الشأن مثل ما وقع لابن قزمان شيخ الصناعة وقد خرج إلى منتزه مع بعض أصحابه فجلسوا تحت عريش وأمامهم تمثال أسد من رخام يصب الماء من فيه على صفائح من الحجر متدرجة فقال‏:‏ وعريش قد قام على دكان بحال رواق وأسد قد ابتلع ثعبان من غلظ ساق وفتح فمه بحال إنسان بيه الفراق وانطلق من ثم على الصفاح وألقى الصياح وكان ابن قزمان مع أنه قرطبي الدار كثيراً ما يتردد إلى إشبيلية ونيتاب نهرها فاتفق أن اجتمع ذات يوم جماعة من أعلام هذا الشأن‏.‏ وقد ركبوا في النهر للنزهة ومعهم غلام جميل الصورة من سروات أهل البلد وبيوتهم‏.‏ وكانوا مجتمعين في زورق للصيد فنظموا في وصف الحال وبدأ منهم عيسى البليدي فقال‏:‏ يطمع بالخلاص قلبي وقد فاتو وقد ضمني عشقو لشهماتو تراه قد حصل مسكين محلاتو يغلق وكذاك أمر عظيم صاباتو توحش الجفون الكحل إن غابو وذيك الجفون الكحل أبلاتو ثم قال أبو عمرو بن الزاهر الأشبيلي‏:‏ نشب والهوى من لج فيه ينشب ترى إيش دعاه يشقى ويتعذب مع العشق قام في بالوان يلعب وخلق كثير من ذا اللعب ماتوا ثم قال أبو الحسن المقري الداني‏:‏ نهارمليح يعجبن أوصافو شراب وملاح من حولي قد طافوا والمقلين يقول من فوق صفصافو والبوري أخرى فقلاتو ثم قال أبو بكر بن مرتين‏:‏ الحق تريد حديث بقالي عاد في الواد النزيه والبوري والصياد ثم قال أبو بكر بن قزمان‏:‏ إذا شمر كمامو يرميها ترى البوري يرشق لذاك الجيها وليس مرادو أن يقع فيها إلا أن يقبل بدياتو وكان في عصرهم بشرق الأندلس محلف الأسود وله محاسن من الزجل منها قوله‏:‏ قد كنت منشوب واختشيت النشب وردني ذا العشق لأمر صعب حتى تنظر الخد الشريق البهي تنتهي في الخمر إلما تنتهي ياطالب الكيميا في عيني هي تنظر بها الفضة وترجع ذهب وجاءت بعدهم حلبة كان سابقها مدغليس وقعت له العجائب في هذه الطريقة من قوله في زجله المشهور‏:‏ ورزاذ دق ينزل وشعاع الشمس يضرب فترى الواحد يفضض وترى الآخر يذهب والنبات يشرب ويسكر والغصون ترقص وتطرب وبريد تجي إلينا ثم تستحي وتهرب شربت ممزوج من قراعا أحلى هي عندي من العسل يامن يلمني كما تقلد قلدك الله بما تقول يقول بأن الذنوب تولد وأنه يفسد العقول لأرض الحجاز موريكن لك أرشد إيش ماساقك معي في ذا الفضول مر أنت للحج والزيارا ودعني في الشرب منهمل من ليس لو قدره ولا استطاع النية أبلغ من العمل وظهر بعد هؤلاء بإشبيلية ابن جحدر الدي فضل على الزجالين في فتح ميورقة بالزجل الذي أوله هذا‏:‏ من عاند التوحيد بالسيف يمحق أنا بري ممن يعاند الحق قال ابن سعيد لقيتة ولقيت تلميذه المعمع صاحب الزجل المشهور الذي أوله‏:‏ ياليتني إن رأيت حبيبي أفتل أذنو بالرسيلا ليش أخذ عنق الغزيل وسرق فم الحجيلا ثم جاء من بعدهم أبو الحسن سهل ابن مالك إمام الأدب ثم من بعدهم لهذه العصور صاحبنا امزج الأكواس واملالي تجدد ماخلق المال إلا أن يبدد ومن قوله على طريقة الصوفية وينحو منحى الششتري منهم‏:‏ بين طلوع وبين نزول اختلطت الغزول ومضى من لم يكن وبقي من لم يزول ومن محاسنه أيضاً قوله في ذلك المعنى‏:‏ البعد عنك يابني أعظم مصايبي وحين حصل لي قربك سببت قاربي وكان لعصر الوزير ابن الخطيب بالأندلس محمد بن عبد العظيم من أهل وادي آش وكان إماماً في هذه الطريقة وله من زجل يعارض به مدغليس في قوله‏:‏ لاح الضياء والنجوم حيارى بقوله‏:‏ حل المجون يا أهل الشطارا مذ حلت الشمس في الحمل تجددوا كل يوم خلاعا لا تجعلوا بينها ثمل تجددوا كل يوم خلاعا لاتجعلوا بينها ثمل إليها يتخلعوا في شنبل على خضورة ذاك النبات وطاقتها أصلح من أربعين ميل إن مرت الريح عليه وجاءت لم تلتق الغبار أمارا ولا بمقدار ما يكتحل وكيف ولاش فيه موضع رقاعا إلا ونسرح فيه النحل وهذه الطريقة الزجلية لهذا العهد هي فن


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:30

العامه بالأندلس من الشعر وفيها نظمهم حتى أنهم لينظمون بها في سائر البحور الخمسة عشر لكن بلغتهم العامية ويسمونه الشعر الزجلي مثل قول شاعرهم‏:‏ دهر لي نعشق جفونك وسنين وأنت لا شفقة ولاقلب يلين حتى ترى قلبي من أجلك كيف رجع صنعة السمكة بين الحدادين الدموع ترشرش والنار تلتهب والمطارق من شمال ومن يمين خلق الله النصارى للغزو وأنت تغزو قلوب العاشقين وكان من المجيدين لهذه الطريقة لأول هذه المائة الأديب أبو عبد الله اللوشي وله فيها قصيدة يمدح فيها السلطان ابن الأحمر‏:‏ طل الصباح قم يانديمي نشربو ونضحكو من بعد ما نطربو سبيكة الفجر أحكت شفق في ميلق الليل فقم قلبو فتنتفق سكتوا عند البشر نور الجفون من نورها يكسبو فهو النهار يا صاحبي للمعاش عيش الغني فيه بالله ما أطيبو والليل أيضاً للقبل والعناق على سرير الوصل يتقلبو جاد الزمان من بعد ما كان بخيل ولش ليفلت من يديه عقربو كما جرع مرو فما قد مضى يشرب بيننو ويأكل طيبو قال الرقيب يا أدبا إيش ذا في الشرب والعشق ترى ننجبو وتعجبوا عذالي من ذا الخبر فقلت ياقوم من ذا تتعجبوا نعشق مليح إلا رقيق الطباع علاش تكفروا بالله أو تكتبوا ليش يربح الحسن إلا شاعر أديب يفض بكرو ويدع ثيبو أما الكأس فحرام نعم هو حرام على الذي ما يدري كيف يشربو ويد الذي يحسن حسابه ولم يقدر يحسن ألفاظ أن يجلبوا وأهل العقل والفكر والمجون يغفر ذنوبهم لهذا إن أذنبوا فميم كالخاتم وثغر نقي خطيب الأمة للقبل يخطبو جوهر ومرجان أي عقد يا فلان قد صففه الناظم ولم يثقبو وشارب أخضر يريد لاش يريد من شبهه بالمسك قد عيبو يسبل دلال مثل جناح الغراب ليالي هجري منه يستغربوا على بدن أبيض بلون الحليب ما قط راعي للغنم يجلبوا وزوج هندات ما علمت قبلها ديك الصلا يا ريت ما أصلبو تحت العكاكن منها خصر رقيق من رقتو يخفي إذا تطلبوا أرق هو من ديني فيما تقول جديد عتبك حق ما أكذبو أي دين بقا لي معاك وأي عقل من يتبعك من ذا وذا تسلبوا تحمل أرداف ثقال كالرقيب حين ينظر العاشق وحين يرقبو إن لم ينفس غدر أو ينقشع في طرف ديسا والبشر تطلبو يصير إليك المكان حين تجي وحين تغيب ترجع في عيني تبو ففي الصدور بالرمح ما أطعنه وفي الرقاب بالسيف ما أضربو من السماء يحسد في أربع صفات فمن يعد قلبي أو يحسبو الشمس نورو والقمر همتو والغيث جودو والنجوم منصبو يركب جواد الجود ويطلق عنان الأغنيا والجند حين يركبوا من خلعتو يلبس كل يوم بطيب منه بنات المعالي تطيبوا نعمتو تظهر على كل من يجيه قاصد ووارد قط ماخيبوا قد أظهر الحق وكان في حجاب لاش يقدر الباطل بعدما يحجبو وقدبنى بالسر ركن التقى من بعد ما كان الزمان خربو تخاف حين تلقاه كما ترتجيه فمع سماحة وجهو ما أسيبو يلقى الحروب ضاحكاً وهي عابسة غلاب هو لاشيء في الدنيا يغلبو إذا حبد سيفه مابين الردود فليس شيء يغني من يضربو وهو سمي الصصطفى والإله للسلطنة اختار واستنخبو وفي المعالي والشرف يبعدوا وفي التواضع والحيا يقربوا والله يبقيهم مادار الفلك وأشرقت شمسه ولاح كوكبو ومايغني ذا القصيد في عروض ياشمس خدر مالها مغربو ثم استحدث أهل الأمصار بالمغرب فناً آخر من الشعر في أعاريض مزدوجة كالموشح نظموا فيه بلغتهم الحضرية أيضاً وسموه عروض البلد وكان أول من استحدثه فيهم رجل من أهل الأندلس نزل بفاس يعرف بابن عمير فنظم قطعة على طريقة الموشح ولم يخرج فيها عن مذاهب الإعراب إلا قليلاً مطلعها‏:‏ أبكاني بشاطي النهر نوح الحمام على الغصن في البستان قريب الصباح وكف السحر يمحو مداد الظلام وماء الندى يجري بثغر الأقاح باكرت الرياض والطل فيها افتراق كثير الجواهر في نحور الجوار ودمع النواعير ينهرق انهراق يحاكي ثعابين حلقت بالثمار لووا بالغصون خلخال على كل ساق ودار الجميع بالروض دورالسوار وأيدي الندى تخرق جيوب الكمام ويحمل نسيم المسك عنها رياح تنوح مثل ذاك المستهام الغريب قد التف من تربو الجديد في ردا ولكن بما أحمر وساقو خضيب ينظم سلوك جوهر ويتقلدا جلس بين الأغصان جلسة المستهام جناحا توسد والتوى في جناح وصار يشتكي مافي الفؤاد من غرام منها ضم منقاره لصدره وصاح قلت ياحمام أحرمت عيني الهجوع أراك ماتزال تبكي بدمع سفوح قال لي بكيت حتى صفت لي الدموع بلا دمع نبقى طول حياتي ننوح على فرخ طار لي لم يكن لو رجوع ألفت البكا والحزن من عهد نوح كذا الوفا وكذا هو الزمام انظر جفون صارت بحال الجراح وأنتم من بكى منكم إذا تم عام يقول عناني ذا البكا والنواح قلت ياحمام لو خضت بحرالضنى كنت تبكي وترثي لي بدمع هتون ولو كان بقلبك مابقلبي أنا ما كان يصير تحتك فروع الغصون اليوم نقاسي الهجر كم من سنا حتى لا سبيل جملة تراني العيون وتخضبت من دمعي وذاك البياض طوق العهد في عنقي ليوم التناد أما طرف منقاري حديثو استفاض بأطراف البلد والجسم صار في الرماد فاستحسنه أهل فاس وولعوا به ونظموا على طريقته وتركوا الإعراب الذي ليس من شأنهم وكثر سماعة بينهم واستفحل فيه كثير منهم ونوعوه أصنافاً إلى المزدوج والكازي والملعبة والغزل‏.‏ واختلفت أسماؤها باختلاف ازدواجها وملاحظاتهم فيها‏.‏ فمن المزدوج ما قاله ابن شجاع من فصولهم وهومن أهل تازا‏:‏ المال زينة الدنيا وعز النفوس يبهي وجوهاً ليس هي باهيا فها كل من هو كثير الفلوس ولوه الكلام والرتبة العاليا يكبر من كثر مالو ولو كان صغير ويصغر عزيز القوم إذ يفتقر من ذا ينطبق صدري ومن ذا تغير وكان ينفقع لولا الرجوع للقدر حتى يلتجي من هو في قومو كبير لمن لا أصل عندو ولا لو خطر لذا ينبغي يحزن على ذي العكوس ويصبغ عليه ثوب فراش صافيا اللي صارت الأذناب أمام الرؤوس وصار يستفيد الواد من الساقيا عشنا والسلام حتى رأينا عيان أنفاس السلاطين في جلود الكلاب كبار النفوس جداً ضعاف الأسوس هم ناحيا والمجد في ناحيا يرو أنهم والناس يروهم تيوس وجوه البلد والعدمة الراسيا ومن مذاهبهم قول ابن شجاع منهم في بعض مزدوجاته‏:‏ تعب من تبع قلبو ملاح ذا الزمان أهمل يا فلان لا يلعب الحسن فيك ما منهم مليح عاهد إلا وخان قليل من عليه تحبس ويحبس عليك يهبوا على العشاق ويتمنعوا ويستعدوا تقطيع قلوب الرجال وإن واصلوا من حينهم يقطعوا وإن عاهدوا خانوا على كل حال مليح كان هويتو وشت قلبي معو وصيرت من خدي لقدمو نعال ومهدت لو من وسط قلبي مكان وقلت لقلبي أكرم لمن حل فيك وهون عليك ما يعتريك من هوان فلا بد من هول الهوى يعتريك حكمتوا علي وارتضيت بو أمير فلو كان يرى حالي إذا يبصرو ويمشي بسوق كان ولو بأصبهان وإيش مايقل يحتاج لو يجيك حتى أتى على آخرها‏.‏ وكان منهم علي بن المؤذن بتلمسان وكان لهذه العصور القريبة من فحولهم بزرهون من ضواحي مكناسة رجل يعرف بالكفيف أبدع في مذاهب هذا الفن‏.‏ ومن أحسن ما علق له بمحفوظي قوله في رحلة السلطان أبي الحسن وبني مرين إلى إفريقية يصف هزيمتهم بالقيروان ويعزيهم عنها ويؤنسهم بما وقع لغيرهم بعد أن عيبهم على غزاتهم إلى إفريقية في ملعبة من فنون هذه الطريقة يقول في مفتتحها وهو من أبدع مذاهب البلاغة في الأشعار بالمقصد في مطلع الكلام وافتتاحه ويسمى براعة الاستهلال‏:‏ سبحان مالك خواطر الأمرا ونواصيها في كل حين وزمان إن طعناه أعظم لنا نصراً وإن عصيناه عاقب بكل هوان إلى أن يقول في السؤال عن جيوش المغرب بعد التخلص‏:‏ كن مرعى قل ولا تكن راعي فالراعي عن رعيته مسؤول واستفتح بالصلاة على الداعي للإسلام والرضا السني المكمول على الخلفاء الراشدين والأتباع واذكر بعدهم إذا تحب وقول عسكر فاس المنيرة الغرا وين سارت بو عزايم السلطان أحجاج بالنبي الذي زرتم وقطعتم لو كلاكل البيدا عن جيش الغرب حين يسألكم المتلوف في إفريقيا السودا ومن كان بالعطايا يزودكم ويدع برية الحجاز رغدا قام قل للسد صادف الجزرا ويعجز شوط بعدما يخفان ويزف كر دوم تهب في الغبرا أي ما زاد غزالهم سبحان لو كان ما بين تونس الغربا وبلاد الغرب سد السكندر مبنى من شرقها إلى غربا طبقاً بحديد أوثانياً بصفر لا بد الطير أن تجيب نبأً أو يأتي الريح عنهم بفرد خبر ما أعوصها من أمور وما شرا لو تقرأ كل يوم على الديوان لجرت بالدم وانصدع حجرا وهوت الخراب وخافت الغزلان أدر لي بعقلك الفحاص وتفكر لي بخاطرك جمعا ما يدروا كيف يصوروا كسرا وكيف دخلوا مدينة القيروان أمولاي أبو الحسن خطينا الباب قضية سيرنا إلى تونس فقنا كنا على الجريد والزاب واش لك في إعراب إفريقيا القوبس ما بلغك من عمر فتى الخطاب الفاروق فاتح القرى المولس ملك الشام والحجاز وتاج كسرى وفتح من إفريقيا وكان رد ولدت لو كره ذكرى ونقل فيها تفرق الأخوان هذا الفاروق مردي الأعوان صرح في إفريقيا بذا التصريح وبقت حمى إلى زمن عثمان وفتحها ابن الزبيرعن تصحيح لمن دخلت غنائمها الديوان مات عثمان وانقلب علينا الريح وافترق الناس على ثلاثة أمرا وبقي ما هو للسكوت عنوان إذا كان ذا في مدة البرارا إش نعمل في أواخر الأزمان وأصحاب الحضر في مكناساتا وفي تاريخ كأنا وكيوانا قال لي رأيت وأنا بذا أدري لكن إذا جاء القدرعميت الأعيان ويقول لك ما دهى المرينيا من حضرة فاس إلى عرب دياب أراد المولى بموت ابن يحيى سلطان تونس وصاحب الأبواب ثم أخذ في ترحيل السلطان وجيوشه إلى آخر رحلته ومنتهى أمره مع أعراب إفريقية وأتى فيها بكل غريبة من الإبداع‏.‏ وأما أهل تونس فاستحدثوا فن الملعبة أيضاً على لغتهم الحضرية إلا أن أكثره رديء ولم يعلق بمحفوظي منه شيء لرداءته‏.‏ الموشحات والأزجال في المشرق وكان لعامة بغداد أيضاً فن من الشعر يسمونه المواليا وتحته فنون كثيرة يسمون منها القوما وكان وكان ومنه مفرد ومنه في بيتين ويسمون دوبيت على الاختلافات المعتبرة عندهم في كل واحد منها وغالبها مزدوجة من أربعة أغضان‏.‏ وتبعهم في ذلك أهل مصر القاهرة وأتوا فيها بالغرائب وتبحروا فيها في أساليب البلاغة بمقتضى لغتهم الحضرية فجاؤوا بالعجائب ورأيت في ديوان الصفي الحلي من كلامه أن المواليا من بحر البسيط وهو ذو أربعة أغصان وأربع قواف ويسمى صوتاً وبيتين‏.‏ وأنه من مخترعات أهل واسط وأن كان وكان فهو قافية واحدة وأوزان مختلفة في أشطاره‏:‏ الشطر الأول من البيت أطول من الشطر الثاني ولا تكون قافيته إلا مردفة بحرف العلة وأنه من مخترعات البغداديين‏.‏ وأنشد فيه لنا‏:‏ بغمز الحواجب حديث تفسير ومنو أوبو وأم الأخرس تعرف بلغة الخرسان‏.‏ انتهى كلام الصفي‏.‏ ومن أعجب ما علق بحفظي منه قول شاعرهم‏:‏ هذي جراحي طريا والدما تنضح وقاتلي يا أخيا في الفلا يمرح قالوا ونأخذ بثأرك قلت ذا أقبح إلى جرحتي يداويني يكون أصلح ولغيره‏:‏ طرقت باب الخبا قالت من الطارق فقلت مفتون لا ناهب ولا سارق تبسمت لاح لي من ثغرها بارق رجعت حيران في بحر أدمعي غارق ولغيره‏:‏ عهدي بها وهي لاتأمن علي البين وإن شكوت الهوى قالت فدتك العين لمن يعاين لها غيري غلام الزين ذكرتها العهد قالت لك علي دين دي خمر صرف التي عهدي بها باقي تغني عن الخمر والخمار والساقي قحباً ومن قحبها تعمل على إحراقي خبيتها في الحشى طلت من أحداقي ولغيره‏:‏ يا من وصالو لأطفال المحبة بح كم توجع القلب بالهجران أوه أح أودعت قلبي حوحو والتصبر بح كل الورى كخ في عيني وشخصك دح ولغيره‏:‏ ناديتها ومشيبي قد طواني طي جودي علي بقبلة في الهوى يامي قالت وقد كوت داخل فؤادي كي ماظن ذا القطن يغشى فم من هو حي ولغيره‏:‏ راني ابتسم سبقت سحب أدمعي برقه ماط اللثام تبدي بدر في شرقه أسبل دجى الشعرتاه القلب في طرقه رجع هدانا بخيط الصبح من فرقه ولغيره‏:‏ يا حادي العيس ازجر بالمطايا زجر وقف على منزل أحبابي قبيل الفجر عيني التي كنت أرعاكم بها باتت ترعى النجوم وبالتسهيد اخاتت وأسهم البين صابتني ولافاتت وسلوتي عظم الله أجركم ماتت ولغيره‏:‏ هويت في قنطرتكم ياملاح الحكر غزال يبلى الأسود الضاريا بالفكر غصن إذا ما انثنى يسبي البنات البكر وإن تهلل كما للبدر عندو ذكر ومن الذي يسمونه دوبيت‏:‏ قد أقسم من أحبه بالباري أن يبعث طيفه مع الأسحار يا نار أشواقي به فاقتدي ليلاً فعساه يهتدي بالنار واعلم أن الأذواق كلها في معرفة البلاغة إنما تحصل لمن خالط تلك اللغة وكثر استعماله لها ومخاطبته بين أجيالها حتى يحصل ملكتها كما قلناه في اللغة العربية‏.‏ فلا يشعر الأندلسي بالبلاغة التي في شعر أهل المغرب ولا المغربي بالبلاغة التي في شعر أهل الأندلس والمشرق ولا المشرقي بالبلاغة التي في شعر أهل الأندلس والمغرب‏.‏ لأن اللسان الحضري وتراكيبه مختلفة فيهم وكل واحد منهمل ممرذ لبلاغة لغته وذائق محاسن الشعر من أهل جلدته‏.‏ ‏"‏ .]وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ ‏"‏‏.‏ وقد كدنا أن نخرج عن الغرض ولذلك عزمنا أن نقبض العنان عن القول في هذا الكتاب الأول الذي هو طبيعة العمران وما يعرض فيه وقد استوفينا من مسائله ما حسبناه كفاء له‏.‏ ولعل من يأتي بعدنا ممن يؤيده الله بفكرصحيح وعلم مبين يغوص من مسائله على أكثرمما كتبنا فليس على مستنبط الفن إحصاء مسائله وإنما عليه تحيين موضع العلم وتنويع فصوله وما يتكلم فيه والمتأخرون يلحقون المسائل من بعده شيئاً فشيئاً إلى أن يكمل‏.‏ والله يعلم وأنتم لا تعلمون‏.‏ قال مؤلف الكتاب عفا الله عنه‏:‏ أتممت هذا الجزء الأول المثتمل على المقدمة بالوضع والتأليف قبل التنقيح والتهذيب في مدة خمسة أشهر آخرها منتصف عام تسعة وسبعين وسبعمائة‏.‏ ثم نقحته بعد ذلك وهذبته وألحقت به تواريخ الأمم كما ذكرت في أوله وشرطته‏.‏ وما العلم إلا من عند الله العزيز الحكيم‏.‏
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:34

الكتاب الثاني في أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ بدء الخليقة إلى هذا العهد
في أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم اعلم أن الله سبحانه وتعالى اعتمر هذا العالم بخلقه وكرم بني آدم باستخلافهم في أرضه وبثهم في نواحيها لتمام حكمته وخالف بين أممهم وأجيالهم إظهاراً لآياته فيتعارفون بالأنساب ويختلفون باللغات والألوان ويتمايزون بالسير والمذاهب والأخلاق ويفترقون بالنحل والأديان والأقاليم والجهات‏.‏ فمنهم العرب والفرس والروم وبنو إسرائيل والبربر ومنهم الصقالبة والحبش والزنج ومنهم أهل الهند وأهل بابل وأهل الصين وأهل اليمن وأهل مصر وأهل المغرب‏.‏ ومنهم المسلمون والنصارى واليهود والصابئة والمجوس‏.‏ ومنهم أهل الوبر وهم أصحاب الخيام والحلل وأهل المدر وهم أصحاب المجاشر والقرى والأطم‏.‏ ومنهم البدو الظواهر والحضر الأهلون‏.‏ ومنهم العرب أهل البيان والفصاحة والعجم أهل الرطانة بالعبرانية والفارسية والإغريقية واللطينية والبربرية‏.‏ خالف أجناسهم وأحوالهم وألسنتهم وألوانهم ليتم أمر الله في اعتمار خصوصياتهم ونحلهم‏.‏ فتظهر آثار القدرة وعجائب الصنعة وآيات الوحدانية إن في ذلك لآيات للعالمين‏.‏ واعلم أن الامتياز بالنسب أضعف المميزات لهذه الأجيال والأمم لخفائه واندراسه بدروس الزمان وذهابه‏.‏ ولهذا كان الاختلاف كثيراً ما يقع في نسب الجيل الواحد أو الأمة الواحدة إذا اتصلت مع الأيام وتشعبت بطونها على الأحقاب كما وقع في نسب كثير من أهل العالم مثل اليونانيين والفرس والبربر وقحطان من العرب‏.‏ فإذا اختلفت الأنساب واختلفت فيها المذاهب وتباينت الدعاوى استظهر كل ناسب على صحة ما ادعاه بشواهد الأحوال والمتعارف من المقارنات في الزمان والمكان وما يرجع إلى ذلك من خصائص القبائل وسمات الشعوب والفرق التي تكون فيهم منتقلة متعاقبة في بنيهم‏.‏ وسئل مالك رحمه الله تعالى عن الرجل يرفع نسبه إلى آدم فكره ذلك وقال من أين يعلم ذلك فقيل له فإلى إسماعيل فأنكر ذلك وكره أيضاً أن يرفع في أنساب الأنبياء مثل أن يقال‏:‏ إبراهيم بن فلان بن فلان وقال من يخبره به‏.‏ وكان بعضهم إذا تلا قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ‏"‏ قال‏:‏ كذب النسابون‏.‏ واحتجوا أيضاً بحديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغ نسبه الكريم إلى عدنان قال ‏"‏ من ههنا كذب النسابون ‏"‏‏.‏ واحتجوا أيضاً بما ثبت في أنه علم لا ينفع وجهالة لا تضر إلى غير ذلك من الاستدلالات‏.‏ وذهب كثير من أئمة المحدثين والفقهاء مثل ابن إسحق والطبري والبخاري إلى جواز الرفع في الأنساب ولم يكرهوه محتجين بعمل السلف فقد كان أبو بكر رضي الله عنه أنسب قريش ومضر بل ولسائر العرب وكذا ابن عباس وجبير بن مطعم وعقيل بن أبي طالب وكان من بعدهم ابن شهاب والزهري وابن سيرين وكثير من التابعين‏.‏ قالوا وتدعو الحاجة إليه في كثير من المسائل الشرعية مثل تعصيب الوراثة وولاية النكاح والعاقلة في الديات والعلم بنسب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه القرشي الهاشمي الذي كان بمكة وهاجر إلى المدينة فإن هذا من فروض الإيمان ولا يعذر الجاهل به‏.‏ وكذا الخلافة عند من يشترط النسب فيها‏.‏ فهذا كله يدعو إلى معرفة الأنساب ويؤكد فضل هذا العلم وشرفه فلا ينبغي أن يكون ممنوعاً‏.‏ وأما حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغ نسبه إلى عدنان قال‏:‏ من ههنا كذب النسابون ‏"‏ يعني من عدنان‏.‏ فقد أنكر السهيلي روايته من طيق ابن عباس مرفوعاً وقال الأصح أنه موقوف على ابن مسعود‏.‏ وخرج السهيلي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ معد بن عدنان بن أدد بن زيد البري بن أعراق الثرى ‏"‏‏.‏ قال وفسرت أم سلمة زيداً بأنه الهميسع والبري بأنه نبت أو نابت وأعراق الثرى بأنه إسماعيل وإسماعيل هو ابن إبراهيم وإبراهيم لم تأكله النار كما لا تأكل الثرى‏.‏ ورد السهيلي تفسير أم سلمة وهو الصحيح‏.‏ وقال إنما معناه معنى قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ كلكم بنو آدم وآدم من تراب ‏"‏‏.‏ لا يريد أن الهميسع ومن دونه ابن لإسماعيل لصلبه وعضد ذلك باتفاق الأخبار على بعد المدة بين عدنان وإسماعيل التي تستحيل


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:35

في العادة أن يكون فيها بينهما أربعة آباء أو سبعة أو عشرة أو عشرون لأن المدة أطول من هذا كله كما نذكره في نسب عدنان فلم يبق في الحديث متمسك لأحد من الفريقين‏.‏ وأما ما رووه من أن النسب علم لا ينفع وجهالة لا تضر فقد ضعف الأئمة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مثل الجرجاني وأبي محمد بن حزم وأبي عمر بن عبد البر وألحق في الباب أن كل واحد من المذهبين ليس على إطلاقه فإن الأنساب القريبة التي يمكن التوصل إلى معرفتها لا يضر الاشتغال بها لدعوى الحاجة إليها في الأمور الشرعية من التعصيب والولاية والعاقلة وفرض الإيمان بمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم ونسب الخلافة والتفرقة بين العرب والعجم في الحرية والاسترقاق عند من يشترط ذلك كما مر كله وفي الأمور العادية أيضاً تثبت به اللحمة الطبيعية التي تكون بها المدافعة والمطالبة‏.‏ ومنفعة ذلك في إقامة الملك والدين ظاهرة‏.‏ وقد كان صلى الله عليه وسلم وأصحابه ينسبون إلى مضر ويتساءلون عن ذلك‏.‏ وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم‏.‏ وهذا كله ظاهر في النسب القريب وأما الأنساب البعيدة العسرة المدرك التي لا يوقف عليها إلا بالشواهد والمقارنات لبعد الزمان وطول الأحقاب أو لا يوقف عليها رأسا لدروس الأجيال فهذا قد ينبغي أن يكون له وجه في الكراهة كما ذهب إليه من ذهب من أهل العلم مثل مالك وغيره لأنه شغل الإنسان بما لا يعنيه وهذا وجه قوله صلى الله عليه وسلم فيما بعد عدنان من ههنا كذب النسابون‏.‏ لأنها أحقاب متطاولة ومعالم دارشة لا تثلج الصدور باليقين في شيء منها مع أن علمها لا ينفع وجهلها لا يضر كما نقل والله الهادي إلى الصواب‏.‏ ولنأخذ الآن في الكلام في أنساب العالم على الجملة ونترك تفصيل كل واحد منها إلى مكانه فنقول‏:‏ إن النسابين كلهم اتفقوا على أن الأب الأول للخليقة هو آدم عليه السلام كما وقع في التنزيل إلا ما يذكره ضعفاء الإخباريين من أن الحن والطم أمتان كانتا فيما زعموا من قبل آدم وهو ضعيف متروك وليس لدينا من أخبار آدم وذريته إلا مما وقع في المصحف الكريم وهو معروف بين الأئمة‏.‏ واتفقوا على أن الأرض عمرت بنسله أحقابا وأجيالا بعد أجيال إلى عصر نوح عليه السلام وأنه كان فيهم أنبياء مثل شيث وإدريس وملوك في تلك الأجيال معدودون وطوائف مشهورون بالنحل مثل الكلدانيين ومعناه الموحدون ومثل السريانيين وهم المشركون‏.‏ وزعموا أن أمم الصابئة منهم وأنهم من ولد صابىء بن لمك بن أخنوخ‏.‏ وكان نحلتهم في الكواكب والقيام لها كلها واستنزال روحانيتها وأن من حزبهم الكلدانيين أي الموحدين‏.‏ وقد ألف أبو إسحق الصابي الكاتب مقالة في أنسابهم ونحلتهم‏.‏ وذكر أخبارهم أيضاً داهر مؤرخ السريانيين و البابا الصابي الحراني وذكروا استيلاءهم على العالم وجملا من نواميسهم‏.‏ وقد اندرسوا وانقطع أثرهم‏.‏ وقد يقال أن السريانيين من أهل تلك الأجيال وكذلك النمرود والازدهاق وهو المسمى بالضحاك من ملوك الفرس وليس ذلك بصحيح عند المحققين‏.‏ واتفقوا على أن الطوفان الذي كان في زمن نوح وبدعوته ذهب بعمران الأرض أجمع بما كان من خراب المعمور ومهلك الذين ركبوا معه في السفينة ولم يعقبوا فصار أهل الأرض كلهم من نسله وعاد أبا ثانيا للخليقة وهو نوح بن لامك ويقال لمك بن متوشلخ بفتح اللام وسكونها ابن خنوخ ويقال أخنوخ ويقال أشنخ ويقال أخنخ وهو إدريس النبي فيما قاله ابن إسحق بن يرد ويقال بيرد بن مهلائيل ويقال ماهلايل بن قاين ويقال قينن بن أنوش ويقال يانش بن شيث بن آدم ومعنى شيث عطية الله هكذا نسبه ابن إسحق وغيره من الأئمة وكذا وقع في التوراة نسبه وليس فيه اختلاف بين الأئمة‏.‏ ونقل ابن إسحق أن خنوخ الواقع اسمه في هذا النسب هو إدريس النبي صلوات الله عليه وهو خلاف ما عليه الأكثر من النسابين فإن إدريس عندهم ليس بجد لنوح ولا في عمود نسبه وقد زعم الحكماء الأقدمون أيضاً أن إدريس هو هرمس المشهور بالإمامة في الحكمة عندهم‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:35

وكذلك يقال‏:‏ إن الصابئة من ولد صابىء بن لامك وهو أخو نوح عليه السلام‏.‏ وقيل أن صابىء متوشلخ جده‏.‏ واعلم أن الخلاف الذي في ضبط هذه الأسماء إنما عرض في مخارج الحروف فإن هذه الأسماء إنما أخذها العرب من أهل التوراة ومخارج الحروف في لغتهم غير مخارجها في لغة العرب فإذا وقع الحرف متوسطاً بين حرفين من لغة العرب فترده العرب تارة إلى هذا وتارة إلى هذا‏.‏ وكذلك إشباع الحركات قد تحذفه العرب إذا نقلت كلام العجم فمن ههنا اختلف الضبط في هذه الأسماء‏.‏ واعلم أن الفرس والهند لا يعرفون الطوفان وبعض الفرس يقولون كان ببابل فقط‏.‏ واعلم أن آدم هو كيومرث وهو نهاية نسبهم فيما يزعمون وأن أفريدون الملك في آبائهم هو نوح وأنه بعص لازدهاق وهو الضحاك فلبسه الملك وقبله كما يذكر بعد في أخبارهم‏.‏ وقد تترجح صحة هذه الأنساب من التوراة وكذلك قصص الأنبياء الأقدمين إذ أخذت عن مسلمي يهوذا ومن نسخ صحيحة من التوراة يغلب على الظن صحتها‏.‏ وقد وقعت العناية في التوراة بنسب موسى عليه السلام وإسرائيل وشعوب الأسباط ونسب ما بينهم وبين آدم صلوات الله عليه‏.‏ والنسب والقصص أمر لا يدخله النسخ فلم يبق إلا تحري النسخ الصحيحة والنقل المعتبر‏.‏ وأما ما يقال من أن علماءهم بدلوا مواضع من التوراة بحسب أغراضهم في ديانتهم فقد قال ابن عباس على ما نقل عنه البخاري في صحيحه أن ذلك بعيد وقال معاذ الله أن تعمد أمة من الأمم إلى كتابها المنزل على نبيها فتبدله أو ما في معناه قال وإنما بدلوه وحرفوه بالتأويل‏.‏ ويشهد لذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وعندهم التوراة فيها حكم الله ‏"‏ ولو بدلوا من التوراة ألفاظها لم يكن عندهم التوراة التي فيها حكم الله‏.‏ وما وقع في القرآن الكريم من نسبة التحريف والتبديل فيها إليهم فإنما المعني به التأويل اللهم إلا أن يطرقها التبديل في الكلمات على طريق الغفلة وعدم الضبط‏.‏ وتحريف من لا يحسن الكتابة بنسخها فذلك يمكن في العادة لا سيما وملكهم قد ذهب وجماعتهم انتشرت في الآفاق واستوى الضابط منهم وغير الضابط والعالم والجاهل‏.‏ ولم يكن وازع يحفظ لهم ذلك لذهاب القدرة بذهاب الملك فتطرق من أجل ذلك إلى صحف التوراة في الغالب تبديل وتحريف غير معتمد من علمائهم وأحبارهم‏.‏ ويمكن مع ذلك الوقوف على الصحيح منها إذا تحرى القاصد لذلك بالبحث عنه ثم اتفق النسابون ونقلة المفسرين على أن ولد نوح الذين تفرعت الأمم منهم ثلاثة‏:‏ سام وحام ويافث وقد وقع ذكرهم في التوراة‏.‏ وأن يافث أكبرهم وحام الأصغر وسام الأوسط‏.‏ وخرج الطبري في الباب أحاديث مرفوعة بمثل ذلك وأن سام أبو العرب ويافث أبو الروم وحام أبو الحبش والزنج وفي بعضها السودان وفي بعضها‏:‏ سام أبو العرب وفارس الروم ويافث أبو الترك الصقالبة ويأجوج ومأجوج وحام أبو القبط والسودان والبربر‏.‏ ومثله عن ابن المسيب ووهب بن منبه‏.‏ وهذه الأحاديث وإن صحت فإنما الأنساب فيها مجملة ولا بد من نقل ما ذكره المحققون في تفريغ أنساب الأمم من هؤلاء الثلاثة واحداً واحداً‏.‏ وكذلك نقل الطبري أنه كان لنوح ولد اسمه كنعان وهو الذي هلك في الطوفان‏.‏ قال‏:‏ وتسميه العرب يام وآخر مات قبل الطوفان اسمه عابر‏.‏ وقال هشام‏:‏ كان له ولد اسمه بوناطر والعقب إنما هو من الثلاثة على ما أجمع عليه الناس وصحت به الأخبار‏.‏ فأما سام فمن ولده العرب على اختلافهم وإبراهيم وبنوه صلوات الله عليهم باتفاق النسابين‏.‏ والخلاف بينهم إنما هو في تفاريع ذلك أو في نسب غير العرب إلى سام‏.‏ فالذي نقله ابن إسحق‏:‏ أن سام بن نوح كان له من الولد خمسة وهم أرفخشذ ولاوذ وإرم وأشوذ وغليم‏.‏ وكذا وقع ذكر هذه الخمسة في التوراة وأن بني أشوذ هم أهل الموصل وبني غليم أهل خوزستان ومنها الأهواز‏.‏ ولم يذكر في التوراة ولد لاوذ‏.‏ وقال ابن إسحق‏:‏ وكان للاوذ أربعة من الولد‏:‏ وهم طسم وعمليق وجرجان وفارس‏.‏ قال‏:‏ ومن العماليق أمة جاسم‏.‏ فمنهم بنو لف وبنو هزان وبنو مطر وبنو الأزرق‏.‏ ومنهم بديل وراحل وظفار‏.‏ ومنهم الكنعانيون وبرابرة الشام وفراعنة مصر‏.‏ وعن غير ابن إسحق أن عبد بن ضخم وأميم من ولد لاوذ‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ وكان طسم والعماليق وأميم وجاسم يتكلمون بالعربية وفارس يجاورونهم إلى المشرق ويتكلمون بالفارسية‏.‏ قال وولد إرم‏:‏ عوص وكاثر وعبيل ومن ولد عوص عاد ومنزلهم بالرمال والأحقاف إلى حضرموت‏.‏ ومن ولد كاثر ثمود وجديس ومنزل ثمود بالحجر بين الشام والحجاز‏.‏ وقال هشام بن الكلبي‏:‏ عبيل بن عوس أخو عاد‏.‏ وقال ابن حزم عن قدماء النسابين‏:‏ إن لاوذ هو ابن إرم بن سام أخو عوص وكاثر‏.‏ قال فعلى هذا يكون جديس ثمود أخوين وطسم وعملاق أخوين أبناء عم لحام وكلهم بنو عم عاد‏.‏ قال ويذكرون عبد بن ضخم بن إرم وأن أميم بن لاوذ بن إرم‏.‏ قال الطبري‏:‏ وفهم الله لسان العربية عادا وثمود وعبيل وطسم وجديس وأميم وعمليق وهم العرب العاربة‏.‏ وربما يقال‏:‏ إن من العرب العاربة يقطن أيضاً ويسمون أيضاً العرب البائدة ولم يبق على وجه الأرض منهم أحد‏.‏ قال وكان يقال عاد إرم فلما هلكوا قيل ثمود إرم ثم هلكوا فقيل لسائر ولد إرم أرمان وهم النبط وقال هشام بن محمد الكلبي‏:‏ إن النبط بنو نبيط بن ماش بن إرم والسريان بنو سريان بن نبط‏.‏ وذكر أيضاً أن فارس من ولد أشوذ بن سام وقال فيه فارس بن طبراش


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:36

بن أشوذ وقيل أنهم من أميم بن لاوذ وقيل ابن غليم‏.‏ وفي التوراة‏:‏ ذكر ملك الأهواز واسمه كرد لا عمرو من بني غليم والأهواز متصلة ببلاد فارس‏.‏ فلعل هذا القائل ظن أن أهل أهواز هم فارس والصحيح أنهم من ولد يافث كما يذكر‏.‏ وقال أيضاً إن البربر من ولد عمليق بن لاوذ وأنهم بنو تميلة من مأرب بن قاران بن عمر بن عمليق والصحيح أنهم من كنعان بن حام كما يذكر‏.‏ وذكر في التوراة ولد إرم أربعة‏:‏ عوص وكاثر وماش ويقال مشح والرابع حول‏.‏ ولم يقع عند بني إسرائيل في تفسير هذا شيء إلا أن الجرامقة من ولد كاثر‏.‏ وقد قيل أن الكرف والديلم من العرب وهو قول مرغوب عنه‏.‏ وقال ابن سعيد كان لأشوذ أربعة من الولد‏:‏ إيران ونبيط وجرموق وباسل‏.‏ فمن إيران الفرس والكرد والخزر ومن نبيط النبط والسريان ومن جرموق الجرامقة وأهل الموصل ومن باسل الديلم وأهل الجبل‏.‏ قال الطبري‏:‏ ومن ولد أرفخشذ العبرانيون وبنو عابر بن شالخ بن أرفخشذ وهكذا نسبه في التوراة‏.‏ وفي غيره أن شالخ بن قينن بن أرفخشذ وإنما لم يذكر قينن في التوراة لأنه كان ساحرا وادعى الألوهية‏.‏ وعند بعضهم أن النمروذ من ولد أرفخشذ وهو ضعيف‏.‏ وفي التوراة أن عابر ولد اثنين من الولد هما فالغ ويقطن وعند المحققين من النسابة أن يقطن هو قحطان عربته العرب هكذا‏.‏ ومن فالغ إبراهيم عليه السلام وشعوبه ويأتي ذكرهم‏.‏ ومن يقطن شعوب كثيرة‏.‏ ففي التوراة ذكر ثلاثة من الولد له وهم‏:‏ المرذاذ ومعربه ومضاض وهم جرهم وإرم وهم حضور وسالف وهم أهل السلفات وسبا وهم أهل اليمن من حمير والتبابعة وكهلان وهدرماوت وهم حضرموت‏.‏ هؤلاء خمسة وثمانية أخرى ننقل أسماءهم وهي عبرانية ولم نقف على تفسير شيء منها ولا يعلم من أي البطون هم وهم‏:‏ بباراح وأوزال ودفلا وعوثال وأفيمايل وأيوفير وحويلا ويوفاف وعند النسابين أن جرهم من ولد يقطن فلا أدري من أيهم‏.‏ وقال هشام ابن الكلبي إن الهند والسند من نوفير بن يقطن والله أعلم‏.‏ وأما يافث فمن ولده الترك والصين والصقالبة ويأجوج ومأجوج باتفاق من النسابين‏.‏ وفي آخرين خلاف كما يذكر‏.‏ وكان له من الولد على ما وقع في التوراة سبعة‏:‏ وهم كومر وياوان وماذاي وماغوغ وقطوبال وماشخ وطيراش وعدهم ابن إسحق هكذا وحذف ماذاي ولم يذكر كومر وتوغرما وأشبان وريغاث هكذا في نص التوراة‏.‏ ووقع في الإسرائيليات أن توغرما هم الخزر وأن أشبان هم الصقالبة وأن ريغاث هم الإفرنج ويقال لهم برنسوس والخزر هم التركمان وشعوب الترك كلهم من بني كومز ولم يذكروا من أي الثلاثة هم‏.‏ والظاهر أنهم من توغرما‏.‏ ونسبهم ابن سعيد إلى الترك بن عامور بن سويل بن يافث‏.‏ والظاهر أنه غلط وأن عامور هو كومر صحف عليه‏.‏ وهم أجناس كثيرة منهم الطغرغر وهم التتر والخطا وكانوا بأرض طغماج والخزلقية والغز الذين كان منهم السلجوقية والهياطلة الذين كان منهم الخلج ويقال للهياطلة الصغد أيضاً‏.‏ ومن أجناس الترك الغور والخزر والقفجاق ويقال الخفشاخ ومنهم يمك والعلان ويقال الأزو منهم الشركس وأزكش ومن ماغوغ عند الإسرائيليين يأجوج ومأجوج‏.‏ وقال ابن إسحاق‏:‏ إنهم من كومر ومن مازاي الديلم ويسمون في اللسان العبراني ماهان‏.‏ ومنهم أيضاً همذان وجعلهم بعض الإسرائيليين من بني همذان بن يافث وعد همذان ثامنا للسبعة المذكورين من ولده‏.‏ وأما ياوان واسمه يونان فعند الإسرائيليين إنه كان له من الولد أربعة وهم داود بن واليشا وكيتم وترشيش وأن كيتم من هؤلاء الأربعة هو أبو الروم والباقي يونان وأن ترشيش أهل طرسوس‏.‏ وأما قطوبال فهم أهل الصين من المشرق والليمان من المغرب‏.‏ ويقال إن أهل إفريقية قبل البربر منهم وأن الإفرنج أيضاً منهم‏.‏ ويقال أيضاً إن أهل الأندلس قديما منهم وأما ماشخ فكان ولده عند الإسرائيليين بخراسان وقد انقرضوا لهذا العهد فيما يظهر وعند بعض النسابين أن الأشبان منهم‏.‏ وأما طيراش فهم الفرس عند الإسرائيليين وربما قال غيرهم إنهم من كومر وإن الخزر والترك من طيراش وإن الصقالبة وبرجان والأشبان من ياوان وإن يأجوج من كومر وهي كلها مزاعم بعيدة عن الصواب‏.‏ وقال أهروشيوش مؤرخ الروم إن القوط واللطين من ماغوغ‏.‏ وهذا آخر الكلام في أنساب يافث‏.‏ وأما حام فمن ولده السودان والهند والسند والقبط وكنعان باتفاق‏.‏ وفي آخرين خلاف نذكره وكان له على ما وقع في التوراة أربعة من الولد وهم‏:‏ مصر ويقول بعضهم مصرايم وكنعان وكوش وقوط‏.‏ فمن ولد مصر عند الإسرائيليين فتروسيم وكسلوحيم‏.‏ ووقع في التوراة فلشنين منهما معا ولم يتعين من أحدهما وبنو فلشنين الذين كان منهم جالوت‏.‏ ومن ولد مصر عندهم كفتورع ويقولون هم أهل دمياط‏.‏ ووقع‏:‏ الأنقلوس ابن أخت قيطش الذي خرب القدس في الجولة الكبرى على اليهود‏.‏ قال أن كفتورع هو قبطقاي‏.‏ ويظهر من هذه الصيغة أنهم القبط لما بين الاسمين من الشبه‏.‏ ومن ولد مصر عناميم وكان لهم نواحي إسكندرية وهم أيضاً بفتوحيم ولوديم ولهابيم‏.‏ ولم يقع إلينا تفسير هذه الأسماء‏.‏ وأما كنعان بن حام فذكر من ولده في التوراة أحد عشر منهم صيدون ولهم ناحية صيدا وإيموري وكرساش وكانوا بالشام وانتقلوا عندما غلبهم عليه يوشع إلى إفريقية فأقاموا بها‏.‏ ومن كنعان أيضاً بيوسا وكانوا ببيت المقدس وهربوا أمام داود عليه السلام حين غلبهم عليه إلى إفريقية والمغرب وأقاموا بها‏.‏ والظاهر أن البربر من هؤلاء المنتقلين أولاً واخراً‏.‏ إلا أن المحققين من نسابتهم على أنهم من ولد مازيغ بن كنعان فلعل مازيغ ينتسب إلى هؤلاء‏.‏ ومن كنعان أيضاً حيث الذين كان ملكهم عوج بن عناق‏.‏ ومنهم عرفان وأروادي وخوي ولهم نابلس وسبا ولهم طرابلس وضمارى ولهم حمص وحما ولهم أنطاكية‏.‏ وكانت تسمى حما باسمهم‏.‏ وأما كوش بن حام فذكر له في التوراة خمسة من الولد وهم سفنا وسبا وجويلا ورعما وسفخا ومن ولد رعما شاو وهيم السند ودادان وهم الهند‏.‏ وفيها أن النمروذ من ولد كوش ولم يعينه‏.‏ وفي تفاسيرها أن جويلا زويلة وهم أهل برقة‏.‏ وأما أهل اليمن فمن ولد سبا وأما قوط فعند أكثر الإسرائيليين أن القبط منهم‏.‏ ونقل الطبري عن ابن إسحق أن الهند والسند والحبشة من بني السودان من ولد كوش‏.‏ وأن النوبة وفزان وزغاوة والزنج منهم من كنعان‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ أجناس السودان كلهم من ولد حام ونسب ثلاثة منهم إلى ثلاثة سماهم من ولده غير هؤلاء‏:‏ الحبشة إلى حبش والنوبة إلى نوابة أو نوى والزنج إلى زنج ولم يسم أحدا من آباء الأجناس الباقية وهؤلاء الثلاثة الذين ذكروا لم يعرفوا من ولد حام فلعلهم وقال هشام بن محمد الكلبي‏:‏ إن النمروذ هو ابن كوش بن كنعان‏.‏ أهروشيوش مؤرخ الروم‏:‏ إن سبا وأهل إفريقية يعني البربر من جويلا بن كوش ويسمى يضول‏.‏ وهذا والله أعلم غلط لأنه مر أن يضول في التوراة من ولد يافث ولذلك ذكر أن حبشة المغرب من دادان بن رعما من ولد مصر بن حسام بنو قبط بن لاب بن مصر‏.‏ انتهى الكلام في بني حام‏.‏ وهذا آخر الكلام في أنساب أمم العالم على الجملة والخلاف الذي في تفاصيلها يذكر في أماكنه والله ولي العون والتوفيق‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:37

المقدمة الثانية في كيفية وضع الأنساب في كتابنا لأهل الدول وغيرهم
أعلم أن الأنساب تتشعب دائما وذلك أن الرجل قد يكون له من الولد ثلاثة أو أربعة أو أكثر ويكون لكل واحد منهم كذلك وكل واحد منهم فرع ناشىء عن أصل أو فرع أو عن فرع فرع فصارت بمثابة الأغصان للشجرة وتكون قائمة على ساق واحدة هي أصلها والفروع عن جانبها ولكل واحد من الفروع فروع أخرى إلى أن تنتهي إلى الغاية‏.‏ فلذلك اخترنا بعد الكلام على الأنساب لأمة وشعوبها أن نضع ذلك على شكل شجرة نجعل أصلها وعمود نسبها باسم الأعظم من أولئك الشعوب ومن له التقدم عليهم فيجعل عمود نسبه أصلا لها وتفرع الشعوب الأخرى عن جانبه من كل جهة كأنها فروع لتلك الشجرة حتى تتصل تلك الأنساب عمودا وفروعا بأصلها الجامع لها ظاهرة للعيان في صفحة واحدة فترسم في الخيال دفعة ويكون ذلك أعون على تصور الأنساب وتشعبها فإن الصور الحسية أقرب إلى الارتسام في الخيال من المعاني المتعلقة‏.‏ ثم لما كانت هذه الأمم كلها لها دول وسلطان اعتمدنا بالقصد الأول ذكر الملوك منهم في تلك الشجرات متصلة أنسابهم إلى الجد الذي يجمعهم بعد أن نرسم على كل واحد منهم رتبته في تعاقبهم واحدا بعد واحد بحروف أ ب ج د ه‏.‏ فالألف للأول والباء للثاني والجيم للثالث والدال للرابع والهاء للخامس وهلم جرا‏.‏ ونهاية الأجداد لأهل تلك لدولة في الآخر منهم ويكون للأول غصون وفروع في كل جهة عنه فإذا نظرت في الشجرة علمت أنساب الملوك في كل دولة وترتبهم بتلك الحروف واحدا بعد واحد والله أعلم بالصواب‏.‏ القول في أجيال العرب وأوليتها واختلاف طبقاتهم وتعاقبها وأنساب كل طبقة منها أعلم أن العرب منهم أمة الراحلة الناجعة أهل الخيام لسكناهم والخيل لركوبهم والأنعام لكسبهم يقومون عليها ويقتاتون من ألبانها ويتخذون الدفء والأثاث من أوبارها وأشعارها ويحملون أثقالهم على ظهورها‏.‏ يتنازلون حللا متفرقة ويبتغون الرزق في غالب أحوالهم من القنص ويختطف الناس من السبل ويتقلبون دائما في المجالات فرارا من حمارة القيض تارة وصبارة البرد أخرى وانتجاعا لمراعي غنمهم وارتيادا لمصالح إبلهم الكفيلة بمعاشهم وحمل أثقالهم ودفئهم ومنافعهم فاختصوا لذلك بسكنى الإقليم الثالث ما بين البحر المحيط من المغرب إلى أقصى اليمن وحدود الهند من المشرق فعمروا اليمن والحجاز ونجدا وتهامة وما وراء ذلك مما دخلوا إليه في المائة الخامسة كما ذكروه من مصر وصحاري برقة وتلولها وقسنطينة وأفرييقية وزاغا والمغرب الأقصى والسوس لاختصاص هذه البلاد بالرمال والقفار المحيطة بالأرياف والتلول والأرياف الآهلة بمن سواهم من الأمم في فصل الربيع وزخرف الأرض لرعي الكلأ والعشب في منابتها والتنقل في نواحيها إلى فصل الصيف لمدة الأقوات في سنتهم من حبوبها‏.‏ وربما يلحق أهل العمران أثناء ذلك معرات من أضرارهم بإفساد السابلة ورعي الزرع مخضرا وانتهابه قائما وحصيدا إلا ما حاطته الدولة وذادت عنه الحامية في الممالك التي للسلطان عليهم فيها‏.‏ ثم ينحدرون في فصل الخريف إلى القفار لرعي شجرها ونتاج إبلهم في رمالها وما أحاط به عملهم من مصالحها وفرارا بأنفسهم وظعائنهم من أذى البرد إلى دفاء مشاتيها فلا يزالون في كل عام مترددين بين الريف والصحراء ما بين الإقليم الثالث والرابع صاعدين ومنحدرين على ممر الأيام شعارهم لبس المخيط في الغالب ولبس العمائم تيجانا على رؤوسهم يرسلون من أطرافها عذبات يتلثم قوم منهم بفضلها وهم عرب المشرق وقوم يلفون منها الليت والأخدع قبل لبسها ثم يتلثمون بما تحت أذقانهم من فضلها وهم عرب المغرب حاكوا بها عمائم زناتة من أمم أذقانهم من فضلها وهم عرب المغرب حاكوا بها عمائم زناتة من أمم البربر‏.‏ وكذلك لقنوا منهم‏.‏ في حمل السلاح اعتقال الرماح الخطية وهجروا تنكب القسي‏.‏ وكان المعروف لأولهم ومن بالمشرق لهذا العهد منهم استعمال الأمرين‏.‏ ثم إن العرب لم يزالوا موسومين بين الأمم بالبيان في الكلام والفصاحة في المنطق والذلاقة في اللسان ولذلك سموا بهذا الاسم فإنه مشتق من الإبانة لقولهم‏:‏ أعرب الرجل عما في ضميره إذا أبان عنه‏.‏ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم الثيب تعرب عن نفسها‏.‏ والبيان سمتهم بين الأمم منذ كانوا‏.‏ وانظروا قصة كسرى لما طلب من خليفته على العرب النعمان بن المنذر أن يوفد عليه من كبرائهم وخطبائهم من رضي لذلك فاختار منهم وفدا أوفده


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:37

عليه وكان من خبره واستغراب ما جاؤوا به من البيان ما هو معروف‏.‏ فهذه كلها شعائرهم وسماتهم وأغلبها عليهم اتخاذ الإبل والقيام على نتاجها وطلب الانتجاع بها لارتياد مراعيها ومفاحص توليدها بما كان معاشهم منها‏.‏ فالعرب أهل هذه الشعار من أجيال الآدميين‏.‏ كما أن الشاوية أهل القيام على الشاة والبقر لما كان معاشهم فيها فلهذا لا يختصون بنسب واحد بعينه إلا بالعرض‏.‏ ولذلك كان النسب في بعضهم مجهولا عند الأكثر وفي بعضهم خفيا على الجمهور‏.‏ وربما تكون هذه السمات والشعائر في أهل نسب آخر فيدعون باسم العرب إلا أنهم في الغالب يكونون أقرب إلى الأولين من غيرهم‏.‏ وهذا الانتقال لا يكون إلا في أزمنة متطاولة وأحقاب متداولة‏.‏ ولذلك يعرض في الأنساب ما يعرض من الجهل والخفاء‏.‏ واعلم أن جيل العرب بعد الطوفان وعصر نوح عليه السلام كان في عاد الأولى وثمود والعمالقة وطسم وجديس وأميم وجرهم وحضرموت ومن ينتمي إليهم من العرب العاربة من أبناء سام بن نوح‏.‏ لما انقرضت تلك العصور وذهب أولئك الأمم وأبادهم الله بما شاء من قدرته وصار هذا الجيل في آخرين ممن قرب من نسبهم من حمير وكهلان وأعقابهم من التبابعة ومن إليهم من العرب المستعربة من أبناء عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام‏.‏ ثم لما تطاولت تلك العصور وتعاقبت وكان بنو فالغ بن عابر أعالم من بين ولده واختص الله بالنبؤة منهم إبراهيم بن تارخ وهو آزر بن ناحور بن ساروخ بن أرغو بن فالغ وكان من شأنه مع نمروذ ما قصه القرآن‏.‏ ثم كان من هجرته إلى الحجاز ما هو مذكور‏.‏ وتخلف ابنه إسماعيل مع أمه هاجر بالحجر قربانا لله ومرت بها رفقة من جرهم في تلك المفازة فخالطوها ونشأ إسماعيل بينهم وربي في أحيائهم وتعلم لغتهم العربية بعد أن كان أبوه أعجميا‏.‏ ثم كان بناء البيت كما قصه القرآن‏.‏ ثم بعثه الله إلى جرهم والعمالقة الذين كانوا بالحجاز فآمن كثير منهم واتبعوه ثم عظم نسله وكثر وصار بالجيل آخر من ربيعة ومضر ومن إليهم من إياد وعك وشعوب نزار وعدنان وسائر ولد إسماعيل وهم العرب التابعة للعرب‏.‏ ثم انقرض أولئك الشعوب في أحقاب طويل وانقرض ما كان لهم من الدولة في الإسلام‏.‏ وخالطوا العجم بما كان لهم من التغلب عليهم ففسدت لغة أعقابهم في آماد متطاولة وبقي خلفهم أحياء بادين في القفار والرمال والخلاء من الأرض تارة والعمران تارة‏.‏ وقبائل بالمشرق والمغرب والحجاز واليمن وبلاد الصعيد والنوبة والحبشة وبلاد الشام والعراق والبحرين وبلاد فارس والسند وكرمان وخراسان أمم لا يأخذها الحصر والضبط قد كاثروا أمم الأرض لهذا العهد شرقا وغربا واعتزوا عليهم فهم اليوم أكثر أهل العالم وأملك لأمرهم من جميع الأمم‏.‏ ولما كانت لغتهم مستعجمة على اللسان المضري الذي نزل به القرآن وهو لسان سلفهم سميناهم لذلك العرب المستعجمة‏.‏ فهذه أجيال العرب منذ مبدأ الخليقة ولهذا العهد في أربع طبقات متعاقبة كان طبقة منها عصور وأجيال ودول وأحياء وقع العناية بها دون من سواهم من الأمم لكثرة أجيالهم واتساع النطاق من ملكهم‏.‏ فلنذكر لكل طبقة أحوال جيلها وبعض أيامهم ودولهم ومن كان على عهدهم من ملوك الأمم ودولهم ليتبين لك بذلك مراتب الأجيال في الخليقة كيف تعاقبت والله سبحانه وتعالى ولي العون‏.‏ برنامج بما تضمنه الكتاب من الدول في هذه الطبقات الأربع علي ترتيبها والدول المعاصرين من العجم في كل خليقة منها‏.‏ فبدأ أولا بذكر الطبقة الأولى وهم العرب العاربة ونذكر أنسابهم ومواطنهم وما كان لهم من الملك والدولة‏.‏ ثم الطبقة الثانية وهم العرب المستعربة من بني حمير بن سبا ونذكر أنسابهم وما كان لهم من الملك باليمن في التبابعة وأعقابهم‏.‏ ثم نرجع إلى ذكر معاصرهم من العجم وهم ملوك بابل من السريانيين ثم ملوك الموصل ونينوى من جرامقة ثم القبط وملوكهم بمصر ثم بني إسرائيل ودولهم ببيت المقدس قبل تخريب بختنصر وبعده وبالصابئة ثم الفرس ودولهم الأولى والثانية ثم يونان ودولهم الإسكندر وقومه ثم الروم ودولهم في القياصرة وغيرهم‏.‏ ثم نرجع إلى ذكر الطبقة الثالثة وهم عرب التابعة للعرب من قضاعة وقحطان وعدنان وشعبيها العظيمين ربيعة ومضر‏.‏ فنبدأ بقضاعة وأنسابهم وما كان لهم من الملك البدوي في آل النعمان بالحيرة والعراق ومن زاحمهم فيها من ملوك كندة بني حجر آكل المرار ثم ما كان لهم أيضاً من الملك البدوي بالشام في بني جفنة بالبلقاء والأوس والخزرج بالمدينة النبوية‏.‏ ثم عدنان وأنسابهم وما كان لهم من الملك بمكة في قريش ثم ما شرفهم الله به وجيل الآدميين أجمع من النبوة وذكر الهجرة والسير النبوية ثم نذكر ما أكرمهم الله به من الخلافة والملك فنترجم للخلفاء الأربعة وما كان على عصرهم من الردة والفتوحات والفتن‏.‏ ثم نذكر خلفاء الإسلام من بني أمية وما كان لعهدهم من أمر الخوارج‏.‏ ثم نذكر خلفاء الشيعة وما كان لهم من الدول في الإسلام‏.‏ والأولى الدولة العظيمة لبني العباس التي انتشرت في أكثر ممالك الإسلام ثم دولة العلوية المزاحمين لها بعد صدر منها هي دولة الأدارسة بالمغرب الأقصى ثم دولة العبيدية من الإسماعيلية بالقيروان ومصر ثم القرامطة بالبحرين ثم دعاة طبرستان والديلم ثم ما كان من هؤلاء العلوية بالحجاز‏.‏ ثم نذكر بني أمية المنازعين لبني العباس بالأندلس وما كان لهم من الدولة هنالك والطوائف من بعدهم‏.‏ ثم نرجع إلى ذكر المستبدين بالدعوة العباسية بالمغرب والنواحي وهم بنو الأغلب بإفريقية وبنو حمدان بالشام وبنو المقلد بالموصل وبنو صالح بن كلاب بحلب وبنو مروان بديار بكر وبنو أسد بالحلة وبنو زياد باليمن وبنو هود بالأندلس‏.‏ ثم نرجع إلى القائمين بالدعوة العبيدية بالنواحي وهم الصلحيون باليمن وبنو أبي الحسن الكلبي بصقلية وصنهاجة بالمغرب‏.‏ ثم نرجع إلى المستبدين بالدعوة العباسية من العجم في النواحي وهم بنو طولون بمصر ومن بعدهم بنو طغج وبنو الصفار بفارس وسجستان وبنو سامان فيما وراء النهر وبنو سبكتكين في غزنة وخراسان وغوربة في غزنة والهند وبنو حسنويه من الكرد في خراسان‏.‏ ثم نرجع إلى ذكر المستبدين على الخلفاء ببغداد من العجم وهم أهل الدولتين العظيمتين القائمتين بملك الإسلام من بعد العرب وهم بنو بويه من الديلم والسلجوقية من الترك‏.‏ ثم نرجع إلى ملوك السلجوقية المستبدين بالنواحي وهم بنو طغتكين بالشام وبنو قطلمش ببلاد الروم وبنو خوارزم شاه ببلاد العجم وما وراء النهر وبنو سقمان بخلاط وأرمينية وبنو أرتق بمادرين وبنو زنكي بالشام وبنو أيوب بمصر والشام‏.‏ ثم الترك الذين ورثوا ملكهم هنالك وبنو رسول باليمن‏.‏ ثم نرجع إلى ذكر التتر من الترك القائمين على دولة الإسلام والمصلين للخلافة العباسية ثم ما كان من دخولهم في دين الإسلام وقيامهم بالملك بالنواحي وهم بنو هولاكو بالعراق وبنو ذو شيخان بالشمال وبنو أرتنا ببلاد الروم ومن بعد بني هولاكو بنو الشيخ حسن ببغداد وتوريزو بنو المظفر بأصبهان وشيراز وكرمان وبعد بني أرتنا ملوك بني عثمان من التركمان ببلاد الروم وما وراءها‏.‏ ثم نرجع إلى الطبقة الرابعة من المغرب وهم المستعجمة ومن له ملك بدوي منهم بالمغرب والمشرق‏.‏ ثم نخرج بعد ذكر ذلك إلى ذكر البربر ودولهم بالمغرب والمشرق‏.‏ ثم نخرج بعد ذلك إلى ذكر البربر ودولهم بالمغرب لأنهم كانوا من شرط كتابنا‏.‏ وهنالك نذكر برنامج دولهم والله سبحانه أعلم‏.‏ الطبقة الأولى من العرب وهم العرب العاربة وذكر نسبهم والإلمام بملكهم ودولهم علي الجملة هذه الأمة أقدم الأمم من بعد قوم نوح وأعظمم قدرة وأشدهم قوة وآثارا في الأرض وأول أجيال العرب من الخليقة فيما سمعناه‏.‏ لأن أخبار القرون الماضية من قبلهم يمتنع إطلاعنا عليها لتطاول الأحقاب ودروسها إلا ما يقصه علينا الكتاب ويؤثر عن الأنبياء بوحي الله إليهم وما سوى ذلك من الأخبار الأزلية فمنقطع الإسناد‏.‏ ولذلك كان المعتمد عند الإثبات في أخبارهم ما تنطق به آية القرآن في قصص الأنبياء الأقدمين أو ما ينقله زعماء المفسرين في تفسيرها من أخبارهم وذكر دولهم وحروبهم ينقلون ذلك عن السلف من التابعين الذين أخذوا عن الصحابة أو سمعوه ممن هاجر إلى الإسلام من أحبار اليهود وعلمائهم أهل التوراة أقدم الصحف المنزلة فيما علمنا وما سوى ذلك من


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:38

حطام المفسرين وأساطير القصص وكتب بدء الخليقة فلا نعول على شيء منه‏.‏ وإن وجد لمشاهير العلماء تأليف مثل كتاب الياقوتية للطبري والبدء بكسائي فإنما نحوا فيها منحى القصاص وجروا على أساليبهم ولم يلتزموا فيها الصحة ولا ضمنوا لنا الوثوق بها فلا ينبغي التعويل عليها وتترك وشأنها‏.‏ وأخبار هذا الجيل من العرب وإن لم يقع لها ذكر في التوراة إلا أن بني إسرائيل من بين أهل الكتاب أقرب إليهم عصرا وأوعى لأخبارهم فلذلك يعتمد نقل المهاجرة منهم لأخبار هذا الجيل‏.‏ ثم إن هذه الأمم على ما نقل كان لهم ملوك ودول‏.‏ فملوك جزيرة العرب وهي الأرض التي أحاط بها بحر الهند من جنوبها وخليج الحبشة من غربها وخليج فارس من شرقها وفيها اليمن والحجاز والشحر وحضرموت‏.‏ وامتد ملكهم فيها إلى الشام ومصر في شعوب منهم على ما يذكر ويقال‏:‏ إنهم انتقلوا إلى جزيرة العرب من بابل لما زاحمهم فيها بنو حام فسكنوا جزيرة العرب بادية مخيمين ثم كان لكل فرقة منهم ملوك وآطام وقصور حسبما نذكره إلى أن غلب عليهم بنو يعرب بن قحطان‏.‏ وهؤلاء العرب العاربة شعوب كثيرة وهم عاد وثمود وطسم وسمي أهل هذا الجيل العرب العاربة إما بمعنى الرساخة في العروبية كما يقال‏:‏ ليل أليل وصوم صائم أو بمعنى الفاعلة للعروبية والمبتدعة لها بما كانت أول أجيالها‏.‏ وقد تسمى البائدة أيضاً بمعنى الهالكة لأنه لم يبق على وجه الأرض أحد من نسلهم‏.‏ فأما عاد وهم بنو عاد بن عوص بن إرم بن سام فكانت مواطنهم الأولى بأحقاف الرمل بين اليمن وعمان إلى حضرموت والشحر‏.‏ وكان أبوهم عاد فيما يقال أول من ملك من العرب وطال عمره وكثر ولده‏.‏ وفي التواريخ أنه ولد له أربعة آلاف ولد ذكر لصلبه وتزوج ألف إمرأة وعاش ألف سنة ومئتي سنة‏.‏ وقال البيهقي أنه عاش ثلثمائة سنة وملك بعده بنوه الثلاثة شديد وبعده شداد وبعده إرم‏.‏ وذكر المسعودي‏:‏ أن الذي ملك من بعد عاد وشداد منهم هو الذي سار في الممالك واستولى على كثير من بلاد الشام والهند والعراق‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ إن شداد هو الذي بنى مدينة إرم في صحارى عدن وشيدها بصخور الذهب وأساطين الياقوت والزبرجد يحاكي بها الجنة لما سمع وصفها طغيانا منه وعتوا ويقال‏:‏ إن باني إرم هذه هو إرم بن عاد‏.‏ وذكر ابن سعيد عن البيهقي أن باني إرم هو إرم بن شداد بن عاد الأكبر‏.‏ والصحيح أنه ليس هناك مدينة اسمها إرم وإنما هذا من خرافات القصاص‏.‏ وإنما ينقله ضعفاء المفسرين‏.‏ وإرم المذكورة في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إرم ذات العماد ‏"‏ القبيلة لا البلد‏.‏ وذكر المسعودي‏:‏ أن ملك عوص كان ثلثمائة وأن الذي ملك من بعده ابنه عاد بن عوص وأن جيرون بن سعد بن عاد كان من ملوكهم وأنه الذي اختط مدينة دمشق ومصرها وجمع عمد الرخام والمرمر إليها وسماها إرم‏.‏ ومن أبواب مدينة دمشق إلى هذا العهد باب جيرون وذكره الشعراء في معاهدها‏.‏ قال الشاعر‏:‏ النخل فالقصر فالحماء بينهما أشهى إلى القلب من أبواب جيرون وهذا البيت في الصوت الأول من كتاب الأغاني‏.‏ وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق‏:‏ جيرون ويزيد أخوان هما ابنا سعد بن لقمان بن عاد وبهما عرف جيرون ونهر يزيد‏.‏ والصحيح أن باب جيرون إنما سمي باسم مولى من موالي سليمان عليه السلام في دولة بني إسرائيل جيرون كان ظاهرا في دولتهم‏.‏ وذكر ابن سعيد في أخبار القبط أن شداد بن بداد بن هداد بن شداد بن عاد حارب بعضا من القبط وغلب على أسافل مصر ونزل الإسكندرية وبنى فيها حينئذ مدينة مذكورة في التوراة يقال لها أون ثم هلك في حروبهم وجمع القبط إخوتهم من البربر والسودان وأخرجوا العرب من ملك مصر‏.‏ ثم لما اتصل ملك عاد وعظم طغيانهم وعتوهم انتحلوا عبادة الأصنام والأوثان من الحجارة والخشب ويقال‏:‏ إن ذلك لانتحالهم دين الصابئة فبعث الله إليهم أخاهم هودا‏.‏ وهو فيما ذكر المسعودي والطبري هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد‏.‏ وفي كتاب البدء لابن حبيب‏:‏ رباح بن حرب بن عاد وبعضهم يقول هود بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:38

فوعظهم وكان ملوكهم لعهده الخلجان ولقمان بن عاد بن عاديا بن صدا بن عاد فآمن به لقمان وقومه وكفر الخلجان وامتنع هود بعشيرته من عاد‏.‏ وحبس الله عنهم المطر ثلاث سنين وبعثوا الوفود من قومهم إلى مكة يستسقون لهم وكان في الوفد على ما قاله الطبري نعيم بن هزال بن هزيل بن عبيل بن صدا بن عاد‏.‏ وقيل ابن عنز منهم وحلقمة بن الخسري ومرثد بن سعد بن عنز‏.‏ وكان ممن آمن بهود واتبعه وكان بمكة من عاد هؤلاء معاوية بن بكر وقومه وكانت هزيلة أخت معاوية عند نعيم بن خزال ولدت له عبيدا وعمرا وعامرا فلما وصل الوفد إلى مكة مروا بمعاوية بن بكر وابنه بكر ونزل الوفد عليه‏.‏ ثم تبعهم لقمان بن عاد وأقاموا عند معاوية وقومه شهرا لما بينهم عن الخولة ومكثوا يشربون وتغنيهم الجرادتان قينتان لمعاوية بن بكر وابنه بكر‏.‏ ثم غنتاهم شعرا تذكرهم بأمرهم فانبعثوا ومضوا إلى الاستسقاء وتخلف عنهم لقمان بن عاد ومرثد بن سعد فدعوا في استسقائهم وتضرعوا وأنشأ الله السحب ونودي بهم أن اختاروا فاختاروا سوداء من السحب وانذروا بعذابها فمضت إلى قومهم وهلكوا كما قصه القرآن‏.‏ وفى خبر الطبري أن الوفد لما رجعوا إلى معاوية بن بكر لقيهم خبر مهلك قومهم هنالك وأن هودا بساحل البحر وأن الخلجان ملكهم قد هلك بالريح فيمن هلك وأن الريح كانت تدخل تحت الرجل فتحمله حتى تقطعوا في الجبال وتقلع الشجر وترفع البيوت حتى هلكوا أجمعون انتهى كلام الطبري‏.‏ ثم ملك لقمان ورهطه من قوم عاد واتصل لهم الملك فيما يقال ألف سنة أو يزيد وانتقل ملكه إلى ولده لقمان‏.‏ وذكر البخاري في تاريخه‏:‏ أن الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا حو هدد بن بدد بن الخلجان بن عاد بن رقيم بن عابر بن عاد الأكبر وأن المدينة بساحل برقة‏.‏ ولم يزل ملكهم متصلا إلى أن غلبهم عليه يعرب بن قحطان واعتصموا بجبال حضرموت إلى أن انقرضوا‏.‏ وقال صاحب زجار أن ملكهم عاد بن رقيم بن عابر بن عاد الأكبر هو الذي حارب يعرب بن قحطان وكان كافر يعبد القمر وأنه كان على عهد نوح‏.‏ وهذا بعيد لأن بعثة هود كانت عند استفحال دولتهم أو عند مبتدئها وغلب يعرب كان عند انقراضها‏.‏ وكذلك هدد الذي ذكر البخاري أنه ملك برقة إنما هو حافد الخلجان الذي اعتصم آخرهم بجبل حضرموت‏.‏ وخبر البخاري مقدم وقال علي بن عبد العزيز الجرجاني‏:‏ وكان من ملوك عاد يعمر بن شداد وعبد أبهبر بن معد يكرب بن شمد بن شداد بن عاد وحناد بن مياد بن شمد بن شداد وملوك فأما عبيل وهم إخوان عاد بن غوص فيما قاله الكلبي وإخوان عوص بن إرم فيما قاله الطبري وكانت ديارهم بالجحفة بين مكة والمدينة وأهلكهم السيل‏.‏ وكان الذي اختط يثرب منهم هكذا قال المسعودي وقال هو يثرب بن بائلة بن مهلهل بن عبيل‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ إن الذي اختط يثرب من العماليق وهو يثرب بن مهلايل بن عوص بن عمليق‏.‏ وأما عبد ضخم بن إرم فقال الطبري‏:‏ كانوا يسكنون الطائف وهلكوا فيمن هلك من ذلك الجيل وقال غيره‏:‏ إنهم أول من كتب بالخط العربي‏.‏ وأما ثمود وهم بنو ثمود بن كاثر بن إرم فكانت ديارهم بالحجر ووادي القرى فيما بين الحجاز والشام‏.‏ وكانوا ينحتون بيوتهم في الجبال‏.‏ ويقال‏:‏ لأن أعمارهم كانت تطول فيأتي البلاء والخراب على بيوتهم فنحتوها لذلك في الصخر وهي لهذا العهد‏.‏ وقد مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ونهى عن دخولها كما في الصحيح‏.‏ وفيه إشارة إلى أنها بيوت ثمود أهل ذلك الجيل ويشهد ذلك ببطلان ما يذهب إليه القصاص‏.‏ ووقع مثله للمسعودي من أن أهل تلك الأجيال كانت أجسامهم مفرطة في الطول والعظم وهذه البيوت المشاهدة المنسوبة إليهم بكلام الصادق صلوات الله عليه يشهد بأنهم في طولهم وعظم حجراتهم مثلنا سواء فلا أقدم من عاد وأهل أجيالهم فيما بلغنا‏.‏ ويقال‏:‏ إن أول ملوكهم كان عابر بن إرم بن ثمود ملك عليهم مائتي سنة‏.‏ ثم كان بعده جندع بن عمرو بن الدبيل بن إرم بن ثمود‏.‏ ويقال‏:‏ ملك نحوا من ثلثمائة سنة‏.‏ وفي أيامة كانت بعثة صالح عليه السلام وهو صالح بن عبيل بن أسف بن شالخ بن عبيل بن كاثر بن ثمود وكانوا أهل كفر وبغي وعبادة أوثان فدعاهم صالح إلى الدين والتوحيد‏.‏ قال الطبري‏:‏ فلما جاءهم بذلك كفروا وطلبوا الآيات فخرج بهم إلى هضبة من الأرض فتمخضت عن الناقة ونهاهم أن يتعرضوا لها بعقر أو هلكة‏.‏ وأخبرهم مع ذلك أنهم عاقروها ولا بد ورأس عليهم قدار بن سالف وكان صالح وصف لهم عاقر الناقة بصفة قدار هذا ولما طال النذير عليهم من صالح سئموه وهموا بقتله وكان ي إلى مسجد خارج ملائهم فكمن له رهط منهم تحت صخرة في طريقه ليقتلوه فانطفقت عليهم وهلكوا وحنقوا ومضوا إلى الناقة ورماها قدار بسهم في ضرعها وقتلها‏.‏ ولجأ فصيلها إلى الجبل فلم يدركوه‏.‏ وأقبل صالح وقد تخوف عليهم العذاب‏.‏ فلما رآه الفصيل أقبل إليه ورغا ثلاث رغاآت فأنذرهم صالح ثلاثا‏.‏ وفي صبح الرابعة صعقوا بصيحة من السماء تقطعت بها قلوبهم فأصبحوا جاثمين وهلك جميعهم حيث كانوا من الأرض إلا رجلا كان في الحرم منعه الله من العذاب‏.‏ قيل من هو يا رسول الله قال‏:‏ أبو رغال‏.‏ ويقال‏:‏ إن صالحا أقام عشرين سنة ينذرهم وتوفي ابن ثمان وخمسين سنة‏.‏ وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في غزوة تبوك بقرى ثمود فنهى عن استعمال مياههم وقال‏:‏ ‏"‏ لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا وأنتم باكون أن يصيبكم ما أصابهم ‏"‏ كلام الطبري‏.‏ وقال الجرجاني‏:‏ كان من ملوكهم دوبان بن يمنع ملك الإسكندرية وموهب بن مرة بن رحيب وكان عظيم الملك‏.‏ وأخوه هوبيل بن مرة كذلك وفيما ذكر المفسرون أنهم أول من نحت الجبال والصخور وأنهم بنوا ألفا وسبعمائة مدينة وفي هذا ما فيه‏.‏ ثم هبوا بما كسبوا ودرجوا في الغابرين وهلكوا‏.‏ ويقال‏:‏ إن من بقاياهم أهل الرس الذين كان نبيهم حنظلة بن صفوان وليس ذلك بصحيح‏.‏ وأهل الرس هم حضور ويأتي ذكرهم في بني فالغ بن عابر وكذلك يزعم بعض النسابة أن ثقيفا من بقايا ثمود هؤلاء وهو مردود‏.‏ وكان الحجاج بن يوسف إذا سمع ذلك يقول‏:‏ كذبوا‏.‏ وقال والله جل من قائل يقول‏:‏ ‏"‏ وثمود فما أبقى ‏"‏ أي أهلكهم فما أبقى أحدا منهم‏.‏ وأهل التوراة لا يعرفون شيئا من أخبار عاد ولا ثمود لأنهم لم يقع لهم ذكر في التوراة ولا لهود ولا لصالح عليهما السلام بل ولا لأحد من العرب العاربة لأن سياق الأخبار في التوراة عن أولئك الأمم إنما هو لمن كان في عمود النسب ما بين موسى وآدم صلوات الله عليهم‏.‏ وليس لأحد من آباء هؤلاء الأجيال ذكر في عمود ذلك النسب فلم يذكروا فيها‏.‏ وأما جديس وطسم فعند ابن الكلبي أن جديسا لإرم بن سام وديارهم اليمامة وهم أخوان لثمود بن كاثر ولذلك ذكرهم بعدهم وأن طسما للاوذ بن سام وديارهم بالبحرين‏.‏ وعند الطبري أنهما معا للاوذ وديارهم باليمامة‏.‏ ولهذين الاثنين خبر مشهور ينبغي سياقه عند ذكرهم‏.‏ قال الطبري عن هشام بن محمد الكلبي بسنده إلى ابن إسحق وغيره من


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:39

علماء العرب‏:‏ إن طسما وجديسا كانوا من ساكني اليمامة وهي إذ ذاك من أخصب البلاد وأعمرها وأكثرها خيرا وثمارا وحدائق وقصورا‏.‏ وكان ملك طسم غشوماً لا ينهاه شيء عن هواه ويقال له‏:‏ عملوق وكان مضراً لجديس مستذلاً لهم حتى كانت البكر من جديس لا تهدى إلى زوجها حتى تدخل عليه فيفترعها‏.‏ وكان السبب في ذلك أن امرأة منهم كان اسمها هزيلة طلقها زوجا وأخذ ولده منها فأمر عملوق ببيعها وأخذ زوجها الخمس من ثمنها فقالت شعرا تتظلم منه فأمر أن لا تزوج منهم امرأة حتى يفترعها‏.‏ فقاموا كذلك حتى تزوجت الشموس وهي عفيرة ابنة غفار ابن جديس أخت الأسود فافتضها عملوق فقال الأسود بن غفار لرؤساء جديس‏:‏ قد ترون ما نحن فيه من الذل والعار الذي ينبغي للكلاب أن تعافه فأطيعوني أدعكم إلى عز الدهر فقالوا‏:‏ وما ذاك قال‏:‏ أصنع للملك وقومه دعوة فإذا جاؤوا يعني طسما نهضنا إليهم بأسيافنا فنقتلهم‏.‏ فأجمعوا على ذلك ودفنوا سيوفهم في الرمل ودعوا عملوقا وقومه‏.‏ فلما حضروا قتلوهم فأفنوهم وقتل الأسود عملوقا وأفلت رباح بن مرة بن طسم فأتى حسان بن تبع مستغيثا فنهض حسان في حمير لإغاثته حتى كان من اليمامة على ثلاث مراحل‏.‏ قال لهم رباح‏:‏ إن لي أختا مزوجة في جديس اسمها اليمامة ليس على وجه الأرض أبصر منها وأنها لتبصر الراكب على ثلاث مراحل وأخاف أن تنظر القوم‏.‏ فأمر كل رجل أن يقلع شجرة فيجعلها في يده ويسير كأنه خلفها ففعلوا وبصرت بهم اليمامة فقالت لجديس‏:‏ لقد سارت إليكم حمير وإني أرى رجلا من وراء شجرة بيده كتف يتعرقها أونعل يخصفها فاستبعدوا ذلك ولم يحفلوا به وصبحهم حسان وجنوده من حمير فأبادهم وخرب حصونهم وبلادهم وهرب الأسود بن غفار إلى جبلي طىء فأقام بهما ودعا تبع باليمامة أخت رباح التي أبصرتهم فقلع عينها‏.‏ ويقال‏:‏ إنه وجد بها عروقا سودا زعمت أن ذلك من اكتحالها بالإثمد وكانت تلك البلد تسمى جو فسميت باليمامة اسم تلك المرأة‏.‏ قال أبو الفرج الأصبهاني‏:‏ وكانت طيء تسكن الجرف من أرض اليمن وهي اليوم محلة مراد وهمدان وسيدهم يومئذ سامة بن لؤي بن الغوث بن طيء وكان الوادي مسبعة وهم قليل عددهم وكان يجتاز بهم بعير في زمن الخريف ويذهب ثم يجيء من قابل ولا يعرفون مقره وكانت الأزد قد خرجت أيام سيل العرم واستوحشت طيء فظعنوا على أثرهم وقالوا لسامة‏:‏ هذا البعير إنما يأتي من الريف والخصب لأن في بعره النوى فلما جاءهم زمن الخريف اتبعوه يسيرون لسيره حتى هبط عن الجبلين وهجموا على النخل في الشعاب وعلى المواشي وإذا هم بالأسود بن غفار في تلك الشعاب فهالهم خلقة وتخوفوه ونزلوا ناحية ونفضوا الطريق فلم يروا أحدا فأمر سامة ابنه الغوث بقتل الأسود فجاء إليه فعجب من صغر خلقه وقال‏:‏ من أين أقبلتم قال‏:‏ من اليمن وأخبره خبر البعير ثم رماه فقتله وأقامت طيء بالجبلين بعده‏.‏ وذكر الطبري عن غير ابن إسحق أن تبع الذي أوقع بجديس هو والد حسان هذا وهو ثبان أسعد أبو كرب بن ملكي كرب ويأتي ذكره في ملوك اليمن إن شاء الله تعالى انتهى كلام الطبري‏.‏ وقال غيره أن حسان بن تبع لما سار بحمير إلى طسم بعث على مقدمته إليهم عبد كلال بن منوب بن حجر بن ذي رعين من أقيال حمير فسلك بهم رباح بن مرة الرمل وكانت الزرقاء أخت رباح ناكحا في طسم وتسمى عنزة واليمامة وكانت تبصر على البعد فأنذرتهم فلم يقبلوا‏.‏ وصبح عبد بن كلال جديسا إلى آخر القصة وبقيت اليمامة بعد طسم يبابا لا يأكل ثمرها إلا عوافي الطير والسباع حتى نزلها بنو حنيفة وكانوا بعثوا رائدهم عبيد بن ثعلبة الحنفي يرتاد لهم في البلاد فلما أكل من ذلك الثمر قال‏:‏ إن هذا لطعام وحجر بعصاه على موضع قصبة اليمامة فسميت حجرا واستوطنها بنو حنيفة وبها صبحهم الإسلام كما يأتي في أخبارهم إن شاء الله تعالى‏.‏ وأما العمالقة فهم بنو عمليق بن لاوذ وبهم يضرب المثل في الطول والجثمان‏.‏ قال الطبري‏:‏ عمليق أبو العمالقة كلهم أمم تفرقت في البلاد فكان أهل المشرق وأهل عمان والبحرين وأهل الحجاز منهم وكانت الفراعنة بمصر منهم وكانت الجبابرة بالشام الذين يقال لهم الكنعانيون منهم وكان الذين بالبحرين وعمان والمدينة يسمون جاسم‏.‏ وكان بالمدينة من تجاسم هؤلاء بنو لف وبنو سعد بن هزالف وبنو مطر وبنو الأزرق‏.‏ وكان بنجد منهم بديل وراحل وغفار وبالحجاز منهم إلى تيما بنو الأرقم ويسكنون مع ذلك نجدا‏.‏ وكان ملكهم يسمى الأرقم قال‏:‏ وكان بالطائف بنو عبد ضخم بن عاد الأول‏.‏ انتهى‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:39

وقال ابن سعيد فيما نقله عن كتب التواريخ التي أطلع عليها في خزانة الكتب بدار الخلافة من بغداد قال‏:‏ كانت مواطن العمالقة تهامة من أرض الحجاز فنزلوها أيام خروجهم من العراق أمام النماردة من بني حام ولم يزالوا كذلك إلى أن جاء إسماعيل صلوات الله عليه وآمن به من آمن منهم‏.‏ وتطرد لهم الملك إلى أن كان منهم السميدع بن لاوذ بن عمليق وفي أيامه خرجت العمالقة من الحرم أخرجتهم جرهم من قبائل قحطان فتفرقوا ونزل بمكان المدينة منهم بنو عبيل برت فعرفت به ونزل أرض أيلة ابن هومر بن عمليق واتصل ملكها في ولده‏.‏ وكان السميدع سمة لمن ملك منهم إلى أن كان آخرهم السميدع بن هومر الذي قتله يوشع لما زحف بنو إسرائيل إلى الشام بعد موسى صلوات الله عليه فكان معظم حروبهم مع هؤلاء العمالقة هنالك فغلبه يوشع وأسره وملك أريحا قاعدة الشام وهي قرب بيت المقدس ومكانها معروف لهذا العهد‏.‏ ثم بعث من بني إسرائيل بعثا إلى الحجاز فملكوه وانتزعوه من أيدي العمالقة ملوكه ونزعوا يثرب وبلادها وخيبر‏.‏ ومن بقاياهم يهود قريطة وبنو النضير وبنو قينقاع وسائر يهود الحجاز على ما نذكره‏.‏ ثم كان لهم ملك بعد ذلك في دولة الروم وملكوا أذينة بن السميدع على مشارف الشام والجزيرة من ثغورهم وأنزلوهم في التخوم ما بينهم وبين فارس‏.‏ وهذا الملك أذينة بن السميدع هو الذي ذكره الشاعر في قوله‏:‏ أزال أذينة عن ملكه وأخرج عن أهله ذا يزن وكان من بعده حسان بن أذينة ومن بعده طرف بن حسان بن يدياه نسبة إلى أمه وبعده عمرو بن طرف وكان بينه وبين جذيمة الأبرش حروب وقتله جذيمة واستولى على ملكهم‏.‏ وكان آخر من العمالقة كما نذكر ذلك في موضعه‏.‏ ومن هؤلاء العمالقة فيما يزعمون عمالقة مصر‏.‏ وأن بعض ملوك القبط استنصر بملك العمالقة بالشام لعهده واسمه الوليد بن دومغ ويقال ثوران بن قال الجرجاني‏:‏ ومن ثم ملك العماليق مصر ويقال‏:‏ إن منهم فرعون إبراهيم وهو سنان بن الأشل بن عبيد بن عولج بن عمليق وفرعون يوسف أيضاً منهم وهو الريان بن الوليد بن فوران‏.‏ وفرعون موسى كذلك وهو الوليد بن مصعب بن أبي أهون بن الهلوان ويقال إنه قابوس بن مصعب بن معاوية بن نمير بن السلواس بن فاران‏.‏ وكان الذي ملك مصر بعد الريان ابن الوليد طاشم بن معدان‏.‏ كلام الجرجاني‏.‏ وقال غيره‏:‏ الريان فرعون يوسف وهو الذي تسميه القبط نقراوش وأن وزيره كان أطفير وهو العزيز وأنه آمن بيوسف وأن أرض الفيوم كانت مغايض للماء فدبرها يوسف بالوحي والحكمة حتى صارت أعز الديار المصرية وملك بعده ابنه دارم بن الريان وبعده ابنه معدانوس فاستعبد بني إسرائيل‏.‏ قال الكلبي‏:‏ ويذكر القبط أنه فرعون موسى وذكر أهل الأثر أنه الوليد بن مصعب وأنه كان نجارا من غير بيت الملك فاستولى إلى أن ولي حرس السلطان ثم غلب عليه ثم استبد بعده وعليه انقرض أمر العمالقة‏.‏ ولما غرق في اتباع موسى صلوات الله عليه رجع الملك إلى القبط فولوا من بيت ملكهم دلوكة العجوز كما نذكره في أخبارهم إن شاء الله تعالى‏.‏ وأما بنو إسرائيل فليس عندهم ذكر لعمالقة الحجاز وعندهم أن عمالقة الشام من ولد عملاق بن اليفاد بتفخيم الفاء ابن عيصو أو عيصاب أو العيص بن إسحق بن إبراهيم عليه السلام‏.‏ وفراعنة مصر منهم على الرأيين‏.‏ وأما الكنعانيون الذين ذكر الطبري أنهم من العمالقة فهم عند الإسرائيليين من كنعان بن حام وكانوا قد انتشروا ببلاد الشام وملكوها وكان معهم فيها بنو عيصو المذكورون ويقال لهم بنو يدوم ومن أيديهم جميعا ابتزها بنو إسرائيل عند المجيء أيام يوشع بن نون‏.‏ ولذلك تزعم زناتة المغرب أنهم من هؤلاء العمالقة وليس بصحيح‏.‏ وأما أميم فهم إخوان عملاق بن لاوذ‏.‏ قال السهيلي‏:‏ يقال بفتح الهمزة وكسر الميم وبضم الهمزة وفتح الميم وهو أكثر‏.‏ ووجدت بخط بعض المشاهير أميم بتشديد الميم ويذكر أنهم أول من بنى البنيان واتخذ البيوت والآطام من الحجارة وسقفوا بالخشب‏.‏ وكانت ديارهم فيما يقال‏:‏ أرض فارس‏.‏ ولذلك زعم بعض نسابة الفرس أنهم من أميم وأن كيومرث الذين ينسبون إليه هو ابن أميم بن لاوذ وليس بصحيح‏.‏ وكان من شعوبهم وبار بن أميم نزلوا رمل عالج بين اليمامة والشحر وسالت عليهم الريح فهلكوا‏.‏ وأما العرب البايدة من بني أرفخش بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ فهم جرهم وحضورا وحضرموت والسلف‏.‏ فأما حضورا فكانت ديارهم بالرس وكانوا أهل كفر وعبادة أوثان‏.‏ وبعث إليهم نبي منهم اسمه شعيب بن ذي مهرع فكذبوه وهلكوا كما هلك غيرهم في الأمم‏.‏ وأما جرهم فكانت ديارهم باليمن وكانوا يتكلمون بالعبرانية‏.‏ وقال البيهقي‏:‏ أن يعرب بن قحطان لما غلب عادا على اليمن وملكه من أيديهم ولى إخوته على الأقاليم وولي جرهم على الحجاز وولي بلاد عاد الأولى وهي الشحر عاد بن قحطان فعرفت به وولي عمان يقطن بن قحطان‏.‏ انتهى كلام البيهقي‏.‏ وقيل إنما نزلت جرهم الحجاز‏.‏ ثم بني قطور بن كركر بن عملاق لقحط أصاب اليمن‏.‏ فلم يزالوا بمكة إلى أن كان شأن إسماعيل عليه السلام ونبوته فآمنوا به وقاموا بأمره وورثوا ولاية البيت طارق عنه حتى غلبتهم عليه خزاعة وكنانة فخرجت خرهم من مكة ورجعوا إلى ديارهم باليمن إلى أن هلكوا‏.‏ وأما حضرموت فمعدولحون في العرب العاربة لقر ب أزمانهم وليسوا من العرب اليالمة لأنهم باقون في الأجيال المتأخرة إلا أن يقال‏:‏ أن جمهورهم قد ذهب من بعد عصورهم الاولى واندرجوا في كندة وصاروا من عدادهم فهم بهذا الاعتبار قد هلكوا وبالمحوا والله أعلم‏.‏ وقال علي بن عبد العزيز‏:‏ أنه كانه فيهم ملوك التبابعة في غلؤالصيت ونهاية الذكر‏.‏ قال وذكر جماعة من العلماء أن أول من انبسط ملكة منهم وارتفع ذكره عمرو الأشنب بن ربيعة بن يرام بن حضرموت‏.‏ ثم خلفه ابنه نمر الأزج فملك مائة سنة وقاتل العمالقة ثم ملك كريب فو كراب ثم نمر الأزج مائة وثلاثا وثلاثين سنة وهلك إخوته في ملكه‏.‏ ثم ملك فرثد فو مروان بن كريب مائة وأربعين سنة وكان يسكن مارب ثم نحول إلى حضرموت‏.‏ ثم ملك علقمة فو قيعان بن مرثد ذي مروان بحضرموت ثلاثين سنة‏.‏ ثم ملك فوعيل بن ذي قيعان عشرسنين وسكن صنعاء وغزا الصين فقتل ملكها وأخذ سيفه ذا النور ثم ملك فوعيل بن في عيل بحضرموت عشرسنين‏.‏ ولما شخص سنان فوألم لغزو الصين تحول فوعيل إلى صنعاء واشتدت وطأته‏.‏ وكان أول من غزا الروم من ملوك اليمن وأول من أدخل الحرير والديباج إلى اليمن‏.‏ ثم ملك بدعات بن في عيل بحضرموت أربع سنين‏.‏ ثم ملك بدعيل بن بدعات وبنى حصونا وخلف آثارا ثم ملك بديع فو عيلى‏.‏ ثم ملك حماد بن بدعيل بحضرموت فأنشأ حصنه المعقرب وغزا فارس في عهد سابور ذي الأكتاف وخرب وسبى ودام ملكه ثمانين سنة‏.‏ وكان أول من اتخذ الحجاب من ملوكهم‏.‏ ثم ملك يشرخ ذو الملك بن ودب بن في حماد بن عاد من بلاد حضرموت ماثة سنة وكان أول من رتب الرواتب وأقام الحرس والروابط‏.‏ ثم ملك منجم بن في الملك دثاربن جذيمة بن منعم ثم يشرخ بن جذيمة بن منعم‏.‏ ثم نمربن يشرح ثم ساجن المسمى ابن نمروفي‏!‏‏.‏ إبامه تغلبت الحبشة على اليمن‏.‏ هذه قباثل هذا الجيل من العرب ا‏!‏ لعاربة وما كانوا عليه من الكثرة والملاث إلى أن انقرضوا وأدال الله من أمرهم بالقحطانية كما نحن ذاكروه‏.‏ ولم نغفل منهم إلا من لم يصلنا ذكره من خبره والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏ وأما جرهم فقال ابن سعيد إنهم أمتان‏:‏ أمة على عهد عاد‏.‏ وأمة من ولد جرهم بن قحطان‏.‏ ولما ملك يعرب بن قحطان اليمن ملك أخوه جرهم بن الحجاز‏.‏ ثم ملك من بعده ابنه عبد ياليل ثم بعده ابنه عبد المدان بن جرهم ثم ابنه نفيلة بن عبد المدان ثم ابنه عبد المسيح بن نفيلة ثم ابنه مضاض بن عبد المسيح ثم ابنه الحرث‏.‏ ثم ملك من بعده جرهم بن عبد ياليل ثم بعده ابنه عمرو بن الحرث‏.‏ ثم أخوه بشير بن الحرث ثم مضاض بن عمرو بن مضاض‏.‏ قال وهذه الأمة الثانية هم الذين بعث إليهم إسماعيل عليه السلام وتزوج فيهم‏.‏ انتهى‏.‏ وأما بنو سبا بن يقطن فلم يبيدوا وكان لهم بعد تلك الأجيال البائدة أجيال باليمن منهم حمير وكهلان وملوك التبابعة وهم أهل الطبقة الثانية‏.‏ وفي مسند الإمام أحمد‏:‏ أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:40

قيل هو فروة بن مسيق المرادي عن سبا أرجل هو أو إمرأة أم أرض فقال بل رجل ولد عشرة فسكن اليمن منهم ستة والشام أربعة‏.‏ فأما اليمانيون فمذحج وكندة والأزد والأشعر وأنمار وحمير‏.‏ وأما الشاميون فلخم وجذام وعاملة وغسان‏.‏ وثبت أن أباهم قحطان كان يتكلم بالعربية ولقنها عن الأجيال قبله فكانت لغة بنيه‏.‏ ولذلك سموا العرب المستعربة ولم يكن في آباء قحطان من لدن نوح عليه السلام إليه من يتكلم بالعربية وكذلك كان أخوه فالغ وبنوه إنما يتكلمون بالعجمية إلى أن جاء إسماعيل بن إبراهيم صلوات الله عليهما فتعلم العربية من جرهم فكانت لغة بنيه وهم أهل الطبقة الثالثة المسمون بالعرب التابعة للعرب‏.‏ فلنذكر هذا النسب لينتظم أجياله مع الأجيال السابقة واللاحقة ونستوفي أنساب الأمم منها‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:40

الخبر عن إبراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام ونسبه إلى فالغ بن عابر وذكر أولاده صلوات الله عليهم وأحوالهم
ولنذكر الآن أهل هذا النسب ما بين إسماعيل ونوح عليهما السلام ومن كان منهم أو من إخوانهم أو أبنائهم من الأنبياء والشعوب والملوك وما كان لإسماعيل صلوات الله عليه من الولد ونختم هذه الطبقة الأولى بذكرهم وإن كانوا عجما في لغاتهم إلا أنهم أصون الخليقة في أنسابهم وكل البشر على بعض الآراء من أعقابهم وهم مع ذلك معاصرون لهذه الطبقة فيتسق الكلام فنبدأ أولا بذكر عمود هذا النسب على التوالي ثم نرجع إلى أخبارهم‏.‏ وإسماعيل صلوات الله عليه هو ابن إبراهيم بن آزر وهو تارح وآزر اسم لصنمه لقب به ابن ناحور بن ساروخ بالخاء أو بالغين ابن عابر أو عنبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح‏.‏ وهذه الأسماء الأعجمية كلها منقولة من التوراة ولغتها عبرانية ومخارج حروفها في الغالب مغايرة لمخارج الحروف العربية‏.‏ وقد يجيء الحرف منها بين حرفين من العربية فترعه العرب إلى أحد ذينك الحرفين وفي مخرجه فيتغير عن أصله ولذلك تكون فيها إمالة متوسطة أو محضة فيصير إلى حرف العلة التي بعده من ياء أو واو فلذلك تنقل الكلمة منها على اختلاف‏.‏ وإلا فشأن الأعلام أن لا تختلف‏.‏ وقال الطبري أن بين شالخ وأرفخشد أبا آخر اسمه قينن وسقط ذكره من التوراة لأنه كان ساحرا وادعى الألوهية‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ في كتب النصارى أن بين فالغ وعابر أبا آخر اسمه ملكيصد وهو أبو فالغ‏.‏ واعلم أن نوحا صلوات الله عليه بلغ عمره يوم الطوفان ستمائة سنة عاش بعد الطوفان ثلثمائة وخمسين سنة فكانت جملة ذلك تسعمائة وخمسين سنة‏.‏ ألف سنة إلا خمسين‏.‏ وهذا نص المصحف الكريم وكذا وقع في التوراة بعينه‏.‏ ومن الغريب الواقع في التوراة أن عمر إبراهيم كان يوم وفاة نوح ثلاثا وخمسون سنة لأنه قال أن أرفخشد ولد لسام بعد سنتين من الطوفان ولما بلغ خمسا وثلاثين سنة ولد له ابنه شالخ وبعد ثلاثين سنة ولد ابنه عابر وبلغ عابر أربعا وثلاثين سنة فولد ابنه فالغ وبلغ فالغ ثلاثين سنة فولد له أرغو وبلغ أرغو اثنتين وثلاثين سنة فولد شاروغ وبلغ شاروغ ثلاثين سنة فولد ناحور وبلغ ناحور تسعا وعشرين سنة فولد تارح وبلغ تارح خمسا وسبعين سنة فولد إبراهيم‏.‏ وجملة هذه السنين من الطوفان إلى ولادة إبراهيم مائتان وسبع وتسعون سنة‏.‏ وعمر نوح بعد الطوفان ثلثمائة وخمسون سنة فيكون إبراهيم بعد وفاة نوح ابن ثلاث وخمسين سنة فيكون لقي نوحا صلوات الله عليهما وخالطه وأخذ عنه وهو على رأي بعضهم أب لجميع الشعوب من بعده فلذلك كان الأب الثالث للخليقة من بعد آدم ونوح صلوات الله عليهم أجمعين‏.‏ وفي كتاب البدء ونقله ابن سعيد أن أول من ملك الأرض من ولد نوح كنعان بن كوش بن حام فسار من أرض كنعان بالشام إلى أرض بابل فبنى مدينة بابل اثني عشر فرسخا في مثلها وورث ملكه ابنه النمرود بن كنعان وعظم سلطانه في الأرض وطال عمره وغلب على أكثر المعمور وأخذ بدين الصابئة وخالفه الكلدانيون منهم في التوحيد وأسمائه ومال معهم بنو سام وكان سام قد نزل بشرقي الدجلة وكان وصي أبيه في الدين والتوحيد وورث ذلك ابنه أرفخشذ ومعنى أرفخشذ مصباح مضيء فاشتغل بالعبادة ودعاه الكلدانيون إلى القيام بالتوحيد فامتنع‏.‏ ثم قام من بعده ابنه شالخ وعاش طويلا وقام من بعده بأمره ابنه عابر كذلك وخرج مع الكلدانيين على النمرود منكرا لعبادة الهياكل فغلبه نمروذ وأخرجه من كوثا فلحق هو ومن معه من الحلفاء بالجزيرة وهي مدينة المجدل بين الفرات ودجلة‏.‏ وعابر هذا هو أبو العبرانيين الذين تكلموا بالعبرانية واستفحل ملكه بالمجدل‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وورث من بعده ابنه فالغ وهو الذي قسم الأرض بين ولد نوح‏.‏ وفي زمانه بنى النمروذ الصرح ببابل وكان من أمره ما نصه القرآن وقام بأمر فالغ من بعد ابنه ملكان فيما زعموا وغلبه الجرامقة والنبط على ملكه وقام بالمجدل في ملكهم إلى أن هلك وخلف ابنه أتيا ويقال له الخضر وأما أرغوا بن فالغ فعبر إلى كلواذا ودخل في دين النبط وهي بدعة الصابئة‏.‏ وولد له منهم ابنه شاروخ‏.‏ ثم بعده ناحور بن شاروخ ثم بعده تارح بن ناحور الذي سمي آزر واستخلص النمروذ آزر وقدمه على بيت الأصنام والنمروذ من ملوك الجرامقة واسمه هاصد بن كوش‏.‏ انتهى كلام ابن سعيد‏.‏ وولد لتارح وهو آزر على ما وقع في التوراة ثلاثة من الولد إبراهيم وناحور وهاران ومات هاران في حياة أبيه تارح وترك ابنه لوطا فهو ابن أخي إبراهيم‏.‏ قال الطبري‏:‏ ولد إبراهيم الخليل قيل بناحية كوثا من السواد وهو قول ابن إسحق وقيل بحران وقيل ببابل وعامة السلف أنه ولد على عهد نمروذ بن كنعان بن كوش بن سام‏.‏ وكان الكهان يتحدثون بولادة رجل يخالف الدين ويكسر الأصنام والأوثان فأمر بذبح الولدان فولدته أمه وتركته بمغارة في فلاة من الأرض حتى كبر وشب ورأى في الكواكب ما رآه وكملت نبوته فأحضرته إلى أبيه ودعاه إلى التوحيد فامتنع وكسرا إبراهيم الأصنام واحضر عند نمروذ وقذفه في النار فصارت بردا وسلاما وخرج منها ولم تعد عليه كما نص ذلك القرآن‏.‏ ثم تدبر النمروذ في أمره وطلب من إبراهيم أن يقرب قربانا يفتدي مما دعاه إليه فقال له إبراهيم لن يقبل منك إلا الإيمان فقال‏:‏ لا أستطيع‏.‏ وترك إبراهيم وشأنه‏.‏ ثم أمر الله إبراهيم بالخروج من أرض الكلدانيين ببابل فخرج به أبوه تارح ومعهما على في التوراة ابنه ناحور بن تارح وزوجته ملكا بنت أخيه هاران وحافده لوط بن هاران‏.‏ قال في التوراة‏:‏ وكنته سارة يعني زوج إبراهيم فقيل إنها أخت


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:41

ملكا بنت هاران بن تارح وقيل بنت ملك حران طعنت على قومها في الدين فتزوجها إبراهيم على أن لا يضرها ويرد هذا ما في التوراة أنها خرجت معهم من أرض الكلدانيين إلى حران فتزوجها‏.‏ وقيل‏:‏ إنها بنت هاران بن ناحور‏.‏ وهاران عم إبراهيم قاله السهيلي فأقاموا بحران ومات بها أبوه تارح وعمره مائتا سنة وخمس سنين‏.‏ ثم أمر بالخروج إلى أرض الكنعانيين ووعده الله بأن تكون أثراً لبنيه وأنهم يكثرون مثل حصى الأرض‏.‏ فنزل بمكان بيت المقدس وهو ابن خمس وسبعين سنة ثم أصاب بلد الكنعانيين مجاعة فخرج إبراهيم في أهل بيته وقدم مصر ووصف لفرعون ملك القبط جمال امرأته سارة فأحضرها عنده ولما هم بها يبست يده على صدره فطلب منها الإقامة فدعت له الله فانطلقت يده‏.‏ ويقال عاود ذلك ثلاثا يصاب في كلها وتدعو له فردها إلى إبراهيم واستخدمها هاجر‏.‏ قال الطبري‏:‏ والملك الذي أراد سارة هو سنان بن علوان وهو أخو الضحاك‏.‏ والظاهر أنه من ملوك القبط‏.‏ ثم ساروا إلى أرض كنعان بالشام‏.‏ ويقال‏:‏ إن هاجر أهدها ملك الأردن لسارة وكان اسمه فيما قال الضبي صلاوق وأنه انتزع سارة من إبراهيم ولما هم بها صرع مكانه وسألها في الدعاء فدعت له فأفاق فردها إلى إبراهيم وأخدمها هاجر أمة كانت لبعض ملوك القبط‏.‏ ولما عاد إبراهيم إلى أرض كنعان نزل جيرون وهو مدفنه المسمى بالخليل وكانت معظمة تعظمها الصابئة وتسكب عليها الزيت للقربان‏.‏ وتزعم أنها هيكل المشتري والزهرة فسماها العبرانيون إيليا ومعناه بيت الله‏.‏ ثم أن لوط فارق إبراهيم عليه السلام لكثرة مواشيهما وتابعهما وضيق المرعى‏.‏ فنزل المؤتفكة بناحية فلسطين وهي بلاد العدور المعروف بعدور صقر وكانت هناك على ما نقله المحققون خمس قرى سدوم‏.‏ ووجدهم على ارتكاب الفواحش فدعاهم إلى الدين ونهاهم عن المخالفة فكذبوه وعتوا وأقام فيهم داعيا إلى الله إلى أن هلكوا كما قصه وخرج لوط مع عساكر كنعان وفلسطين للقاء ملوك الشرق حين زحفوا إلى أرض الشام وكانوا أربعة ملوك‏:‏ ملك الأهواز من بني غليم بن سام واسمه كرزلا عامر وملك بابل واسمه في التوراة شنعا واسمه أمراقيل ويقال هو نمروذ وملك الأستار - وما أدري معنى هذه اللفظة - واسمه أريوح وملك كوتم ومعناه ملك أمم أو جماعة واسمه تزعال‏.‏ وكان ملوك كنعان الذين خرجوا إليهم خمسة على عدد القرى الخمسة‏.‏ وذلك أن ملك الأهواز كان استعبدهم اثنتي عشرة سنة ثم عصوا فزحف إليهم واستجاش بالملوك المذكورين معه فأصابوا من أهل جبال يسعين إلى فاران التي في البرية وكان بها يومئذ الجويون من شعوب كنعان أيضاً‏.‏ وخرج ملك سدوم وأصحابه لمدافعتهم فانهزم هو والملوك الذين معه من أهل سدوم وسباهم ملك الأهواز ومن معه من الملوك وأسروا لوطا وسبوا أهله وغنموا ماشيته‏.‏ وبلغ الخبر إبراهيم عليه السلام فاتبعهم في ولده ومواليه نحوا من ثلثمائة وثمانية عشر ولحقهم بظاهر دمشق فدهمهم فانفضوا وخلص لوطا في تلك الوقعة وجاء بأهله ومواشيه وتلقاهم ملك سدوم واستعظم فعلتهم‏.‏ ثم أوحى الله إلى إبراهيم أن هذه الأرض‏:‏ أرض الكنعانيين التي أنت بها ملكتها لك ولذريتك وأكثرهم مثل حصى الأرض وأن ذريتك يسكنون في أرض ليست لهم أربعمائة سنة ويرجع الحقب الرابع إلى هنا‏.‏ ثم إن سارة وهبت مملوكتها هاجر القبطية لإبراهيم عليه السلام لعشر سنين من مجيئهم من مصر‏.‏ وقالت لعل الله يرزقك منها ولدا وكان إبراهيم قد سأل الله أن يهب له ولدا فوعده به‏.‏ وكانت سارة قد كبرت وعقمت عن الولد فولدت هاجر لإبراهيم إسماعيل عليهما السلام لست وثمانين من عمره‏.‏ وأوحى الله إليه أني قد باركت عليه وكثرته ويولد له اثنا عشر ولدا ويكون رئيسا لشعب عظيم‏.‏ وأدركت سارة الغيرة من هاجر وطلبت منه إخراجها وأمره الله أن يطيع سارة في أمرها فهاجر بها إلى مكة ووضعها وابنها بمكان زمزم عند دوحة هنالك وانطلق‏.‏ فقالت له هاجر‏:‏ الله أمرك قال‏:‏ نعم فقالت‏:‏ إذا لا يضيعنا‏.‏ وانطلق إبراهيم وعطش إسماعيل بعد ذلك عطشا شديدا وأقامت هاجر تتردد بين الصفا والمروة إلى أن صعدت عليها سبع مرات لعلها تجد شيئا ثم أتته وهو يفحص برجلين فنبعت زمزم‏.‏ وعن السدي أنه تركه في مكان الحجر واتخذ فيه عريشا وأن جبريل هو الذي همز له الماء بعقبه وأخبر هاجر أنها عين يشرب بها ضيفان الله وأن أبا هذا الغلام سيجيء ويبنيان بيتا لله هذا مكانه‏.‏ ثم مرت رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم أقبلوا من كداء ونزلوا أسفل مكة فرأوا الطير حائمة فقالوا‏:‏ لا نعلم بهذا الوادي ماء ثم أشرفوا فرأوا المرأة ونزلوا معها هنالك‏.‏ وعن ابن عباس‏:‏ كانت أحياؤها قريبا من ذلك المكان فلما رأوا الطير تحوم عليه اقبلوا إليه فوجدوهما فنزلوا معهما حتى كان بها أهل أبيات منهم وشب إسماعيل بينهم وتعلم اللغة العربية منهم وأعجبهم وزوجوه إمرأة منهم‏.‏ وماتت أمه هاجر فدفنها في الحجر‏.‏ ولما رجع إبراهيم وأقام في أهله بالشام وبالغ أهل المؤتفكة في العصيان والفاحشة ودعاهم لوط فكذبوه وأقام على ذلك‏.‏ قال الطبري‏:‏ فأرسل الله رسولا من الملائكة لإهلاكهم ومروا بإبراهيم فأضافهم وخدمهم وكان من ضحك سارة وبشارة الملائكة لها بإسحق وابنه يعقوب ما قصه القرآن‏.‏ وكانت البشارة بإسحق وإبراهيم ابن مائة سنة وسارة بنت تسعين‏.‏ وفي التوراة أنه أمر أن يحرر ولده إسماعيل لثلاث عشرة سنة من عمره‏.‏ ولكل من في بيته من الأحرار فكان ذلك لتسع وتسعين من عمر إبراهيم‏.‏ وقال له‏:‏ ذلك عهد بيني وبينك وذريتك‏.‏ ثم أهلك الله المؤتفكة ونجى لوطا إلى أرض الشام فكان بها مع عمه إبراهيم صلوات الله عليهما‏.‏ وولدت سارة إسحق وأمر الله إبراهيم بعد ولادة إسماعيل وإسحق ببناء بيت يعبد فيه ويذكر ولم يعرف مكانه فجعل له علامة تسير معه حتى وقفت به على الوضع يقال‏:‏ إنها ريح لينة لها رأسان تسير معه حتى تكون بالموضع ويقال بل بعث معه جبريل لذلك حتى أراه وكان إبراهيم يعتاد إسماعيل لزيارته‏.‏ ويقال أنه كان يستأذن سارة في ذلك وأنها شرطت عليه أن لا يقيم عندهم وأن إبراهيم وجد امرأة لإسماعيل في غيبة منه‏.‏ وكانت من العماليق وهي عمارة بنت سعيد بن أسامة بن أكيل‏.‏ فرآها فظة غليظة فأوصاها لإسماعيل بأن يحول عتبة بابه فلما قصت عليه الخبر والوصية قال‏:‏ ذاك أبي يأمرني أن أطلقك فطلقها وتزوج بعدها السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي وخالفه إبراهيم إلى بيته فتسهلت له بالإذن وأحسنت التحية وقربت الوضوء والطعام‏.‏ فأوصاها لإسماعيل بأني قد رضيت عتبة بابك‏.‏ ولما قصت عليه الوصية قال‏:‏ ذلك أبي يأمرني بإمساكك فأمسكها‏.‏ ثم جاء إبراهيم مرة ثالثة وقد أمره الله ببناء البيت وأمر إسماعيل بإعانته فرفعوها من القواعد وتم بناؤها وأذن في الناس بالحج‏.‏ ثم زوج لوط ابنته من مدين بن إبراهيم عليهما السلام وجعل الله في نسلها البركة‏.‏ فكان منهم أهل مدين الأمة المعروفة‏.‏ ثم ابتلى الله إبراهيم بذبح ابنه في رؤيا رآاها وهي وحي وكانت الفدية ونجى الله ذلك الولد كما قص في القرآن‏.‏ واختلف في ذلك الذبيح من ولديه فقيل إسماعيل وقيل إسحق‏.‏ وذهب إلى كلا القولين جماعة من الصحابة والتابعين‏.‏ فالقول بإسماعيل لابن عباس وابن عمر والشعبي ومجاهد والحسن ومحمد بن كعب القرظي وقد يحتجون له بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أنا ابن الذبيحين ‏"‏ ولا تقوى الحجة به لأن عم الرجل قد يجعل أباه بضرب من التجوز لا سيما في مثل هذا الفخر‏.‏ ويحتجون أيضاً بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ [وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ ‏"‏ ولو كان ذبيحا في زمن الصبا لم تصح البشارة بابن يكون له لأن الذبح في الصبا ينافي وجود الولد ولا تقوم من ذلك حجة لأن البشارة إنما وقعت على وفق العلم بأنه لا يذبح وإنما كان ابتلاء لإبراهيم‏.‏ والقول بإسحق للعباس وعمر وعلي وابن مسعود وكعب الأحبار وزيد بن أسلم ومسروق وعكرمة وسعيد بن جبير وعطا والزهري ومكحول والسدي وقتادة‏.‏ وقال الطبري‏:‏ والراجح أنه إسحق لأن نص القرآن يقتضي أن الذبيح هو المبشر به ولم يبشر إبراهيم بولد إلا من زوجته سارة مع أن البشارة وقعت إجابة لدعائه عند مهاجره من أرض بابل‏.‏ وقوله‏:‏ إني ذاهب إلى ربي سيهدين‏.‏ ثم قال عقبة‏:‏ رب هب لي من الصالحين‏.‏ ثم قال عقبة‏:‏ فبشرناه بغلام حليم‏.‏ وذلك كله كان قبل هاجر لأن هاجر إنما ملكتها سارة بمصر وملكتها لإبراهيم بعد ذلك بعشر سنين‏.‏ فالبشر به قبل ذلك كله إنما هو ابن سارة فهو الذبيح بهذه الدلالة القاطعة‏.‏ وبشارة الملائكة لسارة بعد ذلك حين كانوا ضيوفا عند إبراهيم في مسيرهم لإهلاك سدوم إنما كان تجديدا للبشارة المتقدمة‏.‏ ثم توفيت لمائة وسبع وعشرين من عمرها وذلك في قرية جيرون من بلاد بني حبيب الكنعانيين‏.‏ فطلب إبراهيم منهم مقبرة لها فوهبه عفرون بن صخر مغارة كانت في مزرعته فامتنع من قبولها إلا بالثمن فأجاب إلى ذلك وأعطاه إبراهيم أربعمائة مثقال فضة ودفن فيها سارة‏.‏ وتزوج إبراهيم من بعدها قطورا بنت يقطان الكنعانيين‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ قنطورا بزيادة نون بين القاف والطاء وهذا الاسم أعجمي وطاؤه قريبة من التاء‏.‏ فولدت له كما هو مذكور في التوراة ستة من الولد وهم‏:‏ زمران يقشان مدان مدين أشبق شوخ‏.‏ ثم وقع في التوراة ذكر أولادهم‏.‏ فولد يقشان سبا ودذان وولد دذان أشور ثم ولطوسيح ولاميم‏.‏ وولد مدين عيفا وعيفين وحنوخ وأفيداع وألزاعا‏.‏ هذا آخر ولده من قنطورا في التوراة‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ كان لإبراهيم عليه السلام أولاد آخرون‏:‏ خمسة من امرأة اسمها حجين أو حجون بنت أهيب وهم كبسان وفروخ وأميم ولوطان ونافس‏.‏ ولما ذكر الطبري بني قنطورا الستة وسمى منهم يقشان قال بعده‏:‏ وسائرهم من الأخرى وهي رعوة‏.‏ ثم قال‏:‏ ومن يقشان جيل البربر‏.‏ فولد إبراهيم على هذا ثلاثة عشر‏:‏ فإسماعيل من هاجر وإسحق من سارة وستة من قنطورا كما ذكر في التوراة والخمسة بنو حجين عند السهيلي أو رعوة عند الطبري وكان إبراهيم عليه السلام قد عهد لابنه إسحق أن لا يتزوج في الكنعانيين وأكد العهد والوصية بذلك لمولاه القائم على أموره ثم بعثه إلى حران مهاجرهم الأول فخطب من ابن أخيه بتويل بن ناحور بن آزر بنته رفقا فزوجها أبوها واحتملها ومن معها من الجواري وجاء بها إلى إسحق في حياة أبيه وعمره يومئذ أربعون سنة‏.‏ فتزوجها وولدت له يعقوب وعيصو توأمين وسنذكر خبرهما‏.‏ ثم قبض الله نبيه إبراهيم صلوات الله عليه بمكان هجرته من أرض كنعان وهو ابن مائة وخمس وسبعين سنة ودفن مع سارة في مغارة عفرون الحبيبي وعرف بالخليل لهذا العهد‏.‏ ثم جعل الله في ذريته النبوة والكتاب آخر الدهر‏.‏ إسماعيل‏:‏ فإسماعيل سكن مع جرهم بمكة وتزوج فيهم وتعلم لغتهم وتكلم بها وصار أبا لمن بعده من أجيال العرب وبعثه الله إلى جرهم والعمالقة الذين كانوا بمكة وإلى أهل اليمن فآمن بعض وكفر بعض‏.‏ ثم قبضه الله إليه وخلف ولده بين جرهم وكانوا على ما ذكر في التوراة اثني عشر أكبرهم بنايوت وهو الذي تقوله العرب نابت ونبت ثم قيذار وأدبيل وبسام ومشمع وذوما ومسا وحراه وقيما وبطور ونافس وقدما‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ وعاش فيما ذكر مائة وثلاثين سنة ودفن في الحجر مع أمه هاجر ويقال آجر‏.‏ وفي التوراة أنه قبض ابن مائة وسبع وثلاثين سنة وأن شيعته سكنوا من حويلا إلى شور قبالة مصر من مدخل أثور وسكنوا على حذر شيع إخوته‏.‏ وحويلا عند أهل التوراة هي جنوب برقة والواو منها قريبة من الياء‏.‏ وشور هي أرض الحجاز وأثور بلاد الموصل والجزيرة‏.‏


عدل سابقا من قبل محمد منسى في الإثنين 5 مايو 2008 - 16:52 عدل 1 مرات
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:42

ثم ولي البيت من بعد إسماعيل ابنه نابت وأقام ولده بمكة مع أخوالهم جرهم حتى تشعبوا وكثر نسلهم وتعددت بطونهم من عدنان في عداد معد ثم بطون معد في ربيعة ومضر وإياد وأنمار بني نزار بن معد‏.‏ فضاقت بهم مكة على ما نذكره عند ذكر قريش وأخبار ملكهم بمكة‏.‏ فكانت بطون عدنان هذه كلها من ولد إسماعيل لابنه نابت وقيل لقيذار‏.‏ ولم يذكر النسابون نسلا من ولده الآخرين‏.‏ وتشعبت من إسماعيل أيضاً عند جماعة من أهل العلم بالنسب بطون قحطان كلها فيكون على هذا أبا لجميع العرب بعده‏.‏ إسحق‏:‏ وأما إسحق فأقام بمكانه من فلسطين وعمر وعمي بعد الكثير من عمره وبارك على ولده يعقوب فغضب بذلك أخوه عيصو وهم بقتله فأشارت عليه رفقا بنت بتويل بالسير إلى حران عند خاله لابان بن بتوبل فأقام عنده وزوجه بنتيه‏.‏ فزوجه أولا الكبرى واسمها ليا وأخدمها جاريتها زلفة ثم من بعدها أختها الصغرى واسمها راحيل وأخدمها جاريتها بلها‏.‏ وأول من ولد منهن ليا ولدت له روبيل ثم شمعون ثم لاوى ثم يهوذا‏.‏ وكانت راحيل لا تحبل فوهبت جاريتها بلها ليعقوب لتلد منه فولدت له دان ثم نفتالي ولما فعلت ذلك راحيل وهبت أختها ليا ليعقوب عليه السلام جاريتها زلفة فولدت له كاد وآشر ثم ولدت ليا من بعد ذلك يساخر ثم زبولون فكمل له بذلك عشرة من الولد‏.‏ ثم دعت راحيل الله عز وجل أن يهب لها ولدا من يعقوب فولدت يوسف وقد كملت له بحران عشرون سنة ثم أمر بالرحيل إلى أرض كنعان التي وعدوا بملكها‏.‏ فارتحل وخرج لابان في اتباعه وعزم له في المقام عنده فأبى فودعه وانصرف إلى حران‏.‏ وسار يعقوب لوجهه حتى إذا قرب من بلد عيصو وهو جبل يسعين بأرض الكرك والشوبك لهذا العهد اعترضه عيصو لتلقيه وكرامته فأهدى إليه يعقوب من ماشيته هدية احتفل فيها وتودد إليه بالخضوع والتضرع فذهب ما كان عند عيصو‏.‏ وأوحى الله إليه بأن يكون اسمه إسرائيل ومر على أرشاليم وهي بيت المقدس فاشترى هنالك مزرعة ضرب فيها فسطاطه وأمر ببناء مرجح سماه إيل في مكان الصخرة‏.‏ يوسف‏:‏ ثم حملت راحيل هنالك فولدت له بنيامين وماتت من نفاسه ودفنها في بيت لحم‏.‏ ثم جاء إلى أبيه إسحق بقرية جيرون من أرض كنعان فأقام عنده‏.‏ ومات إسحق عليه السلام لمائة وثمانين سنة من عمره ودفن مع أبيه في المغارة وأقام يعقوب بمكانه وولده عنده‏.‏ وشب يوسف عليه السلام على غير حالهم من كرامة الله به وقص عليهم رؤياه التي بشر فيها بأمره فغصوا به وخرجوا معه إلى الصيد فألقوه في الجب‏.‏ واستخرجه السيارة الذين مروا به بعد ذلك وباعوه للعرب بعشرين مثقالا‏.‏ ويقال‏:‏ إن الذي تولى بيعه هو مالك بن دعر بن واين بن عيفا بن مدين‏.‏ واشتراه من العرب عزيز مصر وهو وزيرها أو صاحب شرطتها‏.‏ قال ابن إسحق واسمه أطفير بن رجيب وقيل قوطفير‏.‏ وكان ملكها يومئذ من العماليق الريان بن الوليد بن دومغ‏.‏ وربي يوسف عليه السلام في بيت العزيز فكان من شأنه مع امرأته زليخا ومكثه في السجن وتعبيره الرؤيا للمحبوسين من أصحاب الملك ما هو مذكور في الكتاب الكريم‏.‏ ثم استعمله ملك مصر عندما خشي السنة والغلاء على خزائن الزرع في سائر مملكته يقدر جمعها وتصريف الأرزاق منها وأطلق يده بذلك في جميع أعماله وألبسه خاتمه وحمله على مركبه‏.‏ ويوسف لذلك العهد ابن ثلاثين سنة فقيل عزل أطفير العزيز وولاه‏.‏ وقيل بل مات أطفير فتزوج زليخا وتولى عمله وكان ذلك سببا لانتظام شمله بأبيه وإخوته لما أصابتهم السنة بأرض كنعان وجاء بعضهم للميرة وكال لهم يوسف عليه السلام ورد عليهم بضاعتهم وطالبهم بحضور أخيهم فكان ذلك كله سببا لاجتماعه بأبيه يعقوب بعد أن كبر وعمي‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ كان ذلك لعشرين سنة من مغيبه ولما وصل يعقوب إلى بلبيس قريبا من مصر خرج يوسف ليلقاه‏.‏ ويقال خرج فرعون معه وأطلق لهم أرض بلبيس يسكنون بها وينتفعون‏.‏ وكان وصول يعقوب صلوات الله عليه في سبعين راكبا من بنيه ومعه أيوب النبي من بني عيصو وهو أيوب بن برحما بن زبرح بن رعويل بن عيصو واستقروا جميعا بمصر ثم قبض يعقوب صلوات الله عليه لسبع عشرة من مقدمه ولمائة وأربعين من عمره وحمله يوسف صلوات الله عليه إلى أرض فلسطين وخرج معه أكابر مصر وشيوخها بإذن من فرعون‏.‏ واعترضهم بعض الكنعانيين في طريقهم فأوقعوا بهم وانتهوا إلى مدفن إبراهيم وإسحق عليهما السلام فدفنوه في المغارة عندهما وانتقلوا إلى مصر‏.‏ وأقام يوسف صلوات الله عليه بعد موت أبيه ومعه إخوته إلى أن دركته الوفاة فقبض لمائة وعشرين سنة من عمره وأدرج في تابوت وختم عليه ودفن في بعض مجاري النيل‏.‏ وكان يوسف أوصى أن يحمل عند خروج بني إسرائيل إلى أرض اليفاع فيدفن هنالك ولم تزل وصيته محفوظة عندهم إلى أن حمله موسى صلوات الله عليه عند خروجه ببني إسرائيل من مصر‏.‏ ولما قبض يوسف صلوات الله عليه وبقي من بقي من الأسباط إخوته وبنيه تحت سلطان الفراعنة بمصر تشعب نسلهم وتعددوا إلى أن كاثروا أهل الدولة وارتابوا بهم فاستعبدوهم‏.‏ قال المسعودي‏:‏ دخل يعقوب إلى مصر مع ولده الأسباط وأولادهم حين أتوا إلى يوسف في سبعين راكبا وكان مقامهم بمصر إلى أن خرجوا مع موسى صلوات الله عليه نحوا من مائتين وعشر سنين فتداولهم ملوك القبط والعمالقة بمصر ثم أحصاهم موسى في التيه وعد من يطيق حمل السلاح من ابن عشرين فما فوقها فكانوا ستمائة ألف ويزيحون‏.‏ وقد ذكرنا ما في هذا العدد من الوهم والغلو في مقدمة الكتاب فلا نطول به‏.‏ ووقوعه في نص التوراة لا يقضي بتحقيق هذا العدد لأن المقام للمبالغة فلا تكون إعداده نصوصا‏.‏ وكان ليوسف صلوات عليه من الولد كثير إلا أن المعروف منهم اثنان‏:‏ أفراثيم ومنشى وهما معدودان في الأسباط لأن يعقوب صلوات الله عليه أدركهما وبارك عليهما وجعلهما من جملة ولده‏.‏ وقد يزعم بعض من لا تحقيق عنده أن يوسف صلوات الله عليه استقل آخراً بملك مصر وينسب لبعض ضعفة المفسرين ومعتمدهم في ذلك قول يوسف عليه السلام في دعائه‏:‏ رب قد آتيتني من الملك ولا دليل لهم في ذلك لأن كل من ملك شيئا ولو في خاصة نفسه فاستيلاؤه يسمى ملكا حتى البيت والفرس والخادم فكيف من ملك التصرف ولو كان في شعب واحد منها فهو ملك‏.‏ وقد كان العرب


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:43

يسمون أهل القرى والمدائن ملوكا مثل هجر ومعان دومة الجندل فما ظنك بوزير مصر لذلك العهد وفي تلك الدولة‏.‏ وقد كان في الخلافة العباسية تسمى ولاة الأطراف وعمالها ملوكا فلا استدلال لهم في هذه الصيغة وأخرى أيضاً فيما يستدلون به من قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وكذلك مكنا ليوسف في الأرض[/url] ‏"‏ أن لا يكون لهم فيه مستند لأن التمكين يكون بغير الملك‏.‏ ونص القرآن إنما هو بولايته على أمور الزرع في جمعه وتفريقه كما قال تعالى‏:‏ ‏"‏ [o7اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم[/url] ‏"‏‏.‏ ومساق القصة كلها أنه مرؤوس في تلك الدولة بقرائن الحال كلها لا ما يتوهم من تلك اللفظة الواقعة في دعائه فلا نعدل من النص المحفوف بالقرائن إلى هذا المتوهم الضعيف‏.‏ وأيضاً فالقصة في التوراة قد وضعت صريحة في أنه لم يكن ملكا ولا صار إليه ملك‏.‏ وأيضاً فالأمر الطبيعي من الشوكة والقطامة له يدفع أن يكون حصل له ملك لأنه إنما كان في تلك الدولة قبل أن يأتي إليه إخوته منفردا لا يملك إلا نفسه ولا يأتي الملك في هذا الحال وقد تقدم ذلك في مقدمة الكتاب والله أعلم‏.‏ عيصو‏:‏ وأما عيصو بن إسحق فسكن جبال بني يسعين من بني جوى إحدى شعوب كنعان وهي جبال الشراة بين تبوك وفلسطين وتعرف اليوم ببلاد كرك والشوبك‏.‏ وكان من شعوبهم هنالك على ما في التوراة بنو لوطان وبنو شوبال وبنو صمقون وبنو عنا وبنو ديشوق وبنو يصد وبنو ديسان سبعة شعوب‏.‏ ومن بني ديشون الأشبان فسكن عيصو بينهم بتلك البلاد وتزوج منهم من بنات عنا بن يسعين من جوى وهي أهليقاما وتزوج أيضاً من بنات حي من الكنعانيين عاذا بنت أيلول وباسمت بنت إسماعيل عليه السلام‏.‏ وكان له من الولد خمسة مذكورون في التوراة أكبرهم أليفاز بالفاء المفخمة وإشباع حركتها وزاي معجمة من بعدها من عاذا بنت أيلول‏.‏ ثم رعويل من باسمت بنت إسماعيل ثم يعوش ويعلام وقورح من أهليقاما بنت عنا‏.‏ وولد أليفاز ستة من الولد‏:‏ ثيمال وأومار وصفو وكعتام وقتال وعمالق السادس لسرية اسمها تمتاع وهي شقيقة لوطان بن يسعين‏.‏ وولد رعويل بن عيصو أربعة من الولد‏:‏ ناحة وزيدم وشتما ومرا‏.‏ هكذا وقع ذكر ولد العيص وولدهم في التوراة‏.‏ وفيها أن العيص اسمه أدوم فلذلك قيل لهم بنو أدوم ولبعض الإسرائيليين أن أدوم اسم لذلك الجبل ومعناه بالعبرانية الجبل الأحمر الذي لا نبات له‏.‏ وقد يقع لبعض المؤرخين أن القياصرة ملوك الروم من ولد عيصو وقال الطبري‏:‏ أن الروم وفارس من ولد رعويل بن باسمت وليس ذلك كله بصحيح‏.‏ ورأيته في كتاب يوسف بن كرمون‏:‏ مؤرخ العمارة الثانية ببيت المقدس قبيل الجلوة الكبرى وكان من كهنوتينا اليهود وهو قريب من الغلط‏.‏ قال ابن حزم في كتاب الجمهرة‏:‏ وكان لإسحق عليه السلام ابن آخر غير يعقوب اسمه عيصاب أو عيصو كان بنوه يسكنون جبال الشراة بين الشام والحجاز وقد بادوا جملة إلا أن قوما يذكرون أن الروم من ولده وهذا خطأ‏.‏ وإنما وقع لهم هذا الغلط لأن موضعهم كان يقال له أدوم فظنوا أن الروم من ذلك الموضع وليس كذلك لأن الروم إنما نسبوا إلى رمس باني رومة فإن ظن ظان أن قول النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم للحر بن قيس‏:‏ ‏"‏ هل لك في بلاد بني الأصفر العام ‏"‏ وذلك في غزوة تبوك يدل على أن الروم من بني الأصفر وهو عيصاب المذكور وليس كما ظن‏.‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم حق وإنما عنى عليه السلام بني عيصاب على الحقيقة لا الروم لأن مغزاه عليه الصلاة والسلام في تلك الغزوة كان إلى ناحية الشراة مسكن القوم المذكورين كلام ابنت حزم‏.‏ وزعم أهروشيوش مؤرخ الروم أن أم الفينان وهاوا وعالوم وقدوح الأربعة من بنات كاتيم بن ياوان بن يافث والأول أصح لأنه نص التوراة‏.‏ ثم كثر نسل بني عيصو بأرض يسعين وغلبوا الجويين على تلك البلاد وغلبوا بني مدين أيضاً على بلادهم إلى أيلة‏.‏ وتداول فيهم ملوك وعظماء كان منهم فالغ بن ساعور وبعده يودب بن زيدح‏.‏ ثم كان منهم هداد بن مداد الذي أخرج بني مدين عن مواطنهم‏.‏ ثم كان فيهم بعده ملوك إلى أن زحف يوشع إلى الشام وفتح أريحا وما بعدها وانتزع الملك من جميع الأمم الذين كانوا هنالك ثم استلحمهم بختنصر عندما ملك أرض القدس ولحق بعضهم بأرض يونان وبعضهم بإفريقية‏.‏ وأما عمالق بن أليفاز فمن عقبه عند الإسرائيليين عمالقة الشام‏.‏ وفي قول فراعنة مصر من القبط‏.‏ ونساب العرب يأبون من ذلك ونسبوهم إلى عملاق بن لاوذ كما مر‏.‏ ثم بنو يروم وكنعان ولم يبق منهم عين تطرف والله الباقي بعد فناء خلقه‏.‏ مدين‏:‏ وأما مدين بن إبراهيم فتزوج بابنة لوط وجعل الله في نسلها البركة وكان له من الولد خمسة‏:‏ عيفا وعيفين وحنوخ وأنيداغ وألزاعا‏.‏ وقد تقدم ذكرهم في ولد إبراهيم من قنطورا فكان منهم مدين أمة كبيرة ذات بطون وشعوب وكانوا من أكبر قبائل الشام وأكثرهم عددا‏.‏ وكانت مواطنهم تجاور أرض معان من أطراف الشام مما يلي الحجاز قريبا من بحيرة قوم لوط‏.‏ وكان لهم تغلب بتلك الأرض فعتوا وبغوا وعبدوا الآلهة وكانوا يقطعون السبل ويبخسون في المكيال‏.‏ وبعث الله فيهم شعيباً نبياً منهم وهو ابن نويل بن رعويل بن عيا بن مدين‏.‏ قال المسعودي‏:‏ مدين هؤلاء من ولد المحضر بن جندل بن يعصب بن مدين وأن شعيباً أخوهم في النسب وكانوا ملوكا عدة يسمون بكلمات أبجد إلى آخرها وفيه نظر‏.‏ وقال ابن حبيب في كتاب البلط‏:‏ هو شعيب بن نويب بن أحزم بن مدين‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ شعيب بن عيفا ويقال ابن صيفون‏.‏ وشعيب هذا هو شعيب موسى الذي هاجر إليه من مصر أيام القبط واستأجره على إنكاح ابنته إياه على أن يخدمه ثماني سنين وأخذ عنه آداب الكتاب والنبوة حسبما يأتي عند ذكر موسى صلوات الله عليهما وأخبار بني إسرائيل‏.‏ وقال الصيمري‏:‏ الذي استأجر موسى وزوجه هو بثر بن رعويل‏.‏ ووقع في في التوراة أن اسمه يبثر وأن رعويل أباه أو عمه هو الذي تولى عقد النكاح‏.‏ وكان لمدين هؤلاء مع بني إسرائيل حروب بالشام ثم تغلب عليهم بنو إسرائيل وانقرضوا جميعا‏.‏ لوط‏:‏ وأما لوط بن هاران أخي إبراهيم عليهما السلام فقد تقدم من خبره مع قومه ما ذكرناه هنالك‏.‏ ولما نجا بعد هلاكهم لحق بأرض فلسطين فكان بها مع إبراهيم إلى أن قبضه الله وكان له من الولد على ما ذكر في التوراة عمون بتشديد الميم وإشباع حركتها بالضم ونون بعدها وموآيي بإشباع ضمة الميم وإشباع فتحة الهمزة بعدها وياء تحتية وبعدها ياء ساكنة هوائية‏.‏ وجعل الله في نسلهما البركة حتى كانوا من أكثر قبائل الشام وكانت مساكنهم بأرض البلقاء ومدائنها في بلد وآيي ومعان وما والاهما‏.‏ وكانت لهم مع بني إسرائيل حروب نذكرها في أخبارهم وكان منهم بلعام بن باعور بن رشيوم بن برسيم بن وآيي وقصته مع ملك كنعان حين طلبه في الدعاء على بني إسرائيل أيام موسى صلوات الله عليه وأن دعاءه صرف إلى الكنعانيين مذكورة في التوراة ونوردها في موضعها‏.‏ وأما ناحور أخو إبراهيم عليه السلام فقد تقدم ذكره أنه هاجر مع إبراهيم عليه السلام من بابل إلى حران ثم إلى الأرض المقدسة فكان معه هنالك وكانت زوجته ملكا بنت أخيه هاران وملكا هذه هي أخت سارة زوج إبراهيم عليه السلام وأم إسحق‏.‏ وكان لناحور من ملكا على ما وقع في نص التوراة ثمانية من الولد‏:‏ عوص وبوص وقمويل وهو أبو الأرمن وكاس ومنه الكلدانيون الذين كان منهم بختنصر وملوك بابل وحذو وبلداس وبلداف ويثويل‏.‏ وكان له من سرية اسمها أدوما أربعة من الولد وهم‏:‏ طالج وكاحم وتاخش وماعخا‏.‏ هؤلاء ولد ناحور أخي إبراهيم كلهم مذكورون في التوراة وهم اثنا عشر ولدا وهؤلاء كلهم بادوا وانقرضوا ولم يبق منهم إلا الأرمن من قمويل بن ناحور أخي إبراهيم عليه السلام ابن آزر وهم لهذا العهد على دين النصرانية وموطنهم في أرمينية شرقي القسطنطينية‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏ وهذا آخر الكلام في الطبقة الأولى من العرب ومن عاصرهم من الأمم ولنرجع إلى أهل الطبقة الثانية وهم العرب المستعربة والله سبحانه وتعالى الكفيل بالإعانة‏.‏ الطبقة الثانية من العرب وهم العرب المستعربة وذكر أنسابهم وأيامهم وملوكهم والإلمام ببعض الدول التي كانت على عهدهم وإنما سمي أهل هذه الطبقة بهذا الاسم لأن السمات والشعائر العربية لما انتقلت إليهم من قبلهم اعتبرت فيها الصيرورة بمعنى أنهم صاروا إلى حال لم يكن عليها أهل نسبهم وهي اللغة العربية التي تكلموا بها‏.‏ فهو من استفعل بمعنى الصيرورة من قولهم استنوق الجمل واستحجر الطين‏.‏ وأهل الطبقة الأولى لما كانوا أقدم الأمم - فيما يعلم -‏.‏ جيلا كانت اللغة العربية لهم بالأصالة واعلم أن أهل هذا الجيل من العرب يعرفون باليمنية والسبائية وقد تقدم


عدل سابقا من قبل محمد منسى في الإثنين 5 مايو 2008 - 16:51 عدل 1 مرات
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:43

أن نسابة بني إسرائيل يزعمون أن أباهم سبا من ولد كوش بن كنعان ونسابة العرب يأبون ذلك ويدفعونه والصحيح الذي عليه كافتهم أنهم من قحطان وأن سبا هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان‏.‏ وقال ابن إسحق‏:‏ يعرب بن يشجب فقدم وأخر‏.‏ وقال ابن ماكولا على ما نقل عنه السهيلي‏:‏ اسم قحطان مهزم‏.‏ وبين النسابة خلاف في نسب قحطان‏:‏ فقيل هو ابن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام أخو فالغ ويقطن ولم يقع له ذكر في التوراة وإنما ذكر فالغ ويقطن‏.‏ وقيل هو معرب يقطن لأنه اسم أعجمي والعرب تتصرف في الأسماء الأعجمية بتبديل حروفها وتغييرها وتقديم بعضها على بعض‏.‏ وقيل‏:‏ إن قحطان بن يمن بن قيدار وقيل‏:‏ إن قحطان من ولد إسماعيل‏.‏ وأصح ما قيل في هذا أنه قحطان بن يمن بن قيدر ويقال الهميسع بن يمن بن قيدار وأن يمن هذا سميت به اليمن‏.‏ وقال ابن هشام‏:‏ أن يعرب بن قحطان كان يسمى يمنا وبه سميت اليمن‏.‏ فعلى القول بأن قحطان من ولد إسماعيل تكون العرب كلهم من ولده لأن عدنان وقحطان يستوعبان شعوب العرب كلها‏.‏ وقد احتج لذلك من ذهب إليه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرهاة الأنصار‏:‏ ‏"‏ ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ‏"‏‏.‏ والأنصار من ولد سبا وهو ابن قحطان وقيل‏:‏ إنما قال ذلك لقوم من أسلم من أقصى إخوة خزاعة بن حارثة بناء على أن نسبهم في سبا‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ ولا حجة في شيء منهما لأنه إذا كانت العرب كلها من ولد إسماعيل فهذا من السهيلي جنوح إلى القول بمفهوم اللقب وهو ضعيف‏.‏ ثم قال‏:‏ والصحيح أن هذا القول إنما كان منه صلى الله عليه وسلم لأسلم كما قدمناه وإنما أراد أن خزاعة من معد بن إلياس بن مضر وليسوا من سبا ولا من قحطان كما هو الصحيح في نسبهم على ما يأتي‏.‏ واحتجوا أيضاً لذلك بأن قحطان لم يقع له ذكر في التوراة كما تقدم فدل على إنه ليس من ولد عابر فترجح القول بأنه من إسماعيل وهذا مردود بما تقدم أن قحطان معرب يقطن وهو الصحيح‏.‏ وليس بين الناس خلاف في أن قحطان أبو اليمن كلهم‏.‏ ويقال‏:‏ إنه أول من تكلم بالعربية ومعناه من أهل هذا الجيل الذين هم العرب المستعربة من اليمنية وإلا فقد كان للعرب جيل آخر وهم العرب العاربة ومنهم تعلم قحطان تلك اللغة العربية ضرورة ولا يمكن أن يتكلم بها من ذات نفسه‏.‏ وكان بنو قحطان هؤلاء معاصرين لإخوانهم من العرب العاربة ومظاهرين لهم على أمورهم ولم يزالوا مجتمعين في مجالات البادية مبعدين عن رتبة الملك وترفه الذي كان لأولئك فأصبحوا بمنجاة من الهرم الذي يسوق إليه الترف والنضارة فتشعبت في أرض الفضاء فصائلهم وتعمد في جو القفر أفخاذهم وعشائرهم ونما عددهم وكثرت إخوانهم من العمالقة في آخر ذلك الجيل وزاحموهم بمناكبهم واستجدوا خلق الدولة بما استأنفوه من عزهم‏.‏ وكانت الدولة لبني قحطان متصلة فيهم وكان يعرب بن قحطان من أعاظم ملوك العرب‏.‏ يقال‏:‏ انه أول من حياه قومه بتحية الملك‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وهو الذي ملك بلاد اليمن وغلب عليها قوم عاد وغلب العمالقة على الحجاز وولى إخوته على جميع أعمالهم فولى جرهما على الحجاز وعاد بن قحطان على الشحر وحضرموت بن قحطان على جبال الشحر وعمان بن قحطان على بلاد عمان‏.‏ هكذا ذكر البيهقي‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ وعد لقحطان عشرة من الولد وأنه لم يعقب منهم أحد‏.‏ ثم ذكر ابنين منهم دخلوا في حمير ثم ذكر الحرث بن قحطان وقال‏:‏ فولد فيما يقال له لاسور وهم رهط حنظلة بن صفوان نبي الرس والرس ما بين نجران إلى اليمن ومن حضرموت إلى اليمامة‏.‏ ثم ذكر يعرب بن قحطان وقال‏:‏ فيهم الحميرية والعداد انتهى‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وملك بعد يعرب ابنه يشجب وقيل اسمه يمن واستبد أعمامه ما في أيديهم من الممالك‏.‏ وملك بعده ابنه عبد شمس وقيل عابر ويسمى سبا لأنه قيل إنه أول من سن السبي وبنى مدينة سبا وسد مأرب‏.‏ وقال صاحب التيجان إنه غزا الأقطار وبنى مدينة عين شمس بإقليم مصر وولى عليها ابنه بابليون وكان لسبا من الولد كثير وأشهرهم حمير وكهلان اللذان منهما الأمتان العظيمتان من اليمنية أهل الكثرة والملك والعز وملك حمير منهم أعظمه‏.‏ وكان منهم التبابعة كما يذكر في أخبارهم‏.‏ وعد ابن حزم في ولده زدان وابنه نجران بن زيدان وبه سميت البلد‏.‏ ولما هلك سبا قام بالملك بعده ابنه حمير ويعرف بالعرنجج وقيل‏:‏ هو أول من تتوج بالذهب‏.‏ ويقال إنه ملك خمسين سنة‏.‏ وكان له من الولد ستة فيما قال السهيلي‏:‏ واثل ومالك وزيد وعامر وعوف وسعد‏.‏ وقال أبو محمد بن حزم‏:‏ الهميسع ومالك وزيد وواثل ومشروح ومعد يكرب وأوس ومرة‏.‏ وعاش فيما قال السهيلي ثلثمائة سنة وملك بعده ابنه واثل وتغلب أخوه مالك بن حمير على عمان فكانت بينهما حروب‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ إن الذي ملك بعد حمير أخوه كهلان ومن بعد واثل بن حمير ثم من بعد واثل السكسك بن واثل‏.‏ وكان مالك بن حمير قد هلك وغلب على عمان بعده ابنه قضاعة فحاربه السكسك وأخرجه عنها وملك بعده ابنه يعفر بن السكسك وخرجت عليه الخوارج وحاربه مالك بن الحاف بن قضاعة وطالت الفتنة بينهما وهلك يعفر وخلف ابنه النعمان حملا ويعرف بالمعافر واستبد عليه من بني حمير ماران بن عوف بن حمير ويعرف بذي رياش وكان صاحب البحرين فنزل نجران واشتغل بحرب مالك بن الحاف بن قضاعة‏.‏ ولما كبر النعمان حبس ذا رياش واستبد بأمره وطال عمره وملك بعده ابنه أسجم بن المعافر فاضطربت أحوال حمير وصار ملكهم طوائف إلى أن استقر في الرايش وبنيه التيابعة كما نذكره‏.‏ ويقال‏:‏ إن بني كهلان تداولوا الملك مع حمير هؤلاء وملك منهم جبار بن غالب بن كهلان وملك أيضاً من شعوب قحطان نجران بن زيد بن يعرب بن قحطان وملك من حمير هؤلاء ثم من بني الهميسع بن حمير أبين بن زهير بن الغوث بن آبين بن الهميسع وإليه نسب عرب أبين من بلاد اليمن‏.‏ وملك منهم أيضاً عبد شمس بن واثل بن الغوث بن حيران بن قطن بن عريب بن زهير بن أبين بن الهميسع بن حمير‏.‏ ثم ملك من أعقابه شداد بن المطاط بن عمرو بن ذي هرم بن الصوان بن عبد شمس وبعده أخوه لقمان ثم أخوهما ذو شدد وهداد ومداثر وبده ابنه الصعب ويقال إنه ذو القرنين‏.‏ وبعده أخوه الحرث بن ذي شدد وهو الرائش جد الملوك التبابعة‏.‏ وملك في حمير أيضاً من بني الهميسع من بني عبد شمس هؤلاء حسان بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس‏.‏ قال أبو المنذر هشام بن الكلبي في كتاب الأنساب ونقلته من أصل عتيق بخط القاضي المحدث أبي القاسم بن عبد الرحمن بن حبيش قال‏:‏ ذكر الكلبي عن رجل من حمير من ذي الكلاع قال‏:‏ أقبل قيس يحرق موضعا باليمن فأبدى عن أزج فدخل فيه فوجد سريرا عليه رجل ميت وعليه جباب وشي مذهبة في رأسه تاج وبين يديه مجحن من ذهب وفي رأسه ياقوتة حمراء وإذا لوح مكتوب فيه‏:‏ بسم الله رب حمير أنا حسان بن عمرو والقيل مات في زمان هيد وماهيد هلك فيها اثنا عشر ألف قبيل فكنت آخرهم قبيلا فابتنيت ذا شعبين ليجيرني من الموت فاخفرني كلامه‏.‏ وقال الطبري‏:‏ وقيل إن أول من ملك اليمن من حمير شمر بن الأملوك كان لعهد موسى عليه السلام وبني طفار وأخرج منها العمالقة ويقال كان من عمال الفرس على اليمن‏.‏ انتهى الكلام في أخبار حمير الأولى والله سبحانه تعالى ولي العون‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:44

الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم
هؤلاء الملوك من ولد عبد شمس بن واثل بن الغوث باتفاق من النسابين وقد مر نسبه إلى حمير وكانت مدائن ملكهم صنعاء ومأرب على ثلاث مراحل منها‏.‏ وكان بها السد ضربته بلقيس ملكة من ملوكهم سدا ما بين جبلين بالصخر والقار فحقنت به ماء العيون والأمطار وتركت فيه خروقا على قدر ما يحتاجون إليه في سقيهم وهو الذي يسمى العرم والسكر وهو جمع لا واحد له من لفظه قال الجعدي‏:‏ من سبأ الحاضرين مأرب إذ يبنون من دون سيله العرما ففي ذلك للمؤتسي أسوة مأرب غطى عليه العرم رخام بناه لهم حمير إذا جاء من رامه لم يرم وقيل بناه لقمان الأكبر ابن عاد كما قاله المسعودي وقال جعله فرسخا في فرسخ وجعل له ثلاثين شعبا وقيل‏:‏ وهو الأليق والأصوب إنه من بناء سبا بن يشجب وإنه ساق إليه سبعين واديا ومات قبل إتمامه فأتمه حمير من بعده وإنما رجحناه لأن المباني العظيمة والهياكل الشامخة لا يستقل بها الواحد كما قدمنا في الكتاب الأول فأقاموا في جناته عن اليمين والشمال كما وصف القرآن‏.‏ ودولتهم يومئذ في جناته عن اليمين والشمال كما وصف القرآن‏.‏ ودولتهم يومئذ أوفر ما كانت وأترف وأبذخ وأعلى يدا وأظهر فلما طغوا وأعرضوا سلط الله عليهم الخلد وهو الجرذ فنقبه من أسفله فأحجفهم السيل وأغرق جناتهم وخربت أرضهم وتمزق ملكهم وصاروا أحاديث‏.‏ وكان هؤلاء التبابعة ملوكا عدة في عصور متعاقبة وأحقاب متطاولة ولم يضبطهم الحصر ولا تقيدت منهم الشوارد‏.‏ وربما كانوا يتجاوزون ملك اليمن إلى ما بعد عنهم من العراق والهند والمغرب تارة ويقتصرون على يمنهم أخرى فاختلفت أحوالهم ودولهم فلنأت بما صح منها متحريا جهد الاستطاعة عن طموس من الفكر واقتفاء التقاليد المرجوع إليها والأصول المعتمد على نقلها وعدم الوقوف على أخبارهم مدونة في كتاب واحد والله قال السهيلي‏:‏ معنى تبع الملك المتبع وقال صاحب المحكم‏:‏ التبابعة ملوك اليمن وأحدهم تبع لأنهم يتبع بعضهم بعضا كلما هلك واحد قام آخر تابعا له في سيرته وزادوا الباء في التبابعة لإرادة النسب‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ قيل لملوك اليمن التبابعة لأنهم يتبعون كما قيل الأقيال لأنهم يتقيلون‏.‏ قال المسعودي‏:‏ ولم يكونوا يسمون الملك منهم تبعا حتى يملك اليمن والشحر وحضرموت وقيل حتى يتبعه بنو جشم بن عبد شمس ومن لم يكن له شيء من الأمرين فيسمى ملكا ولا يقال له تبع‏.‏ وأول ملوك التبابعة باتفاق من المؤرخين الحرث الرائش وإنما سمي الرائش لأنه راش الناس بالعطاء واختلف الناس في نسبه بعد اتفاقهم على أنه من ولد واثل بن الغوث بن حيران بن قطن بن عريب بن زهير بن أبين بن الهميسع بن حمير‏.‏ فقال ابن إسحق‏:‏ وأبو المنذر بن الكلبي أن قيسا بن معاوية بن جشم‏.‏ فابن إسحق يقول في نسبه إلى سبا الحرث بن عدي بن صيفي‏:‏ وابن الكلبي يقول‏:‏ الحرث بن قيس بن صيفي‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ هو الحرث بن همال بن ذي سدد بن الملطاط بن عمرو بن ذي يقدم بن الصوار بن عبد شمس بن ذي سدد بن الملطاط بن عمرو بن ذي يقدم بن الصوار بن عبد شمس بن واثل‏.‏ وجشم جد سبا هو ابن عبد شمس‏.‏ هذا عند المسعودي وعند بعضهم أنه أخوه وأنهما معا ابنا وائل‏.‏ وذكر المسعودي عن عبيد بن شرية الجرهمي وقد سأله معاوية عن ملوك اليمن في خبر طويل ونسب الحرث منهم فقال‏:‏ هو الحرث بن شدد بن الملطاط بن عمرو‏.‏ وأما عند الطبري فاختلف نسبه في نسب الحرث فمرة قال‏:‏ وبيت ملك التبابعة في سبا الأصغر ونسبه كما مر‏.‏ وقال في موضع آخر‏:‏ والحرث بن ذي شدد هو الرائش جد الملوك التبابعة فجعله إلى شدد ولم ينسبه إلى قيس ولا عدي من ولد سبا‏.‏ وكذلك اضطرب أبو محمد بن حزم في نسبه في الجمهرة مرة إلى الملطاط ومرة إلى سبا الأصغر والظاهر أنه تبع في ذلك الطبري والله أعلم‏.‏ وملك الحرث الرائش فيما قالوا مائة وخمسا وعشرين سنة وكان يسمى تبعا وكان مؤمنا فيما قال السهيلي‏.‏ ثم ملك بعده ابنه أبرهة ذو المنار مائة وثمانين سنة‏.‏ قال المسعودي‏:‏ وقال ابن هشام‏:‏ أبرهة ذو المنار هو ابن الصعب بن ذي مداثر بن الملطاط وسمي ذا المنار لأنه رفع المنار ليهتدي به‏.‏ ثم ملك من بعده أفريقش بن أبرهة مائة وستين سنة‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ هو أفريقش بن قيس بن أبرهة مائة وستين سنة‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ هو أفريقش بن قيس بن صيفي أخو الحرث الرائش وهو الذي ذهب بقبائل العرب إلى أفريقية وبه سميت وساق البربر إليها من أرض كنعان مر بها عندما غلبهم يوشع وقتلهم فاحتمل الفل منهم وساقهم إلى أفريقية فأنزلهم بها وقتل ملكها جرجير ويقال إنه الذي سمي البرابرة بهذا الاسم لأنه لما افتتح المغرب وسمع رطانتهم قال‏:‏ ما أكثر بربرتهم فسفوا البرابرة والبربرة في لغة ولما رجع من غزو المغرب ترك هنالك من قبائل حمير صنهاجة وكتامة فهم إلى الآن بها وليسوا في نسب البربر قاله الطبري والجرجاني والمسعودي وابن الكلبي والسهيلي وجميع النسابين‏.‏ ثم ملك من بعد أفريقش أخوه العبد بن أبرهة وهو ذو الأذعار عند المسعودي قال‏:‏ سمي بذلك لكثرة ذعر الناس من جوره وملك خمسا وعشرين سنة وكان على عهد سليمان بن داود وقبله بقليل وغزا ديار المغرب وسار إليه كيقاوس بن كنعان ملك فارس فبارزه وانهزم كيقاوس وأسره ذو الأذعار حتى استنقذه بعد حين من يديه وزيره رستم زحف إليه بجموع فارس إلى اليمن وحارب ذو الأذعار فغلبه واستخلص كيقاوس من أسره كما نذكره في أخبار ملوك فارس‏.‏ وقال الطبري أن ذا الأذعار اسمه عمرو بن أبرهة ذي المنار بن الحرث الرائش بن قيس بن صيفي بن سبا الأصغر انتهى‏.‏ وكان مهلك ذي الأذعار فيما ذكر ابن هشام مسموما على يد


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:47

الملكة بلقيس‏.‏ وملك من بعده الهدهاد بن شرحبيل بن عمرو بن ذي الأذعار وهو ذو الصرح وملك ستا أو عشرا فيما قال المسعودي‏.‏ وملكت بعده ابنته بلقيس سبع سنين‏.‏ وقال الطبري‏:‏ إن اسم بلقيس بنت اليشرح بن الحرث بن قيس انتهى‏.‏ ثم غلبهم سليمان عليه السلام على اليمن كما وقع في القرآن فيقال تزوجها ويقال بل عزلها في التأيم فتزوجت سدد بن زرعة بن سبا وأقاموا في ملك سليمان وابنه أربعا وعشرين سنة‏.‏ ثم قام بملكهم ناشر بن عمرو ذي الاذعار ويعرف بناشر النعم لفظين مركبين جعلا اسما واحدا كذا ضبطه الجرجاني‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ ناشر بن عمرو ثم قال‏:‏ ويقال ناشر النعم‏.‏ وفي كتاب المسعودي نافس بن عمرو ولعله تصحيف ونسبه إلى عمرو ذي الأذعار وليس يتحقق في هذه الأنساب كلها أنها للصلب فإن الآماد طويلة والأحقاق بعيدة وقد يكون بين اثنين منهما عدد من الآباء وقد يكون ملصقا به‏.‏ وقال هشام بن الكلبي‏:‏ أن ملك اليمن صار بعد بلقيس إلى ناشر بن عمرو بن يعفر الذي يقال له ياسر أنعم لإنعامه عليهم بما جمع من أمرهم وقوي من ملكهم‏.‏ وزعم أهل اليمن أنه سار غازيا إلى المغرب فبلغ وادي الرمل ولم يبلغه أحد ولم يجد فيه مجازا لكثرة الرمل وعبر بعض أصحابه فلم يرجعوا فأمر بصنم من نحاس نصب على شفير الوادي وكتب في صدره بالخط المسند‏:‏ هذا الصنم لياسر أنعم الحميري ليس وراءه مذهب فلا يتكلف أحد ذلك فيعطب انتهى‏.‏
ثم ملك بعد ياسر هذا ابنه شمر مرعش سمي بذلك لارتعاش كان به ويقال أنه وطىء أرض العراق وفارس وخراسان وافتتح مدائنها وخرب مدينة الصغد وراء جيحون فقالت العجم‏:‏ شمر كنداي شمر خرب‏.‏ وبنى مدينة هنالك فسميت باسمه هذا وعربته العرب فصار سمرقند‏.‏ ويقال أنه الذي قاتل قباذ ملك الفرس وأسره وأنه الذي حير الجيرة وكان ملكه مائة وستين سنة‏.‏ وذكر بعض الإخباريين أنه مل بلاد الروم وأنه الذي استعمل عليهم ماهان قيصر فهلك وملك بعده ابنه دقيوس‏.‏ وقال السهيلي في شمر مرعش الذي سميت به سمرقند أنه شمر بن مالك ومالك هو الأملوك الذي قيل فيه‏:‏ فنقب عن الأملوك واهتف بذكره وعش دار عز لايغالبه الدهر وهذا غلط من السهيلي فانهم مجمعون على أن الأملوك كان لعهد موسى صلوات الله عليه وشمر من أعقاب ذي الأذعار الذي كان على عهد سليمان فلا يصح ذلك إلى أن يكون شمر أبرهة ويكون أول دولة التبابعة‏.‏ ثم ملك على التبابعة بعد شمر مرعش تبع الاقرن واسمه زيد‏.‏ قال السهيلي‏:‏ وهو ابن شمر مرعش وقال الطبري إنه ابن عمرو ذي الأذعار‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ إنما الأقرن لشامة كانت في قرنه وملك ثلاثا وخمسين سنة‏.‏ وقال المسعودي‏:‏ ثلاثا وستين‏.‏ ثم ملك من بعده ابنه كلكيكرب وكان مضعفا ولم يغز قط إلى أن مات وملك بعده ابنه تبان أسعد أبو كرب ويقال هو تبع الآخر وهو المشهور من ملوك التبابعة‏.‏ وعند الطبري أن الذي بعد ياسر ينعم بن عمرو ذي الأذعار تبع الأقرن أخوه‏.‏ ثم بعد تبع الأقرن شمر مرعش بن ياسر ينعم ثم من بعده تبع الأصغر وهو تبان أسعد أبو كرب هذا هو تبع الآخر وهو المشهور من ملوك التبابعة‏.‏ وقال الطبري‏:‏ ويقال له الرائد وكان على عهد يستاسب وحافده أردشير يمن وإنه شخص من اليمن غازيا ومر بالجيرة فتحير عسكره هنالك فسميت الحيرة وخلف قوما من الأزد ولخم وجذام وعاملة وقضاعة فأقاموا هنالك وبنوا الأطام‏.‏ واجتمع إليهم ناس من طيرة وكلب والسكون وأياد والحرث بن كعب‏.‏ ثم توجه الأنبار ثم الموصل ثم أذربيجان ولقي الترك فهزمهم وقتل وسبى ثم رجع إلى اليمن وهابته الملوك وهادنه ملوك الهند ثم رجع لغزو الترك وبعث ابنه حسان إلى الصغد وابنه يعفر إلى الروم وابن أخيه شمر ذي الجناح إلى الفرس وأن شمر لقي كيقباذ ملك الفرس فهزمه وملك سمرقند وقتله وجاز إلى الصين فوجد أخاه حسان قد سبقه إليها فأثخنا في القتل والسبي وانصرفا بما معهما من الغنائم إلى أبيهما‏.‏ وبعث ابنه يعفر إلى القسطنطينية فتلقوه بالجزية والأتاوة فسار إلى رومة وحصرها ووقع الطاعون في عسكره فاستضعفهم الروم ووثبوا عليهم فقتلوهم ولم يفلت منهم أحد‏.‏ ثم رجع إلى اليمن ويقال إنه ترك ببلاد الصين قوما من حمير وأنهم بها لهذا العهد وأنه ترك ضعفاء الناس بظاهر الكوفة فتحيروا هنالك وأقاموا معهم من كل قبائل العرب‏.‏ وقال ابن إسحق‏:‏ إن الذي سار إلى المشرق من التبابعة تبع الآخر وهو تبان أسعد أبو كرب بن ملكيكرب بن زيد الأقرن بن عمرو ذي الأذعار وتبان أسعد هو حسان تبع وهو - فيما يقال - أول من كسا الكعبة‏.‏ وذكر ابن إسحق الملاء والوصائل وأوصى ولاته من جرهم بتطهيرها وجعل لها بابا ومفتاحا‏.‏ وذكر ابن إسحق أنه أخذ بدين اليهودية‏.‏ وذكر في سبب تهوده أنه لما غزا إلى المشرق مر بالمدينة يثرب فملكها وخلف ابنه فيهم فعدوا عليه وقتلوه غيلة‏.‏ ورئيسهم يومئذ عمرو بن الطلة من بني النجار‏.‏ فلما أقبل من المشرق وجعل طريقه على المدينة مجمعا على خرابها فجمع هذا الحي من أبناء قيلة لقتاله فقاتلهم‏.‏ وبينما هم على ذلك جاءه حبران من أحبار يهود من بني قريظة وقالا له‏:‏ لا تفعل فإنك لن تقدر وأنها مهاجر نبي قرشي يخرج آخر الزمان فتكون قرارا له‏.‏ وأنه أعجب بهما واتبعهما على دينهما ثم مضى لوجهه‏.‏ ولقيه دون مكة نفر من هذيل وأغروه بمال الكعبة وما فيها من الجواهر والكنوز فنهاه الحبران عن ذلك وقالا له‏:‏ إنما أراد هؤلاء هلاكك فقتل النفر من الهذليين وقدم مكة فأمره الحبران بالطواف بهما والخضوع ثم كساها كما تقدم‏.‏ وأمر ولاتها من جرهم بتطهيرها من الدماء والحيض وسائر النجاسات وجعل لها بابا ومفتاحا‏.‏ ثم سار اليمن وقد ذكر قومه ما أخذ به من دين اليهودية وكانوا يعبدون الأوثان فتعرضوا لمنعه ثم حاكموه إلى النار التي كانوا يحاكمون إليها فتأكل الظالم وتدع المظلوم‏.‏ وجاؤوا بأوثانهم وخرج الحبران متقلدين المصاحف ودخل الحميريون فأكلتهم وأوثانهم‏.‏ وخرجا منها ترشح وجوههم وجباههم عرقا‏.‏ فآمنت حمير عند ونقل السهيلي عن ابن قتيبة في هذه الحكاية‏:‏ أن غزاة تبع هذه إنما هي استصراخة أبناء قيلة على اليهود فإنهم كانوا نزلوا مع اليهود حين أخرجوهم من اليمن على شروط فنقضت عليهم اليهود فاستغاثوا بتبع فعند ذلك قدمها‏.‏ وقد قيل‏:‏ إن الذي استصرخه أبناء قيلة على اليهود إنما هو أبو جبلة من ملوك غسان بالشام جاء به مالك بن عجلان فقتل اليهود بالمدينة‏.‏ وكان من الخزرج كما نذكر بعد‏.‏ ويعضد هذا أن مالك بن عجلان بعيد عن عهد تبع بكثير‏.‏ يقال أنه كان قبل الإسلام بسبعمائة سنة ذكره ابن قتيبة‏.‏ وحكى المسعودي في أخبار تبع هذا أن أسعد أبا كرب سار في الأرض ووطأ الممالك وذللها ووطيء أرض العراق في ملك الطوائف وعميد الطوائف يومئذ خرداد بن سابور فلقي ملكا من ملوك الطوائف اسمه قباذ وليس قباذ بن فيروز فانهزم قباذ وملك أبو كرب العراق والشام والحجاز وفي ذلك يقول تبع أبو كرب‏:‏ إذا حسينا جيادنا من دماء ثم سرنا بها مسيرا بعيدا واستبحنا بالخيل خيل قباذ وابن إقليد جاءنا مصفودا وكسونا البيت الذي حرم الله ملاء منضداص وبرودا أقمنا به من الشهر عشرا وجعلنا لبابه إقليدا وقال أيضاً‏:‏ أو تؤدي ربيعة الخرج قسرا لم يعقها عوائق العواق وقد كانت لكندة معه وقائع وحروب حتى غلبهم حجر بن عمرو بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة من ملوك كهلان فدانوا له ورجع أبو كرب إلى اليمن فقتله حمير وكان ملكه ثلثمائة وعشرين سنة‏.‏ ثم ملك من بعد أبي كرب هذا فيما قال ابن إسحق ربيعة بن نصر بن الحرث بن نمارة بن لخم ولخم أخو جذام‏.‏ وقال ابن هشام‏:‏ ويقال ربيعة بن نصر بن أبي حارثة بن عمرو بن عامر‏.‏ كان أبو حارثة تخلف باليمن بحد خروج أبيه وأقام ربيعة بن نصر ملكا على اليمن بعد هؤلاء التبابعة الذين تقدم ذكرهم ووقع له شأن الرؤيا المشهورة‏.‏ قال الطبري عن ابن إسحق عن بعض أهل العلم أن ربيعة بن نصر رأى رؤيا هالته وفظع بها وبعث في أهل مملكته في الكهنة والسحرة والمنجمين وأهل العيافة فأشاروا عليه باستحضار الكاهنين المشهورين لذلك العهد في إياد وغسان وهما شق وسطيح‏.‏ قال الطبري‏:‏ شق هو أبو صعب شكر بن وهب بن أمول بن يزيد بن قيس عبقر بن أنمار‏.‏ وسطيح هو ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذيب بن عدي بن مازن بن غسان‏.‏ ولوقوع اسم ذيب في نسبه كان يعرف بالذيبي‏.‏ فأحضرهما وقص عليهما رؤياه وأخبراه بتأويلها أن الحبشة يملكون بلاد اليمن من بعد ربيعة وقحطان بسبعين سنة ثم يخرج عليهما ابن ذي يزن من عدن فيخرجهم ويملك عليهم اليمن ثم تكون النبوة في قريش في بني غالب بن فهر‏.‏ ووقع في نفس ربيعة أن الذي حدثه الكاهنان من أمر الحبشة كائن فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم وكتب إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرداذ فأسكنهم الحيرة‏.‏ ومن بيت ربيعة بن نصر كان النعمان ملك الحيرة وهو النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر‏.‏
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:49

قاله ابن إسحق‏:‏ ولما هلك ربيعة بن نصر اجتمع ملك اليمن لحسان بن تبان أسعد أبي كرب‏.‏ قال السهيلي‏:‏ وهو الذي استباح طسما كما ذكرناه وبعث على المقدمة عبد كهلان بن يثرب بن ذي حرب بن حارث بن ملك بن عبدان بن حجر بن ذي رعين‏.‏ واسم ذي رعين يريم وهو ابن زيد الجمهور وقد مر نسبه إلى سبا الأصغر‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ في أيام حسان تبع كان خروج عمرو بن مزيقيا من اليمن بالأزد وهو غلط من السهيلي لأن أبا كرب أباه إنما غزا المدينة فيما هو صريخا للأوس على اليهود وهو من غسان ونسبه إلى مزيقيا‏.‏ فعلم هذا يكون الذي استصرخه الأوس والخزرج على اليهود إنما هو من ملوك غسان كما يأتي في أخبارهم‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ ولما ملك حسان بن تبع بن تبان أسعد سار بأهل اليمن يريد أن يطأ بهم أرض العرب والعجم كما كانت التبابعة تفعل فكرهت حمير وقبائل اليمن السير معه وأرادوا الرجوع إلى بلادهم فكلموا أخا له كان معهم في العسكر يقال له عمرو وقالوا له اقتل أخاك نملكك وترجع إلينا إلى بلادنا فتابعهم على ذلك وخالفه ذو رعين في ذلك ونهى عمرا عن ذلك فلم يقبل وكتب في صفيحة وأودعها عنده‏:‏ ألا من يشتري سهراً بنوم سعيد من يبيت قرير عين فإما حمير غدرت وخانت فمعذرة الإله لذي رعين ثم قتل عمرو أخاه بعرصة لخم وهي رحبة مالك بن طوق ورجع حمير إلى اليمن فمنع النوم عليه السهر وأجهمه ذلك فشكى إلى الأطباء عدم نومه والكهان والعرافين فقالوا ما قتل رجل أخاه إلا سلط عليه السهر فجعل يقتل كل من أشار عليه بقتل أخيه ولم يغنه ذلك شيئا وهم بذي رعين فذكره شعره فكانت فيه معذرته ونجاته‏.‏ وكان عمرو هذا يسمى موثبان‏.‏ قال الطبري‏:‏ لوثوبه على أخيه‏.‏ وقال ابن قتيبة‏:‏ لقلة غزوه ولزومه الوثب على الفراش‏.‏ وهلك عمرو هذا لثلاث وستين سنة من ملكه‏.‏ قال الجرجاني الطبري‏:‏ ثم مرج أمر حمير من بعده وتفرقوا‏.‏ وكان ولد حسان تبع صغارا لا يصلحون للملك وكان أكبرهم قد استهوته الجن فوثب على ملك التبابعة عند كلال موثباً فملك عليهم أربعاً وتسعين سنة وكان يدين بالنصرانية ثم رجع ابن حسان تبع من استهواء الجن فملك على التبابعة‏.‏ قال الجرجاني‏:‏ ملك ثلاثا وسبعين سنة وهو تبع الأصغر ذو المغازي والآثار البعيدة‏.‏ قال الطبري‏:‏ وكان أبوه حسان تبع قد زوج بنته من عمرو بن حجر آكل المرار ابن عمرو بن معاوية من ملوك كندة فولدت له ابنه الحرث بن عمرو فكان ابن تبع بن حسان هذا فبعثه على بلاد معد وملك على العرب بالحيرة مكان آل نصر بن ربيعة‏.‏ قال وانعقد الصلح بينه وبين كيقباد ملك فارس على أن يكون الفرات حدا بينهم‏.‏ ثم أغارت العرب بشرقي الفرات فعاتبه على ذلك فقال لا أقدر على ضبط العرب إلا بالمال والجند فأقطعه بلادا من السواد وكتب الحرث إلى تبع يغريه بملك الفرس وتضعيف أمر كيقباد فغزاهم‏.‏ وقيل إن الذي فعل ذلك هو عمرو بن حجر أبوه الذي ولاه تبع أبو كرب وأنه أغراه بالفرس واستقدمه إلى الحيرة فبعث عساكره مع ولده الثلاثة إلى الصغد والصين والروم وقد تقدم ذكر ذلك‏.‏ قال الجرجاني‏:‏ ثم ملك بعد تبع بن حسان تبع أخوه لأمه وهو مدثر بن عبد كلال فملك إحدى وأربعين سنة ثم ملك من بعده ابنه وليعة بن مدثر سبعا وثلاثين سنة ثم ملك من بعده أبرهة بن الصباح بن لهيعة بن شيبة بن مدثر قيلف بن يعلق بن معد يكرب بن عبد الله بن عمرو بن ذي أصبح الحرث بن مالك أخو ذي رعين وكعب أبو سبا الأصغر‏.‏ قال الجرجاني‏:‏ وبعض الناس يزعم أن أبرهة بن الصباح إنما ملك تهامة فقط‏.‏ قال ثم ملك من بعده حسان بن عمرو بن تبع بن كلكيكرب سبعا وخمسين سنة‏.‏ ثم ملك لخيتعة ولم يكن من أهل بيت المملكة‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ ولما ملك لخيتعة غلب عليهم وقتل خيارهم وعبث برجالات بيوت المملكة منهم‏.‏ قيل إنه كان ينكح ولدان حمير يريد بذلك أن لا يملكوا عليهم وكانوا لا يملكون عليهم من نكح‏.‏ نقله ابن إسحق‏.‏ وقال أقام عليهم مملكا سبعا وعشرين سنة ثم وثب عليه ذو نواس زرعة تبع بن تبان أسعد أبي كرب وهو حسان أبي ذي معاهر فيما قال ابن إسحق وكان صبيا حين قتل حسان‏.‏ ثم شب غلاما جميلا ذا هيئة وفضل ووضاءة ففتك بلخيتعة في خلوة أراده فيها على مثل فعلاته القبيحة‏.‏ وعلمت به حمير وقبائل اليمن فملكوه واجتمعوا عليه وجدد ملك التبابعة‏.‏ وتسمى يوسف وتعصب لدين اليهودية فكانت مدته - فيما قال ابن إسحق - ثمانية وستين سنة‏.‏ إلى هنا ترتيب أبي الحسن الجرجاني ثم قال‏:‏ وقال آخرون ملك بعد أفريقش بن أبرهة قيس بن صيفي وبعده الحرث بن قيس بن مياس ثم ماء السماء بن ممروه ثم شرحبيل وهو يصحب بن مالك بن زيد بن غوث بن سعد بن عوف بن علي بن الهمال بن المنثلم بن جهيم ثم الصعب بن قرين بن الهمال بن المنثلم ثم زيد بن الهمال ثم ياسر بن الحرث بن عمرو بن يعفر ثم زهير بن عبد شمس أحد بني صيفي بن سبا الأصغر وكان فاسقا مجرما يفتض أبكار حمير حتى نشأت بلقيس بنت اليشرح بن ذي جدن بن اليشرح بن الحرث بن قيس بن صيفي فقتلته غيلة ثم ملكت‏.‏ ولما أخذها سليمان ملك لمك بن شرحبيل ثم ملك ذو وداع فقتله ملكيكرب بن تبع بن الأقرن وهو أبو ملك‏.‏ ثم هلك فملك أسعد بن قيس بن زيد بن عمرو ذي الأذعار بن أبرهة ذي المنار بن الرايش بن قيس بن صيفي بن سبا وهو أبو كرب ثم ملك حسان ابنه فقتله عمرو أخوه ووقع الاختلاف في حمير‏.‏ ووثب على عمر لخيتعة ينوف ذو الشناتر وملك ثم قتله ذو نواس بن تبع وملك كلام الجرجاني‏.‏ وزعم ابن سعيد ونقله من كتب مؤرخي المشرق‏:‏ أن الحرث الرايش هو ابن ذي سدد ويعرف بذي مداثر وأن الذي ملك بعده ابنه الصعب وهو ذو القرنين ثم ابنه أبرهة بن الصعب وهو ذو المنار ثم العبد ذو الأشفار بن أبرهة بن عمرو ذي الأذعار بن أبرهة ثم قتلته بلقيس‏.‏ قال في التيجان‏:‏ إن حمير خلعوه وملكوا شرحبيل بن غالب بن المنتاب بن زيد بن يعفر بن السكسك بن واثل وكان بمأرب فجاز به ذو الأذعار وحارب ابنه الهدهاد بن شرحبيل من بعده وابنته بلقيس بنت الهدهاد الملكة من بعده فصالحته على التزويج وقتلته وغلبها سليمان عليه السلام على اليمن إلى أن هلك وابنه رحبعم من بعده‏.‏ واجتمعت حمير من بعده على مالك بن عمرو بن يعفر بن عمرو بن حمير بن المنتاب بن عمرو بن يزيد بن يعفر بن السكسك بن واثل بن حمير‏.‏ من بعده على مالك بن عمرو بن يعفر بن عمرو بن حمير بن المنتاب بن عمرو بن يزيد بن يعفر بن السكسك بن واثل بن حمير‏.‏ وملك بعده ابنه شمر يرعش وهو الذي خرب سمرقند وملك بعده ابنه صيفي بن شمر على اليمن وسار أخوه أفريقش بن شمر إلى أفريقية بالبربر وكنعان فملكها‏.‏ ثم انتقل الملك إلى كهلان وقام به عمران بن عامر ماء السماء بن حارثة امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد وكان كاهنا‏.‏ ولما احتضر عهد إلى أخيه
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الإثنين 5 مايو 2008 - 16:50

عمرو بن عامر المعروف بمزيقيا وأعلمه بخراب سد مأرب وهلاك اليمن بالسيل فخرج من اليمن بقومه‏.‏ وأصاب اليمن سيل العرم فلم ينتظم لبني قحطان بيعته واستولى على قصر مأرب من بعده ربيعة بن نصر‏.‏ ثم رأى رؤيا ونفر بملك الحبشة وبعث ولده إلى العراق وكتب إلى سابور الأشعاني فأسكنهم الحيرة وكثرت الخوارج باليمن‏.‏ فاجتمعت حمير على أن تكون لأبي كرب أسعد بن عدي بن صيفي فخرج من ظفار وغلب ملوك الطوائف باليمن ودوخ جزيرة العرب وحاصر الأوس والخزرج بالمدينة وحمل حمير على اليهودية وطالت مدته وقتلته حمير‏.‏ وملك بعده ابنه حسان الذي أباد طسما ثم قتله أخوه عمرو بمداخلة حمير وهلك عمرو فملك بعده أخوه لأبيه عبد كلال بن منوب وفي أيامه خلع سابور أكتاف العرب وملك بعده تبع بن حسان وهو الذي بعث ابن أخيه الحرث بن عمرو الكندي إلى أرض بني معد بن عدنان بالحجاز فملك عليهم‏.‏ وملك بعده مرثد بن عبد كلال ثم ابنه وليعة وكثرت الخوارج عليه وغلب أبرهة الصباح على تهامة اليمن‏.‏ وكان في ظفار ذو شناتر وقتله ذو نواس كما مر‏.‏ هذا ترتيب ابن سعيد في ملوكهم‏.‏ وعند المسعودي أنه لما هلك كليكرب بن تبع المعروف بالأقرن وقال هو الذي سار قومه نحو خراسان والصغد والصين‏.‏ وولي بعده حسان بن تبع فاستقام له الأمر خمسا وعشرين سنة ثم قتله أخوه عمرو بن تبع وملك أربعا وستين سنة ثم تبع أبو كرب وهو الذي غزا يثرب وكسا الكعبة بعد أن أراد هدمها ومنعه الحبران من اليهود وتهود وملك مائة سنة‏.‏ ثم بعده عمرو بن تبع أبي كرب وخلع وملكوا مرثد بن عبد كلال‏.‏ واتصلت الفتن باليمن أربعين سنة ومن بعده وليعة بن مرثد تسعا وثلاثين سنة‏.‏ ومن بعده أبرهة بن الصباح بن وليعة بن مرثد ويدعى شيبة الحمد ثلاثا وتسعين سنة‏.‏ وكانت له سير وقصص ومن بعده عمرو بن قيفان تسع عشرة سنة ومن بعده لخيتعة ذو شناتر ومن بعده ذو نواس‏.‏ وأما ابن الكلبي والطبري وابن حزم فعندهم أن تبع أسعد أبي كرب هو ابن كليكرب ابن زيد الأقرن بن عمرو بن ذي الأذعار بن أبرهة ذي المنار الرايش بن قيس بن صيفي بن سبا الأصغر‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ أنه أسقط أسماء كثيرة وملوكا‏.‏ وقال ابن الكلبي وابن حزم‏:‏ ومن ملوك التبابعة أفريقش بن صيفي ومنهم شمر يرعش بن ياسر ينعم بن عمرو ذي الأذعار ومنهم بلقيس ابنة اليشرح بن ذي جدن بن اليشرح بن الحرث الرايش بن قيس بن صيفي‏.‏ ثم قال ابن حزم بعد ذكر هؤلاء من التبابعة‏:‏ وفي أنسابهم اختلاف وتخليط وتقديم وتأخير ونقصان وزيادة‏.‏ ولا يصح من كتب أخبار التبابعة وأنسابهم إلا طرف يسير لاختلاف رواتهم وبعد العهد‏.‏ وقال الطبري‏:‏ لم يكن لملوك اليمن نظام وإنما كان الرئيس منهم يكون ملكا على مخلافه لا يتجاوزه وإن تجاوز بعضهم عن مخلافه بمسافة يسيرة من غير أن يرث ذلك الملك عن آبائه ولا يرثه أبناؤه عنه إنما هو شأن شداد المتلصصة يغيرون على النواحي باستغفال أهلها فإذا قصدهم الطلب لم يكن لهم ثبات‏.‏ وكذلك كان أمر ملوك اليمن يخرج أحدهم من مخلافه بعض الأحيان ويبعد في الغزو والإغارة فيصيب ما يمر به ثم يتشمر عند خوف الطلب زاحفا إلى مكانه من غير أن يدين له أحد من غير مخلافه بالطاعة أو يؤدي إليه خراجا‏.‏ وأما الخبر عن ذي نواس وما بعده فاتفق أهل الأخبار كلهم أن ذا نواس هو ابن تبان أسعد واسمه زرعة وأنه لما تغلب على ملك آبائه التبابعة تسمى يوسف وتعصب لدين اليهودية وحمل عليه قبائل اليمن وأراد أهل نجران عليها وكانوا من بين العرب يدينون بالنصرانية ولهم فضل في الدين واستقامة‏.‏ وكان رئيسهم في ذلك يسمى عبد الله بن الثامر وكان هذا الدين وقع إليهم قديما من بقية أصحاب الحواريين من رجل سقط لهم من ملك التبعية يقال له ميمون نزل فيهم وكان مجتهدا في العبادة مجاب الدعوة ظهرت على يده الكرامات في شفاء المرضى وكان يطلب الخفاء عن الناس جهده‏.‏ وتبعه على دينه رجل من أهل الشام اسمه صالح وخرجا فارين بأنفسهما فلما وطئا بلاد العرب اختطفتهما سيارة فباعوهما بنجران‏.‏ وهم يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم ويعلقون عليها في الأعياد من حليهم وثيابهم ويعكفون عليها أياما‏.‏ وافترقا في الدير على رجلين من أهل نجران وأعجب سيد ميمون صلاته ودينه وسأله عن شأنه فدعاه إلى الدين وعبادة الله وأن عبادة النخلة باطل وأنه لو دعا معبوده عليها هلكت‏.‏ فقال له سيده إن فعلت دخلنا في دينك‏:‏ فدعا ميمون فأرسل الله ريحا فجعفت النخلة من أصلها وأطبق أهل نجران على أتباع دين عيسى صلوات الله عليه‏.‏ ومن رواية ابن إسحق أن ميمون نزل بقرية من قرى نجران وكان يمر به غلمان أهل نجران يتعلمون من ساحر كان بتلك القرية وفي أولئك الغلمان عبد الله بن الثامر فكان يجلس إلى ميمون ويسمع منه فآمن به واتبعه وحصل على معرفة اسم الله الأعظم فكان مجاب الدعوة لذلك واتبعه الناس على دينه وأنكر عليه ملك نجران وهم بقتله‏.‏ فقال له‏:‏ لن تطيق حتى تؤمن وتوحد فآمن ثم قتله فهلك ذلك الملك مكانه‏.‏ واجتمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر وأقام أهل نجران على دين عيسى صلوات الله عليه حتى دخلت عليهم في دينهم الأحداث‏.‏ ودعاهم ذو نواس إلى دين اليهودية فأبوا فسار إليهم في أهل اليمن وعرض عليهم القتل فلم يزدهم إلا جماحا فخدد لهم الأخاديد وقتل وحرق حتى أهلك منهم - فيما قال ابن إسحق - عشرين ألفا أو يزيدون‏.‏ وأفلت منهم رجل من سبا يقال له دوس ذو ثعلبان فسلك الرمل على فرسه وأعجزهم‏.‏ ملك الحبشة اليمن قال هشام بن محمد الكلبي في سبب غزو ذي نواس أهل نجران‏:‏ إن يهوديا كان بنجران فعدا أهلها على ابنين له فقتلوهما ظلما فرفع أمره إلى ذي نواس‏.‏ وتوسل له باليهودية واستنصره على أهل نجران وهم نصارى فحمى له ولدينه وغزاهم‏.‏ ولما أفلت دوس ذو ثعلبان فقدم على قيصر صاحب الروم يستنصره على ذي نواس وأعلمه بما ركب منه وأراه الإنجيل قد احترق بعضه بالنار فكتب له إلى النجاشي يأمره بنصره ويطلب بثأره وبعث معه النجاشي سبعين ألفا من الحبشة‏.‏ وقيل‏:‏ أن صريخ دوس كان أولا للنجاشي وأنه اعتذر إليه بقلة السفن لركوب البحر‏.‏ وكتب إلى قيصر وبعث إليه بالإنجيل المحرق فجاءته السفن وأجاز فيها العساكر من الحبشة وأمر عليهم أرباطا رجلا منهم وعهد إليه بقتلهم وسبيهم وخراب بلادهم فخرج أرباط لذلك ومعه أبرهة الأشرم فركبوا البحر ونزلوا ساحل اليمن‏.‏ وجمع ذو نواس حمير ومن أطاعه من أهل اليمن على افتراق واختلاف في الأهواء‏.‏ فلم يكن كبير حرب وانهزموا‏.‏ فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه بفرسه إلى البحر ثم ضربه فدخل فيه وخاض ضحضاح البحر ثم أفضى به إلى غمرة فأقدمه فيه فكان آخر العهد به‏.‏ ووطىء أرباط اليمن بالحبشة وبعث إلى النجاشي بثلث السبي كما عهد له ثم أقام بها فضبطها وأذل رجالات حمير وهدم حصون الملك بها مثل سلجيق وسون وغمدان‏.‏ وقال ذو يزن يرثي حمير وقصور الملك باليمن‏:‏ هونك ليس يرد الدمع ما فاتا لاتهلكن أسفا في إثر من ماتا أبعد سون فلا عين ولا أثر وبعد سلجيق يبني الناس أبياتا و في رواية هشام بن محمد الكلبي أن السفن قدمت علي النجاشي من قيصر فحمل فيها الحبش ونزلوا بساحل اليمن واستجاش ذو نواس بأقيال حمير فامتنعوا من صريخه وقالوا‏:‏ كل أحد يقاتل عن ناحيته‏.‏ فألقى ذو نواس باليد ولم يكن قتال‏.‏ وأنه سار بهم إلى صنعاء وبعث عماله في النواحي لقبض الأموال وعهد بقتلهم في كل ناحية فقتلوا وبلغ ذلك النجاشي فجهز إلى اليمن سبعين ألفا وعليهم أبرهة فغلبوا صنعاء وهرب ذو نواس واعترض البحر فكان آخر العهد به‏.‏ وملك أبرهة اليمن ولم يبعث إلى النجاشي بشيء وذكر له أنه خلع طاعته‏.‏ فوجه جيشا من أصحابه عليهم أرباط‏.‏ ولما حل بساحته دعاه إلى النصفة والنزال فتبارزا وخدعه أبرهة وأكمن عبدا له في موضع المبارزة فلما التقيا ضربه أرباط فشرم أنفه وسمي الأشرم‏.‏ وخالفه العبد من الكمين فضرب أرباطا فأنقذه وبلغ النجاشي خبر أرباط فحلف ليريقن دمه‏.‏ ثم كتب إليه أبرهة واسترضاه فرضي عليه وأقره على عمله‏.‏ وقال ابن إسحق أن أرباط هو الذي قدم اليمن أولا وملكه وانتقض عليه أبرهة من بعد ذلك فكان ما ذكرنا من الحرب بينهما وقتل أرباط‏.‏ وغضب النجاشي لذلك ثم أرضاه واستبد أبرهة بملك اليمن‏.‏ ويقال أن الحبشة لما ملكوا اليمن أمر أبرهة بن الصباح وأقاموا في خدمته قاله ابن سلام‏.‏ وقيل‏:‏ إن ملك حمير لما انقرض أمر التبابعة صار متفرقا في الأذواء من ولد زيد الجمهور وقام بملك اليمن منهم ذو يزن من ولد مالك بن زيد‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ واسمه علس بن زيد بن الحرث بن زيد الجمهور‏.‏ وقال ابن الكلبي وأبو الفرج الأصبهاني‏:‏ هو علس بن الحرث بن زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد الجمهور‏.‏ قالوا كلهم‏:‏ ولما ملك ذو يزن بعد مهلك ذي نواس واستبد أمر الحبشة على أهل اليمن طالبوهم بدم النصارى الذين في أهل نجران فساروا إليه وعليهم أرباط ولقيهم فيمن معه فانهزم واعترض البحر فأقحم فرسه وغرق فهلك بعد ذي نواس وولى ابنه مرثد بن ذي يزن مكانه وهو الذي استجاشه امرؤ القيس على بني أسد وكان من عقب ذي يزن أيضاً من هؤلاء الأذواء علقمة ذو قيفال بن شراحيل بن ذي يزن وملك مدينة الهون فقتله أهلها من ولما استقر أبرهة في ملك اليمن أساء السير في حمير ورؤسائهم وبعث في ريحانة بنت علقمة بن مالك بن زيد بن كهلان فانتزعها من زوجها أبي مرة بن ذي يزن وقد كانت ولدت منه ابنه معد يكرب‏.‏ وهرب أبو مرة ولحق بأطراف اليمن واصطفى أبرهة ريحانة فولدت له مسروق بن أبرهة ريحانة وأخته بسباسة‏.‏ وكان لأبرهة غلام يسمى عمددة وكان قد ولاه الكثير من أمره فكان يفعل الأفاعيل حتى عدى عليه رجل من حمير أو خثعم فقتله وكان حليما فأهدر دمه‏.‏ غزو الحبشة الكعبة ثم إن أبرهة بنى كنيسة بصنعاء تسمى القليس لم ير مثلها وكتب إلى النجاشي بذلك وإلى قيصر في الصناع والرخام والفسيسفاء وقال‏:‏ لست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب‏.‏ وتحدث العرب بذلك فغضب رجل من السادة أحد بني فقيم ثم أحد بني مالك وخرج حتى أتى القليس فقعد فيها ولحق بأرضه‏.‏ وبلغ أبرهة وقيل له‏:‏ الرجل من البيت الذي يحج إليه العرب فحلف ليسيرن إليه يهدمه‏.‏ ثم بعث في الناس يدعوهم إلى حج القليس فضرب الداعي في بلاد كنانة بسهم فقتل‏.‏ وأجمع أبرهة على غزو البيت وهدمه فخرج سائرا بالحبشة ومعه الفيل فلقيه ذو نفر الحميري وقاتله فهزمه وأسره واستبقاه دليلا في أرض العرب‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ ولما مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال ثقيف فأتوه بالطاعة وبعثوا معه أبا رغال دليلا فأنزله المغمس بين الطائف ومكة فهلك هنالك ورجمت العرب قبره من بعد ذلك قال جرير‏:‏ إذا مات الفرزدق فارجموه كما ترمون قبر أبي رغال ثم بعث أبرهة خيلا من الحبشة فانتهوا إلى مكة واستاقوا أموال أهلها وفيها مائتا بعير لعبد المطلب وهو يومئذ سيد قريش فهموا بقتاله ثم علموا أن لاطاقة لهم به فاقصروا‏.‏ وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة يعلمهم بمقدمه من هدم البيت ويؤذنهم بالحرب إن اعترضوا دون ذلك‏.‏ وأخبر عبد المطلب بذلك عن أبرهة فقال له‏:‏ والله ما نريد حربه‏.‏ وهذا بيت الله فإن يمنعه فهو بيته وإن يخلي عنه فما لنا نحن من دافع‏.‏ ثم انطلق به إلى أبرهة ومر بذي نفر وهو أسير فبعث معه إلى سائس الفيل وكان صديقا لذي نفر فاستأذن له على أبرهة فلما رآه أجله ونزل عن سريره فجلس معه على بساطه وسأله عبد المطلب في الإبل‏.‏ فقال له أبرهة‏:‏ هلا سألت في البيت الذي هو دينك ودين آبائك وتركت البعير فقال عبد المطلب‏:‏ أنا رب الإبل وللبيت رب سيمنعه فرد عليه إبله‏.‏ قال الطبري‏:‏ وكان فيما زعموا قد ذهب مع عبد المطلب عمرو بن لعابة بن عدي بن الرمل سيد كنانة وخويلد بن واثلة سيد هذيل وعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة ويرجع عن هدم البيت فأبى عليهم فانصرفوا‏.‏ وجاء عبد المطلب وأمر قريشا بالخروج من مكة إلى الجبال والشعاب للتحرز فيها‏.‏ ثم قام عند الكعبة ممسكا بحلقة الباب ومعه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه وعبد المطلب ينشد ويقول‏:‏ لاهم إن العبد يمنع رحله فامنع رحالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبدا محالك وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك في أبيات معروفة ثم أرسل الله عليهم الطير الأبابيل من البحر ترميهم بالحجارة فلا تصيب أحدا منهم إلا هلك مكانه وأصابه في موضع الحجر من جسده كالجدري والحصبة فهلك‏.‏ وأصيب أبرهة في جسده بمثل ذلك وسقطت أعضاؤه عضواً عضواً وبعثوا بالفيل ليقدم على مكة فربض ولم يتحرك فنجا وأقدم فيل آخر فحصب وبعث الله سيلا مجحفا فذهب بهم وألقاهم في البحر‏.‏ ورجع أبرهة إلى صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فانصدع صدره عن قلبه ومات‏.‏ ولما هلك أبرهة ملك مكانه ابنه يكسوم وبه كان يكنى واستفحل ملكه وأذل حمير وقبائل اليمن ووطئتهم الحبشة فقتلوا رجالهم ونكحوا نساءهم واستخدموا أبناءهم‏.‏ ثم هلك يكسوم بن أبرهة فملك مكانه أخوه مسروق وساءت سيرته وكثر عسف الحبشة باليمن فخرج ابن ذي يزن واستجاش عليهم بكسرى وقدم اليمن بعساكر الفرس وقتل مسروقا وذهب أمر الحبشة بعد أن توارث ملك اليمن منهم أربعة في اثنتين وسبعين سنة أولهم أرباط ثم أبرهة ثم ابنه يكسوم ثم أخوه مسروق بن أبرهة‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:47

قصة سيف بن ذي يزن وملك الفرس على اليمن
ولما طال البلاء من الحبشة على أهل اليمن خرج سيف بن ذي يزن الحميري من الأذواء بقية ذلك السلف وعقب أولئك الملوك وديال الدولة المفوض للخمود‏.‏ وقد كان أبرهة انتزع منه زوجته ريحانة وبعد أن ولدت منه ابنه معد يكرب كما مر‏.‏ نسبه فيما قال الكلبي‏:‏ سيف بن ذي يزن بن عافر بن أسلم بن زيد بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد الجمهور‏.‏ هكذا نسبه ابن الكلبي ومالك بن زيد هو أبو الأذواء‏.‏ فخرج سيف وقدم على قيصر ملك الروم وشكى إليه أمر الحبشة وطلب أن يخرجهم ويبعث على اليمن من شاء من الروم فلم يسعفه عن الحبشة وقال‏:‏ الحبشة على دين النصارى‏.‏ فرجع إلى كسرى وقدم الحيرة على النعمان بن المنذر عامل فارس على الحيرة وما يليها من أرض العرب فشكى إليه واستمهله النعمان إلى حين وفادته على كسرى وأوفد معه وسأله النصر على الحبشة وأن يكون ملك اليمن له‏.‏ فقال‏:‏ بعدت أرضك عن أرضنا أو هي قليلة الخير إنما هي شاء وبعير ولا حاجة لنا بذلك ثم كساه وأجازه فنثر دنانير الإجازة ونهبها الناس يوهم الغنى‏.‏ نها بما في أرضه فأنكر عليه كسرى ذلك فقال‏:‏ جبال أرضي ذهب وفضة وإنما جئت لتمنعني من الظلم فرغب كسرى في ذلك وأمهله للنظر في أمره وشاور أهل دولته‏.‏ فقالوا في سجونك رجال حبستهم للقتل ابعثهم معه فإن هلكوا كان الذي أردت بهم وإن ملكوا كان ملكاً أزددته إلى ملكك وأحصوا ثمانمائة وقدم عليهم أفضلهم وأعظمهم بيتا وأكبرهم سنا وكان وهزر الديلمي‏.‏ وعند المسعودي وهشام بن محمد السهيلي‏:‏ أن كسرى وعده بالنصر ولم ينصره وشغل بحرب الروم وهلك سيف بن ذي يزن عنده وكبر ابنه ابن ريحانة وهو معد يكرب وعرفته أمه بأبيه فخرج ووفد على كسرى يستنجزه في النصرة التي وعد بها أباه‏.‏ وقال له‏:‏ أنا ابن الشيخ اليمني الذي وعدته فوهبه الدنانير ونثرها إلى آخر القصة‏.‏ وقيل إن الذي وفد على كسرى وأباد الحبشة هو النعمان بن قيس بن عبيد بن سيف بن في يزن‏.‏ قالوا‏:‏ ولما كتبت الفرس مع وهزر وكانوا ثمانمائة وقال ابن قتيبة كانوا سبعة آلاف وخمسمائة‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ كان وهزر من عقب جاماسب عم أنو شروان فأمره على أصحابه وركبوا البحر ثمان سفائن فغرقت منها سفينتان وخلصت ستة إلى ساحل عدن‏.‏ فلما نزلوا بأرض اليمن قال وهزر لسيف‏:‏ ما عندك قال‏:‏ ما شئت من قوس عربي ورجلي مع رجلك حتى نظفر أو نموت‏.‏ قال أنصفت‏:‏ وجمع ابن ذي يزن من استطاع من قومه وسار إليه مسروق بن أبرهة في مائة ألف من الحبشة وأوباش اليمن فتوافقوا للحرب وأمر وهزر ابنه أن يناوشهم للقتال فقتلوه وأحفظه ذلك‏.‏ وقال أروني ملككم فأروه إياه على الفيل عليه تاج وبين عينيه ياقوتة حمراء‏.‏ ثم نزل عن الفيل إلى الفرس ثم إلى البغلة‏.‏ فقال وهزر ركب بنت الحمار ذل وذل ملكه‏.‏ ثم رماه بسهم فصك الياقوتة بين عينيه وتغلغل في دماه وتنكس على دابته وداروا به فحمل القوم عليهم وانهزم الحبشة في كل وجه‏.‏ وأقبل وهزر إلى صنعاء ولما أتى بابها قال‏:‏ لا تدخل رايتي منكوسة فهدم الباب ودخل ناصبا رايته فملك اليمن ونفى عنها الحبشة‏.‏ وكتب بذلك إلى كسرى وبعث إليه بالأموال‏.‏ فكتب إليه أن يملك سيف بن ذي يزن على اليمن على فريضة يؤديها كل عام ففعل وانصرف وهزر إلى كسرى وملك سيف اليمن وكان أبوه من ملوكها‏.‏ وخلف وهزر نائبا على اليمن في جماعة من الفرس ضمهم إليه وجعله لنظر ابن ذي يزن وأنزله بصنعاء‏.‏ وانفرد ابن ذي يزن بسلطانه ونزل قصر الملك وهو رأس غمدان يقال إن الضحاك بناه على اسم الزهرة وهو أحد البيوت السبعة الموضوعة على أسماء الكواكب ورحانيتها خرب في خلافة عثمان‏.‏ قاله المسعودي‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ كانت صنعاء تسمى أوال وصنعاء اسم بانيها صنعاء بن أوال بن عمير بن عابر بن شالخ‏.‏ ولما استقل ابن ذي يزن بملك اليمن وفدت العرب عليه يهنوه بالملك لما رجع من سلطان قومه وأباد من عدوهم وكان فيمن وفد عليه مشيخة قريش وعظماء العرب لعهدهم من أبناء إسماعيل وأهل بيتهم المنصوب لحجهم فوفدوا في عشرة من رؤسائهم فيهم عبد المطلب فأعظمهم سيف وأجلهم وأوجب لهم حقهم ووفر من ذلك قسم عبد المطلب من بينهم‏.‏ وسأله عن بنيه حتى ذكر له شأن النبي صلى الله عليه وسلم وكفالته إياه بعد موت عبد الله أبيه عاشر ولد عبد المطلب فأوصاه به وحضه على الإبلاغ في القيام عليه والتحفظ به من اليهود وغيرهم‏.‏ وأسر إليه البشرى بنبوته وظهور قريش قومهم على جميع العرب‏.‏ وأسنى جوائز هذا الوفد بما يدل على شرف الدولة وعظمها لبعد غايتها في الهمة وعلو نظرها في كرامة الوفد وبقاء آثار الترف في الصبابة شاهد لشرافة الحال في الأول‏.‏ ذكر صاحب الأعلام وغيره أنه أجاز سائر الوفد بمائة من الإبل وعشرة أعبد وعشرة وصائف وعشرة أرطال من الورق والذهب وكرش ملىء من العنبر وأضعاف ذلك بعشرة أمثاله لعبد المطلب‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ ولما انصرف وهزر إلى كسرى غزا سيف على الحبشة وجعل يقتل ويبقر بطون النساء حتى إذا لم يبق إلا القليل


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:49

جعلهم خولا واتخذ منهم طوابير يسعون بين يديه بالحراب وعظم خوفهم منه‏.‏ فخرج يوما وهم يسعون بين يديه فلما توسطهم وقد انفردوا به عن الناس رموه بالحراب فقتلوه ووثب رجل منهم على الملك‏.‏ وقيل ركب خليفة وهزر فيمن معه من المسلحة واستلحم الحبشة وبلغ ذلك كسرى فبعث وهزر في أربعة آلاف من الفرس وأمره بقتل كل أسود أو منتسب إلى أسود ولو جعدا قططا ففعل‏.‏ وقتل الحبشة حيث كانوا‏.‏ وكتب بذلك إلى كسرى فأمره على اليمن فكان يجيبه له حتى هلك‏.‏ واستضافت حشابة ملك الحميريين بعد مهلك ابن ذي يزن وأهل بيته إلى الفرس وورثوا ملك العرب وسلطان حمير باليمن بعد أن كانوا يزاحمونهم بالمناكب في عراقهم ويجوسونهم بالغزو خلال ديارهم‏.‏ ولم يبق للعرب في الملك رسم ولأطلل إلا أقيالاً من حمير وقحطان رؤساء في أحيائهم بالبدو لا تعرف لهم طاعة ولا ينفذ لهم في غير ذاتهم أمر إلا ما كان لكهلان إخوتهم بأرض العرب من ملك آل المنذر من لخم على الحيرة والعراق بتولية فارس وملك آل جفنة من غسان على الشام بتولية آل قيصر كما يأتي في أخبارهم‏.‏ وقال الطبري‏:‏ لما كانت اليمن لكسرى بعث إلى سرنديب من الهند قائدا من قواده ركب البحر إليها في جند كثيف فقتل ملكها واستولى عليها وحمل إلى كسرى منها أموالا عظيمة وجواهر‏.‏ وكان وهزر يبعث العير إلى كسرى بالأموال والطيوب فتمر على طريق البحرين تارة وعلى أرض الحجاز أخرى‏.‏ وعدا بنو تميم في بعض الأيام على عيره بطريق البحرين فكتب إلى عامله بالانتقام منهم فقتل منهم خلقا كما يأتي في أخبار كسرى‏.‏ وعدا بنو كنانة على عيره بطريق الحجاز حين مرت بهم وكانت في جوار رجل من أشراف العرب من قيس فكانت حرب الفجار بين قيس وكنانة بسبب ذلك‏.‏ وشهدها النبي صلى الله عليه وسلم وكان ينبل فيها على أعمامه أي يجمع لهم النبل‏.‏ قال الطبري‏:‏ ولما هلك وهزر أمر كسرى من بعده على اليمن ابنه المرزبان ثم هلك فأمر حافده خرخسرو بن التيجان بن المرزبان‏.‏ ثم سخط إليه وحمل إليه مقيدا ثم أجاره ابن كسرى وخلى سبيله فعزله كسرى وولى باذان فلم يزل إلى أن كانت البعثة وأسلم باذان وفشا الإسلام باليمن كما نذكره عند ذكر الهجرة وأخبار الإسلام باليمن‏.‏ هذا آخر الخبر عن ملوك التبابعة من اليمن ومن ملك بعدهم من الفرس‏.‏ وكان عدد ملوكهم فيما قال المسعودي سبعة وثلاثين ملكا في مدة ثلاث آلاف ومائتي سنة إلا عشرا‏.‏ وقيل أقل من ذلك‏.‏ فكانوا ينزلون مدينة ظفار قال السهيلي‏:‏ زمار وظفار اسمان لمدينة واحدة يقال بناها مالك بن أبرهة وهو الأملوك ويسمى مالك وهو ابن ذي المنار وكان على بابها مكتوب بالقلم الأول في حجر أسود‏:‏ يوم شيدت ظفار فقيل لمن أنت فقالت لخير الأخيار ثم سيلت من بعد ذلك قالت إن ملكي لفارس الأحرار ثم سيلت من بعد ذلك قالت إن ملكي لقريش التجار ثم سيلت من بعد ذلك قالت إن ملكي لخير سنجار وقليلا ما يلبث القوم فيها غير تشييدها لحامي البوار من أسود يلقيهم البحر فيها تشعل النار في أعالي الجدار ولم تزل مدينة ظفار هذه منزلا للملوك وكذلك في الإسلام صدر الدولتين وكانت اليمن من أرفع الولايات عندهم بما كانت منازل العرب العاربة ودار الملوك العظماء من التبابعة والأقيال والعباهلة‏.‏ ولما انقضى الكلام في أخبار حمير وملوكهم باليمن من العرب استدعى الكلام ذكر معاصريهم من العجم على شرط كتابنا لنستوعب أخبار الخليقة ونميز حال هذا الجيل العربي من جميع جهاته والأمم المشاهير من العجم الذين كانت لهم الدول العظيمة لعهد الطبقة الأولى والثانية من العرب وهم النبط والسريانيون أهل بابل ثم الجرامقة أهل الموصل ثم القبط ثم بنو إسرائيل والفرس ويونان والروم فلنأت الآن بما كان لهم من الملك والدولة وبعض أخبارهم على اختصار‏.‏ والله ولي العون والتوفيق لا رب غيره ولا مأمول إلا خيره‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:49

الخبر عن ملوك بابل من القبط والسريانيين وملوك الموصل ونينوى من الجرامقة
قد تقدم لنا أن ملك الأرض بعد نوح عليه السلام كان لكنعان بن كوش بن حام‏.‏ ثم لابنه النمروذ من بعده‏.‏ وأنه كان على بدعة الصابئة وأن بني سام كانوا حنفاء ينتحلون التوحيد الذي عليه الكلدانيون من قبلهم‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ومعنى الكلدانيين الموحدين‏.‏ ووقع ذكر النمروذ في التوراة منسوبا إلى كوش بن حام ولم يقع فيها ذكر لكنعان بن كوش فالله أعلم بذلك‏.‏ وقال ابن سعيد أيضاً‏:‏ وخرج عابر بن شالخ ابن أرفخشذ فغلبه وسار من كوثا إلى أرض الجزيرة والموصل فبنى مدينة مجدل هناك وأقام بها إلى أن هلك‏.‏ وورث أمره ابنه فالغ من بعده وأصاب النمروذ وقومه على عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام ما أصابهم في الصرح وكانت البلبلة وهي المشهورة وقد وقع ذكرها في التوراة ولا أدري معناها‏.‏ والقول بأن الناس أجمعين كانوا على لغة واحدة فباتوا عليها ثم أصبحوا وقد افترقت لغاتهم قول بعيد في العادة إلا أن يكون من خوارق الأنبياء فهو معجزة حينئذ ولم ينقلوه كذلك‏.‏ والذي يظهر أنه إشارة إلى التقدير الإلهي في خرق أول العادة وافتراقها وكونها من آياته كما وقع في القرآن الكريم‏.‏ ولا يعقل في أمر البلبلة غير ذلك‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ سوريان بن نبيط ولاه فالغ على بابل فانتقض عليه وحاربه ولما هلك فالغ قام بأمره بعده ابنه ملكان فغلبه سوريان على الجزيرة وملكها هؤلاء الجرامقة إخوانه في النسب بنو جرموق بن أشوذ بن سام وكانت مواطنهم بالجزيرة‏.‏ وكان ابن أخت سوريان منهم الموصل بن جرموق فولاه سوريان على الجزيرة وأخرج بني عابر منها ولحق ملكان منها بالجبال فأقام هنالك‏.‏ ويقال‏:‏ إن الخضر من عقبه‏.‏ واستبد الموصل على خاله سوريان بن نبيط ملك بابل وامتازت مملكة الجرامقة من مملكة النبط‏.‏ وملك بعد الموصل ابنه راتق وكانت له حروب مع النبط وملك من بعده ابنه أثور وبقي ملكها في عقبه وهو مذكور في التوراة‏.‏ وملك بعده ابنه نينوى وبنى المدينة المقابلة للموصل من عدوة دجلة المعروفة باسمه‏.‏ ثم كان من عقبه سنجاريف بن أثور بن نينوى بن أثور وهو الذي بنى مدينة سنجار وغزا بني إسرائيل فصلبوه على بيت المقدس‏.‏ وقال البيهقي‏:‏ إن الجزيرة ملكها بعد مقتل سنجاريف أخوه ساطرون وهو الذي بنى مدينة الخضر في برية سنجار على نهر الترتار لتولعه بصيد الأسود في غيضاتها‏.‏ وملك من بعده ابنه زان وكان يدين بالصابئة ويقال‏:‏ إن يونس بن متى بعث إليه ويونس من الجرامقة من سبط بنيامين بن إسرائيل من ابنه فآمن به زان بن ساطرون بعد الذي قصه القرآن من شأنه معهم‏.‏ ثم أن بختنصر لما غلب على بابل زحف إليه ودعاه إلى دين الصابئة وشرط له أن يبقيه في ملكه فأجاب‏.‏ ولم يزل على الجزيرة حتى زحف إليه جيوش من الفرس مع أرتاق فضمن القيام بالمجوسية على أن يبقوه في ملكه وكتب بذلك أرتاق إلى بهمن ليضمن له‏.‏ فأجابه بأن هذا رجل متلاعب بالأديان فاقتله فقتله أرتاق وانقرض ملكه بعد ألف وثلاثمائة سنة فيما قال البيهقي‏.‏ وفي أربعين ملكا منهم وصارت الجزيرة لملوك الفرس‏.‏ والذي عند الإسرائيليين سنجاريف من ملوك نينوى وهم أولاد موصل بن أشوذ بن سام‏.‏ وأنه كان قبله بالموصل ملوك منهم وهم فول وتلفات وبلناص وأنهم ملكوا بلد الأسباط العشرة وهي شورون المعروفة بالسامرة وأنه غرب الأسباط الذين كانوا فيها إلى نواحي أصبهان وخراسان وأسكن أهل كومة وهي الكوفة في شمورون هذه فسلط الله عليهم السباع يفترسونهم في كل ناحية‏.‏ فشكوا ذلك إلى سنجاريف وسألوه أن يخبرهم عن بلد شمورون في قسمة أي كوكب هي كي يتوجهوا إليه ويستنزلوا روحانيته على طريق الصابئة فأعرض عن ذلك‏.‏ وبعث كاهنان إليهم من اليهود فعلموهم دين اليهودية وأخذوا به وهؤلاء عند اليهود هم الشمرة نسبة إلى شمر وهي شمورون‏.‏ وليس الشمرة عندهم من بني إسرائيل ولا دينهم صحيح في اليهودية‏.‏ وزحف سنجاريف عندهم إلى بيت المقدس بعد استيلائه على شمورون فحاصرها وداخله العجب بكثرة عساكره‏.‏ فقال لبني إسرائيل‏:‏ من الذي خلصه إلهه من يدي حتى يخلصكم إلهكم وفزع ملك بني إسرائيل إلى نبيهم مدليلا وسأله الدعاء فدعا له وأمنه من شر سنجاريف ونزلت بعسكره في بعض لياليهم آفة سماوية فأصبحوا كلهم قتلى‏.‏ يقال أحصى قتلاهم فكانوا مائة وخمسة وثمانين ألفا ورجع سنجاريف إلى نينوى ثم قتله أولاده في سجوده لمعبوده من الكواكب وولى ابنه أيسرحدون ثم استولى عليهم بعد ذلك بختنصر كما سنذكره في خبره‏.‏ وأما ملوك بابل فهم النبط بنو نبيط بن أشوذ بن سام‏.‏ وقال المسعودي‏:‏ نبيط بن ماش بن إرم وكانوا موطنين بأرض بابل وملك منهم سوريان بن نبيط‏.‏ وقال المسعودي‏:‏ هو أحد نبيط بن ماش ملك أرض بابل بولاية من فالغ فلما مات فالغ أظهر بدعة الصابئة


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:50

وانتحلها بعده أبنه كنعان ويلقب بالنمروذ‏.‏ وملك بعده ابنه كوش وهو نمروذ إبراهيم عليه السلام وهو الذي لدم أباه آزر فاصطفاه هاجر على بيت الأصنام لأن أرعو بن فالغ لما هلك أبوه فالغ وكان على دين التوحيد الذي دعاه إليه أبوه عابر رجع حينئذ أرعو إلى كوثا ودخل مع النمارذة في دين الصابئة وتوارثها بنوه إلى آزر بن ناحور فاصطفاه هاجر بن كوش وقدمه على بيت الأصنام وولد له إبراهيم عليه السلام‏.‏ وكان من أمره ما ذكرناه فيما نصه التنزيل ونقله الثقات‏.‏ ثم توالت ملوك النمارذة ببابل وكان منهم بختنصر على ما ذهب إليه بعضهم‏.‏ ويقال إن الجرامقة وهم أهل نينوى غلبوا على بابل وملكها سنجاريف منهم‏.‏ واستعملها فيها بختنصر من ملوكها‏.‏ ثم انتقض عليه بالجزا والطاعة وغزا بني إسرائيل ببيت المقدس فاقتحمها عليه بعد الحصار وأثخن فيهم بالقتل والأسر وقتل ملكهم وخرب مسجدهم وتجاوزهم إلى مصر فملكها‏.‏ ولما هلك بختنصر ملك من بعده فيما ذكروه ابنه نشبت نصر‏.‏ ثم من بعده بنصر وغزاه أرتاق مرزبان كسرى من ملوك الكينية فقتله وملك بابل وأعماله وصار النبط والجرامقة رعية للفرس وانقرضت دوله النمارذة ببابل‏.‏ هكذا ذكر ابن له سعيد ونقله عن داهر مؤرخ دولة الفرس وجعل السريانيين والنبط أمة واحدة وهما دولة واحدة وأما المسعودي فجعلهما دولتين‏.‏ وأما السريانيون فقال هم أول ملوك بعد الأرض الطوفان وسمى من ملوكهم تسعة متعاقبين في مائة سنة أو فوقها بأسماء أعجمية لا فائدة في نقلها لقلة الوثوق بالأصول التي بأيدينا من كتبه وكثرة التغيير في الأسماء الأعجمية‏.‏ نعم ذكر أن شوشان بشينين معجمتين وأنه أول من وضع التاج على رأسه‏.‏ والرابع منهم أنه الذي كور الكور ومدن المدن وأن ملك الهند لعهده كان اسمه رتبيل وأنه استولى على ملكه واستولى على السريانيين‏.‏ وأن بعض ملوك المغرب ظاهرهم عليه وانتزع لهم ملكهم من ورعه عليهم‏.‏ وسمى الثامن منهم ماروت‏.‏ وأشار في آخر كلامه إلى أنهم كانوا مستولين على بابل وعلى الموصل وأن ملوك اليمن ربما غلبوهم على أمرهم بعض وذكر في التاسع أنه كان غير مستقل بأمره وأن أخاه كان مقاسمه في سلطانه وأن أول من اتخذ الخمر فلان وأول من ملك فلان وأول من لعب بالصقور والشطرنج فلان‏:‏ مزاعم كلها بعيدة من الصحة‏.‏ إنما وجهه أن السريانيين لما كانوا أقدم في الخليقة نسب إليهم كل قديم من الأشياء أو طبيعي كالخط واللغة والسحر والله أعلم‏.‏ وأما النبط فعند المسعودي أنهم من أهل بابل لقوله في ترجمتهم ذكر ملوك بابل والنبط وغيرهم المعروفين بالكدانيين‏.‏ وذكر أن أولهم نمروذ الجبار ونسبه إلى ماش بن إرم بن سام‏.‏ وذكر أنه الذي بنى الصرح ببابل واحتفر نهر الكوفة ونسب النمروذ في موضع آخر إلى كوش بن حام لا أدري هو أو غيره‏.‏ ثم عد ملوكهم بعد النمروذ ستا وأربعين أو نحوها في ألف وأربعمائة من السنين بأسماء أعجمية متعذر ضبطها فتركت نقلها‏.‏ إلا أنه ذكر في الموفى منهم عدد العشرين وبعد التسعمائة من سنيهم أنه الذي غزت فارس لعهده مدينة بابل‏.‏ وذكر في الموفى عدد ثلاثة وثلاثين منهم وعند الألف والأربعمائة من سنيهم أنه سنجاريف الذي حارب بني إسرائيل وحاصرهم ببيت المقدس حتى أخذ الجزية منهم‏.‏ وأن آخر ملوكهم دارينوش وهو دارا الذي قتله الإسكندر لما ملك بابل‏.‏ هذا ما ذكره المسعودي‏.‏ ولم يذكر منهم نمروذ الخليل عليه السلام‏.‏ وذكر أن مدينتهم بابل وأن الذي اختطها اسمه نيز واسم امرأته شمر أم ملوك السريانيين اسمان أعجميان لا وثوق لنا بضبطها‏.‏ وقال الطبري‏:‏ نمروذ بن كوش بن كنعان بن حام صاحب إبراهيم الخليل عليه السلام وكان يقال عاد إرم فلما هلكوا قيل ثمود إرم


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:50

فلما هلكوا قيل نمروذ إرم فلما هلك قيل لسائر ولد إرم إرمان فهم النبط‏.‏ وكانوا على الإسلام ببابل حتى ملكهم نمروذ فدعاهم إلى عبادة الأوثان فعبدوها‏.‏ انتهى كلام الطبري‏.‏ وقال هروشيوش مؤرخ الروم‏:‏ إنه نمروذ الجسيم وأن بابل كانت مربعة الشكل وكان سورها في دور ثمانين ميلا وارتفاعه مائتا ذراع وعرضه خمسون ذراعا وهو كله مبني بالآجر والرصاص وفيه مائة باب من النحاس وفي أعلاه مساكن الحراس والمقاتلة تبيت على الجانبين في سائر دورة الطريق بينهما‏.‏ وحول هذا السور خندق بعيد المهوى أجري فيه الماء وأن الفرس هدموه ولما تغلبوا على ملك بابل تولى ذلك منهم جيرش وهو كسرى الأول‏.‏ انتهى كلام هروشيوش‏.‏ ويظهر من كلام هؤلاء أن اسم النمروذ سمة من ملك بابل لوقوعه في أهل أنساب مختلفة مرة إلى سام ومرة إلى حام‏.‏ وزعم بعض المؤرخين أن نمروذ الخليل عليه السلام هو النمروذ بن كنعان بن سنجاريف بن النمروذ الأكبر‏.‏ وان بختنصر من عقبه وهو ابن برزاد بن سنجاريف بن النمروذ وأن الفرس الكينية غلبوا بختنصر على بابل ثم أبقوه واستعملوه عليها وأن كسرى الأول من بني ساسان خرب مدينة بابل‏.‏ وعند الإسرائيليين وينقلونه عن كتاب دانيال وأرميا من أنبيائهم وضبط هذا الاسم يرميا‏:‏ أن بختنصر من عقب كاسد بن حاور وهو أخو إبراهيم الخليل‏.‏ وبنو كاسد هؤلاء من ملوك بابل ويعرفون بالكسدانيين نسبة إليه‏.‏ وأن بختنصر منهم ملك أكثر المعمور وغلب على بني إسرائيل وأزال دولتهم وخرب بيت المقدس وانتهى ملكه إلى مصر وما وراءها وكان ملكه خمسا وأربعين‏.‏ وملك بعده ابنه أوبل مرود ثلاثا وعشرين سنة ومن بعده بلينصر ثلاث سنين‏.‏ ثم زحف إليه دارا من ملوك الفرس وصهره كورش فحاصروه بمدينة بابل‏.‏ وقال بعض الإسرئيليين‏:‏ إن بختنصر وملوك بابل من كسديم وكسديم من عيلام بن سام وهو أخو أشوذ ومن أشوذ ملوك الموصل انتهى الكلام في ملوك الموصل وملوك بابل‏.‏ وهذا غاية ما أدى إليه البحث من أخبارهم وأنسابهم‏.‏ وكان من هؤلاء والكلدانيين دين الصابئة وهو عبادة الكواكب واستجلاب روحانيتها‏.‏ يذكر أنهم كانوا لذلك أهل عناية بأرصاد الكواكب ومعرفة طبائعها وخلاص المولدات وما يشابه ذلك من علوم النجوم والطلسمات والسحر‏.‏ وأنهم نهجوا ذلك لأهل الربع الغربي من الأرض‏.‏ وقد يشهد لذلك قراءة من قرأ‏:‏ ‏"‏ وما أنزل على الملكين ‏"‏ بكسر اللام مشيرا إلى أن هاروت وماروت من ملوك السريانيين وهم أول ملوك بابل وعلى القراءة المشهورة وأنهما من الملائكة فيكون اختصاص هذه الفتنة والابتلاء ببابل من بين أقطار الأرض دليلا على وفور قسطهما من صناعة السحر الذي وقع الابتلاء به ومما شهد لانتحالهم السحر وفنونه من النجوم وغيرها أن هذه العلوم وجدناها من منتحل أهل مصر المجاورين لهم وكان لملوكها عناية شديدة بذلك حتى كان من مباهاتهم موسى بذلك وحضر السحرة له ما كان‏.‏ وبقايا الآثار السحرية في برابي أخميم من صعيد مصر ما يشهد لذلك أيضاً والله أعلم‏.‏
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:54

الخبر عن القبط وأولية ملكهم ودولهم وتصاريف أحوالهم والإلمام بنسبهم هذه الأمة
أقدم أمم العالم وأطولهم أمدا في الملك واختصوا بملك مصر وما إليها ملوكها من لدن الخليقة إلى أن صبحهم الإسلام بها فانتزعها المسلمون من أيديهم‏.‏ ولعدههم كان الفتح وربما غلب عليهم جميع ما عاصرهم من الأمم حين يستفحل أمرهم مثل العمالقة والفرس والروم واليونان فيستولون على مصر من أيديهم‏.‏ ثم يتقلص ظلهم فراجع القبط ملكهم هكذا إلى أن انقرضوا في مملكة الإسلام‏.‏ وكانوا يسمون الفراعنة سمة لملوك مصر في اللغة القديمة‏.‏ ثم تغيرت اللغة وبقي هذا الاسم مجهول المعنى كما تغيرت الحميرية إلى المضرية والسريانية إلى الرومية‏.‏ ونسبهم في المشهور إلى حام بن نوح‏.‏ وعند المسعودي إلى بنصر بن حام‏.‏ وليس في التوراة ذكر لبنصر بن حام وإنما ذكر مصرايم وكوش وكنعان وقوط‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ إنهم من ولد كنعان بن حام لأنه لما نسب مصر قال فيه‏:‏ مصر بن النبيط أو ابن قبط بن النبيط من ولد كوش بن كنعان‏.‏ وقال أهروشيوش‏:‏ أن القبط من ولد قبط بن لايق بن مصر‏.‏ وعند الإسرائليين أنهم من قوط ابن حام وعند بعضهم أنهم من كفتوريم قبطقايين ومعناه القبط‏.‏ وقال المسعودي‏:‏ اختص بنصر بن حام أيام النمروذ ابن أخيه كنعان بولاية أرض مصر واستبد بها وأوصى بالملك لابنه مصر فاستفحل ملكه ما بين أسوان واليمن والعريش وأيلية وفرسية فسميت كلها أرض مصر نسبة إليه وفي قبليها النوبة وفي شرقيها الشام وفي شمالها بحر الزقاق وفي غربها برقة والنيل من دونها‏.‏ وطال عمر مصر وكبر ولده وأوصى بالملك لأكبرهم وهو قبط بن مصر أبو الأقباط فطال أمد ملكه وكان له بنون أربع‏:‏ قبط بن مصر وأن مصر هو الذي قسم الأرض وعهد إلى أكبرهم بالملك وهو قبط فغلب عليهم فأضيفوا إليه لمكان الملك والسن‏.‏ وملك بعد قبط بن مصر أشمون بن مصر ثم من بعده صاثم أخوهما أتريب‏.‏ ثم عد ملوكا بأسماء أعجمية بعيدة عن الضبط لعجمتها وفساد الأصول التي بين أيدينا من كتبته‏.‏ ثم لما ذكر ستة منهم بعد أتريب قال‏:‏ فكثر ولد بنصر بن حام وتشاغبوا وملك عليهم النساء فسار إليهم ملك الشام من العمالقة الوليد بن دومع فملكهم وانقادوا إليه‏.‏ وأما ابن سعيد فيما نقل من كتب المشارقة فقال‏:‏ ملك مصر ابنه قبط ثم من بعده أخوه أتريب‏.‏ قال‏:‏ وفي أيام قبط زحف شداد بن مداد بن شداد بن عاد إلى مصر وغلب على أسافلها ومات قبط في حروبه‏.‏ ثم جمع أتريب قومه واستظهر بالبربر والسودان على العرب حتى أخرجهم إلى الشام واستبد أتريب بملك مصر وبنى المدينة المنسوبة إليه ومدينة عين شمس وملك بعده ابن أخيه البودشير بن قبط وهو الذي بعث هرمساً المصري إلى جبل القمر حتى ركب جرية النيل من هنالك‏.‏ وعدل البطيحة الكبرى التي تنصب إليها عيون النيل‏.‏ وعمر بلاد الواحات وحول إليها جمعا من أهل بيته‏.‏ ثم ملك من بعده عديم بن البودشير ثم ابنه شدات بن عديم ثم ابنه منذوش بن شدات وجدد مدينة عين شمس وكان لهم في السحر آثار عجيبة‏.‏ ثم ملك بعده ابنه مقناوش بن مقناوش وعبد البقر وصورها من الذهب‏.‏ ثم هلك وخلف ابنه مرقيش فغلب عليه عمه أشمون بن قبط وبنى مدينة الأشمون‏.‏ وملك بعد ابنه أشاد بن أشمون ثم من بعده عمه صا بن قبط وبنى مدينة باسمه‏.‏ وملك بعده ابنه ندراس وكان حكيماً وهو الذي بنى هيكل الزهرة الذي هدمه بختنصر‏.‏ وملك بعده ابنه ماليق بن ندراس فرفض الصابئة ودان بالتوحيد ودوخ بلاد البربر والأندلس وحارب الإفرنج‏.‏ وملك بعده ابنه حربيا بن ماليق فرجع عن التوحيد إلى الصابئة وغزا بلاد الهند والسودان والشام‏.‏ وملك بعده ابنه كلكي بن حربيا وهو الذي تسميه القبط حكيم الملوك واتخذ هيكل زحل وعهد إلى أخيه ماليا بن حربيا واشتغل باللهو فقتله ابنه خرطيش وكان سفاكا للدماء‏.‏ والقبط تزعم أنه فرعون الخليل عليه السلام وأنه أول الفراعنة‏.‏ ولما تعدى بالقتل إلى أقاربه سمته ابنته حوريا وملكت القبط من بعده فنازعها أبراحس من ولد عمها أتريب وحاربته فكان لها الغلب‏.‏ وانهزم أبراحس إلى الشام فاستظهر بالكنعانين وبعث ملكهم قائده جيرون فلما قرب مصر استقبلته حوريا وأطمعته في زواجها على أن يقتل أبراحس ويبني مدينة الإسكندرية ففعل ثم قتلته آخرا مسموما‏.‏ واستقام لها الأمر وبنت منارة الإسكندرية وعهده بأمرها لدليقية ابنة عمها باقوم فخرج عليها أيمن من نسل أتريب طالبا بثأر قريبه أبراحس ولحق بملك العمالقة يومئذ وهو الوليد بن دومع الذي ذكرناه عند ذكر العمالقة فاستنصر به وجاء معه وملك ديار مصر‏.‏ واستبد بالقبط نقراوس فاشتغل باللذات واستكفى من بنيه أطفير وهو العزيز فكفاه وقام بأمره ودبر ليوسف الفيوم بالوحي والهندسة وكانت أرضها مغايض للماء فأخرجه وعمر القرى مكانه على عدد أيام السنة فجعله على خزائنه‏.‏ وملك بعده دارم بن الريان وسمته القبط ويموص‏.‏ وكان يوسف مدبر أمره بوصية أبيه‏.‏ ومات لعهده فأساء السيرة وهلك غريقا في النيل‏.‏ وملك بعده ابنه معدانوس بن دارم فترهب واستخلف ابنه كاشم فاستعبد بني إسرائيل للقبط وقتله حاجبه ونصب بعده ابنه لاطش فاشتغل باللهو فخلعه ونصب آخر من نسل ندراس اسمه لهوب فتجبر وتذكر القبط أنه فرعون موسى عليه السلام‏.‏ وأهل الأثر يقولون‏:‏ إنه الوليد بن مصعب وأنه كان نجارا تقلب حاله إلى عرافة الحرس ثم تطور إلى الوزارة ثم إلى الاستبداد‏.‏ وهذا بعيد لما قدمناه في الكتاب الأول‏.‏ وقال المسعودي‏:‏ بل كان فرعون موسى من الأقباط‏.‏ ثم هلك فرعون موسى وخشي القبط من ملوك الشام فملكوا عليهم دلوكة من بيت الملك وهي التي بنت الحائط على أرض مصر ويعرف بحائط العجوز لأنها طال عمرها حتى كبرت واتخذت البرابي ومقاييس النيل‏.‏ ثم سمى المسعودي من بعد دلوكة ثمانية من ملوكهم على ذلك النحو من عجمة الأسماء‏.‏ وقال في الثامن أنه فرعون الأعرج الذي اعتصم به بنو إسرائيل من بختنصر فدخل عليه مصر وقتله وهدم هياكل الصابئة ووضع بيوت النيران له ولولده‏.‏ وذكر في تواريخهم قال‏:‏ قال ابن عبد الحكيم‏:‏ وهذه العجوز دلوكة هي التي جددت البرابي بمصر أرسلت إلى امرأة ساحرة كانت لعهدها اسمها ترورة وكانت السحرة تعظمها فعملت بربى من حجارة وسط مدينة منف وصورت فيها صور الحيوانات من ناطق وأعجم فلا يقع شيء بتلك الصورة إلا وقع بمثالها في الخارج‏.‏ وكانت لهم بذلك امتناع ممن يقصدهم من الأمم لأنهم كانوا أعلم الناس بالسحر وأقامت عليهم عشرين سنة حتى بلغ صبي من أبنائهم اسمه دركون بطلوس فملكوه وأقامت معه على ذلك أربعمائة سنة ثم مات فولوا ابنه يرديس بن دركون ومن بعده أخاه يقاس بن نقراس ومن بعده مرينا بن مرينوس ثم ابنه استمارس بن مرينا فطغى عليهم وخلعوه وقتلوه‏.‏ وولوا عليهم من أشرافهم بلوطيس بن مناكيل أربعين سنة ثم استخلف مالوس بن بلوطيس ومات فاستخلف أخاه مناكيل بن بلوطيس ثم توفي فاستخلف ابنه بركة بن مناكيل فملكهم مائة وعشرين سنة‏.‏ وهو فرعون الأعرج الذي سبى أهل بيت المقدس‏.‏ ويقال أنه خلع‏.‏ وقال ابن عبد الحكم‏:‏ وولي من بعده ابنه مرينوس بن بركة فاستخلف ابنه فرقون بن مرينوس فملكهم ستين سنة ثم هلك واستخلف أخاه نقاس بن مرينوس‏.‏ وكانت البراري كلها إذا فسد منها شيء لا يصلحه إلا رجل من ذرية تلك العجوز الساحرة التي وضعتها‏.‏ ثم انقطعت ذريتها ففسدت البرابي أيام نقاس هذا وتجاسر الناس على طلب الملك الذي في أيديهم وهلك نقاس واستخلف ابنه قومس بن نقاس فملكهم دهرا ثم ملك بختنصر بيت المقدس واستلحم بني إسرائيل وفرقهم وقتل وخرب ولحقوا بمصر فأجارهم قومس ملكها وبعث فيهم بختنصر فمنعهم وزحف إليه وغلب عليه فقتله وخرب مدينة منف‏.‏ وبقيت مصر أربعين سنة خرابا‏.‏ وسكنها أرميا مدة ثم بعث إليه بختنصر فلحق به ثم رد أهل مصر إلى موضعهم‏.‏ وأقاموا كذلك ما شاء الله إلى أن غلب الفرس والروم على الأمم وقاتل أهل مصر إلى أن وضعوا عليهم الجزى ثم تقاسمها فارس والروم‏.‏ ثم تداولوا ملكها فتوالت عليها نواب الفرس ثم ملكها الإسكندر اليوناني وجدد الإسكندرية والآثار التي خارجها مثل عمود السواري ورواق الحكمة‏.‏ ثم غلب الروم على مصر والشام وأبقوا القبط في ملكها وصرفوهم في الولاية بمصر إلى أن جاء الله بالإسلام وصاحب القبط بمصر والإسكندرين المقوقس واسمه جريج بن مينا فيما نقله السهيلي فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب ابن أبي بلتعة وجبر مولى أبي رهم الغفاري فقارب الإسلام وأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هديته المعروفة ذكرها أهل السير كان فيها البغلة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركبها وتسمى دلدل والحمار الذي يسمى يعفور ومارية القبطية أم ولده إبراهيم وأمها وأختها سيرين وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن وقدح من قوارير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب فيه وعسل استظرفه له من بنها إحدى قرى مصر معروفة بالعسل الطيب‏.‏ ويقال‏:‏ إن هرقل لما بلغه شأن هذه الهدية اتهمه بالميل إلى الإسلام فعزله عن رياسة القبط‏.‏ وخرّج مسلم في صحيحه من رواية أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إذا افتتحتم مصر أو إنكم مستفتحون مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورجما أو صهرا‏.‏ ورواه ابن إسحق عن الزهرقي وقال‏:‏ قلت للزهري ما الرحم التي ذكر قال كانت هاجر أم إسماعيل منهم‏.‏ ولبعض رواة الحديث في تفسير الصهر أن مارية أم إبراهيم منهم أهداها له المقوقس وكانت من كورة حفن من عمل أنصناء‏.‏ وقال الطبري‏:‏ إن عمرو بن العاص لما ملك مصر أخبرهم بوصية النبي صلى الله عليه وسلم بهم فقال هذا نسب لا يحفظ حقه إلا نبي لأنه نسب بعيد‏.‏ وذكروا له أن هاجر كانت امرأة لملك من ملوكنا ووقعت بيننا وبين أهل عين شمس حروب كانت لهم في بعضها دولة فقتلوا الملك وسبوها‏.‏ ومن هنالك تسيرت إلى أبيكم إبراهيم ولما كمل فتح مصر والإسكندرية وارتحل الروم إلى القسطنطينية أقام المقوقس والقبط على الصلح الذي عقده لهم عمرو بن العاص وعلى الجزى وأبقوه على رياسة قومه وكانوا يشاورونه فيما ينزل من المهمات إلى أن هلك‏.‏ وكان ينزل الإسكندرية وفي بعض الأوقات ينزل منف من أعمال مصر‏.‏ واختط عمرو بن العاص الفسطاط بموضع خيامة التي كان يحاصر منها مصر‏.‏ فنزل بها المسلمون وهجروا المدينة التي كان بها المقوقس إلى أن خربت‏.‏ وكان في خرابها ومهلك المقوقس انقراض أمرهم‏.‏ وبقي أعقابهم إلى هذا الزمان يستعملهم أهل الدول الإسلامية في حسابات الخراج وجبايات الأموال لقيامهم عليها وغنائهم فيها وكفايتهم في ضبطها وتنميتها‏.‏ وقد يهاجر بعضهم إلى الإسلام فترتفع رتبتهم عند السلطان في الوظائف المالية التي أعلاها في الديار المصرية رتبة الوزارة فيقلدونهم إياها ليحصل لهم بذلك قرب من السلطان وحظ عظيم في الدولة وبسطة يد في الجاه تعددت منهم في ذلك رجال وتعينت لهم بيوت قصر السلطان نظره على الاختيار منها لهذا العهد‏.‏ وعامتهم يقيم على دين النصرانية الذين كانوا عليها لهذا العهد وأكثرهم بنواحي الصعيد وسائر الأعمال متحرفون بالفلح والله غالب على أمره‏.‏ وأما إقليم مصر فكان في أيام القبط والفراعنة جسورا كله بتقدير وتدبير يحبسونه ويرسلونه كيف شاؤوا والجنات حفاف النيل من أعلاه إلى أسفله ما بين أسوان ورشيد‏.‏ وكانت مدينة منف وعين شمس يجري الماء تحت منازلها وأفنيتها بتقدير معلوم‏.‏ ذكر ذلك كله عبد الرحمن بن شماسة وهو من خيار التابعين يرويه عن أشياخ مصر‏.‏ قالوا‏:‏ ومدينة عين شمس كانت هيكل الشمس وكان فيها من الأبنية والأعمدة والملاعب ما ليس في بلد‏.‏ قلت‏:‏ وفي مكانها لهذا العهد ضيعة متصلة بالقاهرة يسكنها نصارى من القبط وتسمى المطرية‏.‏ قالوا‏:‏ ومدينة منف مدينة الملوك قبل الفراعنة وبعدهم إلى أن خربها بختنصر كما تقدم في دولة قومس بن نقاس‏.‏ وكان فرعون ينزل مدينة منف وكان لها سبعون بابا وبنى حيطانها بالحديد والصفر‏.‏ وكانت أربعة أنهار تجري تحت سريره‏.‏ زكره أبو القاسم بن خرداذبه في كتاب المسالك والممالك‏.‏ قال‏:‏ وكان طولها اثني عشر جميلا وكانت جباية مصر تسعين ألف ألف دينار مكرره مرتين بالدينار الفرعوني وهو ثلاثة مثاقيل‏.‏ وإنما سميت مصر بمصر بن بيصر بن حام‏.‏ ويقال إنه كان مع نوح في السفينة فدعا له فأسكنه الله هذه الأرض الطيبة وجعل البركة في ولده‏.‏ وحدها طولا من برقة إلى أيلة وعرضا من أسوان إلى رشيد وكان أهلها صابئة‏.‏ ثم حملهم الروم لما ملكوها بعد قسطنطين على النصرانية عندما حملوا على الأمم المجاورة لهم من الجلالقة والصقالبة وبرجان والروس والقبط والحبشة والنوبة‏.‏ فدانوا كلهم بذلك ورجعوا عن دين الصابئة في تعظيم الهياكل وعبادة الأوثان‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:55

الخبر عن بني إسرائيل وما كان لهم من النبوة والملك وتغلبهم علي الأرض المقدسة بالشام
وكيف تجددت دولتهم بعد الانقراض وما اكتنف ذلك من الأحوال قد ذكرنا عند ذكر إبراهيم وبنيه صلوات الله وسلامه عليهم ما كان من شأن يعقوب بن إسحق واستقراره بمصر مع بنيه الأسباط وفي التوراة أن الله سماه إسرائيل‏.‏ وإيل عندهم كلمة مرادفة لعبد وما قبلها من أسماء الله عز وجل وصفاته والمضاف أبدا متأخر في لسان العجم‏.‏ فلذلك كان إيل هو آخر الكلمة وهو المضاف‏.‏ ثم قبض الله نبيه يعقوب بمصر لمائة وسبع وثمانين سنة من عمره وأوصى أن يدفن عند أبيه فطلب يوسف من فرعون أن يطلقه لذلك فأذن له وأمر أهل دولته بالانطلاق معه فانطلقوا وحملوه إلى فلسطين فدفنوه بمقبرة آبائه وهي التي اشتراها إبراهيم من الكنعانيين‏.‏ ورجع يوسف إلى مصر وأقام بها إلى أن توفي لمائة وعشرين سنة من عمره ودفن بمصر وأوصى أن يحملوا شلوه معهم إذا خرجوا إلى أرض الميعاد وهي الأرض المقدسة‏.‏ وأقام الأسباط بمصر وتناسلوا وكثروا حتى ارتاب القبط بكثرتهم واستعبدوهم‏.‏ وفي التوراة أن ملكا من الفراعنة جاء بعد يوسف لم يعرف شأنه ولا مقامه في دولة آبائه فاسترق بني إسرائيل واستعبدهم‏.‏ ثم تحدث الكهان من أهل دولتهم بأن نبوة تظهر في بني إسرائيل وأن ملكك كائن لهم مع ما كان معلوما من بشارة آبائهم لهم بالملك‏.‏ فعمد الفراعنة إلى قطع نسلهم بذبح الذكور من ذريتهم‏.‏ فلم يزالوا على ذلك مدة من الزمان حتى ولد موسى‏.‏ وهو موسى بن عمران بن قاهث بن لاوى بن يعقوب وأمه يوحانذ بنت لاوى عمة عمران‏.‏ وكان قاهث بن لاوى من القادمين إلى مصر مع يعقوب عليه السلام وولد عمران بمصر وولد هارون لثلاث وسبعين من عمره وموسى لثمانين فجعلته أمه في تابوت وألقته في ضحضاح اليم وأرصدت أخته على بعد لتنظر من يلتقطه فتعرفه‏.‏ فجاءت ابنة فرعون إلى البحر مع جواريها فرأته واستخرجته من التابوت فرحمته‏.‏ وقالت هذا من العبرانيين فمن لنا بظئر ترضعه فقالت لها أخته أنا آتيكم بها‏!‏ وجاءت بأمه فاسترضعتها له ابنة فرعون إلى أن فصل فأتت به إلى ابنة فرعون وسمته موسى وأسلمته لها‏.‏ ونشأ عندها ثم شب وخرج يوما يمشي في الناس وله صولة بما كان له في بيت فرعون من المربي والرضاع فهم لذلك أخواله‏.‏ فرأى عبرانيا يضربه مصري فقتل المصري الذي ضربه ودفنه‏.‏ وخرج يوما آخر فإذا هو برجلين من بني إسرائيل وقد سطا أحدهما على الآخر فزجره فقال له‏:‏ ومن جعل لك هذا أتريد أن تقتلني كما قتلت الآخر بالأمس ونمي الخبر إلى فرعون فطلبه وهرب موسى إلى أرض مدين عند عقبة أيلة وبنو مدين أمة عظيمة من بني إبراهيم عليه السلام كانوا ساكنين هناك‏.‏ وكان ذلك لأربعين سنة من عمره فلقي عند مائهم بنتين لعظيم من عظمائهم فسقى لهما وجاءتا به فزوجه بإحداهما كما نوفل بن عيقا بن مدين وهو النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقال الطبري‏:‏ الذي استأجر موسى وزوجه بنته رعويل وهو بيتر حبر مدين أي عالمهم وأن رعويل هو الذي زوجه البنت وأن اسمه يبتر‏.‏ وعن الحسن البصري أنه شعيب رئيس بني مدين‏.‏ وقيل إنه ابن أخي شعيب وقيل ابن عمه‏.‏ فأقام عند شعيب صهره مقبلا على عبادة ربه إلى أن جاءه الوحي وهو ابن ثمانين سنة‏.‏ وأوحى إلى أخيه هارون وهو ابن ثلاث وثمانين سنة‏.‏ فأوحى الله إليهما بأن يأتيا فرعون ليبعث معهما بني إسرائيل فيستنقذانهم من مملكة القبط وجور الفراعنة ويخرجون إلى الأرض المقدسة التي وعدهم الله بملكها على لسان إبراهيم وإسحاق ويعقوب‏.‏ فخرجا إليه وبلغا بني إسرائيل الرسالة فآمنوا به واشبعوه‏.‏ ثم حضرا إلى فرعون وبلغاه أمر الله له بأن يبعث معهما بني إسرائيل وأراه موسى عليه السلام معجزة العصا فكان من تكذيبه وامتناعه وإحضار السحرة لما رأى من موسى في معجزته ثم إسلامهم ما نصه القرآن العظيم‏.‏ ثم تمادى


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:56

فرعون في تكذيبه ومناصبته واشتد جوره على بني إسرائيل واستعبادهم واتخاذهم سخرياً في مهنة الأعمال‏.‏ فأصابت فرعون وقومه الجوائح العشرة واحدة بعد أخرى يسالمهم عند وقوعها ويتضرع إلى موسى في الدعاء بانجلائها إلى أن أوحى الله إلى موسى بخروج بني ففي التوراة أنهم أمروا عند خروجهم أن يذبح أهل كل بيت حملا من الغنم إن كان كفايتهم أو يشتركون مع جيرانهم إن كان أكثر وأن ينضحوا دمه على أبوابهم لتكون علامة وأن يأكلوه سواء برأسه وأطرافه ومعناه لا يكسرون له عظما ولا يدعون شيئا خارج البيوت وليكن خبزهم فطيرا ذلك اليوم وسبعة أيام بعده‏.‏ وذلك في اليوم الرابع عشر من فصل الربيع وليأكلوا بسرعة وأوساطهم مشدودة وخفافهم في أرجلهم وعصيهم في أيديهم ويخرجوا ليلا وما فضل من عشائهم ذلك يحرقوه بالنار‏.‏ وشرع هذا عيدا لهم ولأعقابهم ويسمى عيد الفصح‏.‏ وفي التوراة أيضاً أنه قتل في تلك الليلة أبكار النساء من القبط ودوابهم ومواشيهم ليكون لهم بذلك ثقل عن بني إسرائيل‏.‏ وأنهم أمروا أن يستعير منهم حليا كثيرا يخرجون به فاستعاروه وخرجوا في تلك الليلة بما معهم من الدواب والأنعام وكانوا ستمائة ألف أو يزيدون وشغل القبط عنهم بالمآتم التي كانوا فيها على موتاهم‏.‏ وأخرجوا معهم تابوت يوسف عليه السلام استخرجه موسى صلوات الله عليه من المدفن الذي كان به بإلهام من الله تعالى‏.‏ وساروا لوجههم حتى انتهوا إلى ساحل البحر بجانب الطور‏.‏ وأدركهم فرعون وجنوده وأمر موسى بأن يضرب البحر بعصاه ويقتحمه فضربه فانفلق طرقا‏.‏ وسار فيه بنو إسرائيل وفرعون وجنوده في اتباعه ونزل بنو إسرائيل بجانب الطور وسبحوا مع موسى بالتسبيح المنقول عندهم وهو‏:‏ نسبح الرب البهي الذي قهر الجنود ونبذ فرسانها في البحر المنيع المحمود إلى آخره‏.‏ وقالوا‏:‏ وكانت مريم أخت موسى وهارون صلوات الله عليهما تأخذ الدف بيدها ونساء بني إسرائيل في أثرها بالدفوف والطبول وهي ترتل لهن التسبيح سبحان الرب القهار الذي قهر الخيول وركبانها ألقاها في البحر وهو المعنى الأول‏.‏ ثم كانت المناجاة على جبل الطور وكلام الله لموسى والمعجزات المتتالية ونزول الألواح‏.‏ ويزعم بنو إسرائيل أنها كانت لوحين فيها الكلمات العشر وهي‏:‏ كلمة التوحيد والمحافظة على السبت بترك الأعمال فيه وبر الوالدين ليطول العمر والنهي عن القتل والزنا والسرقة وشهادة الزور ولا تمتد عين إلى بيت صاحبه أو امرأته أو لشيء من متاعه‏.‏ هذه الكلمات العشرة التي تضمنتها الألواح‏.‏ وكان سبب نزول الألواح أن بنى إسرائيل لما نجوا ونزلوا حول طور سيناء صعد موسى إلى الجبل


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:56

فكلمه ربه وأمره أن يذكر بني إسرائيل بالنعمة عليهم في نجاتهم من فرعون وأن يتطهروا ويغسلوا ثيابهم ثلاثة أيام ويجتمعوا في اليوم الثالث حول الجبل من بعد ففعلوا‏.‏ وظلت الجبل غمامة عظيمة ذات بروق ورعود ففزعوا وقاموا في سفح الجبل دهشين‏.‏ ثم غشى الجبل دخان في وسطه عمود نور تزلزل له الجبل زلزلة عظيمة شديدة واشتد صوت الرعد الذي كانوا يسمعونه‏.‏ وأمر موسى صلوات الله عليه بأن يقرب بني إسرائيل لسماع الوصايا والتكاليف قال فلم يطيقوا فأمر بحضور هارون وتكون العلماء غير بعيدة ففعل وجاءهم بالألواح‏.‏ ثم سار بعد ذلك إلى ميعاد الله بعد أربعين ليلة‏.‏ فكلمه ربه وسأله الرؤية فمنعها فكان الصعق وساخ الجبل وتلقى كثيرا من أحكام التوراة في المواعظ والتحليل والتحريم‏.‏ وكان حين سار إلى الميعاد استخلف أخاه هارون على بني إسرائيل واستبطأوا موسى وكان هارون قد أخبرهم بأن الحلي الذي أخذوه للقبط محرم عليهم‏.‏ فأرادوا حرقه وأوقدوا عليه النار‏.‏ وجاء السامري في شيعة له من بني إسرائيل وألقى عليه شيئا كان عنده من أثر الرسول فصار عجلا وقيل عجلا حيوانا‏.‏ وعبده بنو إسرائيل وسكت عنهم هارون خوفا من افتراقهم‏.‏ وجاء موسى صلوات الله عليه من المناجاة وقد أخبر بذلك في مناجاته‏.‏ فلما رآهم على ذلك ألقى الألواح ويقال كسرها وأبدل غيرها من الحجارة‏.‏ وعند بني إسرائيل أنهما اثنان‏.‏ وظاهر القرآن أنها أكثر مع أنه لا يبعد استعمال الجمع في الاثنين‏.‏ ثم أخذ برأس أخيه ووبخه واعتذر له بما اعتذر ثم حرق العجل وقيل برده بالمبرد وألقاه في البحر‏.‏ وكان موسى صلوات الله عليه لما نجا ببني إسرائيل إلى الطور بلغ خبره إلى بيثر صهره من بني مدين فجاء ومعه بنته صفورا زوجة موسى عليه السلام التي زوجها بها أبوها رعويل كما تقدم‏.‏ ومعها ابناها من موسى وهما جرشون وعازر‏.‏ فتلقاها موسى صلوات الله عليه بالبر والكرامة وعظمه بنو إسرائيل ورأى كثرة الخصومات على موسى فأشار عليه بأن يتخذ النقباء على كل مائة أوخمسين أو عشرة فيفصلوا بين الناس وتفصل أنت فيما أهم وأشكل ففعل ذلك‏.‏ ثم أمر الله ببناء قبة للعبادة والوحي من خشب الشمشاد ويقال هو السنط وجلود الأنعام وشعر الأغنام‏.‏ وأمر بتزيينها بالحرير والمصبغ والذهب والفضة على أركانها‏.‏ صور منها صور الملائكة الكروبيين على كيفيات مفصلة في التوراة في ذلك كله ولها عشر سرادقات مقدرة الطول والعرض وأربعة أبواب وأطناب من حرير منقوش مصبغ وفيها دفوف وصفائح من ذهب وفضة‏.‏ وفي كل زاوية بابان وأبواب وستور من حرير وغير ذلك مما هو مشروح في التوراة‏.‏ وبعمل تابوت من خشب الشمشاد طول ذراعين ونصف في عرض ذراعين في ارتفاع ذراع ونصف مصفحا بالذهب الخالص من داخل وخارج‏.‏ وله أربع حلق في أربع زوايا وعلى حافته كروبيان من ذهب يعنون مثالي ملكين بأجنحة ويكونان متقابلين‏.‏ وأن يصنع ذلك كله فلان شخص معروف في بني إسرائيل‏.‏ وأن يعمل مائدة من خشب الشمشاد طول ذراعين في عرض ذراع ونصف بطناب ذهب وإكليل ذهب بحافة مرتفعة بإكليل ذهب وأربع حلق ذهب في أربع نواحيها مغروزة في مثل الرمانة من خشب ملبس ذهبا وصحافا ومصافي وقصاعا على المائدة كلها من ذهب‏.‏ وأن يعمل منارة من ذهب بست قصبات من كل جانب ثلاث‏.‏ وعلى كل قصبة ثلاث سرج وليكن في المنارة أربعة قناديل ولتكن هي وجميع آلاتها من قنطار من ذهب وأن يعمل مذبحا للقربان‏.‏ ووصف ذلك كله في التوراة بأتم وصف ونصبت هذه القبلة أول يوم من فصل الربيع ونصب فيها تابوت الشهادة وتضمن هذا الفصل في التوراة من الأحكام والشرائع في القربان والنحور وأحوال هذه القبة كثيرا‏.‏ وفيها أن قبة القربان كانت موجودة قبل عبادة أهل العجل وأنها كانت كالكعبة يصلون إليها وفيها ويتقربون عندها وأن أحوال القربان كانت كلها راجعة إلى هارون عليه السلام بعهد الله إلى موسى بذلك وأن موسى صلوات الله عليه كان إذا دخلها يقفون حولها وينزل عمود الغمام على بابها فيخرون عند ذلك سجدا لله عز وجل‏.‏ ويكلم الله موسى عليه السلام من ذلك العمود الغمام الذي هو نور ويخاطبه ويناجيه وينهاه وهو واقف عند التابوت صامد لما بين ذينك الكروبيين‏.‏ فإذا فصل الخطاب يخبر بني إسرائيل بما أوحاه إليه من الأوامر والنواهي‏.‏ وإذا تحاكموا إليه في شيء ليس عنده من الله فيه بشيء يجيء إلى قبة القربان ويقف عند التابوت ويصمد لما بين ذينك الكروبيين فيأتيه الخطاب بما فيه فصل تلك ولما نجا بنو إسرائيل ودخلوا البرية عند سينا أول المصيف لثلاثة أشهر من خروجهم من مصر وواجهوا جبال الشام وبلاد بيت المقدس التي وعدوا بها أن تكون ملكا لهم على لسان إبراهيم وإسحق ويعقوب صلوات الله عليهم بمسيرهم إليها وأتوه بإحصاء بني إسرائيل من يطيق حمل السلاح منهم من ابن عشرين فما فوقها فكانوا ستمائة ألف أو يزيدون وضرب عليهم الغزو ورتب المصاف والميمنة والميسرة وعين مكان كل سبط في التعبية وجعل فيه التابوت والمذبح في القلب وعين لخدمتها بني لاوى من أسباطهم وأسقط عنهم القتال لخدمة القبة وسار على التعبية سالكا على برية


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:57

فاران وبعثوا منهم اثني عشر نقيبا من جميع الأسباط فأتوهم بالخبر عن الجبارين‏.‏ كان منهم كالب بن يوفنا بن حصرون بن بارص بن يهوذا بن يعقوب ويوشع بن نون بن أليشامع بن عميهون بن بارص بن لعدان بن تاحن بن تالح بن أراشف بن رافح بن بريعا بن أفرايم بن يوسف بن يعقوب‏.‏ فاستطابوا البلاد واستعظموا العدو من الكنعانيين والعمالقة ورجعوا إلى قومهم يخبرونهم الخبر وخذلوهم إلا يوشع وكالب فقالا لهم ما قالا‏:‏ وهما الرجلان اللذان أنعم الله عليهما‏.‏ وخامر بنو إسرائيل عن اللقا وأبوا من السير إلى عدوهم والأرض التي ملكهم الله إلى أن يهلك الله عدوهم على غير أيديهم‏.‏ فسخط الله ذلك منهم وعاقبهم بأن لا يدخل الأرض فأقاموا كذلك أربعين سنة في برية سينا وفاران يترددون حوالي جبال السراة وأرض ساعير وأرض بلاد الكرك والشوبك‏.‏ وموسى صلوات الله عليه بين ظهرانيهم يسأل الله لطفه بهم ومغفرته ويدفع عنهم مهالك سخطه وشكوا الجوع‏.‏ فبعث الله لهم المن حبات بيض منتشرة على الأرض مثل ذرير الكزبرة فكانوا يطحنونه ويتخذون منه الخبز كلهم‏.‏ ثم قرموا إلى اللحم فبعث لهم السلوى طيرا يخرج من البحر وهو طير السماني فيأكلون منه ويدخرون‏.‏ ثم طلبوا الماء فأمر أن يضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا‏.‏ وأقاموا على ذلك ثم ارتاب واحد منهم اسمه فودح بن إيصهر بن قاهث وهو ابن عم موسى بن عمران بن قاهث‏.‏ فارتاب هو وجماعة منهم من بني إسرائيل بشأن موسى واعتمدوا مناصبته فأصابتهم قارعة وخسفت بهم وبه الأرض وأصبحو عبرة للمعتبرين‏.‏ واعتزم بنو إسرائيل على الاستقالة مما فعلوه والزحف إلى العدو ونهاهم موسى عن ذلك فلم ينتهوا وصعدوا جبل العمالقة فحاربهم أهل ذلك الجبل فهزموهم وقاتلوهم في كل وجه‏.‏ فأمسكوا وأقام موسى على الاستغفار لهم فأرسل إلى ملك أدوم يطلب الجواز عليه إلى الأرض المقدسة فمنعهم وحال دون ذلك‏.‏ ثم قبض هارون صلوات الله عليه لمائة وثلاثة وعشرين سنة من عمره ولأربعين سنة من يوم خروجهم من مصر وحزن له بنو إسرائيل لأنه كان شديد الشفقة عليهم وقام بأمره الذي كان يقوم به ابنه العيزار‏.‏
ثم زحف بنو إسرائيل إلى بعض ملوك كنعان فهزموهم وقتلوهم وغنموا ما أصابوا منهم وبعثوا إلى سيحون ملك العموريين من كنعان في الجواز في أرضه إلى الأرض المقدسة فمنعهم وجمع قومه وغزا بني إسرائيل في البرية فحاربوه وهزموه وملكوا بلاده إلى حد بني عمون ونزلوا مدينته وكانت لبني مؤاب‏.‏ وتغلب عليها سيحون‏.‏ ثم قاتلوا عوجا وقومه من كنعان وهو المشهور بعوج بن عوق وكان شديد البأس فهزموه وقاتلوه وبنيه وأثخنوا في أرضه‏.‏ وورثوا أرضهم إلى الأردن بناحية أريحا وخشي ملك بني مؤاب من بني إسرائيل واستجاش بمن يجاوره من بني مدين وجمعهم ثم أرسل إلى بلعام بن باعورا وكان ينزل في التخم بين بلاد بني عمون وبني مؤاب‏.‏ وكان مجاب الدعوة معبرا للأحلام‏.‏ واستدعاه ليستعين بدعائه وأتاه الوحي بالنهي عن الدعاء وألح عليه ذلك الملك وأصعده إلى الأماكن الشاهقة وأراه معسكر بني إسرائيل منها فدعا لهم وأنطقه الله بظهورهم وأنهم يملكون إلى الموصل‏.‏ ثم تخرج أمة من أرض الروم فيغلبون عليهم فغضب الملك وانصرف بلعام إلى بلاده‏.‏ وفشا في بني إسرائيل الزنا ببنات مؤاب ومدين فأصابهم الموتان فهلك منهم أربعة وعشرون ألفا‏.‏ ودخل فنحاص بن لعزرا على رجل من بني إسرائيل في خيمته ومعه امرأة من بني مدين قد أدخلها للزنا بمرأى من بني إسرائيل فطعنها برمحه وانتظمها وارتفع الموتان عن بني إسرائيل‏.‏ ثم أمر الله موسى والعازر بن هارون بإحصاء بني إسرائيل بعد فناء الجيل الذي أحصاهم موسى وهارون ببرية سينا وانقضاء الأربعين سنة التي حرم الله عليهم فيها دخول تلك الأرض‏.‏ وأن يبعث بعثا من بني إسرائيل إلى مدين الذي أعانوا بني مؤاب‏.‏ فبعث اثني عشر ألفا من بني إسرائيل وعليهم فنحاص بن ألعيزز بن العزر بن هارون‏.‏ فحاربوا بني مدين وقتلوا ملوكهم وسبوا نساءهم وملكوا أموالهم وقسم ذلك في بني إسرائيل بعد أن أخذ منه لله وكان فيمن قتل بلعام بن باعورا‏.‏ ثم قسم الأرض التي ملك من بني مدين والعموريين وبني عمون وبني مؤاب‏.‏ ثم ارتحل بنو إسرائيل ونزلوا شاطىء الأردن‏.‏ وقال الله قد ملكتكم ما بين الأردن والفرات كما وعدت آباءكم ونهوا عن قتال عيصو الساكنين ساعير وبني عمون وعن أرضهم‏.‏ وأكمل الله الشريعة والأحكام والوصايا لموسى عليه السلام وقبضه إليه لمائة وعشرين سنة من عمره بعد أن عهد إلى فتاه يوشع أن يدخل ببني إسرائيل إلى الأرض المقدسة ليسكنوها ويعملوا بالشريعة التي فرضت عليهم فيها ودفن بالوادي في أرض مؤاب ولم يعرف قبره لهذا العهد‏.‏ وقال الطبري مدة عمر موسى صلوات الله عليه مائة وعشرون سنة منها في أيام أفريدون عشرون ومنها في أيام منوجهر مائة‏.‏ قال‏:‏ ثم سار يوشع من بعد موسى إلى أريحا فهزم الجبارين ودخلها عليهم‏.‏ وقال السدي‏:‏ إن يوشع تنبأ بعد موسى وسار إلى أريحا فهزم الجبارين ودخلها عليهم وأن بلعام بن باعور كان مع الجبارين يدعو على يوشع فلم يستجب له‏.‏ وصرف دعاؤه على


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:57

الجبارين‏.‏ وكان بلعام من قرى البلقاء وكان عنده الأسم الأعظم‏.‏ فطلبه الكنعانيون في الدعاء على بني إسرائيل فامتنع وألحوا عليه فأجاب ودعا فصرف دعاؤه وكان قيامه للدعاء على جبل حسان مطلا على عسكر بني إسرائيل‏.‏ هذا خبر السدي في أن دعاء بلعام كان لعهد يوشع والذي في التوراة أنه كان لعهد موسى وأن بلعام قتل لعهد موسى كما مر في خبر الطبري‏.‏ وقال السدي‏:‏ إن يوشع بعد وفاة موسى صلوات الله عليه أمر أن يعبر فسار ومعه التابوت تابوت الميثاق حتى عبر الأردن وقاتل الكنعانيين فهزمهم وأن الشمس جنحت للغروب يوم قتالهم ودعا الله يوشع فوقفت الشمس حتى تمت عليهم الهزيمة‏.‏ ثم نازل أريحا ستة أشهر وفي السابع نفخوا في القرون وضج الشعب ضجة واحدة فسقط سور المدينة فاستباحوها وأحرقوها وكمل الفتح واقتسموا بلاد الكنعانيين كما أمرهم الله‏.‏ هذا مساق الخبر عن سيرة موسى صلوات الله عليه وبني إسرائيل أيام حياته وبعد مماته حتى ملكوا أريحا‏.‏ وفي كتب الإخباريين‏:‏ أن العمالقة الذين كانوا بالشام قاتلهم يوشع فهزمهم وقتل آخر ملوكهم وهو السميدع بن هوبر بن مالك وكان لقاؤهم إياه مع بني مدين في أرضهم وفي ذلك يقول عوف بن سعد الجرهمي‏:‏ ألم تر أن العلقمي بن هوبر بأيلة أمسى لحمه قد تمزعا ترامت عليه من يهود جحافل ثمانون ألفا حاسرين ودرعا ذكره المسعودي وقد تقدم لنا خلاف النسابة في هؤلاء العمالقة وأنهم لعمليق بن لاوذ أو لعمالق بن أليفاز بن عيصو الثاني لنسابة بني إسرائيل سار إليه علماء العرب‏.‏ أما الأمم الذين كانوا بالشام لذلك العهد فأكثرهم لبني كنعان وقد تقدمت شعوبهم وبنو أروم أبناء عمون وبنو مؤاب أبناء لوط وثلاثتهم أهل يسعير وجبال الشراة وهي بلاد الكرك والشوبك والبلقا ثم بنو فلسطين من بني حام‏.‏ ويسمى ملكهم جالوت وهو من الكنعانيين منهم‏.‏ ثم بنو مدين ثم العمالقة‏.‏ ولم يؤذن لبني إسرائيل في غير بلاد الكنعانيين فهي التي اقتسموها وملكوها وصارت لهم تراثا‏.‏ وأما غيرهم فلم يكن لهم فيها إلا الطاعة والمغارم الشرعية من صدقة وغيرها‏.‏ وفي كتب الإخباريين أن بني إسرائيل بعد ملكهم الشام بعثوا بعوثهم إلى الحجاز وهنالك يومئذ أمة من العمالقة يسمون جاسم وكان اسم ملكهم الإرم بن الأرقم وكان أوصاهم أن لا يستبقوا منهم من بلغ الحلم‏.‏ فلما ظهروا على العمالقة وقتلوا الأرقم استبقوا ابنه وضنوا به عن القتل لوضاءته‏.‏ ولما رجعوا من بعد الفتح وبخهم إخوانهم ومنعوهم دخول الشام وأرجعوهم إلى الحجاز وما تملكوا من أرض يثرب فنزلوها واستتم لهم فتح في نواحيها‏.‏ ومن بقاياهم يهود خيبر وقريظة والنضير‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ قريظة والنضير والتحام وعمرو هو هزل من الخزرج‏.‏ وقال ابن الصريح بن التومان بن السبط بن إليسع بن سعد بن لاوى بن النمام بن يتحوم بن عازر بن عزر بن هارون عليه السلام‏.‏ واليهود لا يعرفون هذه القصة وبعضهم يقول كان ذلك لعهد طالوت والله أعلم‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:58

الخبر عن حكام بني إسرائيل بعد يوشع إلى أن صار أمرهم إلى الملك وملك عليهم طالوت
ولما قبض يوشع صلوات الله عليه بعد استكمال الفتح وتمهيد الأمر ضيع بنو إسرائيل الشريعة وما أوصاهم به وحذرهم من خلافه فاستطالت عليهم الأمم الذين كانوا بالشام وطمعوا فيهم من كل ناحية‏.‏ وكان أمرهم شورى فيختارون للحكم في عامتهم من شاؤوا ويدفعون للحرب من يقوم بها من أسباطهم ولهم الخيار مع ذلك على من يلي شيئاً من أمرهم‏.‏ وتارة يكون نبيا يدبرهم بالوحي‏.‏ وأقاموا على ذلك نحوا من ثلثمائة سنة لم يكن لهم فيها ملك مستفحل والملوك تناوشهم من كل جهة إلى أن طلبوا من نبيهم شمويل أن يبعث عليهم ملكا فكان طالوت ومن بعده داود فاستفحل ملكهم يومئذ وقهروا أعداءهم على ما يأتي ذكره بعد‏.‏ وتسمى هذه المدة بين يوشع وطالوت مدة الحكام ومدة الشيوخ‏.‏ وأنا الآن أذكر من كان فيها من الحكام على التتابع معتمدا على الصحيح منه على ما وقع في كتاب الطبري والمسعودي ومقابلا به ما نقله صاحب حماة من بني أيوب في تاريخه عن سفر الحكام والملوك من الإسرائيليات وما نقله أيضاً هروشيوش مؤرخ الروم في كتابه الذي ترجمه للحكم المستنصر من بني أمية قاضي النصارى وترجمانهم بقرطبة وقاسم بن أصبغ‏.‏ قالوا كلهم‏:‏ لما فتح يوشع مدينة أريحا سار إلى نابلس فملكها ودفن هنالك شلو يوسف عليه السلام وكانوا حملوه معهم عند خروجهم من مصر‏.‏ وقد ذكرنا أنه كان أوصى بذلك عند موته‏.‏ وقال الطبري‏:‏ أنه بعد فتح أريحا نهض إلى بلد عاي من ملوك كنعان فقتل الملك وأحرق المدينة وتلقاه خيقون ملك عمان وبارق ملك أورشليم بالجزى واستذموا بأمانه فأمنهم وزحف إلى خيقون ملك الأرمانيين من نواحي دمشق فاستنجد بيوشع فهزم يوشع ملك الأرمن إلى حوران واستلحمهم وصلب ملوكهم وتتبع سائر الملوك بالشام فاستباح منهم واحدا وثلاثين ملكا وملك قيسارية وقسم الأرض التي ملكها بين بني إسرائيل‏.‏ وأعطى جبل المقدس لكالب بن يوفنا فسكن مدينة أورشليم وأقام مع بني يهودا ووضع القبة التي فيها تابوت العهد والمذبح والمائدة والمنارة على الصخرة التي في بيت المقدس‏.‏ وأما بنو أفرايم فكانوا يأخذون الجزية من الكنعانيين‏.‏ ثم قبض يوشع في سفر الحكام أنه قبض لثمان وعشرين سنة من ملكه وهو ابن مائة وعشرين سنة‏.‏ وقال الطبري‏:‏ ابن مائة وستة وعشرين سنة‏.‏ والأول أصح‏.‏ قال‏:‏ وكان تدبير يوشع لبني إسرائيل في زمن منوشهر عشرين سنة وفي زمن أفراسياب سبع سنين‏.‏ وقال أيضاً أن ملك اليمن شمر بن الأملوك من حمير كان لعهد موسى وبني ظفار وأخرج منها العمالقة‏.‏ ويقال أيضاً كان من عمال الفرس على المين‏.‏ وزعم هشام بن محمد الكلبي أن الفل من الكنعانيين بعد يوشع احتملهم أفريقش بن قيس بن صيفي من سواحل الشام في غزاته إلى المغرب التي قتل فيها جرجيس الملك وأنه أنزلهم بأفريقية فمنهم البربر وترك معهم صنهاجة وكتامة من قبائل حمير انتهى‏.‏ وقام بأمر بني إسرائيل بعد يوشع كالب بن يوفنا بن حصرون بن بارص بن يهودا وقد مر نسبه وكان فنحاص بن ألعيزر بن هارون كوهنا يتولى أمر صلاتهم وقربانهم‏.‏ ثم تنبئأ وتنبأ أبوه ألعيزر وكان كالب مضعفا فأقاما كذلك سبع عشرة سنة‏.‏ وقال الطبري كان مع كالب في تدبيرهم حزقيل بن يودي ويقال له ولد العجوز لأنه ولد وحدث عن وهب بن منبه‏:‏ أن جرقيل هذا دبرهم بعد كالب ولم يقع لهذا ذكر في سفر الحكام ثم بعد يوشع اجتمع بنو يهودا وبنو شمعون لحرب الكنعانيين فغلبوهم وقتلوهم وفتحوا أورشليم وقتلوا ملكها ثم فتحوا غزة وعسقلان وملكوا الجبل كله ولم يقتلوا الغور‏.‏ وأما سبط بنيامين فكان في قسمهم بلد اليونانيين في أرضهم وأخذوا منهم الخراج واختلطوا بهم وعبدوا آلهتهم‏.‏ فسقط الله عليهم ملك الجزيرة واسمه كوشان شقنائم ومعناه أظلم الظالمين‏.‏ ويقال إنه ملك الأرمن في الجزيرة ودمشق وملك حوران وصيدا وحران ويقال والبحرين ويقال أنه من أروم‏.‏ وقال الطبري‏:‏ من نسل لوط فاستعبد بني إسرائيل ثمان سنين بعد وفاة كالب بن يوفنا ثم ولي الحكم فيهم غثينئال ابن أخيه قناز بن يوفنا فحاربهم كوشان هذا وأزال ملكته عن بني إسرائيل ثم حاربه فقتله‏.‏ وكان له بعد ذلك حروب سائر أيامه مع بني مؤاب وبني عمون أسباط لوط ومع العماليق إلى أن هلك لأربعين سنة من دولته‏.‏ ثم عبد بنو إسرائيل الأوثان من بعده فسلط الله عليهم ملك بني مؤاب واسمه عفلون بعين مهملة ومعجمة ساكنة ولام مضمومة تجلب واوا ساكنة ونون بعدها فاستعبدهم ثماني عشرة سنة‏.‏ ثم قام بتدبيرهم أيهوذ بن كارا من سبط أفرايم‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ من بنيامين‏.‏ وضبطه بهمزة ممالة تجلب ياء ثم هاء مضمومة تجلب واوا ثم ذال معجمة فتنقذهم من يد بني مؤاب وقتل ملكهم عفلون بحيلة تمت لهم في ذلك‏.‏ وهو أنه جاء رسولا عن بني إسرائيل متنكرا بهدايا وتحف منهم حتى إذا خلا به طعنه فأنفذه ولحق بمكانه من جبل أفرايم‏.‏ ثم اجتمعوا ونزلوا فقتلوا من الحرس نحوا من عشرة آلاف وغلب ببني إسرإئيل بني مؤاب واستلحمهم وهلك لثمانين سنة من دولته‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:59

وقام بتدبيرهم بعده شمكار بن عناث من سبط كاد وضبطه بفتح الشين المثلثة بعدها ميم ساكنة وكاف تقرب من مخرج الجيم ويجلب فتحها ألفا وبعدها راء مهملة‏.‏ ومات لسنة من ولايته‏.‏ وبنو إسرائيل على حيالهم من المخالفة فسلط الله عليهم ملك كنعان واسمه يافين بفاء شفوية تقرب من الباء فسرح إليهم قائده سميرا فملك عليهم أمرهم واستعبدهم عشرين سنة‏.‏ وكانت فيهم كوهنة إمرأة متنبئة سامها دافورا بفاء هوائية تقرب من الباء وهي من سبط نفطالي وقيل من سبط أفرايم وقيل كان زوجها بارق ابن أبي نوعم من سبط نفطالي واسمه البيدوق‏.‏ فدعته إلى حرب سميرا فأبى إلا أن تكون معه فخرجت ببني إسرائيل وهزموا الكنعانيين وقتل قائدهم سميراً وقامت بتدبيرهم أربعين سنة يرادفها زوجها بارق ابن أبي نوعم‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وعلى عهدها كان أول ملوك الروم اللطينيين بأنطاكية بنقش بن شطونش وهو أبو القياصرة ثم توفيت دافورا وبقي بنو إسرائيل فوضى وعادوا إلى كفرهم فسلط الله قال الطبري‏:‏ وبنو لوط الذين بتخوم الحجاز قهروهم سبع سنين ثم تنبأ فيهم من سبط منشى بن يوسف كدعون بن يواش وضبطه بفتح الكاف القريبة من الجيم وسكون الدال المهملة بعدها وعين مهملة مضمومة تجلب واوا وبعدها نون فقام بتدبيرهم‏.‏ وقد كان لمدين ملكان أحدهما اسمه رابح والآخر صلمناع‏.‏ فبعث إلى بني إسرائيل عساكره مع قائدين عوديف وزديف وأهم بني إسرائيل شأنهم فخرج بهم كدعون فهزموا بني مدين وغنموا منهم أموالاً جمة ومكثوا أيام كدعون هذا على استقامة في دينهم وغلب لأعدائهم أربعين سنة‏.‏ وكان له من الولد سبعون ولدا وعلى عهده بنيت مدينة طرسوس‏.‏ وقال جرجيس بن العميد‏:‏ وملطية أيضاً‏.‏ ولما هلك قام بتدبيرهم ولده أبو مليخ وكانت أمه من بني سخام بن منشى بن يوسف من أهل نابلس فأنجدوه بالمال وقتل بني أبيب كلهم ثم نازعوه بنو سخام أخواله الأمر وطالت حروبه معهم وهلك محاصرا لبعض حصونهم بحجر طرحته عليه امرأة من السور فشدخه‏.‏ فقال لصاحب سلاحه أجهز علي لئلا يقال قتلته إمرأة‏.‏ وذلك لثلاث سنين من ولايته‏.‏ ثم دبر أمرهم بعده طولاع بن فوا بن داود من سبط يساخر وضبه بطاء قريبة من التاء تجلب ضمتها واو ثم لام ألف ثم عين‏.‏ وقال الطبري‏:‏ هو ابن خال أبي مليخ وابن عمه‏.‏ قلت‏:‏ والظاهر أنه ابن خاله لأن سبط هذا غير سبط ذاك‏.‏ وقال ابن العميد هو من سبط يسايخر إلا أنه كان نازلاً في سائر من جبل أفراييم فمن هنا والله أعلم وقع اللبس في نسبه ودبرهم ثلاثاً وعشرين سنة‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وعلى عهده كان بمدينة طرونية من ملوك الروم اللطينيين برمامش بن بنقش‏.‏ وملك ثلاثين سنة وقد مضى ذكره‏.‏ ولما هلك طولاع قام بتدبيرهم بعده يائير بن كلعاد من سبط منشى بن يوسف وضبطه بياء مثناة تحتية مفتوحة وألف ثم همزة مكسورة بعدها ياء أخرى ثم راء مهملة وقام في تدبيرهم اثنتين وعشرين سنة‏.‏ ونصب أولاده كلهم حكاما في بني إسرائيل‏.‏ وكانوا نحوا من ثلاثين‏.‏ فلما هلك طغوا وعبدوا الأصنام فسلط الله عليهم بني فلسطين وبني عمون فقهرهم ثماني عشرة سنة وقام بتدبيرهم يفتاح من سبط منشى وضبطه بياء مثناة تحتانية وفاء ساكنة وتاء مثناة من فوق بفتحة تجلب الفاء ثم حاء مهملة‏.‏ فلما قام بأمرهم طلب ضريبة النحل من بني عمون فامتنعوا من إعطائها وكانوا ملوكاً منذ ثلثمائة سنة فقاتلهم وغلبهم عليها وعلى اثنتين وعشرين قرية معها‏.‏ ثم حارب سبط أفراييم وكانوا مستبدين وحدهم عن بني إسرائيل‏.‏ فأرادهم على اتفاق الكلمة والدخول في الجماعة حتى استقاموا على ذلك وأقام في تدبيرهم ست سنين‏.‏ وعلى عهده أصابت بلاد اليونان المجاعة العظيمة التي هلك فيها أكثرهم‏.‏ ولما هلك قام بتدبيرهم أبصان من سبط يهودا من بيت لحم وضبطه بهمزة مفتوحة وباء موحدة ساكنة وصاد مهملة بفتحة نجلب ألفاً بعدها نون‏.‏ ويقال أنه جد داود عليه السلام يوعز بن سلمون بن نخشون بن عمينا ذاب بن رم بن حصرون بن بارص بن يهودا‏.‏ وحصرون هذا هو جد كالب بن يوفنا الذي دبرهم بعد يوشع‏.‏ ونحشون كان سيد بني يهودا لعهد خروجهم من مصر مع موسى عليه السلام وهلك في التيه‏.‏ ودخل ابنه سلمون أريحا مع يوشع ونزل بيت لحم على أربعة أميال من بيت المقدس‏.‏ قال هروشيوش في أيام أبصان هذا كان انقراض ملك السريانيين وخروج القوط وحروبهم مع النبط وأقام أبصان في تدبير بني إسرائيل سبع سنين ثم هلك فقام بتدبيرهم إيلون من سبط زبولون وضبطه بهمزة مكسورة تجلب ياء ثم لام مضمومة تجلب واوا ثم نون فدبرهم عشر سنين ثم هلك فدبرهم عبدون بن هلال من سبط أفراييم ثمان سنين‏.‏ وقال ابن العميد اسمه عكرون بن هليان وكان له أربعون ابناً وثلاثون حافداً‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وفي أيامه خربت مدينة طرونة قاعدة الروم اللطينيين خربها الروم الغريقيون في فتنة بينهم‏.‏ ولما هلك عبدون دفن بأرض أفراييم في جبال العمالقة‏.‏ واختلف بنو إسرائيل بعده وعبدوا الأصنام وسلط الله عليهم بني فلسطين فقهروهم أربعين سنة‏.‏ ثم تخلصهم من أيديهم شمشون بن مانوح من سبط دان ويعرف بشمشون القوي لفضل قوة كانت في يده ويعرف أيضاً بالجبار وكان عظيم سبطه‏.‏ ودبر بني إسرائيل عشر سنين بل عشرين سنة وكثرت حروبه مع بني فلسطين وأثخن فيهم وأتيح لهم عليه في بعض الأيام فأسروه ثم حملوه وحبسوه واستدعاه ملكهم في بعض الأيام إلى بيت آلهتهم ليكلمه فأمسك عمود البيت وهزه بيده فسقط البيت على من فيه وماتوا جميعا‏.‏ ولما هلك اضطربت بنو إسرائيل وافترقت كلمتهم وانفرد كل سبط بحاكم يولونه منهم والكهنونية فيهم جميعا في عقب ألعيزار بن هارون من لدن وفاة هارون عليه السلام بتوليته موسى صلوات الله عليه بالوحي ومعنى الكهنونية إقامة القرابين من الذبح والبخور على شروطها وأحكامها الشرعية عندهم‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ إنه ولي تدبيرهم بعد شمشون حاكم آخر اسمه ميخائيل بن راعيل دبرهم ثمان سنين ولم تكن طاعته فيهم مستحكمة وأن الفتنة وقعت بين بني إسرائيل ففني فيها سبط بنيامين عن آخرهم‏.‏ ثم سكنت الفتنة وكان الكوهن فيهم لذلك العهد عالي بن بيطانت بن حاصاب بن إليان بن فنحاص بن ألعيزار بن هارون‏.‏ وقيل من ولد إيتامار بن هارون وضبطه بعين مهملة مفتوحة تجلب ألفا ثم لام مكسورة تجلب ياء تحتانية‏.‏ فلما سكنت الفتنة كانوا يرجعون إليه في أحكامهم وحروبهم‏.‏ وكان له ابنان عاصيان فدفعهما إلى ذلك وكثر لعهده قتال بني فلسطين وفشا المنكر من ولديه وأمر بدفعهم عن ذلك فلم يزدادوا إلا عتوا وطغيانا وأنذر الأنبياء بذهاب الأمر عنه وعن ولده ثم هزمهم بنو فلسطين في بعض أيامهم وأصابوا منهم فتذامر بنو إسرائيل واحتشدوا وحملوا معهم تابوت العهد ولقيهم بنو فلسطين‏.‏ فانهزم بنو إسرائيل أمامهم وقتلوا أبناء عالي كوهن كما أنذر به أبوهما وشمويل‏.‏ وبلغ أباهما الكوهن خبر مقتلهما فمات أسفا لأربعين سنة من دولته‏.‏ وغنم بنو فلسطين التابوت فيما غنموه واحتملوه إلى بلادهم بعسقلان وغزة وضربوا الجزية على بني إسرائيل‏.‏ ولما مضى القوم بالتابوت فيما حكى الطبري وضعوه عند آلهتهم فقلاها مرارا فأخرجوه إلى ناحية من القرية فأصيبوا فتبادروا بإخراجه وحملوه على بقرتين لهما تبيعان ووضعتاه عند أرض بني إسرائيل ورجعتا إلى ولديهما‏.‏ وأقبل إليه بنو إسرائيل فكان لا يدنو منه أحد إلا مات حتى أذن شمويل لرجلين منهم حملاه إلى بيت أمهما وهي أرملة فكان هنالك حتى ملك طالوت‏.‏ وكان ردهم التابوت لسبعة أشهر من يوم حملوه وكان عالي الكوهن قد كفل ابن عمه شمويل بن الكنا بن يوام بن إلياهد بن ياوبن سوف وسوف هو أخو حاصاب بن البلى بن يحاص‏.‏ وقيل إن شمويل من عقب فورح وهو قارون بن يصهار بن قاهاث بن لاوي‏.‏ ونسبه إليه شمويل بن القنا بن يروحام بن أليهوذ بن يوحا بن صوب بن إلقانا بن يويل بن عزير بن ضيعينا بن تاحث بن أسر بن ألقانا بن النشاسات بن قاوون‏.‏ وكانت أمه نذرت أن تجعله خادما في المسجد وألقته هنالك فكفله عالي وأوصى له بالكهنونية‏.‏ ثم أكرمه الله بالنبوة وولاه بنو إسرائيل أحكامهم فدبرهم عشر سنين‏.‏ وقال جرجيس بن العميد عشرين سنة ونهاهم عن عبادة الأوثان فانتهوا وحاربوا أهل فلسطين واستردوا ما كانوا أخذوا لهم من القرى والبلاد واستقام أمرهم ثم دفع الأمر إلى ابنيه يؤال وأبيا‏.‏ وكانت سيرتهما سيئة‏.‏ فاجتمع بنو إسرائيل إلى شمويل وطلبوه أن يسأل الله في ولاية ملك عليهم فجاء الوحي بولاية طالوت فولاه وصار أمر بني إسرائيل ملكا بعد أن كان مشيخة والله معقب الأمر بحكمته لارب غيره‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:00

الخبر عن ملوك بني إسرائيل بع الحكام ثم افتراق أمرهم
والخبر عن دولة بني سليمان بن داود على السبطين يهوغا وبنيامين بالقدس إلى انقراضها‏.‏ لما نقم بنو إسرائيل على يوال وأبيا ابني شمويل مما نقموا من أمورهم واجتمعوا إلى شمويل وسألوه من الله أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه أعداءهم ويجمع نشرهم ويدفع الذل عنهم فجاء الوحي بأن يولي الله طالوت ميدهنه بدهن القدس فأبوا بعد أن أمر شمويل بأن يستهموا عليه فاستهموا على بني آبائهم فخرج السهم على طالوت وكان أعظمهم جسما فولوه‏.‏ واسمه عند بني إسرائيل شاول بن قيس بن أفيل بالفاء الهوائية القريبة من الباء ابن صار وابن نحورت بن أفياح‏.‏ فقام بملكهم واستوزر أفنين ابن عمه نير بن أفيل‏.‏ وكان لطالوت من الولد يهوناتان وملكيشوع وتشبهات وأنبياداف‏.‏ وقام طالوت بملك بني إسرائيل وحارب أعداءهم من بني فلسطين وعمون ومؤاب والعمالقة ومدين فغلب جميعهم‏.‏ ونصر بنو إسرائيل نصرا لا كفاء له‏.‏ وأول من زحف إليهم ملك بني عمون ونازل قرية بلقاء فهجم عليهم طالوت وهو في ثلثمائة ألف من بني إسرائيل فهزمهم واستلحمهم‏.‏ ثم أغزى ابنه في عساكر بني إسرائيل إلى فلسطين فنال منهم واجتمعوا لحرب بني إسرائيل فزحف إليهم طالوت وشمويل فانهزموا واستلحمهم بنو إسرائيل وأمر شمويل أن يسير إلى العمالقة وأن يقتلهم ودوابهم ففعل واستبقى ملكهم أعاع مع بعض الأنام فجاء الوحي إلى شمويل بأن الله قد سخطه وسلبه الملك فخبره بذلك وهره شمويل فلم يره بعد‏.‏ وأمر شمويل أن يقدس داود وبعث له بعلامته فسار إلى بني يهوذا في بيت لحم وجاء به أبوه إيشا فمسحه شمويل وسلب طالوت روح الجسد وحزن لذل ثم قبض شمويل وزحف جالوت وبنو فلسطين إلى بني إسرائيل فبرز إليهم طالوت في العساكر وفيهم داود بن إيشا من سبط يهوذا وكان صغيرا يرعى الغنم لأبيه‏.‏ وكان يقذف بالحجارة في مخلاته فلا تكاد تخطىء‏.‏ قال الطبري‏:‏ وكان شمويل قد أخبر طالوت بقتل جالوت وأعطاه علامة قاتله فاعترض بني إسرائيل حتى رأى العلامة فيه فسلحه وأقام في المصاف وقد احتمل الحجارة في مخلاته فلما عاين جالوت قذفه بحجارة فصكه في رأسه ومات‏.‏ وانهزم بنو فلسطين وحصل النصر فاستخلص طالوت حينئذ داود وزوجه ابنته وجعله صاحب سلاحه‏.‏ ثم ولاه على الحروب فاستكفى به وكان عمره حينئذ فيما قال الطبري ثلاثين سنة‏.‏ وأحبه بنو إسرائيل واشتملوا عليه‏.‏ وابتلي طالوت وبنوه بالغيرة منه وهم بقتله ونفذ لذلك مرارا ثم حمل ابنه يهونتان على قتله فلم يفعل لخلة ومصافاة كانت بينهما ودس إلى داود بدخيلة أبيه فيه‏.‏ فلحق بفلسطين وأقام فيها أياما ثم إلى بني مؤاب كذلك ثم رجع إلى سبطة يهوذا بنواحي بيت المقدس فأقام فيهم يقاتل معهم بني فلسطين في سائر حروبهم حتى إذا شعر به طالوت طلب بني يهوذا بإسلامه إليه فأبوا فزحف إليهم فأخرجوه عنهم ولحق ببني فلسطين وقاتلهم طالوت في بعض الأيام فهزموه واتبعوه وأولاده يقاتلون دونه حتى قتل يهونتان ومشوى وملكيشوع وبنو فلسطين في اتباعه حتى إذا أيقن بالهلكة قتل نفسه بنفسه‏.‏ وذلك فيما قال الطبري لأربعين سنة من ملكه‏.‏ ثم جاء داود إلى بني يهوذا فملكوه عليهم وهو داود بن إيشا بن عوفذ‏.‏ بالفاء الهوائية بن بوغر واسمه أفصان بالفاء الهوائية والصاد المشمة‏.‏ وقد قدمنا ذكره في حكام بني إسرائيل بن سلمون الذي نزل بيت لحم لأول الفتح ابن نحشون سيد بني يهوذا عند الخروج من مصر ابن عميناذاب نسبه في كتاب اليهود والنصارى وأنكره ابن حزم قال‏:‏ لأن نحشون مات بالتيه وإنما دخل القدس ابنه سلمون‏.‏ وبين خروج بني إسرائيل من مصر وملك داود ستمائة سنة باتفاق منهم‏.‏ والذي بين داود ونخشون أربعة آباء فإذا قسمت الستمائة عليهم يكون كل واحد منهم إنما ولد له بعد المائة والثلاثين سنة وهو بعيد‏.‏ ولما ملك داود على بني يهوذا نزل مدينتهم حفرون بالفاء الهوائية وهي قرية الخليل عليه السلام لهذا العهد واجتمع الأسباط كلهم إلى يشوشات بن طالوت فملكه في أورشليم وقام بأمره وزير أبيه أفيند وقد مر نسبه‏.‏ وفي كتاب أسفار الملوك من الإسرائيليات‏:‏ أن رجلا جاء لداود بعد وفاة طالوت فأخبره بمهلكه ومهلك أولاده في هزيمتهم أمام بني فلسطين وأمر هذا الرجل أن يقتله لما أدركوه فقتله وجاء بتاجه ودملجه إلى داود وانتسب إلى العمالقة فقتله داود بقتله‏.‏ وبكى على طالوت وذهب إلى سبط يهوذا بأرض حفرون بالفاء القريبة من الباء وهي قرية الخليل لهذا العهد‏.‏ وأقام شيوشيات بن طالوت في أورشليم الأسباط كلهم مجتمعون عليه وأقامت الحرب بينهم وبين داود أكثر من سنتين‏.‏ ثم وقع الصلح بينهم والمهادنة وأذعن الأسباط إلى داود وتركوه‏.‏ ثم اغتاله بعض قواده وجاء برأسه إلى داود فقتله به وأظهر عليه الحزن والأسف وكفل إخواته وبنيه أحسن كفالة‏.‏ واستبد داود بملك بني إسرائيل لثلاثين سنة من عمره وقاتل بني كنعان وغلبهم ثم طالت حروبه مع بني فلسطين واستولى على كثير من بلادهم ورتب عليهم الخراج‏.‏ ثم حارب أهل مؤاب وعمون وأهل أدوم وظفر بهم وضرب عليهم الجزية‏.‏ ثم خرب بلادهم بعد ذلك وضرب الجزية على الأرمن بدمشق وحلب وبعث العمال لقبضها‏.‏ وصانعه ملك أنطاكية بالهدايا والتحف واختط مدينة صهيون وسكنها واعتزم على بناء مسجد في مكان القبة التي كانوا يضعون بها تابوت العهد ويصلون إليها‏.‏ فأوحى الله إلى دانيال نبي على عهده أن داود لا يبني وإنما يبنيه ابنه ويدوم ملكه فسر داود بذلك‏.‏ ثم انتقض عليه ابنه أبشلوم وقتل أخاه أمون غيرة منه على شقيقه بامان وهرب‏.‏ ثم استماله داود ورده وأهدر دم أخيه وصير له الحكم بين الناس‏.‏ ثم رجع ثانيا لأربع سنين بعدها وخرج معه سائر الأسباط ولحق داود بأطراف الشام وقيل لحق بخيبر وما إليها من بلاد الحجاز ثم تراجع للحرب فهزمه داود وأدركه مؤاب وزير داود وقد تعلق بشجرة فقتله‏.‏ وقتل في الهزيمة عشرون ألفا من بني إسرائيل‏.‏ وسيق رأس قشلوط لولي أبيه داود فبكى عليه وحزن طويلا واستألف الأسباط ورضي عنهم ورضوا عنه‏.‏ ثم أحصى بني إسرائيل فكانوا ألف ألف ومائة ألف وسبط يهوذا أزيد من أربعمائة ألف‏.‏ وعوتب في الوحي لأنه أحصاهم بغير إذن وأخبره وأقام داود صلوات الله عليه في ملكه والوحي يتتابع عليه وسور الزبور تنزل‏.‏ وكان يسبح بالأوتار والمزامير‏.‏ وأكثر المزامير المنسوبة إليه في ذكر التسبيح وشأنه‏.‏ وفرض على الكهنونية من سبط لاوى التسبيح بالمزامير قدام تابوت العهد اثني عشر كوهناً لكل ساعة‏.‏ ثم عهد تمام أربعين سنة من دولته لابنه سليمان صلوات الله عليهما ومسحه مابان النبي وصادوق الحبر مسحة التقديس وأوصى ببناء بيت المقدس‏.‏ ثم قبض صلوات الله عليه ودفن في بيت لحم وكان لعهده من الأنبياء نامان وكاد وآصاف‏.‏ وكان الكهنون الأعظم أفيثار بن أحيلج من عقب عالي الكوهن الذي ذكرناه في الحكام‏.‏ وكان من بعده صادوق‏.‏ ثم قام بالملك من بعده في بني إسرائيل ابنه سليمان صلوات الله عليه وهو ابن اثنتين وعشرين سنة‏.‏ فاستفحل ملكه وغالب الأمم وضرب الجزية على جميع ملوك الشام‏.‏ مثل فلسطين وعمون وكنعان ومؤاب وأدوم والأرمن‏.‏ وأصهر إليه الملوك من كل ناحية ببناتهم وكان ممن تزوج بنت فرعون بصر وكان وزيره يؤاب بن نيثر وهو ابن أخت داود اسمها صوريا‏.‏ وكان وزيرا لداود‏.‏ فلما ولي سليمان استوزره فقام بدولته ثم قتله بعد ذلك واستوزر يشوع بن شيداح‏.‏ ولأربع سنين من ملكه شرع في بيت المقدس بعهد أبيه إليه بذلك فلم يزل إلى آخر دولته بعد أن هدم مدينة أنطاكية وبنى مدينة تدمر في البرية وبعث إلى ملك صور ليعينه في قطع الخشب من لبنان‏.‏ وأجرى على الفعلة فيه كل عام عشرين ألف كر من الطعام ومثلها من الزيت ومثلها من الخمر‏.‏ وكان الفعلة في لبنان سبعين ألفا ولنحت الحجارة ثمانين ألفا وخدمة المناولة سبعون ألفا‏.‏ وكان الوكلاء والعرفاء على ذلك العمل ثلاثة آلاف وثلثمائة رجل‏.‏ ثم بنى الهيكل وجعل ارتفاعه مائة ذراع في طول ستين وعرض عشرين‏.‏ وجعل بدائره كله أروقة وفوقها مناظر وجعل بدائر البيت أبريدا من خارج ونمقه وجعل الظهر مقورا ليودع فيه تابوت العهد‏.‏ وصفح البيت من داخله وسقفه بالذهب وصنع في البيت كروبيين من الخشب مصفحتين بالذهب وهما تمثالان للملائكة الكروبيين‏.‏ وجعل للبيت أبوابا من خشب الصنوبر ونقش عليها تماثيل من الكروبيين والنرجس والنخل والسوسن وغشاها كلها بالذهب‏.‏ وأتم بناء الهيكل في سبع سنين وجعل لها بابا من ذهب ثم بنى بيتا لسلاحه أقامه على أربعة صفوف من العمد من خشب الصنوبر في كل صف خمسة عشر عمودا ووضع فيه مائتي ترس من الذهب في كل ترس ستمائة من حجر الجوهر والزمرد وثلثمائة درقة من الذهب في كل درقة ثلثمائة من حجر الياقوت‏.‏ وسمى هذا البيت غيضة لبنان‏.‏ وصنع منبرا لجلوسه تحت رواق وكراسي كثيرة كلها من العاج ملبسة من الذهب‏.‏ لسائر ما يحتاج إليه في البيت واسترضى الصناع لذلك من مدينة صور‏.‏ وعمل مذبح القربان بالبيت من الذهب ومائدة الخبز الوجوه من الذهب وخمس منابر عن يمين الهيكل وخمسا عن يساره بجميع آلاتها من الذهب ومجامر من الذهب‏.‏ وأحضر موروث أبيه من الذهب والفضة والأوعية الحسنة فأدخلها إلى البيت وبعث إلى تابوت العهد من صهيون قرية داود إلى البيت الذي بناه له فحمله رؤساء الأسباط والكهنونية بالمسجد‏.‏ وكان في التابوت اللوحان من الحجارة اللذان صنعهما موسى عليه السلام بدل الألواح المنكسرة وحملوا مع تابوت العهد قبة القربان وأوعيتها إلى المسجد‏.‏ وأقام سليمان أمام المذبح يدعو في يوم مشهود اتخذ فيه وليمة لذلك ذبح فيها اثنين وعشرين ألفا من البقر‏.‏ ثم كان يقرب ثلاث مرات في قرابين وذبائح كاملة ويبخر البخور وجميع الأوعية لذلك كلها ذهب‏.‏ وكانت جبايته في كل سنة ستمائة قنطار وستة وستين قنطارا من الذهب غير الهدايا والقربان إلى بيت المقدس‏.‏ وكانت له سفن بحر الهند تجلب الذهب والفضة والبضائع والفيلة والقرود والطواويس وكانت له خيل مرتبة كثيرة تجلب من مصر وغيرها تبلغ ألفا وستمائة فرس معدة كلها للحرب‏.‏ وكانت له ألف امرأة لفراشه ما بين حرة وسرية منها ثلثمائة سرية‏.‏ وفي الأخبار للمؤرخين أنه تجهز للحج فوافى الحرم وأقام فيه ما شاء الله‏.‏ وكان يقرب كل يوم خمسة آلاف بدنة وخمسة آلاف بقرة وعشرين ألف شاة‏.‏ ثم سما إلى ملك اليمن وسار إليه فوافى صنعاء من يومه‏.‏ وطلب الهدهد لالتماس الوضوء وكان قناقه أي ملتمس الوضوء له في الأرض فافتقده ورجع إليه بخبر بلقيس كما قصه القرآن‏.‏ ودافعته بالهدية فلم يقبلها فلاذت بطاعته ودخلت في دينه وطاعته‏.‏ وملكته أمرها ووافته بملك اليمن‏.‏ وأمرها بأن تتزوج فنكرت ذلك لمكان الملك فقال‏:‏ لا بد في الدين من ذلك‏.‏ فقالت زوجني ذا تبع ملك همدان فزوجها إياه وملكه على اليمن واستعملها فيه ورجع إلى الشام‏.‏ وقيل تزوجها وأمر الجن فبنوا لها سليمين وغمدان‏.‏ وكان يزورها في الشهر مرة يقيم عندها ثلاثا‏.‏ وعلماء بني إسرائيل ينكرون وصوله إلى الحجاز واليمن‏.‏ وإنما ملك اليمن عندهم بمراسلة ملكة سبأ وأنها وفدت عليه في يروشالم وأهدت إليه مائة وعشرين قنطاراً من الذهب ولؤلؤاً وجوهراً وأصنافاً من الطيب والمسك والعنبر فأجازها وأحسن إليها وانصرفت‏.‏ هكذا في كتاب الأنساب من كتبهم‏.‏ ثم انتقض على سليمان آخر أيامه هدرور ملك الأرمن بدمشق وهداد ملك أدوم وكان قد ولى على ضواحي بيت المقدس وجميع أعماله يربعان بن نباط من سبط أفرايم واستكفى به في ذلك وكان جبارا فعوتب بالوحي على لسان أخيا النبي في توليته فأراد قتله وشعر بذلك يربعان فهرب إلى مصر فأنكحه فرعون ابنته وولدت له ابنه ناباط وأقام بمصر‏.‏ وقبض سليمان صلوات الله عليه لأربعين سنة من ملكه وقيل لاثنتين وخمسين ودفن عند أبيه داود صلوات الله عليهما‏.‏ وافترق ملك بني إسرائيل من بعده كما نذكره إن شاء الله تعالى‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 7 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:02

الخبر عن افتراق بني إسرائيل منهم بيت المقدس على سبط يهوذا وبنيمامين إلى انقراضه
لما قبض سليمان صلوات الله عليه وسلامه ولى ابنه رحبعم وضبطه براء مهملة وهاء مهملة مضمومتين وباء موحدة ساكنة وعين مهملة مضمومة وميم فقام بأمره وزاد في عمارة بيت لحم وغزة وصور وأيلة واشتد على بني إسرائيل وطلبوا منه تخفيف الضرائب فامتنع وطالبهم بالوظائف وأخذ فيهم برأي الغواة من بطانته فنقموا عليه ذلك وانتقضوا‏.‏ وجاءهم يربعم بن نباط من مصر فبايعوه وولوه عليهم واجتمع عليه سائر الأسباط العشرة من بني إسرائيل ما عدا أسبط يهوذا وبنيامين وتزاحفوا للحرب‏.‏ ثم دعاهم بعض أنبيائهم للصلح فتواضعوا واصطلحوا‏.‏ وفي السنة الخامسة من ملك رحبعم زحف شيشاق ملك مصر إلى بيت المقدس فهرب رحبعم واستباحها شيشاق ورجع وضرب عليهم الجزية ثم دفعوه ومنعوه‏.‏ فأقام بنو داود في سلطانهم على بني يهوذا وبنيامين ببيت المقدس وعسقلان وغزة ودمشق وحلب وحمص وحماة وما إلى ذلك من أرض الحجاز وملك الأسباط العشرة بنواحي نابلس وفلسطين‏.‏ ثم نزلوا مدينة شومرون وهي شمر وسامرة في الناحية الشرقية الشمالية من الشام مما يلي الفرات والجزيرة واتخذوها كرسيا لملكهم ذلك‏.‏ وأقاموا على هذا الافتراق إلى حين انقراض أمرهم ووقعوا في الجلاء الذي كتب الله عليهم كما نذكره‏.‏ ثم هلك رحبعم لسبع عشرة سنة من دولته وولي بعده على سبط يهوذا وبنيامين بأرض القدس ابنه أفيا وضبطه بهمزة مفتوحة ومتوسطة بين الفاء والذال من لغتهم وياء مثناة من تحت مشددة وألف وكان على مثل سيرة أبيه‏.‏ وكان عابدا صواما وكانت أيامه كلها حربا مع يربعم بن نباط وبني إسرائيل‏.‏ وهلك لثلاث سنين وولي بعده ابنه أسا بضم الهمزة وفتح السين المهملة وألف بعدها ابن أفيا‏.‏ وطال أمد ملكه وكان رجلا صالحا وكان على مثل سيرة جده داود صلوات الله عليه وتعدت الأنبياء في بني إسرائيل على عهده ومات يربعم بن نباط لسنتين من ملكه‏.‏ وملك بعده ابنه ناداب وقتله يعشا بن أحيا كما نذكر في أخبارهم‏.‏ ثم وقعت بينه وبين أسا حروب واستبد أسا بملك دمشق فزحف معه وكان يعشا ملك السامرة في ناجية يثرب لبنائها فهرب وترك آلات البناء فنقلها أسا ملك القدس وبنى بها الحصون‏.‏ ثم خرج عليهم زادح ملك الكوش في ألف ألف مقاتل ولقيهم أسا فهزمهم واثخن فيهم‏.‏ ولم تزل الحرب قائمة بين أسا وبين الأسباط بالسامرة سائر أيامه‏.‏ وعلى عهده اختطت السامرة كما نذكره بعد‏.‏ ثم هلك أسا بن أفيا لإحدى وأربعين سنة من ملكه‏.‏ ولي بعده ابنه يهوشافاط بياء مفتوحة مثناة تحتانية وهاء مضمومة وواو ساكنة وشين معجمة بعدها ألف ثم فاء بعدها ألف وطاء فكان على مثل سيرة أبيه‏.‏ وكانت أيامه مع أهل السامرة وملوكهم سلما‏.‏ واجتمع ملوك العمالقة ويقال أدوم وخرج لحربهم فهزمهم وغنم أموالهم‏.‏ وكان لعهده من الأنبياء إلياس بن شوياق وإليسع بن شوبوات‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ إيليا ومنحيا وعبوديا وكانت له سفن في البحر يجلب له فيها بضائع الهند فأصابها قاصف الريح فتكسرت وغرقت‏.‏ ثم هلك لخمسة وعشرين سنة من ملكه وولي ابنه يهورام بفتح المثناة التحتانية ثم هاء مضمومة تجلب واوا ثم راء مفتوحة تجلب ألفا وبعدها ميم وانتقض عليه أدوم وولوا عليهم ملكاً‏:‏ ألنهم‏.‏ فزحف فيهم ووقع بهم في سفيرا أوسط بلادهم وأثخن فيهم بالسبي والقتل‏.‏ ثم رجع عنهم وأقاموا في عصيانهم وعلى عهده زحف ملك الموصل إلى الأسباط بالسامرة فكانت بينه وبينهم حروب كما نذكر‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ كانت على بني مؤاب جزية مضروبة لبني يهوذا‏:‏ مائتان من الغنم كل سنة فمنعوها واجتمع ملوك القدس والساقية لحربهم وحاصروهم سبعة أيام وفقدوا الماء فاستسقى لهم إليسع وجرى الوادي‏.‏ فخرج أهل مؤاب فظنوه ماء فقتلهم بنو إسرائيل وأثخنوا وفي أيام يهورام رفع إيليا النبي وانتقل سره إلى إليسع وكان على عهده من الأنبياء أيضاً عبودياً ثم هلك يورام لثمان سنين من ملكه ودفن عند جده داود وولي بعده ابنه أحزياهو بهمزة مفتوحة وحاء مهملة مضمومة وزاي معجمة ساكنة ثم ياء مثناة تحتية تجلب ألفا ثم هاء مضمومة تجلب واوا وأمة عثليا بنت عمري أخت أخاب وسار سيرة خاله وملك سنة واحدة وقيل سنتين وخرج لقتال ملك الجزيرة والموصل واستنفر معه صاحب السامرة يورام ابن خاله أخاب فاقتتلوا معه ثم انصرفوا وابن خاله جريح‏.‏ وجاءه أحزياهو في بعض الأيام يعوده‏.‏ وكان ابن يهوشافاط ابن منشي من سبط منشا بن يوسف يترصد قتل يورام بن أخاب ملك السامرة فأصاب فرصة في ذلك الوقت فقتلهما جميعا‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ إن يورام بن أخاب ملك السامرة خرج لحرب أدوم في رواية كلعاد وخرج معه أحزياهو فقتلا في تلك الحرب‏.‏ قال‏:‏ وقيل أن ياهوعشا رمى بسهم فأصاب يورام بن أخاب وكان لعصره من الأنبياء إليسع وعامور وفنحاء‏.‏ ثم ملك بعد أحزيا أمه غثليا بنت عمري كذا وقع اسمها في كتاب الطبري‏.‏ وفي كتاب الإسرائيليات اسمها أضالية‏.‏ ويقال كانت من جواري سليمان ثم استفحل ملكها بالقدح وقتلت بني داود كلهم وأغفلت ابنا رضيعا من ولد أبيها أحزياهو اسمه يؤاش بضم الياء المثناة التحتية ثم همزة مفتوحة تجلب ألفا ثم شين معجمة أخفته عمته يهوشيع بنت يهورام في بعض زوايا القدس وعلم بمكانه زوجها يهوديادع وهو يومئذ الكوهن الأعظم‏.‏ حتى إذا كملت له سبع سنين ونقم بنو يهوذا سيرة عثليا اجتمعوا إلى يهوديادع الكوهن فأخرج لهم يؤاش بن أحزياهو من مكانه واستحلفهم فبايعوا له وقتلوا جدته غثليا ومن معها لسبع سنين من ملكها‏.‏ وقام يؤاش بملكه في تدبير يهوديادع الكوهن ثم أراد عبادة


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 7 من اصل 20 الصفحة السابقة  1 ... 6, 7, 8 ... 13 ... 20  الصفحة التالية

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى