تعالى اشطفها
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تاريخ ابن خلدون

صفحة 8 من اصل 20 الصفحة السابقة  1 ... 5 ... 7, 8, 9 ... 14 ... 20  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأحد 4 مايو 2008 - 0:04

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

بسم الله الرحمن الرحيم



تمهيـــد
يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه الغني بلطفه عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي وفقه الله تعالى‏:‏ الحمد لله الذي له العزة والجبروت وبيده الملك والملكوت وله الأسماء الحسنى والنعوت العالم فلا يعزب عنه ما تظهره النجوى أو يخفيه السكوت القادر فلا يعجزه شي في السماوات والأرض ولا يفوت‏.‏ أنشأنا من الأرض نسماً واستعمرنا فيها أجيالاً وأمماً ويسر لنا منها أرزاقاً وقسماً‏.‏ تكنفنا الأرحام والبيوت ويكفلنا الرزق والقوت وتبلينا الأيام والوقوت وتعتورنا الآجال التي خط علينا كتابها الموقوت وله البقاء والثبوت وهو الحي الذي لا يموت والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي العربي المكتوب في التوراة والإنجيل المنعوت الذي تمخض لفصاله الكون قبل ان تتعاقب الآحاد والسبوت ويتباين زحل واليهموت وشهد بصدقه الحمائم والعنكبوت وعلى آله وأصحابه الذين لهم في محبته واتباعه الأثر البعيد والصيت والشمل الجميع في مظاهرته ولعدوهم الشمل الشتيت صلى الله عليه وعليهم ما اتصل بالإسلام جده المبخوت وانقطع بالكفر حبله المبتوت وسلم كثيراً‏.‏ أما بعد فإن فن التاريخ من الفنون التي تتداولها الأمم والأجيال وتشد إليه الركائب والرحال وتسمو إلى معرفته السوقة والأغفال وتتنافس فيه الملوك والأقيال ويتساوى في فهمه العلماء والجهال إذ هو في ظاهره لا يزيد على إخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأول تنمو فيها الأقوال وتضرب فيها الأمثال وتطرف بها الأندية إذا غصها الاختفال وتؤدي إلينا شأن الخليقة كيف تقلبت بها ألاحوال واتسع للدول فيها النطاق والمجال وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال وحان منهم الزوال وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومباديها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق وجدير بأن يعد في علومها وخليق‏.‏ وإن فحول المؤرخين في الإسلام قد استوعبوا أخبار الأيام وجمعوها وسطروها في صفحات الدفاتر وأودعوها وخلطها المتطفلون بدسائس من الباطل وهموا فيها أو ابتدعوها وزخارف من الروايات المضعفة لفقوها ووضعوها واقتفى تلك الآثار الكثير ممن بعدهم واتبعوها‏.‏ وأدوها إلينا كما سمعوها ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال ولم يراعوها ولا رفضوا ترهات الأحاديث ولا دفعوها فالتحقيق قليل وطرف التنقيح في الغالب كليل والغلط والوهم نسيب للأخبار وخليل والتقليد عريق في الآدميين وسليل والتطفل على الفنون عريض وطويل ومرعى الجهل بين الأنام وخيم وبيل‏.‏ والحق لا يقاوم سلطانه والباطل يقذف بشهاب النظر شيطانه والناقل إنما هو يملي وينقل والبصيرة تنقد الصحيح إذا تمقل والعلم يجلو لها صفحات الصواب ويصقل‏.‏ هذا وقد دون الناس في الأخبار وأكثروا وجمعوا تواريخ الأمم والدول في العالم وسطروا‏.‏ والذين ذهبوا بفضل الشهرة والأمانة المعتبرة واستفرغوا دواوين من قبلهم في صحفهم المتأخرة هم قليلون لا يكادون يجاوزون عدد الأنامل ولا حركات العوامل مثل ابن إسحاق والطبري وابن الكلبي ومحمد بن عمر الواقدي وسيف بن عمر الأسدي والمسعودي وغيرهم من المشاهير المتميزين عن الجماهير وإن كان فى كتب المسعودي والواقدي من المطعن والمغمز ما هو معروف عند الأثبات ومشهور بين الحفظة الثقات إلا أن الكافة اختصتهم بقبول أخبارهم واقتفاء سننهم في التصنيف واتباع آثارهم والناقد البصير قسطاس نفسه في تزييفهم فيما ينقلون‏.‏ أو اعتبارهم فللعمران طبائع في أحواله ترجع إليها الأخبار وتحمل عليها الروايات والآثار‏.‏ ثم إن أكثر التواريخ لهؤلاء عامة المناهج والمسالك لعموم الدولتين صدر الإسلام في الآفاق والممالك وتناولها البعيد من الغايات في المآخذ والمتارك‏.‏ ومن هؤلاء من استوعب ما قبل الملة هن الدول والأمم والأمر العمم كالمسعودي ومن نحا منحاه‏.‏ وجاء من بعدهم من عدل عن الإطلاق إلي التقييد ووقف في العموم والإحاطة عن الشأو البعيد فقيد شوارد عصره واستوعب أخبار أفقه وقطره واقتصر على أحاديث دولته ومصره‏.‏ كما فعل أبوحيان مؤرخ الأندلس والدولة الأموية بها وابن الرفيق مؤرخ إفريقية والدول التي كانت بالقيروان‏.‏ شم لم يأت من بعد هؤلاء إلا مقلد وبليد الطبع والعقل أو متبلد ينسج على ذلك المنوال ويحتذي منه بالمثال ويذهل عما أحالته الأيام من الأحوال واستبدلت به من عوائد الأمم والأجيال‏.‏ فيجلبون الأخبار عن الدول وحكايات الوقائع في العصور الأول صوراً قد تجردت عن موادها وصفاحاً انتضيت من أغمادها ومعارف تستنكر للجهل بطارفها وتلادها إنما هي حوادث لم تعلم أصولها وأنواع لم تعتبر أجناسها ولا تحققت فصولها يكررون في موضوعاتهم الأخبار المتداولة بأعيانها اتباعاً لمن عني من المتقدمين بشأنها ويغفلون أمر الأجيال الناشئة في ديوانها بما أعوز عليهم من ترجمانها فتستعجم صحفهم عن بيانها‏.‏ ثم إذا تعرضوا لذكر الدولة نسقوا أخبارها نسقاً محافظين على نقلها وهماً أو صدقاً لا يتعرضون لبدايتها ولا يذكرون السبب الذي رفع من رايتها وأظهر من آيتها ولا علة الوقوف عند غايتها فيبقى الناظر متطلعاً بعد إلى افتقاد أحوال مبادىء الدول ومراتبها مفتشاً عن أسباب تزاحمها أو تعاقبها باحثاً عن المقنع في تباينها أوتناسبها حسبما نذكر ذلك كله في مقدمة الكتاب‏.‏ ثم جاء آخرون بإفراط الاختصار وذهبوا إلى الاكتفاء بأسماء الملوك والاقتصار مقطوعة عن الأنساب والأخبار موضوعة عليها أعداد أيامهم بحروف الغبار كما فعله ابن رشيق في ميزان العمل ومن اقتفى هذا الأثر من الهمل‏.‏ وليس يعتبر لهؤلاء مقال ولا يعد لهم ثبوت ولا انتقال لما أذهبوا من الفوائد وأخلوا بالمذاهب المعروفة للمؤرخين والعوائد‏.‏ ولما طالعت كتب القوم وسبرت غور الأمس واليوم نبهت عين القريحة من سنة الغفلة والنوم وسمت التصنيف من نفسي وأنا المفلس أحسن السوم‏.‏ فأنشأت في التاريخ كتاباً رفعت به عن أحوال الناشئة من الأجيال حجاباً وفصلته في الأخبار والاعتبار باباً باباً وأبديت فيه لأولية الدول والعمران عللاً وأسباباً وبنيته على أخبار الأمم الذين عمروا المغرب في هذه الأعصار وملؤوا أكناف النواحي منه والأمصار وما كان لهم من الدول الطوال أو القصار ومن سلف من الملوك والأنصار وهم العرب البربر إذ هما الجيلان اللذان عرف بالمغرب مأواهما وطال فيه على الأحقاب مثواهما حتى لا يكاد يتصور فيه ما عداهما ولا يعرف أهله من أجيال الآدميين سواهما‏.‏ فهذبت مناحيه تهذيباً وقربته لأفهام العلماء والخاصة تقريباً وسلكت في ترتيبه وتبويبه مسلكاً غريباً واخترعته من بين المناحي مذهباً عجيباً وطريقة مبتدعة وأسلوباً‏.‏ وشرحت فيه من أحوال العمران والتمدن وما يعرض في الاجتماع الإنساني من العوارض الذاتية ما يمتعك بعلل الكوائن وأسبابها ويعرفك كيف دخل اهل الدول من أبوابها حتى تنزع من التقليد يدك وتقف على أحوال ما قبلك من الأيام والأجيال ما بعدك‏.‏ ورتبتة على مقدمة وثلاثة كتب‏:‏ المقدمة‏:‏ في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه والإلماع بمغالط المؤرخين‏.‏ الكتاب الأول‏:‏ في العمران وذكر ما يعرض فيه من العوارض الذاتية من الفلك والسلطان والكسب والمعاش والصنائع والعلوم وما لذلك من العلل والأسباب‏.‏ الكتاب الثاني‏:‏ في أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدإ الخليقة إلى هذا العهد وفيه الإلماع ببعض من عاصرهم من الأمم المشاهير ودولهم مثل النبط والسريانيين والفرس وبني إسرائيل والقبط واليونان والروم والترك والإفرنجة‏.‏ الكتاب الثالث‏:‏ في أخبار البربر ومن إليهم من زناتة وذكر أوليتهم وأجيالهم وما كان لهم بديار المغرب خاصة من الملك والدول‏.‏ ثم كانت الرحلة إلى المشرق لاجتلاء أنواره وقضاء الفرض والسنة في مطافه ومزاره والوقوف على آثاره في دواوينه وأسفاره فأفدت ما نقص من أخبار ملوك العجم بتلك الديار ودول الترك فيما ملكوه من الأقطار وأتبعت بها ما كتبته فى تلك
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل


تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:55

الخبر عن بني إسرائيل وما كان لهم من النبوة والملك وتغلبهم علي الأرض المقدسة بالشام
وكيف تجددت دولتهم بعد الانقراض وما اكتنف ذلك من الأحوال قد ذكرنا عند ذكر إبراهيم وبنيه صلوات الله وسلامه عليهم ما كان من شأن يعقوب بن إسحق واستقراره بمصر مع بنيه الأسباط وفي التوراة أن الله سماه إسرائيل‏.‏ وإيل عندهم كلمة مرادفة لعبد وما قبلها من أسماء الله عز وجل وصفاته والمضاف أبدا متأخر في لسان العجم‏.‏ فلذلك كان إيل هو آخر الكلمة وهو المضاف‏.‏ ثم قبض الله نبيه يعقوب بمصر لمائة وسبع وثمانين سنة من عمره وأوصى أن يدفن عند أبيه فطلب يوسف من فرعون أن يطلقه لذلك فأذن له وأمر أهل دولته بالانطلاق معه فانطلقوا وحملوه إلى فلسطين فدفنوه بمقبرة آبائه وهي التي اشتراها إبراهيم من الكنعانيين‏.‏ ورجع يوسف إلى مصر وأقام بها إلى أن توفي لمائة وعشرين سنة من عمره ودفن بمصر وأوصى أن يحملوا شلوه معهم إذا خرجوا إلى أرض الميعاد وهي الأرض المقدسة‏.‏ وأقام الأسباط بمصر وتناسلوا وكثروا حتى ارتاب القبط بكثرتهم واستعبدوهم‏.‏ وفي التوراة أن ملكا من الفراعنة جاء بعد يوسف لم يعرف شأنه ولا مقامه في دولة آبائه فاسترق بني إسرائيل واستعبدهم‏.‏ ثم تحدث الكهان من أهل دولتهم بأن نبوة تظهر في بني إسرائيل وأن ملكك كائن لهم مع ما كان معلوما من بشارة آبائهم لهم بالملك‏.‏ فعمد الفراعنة إلى قطع نسلهم بذبح الذكور من ذريتهم‏.‏ فلم يزالوا على ذلك مدة من الزمان حتى ولد موسى‏.‏ وهو موسى بن عمران بن قاهث بن لاوى بن يعقوب وأمه يوحانذ بنت لاوى عمة عمران‏.‏ وكان قاهث بن لاوى من القادمين إلى مصر مع يعقوب عليه السلام وولد عمران بمصر وولد هارون لثلاث وسبعين من عمره وموسى لثمانين فجعلته أمه في تابوت وألقته في ضحضاح اليم وأرصدت أخته على بعد لتنظر من يلتقطه فتعرفه‏.‏ فجاءت ابنة فرعون إلى البحر مع جواريها فرأته واستخرجته من التابوت فرحمته‏.‏ وقالت هذا من العبرانيين فمن لنا بظئر ترضعه فقالت لها أخته أنا آتيكم بها‏!‏ وجاءت بأمه فاسترضعتها له ابنة فرعون إلى أن فصل فأتت به إلى ابنة فرعون وسمته موسى وأسلمته لها‏.‏ ونشأ عندها ثم شب وخرج يوما يمشي في الناس وله صولة بما كان له في بيت فرعون من المربي والرضاع فهم لذلك أخواله‏.‏ فرأى عبرانيا يضربه مصري فقتل المصري الذي ضربه ودفنه‏.‏ وخرج يوما آخر فإذا هو برجلين من بني إسرائيل وقد سطا أحدهما على الآخر فزجره فقال له‏:‏ ومن جعل لك هذا أتريد أن تقتلني كما قتلت الآخر بالأمس ونمي الخبر إلى فرعون فطلبه وهرب موسى إلى أرض مدين عند عقبة أيلة وبنو مدين أمة عظيمة من بني إبراهيم عليه السلام كانوا ساكنين هناك‏.‏ وكان ذلك لأربعين سنة من عمره فلقي عند مائهم بنتين لعظيم من عظمائهم فسقى لهما وجاءتا به فزوجه بإحداهما كما نوفل بن عيقا بن مدين وهو النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقال الطبري‏:‏ الذي استأجر موسى وزوجه بنته رعويل وهو بيتر حبر مدين أي عالمهم وأن رعويل هو الذي زوجه البنت وأن اسمه يبتر‏.‏ وعن الحسن البصري أنه شعيب رئيس بني مدين‏.‏ وقيل إنه ابن أخي شعيب وقيل ابن عمه‏.‏ فأقام عند شعيب صهره مقبلا على عبادة ربه إلى أن جاءه الوحي وهو ابن ثمانين سنة‏.‏ وأوحى إلى أخيه هارون وهو ابن ثلاث وثمانين سنة‏.‏ فأوحى الله إليهما بأن يأتيا فرعون ليبعث معهما بني إسرائيل فيستنقذانهم من مملكة القبط وجور الفراعنة ويخرجون إلى الأرض المقدسة التي وعدهم الله بملكها على لسان إبراهيم وإسحاق ويعقوب‏.‏ فخرجا إليه وبلغا بني إسرائيل الرسالة فآمنوا به واشبعوه‏.‏ ثم حضرا إلى فرعون وبلغاه أمر الله له بأن يبعث معهما بني إسرائيل وأراه موسى عليه السلام معجزة العصا فكان من تكذيبه وامتناعه وإحضار السحرة لما رأى من موسى في معجزته ثم إسلامهم ما نصه القرآن العظيم‏.‏ ثم تمادى

محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:56

فرعون في تكذيبه ومناصبته واشتد جوره على بني إسرائيل واستعبادهم واتخاذهم سخرياً في مهنة الأعمال‏.‏ فأصابت فرعون وقومه الجوائح العشرة واحدة بعد أخرى يسالمهم عند وقوعها ويتضرع إلى موسى في الدعاء بانجلائها إلى أن أوحى الله إلى موسى بخروج بني ففي التوراة أنهم أمروا عند خروجهم أن يذبح أهل كل بيت حملا من الغنم إن كان كفايتهم أو يشتركون مع جيرانهم إن كان أكثر وأن ينضحوا دمه على أبوابهم لتكون علامة وأن يأكلوه سواء برأسه وأطرافه ومعناه لا يكسرون له عظما ولا يدعون شيئا خارج البيوت وليكن خبزهم فطيرا ذلك اليوم وسبعة أيام بعده‏.‏ وذلك في اليوم الرابع عشر من فصل الربيع وليأكلوا بسرعة وأوساطهم مشدودة وخفافهم في أرجلهم وعصيهم في أيديهم ويخرجوا ليلا وما فضل من عشائهم ذلك يحرقوه بالنار‏.‏ وشرع هذا عيدا لهم ولأعقابهم ويسمى عيد الفصح‏.‏ وفي التوراة أيضاً أنه قتل في تلك الليلة أبكار النساء من القبط ودوابهم ومواشيهم ليكون لهم بذلك ثقل عن بني إسرائيل‏.‏ وأنهم أمروا أن يستعير منهم حليا كثيرا يخرجون به فاستعاروه وخرجوا في تلك الليلة بما معهم من الدواب والأنعام وكانوا ستمائة ألف أو يزيدون وشغل القبط عنهم بالمآتم التي كانوا فيها على موتاهم‏.‏ وأخرجوا معهم تابوت يوسف عليه السلام استخرجه موسى صلوات الله عليه من المدفن الذي كان به بإلهام من الله تعالى‏.‏ وساروا لوجههم حتى انتهوا إلى ساحل البحر بجانب الطور‏.‏ وأدركهم فرعون وجنوده وأمر موسى بأن يضرب البحر بعصاه ويقتحمه فضربه فانفلق طرقا‏.‏ وسار فيه بنو إسرائيل وفرعون وجنوده في اتباعه ونزل بنو إسرائيل بجانب الطور وسبحوا مع موسى بالتسبيح المنقول عندهم وهو‏:‏ نسبح الرب البهي الذي قهر الجنود ونبذ فرسانها في البحر المنيع المحمود إلى آخره‏.‏ وقالوا‏:‏ وكانت مريم أخت موسى وهارون صلوات الله عليهما تأخذ الدف بيدها ونساء بني إسرائيل في أثرها بالدفوف والطبول وهي ترتل لهن التسبيح سبحان الرب القهار الذي قهر الخيول وركبانها ألقاها في البحر وهو المعنى الأول‏.‏ ثم كانت المناجاة على جبل الطور وكلام الله لموسى والمعجزات المتتالية ونزول الألواح‏.‏ ويزعم بنو إسرائيل أنها كانت لوحين فيها الكلمات العشر وهي‏:‏ كلمة التوحيد والمحافظة على السبت بترك الأعمال فيه وبر الوالدين ليطول العمر والنهي عن القتل والزنا والسرقة وشهادة الزور ولا تمتد عين إلى بيت صاحبه أو امرأته أو لشيء من متاعه‏.‏ هذه الكلمات العشرة التي تضمنتها الألواح‏.‏ وكان سبب نزول الألواح أن بنى إسرائيل لما نجوا ونزلوا حول طور سيناء صعد موسى إلى الجبل

محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:56

فكلمه ربه وأمره أن يذكر بني إسرائيل بالنعمة عليهم في نجاتهم من فرعون وأن يتطهروا ويغسلوا ثيابهم ثلاثة أيام ويجتمعوا في اليوم الثالث حول الجبل من بعد ففعلوا‏.‏ وظلت الجبل غمامة عظيمة ذات بروق ورعود ففزعوا وقاموا في سفح الجبل دهشين‏.‏ ثم غشى الجبل دخان في وسطه عمود نور تزلزل له الجبل زلزلة عظيمة شديدة واشتد صوت الرعد الذي كانوا يسمعونه‏.‏ وأمر موسى صلوات الله عليه بأن يقرب بني إسرائيل لسماع الوصايا والتكاليف قال فلم يطيقوا فأمر بحضور هارون وتكون العلماء غير بعيدة ففعل وجاءهم بالألواح‏.‏ ثم سار بعد ذلك إلى ميعاد الله بعد أربعين ليلة‏.‏ فكلمه ربه وسأله الرؤية فمنعها فكان الصعق وساخ الجبل وتلقى كثيرا من أحكام التوراة في المواعظ والتحليل والتحريم‏.‏ وكان حين سار إلى الميعاد استخلف أخاه هارون على بني إسرائيل واستبطأوا موسى وكان هارون قد أخبرهم بأن الحلي الذي أخذوه للقبط محرم عليهم‏.‏ فأرادوا حرقه وأوقدوا عليه النار‏.‏ وجاء السامري في شيعة له من بني إسرائيل وألقى عليه شيئا كان عنده من أثر الرسول فصار عجلا وقيل عجلا حيوانا‏.‏ وعبده بنو إسرائيل وسكت عنهم هارون خوفا من افتراقهم‏.‏ وجاء موسى صلوات الله عليه من المناجاة وقد أخبر بذلك في مناجاته‏.‏ فلما رآهم على ذلك ألقى الألواح ويقال كسرها وأبدل غيرها من الحجارة‏.‏ وعند بني إسرائيل أنهما اثنان‏.‏ وظاهر القرآن أنها أكثر مع أنه لا يبعد استعمال الجمع في الاثنين‏.‏ ثم أخذ برأس أخيه ووبخه واعتذر له بما اعتذر ثم حرق العجل وقيل برده بالمبرد وألقاه في البحر‏.‏ وكان موسى صلوات الله عليه لما نجا ببني إسرائيل إلى الطور بلغ خبره إلى بيثر صهره من بني مدين فجاء ومعه بنته صفورا زوجة موسى عليه السلام التي زوجها بها أبوها رعويل كما تقدم‏.‏ ومعها ابناها من موسى وهما جرشون وعازر‏.‏ فتلقاها موسى صلوات الله عليه بالبر والكرامة وعظمه بنو إسرائيل ورأى كثرة الخصومات على موسى فأشار عليه بأن يتخذ النقباء على كل مائة أوخمسين أو عشرة فيفصلوا بين الناس وتفصل أنت فيما أهم وأشكل ففعل ذلك‏.‏ ثم أمر الله ببناء قبة للعبادة والوحي من خشب الشمشاد ويقال هو السنط وجلود الأنعام وشعر الأغنام‏.‏ وأمر بتزيينها بالحرير والمصبغ والذهب والفضة على أركانها‏.‏ صور منها صور الملائكة الكروبيين على كيفيات مفصلة في التوراة في ذلك كله ولها عشر سرادقات مقدرة الطول والعرض وأربعة أبواب وأطناب من حرير منقوش مصبغ وفيها دفوف وصفائح من ذهب وفضة‏.‏ وفي كل زاوية بابان وأبواب وستور من حرير وغير ذلك مما هو مشروح في التوراة‏.‏ وبعمل تابوت من خشب الشمشاد طول ذراعين ونصف في عرض ذراعين في ارتفاع ذراع ونصف مصفحا بالذهب الخالص من داخل وخارج‏.‏ وله أربع حلق في أربع زوايا وعلى حافته كروبيان من ذهب يعنون مثالي ملكين بأجنحة ويكونان متقابلين‏.‏ وأن يصنع ذلك كله فلان شخص معروف في بني إسرائيل‏.‏ وأن يعمل مائدة من خشب الشمشاد طول ذراعين في عرض ذراع ونصف بطناب ذهب وإكليل ذهب بحافة مرتفعة بإكليل ذهب وأربع حلق ذهب في أربع نواحيها مغروزة في مثل الرمانة من خشب ملبس ذهبا وصحافا ومصافي وقصاعا على المائدة كلها من ذهب‏.‏ وأن يعمل منارة من ذهب بست قصبات من كل جانب ثلاث‏.‏ وعلى كل قصبة ثلاث سرج وليكن في المنارة أربعة قناديل ولتكن هي وجميع آلاتها من قنطار من ذهب وأن يعمل مذبحا للقربان‏.‏ ووصف ذلك كله في التوراة بأتم وصف ونصبت هذه القبلة أول يوم من فصل الربيع ونصب فيها تابوت الشهادة وتضمن هذا الفصل في التوراة من الأحكام والشرائع في القربان والنحور وأحوال هذه القبة كثيرا‏.‏ وفيها أن قبة القربان كانت موجودة قبل عبادة أهل العجل وأنها كانت كالكعبة يصلون إليها وفيها ويتقربون عندها وأن أحوال القربان كانت كلها راجعة إلى هارون عليه السلام بعهد الله إلى موسى بذلك وأن موسى صلوات الله عليه كان إذا دخلها يقفون حولها وينزل عمود الغمام على بابها فيخرون عند ذلك سجدا لله عز وجل‏.‏ ويكلم الله موسى عليه السلام من ذلك العمود الغمام الذي هو نور ويخاطبه ويناجيه وينهاه وهو واقف عند التابوت صامد لما بين ذينك الكروبيين‏.‏ فإذا فصل الخطاب يخبر بني إسرائيل بما أوحاه إليه من الأوامر والنواهي‏.‏ وإذا تحاكموا إليه في شيء ليس عنده من الله فيه بشيء يجيء إلى قبة القربان ويقف عند التابوت ويصمد لما بين ذينك الكروبيين فيأتيه الخطاب بما فيه فصل تلك ولما نجا بنو إسرائيل ودخلوا البرية عند سينا أول المصيف لثلاثة أشهر من خروجهم من مصر وواجهوا جبال الشام وبلاد بيت المقدس التي وعدوا بها أن تكون ملكا لهم على لسان إبراهيم وإسحق ويعقوب صلوات الله عليهم بمسيرهم إليها وأتوه بإحصاء بني إسرائيل من يطيق حمل السلاح منهم من ابن عشرين فما فوقها فكانوا ستمائة ألف أو يزيدون وضرب عليهم الغزو ورتب المصاف والميمنة والميسرة وعين مكان كل سبط في التعبية وجعل فيه التابوت والمذبح في القلب وعين لخدمتها بني لاوى من أسباطهم وأسقط عنهم القتال لخدمة القبة وسار على التعبية سالكا على برية

محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:57

فاران وبعثوا منهم اثني عشر نقيبا من جميع الأسباط فأتوهم بالخبر عن الجبارين‏.‏ كان منهم كالب بن يوفنا بن حصرون بن بارص بن يهوذا بن يعقوب ويوشع بن نون بن أليشامع بن عميهون بن بارص بن لعدان بن تاحن بن تالح بن أراشف بن رافح بن بريعا بن أفرايم بن يوسف بن يعقوب‏.‏ فاستطابوا البلاد واستعظموا العدو من الكنعانيين والعمالقة ورجعوا إلى قومهم يخبرونهم الخبر وخذلوهم إلا يوشع وكالب فقالا لهم ما قالا‏:‏ وهما الرجلان اللذان أنعم الله عليهما‏.‏ وخامر بنو إسرائيل عن اللقا وأبوا من السير إلى عدوهم والأرض التي ملكهم الله إلى أن يهلك الله عدوهم على غير أيديهم‏.‏ فسخط الله ذلك منهم وعاقبهم بأن لا يدخل الأرض فأقاموا كذلك أربعين سنة في برية سينا وفاران يترددون حوالي جبال السراة وأرض ساعير وأرض بلاد الكرك والشوبك‏.‏ وموسى صلوات الله عليه بين ظهرانيهم يسأل الله لطفه بهم ومغفرته ويدفع عنهم مهالك سخطه وشكوا الجوع‏.‏ فبعث الله لهم المن حبات بيض منتشرة على الأرض مثل ذرير الكزبرة فكانوا يطحنونه ويتخذون منه الخبز كلهم‏.‏ ثم قرموا إلى اللحم فبعث لهم السلوى طيرا يخرج من البحر وهو طير السماني فيأكلون منه ويدخرون‏.‏ ثم طلبوا الماء فأمر أن يضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا‏.‏ وأقاموا على ذلك ثم ارتاب واحد منهم اسمه فودح بن إيصهر بن قاهث وهو ابن عم موسى بن عمران بن قاهث‏.‏ فارتاب هو وجماعة منهم من بني إسرائيل بشأن موسى واعتمدوا مناصبته فأصابتهم قارعة وخسفت بهم وبه الأرض وأصبحو عبرة للمعتبرين‏.‏ واعتزم بنو إسرائيل على الاستقالة مما فعلوه والزحف إلى العدو ونهاهم موسى عن ذلك فلم ينتهوا وصعدوا جبل العمالقة فحاربهم أهل ذلك الجبل فهزموهم وقاتلوهم في كل وجه‏.‏ فأمسكوا وأقام موسى على الاستغفار لهم فأرسل إلى ملك أدوم يطلب الجواز عليه إلى الأرض المقدسة فمنعهم وحال دون ذلك‏.‏ ثم قبض هارون صلوات الله عليه لمائة وثلاثة وعشرين سنة من عمره ولأربعين سنة من يوم خروجهم من مصر وحزن له بنو إسرائيل لأنه كان شديد الشفقة عليهم وقام بأمره الذي كان يقوم به ابنه العيزار‏.‏
ثم زحف بنو إسرائيل إلى بعض ملوك كنعان فهزموهم وقتلوهم وغنموا ما أصابوا منهم وبعثوا إلى سيحون ملك العموريين من كنعان في الجواز في أرضه إلى الأرض المقدسة فمنعهم وجمع قومه وغزا بني إسرائيل في البرية فحاربوه وهزموه وملكوا بلاده إلى حد بني عمون ونزلوا مدينته وكانت لبني مؤاب‏.‏ وتغلب عليها سيحون‏.‏ ثم قاتلوا عوجا وقومه من كنعان وهو المشهور بعوج بن عوق وكان شديد البأس فهزموه وقاتلوه وبنيه وأثخنوا في أرضه‏.‏ وورثوا أرضهم إلى الأردن بناحية أريحا وخشي ملك بني مؤاب من بني إسرائيل واستجاش بمن يجاوره من بني مدين وجمعهم ثم أرسل إلى بلعام بن باعورا وكان ينزل في التخم بين بلاد بني عمون وبني مؤاب‏.‏ وكان مجاب الدعوة معبرا للأحلام‏.‏ واستدعاه ليستعين بدعائه وأتاه الوحي بالنهي عن الدعاء وألح عليه ذلك الملك وأصعده إلى الأماكن الشاهقة وأراه معسكر بني إسرائيل منها فدعا لهم وأنطقه الله بظهورهم وأنهم يملكون إلى الموصل‏.‏ ثم تخرج أمة من أرض الروم فيغلبون عليهم فغضب الملك وانصرف بلعام إلى بلاده‏.‏ وفشا في بني إسرائيل الزنا ببنات مؤاب ومدين فأصابهم الموتان فهلك منهم أربعة وعشرون ألفا‏.‏ ودخل فنحاص بن لعزرا على رجل من بني إسرائيل في خيمته ومعه امرأة من بني مدين قد أدخلها للزنا بمرأى من بني إسرائيل فطعنها برمحه وانتظمها وارتفع الموتان عن بني إسرائيل‏.‏ ثم أمر الله موسى والعازر بن هارون بإحصاء بني إسرائيل بعد فناء الجيل الذي أحصاهم موسى وهارون ببرية سينا وانقضاء الأربعين سنة التي حرم الله عليهم فيها دخول تلك الأرض‏.‏ وأن يبعث بعثا من بني إسرائيل إلى مدين الذي أعانوا بني مؤاب‏.‏ فبعث اثني عشر ألفا من بني إسرائيل وعليهم فنحاص بن ألعيزز بن العزر بن هارون‏.‏ فحاربوا بني مدين وقتلوا ملوكهم وسبوا نساءهم وملكوا أموالهم وقسم ذلك في بني إسرائيل بعد أن أخذ منه لله وكان فيمن قتل بلعام بن باعورا‏.‏ ثم قسم الأرض التي ملك من بني مدين والعموريين وبني عمون وبني مؤاب‏.‏ ثم ارتحل بنو إسرائيل ونزلوا شاطىء الأردن‏.‏ وقال الله قد ملكتكم ما بين الأردن والفرات كما وعدت آباءكم ونهوا عن قتال عيصو الساكنين ساعير وبني عمون وعن أرضهم‏.‏ وأكمل الله الشريعة والأحكام والوصايا لموسى عليه السلام وقبضه إليه لمائة وعشرين سنة من عمره بعد أن عهد إلى فتاه يوشع أن يدخل ببني إسرائيل إلى الأرض المقدسة ليسكنوها ويعملوا بالشريعة التي فرضت عليهم فيها ودفن بالوادي في أرض مؤاب ولم يعرف قبره لهذا العهد‏.‏ وقال الطبري مدة عمر موسى صلوات الله عليه مائة وعشرون سنة منها في أيام أفريدون عشرون ومنها في أيام منوجهر مائة‏.‏ قال‏:‏ ثم سار يوشع من بعد موسى إلى أريحا فهزم الجبارين ودخلها عليهم‏.‏ وقال السدي‏:‏ إن يوشع تنبأ بعد موسى وسار إلى أريحا فهزم الجبارين ودخلها عليهم وأن بلعام بن باعور كان مع الجبارين يدعو على يوشع فلم يستجب له‏.‏ وصرف دعاؤه على

محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:57

الجبارين‏.‏ وكان بلعام من قرى البلقاء وكان عنده الأسم الأعظم‏.‏ فطلبه الكنعانيون في الدعاء على بني إسرائيل فامتنع وألحوا عليه فأجاب ودعا فصرف دعاؤه وكان قيامه للدعاء على جبل حسان مطلا على عسكر بني إسرائيل‏.‏ هذا خبر السدي في أن دعاء بلعام كان لعهد يوشع والذي في التوراة أنه كان لعهد موسى وأن بلعام قتل لعهد موسى كما مر في خبر الطبري‏.‏ وقال السدي‏:‏ إن يوشع بعد وفاة موسى صلوات الله عليه أمر أن يعبر فسار ومعه التابوت تابوت الميثاق حتى عبر الأردن وقاتل الكنعانيين فهزمهم وأن الشمس جنحت للغروب يوم قتالهم ودعا الله يوشع فوقفت الشمس حتى تمت عليهم الهزيمة‏.‏ ثم نازل أريحا ستة أشهر وفي السابع نفخوا في القرون وضج الشعب ضجة واحدة فسقط سور المدينة فاستباحوها وأحرقوها وكمل الفتح واقتسموا بلاد الكنعانيين كما أمرهم الله‏.‏ هذا مساق الخبر عن سيرة موسى صلوات الله عليه وبني إسرائيل أيام حياته وبعد مماته حتى ملكوا أريحا‏.‏ وفي كتب الإخباريين‏:‏ أن العمالقة الذين كانوا بالشام قاتلهم يوشع فهزمهم وقتل آخر ملوكهم وهو السميدع بن هوبر بن مالك وكان لقاؤهم إياه مع بني مدين في أرضهم وفي ذلك يقول عوف بن سعد الجرهمي‏:‏ ألم تر أن العلقمي بن هوبر بأيلة أمسى لحمه قد تمزعا ترامت عليه من يهود جحافل ثمانون ألفا حاسرين ودرعا ذكره المسعودي وقد تقدم لنا خلاف النسابة في هؤلاء العمالقة وأنهم لعمليق بن لاوذ أو لعمالق بن أليفاز بن عيصو الثاني لنسابة بني إسرائيل سار إليه علماء العرب‏.‏ أما الأمم الذين كانوا بالشام لذلك العهد فأكثرهم لبني كنعان وقد تقدمت شعوبهم وبنو أروم أبناء عمون وبنو مؤاب أبناء لوط وثلاثتهم أهل يسعير وجبال الشراة وهي بلاد الكرك والشوبك والبلقا ثم بنو فلسطين من بني حام‏.‏ ويسمى ملكهم جالوت وهو من الكنعانيين منهم‏.‏ ثم بنو مدين ثم العمالقة‏.‏ ولم يؤذن لبني إسرائيل في غير بلاد الكنعانيين فهي التي اقتسموها وملكوها وصارت لهم تراثا‏.‏ وأما غيرهم فلم يكن لهم فيها إلا الطاعة والمغارم الشرعية من صدقة وغيرها‏.‏ وفي كتب الإخباريين أن بني إسرائيل بعد ملكهم الشام بعثوا بعوثهم إلى الحجاز وهنالك يومئذ أمة من العمالقة يسمون جاسم وكان اسم ملكهم الإرم بن الأرقم وكان أوصاهم أن لا يستبقوا منهم من بلغ الحلم‏.‏ فلما ظهروا على العمالقة وقتلوا الأرقم استبقوا ابنه وضنوا به عن القتل لوضاءته‏.‏ ولما رجعوا من بعد الفتح وبخهم إخوانهم ومنعوهم دخول الشام وأرجعوهم إلى الحجاز وما تملكوا من أرض يثرب فنزلوها واستتم لهم فتح في نواحيها‏.‏ ومن بقاياهم يهود خيبر وقريظة والنضير‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ قريظة والنضير والتحام وعمرو هو هزل من الخزرج‏.‏ وقال ابن الصريح بن التومان بن السبط بن إليسع بن سعد بن لاوى بن النمام بن يتحوم بن عازر بن عزر بن هارون عليه السلام‏.‏ واليهود لا يعرفون هذه القصة وبعضهم يقول كان ذلك لعهد طالوت والله أعلم‏.‏

محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:58

الخبر عن حكام بني إسرائيل بعد يوشع إلى أن صار أمرهم إلى الملك وملك عليهم طالوت
ولما قبض يوشع صلوات الله عليه بعد استكمال الفتح وتمهيد الأمر ضيع بنو إسرائيل الشريعة وما أوصاهم به وحذرهم من خلافه فاستطالت عليهم الأمم الذين كانوا بالشام وطمعوا فيهم من كل ناحية‏.‏ وكان أمرهم شورى فيختارون للحكم في عامتهم من شاؤوا ويدفعون للحرب من يقوم بها من أسباطهم ولهم الخيار مع ذلك على من يلي شيئاً من أمرهم‏.‏ وتارة يكون نبيا يدبرهم بالوحي‏.‏ وأقاموا على ذلك نحوا من ثلثمائة سنة لم يكن لهم فيها ملك مستفحل والملوك تناوشهم من كل جهة إلى أن طلبوا من نبيهم شمويل أن يبعث عليهم ملكا فكان طالوت ومن بعده داود فاستفحل ملكهم يومئذ وقهروا أعداءهم على ما يأتي ذكره بعد‏.‏ وتسمى هذه المدة بين يوشع وطالوت مدة الحكام ومدة الشيوخ‏.‏ وأنا الآن أذكر من كان فيها من الحكام على التتابع معتمدا على الصحيح منه على ما وقع في كتاب الطبري والمسعودي ومقابلا به ما نقله صاحب حماة من بني أيوب في تاريخه عن سفر الحكام والملوك من الإسرائيليات وما نقله أيضاً هروشيوش مؤرخ الروم في كتابه الذي ترجمه للحكم المستنصر من بني أمية قاضي النصارى وترجمانهم بقرطبة وقاسم بن أصبغ‏.‏ قالوا كلهم‏:‏ لما فتح يوشع مدينة أريحا سار إلى نابلس فملكها ودفن هنالك شلو يوسف عليه السلام وكانوا حملوه معهم عند خروجهم من مصر‏.‏ وقد ذكرنا أنه كان أوصى بذلك عند موته‏.‏ وقال الطبري‏:‏ أنه بعد فتح أريحا نهض إلى بلد عاي من ملوك كنعان فقتل الملك وأحرق المدينة وتلقاه خيقون ملك عمان وبارق ملك أورشليم بالجزى واستذموا بأمانه فأمنهم وزحف إلى خيقون ملك الأرمانيين من نواحي دمشق فاستنجد بيوشع فهزم يوشع ملك الأرمن إلى حوران واستلحمهم وصلب ملوكهم وتتبع سائر الملوك بالشام فاستباح منهم واحدا وثلاثين ملكا وملك قيسارية وقسم الأرض التي ملكها بين بني إسرائيل‏.‏ وأعطى جبل المقدس لكالب بن يوفنا فسكن مدينة أورشليم وأقام مع بني يهودا ووضع القبة التي فيها تابوت العهد والمذبح والمائدة والمنارة على الصخرة التي في بيت المقدس‏.‏ وأما بنو أفرايم فكانوا يأخذون الجزية من الكنعانيين‏.‏ ثم قبض يوشع في سفر الحكام أنه قبض لثمان وعشرين سنة من ملكه وهو ابن مائة وعشرين سنة‏.‏ وقال الطبري‏:‏ ابن مائة وستة وعشرين سنة‏.‏ والأول أصح‏.‏ قال‏:‏ وكان تدبير يوشع لبني إسرائيل في زمن منوشهر عشرين سنة وفي زمن أفراسياب سبع سنين‏.‏ وقال أيضاً أن ملك اليمن شمر بن الأملوك من حمير كان لعهد موسى وبني ظفار وأخرج منها العمالقة‏.‏ ويقال أيضاً كان من عمال الفرس على المين‏.‏ وزعم هشام بن محمد الكلبي أن الفل من الكنعانيين بعد يوشع احتملهم أفريقش بن قيس بن صيفي من سواحل الشام في غزاته إلى المغرب التي قتل فيها جرجيس الملك وأنه أنزلهم بأفريقية فمنهم البربر وترك معهم صنهاجة وكتامة من قبائل حمير انتهى‏.‏ وقام بأمر بني إسرائيل بعد يوشع كالب بن يوفنا بن حصرون بن بارص بن يهودا وقد مر نسبه وكان فنحاص بن ألعيزر بن هارون كوهنا يتولى أمر صلاتهم وقربانهم‏.‏ ثم تنبئأ وتنبأ أبوه ألعيزر وكان كالب مضعفا فأقاما كذلك سبع عشرة سنة‏.‏ وقال الطبري كان مع كالب في تدبيرهم حزقيل بن يودي ويقال له ولد العجوز لأنه ولد وحدث عن وهب بن منبه‏:‏ أن جرقيل هذا دبرهم بعد كالب ولم يقع لهذا ذكر في سفر الحكام ثم بعد يوشع اجتمع بنو يهودا وبنو شمعون لحرب الكنعانيين فغلبوهم وقتلوهم وفتحوا أورشليم وقتلوا ملكها ثم فتحوا غزة وعسقلان وملكوا الجبل كله ولم يقتلوا الغور‏.‏ وأما سبط بنيامين فكان في قسمهم بلد اليونانيين في أرضهم وأخذوا منهم الخراج واختلطوا بهم وعبدوا آلهتهم‏.‏ فسقط الله عليهم ملك الجزيرة واسمه كوشان شقنائم ومعناه أظلم الظالمين‏.‏ ويقال إنه ملك الأرمن في الجزيرة ودمشق وملك حوران وصيدا وحران ويقال والبحرين ويقال أنه من أروم‏.‏ وقال الطبري‏:‏ من نسل لوط فاستعبد بني إسرائيل ثمان سنين بعد وفاة كالب بن يوفنا ثم ولي الحكم فيهم غثينئال ابن أخيه قناز بن يوفنا فحاربهم كوشان هذا وأزال ملكته عن بني إسرائيل ثم حاربه فقتله‏.‏ وكان له بعد ذلك حروب سائر أيامه مع بني مؤاب وبني عمون أسباط لوط ومع العماليق إلى أن هلك لأربعين سنة من دولته‏.‏ ثم عبد بنو إسرائيل الأوثان من بعده فسلط الله عليهم ملك بني مؤاب واسمه عفلون بعين مهملة ومعجمة ساكنة ولام مضمومة تجلب واوا ساكنة ونون بعدها فاستعبدهم ثماني عشرة سنة‏.‏ ثم قام بتدبيرهم أيهوذ بن كارا من سبط أفرايم‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ من بنيامين‏.‏ وضبطه بهمزة ممالة تجلب ياء ثم هاء مضمومة تجلب واوا ثم ذال معجمة فتنقذهم من يد بني مؤاب وقتل ملكهم عفلون بحيلة تمت لهم في ذلك‏.‏ وهو أنه جاء رسولا عن بني إسرائيل متنكرا بهدايا وتحف منهم حتى إذا خلا به طعنه فأنفذه ولحق بمكانه من جبل أفرايم‏.‏ ثم اجتمعوا ونزلوا فقتلوا من الحرس نحوا من عشرة آلاف وغلب ببني إسرإئيل بني مؤاب واستلحمهم وهلك لثمانين سنة من دولته‏.‏

محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 8:59

وقام بتدبيرهم بعده شمكار بن عناث من سبط كاد وضبطه بفتح الشين المثلثة بعدها ميم ساكنة وكاف تقرب من مخرج الجيم ويجلب فتحها ألفا وبعدها راء مهملة‏.‏ ومات لسنة من ولايته‏.‏ وبنو إسرائيل على حيالهم من المخالفة فسلط الله عليهم ملك كنعان واسمه يافين بفاء شفوية تقرب من الباء فسرح إليهم قائده سميرا فملك عليهم أمرهم واستعبدهم عشرين سنة‏.‏ وكانت فيهم كوهنة إمرأة متنبئة سامها دافورا بفاء هوائية تقرب من الباء وهي من سبط نفطالي وقيل من سبط أفرايم وقيل كان زوجها بارق ابن أبي نوعم من سبط نفطالي واسمه البيدوق‏.‏ فدعته إلى حرب سميرا فأبى إلا أن تكون معه فخرجت ببني إسرائيل وهزموا الكنعانيين وقتل قائدهم سميراً وقامت بتدبيرهم أربعين سنة يرادفها زوجها بارق ابن أبي نوعم‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وعلى عهدها كان أول ملوك الروم اللطينيين بأنطاكية بنقش بن شطونش وهو أبو القياصرة ثم توفيت دافورا وبقي بنو إسرائيل فوضى وعادوا إلى كفرهم فسلط الله قال الطبري‏:‏ وبنو لوط الذين بتخوم الحجاز قهروهم سبع سنين ثم تنبأ فيهم من سبط منشى بن يوسف كدعون بن يواش وضبطه بفتح الكاف القريبة من الجيم وسكون الدال المهملة بعدها وعين مهملة مضمومة تجلب واوا وبعدها نون فقام بتدبيرهم‏.‏ وقد كان لمدين ملكان أحدهما اسمه رابح والآخر صلمناع‏.‏ فبعث إلى بني إسرائيل عساكره مع قائدين عوديف وزديف وأهم بني إسرائيل شأنهم فخرج بهم كدعون فهزموا بني مدين وغنموا منهم أموالاً جمة ومكثوا أيام كدعون هذا على استقامة في دينهم وغلب لأعدائهم أربعين سنة‏.‏ وكان له من الولد سبعون ولدا وعلى عهده بنيت مدينة طرسوس‏.‏ وقال جرجيس بن العميد‏:‏ وملطية أيضاً‏.‏ ولما هلك قام بتدبيرهم ولده أبو مليخ وكانت أمه من بني سخام بن منشى بن يوسف من أهل نابلس فأنجدوه بالمال وقتل بني أبيب كلهم ثم نازعوه بنو سخام أخواله الأمر وطالت حروبه معهم وهلك محاصرا لبعض حصونهم بحجر طرحته عليه امرأة من السور فشدخه‏.‏ فقال لصاحب سلاحه أجهز علي لئلا يقال قتلته إمرأة‏.‏ وذلك لثلاث سنين من ولايته‏.‏ ثم دبر أمرهم بعده طولاع بن فوا بن داود من سبط يساخر وضبه بطاء قريبة من التاء تجلب ضمتها واو ثم لام ألف ثم عين‏.‏ وقال الطبري‏:‏ هو ابن خال أبي مليخ وابن عمه‏.‏ قلت‏:‏ والظاهر أنه ابن خاله لأن سبط هذا غير سبط ذاك‏.‏ وقال ابن العميد هو من سبط يسايخر إلا أنه كان نازلاً في سائر من جبل أفراييم فمن هنا والله أعلم وقع اللبس في نسبه ودبرهم ثلاثاً وعشرين سنة‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وعلى عهده كان بمدينة طرونية من ملوك الروم اللطينيين برمامش بن بنقش‏.‏ وملك ثلاثين سنة وقد مضى ذكره‏.‏ ولما هلك طولاع قام بتدبيرهم بعده يائير بن كلعاد من سبط منشى بن يوسف وضبطه بياء مثناة تحتية مفتوحة وألف ثم همزة مكسورة بعدها ياء أخرى ثم راء مهملة وقام في تدبيرهم اثنتين وعشرين سنة‏.‏ ونصب أولاده كلهم حكاما في بني إسرائيل‏.‏ وكانوا نحوا من ثلاثين‏.‏ فلما هلك طغوا وعبدوا الأصنام فسلط الله عليهم بني فلسطين وبني عمون فقهرهم ثماني عشرة سنة وقام بتدبيرهم يفتاح من سبط منشى وضبطه بياء مثناة تحتانية وفاء ساكنة وتاء مثناة من فوق بفتحة تجلب الفاء ثم حاء مهملة‏.‏ فلما قام بأمرهم طلب ضريبة النحل من بني عمون فامتنعوا من إعطائها وكانوا ملوكاً منذ ثلثمائة سنة فقاتلهم وغلبهم عليها وعلى اثنتين وعشرين قرية معها‏.‏ ثم حارب سبط أفراييم وكانوا مستبدين وحدهم عن بني إسرائيل‏.‏ فأرادهم على اتفاق الكلمة والدخول في الجماعة حتى استقاموا على ذلك وأقام في تدبيرهم ست سنين‏.‏ وعلى عهده أصابت بلاد اليونان المجاعة العظيمة التي هلك فيها أكثرهم‏.‏ ولما هلك قام بتدبيرهم أبصان من سبط يهودا من بيت لحم وضبطه بهمزة مفتوحة وباء موحدة ساكنة وصاد مهملة بفتحة نجلب ألفاً بعدها نون‏.‏ ويقال أنه جد داود عليه السلام يوعز بن سلمون بن نخشون بن عمينا ذاب بن رم بن حصرون بن بارص بن يهودا‏.‏ وحصرون هذا هو جد كالب بن يوفنا الذي دبرهم بعد يوشع‏.‏ ونحشون كان سيد بني يهودا لعهد خروجهم من مصر مع موسى عليه السلام وهلك في التيه‏.‏ ودخل ابنه سلمون أريحا مع يوشع ونزل بيت لحم على أربعة أميال من بيت المقدس‏.‏ قال هروشيوش في أيام أبصان هذا كان انقراض ملك السريانيين وخروج القوط وحروبهم مع النبط وأقام أبصان في تدبير بني إسرائيل سبع سنين ثم هلك فقام بتدبيرهم إيلون من سبط زبولون وضبطه بهمزة مكسورة تجلب ياء ثم لام مضمومة تجلب واوا ثم نون فدبرهم عشر سنين ثم هلك فدبرهم عبدون بن هلال من سبط أفراييم ثمان سنين‏.‏ وقال ابن العميد اسمه عكرون بن هليان وكان له أربعون ابناً وثلاثون حافداً‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وفي أيامه خربت مدينة طرونة قاعدة الروم اللطينيين خربها الروم الغريقيون في فتنة بينهم‏.‏ ولما هلك عبدون دفن بأرض أفراييم في جبال العمالقة‏.‏ واختلف بنو إسرائيل بعده وعبدوا الأصنام وسلط الله عليهم بني فلسطين فقهروهم أربعين سنة‏.‏ ثم تخلصهم من أيديهم شمشون بن مانوح من سبط دان ويعرف بشمشون القوي لفضل قوة كانت في يده ويعرف أيضاً بالجبار وكان عظيم سبطه‏.‏ ودبر بني إسرائيل عشر سنين بل عشرين سنة وكثرت حروبه مع بني فلسطين وأثخن فيهم وأتيح لهم عليه في بعض الأيام فأسروه ثم حملوه وحبسوه واستدعاه ملكهم في بعض الأيام إلى بيت آلهتهم ليكلمه فأمسك عمود البيت وهزه بيده فسقط البيت على من فيه وماتوا جميعا‏.‏ ولما هلك اضطربت بنو إسرائيل وافترقت كلمتهم وانفرد كل سبط بحاكم يولونه منهم والكهنونية فيهم جميعا في عقب ألعيزار بن هارون من لدن وفاة هارون عليه السلام بتوليته موسى صلوات الله عليه بالوحي ومعنى الكهنونية إقامة القرابين من الذبح والبخور على شروطها وأحكامها الشرعية عندهم‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ إنه ولي تدبيرهم بعد شمشون حاكم آخر اسمه ميخائيل بن راعيل دبرهم ثمان سنين ولم تكن طاعته فيهم مستحكمة وأن الفتنة وقعت بين بني إسرائيل ففني فيها سبط بنيامين عن آخرهم‏.‏ ثم سكنت الفتنة وكان الكوهن فيهم لذلك العهد عالي بن بيطانت بن حاصاب بن إليان بن فنحاص بن ألعيزار بن هارون‏.‏ وقيل من ولد إيتامار بن هارون وضبطه بعين مهملة مفتوحة تجلب ألفا ثم لام مكسورة تجلب ياء تحتانية‏.‏ فلما سكنت الفتنة كانوا يرجعون إليه في أحكامهم وحروبهم‏.‏ وكان له ابنان عاصيان فدفعهما إلى ذلك وكثر لعهده قتال بني فلسطين وفشا المنكر من ولديه وأمر بدفعهم عن ذلك فلم يزدادوا إلا عتوا وطغيانا وأنذر الأنبياء بذهاب الأمر عنه وعن ولده ثم هزمهم بنو فلسطين في بعض أيامهم وأصابوا منهم فتذامر بنو إسرائيل واحتشدوا وحملوا معهم تابوت العهد ولقيهم بنو فلسطين‏.‏ فانهزم بنو إسرائيل أمامهم وقتلوا أبناء عالي كوهن كما أنذر به أبوهما وشمويل‏.‏ وبلغ أباهما الكوهن خبر مقتلهما فمات أسفا لأربعين سنة من دولته‏.‏ وغنم بنو فلسطين التابوت فيما غنموه واحتملوه إلى بلادهم بعسقلان وغزة وضربوا الجزية على بني إسرائيل‏.‏ ولما مضى القوم بالتابوت فيما حكى الطبري وضعوه عند آلهتهم فقلاها مرارا فأخرجوه إلى ناحية من القرية فأصيبوا فتبادروا بإخراجه وحملوه على بقرتين لهما تبيعان ووضعتاه عند أرض بني إسرائيل ورجعتا إلى ولديهما‏.‏ وأقبل إليه بنو إسرائيل فكان لا يدنو منه أحد إلا مات حتى أذن شمويل لرجلين منهم حملاه إلى بيت أمهما وهي أرملة فكان هنالك حتى ملك طالوت‏.‏ وكان ردهم التابوت لسبعة أشهر من يوم حملوه وكان عالي الكوهن قد كفل ابن عمه شمويل بن الكنا بن يوام بن إلياهد بن ياوبن سوف وسوف هو أخو حاصاب بن البلى بن يحاص‏.‏ وقيل إن شمويل من عقب فورح وهو قارون بن يصهار بن قاهاث بن لاوي‏.‏ ونسبه إليه شمويل بن القنا بن يروحام بن أليهوذ بن يوحا بن صوب بن إلقانا بن يويل بن عزير بن ضيعينا بن تاحث بن أسر بن ألقانا بن النشاسات بن قاوون‏.‏ وكانت أمه نذرت أن تجعله خادما في المسجد وألقته هنالك فكفله عالي وأوصى له بالكهنونية‏.‏ ثم أكرمه الله بالنبوة وولاه بنو إسرائيل أحكامهم فدبرهم عشر سنين‏.‏ وقال جرجيس بن العميد عشرين سنة ونهاهم عن عبادة الأوثان فانتهوا وحاربوا أهل فلسطين واستردوا ما كانوا أخذوا لهم من القرى والبلاد واستقام أمرهم ثم دفع الأمر إلى ابنيه يؤال وأبيا‏.‏ وكانت سيرتهما سيئة‏.‏ فاجتمع بنو إسرائيل إلى شمويل وطلبوه أن يسأل الله في ولاية ملك عليهم فجاء الوحي بولاية طالوت فولاه وصار أمر بني إسرائيل ملكا بعد أن كان مشيخة والله معقب الأمر بحكمته لارب غيره‏.‏

محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:00

الخبر عن ملوك بني إسرائيل بع الحكام ثم افتراق أمرهم
والخبر عن دولة بني سليمان بن داود على السبطين يهوغا وبنيامين بالقدس إلى انقراضها‏.‏ لما نقم بنو إسرائيل على يوال وأبيا ابني شمويل مما نقموا من أمورهم واجتمعوا إلى شمويل وسألوه من الله أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه أعداءهم ويجمع نشرهم ويدفع الذل عنهم فجاء الوحي بأن يولي الله طالوت ميدهنه بدهن القدس فأبوا بعد أن أمر شمويل بأن يستهموا عليه فاستهموا على بني آبائهم فخرج السهم على طالوت وكان أعظمهم جسما فولوه‏.‏ واسمه عند بني إسرائيل شاول بن قيس بن أفيل بالفاء الهوائية القريبة من الباء ابن صار وابن نحورت بن أفياح‏.‏ فقام بملكهم واستوزر أفنين ابن عمه نير بن أفيل‏.‏ وكان لطالوت من الولد يهوناتان وملكيشوع وتشبهات وأنبياداف‏.‏ وقام طالوت بملك بني إسرائيل وحارب أعداءهم من بني فلسطين وعمون ومؤاب والعمالقة ومدين فغلب جميعهم‏.‏ ونصر بنو إسرائيل نصرا لا كفاء له‏.‏ وأول من زحف إليهم ملك بني عمون ونازل قرية بلقاء فهجم عليهم طالوت وهو في ثلثمائة ألف من بني إسرائيل فهزمهم واستلحمهم‏.‏ ثم أغزى ابنه في عساكر بني إسرائيل إلى فلسطين فنال منهم واجتمعوا لحرب بني إسرائيل فزحف إليهم طالوت وشمويل فانهزموا واستلحمهم بنو إسرائيل وأمر شمويل أن يسير إلى العمالقة وأن يقتلهم ودوابهم ففعل واستبقى ملكهم أعاع مع بعض الأنام فجاء الوحي إلى شمويل بأن الله قد سخطه وسلبه الملك فخبره بذلك وهره شمويل فلم يره بعد‏.‏ وأمر شمويل أن يقدس داود وبعث له بعلامته فسار إلى بني يهوذا في بيت لحم وجاء به أبوه إيشا فمسحه شمويل وسلب طالوت روح الجسد وحزن لذل ثم قبض شمويل وزحف جالوت وبنو فلسطين إلى بني إسرائيل فبرز إليهم طالوت في العساكر وفيهم داود بن إيشا من سبط يهوذا وكان صغيرا يرعى الغنم لأبيه‏.‏ وكان يقذف بالحجارة في مخلاته فلا تكاد تخطىء‏.‏ قال الطبري‏:‏ وكان شمويل قد أخبر طالوت بقتل جالوت وأعطاه علامة قاتله فاعترض بني إسرائيل حتى رأى العلامة فيه فسلحه وأقام في المصاف وقد احتمل الحجارة في مخلاته فلما عاين جالوت قذفه بحجارة فصكه في رأسه ومات‏.‏ وانهزم بنو فلسطين وحصل النصر فاستخلص طالوت حينئذ داود وزوجه ابنته وجعله صاحب سلاحه‏.‏ ثم ولاه على الحروب فاستكفى به وكان عمره حينئذ فيما قال الطبري ثلاثين سنة‏.‏ وأحبه بنو إسرائيل واشتملوا عليه‏.‏ وابتلي طالوت وبنوه بالغيرة منه وهم بقتله ونفذ لذلك مرارا ثم حمل ابنه يهونتان على قتله فلم يفعل لخلة ومصافاة كانت بينهما ودس إلى داود بدخيلة أبيه فيه‏.‏ فلحق بفلسطين وأقام فيها أياما ثم إلى بني مؤاب كذلك ثم رجع إلى سبطة يهوذا بنواحي بيت المقدس فأقام فيهم يقاتل معهم بني فلسطين في سائر حروبهم حتى إذا شعر به طالوت طلب بني يهوذا بإسلامه إليه فأبوا فزحف إليهم فأخرجوه عنهم ولحق ببني فلسطين وقاتلهم طالوت في بعض الأيام فهزموه واتبعوه وأولاده يقاتلون دونه حتى قتل يهونتان ومشوى وملكيشوع وبنو فلسطين في اتباعه حتى إذا أيقن بالهلكة قتل نفسه بنفسه‏.‏ وذلك فيما قال الطبري لأربعين سنة من ملكه‏.‏ ثم جاء داود إلى بني يهوذا فملكوه عليهم وهو داود بن إيشا بن عوفذ‏.‏ بالفاء الهوائية بن بوغر واسمه أفصان بالفاء الهوائية والصاد المشمة‏.‏ وقد قدمنا ذكره في حكام بني إسرائيل بن سلمون الذي نزل بيت لحم لأول الفتح ابن نحشون سيد بني يهوذا عند الخروج من مصر ابن عميناذاب نسبه في كتاب اليهود والنصارى وأنكره ابن حزم قال‏:‏ لأن نحشون مات بالتيه وإنما دخل القدس ابنه سلمون‏.‏ وبين خروج بني إسرائيل من مصر وملك داود ستمائة سنة باتفاق منهم‏.‏ والذي بين داود ونخشون أربعة آباء فإذا قسمت الستمائة عليهم يكون كل واحد منهم إنما ولد له بعد المائة والثلاثين سنة وهو بعيد‏.‏ ولما ملك داود على بني يهوذا نزل مدينتهم حفرون بالفاء الهوائية وهي قرية الخليل عليه السلام لهذا العهد واجتمع الأسباط كلهم إلى يشوشات بن طالوت فملكه في أورشليم وقام بأمره وزير أبيه أفيند وقد مر نسبه‏.‏ وفي كتاب أسفار الملوك من الإسرائيليات‏:‏ أن رجلا جاء لداود بعد وفاة طالوت فأخبره بمهلكه ومهلك أولاده في هزيمتهم أمام بني فلسطين وأمر هذا الرجل أن يقتله لما أدركوه فقتله وجاء بتاجه ودملجه إلى داود وانتسب إلى العمالقة فقتله داود بقتله‏.‏ وبكى على طالوت وذهب إلى سبط يهوذا بأرض حفرون بالفاء القريبة من الباء وهي قرية الخليل لهذا العهد‏.‏ وأقام شيوشيات بن طالوت في أورشليم الأسباط كلهم مجتمعون عليه وأقامت الحرب بينهم وبين داود أكثر من سنتين‏.‏ ثم وقع الصلح بينهم والمهادنة وأذعن الأسباط إلى داود وتركوه‏.‏ ثم اغتاله بعض قواده وجاء برأسه إلى داود فقتله به وأظهر عليه الحزن والأسف وكفل إخواته وبنيه أحسن كفالة‏.‏ واستبد داود بملك بني إسرائيل لثلاثين سنة من عمره وقاتل بني كنعان وغلبهم ثم طالت حروبه مع بني فلسطين واستولى على كثير من بلادهم ورتب عليهم الخراج‏.‏ ثم حارب أهل مؤاب وعمون وأهل أدوم وظفر بهم وضرب عليهم الجزية‏.‏ ثم خرب بلادهم بعد ذلك وضرب الجزية على الأرمن بدمشق وحلب وبعث العمال لقبضها‏.‏ وصانعه ملك أنطاكية بالهدايا والتحف واختط مدينة صهيون وسكنها واعتزم على بناء مسجد في مكان القبة التي كانوا يضعون بها تابوت العهد ويصلون إليها‏.‏ فأوحى الله إلى دانيال نبي على عهده أن داود لا يبني وإنما يبنيه ابنه ويدوم ملكه فسر داود بذلك‏.‏ ثم انتقض عليه ابنه أبشلوم وقتل أخاه أمون غيرة منه على شقيقه بامان وهرب‏.‏ ثم استماله داود ورده وأهدر دم أخيه وصير له الحكم بين الناس‏.‏ ثم رجع ثانيا لأربع سنين بعدها وخرج معه سائر الأسباط ولحق داود بأطراف الشام وقيل لحق بخيبر وما إليها من بلاد الحجاز ثم تراجع للحرب فهزمه داود وأدركه مؤاب وزير داود وقد تعلق بشجرة فقتله‏.‏ وقتل في الهزيمة عشرون ألفا من بني إسرائيل‏.‏ وسيق رأس قشلوط لولي أبيه داود فبكى عليه وحزن طويلا واستألف الأسباط ورضي عنهم ورضوا عنه‏.‏ ثم أحصى بني إسرائيل فكانوا ألف ألف ومائة ألف وسبط يهوذا أزيد من أربعمائة ألف‏.‏ وعوتب في الوحي لأنه أحصاهم بغير إذن وأخبره وأقام داود صلوات الله عليه في ملكه والوحي يتتابع عليه وسور الزبور تنزل‏.‏ وكان يسبح بالأوتار والمزامير‏.‏ وأكثر المزامير المنسوبة إليه في ذكر التسبيح وشأنه‏.‏ وفرض على الكهنونية من سبط لاوى التسبيح بالمزامير قدام تابوت العهد اثني عشر كوهناً لكل ساعة‏.‏ ثم عهد تمام أربعين سنة من دولته لابنه سليمان صلوات الله عليهما ومسحه مابان النبي وصادوق الحبر مسحة التقديس وأوصى ببناء بيت المقدس‏.‏ ثم قبض صلوات الله عليه ودفن في بيت لحم وكان لعهده من الأنبياء نامان وكاد وآصاف‏.‏ وكان الكهنون الأعظم أفيثار بن أحيلج من عقب عالي الكوهن الذي ذكرناه في الحكام‏.‏ وكان من بعده صادوق‏.‏ ثم قام بالملك من بعده في بني إسرائيل ابنه سليمان صلوات الله عليه وهو ابن اثنتين وعشرين سنة‏.‏ فاستفحل ملكه وغالب الأمم وضرب الجزية على جميع ملوك الشام‏.‏ مثل فلسطين وعمون وكنعان ومؤاب وأدوم والأرمن‏.‏ وأصهر إليه الملوك من كل ناحية ببناتهم وكان ممن تزوج بنت فرعون بصر وكان وزيره يؤاب بن نيثر وهو ابن أخت داود اسمها صوريا‏.‏ وكان وزيرا لداود‏.‏ فلما ولي سليمان استوزره فقام بدولته ثم قتله بعد ذلك واستوزر يشوع بن شيداح‏.‏ ولأربع سنين من ملكه شرع في بيت المقدس بعهد أبيه إليه بذلك فلم يزل إلى آخر دولته بعد أن هدم مدينة أنطاكية وبنى مدينة تدمر في البرية وبعث إلى ملك صور ليعينه في قطع الخشب من لبنان‏.‏ وأجرى على الفعلة فيه كل عام عشرين ألف كر من الطعام ومثلها من الزيت ومثلها من الخمر‏.‏ وكان الفعلة في لبنان سبعين ألفا ولنحت الحجارة ثمانين ألفا وخدمة المناولة سبعون ألفا‏.‏ وكان الوكلاء والعرفاء على ذلك العمل ثلاثة آلاف وثلثمائة رجل‏.‏ ثم بنى الهيكل وجعل ارتفاعه مائة ذراع في طول ستين وعرض عشرين‏.‏ وجعل بدائره كله أروقة وفوقها مناظر وجعل بدائر البيت أبريدا من خارج ونمقه وجعل الظهر مقورا ليودع فيه تابوت العهد‏.‏ وصفح البيت من داخله وسقفه بالذهب وصنع في البيت كروبيين من الخشب مصفحتين بالذهب وهما تمثالان للملائكة الكروبيين‏.‏ وجعل للبيت أبوابا من خشب الصنوبر ونقش عليها تماثيل من الكروبيين والنرجس والنخل والسوسن وغشاها كلها بالذهب‏.‏ وأتم بناء الهيكل في سبع سنين وجعل لها بابا من ذهب ثم بنى بيتا لسلاحه أقامه على أربعة صفوف من العمد من خشب الصنوبر في كل صف خمسة عشر عمودا ووضع فيه مائتي ترس من الذهب في كل ترس ستمائة من حجر الجوهر والزمرد وثلثمائة درقة من الذهب في كل درقة ثلثمائة من حجر الياقوت‏.‏ وسمى هذا البيت غيضة لبنان‏.‏ وصنع منبرا لجلوسه تحت رواق وكراسي كثيرة كلها من العاج ملبسة من الذهب‏.‏ لسائر ما يحتاج إليه في البيت واسترضى الصناع لذلك من مدينة صور‏.‏ وعمل مذبح القربان بالبيت من الذهب ومائدة الخبز الوجوه من الذهب وخمس منابر عن يمين الهيكل وخمسا عن يساره بجميع آلاتها من الذهب ومجامر من الذهب‏.‏ وأحضر موروث أبيه من الذهب والفضة والأوعية الحسنة فأدخلها إلى البيت وبعث إلى تابوت العهد من صهيون قرية داود إلى البيت الذي بناه له فحمله رؤساء الأسباط والكهنونية بالمسجد‏.‏ وكان في التابوت اللوحان من الحجارة اللذان صنعهما موسى عليه السلام بدل الألواح المنكسرة وحملوا مع تابوت العهد قبة القربان وأوعيتها إلى المسجد‏.‏ وأقام سليمان أمام المذبح يدعو في يوم مشهود اتخذ فيه وليمة لذلك ذبح فيها اثنين وعشرين ألفا من البقر‏.‏ ثم كان يقرب ثلاث مرات في قرابين وذبائح كاملة ويبخر البخور وجميع الأوعية لذلك كلها ذهب‏.‏ وكانت جبايته في كل سنة ستمائة قنطار وستة وستين قنطارا من الذهب غير الهدايا والقربان إلى بيت المقدس‏.‏ وكانت له سفن بحر الهند تجلب الذهب والفضة والبضائع والفيلة والقرود والطواويس وكانت له خيل مرتبة كثيرة تجلب من مصر وغيرها تبلغ ألفا وستمائة فرس معدة كلها للحرب‏.‏ وكانت له ألف امرأة لفراشه ما بين حرة وسرية منها ثلثمائة سرية‏.‏ وفي الأخبار للمؤرخين أنه تجهز للحج فوافى الحرم وأقام فيه ما شاء الله‏.‏ وكان يقرب كل يوم خمسة آلاف بدنة وخمسة آلاف بقرة وعشرين ألف شاة‏.‏ ثم سما إلى ملك اليمن وسار إليه فوافى صنعاء من يومه‏.‏ وطلب الهدهد لالتماس الوضوء وكان قناقه أي ملتمس الوضوء له في الأرض فافتقده ورجع إليه بخبر بلقيس كما قصه القرآن‏.‏ ودافعته بالهدية فلم يقبلها فلاذت بطاعته ودخلت في دينه وطاعته‏.‏ وملكته أمرها ووافته بملك اليمن‏.‏ وأمرها بأن تتزوج فنكرت ذلك لمكان الملك فقال‏:‏ لا بد في الدين من ذلك‏.‏ فقالت زوجني ذا تبع ملك همدان فزوجها إياه وملكه على اليمن واستعملها فيه ورجع إلى الشام‏.‏ وقيل تزوجها وأمر الجن فبنوا لها سليمين وغمدان‏.‏ وكان يزورها في الشهر مرة يقيم عندها ثلاثا‏.‏ وعلماء بني إسرائيل ينكرون وصوله إلى الحجاز واليمن‏.‏ وإنما ملك اليمن عندهم بمراسلة ملكة سبأ وأنها وفدت عليه في يروشالم وأهدت إليه مائة وعشرين قنطاراً من الذهب ولؤلؤاً وجوهراً وأصنافاً من الطيب والمسك والعنبر فأجازها وأحسن إليها وانصرفت‏.‏ هكذا في كتاب الأنساب من كتبهم‏.‏ ثم انتقض على سليمان آخر أيامه هدرور ملك الأرمن بدمشق وهداد ملك أدوم وكان قد ولى على ضواحي بيت المقدس وجميع أعماله يربعان بن نباط من سبط أفرايم واستكفى به في ذلك وكان جبارا فعوتب بالوحي على لسان أخيا النبي في توليته فأراد قتله وشعر بذلك يربعان فهرب إلى مصر فأنكحه فرعون ابنته وولدت له ابنه ناباط وأقام بمصر‏.‏ وقبض سليمان صلوات الله عليه لأربعين سنة من ملكه وقيل لاثنتين وخمسين ودفن عند أبيه داود صلوات الله عليهما‏.‏ وافترق ملك بني إسرائيل من بعده كما نذكره إن شاء الله تعالى‏

محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:02

الخبر عن افتراق بني إسرائيل منهم بيت المقدس على سبط يهوذا وبنيمامين إلى انقراضه
لما قبض سليمان صلوات الله عليه وسلامه ولى ابنه رحبعم وضبطه براء مهملة وهاء مهملة مضمومتين وباء موحدة ساكنة وعين مهملة مضمومة وميم فقام بأمره وزاد في عمارة بيت لحم وغزة وصور وأيلة واشتد على بني إسرائيل وطلبوا منه تخفيف الضرائب فامتنع وطالبهم بالوظائف وأخذ فيهم برأي الغواة من بطانته فنقموا عليه ذلك وانتقضوا‏.‏ وجاءهم يربعم بن نباط من مصر فبايعوه وولوه عليهم واجتمع عليه سائر الأسباط العشرة من بني إسرائيل ما عدا أسبط يهوذا وبنيامين وتزاحفوا للحرب‏.‏ ثم دعاهم بعض أنبيائهم للصلح فتواضعوا واصطلحوا‏.‏ وفي السنة الخامسة من ملك رحبعم زحف شيشاق ملك مصر إلى بيت المقدس فهرب رحبعم واستباحها شيشاق ورجع وضرب عليهم الجزية ثم دفعوه ومنعوه‏.‏ فأقام بنو داود في سلطانهم على بني يهوذا وبنيامين ببيت المقدس وعسقلان وغزة ودمشق وحلب وحمص وحماة وما إلى ذلك من أرض الحجاز وملك الأسباط العشرة بنواحي نابلس وفلسطين‏.‏ ثم نزلوا مدينة شومرون وهي شمر وسامرة في الناحية الشرقية الشمالية من الشام مما يلي الفرات والجزيرة واتخذوها كرسيا لملكهم ذلك‏.‏ وأقاموا على هذا الافتراق إلى حين انقراض أمرهم ووقعوا في الجلاء الذي كتب الله عليهم كما نذكره‏.‏ ثم هلك رحبعم لسبع عشرة سنة من دولته وولي بعده على سبط يهوذا وبنيامين بأرض القدس ابنه أفيا وضبطه بهمزة مفتوحة ومتوسطة بين الفاء والذال من لغتهم وياء مثناة من تحت مشددة وألف وكان على مثل سيرة أبيه‏.‏ وكان عابدا صواما وكانت أيامه كلها حربا مع يربعم بن نباط وبني إسرائيل‏.‏ وهلك لثلاث سنين وولي بعده ابنه أسا بضم الهمزة وفتح السين المهملة وألف بعدها ابن أفيا‏.‏ وطال أمد ملكه وكان رجلا صالحا وكان على مثل سيرة جده داود صلوات الله عليه وتعدت الأنبياء في بني إسرائيل على عهده ومات يربعم بن نباط لسنتين من ملكه‏.‏ وملك بعده ابنه ناداب وقتله يعشا بن أحيا كما نذكر في أخبارهم‏.‏ ثم وقعت بينه وبين أسا حروب واستبد أسا بملك دمشق فزحف معه وكان يعشا ملك السامرة في ناجية يثرب لبنائها فهرب وترك آلات البناء فنقلها أسا ملك القدس وبنى بها الحصون‏.‏ ثم خرج عليهم زادح ملك الكوش في ألف ألف مقاتل ولقيهم أسا فهزمهم واثخن فيهم‏.‏ ولم تزل الحرب قائمة بين أسا وبين الأسباط بالسامرة سائر أيامه‏.‏ وعلى عهده اختطت السامرة كما نذكره بعد‏.‏ ثم هلك أسا بن أفيا لإحدى وأربعين سنة من ملكه‏.‏ ولي بعده ابنه يهوشافاط بياء مفتوحة مثناة تحتانية وهاء مضمومة وواو ساكنة وشين معجمة بعدها ألف ثم فاء بعدها ألف وطاء فكان على مثل سيرة أبيه‏.‏ وكانت أيامه مع أهل السامرة وملوكهم سلما‏.‏ واجتمع ملوك العمالقة ويقال أدوم وخرج لحربهم فهزمهم وغنم أموالهم‏.‏ وكان لعهده من الأنبياء إلياس بن شوياق وإليسع بن شوبوات‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ إيليا ومنحيا وعبوديا وكانت له سفن في البحر يجلب له فيها بضائع الهند فأصابها قاصف الريح فتكسرت وغرقت‏.‏ ثم هلك لخمسة وعشرين سنة من ملكه وولي ابنه يهورام بفتح المثناة التحتانية ثم هاء مضمومة تجلب واوا ثم راء مفتوحة تجلب ألفا وبعدها ميم وانتقض عليه أدوم وولوا عليهم ملكاً‏:‏ ألنهم‏.‏ فزحف فيهم ووقع بهم في سفيرا أوسط بلادهم وأثخن فيهم بالسبي والقتل‏.‏ ثم رجع عنهم وأقاموا في عصيانهم وعلى عهده زحف ملك الموصل إلى الأسباط بالسامرة فكانت بينه وبينهم حروب كما نذكر‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ كانت على بني مؤاب جزية مضروبة لبني يهوذا‏:‏ مائتان من الغنم كل سنة فمنعوها واجتمع ملوك القدس والساقية لحربهم وحاصروهم سبعة أيام وفقدوا الماء فاستسقى لهم إليسع وجرى الوادي‏.‏ فخرج أهل مؤاب فظنوه ماء فقتلهم بنو إسرائيل وأثخنوا وفي أيام يهورام رفع إيليا النبي وانتقل سره إلى إليسع وكان على عهده من الأنبياء أيضاً عبودياً ثم هلك يورام لثمان سنين من ملكه ودفن عند جده داود وولي بعده ابنه أحزياهو بهمزة مفتوحة وحاء مهملة مضمومة وزاي معجمة ساكنة ثم ياء مثناة تحتية تجلب ألفا ثم هاء مضمومة تجلب واوا وأمة عثليا بنت عمري أخت أخاب وسار سيرة خاله وملك سنة واحدة وقيل سنتين وخرج لقتال ملك الجزيرة والموصل واستنفر معه صاحب السامرة يورام ابن خاله أخاب فاقتتلوا معه ثم انصرفوا وابن خاله جريح‏.‏ وجاءه أحزياهو في بعض الأيام يعوده‏.‏ وكان ابن يهوشافاط ابن منشي من سبط منشا بن يوسف يترصد قتل يورام بن أخاب ملك السامرة فأصاب فرصة في ذلك الوقت فقتلهما جميعا‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ إن يورام بن أخاب ملك السامرة خرج لحرب أدوم في رواية كلعاد وخرج معه أحزياهو فقتلا في تلك الحرب‏.‏ قال‏:‏ وقيل أن ياهوعشا رمى بسهم فأصاب يورام بن أخاب وكان لعصره من الأنبياء إليسع وعامور وفنحاء‏.‏ ثم ملك بعد أحزيا أمه غثليا بنت عمري كذا وقع اسمها في كتاب الطبري‏.‏ وفي كتاب الإسرائيليات اسمها أضالية‏.‏ ويقال كانت من جواري سليمان ثم استفحل ملكها بالقدح وقتلت بني داود كلهم وأغفلت ابنا رضيعا من ولد أبيها أحزياهو اسمه يؤاش بضم الياء المثناة التحتية ثم همزة مفتوحة تجلب ألفا ثم شين معجمة أخفته عمته يهوشيع بنت يهورام في بعض زوايا القدس وعلم بمكانه زوجها يهوديادع وهو يومئذ الكوهن الأعظم‏.‏ حتى إذا كملت له سبع سنين ونقم بنو يهوذا سيرة عثليا اجتمعوا إلى يهوديادع الكوهن فأخرج لهم يؤاش بن أحزياهو من مكانه واستحلفهم فبايعوا له وقتلوا جدته غثليا ومن معها لسبع سنين من ملكها‏.‏ وقام يؤاش بملكه في تدبير يهوديادع الكوهن ثم أراد عبادة

محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:03

الأصنام فمنعه زكريا النبي فقتله‏.‏ وكان لعهده من الأنبياء إليسع وعوفريا وزكريا بن يهوديادع‏.‏ وهلك يهوديادع لثلاث وعشرين سنة من ملك يؤاش بعد أن جدد يؤاش بيت المقدس ولثمان وثلاثين من ملكه قبض إليسع النبي صلوات الله عليه‏.‏ وعلى عهده زحف شريال ملك الكسدانيين ببابل إلى بيت المقدس ويقال ملك نينوى والموصل وقال ابن العميد‏:‏ ملك الشام فأعطاهم جميع ما في خزائن الملك وبيت المقدس من الأموال ودخل في طاعتهم إلى أن قتله وزراؤه وأهل دولته لأربعين سنة من ملكه وولوا مكانه ابنه أمصياهو بفتح الهمزة والميم وسكون الصاد المشمة بالزاي بعدها ياء مثناة تحتانية بفتحة تجلب ألفا ثم هاء مضمومة تجلب واوا واستبدوا عليه ثم ثار عليهم بأمه وقتلهم أجمعين‏.‏ وسار إلى أدوم فظفر بهم وقتل منهم نحوا من عشرين ألفا‏.‏ ثم زحف إليه ملك الأسباط بالسامرة ولقيه فهزمه وحصل في أسره‏.‏ وسار إلى بيت المقدس فحاصرها وهدم من سورها نحوا من أربعمائة ذراع واقتحمها فغنم ما في خزائن بيت السلطان وبيت الهيكل من الأموال والأواني والذخائر ورجع إلى السامرة فأطلق أمصياهو ملك القدس فرجع إلى قومه ورم ما تثلم من سورها‏.‏ ولم يزل مملكا حتى نقموا عليه أفعاله فقتلوه لسبع وعشرين سنة من ملكه‏.‏ وكان لعهده من الأنبياء يونان وناحوم وتنبأ لعصره عاموص‏.‏ ولما قتلوا أمصياهو ولوا ابنه عزياهو بعين مهملة مضمومة وزاي معجمة مكسورة مشددة وياء مثناة تحتانية تجلب ألفا وهاء تجلب واوا وطالت مدته ثلاثا وعشرين سنة واختلفت فيها أحواله‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ ولخمس من ملكه كان ابتداء وضع سني الكبس التي هي سنة بعد أربع تزيد يوما على الماضية بحساب ربع يوم في كل سنة الذي أقتضاه حساب مسير الشمس عندهم‏.‏ قال‏:‏ ولست من ملكه انقرض ملك الأرمانيين من الموصل وصارت إلى بابل‏.‏ ولاثنتين وعشرين من ملكه غزا ملك بابل واسمه فول مدينة السامرة فاقتحمها وأعطاه ملكها بدرة من المال فرجع عنه‏.‏ قال‏:‏ ولعهده ملك علي بابل رينوس ويلقب قطب الملك ولعهده ملك على اليونانيين ملكهم الأول من مدينة أنقياس لثلاث وعشرين سنة من تملك عزياهو‏.‏ قال‏:‏ ولإحدى وخمسين من ملكه ملك ببابل بختنصر الأول‏.‏ قال‏:‏ ولعهده أيضاً كان الملك الأول من الروم المقدويس ويسمى قال ابن العميد‏:‏ وانتهت عساكر عزياهو إلى ثلثمائة ألف وأصابه البرص بدعاء الكوهن لما أراد أن يخالف التوراة في استعمال البخور وهو محرم على سبط لاوي فبرص ولزم بيته سنة‏.‏ وصار ابنه يؤام ينظر في أمر الملك إلى أن تغلب على أبيه‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وعلى عهده أيضاً قتل شرديال آخر ملوك بابل من الكلدانيين على يد قائده أرباط بن ألمادس‏.‏ واستبد بملك بابل وأصاره إلى قومه بعد حروب طويلة‏.‏ ثم زحف إلى القرط والعرب من قضاعة فحاربهم طويلا وانصرف عنهم‏.‏ ثم هلك عزياهو لثلاث وخمسين سنة من ملكه وملك بعده ابنه يؤاب وكان صالحا تقيا‏.‏ وكان لعهده من الأنبياء هوسيع وأشعيا ويوئيل وعوفد‏.‏ وفي أيامه استبد أغلب ملوك الجزيرة على اليهود وكانوا يعرفون بالسوريانيين‏.‏ ثم هلك يوآب لست عشرة سنة من ملكه وملك ابنه أحاز بهمزة مفتوحة ممالة وحاء مهملة تجلب ألفا وزاي معجمة فخالف سنة آبائه‏.‏ وعبد بنو إسرائيل الأوثان في أيامه وحارب الأرمن واستجاش عليهم بملك الموصل فزحف معه وحاصر دمشق وملكها منهم واستباحها ورجع إلى بلاده‏.‏ ثم خرج أحاز لحربهم فهزموه وقتلوا من اليهود مائة وعشرين ألفا ونحوها وارجعوا أحاز إلى دمشق أسيرا‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وعلى عهد أحاز كان إنقراض ملك ألماريس على يد كيرش ملك الفرس ورجعت أعمالهم إليه ويقال‏:‏ إن آخر ملوكهم هو أشتانيش وكان جد كيرش لأمه وكفله صغيرا فلما شب وملك حارب جده فقتله وانتزع ملكه‏.‏ وقال ابن العميد عن المسبحي‏:‏ ولذلك العهد ملك على الروم الفرنجة غير اليونان الأخوان روملس ورومانس واختط مدينة رومة‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ ولعهده ملك على الروم اللطينيين بأرض أنطاكية روملس ثم مركة وبنى مدينة رومة‏.‏ ثم هلك آحاز لست عشرة من ملكه وولى ابنه حزقياهو بحاء مهملة مكسورة وزاي معجمة ساكنة وقاف مكسورة وياي مثناة تحتانية مشددة تجلب ألفا وهاء مضمومة تجلب واوا فقطع عبادة الأوثان وسار سيرة جده داود ولم يكن في ملوك بني يهوذا مثله‏.‏ وعصى على ملك الموصل وبابل وتوريش وهزم فلسطين وخرب قراهم‏.‏ وفي أيامه وأيام أبيه سار شليشار ملك الجزيرة والموصل إلى الأسباط بالسامرة فضرب عليهم الجزية ثم سار في أيامه فأزال ملكهم‏.‏ ولأربع من ملكه زحف إليه رضين ملك دمشق ورجع عنه من غير قتال‏.‏ ولأربع عشرة من ملكه زحف إليه سنجاريف


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:03

ملك الموصل بعد فتح المسرة فافتتح أكثر مدائن يهوذا وحاصرهم ببيت المقدس‏.‏ وصانعه حزقياهو بثلثمائة قنطار من الفضة وثلاثين من الذهب أخرج فيها ما كان في الهيكل وبيت الملك من المال ونثر الذهب من أبواب المسجد دفع ذلك له ورجع عنه‏.‏ ثم فسد ما بينهما وزحف إليه سنجاريف ثانياً وحاصره وامتنع من قبول مصانعته‏.‏ وقال من ذا الذي خلصه إلهه من يدي حتى يخلصكم أنتم إلهكم فخافوا منه وفزعوا إلى النبي شعياء في الدعاء فأمنهم منه ودعا عليه فوقع الطاعون في عسكره‏.‏ ثم تواقعوا في بعض الليالي فبلغ قتلاهم مائة وعشرين ألفا ورجع سنجاريف إلى نينوى والموصل فقتله أبناؤه وهربوا إلى بيت المقدس وملك ابنه السرمعون‏.‏ وقال الطبري‏:‏ إن ملك بني إسرائيل أسر سنجاريف وأوحى الله إلى شعياء أن يطلقه فأطلقه قال‏:‏ وقيل إن الذي سار إليه سنجاريف من ملوك بني إسرائيل كان أعرج وأن سنجاريف لعهد ملك أذربيجان وكان يدعى سليمان الأعسر‏.‏ فلما نزل بيت المقدس صار بينهما أحقاد كامنة فتواقعوا وهلك عامة عسكرهما وصار ما معهما غنيمة لبني إسرائيل‏.‏ وبعث ملك بابل إلى حزقيا ملك الفرس بالهدايا والتحف فأعظم موصلها وبالغ في كرامة الوفد وفخر عليهم بخزانته وطوفهم عليها فنكر ذلك عليه شعياء النبي وأنذره بأن ملوك بابل يغنمون جميع هذه الخزائن ويكون من أبنائك خصيان في قصرهم‏.‏ ثم هلك حزقياهو لتسع وعشرين سنة من ملكه وولى ابنه منشا بميم مكسورة ونون مفتوحة وشين معجمة مشددة وألف وكان عاصيا قبيح السيرة وكانت آثاره في الدين شنيعة‏.‏ وأنكر عليه شعيا النبي أفعاله فقتله نشرا بالمناشير من رأسه إلى مفرق ساقيه وقتل جماعة من الصالحين معه‏.‏ وفي تاسعة وثلاثين من ملكه ملك سنجاريف الصغير مملكته الموصل‏.‏ قاله ابن الحميد‏:‏ وفي الثانية والخمسين بنيت بوزنطية بناها بورس الملك وهي التي جددها قسطنطين وسماها باسمه‏.‏ وفي أيامه ملك برومة قنوقرسوس الملك‏.‏ وفي الحادية والخمسين من ملكه زحف سنجاريف ملك الموصل إلى القدس فحاصرها ثلاث سنين وافتتحها في الرابعة والخمسين من ملكه وولى بعده ابنه أمون بهمزة قريبة من العين والميم مضمومة تجلب واوا ثم نون وكانت حاله مثل حال أبيه فملك سنتين وقيل اثنتي عشرة ثم اغتاله عبيده فقتلوه‏.‏ واجتمع بنو يهوذا فقتلوا أولئك العبيد وأقاموا ابنه يوشيا مكانه وضبطه بياء مثناة تحتية مضمومة تجلب واوا بعدها شين معجمة مكسورة ثم ياء مثناة تحتية بفتحة تجلب ألفا‏.‏ فلما ملك أحسن السيرة وهدم الأوثان وكان صالح الطريقة مستقيم الدين‏.‏ وقتل كهنة الأصنام وهدم البيوت والمذابح التي بناها يربعام بن نباط بالبرابرة‏.‏ وكان في أيامه من الأنبياء صفونا وكلدي إمراة شالوم وناحوم‏.‏ وتنبأ لعهده أرميا بن ألحيا من نسل هارون وأخبرهم بالجلاء إلى بابل سبعين سنة‏.‏ فأخذ يوشيا قبة القربان وتابوت العهد وأطبق عليهما في مغارة فلم يعرف مكانهما من بعد ذلك‏.‏ وفي أيامه ملك المجوس بابل ولإحدى وثلاثين من دولته ملك فرعون الأعرج مصر وزحف لقتال مسبح بالفرات فخرج يوشيا لحربه وانهزم يوشيا فهلك بسهم أصابه لاثنتين وثلاثين من دولته وولي بعده ابنه يوآش ويقال اسمه يهوياحاز فعطل أحكام التوراة وأساء السيرة فزحف اليه فرعون الأعرج وأأخذه ورجع به الى مصر فمات هنالك‏.‏ وضرب على أرضهم الخراج مائة قنطار فضة وعشرة ذهبا‏.‏ وكانت ولايته ثلاثة أشهر وولوا مكانه أخاه ألياقيم بن يوشيا بهمزة مفتوحة ولام ساكنة وياء مثناة تحتانية يجلب فتحها ألفا وقاف مكسورة تجلب ياء ثم ميم وكان عاصيا كافرا وكان يأخذ الخراج لفرعون من بني يهوذا على قدر أحوالهم‏.‏ ثم زحف إليه بختنصر ملك بابل لسبع من ولاية ألياقيم فملك الجزيرة وسار إلى بيت المقدس فضرب عليهم الجزية أولا ودخل ألياقيم في طاعته ثلاث سنين‏.‏ وسلط الله عليه أدوم - وعمون - وموآب والكلدانيين‏.‏ ثم انتقض عليه فسرح الجيوش إليه فقبضوا عليه واحتملوه إلى بابل فهلك في طريقه لإحدى عشرة سنة من ملكه‏.‏ وولى بختنصر مكانه ابنه يخنيو بفتح الياء المثناء التحتانية بعدها خاء معجمة مضمومة ثم نون ساكنة وبعدها ياء تحتانية تجلب ضمتها واوا فأقام ثلاثة أشهر ثم زحف إليه وحاصره وأخرج إليه أمه وأشراف مملكته فأشخصهم إلى بلده وجمع أهله ورجال دولته وسائر بني إسرائيل نحوا من عشرة آلاف واحتملهم أسارى إلى بابل‏.‏ وغنم جميع ما كان


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:04

في الهيكل والخزائن من الأموال وجميع الأواني التي صنعها سليمان للمسجد‏.‏ ولم يترك بمدينة القدس إلا الفقراء والضعفاء وبقي يخنيو ملك بني إسرائيل محبوسا سبعا وثلاثين سنة‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ إن بختنصر سار إلى القدس في الثالثة من مملكة ألياقيم وسبى طائفة منها وانتهب جميع ما في بيت الهيكل‏.‏ وكان في سنة دانيا وخاينا وعزاريا وميصائل‏.‏ وإن في السنة الخامسة من ملكه قاتل بختنصر فرعون الأعرج ملك مصر‏.‏ وفي الثانية من ملك ألياقيم غزا بختنضر القدس ووضع عليهم الخراج وأبقى ألياقيم في ملكه وهلك لثلاث سنين بعد ذلك‏.‏ وملك ابنه يخنيو‏.‏ وكان لعهده من الأنبياء إرميا وأوريا بن شعيا وموري والد حزقيا‏.‏ وفي أيامه تنبأ دانيال‏.‏ ثم سار بختنصر ليخنيو فأشخصه إلى بابل كما مر‏.‏ وقال الطبري ووافقه نقل هروشيوش‏:‏ إن بختنصر ولى مكان يخنيو بن ألياقيم عمه متنيا بميم مفتوحة وتاء مثناة فوقانية مفتوحة مشددة ونون ساكنة وياء مثناة تحتانية تجلب ألفا ويسمى صدقياهو وكان عاصيا قبيح السيرة‏.‏ ولتسع سنين من ولايته أنتقض على بختنصر فزحف إليه في العساكر وحاصر بيت المقدس وبنى عليها المدر للحصار وأقام ثلاث سنين واشتد الحصار بهم فخرجوا هاربين منها الى الصحراء‏.‏ وأتبعتهم العساكر من الكلدانيين وأدركوهم في أريحا فقبض على ملكهم صدقياهو وأتى به أسيرا فسمل عينيه‏.‏ وقال الطبري‏:‏ وذبح ولده بمرأى منه ثم أعتقله ببابل إلى أن مات ولحق بعض من بني إسرائيل بالحجاز فأقاموا مع العرب‏.‏ وكان لعهده من الأنبياء أرميا وحبقون وباروح‏.‏ وبعث بختنصر قائده نبوزراذون بنون مفتوحة وباء موحدة مضمومة تجلب واوا بعدها زاي وراء مفتوحة تجلب ألفا وذال مضمومة تجلب واوا بعدها نون بعثه إلى مدينة القدس وكانوا يدعونها مدينة أورشليم فخربها وخرب الهيكل وكسر عمد الصفر التي نصبها سليمان في المسجد طول كل عمود منها ثمانية عشر ذراعا وطول رؤوسها ثلاثة أذرع‏.‏ وكسر صرح الزجاج وسائر ما كان بها من آثار الدين والملك واحتمل بقية الأواني وما كان وجده من المتاع وسبى الكوهن سارية والحبر منشا وخدمة الهيكل إلى بابل‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وأبقى صدقياهو محبوسا ببابل إلى أن أطلقه بزداق قائد بهمن ملك الفرس حين غلبوا على بابل فأطلقه ووصله وأقطعه‏.‏ وقال مؤرخ حماة ووافقه المسعودي‏:‏ إن بختنصر بعد تخريب القدس هرب منه بعض ملوك بني إسرائيل إلى مصر وبها فرعون الأعرج وطلبه بختنصر فأجاره فرعون وسار إليه بختنصر فقتله وملك مصر‏.‏ وافتتح من المغرب مدائن وبث فيها دعاته وكان إرميا نبي بني إسرائيل من سبط لاوي ويقال اسمه إرمياء بن خلقيا‏.‏ وكان على عهده صدقياهو ووجده بختنصر في محبسهم فأطلقه واحتمله معه في السبي إلى بابل‏.‏ وقيل‏:‏ إنه مات في محبسه ولم يدركه بختنصر‏.‏ وكذلك احتمل معهم دانيال بن وقال ابن العميد‏:‏ وولي جدليا بن أحان على من بقي من ضعفاء اليهود بالقدس ولسبعة أشهر من ولايته قام إسماعيل بن متنيا بن إسماعيل من بيت الملك فقتل جدليا واليهود والكلدانيين الذي معهم‏.‏ ثم هرب إلى مصر وهرب معه إرميا وهرب حبقون إلى الحجاز فمات وكان قيما ولحقهم بمصر‏.‏ وتنبأ إرميا في مصر وبابل وأورشليم وصور وصيدا وعمون ثمانية وثلاثين سنة ورجمه أهل الحجاز فمات‏.‏ وكان فيما أخبرهم به مسير بختنصر إلى مصر وتخريبه هياكلها وقتله أهلها‏.‏ ولما دخل بختنصر مصر نقل جسده إلى اسكندرية ودفنه بها وقيل دفن بالقدس لوصيته‏.‏ وأما حزقياهو فقتله اليهود في السبي‏.‏ قال الطبري‏:‏ وافترقت جالية بني إسرائيل في نواحي العراق إلى أن ردهم ملوك الفرس إلى القدس فعمروه وبنو مسجده‏.‏ وكان لهم فيه ملك في دولتين متصلتين إلى أن وقع بهم الخراب الثاني والجلوة الكبرى على يد طيطش من ملوك القياصرة كما نذكر بعد‏.‏ ولنذكر هنا ما وقع من الخلاف في نسب بختنصر هذا وإلى من يرجع من الأمم فقد ذهب قوم إلى أنه من عقب سنجاريف ملك الموصل الذي كان يقاتل بني إسرائيل والسامرة بالقدس‏.‏ قال هشام بن محمد الكلبي فيما نقل الطبري‏:‏ هو بختنصر بن نبوزراذون بن سنجاريف‏.‏ ثم نسب سنجاريف الى نمروذ بن كوش بن حام الذي وقع ذكره في التوراة في ولد كوش وعد بين سنجاريف والنمروذ ستة عشر أبا أو نحوها أولهم داريوش بن فالغ وعصا بن نمروذ أسماء غير مضبوطة يغلب علي الظن تصحيفها لعدم


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:04

دراية الأصول وقلة الوثوق بضبطها‏.‏ وقيل إن بختنصر من نسل أشوذ بن سام ولم يقع إلينا رفع هذا النسب ولعله أصح من الأول لأنه قد تقدم نسب سنجاريف في الجرامقة ثم في الموصل منهم وهم من ولد أشوذ باتفاق من أهل فارس‏.‏ نقله أيضاً الطبري عن ابن الكلبي وأن اسمه بختمرسه فسمي بختنصر وكان يملك ما بين الأهواز والروم من غربي دجلة أيام هراسب ويستاسب وبهمن من ملوك الفرس‏.‏ وأنه افتتح ما يليه من بلاد بابل والشام ثم سار إلى القدس فافتتحها كما تقدم‏.‏ وقيل إن بهمن بعث رسله إلى القدس في من طلب الطاعة منهم فقتلوه فبعث بهمن أصبهبذا للناحية القريبة في مملكته وبعث معه داريوس من ملوك مارى بن نابت وكيرش بن كيكوس من ملوك بني غليم بن سام وأحشوراش بن كيرش بن جاماهن من قرابته‏.‏ وسار معهم بختنصر بن نبوزراذون بن سنجاريف صاحب الموصل الذي لقومه البراآت في أهل المقدس فكان ما وقع من الفتح‏.‏ وقيل كان بختنصر صاحب الموصل في مقدمتهم وكان الفتح على يده‏.‏ وأما بنو إسرائيل فيزعمون أن بختنصر من الكلدانيين وهو ولد ناحور بن آزر أبي إبراهيم عليه السلام‏.‏ وكان لهم الملك ببابل وكان بختنصر هذا من أعقابهم وكان مدة دولته خمسا وأربعين سنة‏.‏ وكان فتحه المقدس لثمانية عشر من دولته‏.‏ وملك بعده أويل مروماخ ثلاثاً وعشرين سنة‏.‏ ثم بعده ابنه فيلسنصر بن أويل ثلاث سنين‏.‏ ثم غلب عليهم كوروش وأزال ملكهم‏.‏ وهو الذي رد بني إسرائيل الى بيت المقدس فعمروه وجددوا به ملكا كما نذكره‏.‏ وقد اختلف في كيرش الذي رد بني إسرائيل إلى المقدس من هو بعد اتفاقهم على أنه من الفرس‏:‏ فقيل هو يستاسب ولم يكن ملكاً وإنما كان مملكاً على خوزستان وأعمالها من قبل كيقوس وبنجسون بن سياوش ولهراسب من بعدهما وكان عظيم الشأن ولم يكن ملكاً‏.‏ وقيل‏:‏ إن كيرش هو ابن أحشوارش بن جاماسب بن لهراسب وأبوه أحشوارش هذا الذي بعثة بهمن‏.‏ ولما رجع من ذلك الفتح بعثه إلى ناحية الهند والسند وانصرف إلى حصن الأبر فولاه بابل وتزوج من سبي بني إسرائيل ابنة أبي حاويل الرحا وأخت مردخاي من الرضاع وهو من أنبياء بني إسرائيل‏.‏ فتزعم النصارى أنها ولدت عند حيراحوارس إلى بابل ابنه كيرش هذا‏.‏ فحضنه مردخاي ولقنه دين اليهودية ولزم سائر أنبيائهم مثل متنيا وعازريا وميثائل وعزيز‏.‏ وولى دانيال أحكام دولته‏.‏ وجعل إليه أمره وأذن له أن يخرج ما في الخزائن من السبي والذخائر والآنية ويرده إلى مكانه ويقوم في بناء القدس فعمره‏.‏ وراجعه بنو إسرائيل وسأله هؤلاء الأنبياء أن يرجعوا إلى بيت المقدس فمنعهم إغتباطاً بمكانهم‏.‏ وقيل‏:‏ إن كيرش هو كيرش بن كيكو بن غليم بن سام وهو الذي كنا قدمنا أن بهمن بعثه مع قائده بختنصر إلى فتح بيت المقدس وأن بختمرس ملكه بهمن على بابل وكان يسمى بختمرسي كما ذكرن فملكها وملك ابنه من بعده ثلاثاً وعشرين سنة ثم ابنه بلتنصر سنة واحدة ثم بلغ بهمن من سوء سيرته فعزله وولى على بابل داريوش ألماذة بن ماداي ثم عزله وولى كيرش بن كيكو وكتب إليه بهمن بأن يرفق ببني إسرائيل ويحسن ملكتهم وأن يردهم إلى أرضهم ويولي عليهم من يختارونه ففعل‏.‏ فاختاروا دانيال من أنبيائهم فولاه وقيل‏:‏ وهو لعلماء بني إسرائيل أن بلتنصر حافد بختنصر وهو ملك بابل والكلدانيين وأن دارا ويسمى داريوش ملك مازي وكورش وهو كيرش ملك فارس كان في طاعته فانتقضا عليه وخرج إليهم في العساكر فانهزم أولا ثم بعث عساكره وقواده إليهم فهزمهم‏.‏ ثم قتله خادمه على فراشه ولحق بداريوش وكورش وزحفا إلى بابل فغلبا الكلدانيين عليها واختص دارا وقومه مادي وأظنهم الديلم ببابل ونواحيها‏.‏ واختص كورش وقومه فارس بسائر الأعمال والكور‏.‏ وكان كورش نذر ببناء بيت المقدس وإطلاق الجالية ورد الآنية‏.‏ ثم هلك دارا وانفرد كورش بالملك على فارس ومادي ووفى بنذره‏.‏ هذا محصل الخلاف في بختنصر وكيرش والله أعلم‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:07

الخبر عن دولة الأسباط العشرة وملوكهم إلى حين انقراض أمرهم
واليا لسليمان على جميع نواحي يورشليم وهي بيت المقدس وقيل إنما كان واليا على عمل بني يوسف بنابلس وما إليها وكان جبارا وأن سليمان عوتب على ولايته من الله وانتقض ولحق بمصر‏.‏ فلما قبض سليمان وولي ابنه رحبعم واختلف عليه بنو إسرائيل بما بلوا من سوء ملكته‏.‏ والزيادة في الضرائب عليهم واجتمع الأسباط العشرة ما عدا يهوذا وبنيامين فاستقدموا يربعام بن نباط من مصر فبايعوا له وولوه الملك عليهم وحاربوا رحبعم ومن في طاعته وهم سبط يهوذا وبنيامين فامتنعوا عليهم بمدينة يروشليم ثم انحازوا إلى جهة فلسطين في عمل بني يوسف‏.‏ ونزل يربعم مدينة نابلس بملك الأسباط العشرة ومنعهم من الدخول الى بيت المقدس والقربان فيه وكان عاصيا مسخوط السيرة‏.‏ ولم يزل بينه وبين رحبعم بن سليمان وابنه أبيا من بعده واثنين من ملك أشا بن أبيا وكان أبياً ظاهراً إليه في حروبه‏.‏ ثم هلك يربعام بن نباط لسنتين من ملك أبيا ولثلاث وعشرين من ملكه فولي مكانه على الأسباط يوناداب وكان على مثل سيرة أبيه من الجور وعبدة الأصنام فسلط الله عليه بعشا بن أحيا فقتله وجميع أهل بيته لسنتين من ملكه وقام بملك الأسباط فلم يزل يحارب أسا بن أبيا وأهل القدس سائر أيامه‏.‏ وكان أسا يستمد عليه بملك دمشق من الأرمن‏.‏ وسار معه إليه مرة وكان أعشا بن أحيا نبي يثرب فأجفل أمامهم وترك الآلات فأخذها أسا وبنى بها الحصون‏.‏ وهلك أعشا بن أحيا لأربع وعشرين سنة من ملكه ودفن في برصا مدينة ملكهم بعد أن أنذره بالهلاك نبيهم فاهو‏.‏ ولما هلك ولي بعده ابنه إيليا ويقال إيلهوا في السادسة والعشرين من ملك أسا فأقام سنين ثم بعث عساكر بني إسرائيل إلى محاصرة بعض المدن بفلسطين فوثب عليه سبط من الأسباط من عقب كان يعرف زمري صاحب المراكب ويقال ابن إليافا فقتله وجميع أهل بيته وقام بالملك‏.‏ ومكث أياما يسيرة خلال ما بلغ الخبر لبني إسرائيل بمكانهم من حصار فلسطين فلم يرضوه وملكوا عليهم صي بن كسات من سبطه ورجعوا إلى زمري المتوثب على الملك فحاصروه فلما أحيط به دخل مجلس الملك وأوقد نارا لتحرقه فاحترق فيه لسبعة أيام من فورتهم‏.‏ وكان عمري بن ناداب من سبط أفرايم ويلقب صاحب الحربة يرادف صي في الملك فقتله واستبد‏.‏ وذلك في الحادية والثلاثين من ملك أسا‏.‏ ثم اختلف عليه بنو إسرائيل ونصب بعضهم بنيامين فنال من سبط يساخر وحاربهم عمري فغلبهم‏.‏ وكان ينزل مدينة برصا ولست سنين من ملكه اختط مدينة السامرية ابتاع لها جبل شمران من رجل اسمه سامر بقنطار قضة وبنى فيه قصوره وسميت سبسطية‏.‏ ثم غلبت عليها النسبة إلى البائع‏.‏ ويقال أن الاسم كان شومرون ثم هلك عمري لاثنتي عشرة سنة من ولايته ودفن في نابلس وقام بملك الأسباط من بعده ابنه أحاب وكان على مذهبه ومذهب سلفه منهم من الكفر والعصيان وتزوج بنت ملك صيدا وبنى هيكلا بسامرة وجعل فيه صنماً يسجد له وأفحش في قتل الأنبياء وبنى قرية أريحاء ودعا عليه إيليا النبي فقحطوا ثلاث سنين خرج فيها إيليا إلى البرية فسكنها‏.‏ ثم رجع فدعا وأنزل الله المطر وذبح الذين حملوا أحاب على عبادة الأصنام


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:08

هكذا قال ابن العميد‏.‏ والذي قاله الطبري‏:‏ أن هذا النبي الذي دعا عليهم هو إلياس بن سين وقيل ابن ياسين من نسل فنحاص بن ألعازار‏.‏ وكان بعث إلى أهل بعلبك وإلى أحاب وقومه‏.‏ وقال الطبري‏:‏ فكذبوه فأصابهم القحط ثلاثاً ففزعوا إليه في الدعاء وباهلهم في أصنامهم فلم تغن شيء فدعا لهم فمطروا‏.‏ ثم أنهم أقاموا على ما كانوا عليه من الكفر والعصيان‏.‏ وكان أحاب شديدا عليه ودعا عليه إلياس ثم طلب من الله أن يتوفاه بعد أن أنذر الناس بهلاكه وهلاك قومه بل عقبه‏.‏ وتنبا بعده اليسع بن أخطوب من سبط أفرايم وقيل ابن عم الياس‏.‏ قال ابن عساكر‏:‏ اسمه أسباط بن عدي بن شوليم بن أفرائيم‏.‏ قال الطبري‏:‏ كان مستخفاً مع الياس بجبل قاسيون من ملك بعلبك‏.‏ ثم خلفه في قريته انتهى كلام الطبري‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ في أيام أحاب أوحى الله إلى إيليا أن يبارك على إلياس بن بغسا ففعل ذلك وأن يبارك على أدوم بدمشق وعلى ياهو ملكاً على بني إسرائيل ففعل ذلك وهو أيضاً على عهد أحاب‏.‏ فجاء سنداب ملك سورية فحاصر أحاب بن عمري والأسباط العشرة في السامرة وخرجوا إليه فهزموه واستلحموا عامة عسكره‏.‏ ثم رجع إليهم من العام القابل فخرجوا إليه وهزموه ثانياً وقتلوا من عسكره نحواً من مائة ألف ومروا في أتباعهم وامتنع سنذاب في بعض حصونه وأحاطوا به فخرج إليهم ملقياً بنفسه على ملكهم أحاب فعفا عنه ورده إلى ملكه وسخط ذلك النبي من فعله وأنذره بعذاب يصيب ولده عقوبة من الله تعالى على إبقائه عليهم‏.‏ ثم خرج أحاب من ملك الأسباط مع يهوشافاط ملك يهوذا المقدس لمحاربة ملك سورية فأصابه سهم هلك فيه ودفن بسامرة لاثنتين وعشرين سنة من ملكه‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وقيل لثمان عشرة وقال إنما خرج لحرب كلعاد ملك أدوم فانهزم وقتل‏.‏ ولما هلك ملك من بعده ابنه أحزيا ويقال أمشيا وكان عاصياً سيء السيرة قتل عاموص النبي وعبد بعلا الصنم وهلك لسنتين فملك أخوه يوآم‏.‏ وقيل إه لتسع عشرة من ملك يهوشافاط ملك الفرس فملك يوآم على الأسباط اثنتي عشرة سنة زحف فيها أولاً إلى موآب لما منعوه الجزية التي كانت عليهم للأسباط مائتين من الغنم في كل سنة‏.‏ واستنجد ملك يهوذا لحربهم فحاصرهم سبعة أيام وفقدوا الماء فاستسقى لهم اليسع وجرى الوادي وخرج أهل مؤاب يظنونه دماً فقتلهم بنو إسرائيل‏.‏ وجمع هداد ملك أدوم لحصار سامرة ونازلها ثلاث سنين ثم دعا عليهم اليسع فأجفلوا ورجعوا إلى بلادهم‏.‏ وفي الثانية عشرة من يؤم ملك الأسباط ثار عليه ياهوشافاط بن يشا من سبط منشا بن يوسف وذلك عند منصرفه من محاربة ملوك الجزيرة وأدوم مع أحزيا بن يهورام ملك القدس وكان جريحاً فعاده أحزيا‏.‏ وكان هذا الفتى ياهو يترصد قتل يوآم فأمكنه الفرصة فيه تلك الساعة فقتله وقتل معه أحزيا ملك القدس وبني يهوذا وملك على الأسباط‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ خرج يؤام بن أحاب ملك الأسباط لحرب أدوم ومعه أحزيا ملك القدس فقتلا جميعا في تلك الحرب‏.‏ وقيل‏:‏ إن ياهو بن منشا رمى بسهم فأصاب يؤام بن أحاب فمات‏.‏ ولما ملك ياهو على الأسباط قتل بني أحاب كلهم كما أمره اليسع وهلك لخمس وثلاثين من ملكه‏.‏ وولى ابنه يوآص وقيل يهوذا ولثمان وعشرين من دولة يوآص بن أحزيا ملك يهوذا القدس وكان قبيح السيرة عباداً للأصنام وعمل مذبحاً بسامرة وهلك لسبع عشرة من ملكه وولي بعده ابنه يوآش لسبع وثلاثين من دولة يوآص بالقدس‏.‏ وزحف إلى القدس فملكها من يد أمصيا ملك يهوذا وهدم من سورها أربعمائة ذراع وسبى أهل المقدس وسبى أهل عزريا الكوهن وأخذ جميع ما في المسجد ورجع إلى سامرة‏.‏ ومرض إليسع فعاده يوآش فوعده بأنه يهلك أدوم ويظفر بهم ثلاث مرات فكان كذلك‏.‏ وهلك لثلاث عشرة سنة من ملكه وولي من بعده ابنه يربعام وكان سيىء السيرة وزحف إلى أمصيا ملك يهوذا‏.‏ وقيل‏:‏ إن الذي زحف إلى أمصيا إنما هو يؤاش أبوه فهزمه وأخذه أسيراً وسار به إلى القدس فاقتحمها عنوة وغنم جميع ما في خزانتها وسبى بني عزريا الكوهن ورجع إلى السامرة فأطلق أمصيا‏.‏ ثم لإحدى وأربعين سنة من ملكه ولسبع وعشرين من ملك عزياهو بن أمصيا ملك القدس‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وبقي بنو إسرائيل بالسامرة فوضى إحدى عشرة سنة ثم ملكوا ابنه زكريا في الثامنة والثلاثين من ملك عزياهو فملك ستة أشهر‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ شهراً ثم وثب به مناخيم بن كاد من سبط زبلون من أهل برصا فقتله وملك مكانه اثنتي عشرة سنة وقال ابن العميد عشر سنين‏.‏ قال‏:‏ وفي التاسعة والثلاثين من ملك عزياهو خرج إلى مدينة برصا ففتحها عنوة واستباحها وزحف إليه فول ملك الموصل فصانعه بألف قنطار من الفضة ورجع عنه وكانت سيرته رديئة ولما هلك مناخيم ملك ابنه بقحيا لأربعين من دولة عزيا ملك القدس فأقام فيهم اثنتي عشرة سنة وقال ابن العميد سنتين‏.‏ ثم ثار عليه من عماله باقح بن رسليا وكان على طريقة من تقدمه في الضلال فأقام ملكاً على الأسباط بالسامرة عشر سنين وهلك لدولته عزيا بن أمصيا ملك يهوذا بالقدس وأقام باقح بن رسليا على سوء السيرة وعبادة الأصنام إلى أن قتله هويشيع بن إيليا من سبط جاد في الثالثة من ملك يؤاب ملك القدس‏.‏ وبقي الأسباط بعده فوضى عشر سنين ثم ملكوا قاتله هويشيع بن إليا المذكور فأقام مملكاً عليهم سبع سنين‏.‏ وفي أيامه زحف إليه ملك أثور والموصل فصير الأسباط في دولته وأدوا إليه الخراج‏.‏ ثم إن هويشيع راسل ملك مصر في الإستعانة به والرجوع إلى طاعته فلما بلغ ذلك إلى ملك الموصل زحف إليه وحاصره في مدينة السامرة ثلاث سنين واقتحمها في الرابعة‏.‏ وتقبض على هويشيع لتسع سنين من ملكه ونقله مع الأسباط كلهم إلى الموصل‏.‏ ثم بعثهم إلى قرى أصبهان وأنزلهم بها‏.‏ وقطع ملك بني إسرائيل من السامرة وبقي ملك يهوذا وبنيامين بالقدس وكان ذلك لعهد أحزيا بن أحاز من ملوكهم لسنة من دولته‏.‏ وتعاقبت ملوكهم بعد ذلك بالقدس إلى أن انقرضوا وجمع ملك الموصل من كوره غاراً وحماة وصفرارام ويقال ومركتا وأسكنهم بالسامرة‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وتفسيرها حفيظة ويوآطر‏.‏ قالوا وسلط الله عليهم السباع يفترسونهم فبعثوا إلى ملك الموصل أن يعرفهم بصاحب قسمة السامرية من الكواكب ليتوجهوا إليه بما يناسبه على طريقة الصابئة فقيل أن العشرية التي رسخت فيها وهي دين اليهودية تمنع من ذلك ومن ظهور أثره فبعث إليهم كوهنين من عامة اليهود يعلمانهم اليهودية فتلقوها عنهما‏.‏ فهذا أصل السامرة في فرق اليهود وليسوا منهم عند أهل ملتهم لا في نسهم ولا في دينهم والله مالك الأمور لا رب غيره ولا معبود سواه سبحانه وتعالى‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:09

الخبر عن عمارة بيت المقدس بعد الخراب الأول
وما كان لبني إسرائيل فيها من الملك في الدولتين لبني حشمناي وبني هيرودوس إلى حين الخراب الثاني والجلوة الكبرى هذه الأخبار التي كانت لليهود ببيت المقدس والملك الذي لهم في العمارة بعد جلاء بختنصر وأمر الدولتين اللتين كانتا لهم في تلك المدة لم يكتب فيها أحد من الأئمة ولا وقفت في كتب التواريخ مع كثرتها واتساعها على ما يلم بشيء من ذلك‏.‏ ووقع بيدي وأنا بمصر تأليف لبعض علماء بني إسرائيل من أهل ذلك العصر في أخبار البيت والدولتين اللتين كانتا بها ما بين خراب بختنصر الأول وخراب طيطس الثاني الذي كانت عنده الجلوة الكبرى استوفى فيه أخبار تلك المدة بزعمه‏.‏ ومؤلف الكتاب يسمى يوسف بن كريون وزعم أنه كان من عظماء اليهود وقوادهم عند زحف الروم إليهم وأنه على صولة فحاصره أسبيانوس أبو طيطش واقتحمها عليه عنوة وفر يوسف إلى بعض الشعاب وكمن فيها ثم حصل في قبضته بعد ذلك واستبقاه ومن عليه وبقي في جملته‏.‏ وكانت له تلك وسيلة إلى ابنه طيطش عندما أجلى بني إسرائيل على البيت فتركه بها للعبادة كما يأتي في أخباره‏.‏ هذا هو التعريف بالمؤلف‏.‏ وأما الكتاب فاستوعب فيه أخبار البيت واليهود بتلك المدة وأخبار الدولتين اللتين كانتا بها لبني حشمناي وبني هيردوس من اليهود وما حدث في ذلك من الأحداث فلخصتها هنا كما وجدتها فيه لأني لم أقف على شيء فيها لسواه‏.‏ والقوم أعلم بأخبارهم إذا لم يعارضها ما يقدم عليها‏.‏ وكما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تصدقوا أهل الكتاب‏.‏ فقد قال ولا تكذبوهم ‏"‏ مع أن ذلك إنما هو راجع إلى أخبار اليهود وقصص الأنبياء التي كان فيها التنزيل من عند الله‏.‏ لقوله بعد ذلك‏:‏ ‏"‏ .7وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ‏"‏‏.‏ وأما الخبر عن الواقعات المستندة إلى الحسن فخبر الواحد كافي فيه إذا غلب على الظن صحته فينبغي أن نلحق هذه الأخبار بما تقدم من أخبارهم لتكمل لنا أحوالهم من أول أمرهم إلى آخره‏.‏ والله أعلم‏.‏ ولم التزم صدقه من كذبه والله المستعان‏.‏ قال الطبري وغيره من الأئمة‏:‏ كان يرميا ويقال أرميا بن خلقيا من أنبياء بني إسرائيل ومن سبط لاوي وكان لعهد صدقيا هو آخر ملوك بني يهوذا ببيت المقدس‏.‏ ولما توغلوا في الكفر والعصيان أنذرهم بالهلاك على يد بختنصر وسأه عنه وأطلقه واحتمله معه في السبي وكان فيما يقوله أرميا أنهم يرجعون إلى بيت المقدس بعد سبعين سنة‏.‏ يملك فيها بختنصر وابنه وابن ابنه ويهلكون وإذا فرغت مملكة الكلدانيين بعد السبعين يفتقدكم يخاطب بذلك بني إسرائيل في نص آخر له عند كمال سبعين لخراب المقدس‏.‏ وكان شعيا بن أمصيا من أنبيائهم أخبرهم بأنهم يرجعون إلى بيت المقدس على يد كورش من ملوك الفرس ولم يكن وجد لذلك العهد‏.‏ فلما استولى كورش على بابل وأزال مملكة الكلدانيين أذن لبني إسرائيل في الرجوع إلى بيت المقدس وعمارة مسجدها‏.‏ ونادى في الناس أن الله أوصاني أن ابني بيتاً فمن كان لله وسعيه لله فليمض إلى بنائه‏.‏ فمضى بنو إسرائيل في اثنين وأربعين ألفاً وعليهم زير يافيل بالفاء الهوائية بن شالتهيل بن يوخنيا آخر ملوكهم بالقدس الذي حبسه بختنصر وقد مر ذكره‏.‏ وقد مضى مهم عزير النبي من عقب أشيوع بن فنحاص بن ألعازر بن هارون وبينه وبين أشيوع ستة آباء‏.‏ لم أثق بنقلها لغلبة الظن بأنها مصحفة‏.‏ ورد عليهم كورش الأواني وكانت لا يعبر عنها من الكثرة‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ كانت خمسة آلاف وأربعمائة قصعة ذهباً وفضة فمضوا إلى بيت المقدس وشرعوا في العمارة وشرع كورش وسعى عليهم في أبطال ذلك بعض أعدائهم من السامرة ولم يكن أمد السبعين التي وعدهم بها انقضى لأن الخراب كان لثمان عشرة من ملك بختنصر وكانت دولته خمسة وأربعين ومدة ابنه وابن ابنه خمس وعشرون فبقيت من السبعين ثمانية عشر التي نفذت من ملك بختنصر قبل الخراب فمنعوا من العمارة بسعاية السامرية إلى أن انقضت الثمان عشرة‏.‏ وجاءت دولة دارا من ملوك الفرس فأذن لهم في العمارة وعاد السامرة لسعايتهم في إبطال ذلك عند دارا فأخبره أهل في دولته أن كورش أذن لهم في ذلك فخفى سبيلهم وعمروا بيت المقدس في الثانية من ملك دارا الأول وهو أرفخشد والكوهن يومئذ عزير‏.‏ وجدد لهم التوراة بعد سنتين من رجوعهم إلى البيت‏.‏ ثم هلك في زيريافيل وخلفه فيهم بهشمياس‏.‏ وقبض العزيز وخلفه شمعون الصفا من بني هارون أيضاً‏.‏ وقال يوسف بن كريون أن بختنصر لما رجع إلى بابل أقام ملكاً سبعاً وعشرين سنة‏.‏ وملك بعده ابنه بلتنصر ثلاث سنين وانتقض عليه داريوش ملك ماذي


عدل سابقا من قبل محمد منسى في الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:11 عدل 1 مرات
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:09

وأظنهم الديلم وكيرش ملك فارس‏.‏ وهزمتهم عساكره كما مر فعمل في بعض أيامه صنيعاً لقواده سروراً بالواقع وسقاهم في أواني بيت المقدس التي احتملها جده من الهيكل‏.‏ فسخط الله لذلك ورأى تلك الساعة كان يداً خرجت من الحائط تومي بكتابة كلمات بالخط الكلداني والكلمات عبراينة‏.‏ وهي أحصى وزن نفذ‏.‏ فارتع لذلك هو والحاضرون وفزع إلى دانيال النبي في قال وهب بن منبه‏:‏ هو من أعقاب حزقيل الأصغر وكان خلفاً من دانيال الأكبر‏.‏ فقال له دانيال‏:‏ هذه الكلمات تنذر بزوال ملكك ومعناها أن الله أحصى مدة ملكك ووزن أعمالك ونفذ قضاؤه بزوال ملكك عنك وعن قومك‏.‏ وقتل تلك الليلة بلتنصر‏.‏ وكان ما قدسناه من استقلال كورش وقومه فارس بالملك ورد الجالية إلى بيت المقدس وأطلق لهم المال لعمارتها شكراً على الظفر بالكلدانيين‏.‏ ومضى بنو إسرائيل ومعهم غزرا الكاهن ونجمياً مردخاي وجميع رؤساء الجالية يبنون البيت والمذبح على حدودها وقربوا القرابين‏.‏ وكان كورش بعد ذلك يطلق لهم في كل سنة من الحنطة والزيت والبقر والغنم والخمر ما يحتاجون إليه في خدمة البيت ويطلق لهم جراية واسعة‏.‏ وجرى ملوك الفرس بعده على سنته في ذلك إلا قليلاً في أيام أخشويروش منهم كان وزيره هامان وكان من العمالقة‏.‏ وكان طالوت قد استخلفهم بأمر الله‏.‏ فكان هامان يعاديهم لذلك وعظمت سعايته فيهم وحمله على قتلهم‏.‏ وكان مردخاي من رؤسائهم قد زوج أخته من الرضاع لأخشويروش فدس إليها مردخاي أن تشفع إلى الملك في قومها فقبلها وعطف عليهم وأعادهم إلى أن انقرضت دولة الفرس‏.‏ بمهلك دارا واستولى بنو يونان بمهلك دارا على ملك فارس وملك الإسكندر بن فيفلوس ودوخ الأرض وفتح سواحل الشام وسار إلى بيت المقدس لأنها من طاعة دارا وخاف الكهنة من ورأى في بعض تمثال رجلاً فقال‏:‏ أنا رجل أرسلت لمعونتك ونهاه عن أذية المقدس وأوصاه بامتثال إشارتهم‏.‏ فلما وصل إلى البيت لقيه الكوهن فبالغ في تعظيمه ودخل معه إلى الهيكل وبارك عليه ورغب إليه الإسكندر أن يضع هنالك تمثاله من الذهب ليذكر به فقال هذا حرام لكن تصرف همتك في مصالح الكهنة والمصلين ويجعل لك من الذكر دعاؤهم له وأن يسمى كل مولود لبني إسرائيل في هذه السنة بالإسكندر‏.‏ فرضي الإسكندر وحمل لهم المال وأجزل عطية الكوهن وسأله أن يستخير الله في حرب دارا فقال له‏:‏ امض والله مظفرك‏.‏ وحض دانيال وقص عليه الإسكندر رؤيا رأها فأولها له بأنه يظفر بدارا‏.‏ ثم انصرف الإسكندر وسار في نواحي بيت المقدس ومر بنابلس ولقيه سنبلاط السامري وكان أهل المقدس أخرجوه عنهم فأضافه وأهدى له أموالاً وأمتعة واستأذنه في بناء هيكل في طول بريد فأذن له فبناه وأقام صهره منشا كوهناًً فيه وزعم أنه المراد بقوله في التوراة‏:‏ اجعل البركة على جبل كريدم فقصده اليهود في الأعياد وحملوا إليه القرابين وعظم أمره وغص بشأنه أهل بيت المقدس إلى أن خربه هرمايوس بن شمعون أول ملوك بني حشمناي كما يأتي ذكره‏.‏ ثم هلك الإسكندر ببابل بعد استيفاء مدته لاثنتين وثلاثين من ملكه وكان قد قسم ملكه بين عظماء دولته فكان سلياقوس بعد الإسكندر وكان عظيم أصحابه‏.‏ فأكرم اليهود وحمل المال إلى فقراء البيت ثم سعى عنده بأن في الهيكل أموالاً وذخائر نفيسة ورغبوه في ذلك فبعث عظيماً من قواده اسمه أردوس ليقبض ذلك المال فحضر بالبيت وأنكر الكاهن حنينان أن يكون بالبيت إلا بقية الصدقات من فارس ويونان وما أعطاهم سلياقوس آنفاً فلم يقبل ووكل بهم في الهيكل فتوجهوا بالدعاء وجاء أردوس ليقبض المال فصدع في طريقه وجاء أصحابه إلى الكوهن حنينا وجماعة الكهنة يسألون الإقالة والدعاء لأردوس فدعوا له وعوفي وارتحل وازداد الملك سلياقوس إعظاماً للبيت وحمل ما كان يحمل إليهم مضاعفاً‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ ثم ترجمت التوراة لليونانيين وكان من خبرها أن تلماي ملك مصر من اليونانيين بعد الإسكندر وكان من أهل مقدونية وكان محباً للعلوم ومشغوفاً بالحكمة والكتب الإلهية‏.‏ وذكرت له كتب اليهود الأربعة والعشرون سفراً فتاقت نفسه للوقوف عليها‏.‏ وكتب إلى كهنون القدس في ذلك وأهدى له فأختار سبعين من أحبار اليهود وعلمائهم وفيهم كوهن عظيم اسمه ألعازر وبعثهم إليهم ومعهم الأسفار فتلقاهم بالكرامة وأوسع لهم النزول ورتب مع كل واحد كاتباً يملىء عليه ما يترجم له حتى ترجم الأسفار من العبرانية إلى اليونانية وصححها وأجاز الأحبار وأطلق لهم من كان بمصر من سبي اليهود نحواً من مائة ألف وصنع مائدة من الذهب نقشت عليها صورة أرض ثم هلك تلقاي صاحب مصر واستولى بعده أنطيوخوس صاحب مقدونية على أنطاكية ثم على مصر وأطاعه ملوك الطوائف بأرض العراق واستفحل ملكه وعظم طغيانه وأمر الأمم بعبادة الأصنام‏.‏ وعمل أصناماً على صورته فامتنع اليهود من قبولها وسعى بهم عند بعض شرارهم وكانوا أهل نجدة وشوكة فسار انطيوخوس إليهم واثخن فيهم بالقتل والسبي وفروا إلى الجبال والبراري فرجع واستخلف على بيت المقدس قائده فليلقوس وأمره أن يحملهم على بيت المقدس قائده فليلقوس وأمره أن يحملهم على السجود لأصنامه وعلى أكل الخنزير وترك السبت والختان‏.‏ ويقتل من يخالفه ففعل ذلك أشد ما يكون وبسط على اليهود أيدي أولئك الأشرار الساعين‏.‏ وقتل ألعازر والكوهن الذي ترجم لهم التوراة لما امتنع من السجود لصنمه وأكل قربانه‏.‏ وكان فيمن هرب إلى الجبال والبراري متيتيا بن يوحنا بن شمعون الكوهن الأعظم ويعرف بحشمناي بن حونيا من بني نوذاب من نسل هارون عليه السلام وكان رجلاً صالحاً خيراً شجاعاً‏.‏ وأقام بالبرية وحزن لما نزل بقومه‏.‏ فلما أبعد أنطيخوس الرحلة عن القدس بعث متيتيا إلى اليهود يعرفهم بمكانه


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:12

وينمعض لهم ويحرضهم على الثورة على اليونانيين فأجابوه وتراسلوا في ذلك‏.‏ وبلغ الخبر فليلقوس قائد أنطيخوس فسار في عسكره إلى البرية طالباً متيتيا أصحابه‏.‏ فلما وصل إليهم حاربهم فغلبوه وانهزم في عساكره وقوي اليهود على الخلاف وهلك متيتيا خلال ذلك وقام بأمره ابنه يهوذا فهزم عساكر فليلقوس ثانية وشغل أنطيخوس بحروب الفرس فزحف إليهم من مقدونية واستخلف عليهم ابنه أفظر وضم إليه عظيماً من قومه اسمه لشاوش وأمرهم أن يبعثوا العساكر إلى اليهود فبعثوا ثلاثاً من قوادهم وهم نيقانور وتلمياس وصردوس وعهد إليهم بإبادة اليهود حيث كانوا‏.‏ فسارت عساكر واستنفروا سائر الأرمن من نواحي دمشق وحلب وأعداء اليهود من فلسطين وغيرهم‏.‏ وزحف يهوذا بن متيتيا مقدم اليهود للقائهم بعد أن تضرعوا إلى الله وطافوا بالبيت وتمسحوا به ولقيهم عسكر نيقانور فهزموه واثخنوا فيه بالقتل وغنموا ما معهم‏.‏ ثم لقيهم عسكر القائد ابن تلمياس وهيرودوس ثانياً فهزموهما كذلك وقبضوا على فليلقوس القائد الأول لأنطيخوس فأحرقوه بالنار ورجع نيقانور إلى مقدونية فدخلها وخبر ليشاوش وأفطر ابن الملك بالهزيمة فجزعوا لها‏.‏ ثم جاءهم الخبر بهزيمة أنطيخوس أمام الفرس ثم وصل إلى مقدونية واشتد غيظه على اليهود وجمع لغزوهم فهلك دون ذلك بطاعون في جسده ودفن في طريقه‏.‏ وملك أفظر وسموه أنطيخوس باسم أبيه‏.‏ ورجع يهوذا بن متيتيا إلى القدس فهدم جميع ما بناه أنطيخوس من المذابح وأزال ما نصبه من الأصنام وطهر المسجد وبنى مذبحاً جديداً للقربان فوضع فيه الحطب ودعا الله أن يريهم آية في اشتعاله من غير نار فاشتغل كذلك ولم ينطف إلى الخراب الثاني أيام الجلوة واتخذوا ذلك اليوم عيداً سموه عيد العساكر‏.‏ ونازل ليشاوش فزحف إليه يهوذا بن متيتيا في عسكر اليهود وثبت عسكر ليشاوش فانهزموا ولجأ إلى بعض الحصون وطلب النزول على الأمان على أن لا يعود إلى حربهم‏.‏ فأجابه يهوذا على أن يدخل أفظر معه في العقد وكان ذلك‏.‏ وتم الصلح وعاهد أفظر اليهود على أن لا يسير إليهم وشغل يهوذا بالنظر في مصالح قومه‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ وكان لذلك العهد ابتداء أمر الكيتم وهم الروم وكانوا برومية وكان أمرهم شورى بين ثلثمائة وعشرين رئيساً ورئيس واحد عليهم يسمونه الشيخ يدبر أمرهم ويدفعون للحروب من يثقون بغنائه وكفايته منهم أو من سواهم‏.‏ هكذا كان شأنهم لذلك العهد وكانوا قد غلبوا اليونانيين واستولوا على ملكهم وجازوا البحر إلى أفريقية فملكوها كما يأتي في أخبارهم‏.‏ فاجمعوا السير إلى أنطيخوس أفظر وابن عمه ليشاوش بقية ملوك يونان بإنطاكية وكاتبوا يهوذا ملك بني إسرائيل بالقدس يستميلونهم عن طاعة أنيطخوس واليونانيين فأجابوهم إلى ذلك‏.‏ وبلغ ذلك أنطيخوس فنبذ إلى اليهود عهدهم وسار إلى حربهم فهزموه ونالوا منه‏.‏ ثم راسلهم في الصلح وأن يقيموا على عهدهم معه ويحمل لبيت المقدس بما كان يحمله من المال وأن يقتل من عنده من شرار اليهود الساعين عليهم فتم العهد بينهم على ذلك‏.‏ وقتل شملاوش من الساعين على اليهود ثم جهز أهل رومة قائد حروبهم دمترياس بن سلياقوس إلى أنطاكية ولقيه أنطيخوس أفظر فانهزم أنطيخوس وقتل هو وابن عمه ليشاوش وملك الروم أنطاكية ونزلها قائدهم دمترياس‏.‏ وكان ألقيموس الكوهن من شرار اليهود عند أنطيخوس‏.‏ فلما ملك دمترياس قائد الروم فسعى عنده في إليهود ورغبه في ملك القدس والإستيلاء على أمواله فبعث قائده نيقانور لذلك وخرج يهوذا ملك القدس لتلقيه وطاعته وقدم بين يديه الهدايا والتحف فمال نيقانور إلى مسالمة اليهود وحسن رأيه وأكد بينه وبينهم العهد ورجع‏.‏ وبادر ألقيموس الكوهن إلى دمترياس وأخبره بميل قائده نيقانور إلى اليهود وزاد في إغرائه‏.‏ فبعث إلى قائده ينكر عليه ويستحثه لإنفاذ أمره أن يحمل يهوذا مقيداً‏.‏ وبلغ ذلك يهوذا فلحق بمدينة السامرة صبصطية واتبعه نيقانور في العساكر فكر عليه يهوذا وهزمه وقتل أكثر عساكر الروم الذين معه ثم ظفر به فصلبه على الهيكل ببيت المقدس‏.‏ واتخذ اليهود ذلك اليوم عيداً وهو ثالث عشر آذار‏.‏ ثم بعث قائد الروم دمترياس من قابل الآخر يعتروس في ثلاثين ألفاً من الروم لمحاربة اليهود وخرجت عساكرهم من المقدس وفروا عن ملكهم يهوذا وافترقوا في الشعاب وأقام معه منهم فل قليل واتبعهم يعتروس فلقيه يهوذا وأكمن له فانهزم اليهود‏.‏ وخرج عليهم كمين الروم فقتل يهوذا في كثير من ولايته ودفن إلى جانب أبيه متيتيا‏.‏ ولحق أخوه يوناثال فيمن بقي من اليهود بنواحي الأردن وتحصنوا ببئر سبع فحاصرهم يعتروس هنالك أياماً ثم بيتوه فهزموه‏.‏ وخرج يوناثال واليهود في اتباعه فقبضوا عليه ثم أطلقوه على مسالمة اليهود وأن لا يسير إلى حربهم‏.‏ فهلك يوناثال أثر ذلك وقام بأمر اليهود أخوهما الثالث شمعون فاجتمع إليه اليهود من كل ناحية وعظمت عساكره وغزا جميع أعدائهم ومن ظاهر عليهم من سائر الأمم وزحف إليه دمترياس قائد الروم بأنطاكية فهزمه شمعون وقتل غالب عسكره ولم تعاودهم الروم بعدها بالحرب إلى أن هلك شمعون‏.‏ وثب عليه صهره تلماي زوج أخته فقتله وتقبض على بنيه وامرأته وهرب ابنه الأكبر قانوس بن شمعون إلى غزة فامتنع بها‏.‏ وكان اسمه يوحان وكان شجاعاً قتل في بعض الحروب شجاعاً اسمه هرقانوس فسماه أبوه باسمه‏.‏ ثم اجتمع عليه اليهود وملكوه وسار إلى بيت المقدس وفر تلماي المتوثب على أبيه إلى حصن داخون فامتنع به وسار هرقانوس إلى محاربته وضيق عليه‏.‏ وأشرف تلماي في بعض الأيام من فوق السور بأم هرقانوس وأخته يتهددهما بقتلهما فكف عن الحرب وانصرف لحضور عبد المظال ببيت المقدس فقتل تلماي أخته وأمه وفر من الحصن‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ ثم زحف دمترياس ابن سلياقوس قائد الروم إلى القدس وحاصر اليهود فامتنعوا وثلم السور وراسلوه في تأخير الحرب إلى انقضاء عيدهم ففعل على أن يكون له نصيب


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:13

في القربان ووقعت في نفسه صاغية لهم وأهدى تماثيل للبيت فحسن موقعها عندهم وراسلوه في الصلح على المسالمة والمظاهرة لبعض فأجاب وخرج إليه هرقانوس ملك اليهود وأعطاه ثلثمائة بدرة من الذهب استخرجها من بعض قبور داود‏.‏ ورحل عنهم الروم وشغل هرقانوس في رم ما ثلم من السور وحدثت خلال ذلك فتنة بين الفرس والروم فسار إليهما دمترياس في جموع الروم وبينما أبطأ هرقانوس ملك اليهود لحضور عيدهم إذ جاءه الخبر بأن الفرس هزموا دمترياس فنهز الفرصة وزحف إلى إعدائه من أهل الشام وفتح نابلس وحصون أدوم التي بجبل الشراة وقتل منهم خلقاً ووضع عليهم الجزية وأخذهم بالختان والتزام أحكام التوراة وخرب الهيكل الذي بناه سنبلاط السامري في طول بريد بإذن الإسكندر وقهر جميع الأمم المجاورين لهم‏.‏ ثم بعث وجوه اليهود وأعيانهم إلى الأشياخ والمدبرين برومة يسأل تجديد العهد وأن يردوا على اليهود ما أخذ أنطيخوس ويونان من بلادهم التي صارت في مملكة الروم فأجابوا وكتبوا له العهد بذلك وخاطبوه بملك اليهود‏.‏ وإنما كان يسمى من سلف قبله من آبائه بالكوهن فسمى نفسه من يومئذ بالملك وجميع بين منزلة الكهنونة ومنزلة الملك‏.‏ وكان أول ملوك بني حشمناي‏.‏ ثم سار إلى مدينة السامرة صبصطية ففتحها وخربها وقتل أهلها‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ وكان اليهود في دينهم ثلاث فرق‏:‏ فرقة الفقهاء وأهل القيافة ويسمونهم الفروشيم وهم الربانيون وفرقة الظاهرية المتعلقين بظواهر الألفاظ من كتابهم ويسمونهم الصدوقية وهم القراوون وفرقة العباد المنقطعين إلى العبادة والتسبيح والزهاد فيما سوى ذلك ويسمونهم الحيسيد‏.‏ وكان هرقانوس وآباوه من اليونانيين ففارق مذهبهم إلى القرائين لأنه جمع اليهود يوماً عندما تمهد أمره وأخذ بمذاهب الملك ولقي به في صنيع احتفل به وألان لهم جانبه وخضع في قوله وقال أريد منكم النصيحة‏.‏ فطمع بعض الربانيين فيه قال‏:‏ إن النصيحة أن تنزل عن الكهنونة وتقتصر على الملك وقد فاتك شرطها لأن أمك كانت سبية من أيام أنطيخوس فغضب لذلك وقال للربانيين‏:‏ قد حكمتكم في صاحبكم فأخذوا في تأديبه بالضرب فتنمر لهم من أجل ذلك وفارق مذهبهم إلى مذهب القرائين وقتل من الربانيين خلقاً كثيراً ونشأت الفتنة بين هاتين الطائفتين من اليهود واتصلت بينهم الحرب إلى هذا العهد‏.‏ وهلك هرقانوس لإحدى وثلاثين سنة من دولته وملك بعهده ابنه أرستبلوس وكان كبيرهم وكان له ولدان آخران وهما أنطيوخس ويحب الملك له ويبغض الإسكندر فأبعده إلى جبل الخليل فلما ملك أرستبلوس أخذ من إخوته بمذهب أبيهم وقبض على الإسكندر وأمه واستخلص أنطيوخس وقدمه على العساكر واكتفى به في الحروب ترفع عن تاج الكهنونة ولبس تاج الملك‏.‏ وخرج أنطقنوس إلى الأمم المجاورين الخارجين عن طاعتهم فردهم إلى الطاعة وكثرت السعاية فيه عند أخيه من البطانة وأغروه به فلما قدم أنطقنوس من مغيبه وافق عيد المظال وكان أخوه ملتزماً بيته لمرض طرقه فعدل أنطقنوس عن بيته إلى الهيكل للتبرك فأوهموا الملك أنه إنما فعل ذلك لاستمالة الكهنونية والعامة وأنه يروم قتل أخيه وعلامة ذلك أنه جاء بسلاحه‏.‏ فعهد أرستبلوس إلى حشمانه وغلمان قصره إن جاء متسلحاً أن يقتلوه وكان ذلك وتمت حيلة البطانة وسعايتهم عليه‏.‏ وعلم أرستبلوس أن قد خدع في أخيه فندم وأغتم ولطم صدره حتى قذف الدم من فيه وأقام عليلاً بعده حولاً كاملاً ثم هلك‏.‏ فأفرجوا عن أخيه الإسكندر من محبسه وبايعوا له بالملك واستقام له الأمر‏.‏ ثم انتقض عليه أهل عكا وأهل صيدا وأهل غزة بعثوا إلى قبرص‏.‏ وسار الإسكندر إلى عكا فحاصرها وكانت كلوبطرة ملكة من بقية اليونان قد انتقض عليها ابنها واسمه ألظيرو وجاز البحر إلى جزيرة قبرص فملكها فبعث أهل عكا أنهم يملكونه وجاز إليهم في ثلاثين ألف مقاتل حتى إذا أفرج الإسكندر عن حصارهم راجعوا أمرهم ومنعوا ألظيرو من الدخول إليهم فسار في بلاد الإسكندر ونزل على جبل الخليل فقتل منه خلقاً ونزل على الأردن‏.‏ وفي خلال ذلك زحف الإسكندر إلى صيدا ففتحها عنوة واستباحها وعاد إلى القدس وأطاعته البلاد وحسم داء المنتقضين عليه‏.‏ ثم تجددت الفتنة بين اليهود بالقدس وذلك أنهم اجتمعوا في عيد المظال بالمسجد وحضر الإسكندر معهم فتلاعبوا بين يديه مراماة بما عندهم من مشموم ومأكول وأصاب الإسكندر رمية من الربانيين فغضب لها وشاتمهم القراؤون بما كانوا من شيعته فشتموا الإسكندر وقتلوا الشاتم وأصحابه فلم يغن عنهم وعظم فيهم الفتك وانفض الجمع‏.‏ وعهد الإسكندر أن يستد المذبح والكهنة بحائط عن الناس ونفذ أمره بذلك‏.‏ واتصلت الفتنة بين اليهود ست سنين قتل من الربانيين نحو من خمسين ألفاً والإسكندر يعين القرائين عليهم‏.‏ وبعثوا إلى دمتريوس المسمى أنطيخوس وبذلوا له المال فسار معهم إلى نابلس ولقي الإسكندر فهزمه وقتل عامة أصحابه ورجع‏.‏ فخرج الإسكندر إلى الربانيين وأثخن فيهم وظفر منهم بجماعة تزيد على ثلثمائة فقتلهم صبراً وقهر سائر اليهود‏.‏ وسار إلى دمتريوس ففتح الكثير من بلاده وخرج فظفر به الإسكندر وقتله وعاد إلى بيت المقدس لثلاث سنين في محاربة فاستقام أمره وعظم سلطانه ثم طرقه المرض فقام عليلاً ثلاثاً آخرين وخرج بعدها لحصار بعض الحصون وانتقضوا عليه فمات هنالك وأوصى امرأته الإسكندرة بكتمان موته حتى يفتح الحصن وتسير بشلوه إلى القدس فتدفنه فيه وتصانع الربانيين على ولدها فتملكه لأن العامة إليهم أميل‏.‏ ففعلت ذلك واستدعت من كان نافراً من الربانيين وجمعتهم وقدمتهم للشورى واستبدت بالملك‏.‏ وكان لها ابنان من الإسكندر بن هرقانوس اسم الأكبر منهما هرقانوس والآخر أرستبلوس وكانا صغيرين عند موت أبيهما فلما كبرا عينت هرقانوس للكهنونة وقدمت أرستبلوس على العساكر والحروب وضمت إليه الربانيين وأخذت الرهن من جميع الأمم وسألها الربانيون في الأخذ بثأرهم من القرائين خلقاً كثيراً وجاء القراؤون إلى ابنها الكهنون ينكرون ذلك وأنه إذا فعل بهم ذلك وقد كانوا شيعاً لأبيه الإسكندر فقد تحدث النفرة من الناس وسألوه أن يلتمس لهم إذنها في الخروج عن القدس والبعد عن الربانيين فأذنت لهم رغبة في انقطاع الفتنة‏.‏ وخرج معهم وجوه العسكر ثم ماتت خلال ذلك لتسع سنين من دولتها‏.‏ ويقال إن ظهور عيسى صلوات الله عليه كان في أيامها‏.‏ وكان ابنها أرستبلوس قائد العسكر لما شعر بموتها خرج إلى القرائين يستدعيهم إلى نصرته فأجازوه وتقبضت هي على ابنيه وامرأته واجتمعت عليه العساكر من النواحي وضرب البوق وزحف لحرب أخيه هرقانوس والربانيين وحاصرهم أرستبلوس ببيت المقدس وعزم على هدم الحصن فخرج إليه أعيان اليهود والكهنونية ساعين في الصلح بينهما وأجاب على أن يكون ملكاً ويبقي هرقانوس على الكهنونية فتم ذلك واستقر عليه أمره‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:15

ابتداء أمر انظفتر أبو هيردوس
ثم سعى في الفتنة بينهما أنطفتر أبو هيردوس وكان من عظماء بنى إسرائيل من الذين جمعوا مع العزير من بابل وكان ذا شجاعة وبأس وله يسار وقنية من الضياع والمواشي‏.‏ وكان الإسكندر قد ولاه على بلاد أدوم وهي جبال الشراة‏.‏ فأقام في ولايتها سنين وكثر ماله وأنكحوه منهم فكان له منها أربعة من الأبناء وهم‏:‏ فسيلو وهيردوس وفرودا ويوسف وبنت اسمها سلومث‏.‏ وقيل أن أنطفتر لم يكن من بني إسرائيل وإنما كان من أدوم وربي في جملة بني حشمناي وبيوتهم‏.‏ فلما مات الإسكندر وملكت زوجته الإسكندرة عزلته عن جبال الشراة فأقام بالقدس‏.‏ حتى إذا استبد بالأمر أرستبلوس وكان بين هرقانوس وأنظفتر مودة وصحبة‏.‏ فغص أرستبلوس بمكانه من أخيه لما يعلم من مكر أنظفتر وهم بقتله فانفض عنه وأخذ في التدبير على أرستبلوس‏.‏ وفشا في الناس تبغضه إليهم وينكر تغلبه ويذكر لهم أن هرقانوس أحق بالملك منه ثم حذر هرقانوس من أخيه وخيل إليه أنه يريد قتله‏.‏ وبعث لشيعة هرقانوس المال على تخويفه من ذلك حتى تمكن منه الخوف‏.‏ ثم أشار عليه بالخروج إلى ملك العرب هرثمة وكان يحب هرقانوس فعقد معه عهداً إلى ذلك‏.‏ ولحق هرقانوس بهرثمة ومعه أنظفتر ثم دعوا قرثمة إلى حرب أرستبلوس فأجابهم بعد مراوغة‏.‏ وتزاحفوا ونزع الكثير من عسكر أرستبلوس إلى هرقانوس فرجع هارباً إلى القدس‏.‏ ونازلهم هرقانوس وهرثمة واتصلت الحرب وطال الحصار‏.‏ وحضر عيد الفطير وافتقد اليهود القرابين فبعثوا إلى أصحاب هرقانوس فيها فاشتطوا في الثمن ثم أخذوه ولم يعطوهم شيئاً‏.‏ وقتلوا بعض النساك طلبوه في الدعاء على أرستبلوس وأصحابه وامتنع فقتلوه ووقع فيهم الوباء فمات منهم أمم‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ وكان الأرمن ببلاد دمشق وحمص وحلب وكانوا في طاعة الروم فانتقضوا عليهم في هذه المدة وحدثت عندهم صاغية إلى الفرس‏.‏ فبعث الروم قائدهم فمقيوس فخرج لذلك من رومية‏.‏ وقدم بين يديه قائده سكانوس فطوع الأرمن ولحق دمشق ثم لحقه فمقيوس ونزل بها‏.‏ وتوجهت إليه وجوه اليهود في أثيرهم وبعث إليه أرستبلوس من القدس وهرقانوس من مكان حصاره كل واحد منهما يستنجده على أخيه‏.‏ وبعثوا إليه بالأموال والهدايا فأعرض عنها وبعث إلى هرثمة ينهاه عن الدخول بينهما فرحل عن القدس ورحل معه هرقانوس وأنظفتر وأعاد أرستبلوس رسله وهداياه من بيت المقدس وألح في الطلب وجاء أنظفتر إلى فمقيوس بغير مال ولا هدية فنكث عنه فمقيوس فرجع إلى رغبته ومسح أعطافه وضمن له طاعة هرقانوس الذي هو الكهنوت الأعظم‏.‏ ويحصل بعد ذلك إضعاف أرستبلوس فأجابه فمقيوس على أن يتحيل له في الباطن ويكون ظاهره مع أرستبلوس حتى يتم الأمر‏.‏ وعلي أن يحملوا الخراج عند حصول أمرهم فضمن أنظفتر ذلك وحضر هرقانوس وأرستبلوس عند فمقيوس القائد يتظلم كل واحد من صاحبه فوعدهم بالنظر بينهم إذا حل بالقدس‏.‏ وبعث أنظفتر في جميع الرعايا فجاؤوا شاكين من أرستبلوس فأمره فمقيوس من إنصافهم فغضب لذلك واستوحش وهرب من معسكر فمقيوس وتحصن في القدس‏.‏ وسار فمقيوس في أثره فنزل أريحا ثم القدس وخرج أرستبلوس واستقال فأقاله وبذل له الأموال على أن يعينه على أخيه ويحمل له ما في الهيكل من الأموال والجواهر وبعث معه قائده لذلك فمنعهم الكهنونية وثارت بهم العامة وقتلوا بعض أصحاب القائد وأخرجوه فغضب فمقيوس وتقبض لحيته على أرستبلوس‏.‏ وركب ليقتحم البلد فامتنعت عليه وقتل جماعة من أصحابه فرجع وأقام عليهم ووقعت الحرب بالمدينة بين شيع أرستبلوس وهرقانوس‏.‏ وفتح بعض اليهود الباب لفمقيوس فدخل البلد وملك القصر وامتنع الهيكل عليه فأقام يحاصره أياماً وصنع آلة الحصار فهدم بعض أبراجه واقتحمه عنوة‏.‏ ووجد الكهنونية على عبادتهم وقرباتهم مع تلك الحرب ووقف على الهيكل فاستعظمه ولم يمد يده إلى شيء من ذخائره‏.‏ وملك عليهم هرقانوس وضرب عليهم الخراج يحمله كل سنة ورفع يد اليهود عن جميع الأمم الذين كانوا في طاعتهم ورد عليهم البلدان التي ملكها بنو حشمناي ورجع إلى رومة‏.‏ واستخلف هرقانوس وأنظفتر على المقدس وأنزر معهما قائده سكانوس الذي قدمه لفتح دمشق وبلاد الأرمن عندما خرج من رومية وحمل أرستبلوس وابنيه مقيدين معه وهرب الثالث من بنيه وكان يسمى الإسكندر ولحقه فلم يظفر به‏.‏ ولما بعد فمقيوس عن الشام ذاهباً إلى مكانه خرج هرقانوس وأنظفتر إلى العرب ليحملوهم على طاعة الروم فخالفهم الإسكندر بن أرستبلوس إلى المقدس وكان متغيباً بتلك النواحي منذ مغيب أبيه لم يبرح فدخل إلى المقدس وملكة اليهود عليهم وبنى ما هدمه فمقيوس من سور الهيكل واجتمع إليه خلق كثير ورجع هرقانوس وأنظفتر‏.‏ فسار إليهم الإسكندر وهزمهم وأثخن في عساكرهم‏.‏ وكان قائد الروم كينانوس قد جاء إلى بلاد الأرمن من بعد فمقيوس فلحق به واستنصره على الإسكندر فسار معه إلى القدس وخرج إليهم الإسكندر فهزموه ومضى إلى حصن له يسمى الإسكندرونة واعتصم به‏.‏ وسار هرقانوس إلى القدس فاستولى على ملكه وسار كينانوس قائد الروم إلى الإسكندر فحاصره بحصنه واستأمن إليه وعفا عنه وأحسن إليه‏.‏ وفي أثناء ذلك هرب أرستبلوس أخو هرقانوس من محبسه برومية وابنه أنطقنوس واجتمع إليه فحاربه كينانوس وهزمه وحصل في أسره فرده إلى محبسه برومية ولم يزل هنالك إلى أن تغلب قيصر على رومية واستحدث الملك في الروم وخرج فمقيوس من رومية إلى نواحي عمله وجمع العساكر لمحاربة قيصر فأطلق أرستبلوس من محبسه وأطلق معه قائدين في اثني عشر ألف مقاتل وسرحهم إلى الأرمن واليهود ليردوهم عن طاعة فمقيوس‏.‏ وكتب فمقيوس إلى أنظفتر ببيت المقدس أن يكفيه أمر أرستبلوس فبعث قوماً من اليهود لقوه في بلاد الأرمن ودشوا له سماً في بعض شرابه كان فيه حتفه‏.‏ وقد كان كينانوس كاتب الشيخ صاحب رومية في إطلاق من بقي من ولد أرستبلوس فأطلقهم‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ وكان أهل مصر لذلك العهد انتقضوا علي ملكهم تلماي وطردوه وامتنعوا من حمل الخراج إلى الروم فسار إليهم واستنفر معه أنظفتر فغلبهم وقتلهم‏.‏ ورد تلماي إلي ملكه واستقام أمر مصر ورجع كينانوس إلى بيت المقدس فجدد


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:16

الملك لهرقانوس وقدم أنظفتر مدبر المملكة وسار إلى رومية‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ ثم غضبت الفرس على الروم فندبوا إلى ذلك قائداً منهم يسمى عرنبوس وبعثوه لحربهم فمر بالقدس ودخل إلى الهيكل وطالب الكهنوت بما فيه من المال وكان يسمى ألعازر من صلحاء اليهود وفضلائهم‏.‏ فقال له إن كينانوس وفمقيوس لم يفعلوا ذلك بتلك فاشتد عليه فقال‏:‏ أعطيك ثلثمائة من الذهب وتتجافى عن الهيكل‏.‏ ودفع إليه سبيكة ذهب على صورة خشبة كانت تلقى عليها الصور التي تنزل من الهيكل الذي تجدد‏.‏ وكان وزنها ثلثمائة فأخذها ونقض القول وتعدى على الهيكل‏.‏ وأخذ جميع ما فيه منذ عمارتها من الهدايا والغنائم وقربانات الملوك والأمم وجميع آلات القدس‏.‏ وسار إلى لقاء الفرس فحاربوه وهزموه وأخذوا جميع ما كان معه وقتل واستولت الفرس على بلاد الأرمن‏:‏ دقشق وحمص وحلب وما إليها‏.‏ وبلغ الخبر إلى الروم فجهزوا قائداً عظيماً في عساكر جمة اسمه كسناو فدخل بلاد الأرمن الذين كانوا غلبوا عليها وساروا إلى القدس‏.‏ فوجد اليهود يحاربون هرقانوس وأنظفتر فأعانهما حتى استقام ملك هرقانوس‏.‏ ثم سار إلى الفرس في عساكره فغلبهم وحملهم على طاعة الروم ورد الملوك الذين كانوا عصوا عليهم إلى الطاعة وكانوا اثنين وعشرين ملكاً من قال ابن كريون‏:‏ ثم ابتدأ أمر القياصرة وملك على الروم يولياس ولقبه قيصر لأن أمه ماتت حاملاً به عند مخاضها فشق بطنها عنه فلذلك سمي قيصر ومعناه بلغتهم القاطع‏.‏ ويسمى أيضاً يولياس باسم الشهر الذي ولد فيه وهو يوليه خامس شهورهم ومعنى هذه اللفظة عندهم الخامس‏.‏ وكان الثلثمائة والعشرون المدبرون أمر الروم والشيخ الذي عليهم قد أحكموا أمرهم مع جماعة الروم على أن لا يقدموا عليهم ملكاً وأنهم يعينون للحروب في الجهات قائداً بعد آخر‏.‏ هذا ما اتفقوا عليه النقلة في الحكاية عن أمر الروم وابتداء ملك القياصرة‏.‏ قالوا‏:‏ ولما رأى قيصر هذا الشيخ الذي كان لذلك العهد كبر وشب على غاية من الشجاعة والإقدام فكانوا يبعثونه قائداً إلى العساكر إلى النواحي فأخرجوه مرة إلى المغرب فدوخ البلاد ورجع فسمت نفسه إلى الملك فامتنعوا له وأخبروه أن هذا سنة آبائهم منذ أحقاب وحدثوه بالسبب الذي فعلوا ذلك لأجله وهو أمر كيوس وأنه عهد لأولهم لا ينقض‏.‏ وقد دوخ فمقيوس الشرق وطوع اليهود ولم يطمع في هذا‏.‏ فوثب عليهم قيصر وقتلهم واستولى على ملك الروم منفرداً به وسمي قيصر‏.‏ وسار إلى فمقيوس بمصر فظفر به وقتله‏.‏ ورجع فوجد بتلك الجهات قواد فمقيوس فسار إليهم يولياس قيصر ومر ببلاد الأرمن فأطاعوه وكان عليهم ملك اسمه مترداث فبعثه قيصر إلى حربهم‏.‏ فسار في الأرمن ولقيه هرقانوس ملك اليهود بعسقلان ونفر معه إلى مصر هو وأنظفتر ليمحوا بعض ما عرف منهم من موالاة فمقيوس‏.‏ وساروا جميعاً إلى مصر ولقيتهم عساكرها واشتد الحرب فحصر بلادهم وكادت الأرمن أن ينهزموا فثبت أنظفتر وعساكر اليهود وكان لهم الظفر واستولوا على مصر‏.‏ وبلغ الخبر إلى قيصر فشكر أنظفتر حسن بلائه واستدعاه فسار إليه مع ملك الأرمن مترداث فقبله وأحسن وعده‏.‏ وكان أنطقنوس بن أرستبلوس قد اتصل بقيصر وشكا بأن هرقانوس قتل أباه حين بعثه أهل رومة لحرب فمقيوس فتحيل عليه هرقانوس وأنظفتر وقتلاه مسموماً‏.‏ فأحسن أنظفتر العذر لقيصر بأنه إنما فعل ذلك في خدمة من ملك علينا من الروم وإنما كنت ناصحاً لقائدهم فمقيوس بالأمس وأنا اليوم أيها الملك لك أنصح وأحب فحسن موقع كلامه من قيصر ورفع منزلته وقدمه على عساكره لحرب الفرس‏.‏ فسار إليه أنظفتر وأبلى في تلك الحروب ومناصحة قيصر فلما انقلبوا من بلاد الفرس أعادهم قيصر إلى ملك بيت المقدس على ما كانوا عليه‏.‏ واستقام الملك لهرقانوس وكان خيراً إلا أنه كان ضعيفاً عن لقاء الحروب فتغلب عليه أنظفتر واستبد على الدولة وقدم ابنه فسيلو ناظراً في بيت المقدس وابنه هيردوس عاملاً على جبل الخليل‏.‏ وكان كما بلغ الحلم واحتازوا الملك من أطرافه وامتلأ أهل الدولة منهم حسداً وكثرت السعاية فيهم‏.‏ وكان في أطراف عملهم ثائر من اليهود يسمى حزقيا وكان شجاعاً صعلوكاً واجتمع إليه أمثاله فكانوا يغيرون على الأرمن وينالون منهم‏.‏ وعظمت نكايتهم فيهم فشكا عامل بلاد الأرمن وهو سفيوس ابن عم قيصر إلى هيردوس وهو بجبل الخليل ما فعله حزقيا وأصحابه في بلادهم‏.‏ فبعث هيردوس إليهم شيرئة فكبسوهم وقتل حزقيا وغيره منهم‏.‏ وكتب بذلك إلى


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:17

سفيوس فشكره وأهدى إليه‏.‏ ونكر اليهود ذلك من فعل هيردوس وتظلموا عند هرقانوس وطلبوه في القصاص منه فأحضروه في مجلس الأحكام وأحضر السبعين شيخاً من اليهود وجاء هيردوس متسلحاً ودافع عن نفسه وعلم هرقانوس بغرض الأشياخ ففصلوا المجلس فنكروا ذلك على هرقانوس ولحق هيردوس ببلاد الأرمن فقدمه سفيوس على عمله‏.‏ ثم أرسل هرقانوس إلى قيصر يسأل تجديد عهود الروم لهم فكتب له بذلك وأمر بأن يحمل أهل الساحل خراجهم إلى بيت المقدس ما بين صيدا وغزة ويحمل أهل صيدا إليها في كل سنة عشرين ألف وسق من القمح وأن يرد على اليهود سائر ما كان بأيديهم إلى الفرات واللاذقية وأعمالها وما كان بنو حشمناي فتحوه عنوة من عداوات الفرات لأن فمقيوس كان يتعدى عليهم في ذلك وكتب العهد بذلك في ألواح من نحاس بلسان الروم ويونان وعلقت في أسوار صور وصيدا واستقام أمر هرقانوس‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ ثم قتل قيصر ملك الروم وأنظفتر وزير هرقانوس المستبد عليه‏.‏ أما قيصر فوثب عليه كيساوس من قواد فمقيوس فقتله وملك وجمع العساكر وعبر البحر إلى بلاد أشيت ففتحها‏.‏ ثم سار إلى القدس وطالبهم بسبعين بدرة من الذهب فجمع له أنظفتر وبنوه من اليهود ثم رجع كيساوس إلى مقدونية فأقام بها‏.‏ وأما أنظفتر فإن اليهود داخلوا القائد ملكيا الذي كان بين أظهرهم من قبل كيساوس في قتل أنظفتر وزير هرقانوس فأجابهم إلى ذلك فدشوا إلى ساقيه سماً فقتله‏.‏ وجاء ابنه هيردوس إلى القدس مجمعاً قتل هرقانوس فكفه فسيلو عن ذلك‏.‏ وجاء كيساوس من مقدونية إلى صور ولقي هرقانوس وهيردوس وشكوا إليه ما فعله قائده ملكيا من مداخلة اليهود في قتل أنظفتر فأذن لهم في قتله فقتلوه‏.‏ ثم زحف كينانوس ابن أخي قيصر وقائده أنطونيوس في العساكر لحرب كيساوس المتوثب على عمه قيصر فلقيهم قريباً من مقدونية فظفرا به وقتلاه وملك كينانوس مكان عمه وسمي أغسطس قيصر باسم عمه‏.‏ فأرسل إليه هرقانوس ملك اليهود بهدية وفيها تاج من الذهب مرصع بالجواهر وسأل تجديد العهد لهم وأن يطلق السبي الذي سبي منهم أيام كيساوس وأن يرد اليهود إلى بلاد يونان وأثينة وأن يجري لهم ما كان رسم به عمه قيصر فأجابه إلى ذلك كله‏.‏ وسار أنطيانوس وأغسطس إلى بلاد الأرمن بدمشق وحمص فلقته هنالك كلبطرة ملكة مصر وكانت ساحرة فأسأمته وتزوجها وحضر عند هرقانوس ملك اليهود‏.‏ وجاء جماعة من اليهود فشكوا من هيردوس وأخيه فسيلو وتظلموا منهما وأكذبهم ملكهم هرقانوس وأبى عليها وأمر أنطيانوس بالقبض على أولئك الشاكين وقتل منهم‏.‏ ورجع هيردوس وأخوه فسارا إلى مكانهما ومكان أبيهما من تدبير مملكة هرقانوس وسار أنطيانوس إلى بلاد الفرس فدوخها وعاث في نواحيها وقهر ملوكها وقفل إلى رومة‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ وفي خلال ذلك لحق أنطقنوس وجماعة من اليهود بالفرس وضمنوا لملكهم أن يحملوا إليه بدرة من الذهب وثمانمائة جارية من بنات اليهود ورؤسائهم يسبيهن له على أن يملكه مكان عمه هرقانوس ويسلمه إليه ويقتل هيردوس وأخاه فسيلو فأجابهم ملك الفرس إلى ذلك وسار في العساكر وفتح بلاد الأرمن وقتل من وجد بها من قواد الروم ومقاتلتهم‏.‏ وبعث قائده بعسكر من القدس مع أنطقنوس مورياً بالصلاة في بيت المقدس والتبرك بالهيكل‏.‏ حتى إذا توسط المدينة ثار بها وأفحش في القتل وبادر هيردوس إلى قصر هرقانوس ليحفظه ومضى فسيلو إلى الحصن يضبطه وتورط من كان بالمدينة من الفرس قتلهم اليهود عن آخرهم وامتنعوا على القائد وفسد ما كان دبره في أمر أنطقنوس‏.‏ فرجع إلى إستمالة هرقانوس وهيردوس وطلب الطاعة منهم للفرس وأنه يتلطف لهم عند الملك في إصلاح حالهم فصغى هرقانوس وفسيلو إلى قوله وخرجوا إليه وارتاب هيردوس وامتنع فارتحل بهما قائد الفرس حتى إذا بلغ الملك ببلاد الأرمن تقبض عليهما فمات فسيلو من ليلته وقيد هرقانوس واحتمله إلى بلاده وأشار أنطقنوس بقطع أذنه ليمنعه من الكهنونة‏.‏ ولما وصل ملك الفرس إلى بلاده أطلق هرقانوس من الاعتقال وأحسن إليه إلى أن استدعاه هيردوس كما يأتي بعد‏.‏ وبعث ملك الفرس قائده إلى اليهود مع أنطقنوس ليملك فخرج هيرودوس عن القدس إلى جبل الشراة فترك عياله بالحصن عند أخيه يوسف وسار إلى مصر يريد قيصر فأكرمته كالبطرة ملكة مصر وأركبته السفن إلى رومية‏.‏ فدخل بها أنطيانوس إلى أوغسطس قيصر وخبره الخبر عن الفرس والقدس فملكه أوغسطس وألبسه التاج وأركبه في رومية في في زي الملك والهاتف بين يديه بأن أوغسطس ملكه‏.‏ واحتفل أنطيانوس في صنيع له حضره الملك أوغسطس قيصر وشيوخ رومية وكتبوا له العهد في ألواح


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:17

من نحاس ووضعوا ذلك اليوم التاريخ وهو أول ملك هيردوس‏.‏ وسار أنطيانوس بالعسكر إلى الفرس ومعه هيردوس وفارقه من أنطاكية وركب البحر إلى القدس لحرب أنطقنوس فخرج أنطقنوس إلى جبال الشراة للإستيلاء على عيال هيردوس وأقام على حصار الحصن‏.‏ وجاء هيردوس فحاربه وخرج يوسف من الحصن من ورائه فانهزم أنطقنوس إلى القدس وهلك أكثر عسكره‏.‏ وحاصره هيردوس وبعث أنطقنوس بالأموال إلى قواد العسكر من الروم فلم يجيبوه وأقام هيرودوس على حصاره حتى جاءه الخبر عن أنطيانوس قائد قيصر أنه ظفر بملك الفرس وقتله ودوخ بلادهم‏.‏ وإنه عاد ونزل الفرات‏.‏ فترك هيردوس أخاه يوسف على حصار القدس مع قائد الروم سيساو ومن تبعهم من الأرمن وسار للقاء أنطيانوس وبلغه وهو بدمشق أن أخاه يوسف قتل في حصار القدس على يد قائده أنطقنوس وأن العساكر انفضت ورجعوا إلى دمشق وجاء سيساو منهزماً قائد أنطيانوس بالعساكر‏.‏ وتقدم هيردوس وقد خرج أنطقنوس للقائه فهزمه وقتل عامة عسكره واتبعه إلى القدس‏.‏ ووافاه سيساو قائد الروم فحاصروا القدس أياماً ثم اقتحموا البلد وتسللوا صاعدين إلى السور وقتلوا الحرس وملكوا المدينة وأفحش سياسو في قتل اليهود‏.‏ فرغب إليه هيردوس في الإبقاء‏.‏ وقال له‏:‏ إذا قتلت قومي فعلى من تملكني فرفع القتل عنهم ورد ما نهب وقرب إلى البيت تاجاً من الذهب وضعت فيه وحمل إليه هيردوس أموالاً‏.‏ ثم عثروا على أنطيانوس وقد كان سار من الشام إلى مصر فجاءه بانطقنوس هنالك ولحق بهم هيردوس وسأل من أنطيانوس قتل أنطقنوس فقتله واستبد هيردوس بملك اليهود وانقرض ملك بني حشمناي والبقاء لله وحده‏.‏ انقراض ملك بني حشمناي وكان أول ما افتتح به ملكه أن بعث إلى هرقانوس الذي احتمله الفرس وقطعوا أذنه يستقدمه ليأمن على ملكه من ناحيته ورغبه في الكهنونية التي كان عليها فرغب وحذره ملك الفرس من هيردوس وعزله اليهود الذين معه وأراه أنها خديعة وأنه العيب الذي به يمنع الكهنونية فلم يقبل شيء من ذلك‏.‏ وصغى إلى هيردوس وحسن ظنه به وسار إليه وتلقاه بالكرامة والأعطاء وكان يخاطبه بأبي في الجمع والخلوة‏.‏ وكانت الإسكندرة بنت هرقانوس تحت الإسكندر وابن أخيه أرستبلوس‏.‏ وكانت بنتها منه مريم تحت هيردوس فاطلعتا على ضمير هيردوس من محاولة قتله فخبرتاه بذلك وأشارتا عليه باللحاق بملك العرب ليكون في جواره فخاطبه هرقانوس في ذلك وأن يبعث إليه من رجالاتهم من يخرج ب إلى أحيائهم‏.‏ وكان حامل الكتاب من اليهود مضغناًً على هرقانوس لأنه قتل أخاه وسلب ماله فوضع الكتاب في يد هيردوس فلما قرأه رده إليه وقال‏:‏ أبلغه إلى ملك العرب وأرجع الجواب إلي‏.‏ فجاءه بالجواب من ملك العرب إلى هرقانوس وأنه أسعف وبعث الرجال فألقاهم بوصلك إلي‏.‏ فبعث هيردوس من يقبض على الرجال بالمكان الذي عينه وأحضرهم وأحضر حكام البلاد اليهود والسبعين شيخاً‏.‏ وأحضر هرقانوس وقرأ عليه الكتاب بخطه فلم يحر جواباً وقامت عليه الحجة وقتله هيردوس لوقته لثمانين سنة من عمره وأربعين من ملكه وهو آخر ملوك بني حشمناي‏.‏ وكان للإسكندر بن أرستبلوس ابن يسمى أرستبلوس وكان من أجمل الناس صورة وكان في كفالة أمه الإسكندرة وأخته يومئذ تحت هيردوس كما قلناه‏.‏ وكان هيردوس يغص به وكانت أخته وأمهما يؤملاه أن يكون كوهناًً بالبيت مكان جده هرقانوس وهيردوس يريد نقل الكهنونية عن بني حشمناي وقدم لها رجلاً من عوام الكهنونية وجعله كبير الكهنونية‏.‏ فشق ذلك على الإسكندرة بنت هرقانوس وبنتها مريم زوج هيردوس‏.‏ وكان بين الإسكندرة وكلوبطرة ملكة مصر مواصلة ومهاداة وطلبت منها أن تشفع زوجها أنطيانوس في ذلك إلى هيردوس فاعتذر له هيردوس بأن الكواهن لا تعزل ولو أردنا ذلك فلا يمكننا أهل الدين من عزله‏.‏ فبعثت بذلك الإسكندرة ودست الإسكندرة إلى الرسول الذي جاء من عند أنطيانوس وأتحفته بمال فضمن لهم أن أنطيانوس يعزم على هيردوس في بعث أرستبلوس إليه‏.‏ ورجع إلى أنطيانوس فرغبه في ذلك‏.‏ ووصف له من جماله وأغراه باستقدامه فبعث فيه أنطيانوس إلى هيردوس وهدده بالوحشة إن منعه فعلم أنه يريد منه القبيح فقدمه كهنوناً وعزل الأول واعتذر لأنطيانوس بأن الكوهن لا يمكن سفره واليهود تنكر ذلك‏.‏ فأغفل أنطيانوس الأمر ولم يعاود فيه‏.‏ ووكل هيردوس بالإسكندرة بنت هرقانوس عهدته من يراعي أفعالها فأطلع على كتبها إلى ساحل يافا وأن الإسكندرة صنعت تابوتين لتخرج فيهما هي وابنتها على هيئة الموتى فأرصد هيردوس من جاء بهما من المقابر في تابوتيهما فوبخهما ثم عفا عنهما‏.‏ ثم بلغه أن أرستبلوس


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:18

حضر في عيد المظال فصعد على المذبح وقد لبس ثياب القدس وازدحم الناس عليه وظهر من ميلهم إليه ومحبتهم ما لا يعبر عنه فغص بذلك وأعمل التدبير في قتله‏.‏ فخرج في متنزه له باريحاء في نيسان واستدعى أصحابه وأحضر أرستبلوس فطعموا ولعبوا وانغمسوا في البرك يسبحون‏.‏ وعمد غلمان هيردوس إلى أرستبلوس فغمسوه في الماء حتى شرق وفاض‏.‏ فاغتم الناس لموته وبكى عليه هيردوس ودفنه‏.‏ وكان موته لسبع عشرة سنة من عمره‏.‏ وتأكدت البغضاء بين الإسكندرة وابنتها مريم زوج هيردوس أخت هذا الغريق وبين أم هيردوس وأخته وكثرت شكواهما إليه فلم يشكهما لمكان زوجته مريم وأمها منه‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ ثم انتقض أنطيانوس على أوغسطس قيصر وذلك أنه تزوج كلوبطرة وملك مصر وكانت ساحرة فسحرته واستمالته وحملته على قتل ملوك كانوا في طاعة الروم وأخذ بلادهم وأموالهم وسبي نسائهم وأموالهم وأولادهم‏.‏ وكان من جملتهم هيردوس وتوقف فيه خشية من أوغسطس قيصر لأنه كان يكرمه بسبب ما صنع في الآخرين‏.‏ فحمله على الانتقاض والعصيان ففعل وجمع العسكر واستدعى هيردوس فجاءه وبعثه إلى قتال العرب وكانوا خالفوا عليه فمضى هيردوس لذلك ومعه أنيثاون قائد كلوبطرة وقد دست له أن يجر الهزيمة على هيردوس ليقتل ففعل‏.‏ وثبت هيردوس وتخلص من المعترك بعد حروب صعبة هلك فيها بين الفريقين خلق كثير‏.‏ ورجع هيردوس إلى بيت المقدس فصالح جميع الملوك والأمم المجاورين له وامتنع العرب من ذلك فسار إليهم وحاربهم ثم استباحهم بعد أيام ومواقف بذلوا وجمعوا له الأموال وفرض عليهم الخراج في كل سنة ورجع‏.‏ وكان أنطيانوس لما بعثه إلى العرب سار هو إلى رومة وكانت بينه وبين أوغسطس قيصر حروب هزمه قيصر في آخرها وقتله وسار إلى مصر فخافه هيردوس على نفسه لما كان منه في طاعة أنطيانوس وموالاته ولم يمكنه التخلف عن لقائه‏.‏ فأخرج خدمه من القدس فبعث بأمه وأخته إلى قلعة الشراة لنظر أخيه فرودا وبعث بزوجه مريم وأمه الإسكندرة إلى حصن الإسكندرونة لنظر زوج أخته يوسف ورجل آخر من خالصته من أهل صور اسمه سوما وعهد إليها بقتل زوجته وأمها أن قتله قيصر‏.‏ ثم حمل معه الهدايا وسار إلى قيصر أوغسطس وكانت تحقد له صحبة أنطيانوس فلما حضر بين يديه عنفه وأزاح التاج عن رأسه وهم بعقابه‏.‏ فتلطف هيردوس في الاعتذار وأن موالاته لأنطيانوس إنما كان لما أولى من الجميل في السعاية عند الملك وهي أعظم أياديه عندي ولم تكن موالاتي له في عداوتك ولا في حربك‏.‏ ولو كان ذلك وأهلكت نفسي دونه كنت في ملوم فإن الوفاء شأن الكرام‏.‏ فإن أزلت عني التاج فما أزلت عقلي ولا نظري وإن أبقيتني فأنا محل الصنيعة والشكر فانبسط أوغسطس لكلامه وتوجه كما كان وبعثه على مدمته إلى مصر فلما ملك مصر وقتل كلوبطرة وهب لهيردوس جميع ما كان أنطيانوس أعطاها إياه ونقل‏.‏ فأعاد هيردوس إلى ملكه ببيت المقدس وسار إلى رومية‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ ولما عاد هيردوس إلى بيت المقدس أعاد حرمه من أماكنهن فعادت زوجته مريم وأمها من حصن الإسكندرونة وفي خدمتها يوسف زوج أخته وسوما الصوري وقد كانا حدثا المرأة وأمها بما أسر إليهما هيرودس وقد كان سلف منه قتل هرقانوس وأرستبلوس فشكرتا له‏.‏ وبينما هو آخذ في استمالة زوجته إذ رمتها أخته بالفاحشة مع سوما الصوري في ملاحات جرت بينهما ولم يصدق ذلك هيردوس للعداوة والثقة بعفة الزوجة‏.‏ ثم جرى منها في بعض الأيام وهو في سبيل استمالتها عتاب فيما أسر إلى سوما وزوج أخته فقويت عنده الظنة بهم جميعاً‏.‏ وإن مثل هذا السر لم يكن إلا لأمر مريب وأخذ في إخفائها وإقصائها ودست عليه أخته بعض النساء تحدثه بأن زوجته داخلته في أن تستحضر السم وأحضره فجرب وصح وقتل للحين صهره يوسف وصاحبه سوما‏.‏ واعتقل زوجته ثم قتلها وندم علي ذلك ثم بلغه عن أمها الإسكندرة مثل ذلك فقتلها‏.‏ وولى على أدوم مكان صهره رجلاً منهم اسمه كرسوس وزوجه أخته فسار إلى عمله وانحرف عن دين التوراة والإحسان الذي حملهم عليه هرقانوس وأباح لهم عبادة صنمهم وأجمع الخلاف وطلق أخت هيردوس فسعت به إلى أخيها وخبرته بأحواله وأنه آوى جماعة من بني حشمناي المرشحين للملك منذ اثنتي عشرة سنة‏.‏ فقام هيردوس في ركائبه وبحث عنه فحضر وطالبه ببني حشمناي الذين عنده فأحضرهم فقتله وقتلهم وأرهف حده وقتل جماعة من كبار اليهود ومقدميهم اتهمهم بالإنكار عليه فأذعن له الناس واستفحل ملكه وأهمل المراعاة لوصاية التوراة وعمل في بيت المقدس سوراً واتخذ متنزه لعب وأطلق فيه السباع‏.‏ ويحمل بعض الجهلة على مقابلتها فتفترسهم‏.‏ فنكر الناس ذلك وأعمل أهل الدولة الحيلة في قتله فلم تتم لهم‏.‏ وكان يمشي متنكراً للتجسس على أحوال الناس فعظمت هيبته في النفوس‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:18

وكان أعظم طوائف اليهود عنده الربانيون بما تقدم لهم في ولايته وكان لطائفة العباد من اليهود المسمى بالحيسيد مكانة عنده أيضاً‏.‏ كان شيخهم مناحيم لذلك العهد محدثاً وكان حدثه وهو غلام بمصير الملك له وأخبره وهو ملك بطول مدته في الملك فدعا له ولقومه‏.‏ وكان كلفاً ببناء المدن والحصون‏.‏ ومدينة قيسارية من بنائه‏.‏ ولما حدثت في أيامه المجاعة شمر لها وأخرج الزرع للناس وبثه فيهم بيعاً وهبة وصدقة‏.‏ وأرسل في الميرة من سائر النواحي وأمر قيصر في سائر تخومه وفي مصر ورومة أن يحملوا الميرة إلى بيت المقدس فوصلت السفن بالزرع إلى ساحلها من كل جهة وأجرى على الشيوخ والأيتام والأرامل والمنقطعين كفايتهم من الخبز وعلى الفقراء والمساكين كفايتهم من الحنطة وفرق على خمسين ألفاً قصدوه من غير ملته فرفعت المجاعة وارتفع له الذكر والثناء الجميل‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ ولما استفحل ملكه وعظم سلطانه أراد بناء البيت على ما بناه سليمان بن داود لأنهم لما رجعوا إلى القدس بإذن كورش عين لهم مقدار البيت لا يتجاوزونه فلم يتم على حدود سليمان‏.‏ ولما اعتزم على ذلك ابتدأ أولاً بإحضار الآلات مستوفيات خشية أن يحصل الهدم وتطول المدة وتعرض القواطع والموانع‏.‏ فأعد الآلات وأكمل جمعها في ست سنين ثم جمع الصناع للبناء وما يتعلق به فكانوا عشرة آلاف‏.‏ وعين ألفاً من الكهنة يتولون القدس الأقدس الذي لا يدخله غيرهم‏.‏ ولما تم له ذلك شرع في الهدم فحصل لأقرب وقت ثم بنى البيت على حدوده وهيئته أيام سليمان وزاد في بعض المواضع على ما أختاره ووقف عليه نظره فكمل في ثمان سنين ثم شرع في الشكر لله تعالى على ما هيأ له من ذلك فقرب القربان واحتفل في الولائم وإطعام الطعام‏.‏ وتبعه الناس في ذلك أياماً فكانت من محاسن دولته‏.‏ قتيلة السم أحدهما الإسكندر والآخر أرستبلوس وكانا عند قتل أمهما غائبين برومة يتعلمان خط الروم فلما وصلا وقد قتل أمهما حصلت بينه وبينهما الوحشة وكان له ولد آخر اسمه أنظفتر على اسم جده وكان قد أبعد أمه راسيس لمكان مريم فلما هلكت واستوحش من ولدها لطلب محل راسيس منه قدم ابنها أنظفتر وجعله ولي عهده وأخذ في السعاية على إخوته خشية منهما بأنهما يرومان قتل أبيهما فانحرف عنهما‏.‏ واتفق أن سار إلى أوغسطس قيصر ومعه ابنه إسكندر فشكاه عنده وتبرأ الإسكندر وحلف على براءته فأصلح بينهما قيصر ورجع إلى القدس وقسم القدس بين ولده الثلاثة ووصاهم ووصى الناس بهم‏.‏ وعهد أن لا يخالطوهم خشية مما يحدث عن ذلك‏.‏ وأنظفتر مع ذلك متماد على سعايته بهما وقد داخل في ذلك عمه قدودا عمته سلومنت فأغروا أباه بأخويه المذكورين حتى اعتقلهما‏.‏ وبلغ الخبر أرسلاوش ملك كفتور وكانت بنته تحت الإسكندر منهما فجاء إلى هيردوس مظهراً السخط على الإسكندر والإنحراف عنه‏.‏ وتحيل في إظهار جراءتهما وأطلعه على جلية الحال وسعاية أخيه وأخته فانكشف له الأمر وصدقه وغضب على أخيه قدودا فجاء إلى أرسلاوش وأحضره عند هيردوس حتى أخبره بمصدوقية الحال ثم شفعه فيه‏.‏ وأطلق ولديه ورضي عنهما وشكر لأرسلاوش من تلطفه في تلافي هذا الأمر وانصرف إلى بلده‏.‏ ولم ينف وما زال يغري أباه ويدس له من يغريه حتى أسخطه عليهما ثانية واعتقلهما وأمضى بهما في بعض أسفاره مقيدين ونكر ذلك بعض أهل الدولة فدس أنظفتر إلى أبيه‏:‏ المنكر علي من المدبر بن عليك وقد ضمن لحجامك الإسكندر مالاً على قتلك فأنزل هيرودس بهما العقاب ليتكشف الخبر ونما بأن ذلك الرجل معه ولدغه العقاب وأقر على نفسه وقتل هو وأبوه والحجام‏.‏ ثم قتل هيردوس ولديه وصلبهما على مصطبة‏.‏ وكان لابنه الإسكندر ولدان من بنت أرسلاوش ملك كفتور وهما كوبان والإسكندر ولابنه أرستبلوس ثلاثة من الولد‏:‏ أعراباس وهيردوس وأستروبلوس‏.‏ ثم ندم هيردوس على قتل ولديه وعطف على أولادهما فزوج كوبان بن الإسكندر بابنة أخيه قدودا وزوج ابنة ابنه أرستبلوس من ابن ابنه أنظفتر وأمر أخاه قدودا وابنه أنظفتر بكفالتهما والإحسان إليهما فكرها ذلك واتفقا على فسخه وقتل هيردوس متى أمكن‏.‏ وبعث هيردوس ابنه أنظفتر إلى أوغسطس قيصر ونما الخبر إليه بأن أخاه قدودا يريد قتله فسخطه وأبعده وألزمه بيته‏.‏ ثم مرض قدودا واستعد أخاه هيردوس ليعوده فعاد ثم مات‏.‏ فحزن عليه ثم حزن باستكشاف ما نما إليه فعاقب جواريه‏.‏ فأقرت إحداهما بأن أنظفتر وقدودا كانا يجتمعان عند رسيس أم أنظفتر يدبران على قتل هيردوس على يد خازن أنظفتر فأقر بمثل ذلك‏.‏ وإنه بعث على السم من مصر وهو عند امرأة قدودا فأحضرت فأقرت بأن قدودا أمرها عند موته بإراقته وأنها أبقت منه قليلاً يشهد لها إن سئلت‏.‏ فكتب هيردوس إلى ابنه أنظفتر بالقدوم فقدم مستريباً بعد أن أجمع على الهروب فمنعه خدم أبيه‏.‏ ولما حضر جمع له الناس في مشهد وحضر رسول أوغسطس وقدم كاتبه نيقالوس‏.‏ وكان يحب أولاد هيردوس المقتولين ويميل إليهما عن أنظفتر فدفع يخاصمه حتى قامت عليه الحجة وأحضر بقية السم وجرب في بعض الحيوانات فصدق فعله‏.‏ فحبس هيردوس إبنه أنظفتر حتى مرض وأشرف على الموت وأسف على ما كان منه لأولاده فهم بقتل نفسه فمنعه جلساؤه وأهله وسمع من القصر البكاء والصراخ لذلك فهم أنظفتر بالخروج من محبسه ومنع وأخبر هيردوس بذلك وأمر بقتله في الوقت فقتل‏.‏ ثم هلك بعده لخمسة أيام ولسبعين سنة من عمره وخمس وثلاثين من ملكه‏.‏ وعهد بالملك لابن أركلاوش وخرج كاتبه نيقالوس فجمع الناس وقرأ عليهم العهد وأراهم خاتم هيردوس عليه فبايعوا له وحمل أباه إلى قبره على سرير من الذهب مرصع بالجواهر والياقوت وعليه ستور الديباج منسوجة بالذهب وأجلس مسنداً ظهره إلى الأرائك والناس أمامه من الأشراف والرؤساء ومن خلفه الخدم والغلمان وحواليه الجواري بأنواع الطيب إلى أن اندرج في وقام أركلاوش بملكه وتقرب إلى الناس بإطلاق المسجونين فاستقام أمره وانطلقت الألسنة بذم هيردوس والطعن عليه‏.‏ ثم انتقضوا على أركلاوش بملكه بما وقع منه من القتل فيهم فساروا إلى قيصر شاكين بذلك وعابوه عنده بأنه ولى من غير أمره‏.‏ وحضر أركلاوش وكاتبه نيقالوس بخصمهم ودفع


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:19

دعاويهم وأشار عظماء الروم بإبقائه فملكه قيصر وأعاده إلى القدس‏.‏ وأساء السيرة في اليهود وتزوج امرأة أخيه الإسكندر وكان له أولاد منها فماتت لوقتها‏.‏ ووصلت شكاية اليهود بذلك كله إلى قيصر فبعث قائداً من الروم إلى المقدس فقيد أركلاوش وحمله إلى رومة لسبع سنين من دولته وولى على اليهود بالقدس أخاه أنطيفوس وكان شراً منه واغتصب امرأة أخيه فيلقوس وله منها ولدان ونكر ذلك عليه علماء اليهود والكهنونية‏.‏ وكان لذلك العهد يوحنا بن زكريا فقتله في جماعة منهم‏.‏ وهذا هو المعروف عند النصارى بالمعمدان الذي عمد عيسى أي طهره بماء المعمودية بزعمهم‏.‏ وفي دولة أنطيفوس هذا مات قيصر أوغسطس فملك بعده طبريانوس وكان قبيح السيرة‏.‏ وبعث قائده بعيلاس بصنم من ذهب على صورته ليسجد له اليهود فامتنعوا فقتل منهم جماعة فأذنوا بحربه وقاتلوه وهزموه‏.‏ وبعث طبريانوس العساكر مع قائده إلى القدس فقبض على أنطيفس وحمله مقيداً‏.‏ ثم عزله طبريانوس إلى الأندلس فمات بها وملك بعده على اليهود أغرباس ابن أخيه أرستبلوس المقتول‏.‏ وهلك في أيامه طبريانوس قيصر وملك نيرون وكان أشر من جميع من تقدمه‏.‏ وأمر أن يسمى إلاهو وبنى المذبح للقربان وقرب وأطاعته الناس إلا اليهود وبعثوا إليه في ذلك أفيلو الحكيم في جماعة فشتمهم وحبسهم وسخط اليهود‏.‏ ثم قبحت أحواله وساءت أفعاله وثارت عليه دولته فقتلوه رموا شلوه في الطريق فأكلته الكلاب‏.‏ ثم ملك بعده قلديوش قيصر وأطلق أفيلو والذين معه إلى بيت المقدس وهدم المذابح التي كان نيروش بناها‏.‏ وكان أغرباس حسن السيرة معظماً عند القياصرة وهلك لثلاث وعشرين سنة من دولته‏.‏ وملك بعده ابنه أغرباس بأمر اليهود وملك عشرين سنة وكثرت الحروب والفتن في أيامه في بلاد اليهود والأرمن وظهرت الخوارج والمتغلبون وانقطعت السبل وكثر الهرج داخل المدينة في القدس وكان الناس يقتل بعضهم بعضاً في الطرقات يحملون سكاكين صغاراً محدين لها فإذا ازدحم مع صاحبه في الطريق طعنه فأهواه حتى صاروا يلبسون الدروع لذلك وخرج كثير من الناس عن المدينة فراراً من القتل‏.‏ وهلك ولد طبريوس قيصر ونيرون من بعده وملك على الروم فيلقوس قيصر فسعى بعض الشرار عنده بأن هؤلاء الذين خرجوا من القدس يذمون على الروم‏.‏ فبعث إليهم من قتلهم وأسرهم واشتد البلاء على اليهود وطالت الفتن فيهم‏.‏ وكان الكهنون الكبير فيهم لذلك العهد عناني‏.‏ وكان له ابن اسمه ألعازار وكان ممن خرج من القدس وكان فاتكاً مصعلكاً‏.‏ وانضم إليه جماعة من الأشرار وأقاموا يغيرون على بلاد اليهود والأرمن وينهبون ويقتلون وشكتهم الأرمن إلى فيلقوس قيصر فبعث من قيده وحمله وأصحابه إلى رومة‏.‏ فلم يرجع إلى القدس إلا بعد حين‏.‏ واشتد قائد الروم ببيت المقدس على اليهود وكثر ظلمه فيهم فأخرجوه عنهم بعد أن قتلوا جماعة من أصحابه ولحق بمصر فلقي هنالك أغرباس ملك اليهود راجعاً من رومية ومعه قائدان من الروم فشكى إليه فيلقوس بما وقع من اليهود ومضى إلى بيت المقدس فشكى إليه اليهود بما فعل فليقوس وأنهم عازمون على الخلاف‏.‏ وتلطف لهم في الإمساك عن ذلك حتى تبلغ شكيتهم إلى قيصر ويعتذر منه فامتنع ألعازار بن عناني وأبى إلا المخالفة وأخرج القربان الذي كان بعثه معه نيرون قيصر من البيت ثم عمد إلى الروم الذين جاؤوا مع أغرباس فقتلهم حيث وجدوا وقتل القائدين ونكر ذلك أشياخ اليهود واجتمعوا لحرب ألعازار وبعثوا إلى أغرباس‏.‏ وكان خارج القدس‏.‏ فبعث إليهم بثلاثة آلاف مقاتل فكانت الحرب بينهم وبين ألعازار سجالاً ثم هزمهم وأخرجهم من المدينة وعاث في البلد وخرب قصور الملك ونهبها وأموالها وذخائرها‏.‏ وبقي أغرباس والكهنونة والعلماء والشيوخ خارج المقدس وبلغهم أن الأرمن قتلوا من وجدوه من اليهود بدمشق ونواحيها وبقيسارية فساروا إلى بلادهم وقتلوا من وجدوه بنواحي دمشق من الأرمن‏.‏ ثم سار أغرباس إلى قيرش قيصر وخبره الخبر فامتعض لذلك وبعث إلى كسنيناو قائده على الأرمن وقد كان مضى إلى حرب الفرس فدوخها وقهرهم وعاد إلى بلاد الأرمن فنزل دمشق فجاءه عهد قيصر بالمسير مع أغرباس ملك اليهود إلى القدس فجمع العساكر وسار وخرب كل ما مر عليه‏.‏ ولقيه ألعازار الثائر بالقدس فانهزم ورجع ونزل كسنيناو قائد الروم فأثخن فيهم‏.‏ وارتحل كسنيناو إلى قيسارية وخرج اليهود في أتباعهم فهزموهم ولحق كسنيناو أغرباس بقيصر قيرش فوافقوا وصول قائده الأعظم أسبسيانوس عن بلاد المغرب‏.‏ وقد فتح الأندلس ودوخ أقطارها فعهد إليه قيرش قيصر بالمسير إلى بلاد اليهود وأمره أن يستأصلهم ويهدم حصونهم فسار ومعه ابنه طيطوش وأغرباس ملك اليهود وانتهوا إلى أنطاكية وتأهب اليهود لحربهم وانقسموا ثلاث فرق في ثلاث نواحي مع كل فرقة كهنون فكان عناني الكهنون الأعظم في دمشق ونواحيها وكان ابنه ألعازر كهنون في بلاد أدوم وما يليها إلى أيلة‏.‏ وكان يوسف بن كريون كهنون طبيرية وجبل الخليل وما يتصل به‏.‏ وجعلوا فيما بقي من البلاد من الأغوار إلى حدود مصر من يحفظها من بقية الكهنونية‏.‏ وعمر كل منهم أسوار حصونه ورتب مقاتلته وسار أسبسيانوس بالعساكر من أنطاكية فتوسط في بلاد الأرمن وأقام‏.‏ وخرج يوسف بن كريون من طبرية فحاصر بعض الحصون بناحية الأغرباس ففتحه واستولى عليه‏.‏ وبعث أهل طبيرية من ورائه إلى الروم فاستامنوا إليهم فزحف يوسف فتابوأ وقتل من وجد فيها من الروم وقبل معذرة أهل طبرية وبلغه مثل ذلك عن جبل الخليل فسار إليهم وفعل فيهم فعله في طبرية فزحف إليه أسبسيانوس من عكا في أربعين ألف مقاتل من الروم ومعه أغيرتاس ملك اليهود‏.‏ وسارت معهم الأمم من الأرمن وغيرهم إلا أدوم فإنهم كانوا حلفاء لليهود منذ أيام هرقانوس‏.‏ ونزل أسبسيانوس بعساكره على يوسف بن كريون ومن معه بطبرية فدعاهم إلى الصلح فسألوا الإمهال إلى مشاورة الجماعة بالقدس‏.‏ ثم امتنعوا وقاتلهم أسبنانوس بظاهر الحصن فاستلحمهم حتى قل عددهم وأغلقوا الحصن‏.‏ فقطع عنهم الماء خمسين ليلة ثم بيتهم الروم فاقتحموا عليهم الحصن فاستلحموهم وأفلت يوسف بن كريون ومن معه من الغل فامتنعوا ببطن الأعراب وأعطاهم أسبسيانوس الأمان فمال إليه يوسف وأبى القوم إلا أن يقتلوا أنفسهم وهموا بقتله‏.‏ فوافقهم على


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:19

رأيهم إلى أن قتل بعضهم بعضاً ولم يبق من يخشاه فخرج إلى أسبسيانوس مطارحاً عليه‏.‏ وحرضه اليهود على قتله فأبى واعتقله وخرب أعمال طبرية وقتل أهلها ورجع قال ابن كريون‏:‏ وفي خلال ذلك حدثت الفتنة في القدس بين اليهود داخل المدينة‏.‏ وذلك أنه كان في جبل الخليل بمدينة كوشالة يهودي اسمه يوحنان وكان مرتكباً للعظائم واجتمع إليه أشرار منهم فقوي بهم على قطع السابلة والنهب والقتل‏.‏ فلما استولى الروم على كوشالة لحق بالقدس وتألف عليه أشرار اليهود من فل البلاد التي أخذها الروم‏.‏ فتحكم على أهل المقدس وأخذ الأموال وزاحم عناني الكهنون الأعظم ثم عزله واستبدل به رجلاً من غواتهم وحمل الشيوخ على طاعته فامتنعوا فتغلب عليهم فقتلهتم‏.‏ فاجتمع اليهود إلى عناني الكهنون وحاربهم يوحنان وتحصنوا في المقدس وراسله عناني في الصلح فأبى وبعث إلى أدوم يستجيشهم فبعثوا إليه بعشرين ألفاً منهم فأغلق العناني أبواب المدينة دونهم وحاط بهم من الأسوار ثم استغفلوه وكبسوا المدينة واجتمع معهم يوحنان فقتلوا من وجوه اليهود نحواً من خمسة آلاف وصادروا أهل النعم على أموالهم وبعثوا يوحنان إلى المدن الذين استأمنوا إلى الروم فغنم أموالهم وقتل من وجد منهم‏.‏ وبعث أهل القدس في استدعاء اسبسيانوس وعساكره فزحف من قيسارية حتى إذا توسط الطريق خرج يوحنان من القدس وامتنع ببعض الشعاب فمال إليه اسبسيانوس بالعسكر وظفر بالكثير منهم فقتلوهم‏.‏ ثم سار إلى بلاد أدوم ففتحها وسبسطية بلاد السامرة ففتحها أيضاً وعمر جميع ما فتح من البلاد ورجع إلى قيسارية ليزيح علله ويسير إلى القدس‏.‏ ورجع يوحنان أثناء ذلك من الشعاب فغلب على المدينة وعاث فيهم بالقتل وتحكم في أموالهم وأفسد حريمهم‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ وقد كان ثار بالمدينة في مغيب يوحنان ثائر آخر اسمه شمعون واجتمع إليه اللصوص والشرار حتى كثر جمعه وبلغوا نحواً من عشرين ألفاً وبعث إليه أهل أدوم عسكراً فهزمهم واستولى على الضياع ونهب الغلال وبعث إلى إليه المدينة فردها يوحنان من طريقها وقطع من وجد معها‏.‏ ثم أسعفوه بامرأته وسار إلى أدوم فحاربهم وهزمهم وعاد إلى القدس فحاصرها وعظم الضرر على أهلها من شمعون خارج المدينة ويوحنان داخلها ولجأوا إلى الهيكل وحاربوا يوحنان فغلبهم وقتل منهم خلقاً فاستدعوا شمعون لينصرهم من يوحنان فدخل ونقض العهد وفعل أشر من يوحنان‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ ثم ورد الخبر إلى اسبسيانوس وهو بمكانه من قيسارية بموت قيروش قيصر وأن الروم ملكوا عليهم مضعفاً اسمه نطاوس فغضب البطارقة الذي مع اسبسيانوس وملكوه وسار إلى رومة وخلف نصف العسكر مع ابنه طيطش وقدم بين يديه قائدين إلى رومة لمحاربة نطاوس الذي ملكه الروم فهزم وقتل‏.‏ وسار ورجع طيطش إلى قيسارية إلى أن ينسلخ فصل الشتاء ويزيح العلل وعظمت الفتن والحروب بين اليهود داخل القدس وكثر القتل حتى سالت الدماء في الطرقات وقتل الكهنونية على المذبح وهم لا يقربون الصلاة في المسجد لكثرة الدماء وتعذر المشي في الطرقات من سقوط حجارة الرمي ومواقد النيران بالليل‏.‏ وكان يوحنان أخبث القوم وأشرهم‏.‏ ولما انسلخ الشتاء زحف طيطش في عساكر الروم إلى أن نزل على القدس وركب إلى باب البلد يتخير المكان لمعسكره ويدعوهم إلى السلم فصموا عنه وأكمنوا له بعض الخوارج في الطريق فقاتلوه وخلص منهم بشدته فعبى عسكره من الغد ونزل بجبل الزيتون شرقي المدينة ورتب العساكر والآلات للحصار‏.‏ واتفق اليهود داخل المدينة ورفعوا الحرب بينهم وبرزوا إلى الروم فانهزموا ثم عاودوا فظهروا ثم انتقضوا بينهم وتحاربوا داخل يوحنان إلى القدس يوم الفطر فقتل جماعة من الكهنونة وقتل جماعة أخرى خارج المسجد‏.‏ وزحف طيطش وبرزوا إليه فردوه إلى قرب معسكره وبعث إليهم قائده نيقانور في الصلح فأصابه سهم فقتله فغضب طيطش وصنع كبشاً وأبراجاً من الحديد توازي السور وشحنها بالمقاتلة فأحرق اليهود تلك الآلات ودفنوها وعادوا إلى الحرب بينهم‏.‏ وكان يوحنان قد ملك القدس ومعه ستة آلاف أو يزيدون من المقاتلة ومع شمعون عشرة آلاف من اليهود وخمسة آلاف من أدوم وبقية اليهود بالمدينة مع ألعازر وأعاد طيطش الزحف بالآلات وثلم السور الأول وملكه إلى الثاني فاصطلم اليهود بينهم وتذامروا واشتد الحرب وباشرها طيطش بنفسه‏.‏ ثم زحف بالآلات إلى السور الثاني فثلمه وتذامر اليهود فمنعوهم عنه ومكثوا كذلك أربعة أيام‏.‏ وجاء المدد من الجهات إلى طيطش ولاذ اليهود بالأسوار وأغلقوا الأبواب ورفع طيطش الحرب ودعاهم إلى المسالمة فامتنعوا فجاء بنفسه في اليوم الخامس وخاطبهم ودعاهم وجاء معه يوسف بن كريون فوعظهم ورغبهم في أمنة الروم ووعدهم وأطلق طيطش أسراهم فجنح الكثير من اليهود إلى المسالمة ومنعهم هؤلاء الرؤساء الخوارج وقتلوا من يروم الخروج إلى الروم ولم يبق من المدينة ما يعصمهم إلا السور الثالث‏.‏ وطال الحصار واشتد الجوع عليهم والقتل ومن وجد خارج المدينة لرعي العشب قتله الروم وصلبوه حتى رحمهم طيطش ورفع القتل عمن يخرج في ابتغاء العشب‏.‏ ثم زحف طيطش إلى السور الثالث من أربعة جهاته ونصب الآلات وصبر اليهود على الحرب وتذامر اليهود وصعب الحرب وبلغ الجوع في الشدة غايته واستأمن متاي الكوهن إلى الروم وهو الذي خرج في استدعاء شمعون فقتله شمعون وقتل بنيه وقتل جماعة من الكهنونية والعلماء والأئمة ممن حذر منه أن يستأمن ونكر ذلك ألعازر بن عناني ولم يقدر على أكثر من الخروج عرت بيت المقدس وعظمت المجاعة فمات أكثر اليهود وأكلوا الجلود والخشاش والميتة ثم أكل بعضهم بعضاً‏.‏ وعثر على امرأة تأكل ابنها فأصابت رؤساهم لذلك رحمة وأذنوا


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:20

في الناس بالخروج فخرجت منهم أمم وهلك أكثرهم حين أكلوا الطعام‏.‏ وابتلع بعضهم في خروجه ما كان له من ذهب أوجوهر ضنة به وشعر بهم الروم فكادوا يقتلونهم ويشقون عنهم بطونهم وشاع ذلك في توابع العسكر من العرب والأرمن فطردهم طيطش وطمع الروم في فتح المدينة وزحفوا إلى سورها الثالث بالآلات ولم يكن لليهود طاقة بدفعها وإحراقها فثلموا السور‏.‏ وبنى اليهود خلف الثلمة فأصبحت منسدة وصدمها الروم بالكبش فسقطت من الحدة واستماتوا في تلك الحال إلى الليل‏.‏ ثم بيت الروم المدينة وملكوا الأسوار عليهم وقاتلوهم من الغد فانهزموا إلى المسجد وقاتلوا في الحصن وهدم طيطش البناء ما بين الأسوار إلى المسجد ليتسع المجال‏.‏ ووقف ابن كريون يدعوهم إلى الطاعة فلم يجيبوا وخرج جماعة من الكهنونية فأمنهم ومنع الرؤساء بقيتهم ثم باكرهم طيطش بالقتال من الغد فانهزموا الأقداس وملك الروم المسجد وصحنه واتصلت الحرب أياماً وهدمت الأسوار كلها وثلم سور الهيكل وأحاط العساكر بالمدينة حتى مات أكثرهم وفر كثير‏.‏ ثم اقتحم عليهم الحصن فملكه ونصب الأصنام في الهيكل ومنع من تخريبه‏.‏ ونكر رؤساء الروم ذلك ودسوا من أضرم النار في أبوابه وسقفه‏.‏ وألقى الكهنونة أنفسهم جزعاً على دينهم وحزنوا واختفى شمعون ويوحنان في جبل صهيون وبعث إليهم طيطش بالأمان فامتنعوا وطرقوا القدس في بعض الليالي فقتلوا قائداً من قواد العسكر ورجعوا إلى مكان اختفائهم‏.‏ ثم هرب عنهم أتباعهم وجاء يوحنان ملقياً بيده إلى طيطش فقيده وخرج إليه يوشع الكوهن بآلات من الذهب الخالص من آلات المسجد فيها منارتان ومائدتان‏.‏ ثم قبض على فنحاس خازن الهيكل فأطلعه على خزائن كثيرة مملوءة دنانير ودرهم وطيباً فامتلأت يده منها ورحل عن بيت المقدس بالغنائم والأموال والأسرى‏.‏ وأحصى الموتى في هذه الوقعة‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ فكان عدد الموتى الذين خرجوا على الباب للدفن بأخبار مناحيم الموكل به مائة ألف وخمسة وعشرين ألفاً وثمانمائة وقال غير مناحيم كانت عدتهم ستمائة ألف دون من ألقي في الآبار أو طرح إلى خارج الحصن وقتل في الطرقات ولم يدفن‏.‏ وقال غيره كان الذي أحصي من الموتى والقتلى ألف ألف ومائة ألف والسبي والأسارى مائة ألف‏.‏ كان طيطش في كل منزلة يلقي منهم إلى السباع إلى أن فرغوا‏.‏ وكان فيمن هلك شمعون أحد الخوارج الثلاثة‏.‏ وأما الفرار بن عفان فقد كان خرج من القدس عندما قتل شمعون أمتاي الكوهن كما ذكرنا‏.‏ فلما رحل طيطش عن القدس نزل في بعض القرى وحصنها واجتمع إليه فل اليهود واتصل الخبر بطيطش وهو في أنطاكية فبعث إليه عسكراً من الروم مع قائده سلياس فحاصرهم أياماً‏.‏ ثم نهض الكهنونية وأولادهم وخرجوا إلى الروم مستميتين فقاتلوا إلى أن قتلوا عن آخرهم‏.‏ وأما يوسف بن كريون فافتقد أهله وولده في هذه الوقائع ولم يقف لهم بعدها على خبر وأراده طيطش على السكنى عنده برومة فتضرع إليه في البقاء بأرض القدس فأجابه إلى ذلك وتركه وانقرضت دولة اليهود أجمع‏.‏ والبقاء لله وحده سبحانه وتعالى لا انقضاء لملكه‏.‏ عيسى ابن مريم الخبر عن شأن عيسى ابن مريم صلوات الله عليه في ولادته وبعثه ورفعه من الأرض والإلمام بشأن الحواريين بعده وكتبهم الأناجيل الأربعة وديانة النصارى بملته واجتماع الأقسة علي تدوين شريعته‏.‏ كان بنو ماثان من ولد داود صلوات الله عليه كهنونية بيت المقدس‏.‏ وهو ماثان بن ألعازر بن اليهود بن أخس بن رادوق بن عازور بن ألياقيم بن أيود بن زروقابل بن سالات بن يوحنانيا بن يوشيا السادس عشر من ملوك بني إسرائيل بن أمون بن عمون بن منشا بن حزقيا بن أحآز بن يوآش بن أحزيا بن يورام بن يهوشافاط بن أسا بن رحبعم بن سليمان بن داود صلوات الله عليهما‏.‏ ويوحنانيا بن يوشيا السادس عشر من ملوك بني سليمان ولد في جلاء بابل‏.‏ وهذا النسب نقلته من إنجيل متى‏.‏ وكانت الكهنونية العظمى من بعد بني حشمناي لهم وكان كبيرهم قبل عصر هيردوس عمران أبو مريم ونسبه ابن إسحاق إلى أمون بن منشا الخامس عشر من ملوك بيت المقدس من لدن سليمان أبيهم‏.‏ وقال فيه عمران بن ياشم بن أمون وهذا بعيد لأن الزمان بين عمون وعمران أبعد من أن يكون بينهما أب واحد فإن أمون كان قبيل الخراب الأول وعمران كان في دولة هيردوس قبيل الخراب الثاني قريب من أربعمائة سنة‏.‏ ونقل ابن عساكر والظن أنه ينقل عن مسند أنه من ولد زريافيل الذي ولي على بني إسرائيل عند رجوعهم إلى بيت المقدس وهو ابن يخنيا آخر ملوكهم الذي حبسه بختنصر وولى عمه صدقياهو بعده كما مر‏.‏ وقال فيه عمران بن ماثان بن فلان بن فلان إلى زرافيل‏.‏ وعد نحواً من ثمانية آباء بأسماء عبرانية لا وثوق بضبطها وهو أقرب من الأول وفيه ذكر ماثان الذي هو شهرتهم ولم يذكره ابن إسحاق‏.‏ وكان عمران أبو مريم كهنوناً في عصره‏.‏ وكانت تحته حنة بنت فاقود بن فيل وكانت من العابدات وكانت أختها إيشاع ويقال خالتها تحت زكريا بن يوحنا‏.‏ ونسبه ابن عساكر إلى يهوشافاط خامس ملوك المقدس من عهد سليمان أبيهم وعد ما بينه وبين يهوشافاط اثني عشر أباً أولهم يوحنا بأسماء عبرانية كما فعل في نسب عمران‏.‏ ثم قال وهو أبو يحيى صلوات الله عليهما‏.‏ ويقال بالمد والقصر من غير ألف وكان نبياً من بني إسرائيل صلوات الله عليهما‏.‏ ونقلت من كتاب يعقوب بن يوسف النجار مثان يعني ماثان من سبط داود وكان له ولدان يعقوب ويؤاقيم ومات فتزوج أمهما بعده مطنان ومطنان بن لاوي من سبط سليمان بن داود وسمي ماثان فولدت هالي من مطنان‏.‏ ثم تزوج ومات ولم يعقب فتزوج امرأته أخوه لأمه يعقوب بن ماثان فولدت منه يوسف خطيب مريم ونسب إلى هالي‏.‏ لأن من أحكام التوراة إن مات من غير عقب فامرأته لأخيه وأول ولد منهما ينسب إلى الأول‏.‏ فلهذا قيل فيه يوسف بن هالي بن مطنان‏.‏ وإنما هو يوسف بن يعقوب بن ماثان وهو ابن عم مريم لحا‏.‏ وكان ليوسف من البنين خمسة بنين وبنت وهم‏:‏ يعقوب ويوشا وبيلوت وشمعون ويهوذا وأختهم مريم كانوا يسكنون بيت لحم‏.‏ فارتحل بأهله ونزل ناصرة وسكن بها وتعلم النجارة حتى صار يلقب بالنجار‏.‏ وتزوج يؤاقيم حنة أخت إيشاع العاقر امرأة زكريا بن يوحنا المعمدان وأقامت ثلاثين سنة لا يولد لها فدعوا الله وولد لها مريم‏.‏ فهي بنت يؤاقيم موثان وهو مثان‏.‏ وولدت إيشاع العاقر من زكريا


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:20

ابنه يحيى‏.‏ قلت‏:‏ في التنزيل مريم ابنة عمران‏.‏ فليعلم أن معنى عمران بالعبرانية يؤاقيم وكان له اسمان‏.‏ وعن الطبري‏:‏ وكانت حنة أم مريم لا تحبل فنذرت لله إن حملت لتجعلن ولدها حبيساً ببيت المقدس على خدمته على عاداتهم في نذر مثله فلما حملت ووضعتها لفتها في خرقتها وجاءت بها إلى المسجد فدفعتها إلى عباده وهي ابنة إمامهم وكهنونهم فتنازعوا في كفالتها وأراد زكريا أن يستبد بها لأن زوجة إيشاع خالتها‏.‏ ونازعوه في ذلك لمكان أبيها من إمامهم فاقترعوا فخرجت قرعة زكريا عليها فكفلها ووضعها في مكان شريف من المسجد لا يدخله سواها وهو المحراب فيما قيل‏.‏ والظاهر أنها دفعتها إليهم بعد مدة إرضاعها فأقامت في المسجد تعبد الله وتقوم بسدانة البيت في نوبتها حتى كان يضرب بها المثل في عبادتها‏.‏ وظهرت عليها الأحوال الشريفة والكرامات كما قصه القرآن‏.‏ وكانت خالتها إيشاع زوج زكريا أيضاً عاقراً وطلب زكريا من الله ولداً فبشره بيحيى نبياً كما طلب لأنه قال يرثني ويرث من آل يعقوب وهم أنبياء فكان كذلك‏.‏ وكان حاله في نشوئه وصباه عجباً وولد في دولة هيردوس ملك بني إسرائيل وكان يسكن القفار ويقتات الجراد ويلبس الصوف من وبر الإبل وولاه اليهود الكهنونية ببيت المقدس‏.‏ ثم أكرمه الله بالنبوة كما قصه القرآن‏.‏ وكان لعهده علي اليهود بالقدس أنطيقس بن هيردوس وكان يسمى هيردوس باسم أبيه وكان شريراً فاسقاً واغتصب امرأة أخيه وتزوجها ولها ولدان منه ولم يكن ذلك في شرعهم مباحاً فنكر ذلك عليه العلماء والكهنونية وفيهم يحيى بن زكريا المعروف بيوحنا ويعرفه النصارى بالمعدان فقتل جميع من نكر عليه ذلك وقتل فيهم يحيى صلوات الله عليه‏.‏ وقد ذكر في قتله أسباب كثيرة وهذا أقربها إلى الصحة‏.‏ وقد اختلف الناس هل كان أبوه حياً عند قتله فقيل‏:‏ إنه لما قتل يحيى طلبه بنو إسرائيل ليقتلوه ففر أمامهم ودخل في بطن شجرة كرامة له فدلهم عليه طرف ردائه خارجاً منها فشقوها بالمنشار وشق زكريا فيها نصفين وقيل بل مات زكريا قبل هذا والمشقوق في الشجرة إنما هو شعيا النبي وقد مر ذكره‏.‏ وكذلك اختلف في دفنه فقيل دفن ببيت المقدس وهو الصحيح‏.‏ وقال أبو عبيد بسنده إلى سعيد بن المسيب أن بختنصر لما قدم دمشق وجد دم يحيى بن زكريا يغلي فقتل على دمه سبعين ألفاً فسكن دمه‏.‏ ويشكل أن يحيى كان مع المسيح في عصر واحد باتفاق وأن ذلك كان بعد بختنصر بأحقاب متطاولة وفي هذا ما فيه‏.‏ وفي الإسرائيليات من جاء المجوس للبحث عن إيشوع والإنذار به وأنه طلب ابنه يوحنا ليقتله مع من قتل من صبيان بيت لحم فهربت به أمه إلى الشقراء واختفت‏.‏ فطالب به أباه زكريا وهو كهنون في الهيكل فقال لا علم لي هو مع أمه فتهدده وقتله‏.‏ ثم قال‏:‏ بعد قتل زكريا بسنة تولى كهنونية الهيكل يعقوب بن يوسف إلى أن مات هيردوس‏.‏ وأما مريم سلام الله عليها فكانت بالمسجد على حالها من العبادة إلى أن أكرمها الله بالولاية وبين الناس في نبؤتها خلاف من أجل خطاب الملائكة لها‏.‏ وعند أهل السنة أن النبوة مختصة بالرجل قاله أبو الحسن الأشعري وغيره وأدلة الفريقين في أماكنها‏.‏ وبشرت الملائكة مريم باصطفاء الله لها وأنها تلد ولداً من غير أب يكون نبياً فعجبت من ذلك فأخبرتها الملائكة أن الله قادر على ما يشاء فاستكانت وعلمت أنها محنة بما تلقاه من كلام الناس فاحتسبت‏.‏ وفي كتاب يعقوب بن يوسف النجار‏:‏ أن أمها حنة توفيت لثمان سنين من عمر مريم وكان من سنتهم أنها إن لم تقبل التزويج يفرض لها من أرزاق الهيكل‏.‏ فأوحى الله إليه أن يجمع أولاد هارون ويردها إليهم فمن ظهرت في عصاه آية تدفعها إليه تكون له شبه زوجة ولا يقربها‏.‏ وحضر الجمع يوسف النجار فخرج من عصاه حمامة بيضاء ووقفت على رأسه فقال له زكريا‏:‏ هذه عذراء الرب تكون لك شبه زوجة ولا تردها فاحتملها متكرهاً بنت اثنتي عشرة سنة إلى ناصرة فأقامت معه إلى أن خرجت يوماً تستسقي من العين فعرض لها الملاك أولاً وكلمها‏.‏ ثم عاودها وبشرها بولادة عيسى كما نص القرآن فحملت وذهبت إلى زكريا ببيت المقدس فوجدته على الموت وهو يجود بنفسه فرجعت إلى ناصرة‏.‏ ورأى يوسف الحمل فلطم وجهه وخشي الفضيحة مع الكهنونية فيما شرطوا عليه فأخبرته بقول الملاك فلم يصدق‏.‏ وعرض له الملاك في نومه وأخبره أن الذي بها من روح القدس فاستيقظ وجاء إلى مريم فسجد لها وردها إلى بيتها‏.‏ ويقال‏:‏ إن زكريا حضر لذلك وأقام فيهما سنة اللعن الذي أوصى به موسى فلم يصبهما شيء وبرأهما الله‏.‏ ووقع في إنجيل متى أن يوسف خطب مريم ووجدها حاملاً قبل أن يجتمعا فعزم على فراقها خوفاً من الفضيحة فأمر في نومه أن يقبلها‏.‏ وأخبره الملاك بأن المولود منها من روح القدس‏.‏ وكان يوسف صديقاً وولد على فراشه إيشوع انتهى‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:21

وقال الطبري‏:‏ كانت مريم ويوسف بن يعقوب ابن عمها وفي رواية عنه أنه ابن خالها وكانوا سدنة في بيت المقدس لا يخرجان منه إلا لحاجة الإنسان وإذا نفد ماؤهما فيملأن من أقرب المياه‏.‏ فمضت مريم يوماً وتخلف عنها يوسف ودخلت المغارة التي كانت تعهد أنها للورد فتمثل لها جبريل بشراً‏.‏ فذهبت لتجزع فقال لها‏:‏ ‏"‏ [إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكيا[/url] ‏"‏ فاستسقاها‏.‏ وعن وهب بن منبه أنه نفخ في جيب درعها فوصلت النفخة إلى الرحم فاشتملت على عيسى فكان معها ذو قرابة يسمى يوسف النجار وكان في مسجد بجبل صهيون وكان لخدمته عندهم فضل وكانا يجمرانه ويقمانه وكانا صالحين مجتهدين في العبادة‏.‏ ولما رأى ما بها من الحمل استعظمه وعجب منه لما يعلم من صلاحها وأنها لم تغب قط عنه‏.‏ ثم سألها فردت الأمر إلى قدرة الله فسكت وقام بما ينوبها من الخدمة‏.‏ فلما بان حملها أفضت بذلك إلى خالتها إيشاع وكانت أيضاً حبلى بيحيى فقالت لها‏:‏ إني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك‏.‏ ثم أمرت بالخروج من بلدها خشية أن يعيرها قومها ويقتلوا ما في بطنها‏.‏ فاحتملها يوسف إلى مصر وأخذها المخاض في طريقها فوضعته كما قصه القرآن واحتملته على الحمار وأقامت تكتم أمرها من الناس وتتحفظ به حتى بلغ اثنتي عشرة سنة‏.‏ وظهرت عليه الكرامات وشاع خبره فأمرت أن ترجع به إلى إيلياء فرجعت وتتابعت عنه المعجزات وانثال الناس عليه يستشفون ويسألون عن الغيوب‏.‏ قال الطبري‏:‏ وفي خبر السدي أنها إنما خرجت من المسجد لحيض أصابها فكان نفخ الملاك وأن إيشاع خالتها التي سألتها عن الحمل وناظرتها فيه فحجتها بالقدرة وأن الوضع كان في شرقي بيت لحم قريباً من بيت المقدس وهو الذي بنى عليه بعض ملوك الروم البناء الهائل لهذا العهد‏.‏ قال ابن العميد مؤرخ النصارى‏:‏ ولد لثلاثة أشهر من ولادة يحيى بن زكريا ولإحدى وثلاثين من دولة هيردوس الأكبر ولاثنتين وأربعين من ملك أوغسطس قيصر‏.‏ وفي الإنجيل أن يوسف تزوجها ومضى بها ليكتم أمرها في بيت لحم فوضعته هنالك ووضعته في مذود لأنها لم يكن لها موضع نزل‏.‏ وأن جماعة من المجوس بعثهم ملك الفرس يسألون أين ولد الملك العظيم وجاؤوا إلى هيردوس يسألونه وقالوا جئنا لنسجد له‏.‏ وحدثوه بما أخبر الكهان وعلماء النجوم من شأن ظهوره وأنه يولد ببيت لحم‏.‏ وسمع أوغسطس قيصر بخبر المجوس فكتب إلى هيردوس يسأله فكتب له بمصدوقية خبره وأنه قتل فيمن قتل من الصبيان من ابن سنتين فما دونها وكان يوسف النجار قد أمر أن يخرج به إلى مصر فأقام هنالك اثنتي عشرة سنة وظهر عليه الكرامات‏.‏ وهلك هيردوس الذي كان يطلبه وأمر بالرجوع إلى إيليا فرجعوا وظهر صدق شعيا النبي في قوله عنه‏:‏ من مصر دعوتك‏.‏ وفي كتاب يعقوب بن يوسف النجار حذراً من أن يكتب كما أمر أوغسطس في بعض أيامه فجاءها المخاض وهي في طريقها على حمار فصابرته إلى قرية بيت لحم وولدت في غار وسماه إيشوع‏.‏ وأنه لما بلغ سنتين وكان من أمر المجوس ما قدمناه حذر هيردوس من شأنه وأمر أن يقتل الصبيان ببيت لحم‏.‏ فخرج يوسف به وبأمه إلى مصر أمر بذلك في نومه وأقام بمصر سنتين حتى مات هيردوس ثم أمر بالرجوع فرجع إلى ناصرة وظهرت عليه الخوارق من إحياء الموتى وإبراء المعتوهين وخلق الطير وغير ذلك من خوارقه‏.‏ حتى إذا بلغ ثماني سنين كف عن ذلك‏.‏ ثم جاء يوحنان المعمدان من البرية وهو يحيى بن زكريا ونادى بالتوبة والدعاء إلى الدين وقد كان شعيا أخبر أنه يخرج أيام المسيح‏.‏ وجاء المسيح من الناصرة ولقيه بالأردن فعمده يوحنان وهو ابن ثلاثين سنة‏.‏ ثم خرج إلى البرية واجتهد في العبادة والصلاة والرهبانية‏.‏ واختار تلامذته الاثني عشر‏:‏ سمعان بطرس وأخوه أندراوس ويعقوب بن زبدي وأخوه يوحنا وفيلبس وبرتولوماوس وتوما ومتى العشار ويعقوب بن حلفا وتداوس وسمعان القناني يهوذا الإسخريوطي‏.‏ وشرع في إظهار المعجزات ثم قبض هيردوس الصغير على يوحنان وهو يحيى بن زكريا لنكيره عليه في زوجة أخيه فقتله ودفن بنابلس‏.‏ ثم شرع المسيح الشرائع من الصلاة والصوم وسائر القربات وحلل وحرم وانزل عليه الإنجيل وظهرت على يديه الخوارق والعجائب‏.‏ وشاع ذكره في النواحي واتبعه الكثير من بني إسرائيل وخافه رؤساء اليهود على دينهم وتآمروا في قتله وجمع عيسى الحواريين فباتوا عنده ليلتين يطعمهم ويبالغ في خدمتهم بما استعظموه‏.‏ قال‏:‏ وإنما فعلته لتتأسوا به‏.‏ وقال


عدل سابقا من قبل محمد منسى في الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:23 عدل 1 مرات
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:21

يعظهم‏:‏ ليكفرن بي بعضكم قبل أن يصيح الديك ثلاثاً ويبيعني أحدكم بثمن بخس وتأكلوا ثمني‏.‏ ثم افترقوا‏.‏ وكان اليهود قد بعثوا العيون عليهم فأخذوا شمعون من الحواريين فتبرأ منهم وتركوه وجاء يهوذا الإسخريوطي وبايعهم على الدلالة عليه بثلاثين درهماً‏.‏ وأراهم مكانه الذي كان يبيت فيه وأصبحوا به إلى فلاطش النبطي قائد قيصر على اليهود وحضر جماعة الكهنونية وقالوا‏:‏ هذا يفسد ديننا ويحل نواميسنا ويدعي الملك فاقتله‏!‏ وتوقف فصاحوا به وتوعدوه بإبلاغ الأمر إلى قيصر فأمر بقتله‏.‏ وكان عيسى قد أبلغ الحواريين بأنه يشبه على اليهود في شأنه فقتل ذلك الشبه وصلب وأقام سبعاً وجاءت أمه تبكي عند الخشبة‏.‏ فجاءها عيسى وقال‏:‏ ما لك تبكي قالت عليك‏!‏ قال إن الله رفعني ولم يصبني إلا خير وهذا شيء شبه لهم وقولي للحواريين يلقوني بمكان كذا‏.‏ فانطلقوا إليه وأمرهم بتبليغ رسالته في النواحي كما عين لهم من قبل‏.‏ وعند علماء النصارى أن الذي بعث من الحواريين إلى رومة بطرس ومعه بولس من الأتباع ولم يكن حوارياً وإلى أرض السودان والحبشة - ويعبرون عن هذه الناحية بالأرض التي تأكل أهلها والناس - متى العشار وأندراوس إلى أرض بابل والمشرق توماس وإلى أرض أفريقية فيلبس وإلى أفسوس قرية أصحاب الكهف يوحنا وإلى أورشليم وهي بيت المقدس يوحنا وإلى أرض العرب والحجاز برتلوماوس وإلى أرض برقة والبربر شمعون القناني‏.‏ قال ابن إسحاق‏:‏ ثم وثب اليهود على بقية الحواريين يعذبونهم ويفتنونهم‏.‏ وسمع القيصر بذلك وكتب إليه فلاطش النبطي قائده بأخباره ومعجزاته وبغي اليهود عليه وعلى يوحنان قبله فأمرهم بالكف عن ذلك‏.‏ ويقال قتل بعضهم‏.‏ وانطلق الحواريون إلى الجهات التي بعثهم إليها عيسى فآمن به بعض وكذب بعض‏.‏ ودخل يعقوب أخو يوحنان إلى رومة فقتله غاليوس قيصر وحبس شمعون ثم خلص وسار إلى أنطاكية ثم رجع إلى رومة أيام قلوديش قيصر بعد غاليوس وأتبعه كثير من الناس وآمن به بعض نساء القياصرة وأخبرها بخبر الصليب فدخلت إلى القدس وأخرجته من تحت الزبل والقمامات بمكان الصلب وغشته بالحرير والذهب وجاءت به إلى رومة‏.‏ وأما بطرس كبير الحواريين وبولص اللذان بعثهما عيسى صلوات الله عليه إلى رومة فإنهما مكثا هنالك يقيمان دين النصرانية ثم كتب بطرس الإنجيل بالرومية ونسبه إلى مرقص تلميذه وكتب متى إنجيله بالعبرانية في بيت المقدس ونقله من بعد ذلك يوحنان بن زبدي إلى رومة‏.‏ وكتب لوقا إنجيله بالرومية وبعثه إلى بعض أكابر الروم وكتب يوحنا بن زبدي إنجيله برومة ثم اجتمع الرسل الحواريون برومة ووضعوا القوانين الشرعية لدينهم صيروها بيد إقليمنطس تلميذ بطرس وكتبوا فيها عد الكتب التي يجب قبولها‏.‏ فمن القديمة التوراة خمسة أسفار وكتاب يوشع بن نون وكتاب القضاة وكتاب راعوث وكتاب يهوذا وأسفار الملوك أربعة كتب وسفر بنيامين وسفر المقباسين ثلاثة كتب وكتاب عزرا الإمام وكتاب أشير وكتاب قصة هامان وكتاب أيوب الصديق ومزامير داود النبي وكتب ولده سليمان خمسة ونبوات الأنبياء الصغار والكبار ستة عشر كتاباً وكتاب يشوع بن شارخ‏.‏ ومن الحديثة كتب الإنجيل الأربعة وكتب القتاليقون سبع رسائل وكتاب بولس أربع عشرة رسالة والإيركسيس وهو قصص الرسل ويسمى أفليمد ثمانية كتب تشتمل على كلام الرسل وما أمروا به ونهوا عنه‏.‏ وكتاب النصارى الكبار إلى أساقفتهم الذين يسمون البطارقة ببلاد معينة يعلمون بها دين النصرانية فكان برومة بطرس الرسول الذي بعثه عيسى صلوات الله عليه وكان ببيت المقدس يعقوب النجار وكان بالإسكندرية مرقص تلميذ بطرس وكان بييزنطية وهي قسطنطيينة أندرواس الشيخ وكان بأنطاكية‏.‏ وكان صاحب هذا الدين عندهم والمقيم لمراسمه يسمونه البطرك‏.‏ وهو رئيس الملة وخليفة المسيح فيهم ويبعث نوابه وخلفاءه إلى من بعد عنهم من أمم النصرانية ويسمونه الأسقف أي نائب البطرك ويسمون القرا بالقسيس وصاحب الصلاة بالجاثليق وقومة المسجد بالشمامسة والمنقطع الذي حبس نفسه في الخلوة للعبادة بالراهب والقاضي بالمطران ولم يكن بمصر لذلك العهد أسقف إلى أن جاء دهدس الحادي عشر من أساقفة إسكندرية وكان بطرك أساقفة بمصر وكان الأساقفة يسمون البطرك أباً والقسوس يسمون الأساقفة أباً فوقع الإشتراك في اسم الأب فاخترع اسم البابا لبطرك الإسكندرية ليتميز عن الأسقف في اصطلاح القسوس ومعناه أبو الآباء فاشتهر هذا الاسم ثم انتقل إلى بطرك رومة لأنه صاحب كرسي بطرس كبير الحواريين ورسول المسيح وأقام على ذلك لهذا العهد يسمى البابا‏.‏ ثم جاء بعد قلوديش قيصر نيرون قيصر فقتل بطرس كبير الحواريين وبولص اللذين بعثهما عيسى صلوات الله عليه إلى رومة وجعل مكان بطرس أرنوس برومة وقتل مرقص الإنجيلي تلميذ بطرس وكان بالإسكندرية يدعو إلى الدين سبع سنين ويبعثه في نواحي مصر وبرقة والمغرب‏.‏ وقتله نيرون وولى بعده حنينيا وهو أول البطاركة عليها بعد الحواريين وثار اليهود في دولته على أسقف بيت المقدس وهو يعقوب النجار وهدموا البيعة ودفنوا الصليب إلى أن أظهرته هيلانة أم قسطنطين كما نذكره بعد‏.‏ وجعل نيرون مكان يعقوب النجار ابن عمه شمعون بن كيافا‏.‏ ثم اختلفت حال القياصرة من بعد ذلك في الأخذ بهذا الدين وتركه كما يأتي في أخبارهم إلى أن جاء قسطنطين بن قسطنطين باني المدينة المشهورة وكانت في مكانها قبله مدينة صغيرة تسمى بيزنطية‏.‏ وكانت أم هيلانة صالحة فأخذت بدين المسيح لاثنتين وعشرين سنة من ملك قسطنطين ابنها‏.‏ وجاءت إلى مكان الصليب فوقفت عليه وترحمت وسألت عن الخشبة التي صلب عليها بزعمهم فأخبرت بما فعل اليهود فيها وأنهم دفنوها وجعلوا مكانها مطرحاً للقمامة والنجاسة والجيف والقاذورات‏.‏ فاستعظمت ذلك واستخرجت تلك الخشبة التي صلب عليها بزعمهم‏.‏ وقيل من علامتها أن يمسها ذو العاهة فيعافى لوقته فطهرتها وطيبتها وغشتها بالذهب والحرير ورفعتها عندها للتبرك بها وأمرت ببناء كنيسة هائلة بمكان الخشبة تزعم أنها قبره وهي التي تسمى لهذا العهد قمامة‏.‏ وخربت مسجد بني إسرائيل وأمرت بأن تلقى القاذورات والكناسات على الصخرة التي كانت عليها القبة التي هي قبلة اليهود إلى أن أزال ذلك عمر بن الخطاب رضي الله تعالى


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:22

عنه عند فتح بيت المقدس كما نذكره هنالك‏.‏ وكان من ميلاد المسيح إلى وجود الصليب ثلثمائة وثمان وعشرون سنة‏.‏ وأقام هؤلاء النصرانية بطاركتهم وأساقفتهم على إقامة دين المسيح على ما وضعه الحواريون من القوانين والعقائد والأحكام‏.‏ ثم حدث بينهم اختلاف في العقائد وسائر ما ذهبوا إليه من الإيمان بالله وصفاته وحاش لله وللمسيح وللحواريين أن يذهبوا إليه وهو معتقدهم التثليث‏.‏ وإنما حملهم عليه ظواهر من كلام المسيح في الإنجيل لم يهتدوا إلى تأويلها ولا وقفوا على فهم معانيها مثل قول المسيح حين صلب بزعمهم أذهب إلى أبي وأبيكم‏.‏ وقال افعلوا كذا وكذا من البر لتكونوا أبناء أبيكم في السماء وتكونوا تامين‏.‏ كما أن أباكم الذي في السماء تام‏.‏ وقال له في الإنجيل‏:‏ إنك أنت الابن الوحيد‏.‏ وقال لشمعون الصفا أنك ابن الله حقاً فلما أثبتوا هذه الأبوة من ظاهر هذا اللفظ زعموا أن عيسى ابن مريم من أب قديم‏.‏ وكان اتصاله بمريم تجسد كلمة منه مازجت جسد المسيح وتدرعت به فكان مجموع الكلمة والجسد ابناً وهو ناسوق كلي قديم أزلي‏.‏ وولدت مريم إلهاً أزلياً والقتل والصلب وقع على الجسد والكلمة ويعبرون عنهما بالناسوت واللاهوت‏.‏ وأقاموا على هذه العقيدة ووقع بينهم فيها اختلاف وظهرت مبتدعة من النصرانية اختلفت أقوالهم الكفرية كان من أشدهم ابن دنصان ودافعهم هؤلاء الأساقفة والبطاركة عن معتقدهم الذين كانوا يزعمونه حقاً وظهر يونس الشميصاتي بطرك أنطاكية بعد حين أيام أفلوديس قيصر فقال بالوحدانية ونفى الكلمة والروح وتبعه جماعة على ذلك‏.‏ ثم مات فرد الأساقفة مقالته وهجروها ولم يزالوا على ذلك إلى أيام قسطنطين بن قسطنطين فتنصر ودخل في دينهم وكان باسكندرية أسكندروس البطرك وكان لعهده أريوس من الأساقفة وكان يذهب إلى حدوث الابن وأنه إنما خلق الخلق بتفويض الأب إليه في ذلك فمنعه إسكندروس الدخول إلى الكنيسة وأعلم أن إيمانه فاسد وكتب بذلك إلى سائر الأساقفة والبطاركة في النواحي‏.‏ وفعل ذلك بأسقفين آخرين على مثل رأي أبي أريوس فدفعوا أمرهم إلى قسطنطين وأحضرهم جميعاً لتسع عشرة من دولته وتناظروا‏.‏ ولما قال أريوس إن الابن حادث وأن الأب فوض إليه بالخلق‏.‏ وقال الإسكندروس بالخلق استحق الألوهية فاستحسن قسطنطين قوله وأذن له أن يشيد بكفر أريوس‏.‏ وطلب الإسكندروس باجتماع النصرانية لتحرير المعتقد الإيماني فجمعهم قسطنطين وكانوا ألفين وثلثمائة وأربعين أسقفاً وذلك في مدينة نيقية فسمى المجتمع مجتمع نيقية وكان رئيسهم الإسكندروس بطرك إسكندرية وأسطانس بطرك أنطاكية ومقاريوس أسقف بيت المقدس‏.‏ وبعث سلطوس بطرك رومة بقسيس حضر معهم لذلك نيابة عنه فتفاوضوا وتناظروا واتفقوا عنهم بعد الاختلاف الكثير على ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفاً على رأي واحد فصار قسطنطين إلى قولهم وأعطى سيفه وخاتمه وباركوا عليه ووضعوا له قوانين الدين والملك ونفي أريوس وأشيد بكفره وكتبوا العقيدة التي اتفق عليها أهل ذلك المجمع ونصها عندهم على ما نقله ابن العميد من مؤرخيهم والشهرستاني في كتاب الملل والنحل وهو‏:‏ نؤمن بالله الواحد الأحد الأب مالك كل شيء وصانع ما يرى وما لا يرى وبالأبن الوحيد إيشوع المسيح ابن الله ذكر الخلائق كلها وليس بمصنوع إله حق من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوالم وكل شيء الذي من أجلنا ومن أجل خلاصنا بعث العوالم وكل شيء الذي نزل من السماء وتجسد من روح القدس وولد من مريم البتول وصلب أيام فيلاطوس ودفن ثم قام في اليوم الثالث وصعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه وهو مستعد للمجيء تارة أخرى بالقضاء بين الأحياء والأموات ونؤمن بروح الواحد روح الحق الذي يخرج من أبيه وبمعمودية واحدة لغفران الخطايا وبجماعة قدسية مسيحية جاثليقية وبقيام أبداننا بالحياة الدائمة أبد الآبدين انتهى‏.‏ هذا هو اتفاق المجمع الأول الذي هو مجمع نيقية وفيه إشارة إلى حشر الأبدان ولا يتفق النصارى عليه وإنما يتفقون على حشر الأرواح ويسمون هذه العقيدة الأمانة‏.‏ ووضعوا معها قوانين الشرائع ويسمونها الهيمايون‏.‏ وتوفي الإسكندروس البطرك بعد هذا المجمع بخمسة أشهر ولما عمرت هلانة أم قسطنطين الكنائس وأحب الملك أن يقدسها ويجمع الأساقفة لذلك وبعث أوسانيوس بطرك القسطنطينية وحضر معهم أثناس بطرك الإسكندرية واجتمعوا في صور وكان أوسانيوس الذي أخرجه إسكندروس مع أريوس من كنيسة إسكندرية‏.‏ وكان بسبب ذلك مجمع نيقية وكتاب الأمانة‏.‏ ونفي أريوس حينئذ وأوسانيوس وصاحبهما ولعنوا‏.‏ وجعله بطركاً بالقسطنطينية فلما اجتمعوا في صور وكان فيهم أومانيوس على رأي أريوس فأشار أوسانيوس بطرك القسطنطينية بأن يظاهر أثناس بطرك الإسكندرية عن مقالة أريوس فقال أرمانيوس‏:‏ إن أريوس لم يقل إن المسيح خلق العالم‏:‏ وإنما قال هو كلمة الله التي بها خلق كما وقع في الإنجيل‏.‏ فقال أثناس بطرك الإسكندرية‏:‏ وهذا الكلام أيضاً يقتضي أن الابن مخلوق وأنه خلق المخلوقات دون الأب‏.‏ لأنه إذا كان يخلق به فالأب لم يخلق شيء لأنه مستعين بغيره والفاعل بغيره محتاج إلى ذلك المتمم فهو في ذاته خالق والله سبحانه منزه عن ذلك‏.‏ وإن زعم أريوس أن الأب يريد الشيء والابن يكونه فقد جعل فعل الابن أتم لأن الأب إنما له الإرادة فقط وللابن الاختراع فهو أتم‏.‏ فلما ظهر بطلان مقالة أريوس وثبوا على أرمانيوس المناظر عن مقالة أريوس وضربوه ضرباً وجيعاً وخلصه ابن أخت الملك ثم قدوا الكنائس وانفض الجمع وبلغ الخبر إلى قسطنطين فندم على بطركية أرمانيوس بالقسطنطينية وغضب عليه ومات لسنتين من رياسته‏.‏ واجتمع بعد ذلك أصحاب أريوس إلى قسطنطين فحسنوا له تلك المقالة وأن جماعة نيقية ظلموا أريوس وبغوا عليه وصدوا عن الحق في قولهم إن الأب مساو للابن في الجوهرية وكاد الملك أن يقبل منهم‏.‏ فكتب إليه كيراش أسقف بيت المقدس يحذره من مقالة أريوس فقبل ورجع‏.‏ واختلف حال ملوك القياصرة بعد قسطنطين في الأخذ بالأمانة أو بمقالة أريوس وظهور إحدى الطائفتين متى كان الملك على دينهم‏.‏ وأفحش بعض ملوك القياصرة في الحق على مخالفه فقال له بعض العلماء والحكماء‏:‏ لا تنكر المخالفة فالحنفاء يختلفون أيضاً وإنما هم الخلق يحمدون الله ويصفونه بالصفات الكثيرة والله يحب ذلك فسكن بعض الشيء وكان بعضهم يعرض على الطائفتين ويخلي كل أحد ودينه‏.‏ ثم كان المجمع الثاني بقسطنطينية بعد مجمع نيقية بمائتين وخمسين سنة‏.‏ اجتمعوا للنظر في مقالة مقدونيوس وسليوس بأن جسد المسيح بغير ناسوت وأن اللاهوت أغناه عنها مستدلين بما وقع في الإنجيل أن الكلمة صار لحماً ولم يقل صار إنساناً وجعلا من الإله عظيماً وأعظم منه والأب أفضل عظماً‏.‏ وقال‏:‏ إن الأب غير محدود في القوة وفي الجوهر فأبطلوا هذه المقالة ولعنوهما وأشادوا بكفرهما وزادوا في الأمانة التي قررها جماعة نيقية ما نصه‏:‏ ونؤمن بروح القدس المنتقى من الأب‏.‏ ولعنوا من يزيد بعد ذلك على كلمة الأمانة أوينقص منها‏.‏ ثم كان لهم بعد ذلك بأربعين سنة المجمع الثالث على نسطوريوس نوسق البطرك بالقسطنطينية لأنه كان يقول‏:‏ إن مريم لم تلد إلهاً وإنما ولدت إنساناً وإنما اتحد به في المشيئة لا في الذات وليس هو إله حقيقة بل بالموهبة والكرامة‏.‏ ويقول بجوهرين وأقنومين وهذا الرأي الذي أظهره نسطوريوس كان رأي تاودوس وديودس الأسقفين وكان من مقالتهما أن المولود من مريم هو المسيح والمولود من الأب هو الابن الأزلي والابن الأزلي حل في المسيح المحدث فسمي المسيح ابن الله بالموهبة والكرامة‏.‏ وإنما الاتحاد بالمشيئة والإرادة فأثبتوا لله ولدين أحدهما بالجوهر والثاني بالنعمة‏.‏ وبلغت مقالة نسطوريوس إلى كرلس بطرك إسكندرية فكتب إلى بطرك رومة وهو أكليمس وإلى يوحنا وهو بطرك أنطاكية وإلى يونالوس أسقف بيت المقدس فكتبوا إلى نسطوريوس ليدفعوه عن ذلك بالحجة فلم يرجع ولا التفت إلى قولهم‏.‏ فاجتمعوا في مدينة أفسيس في مائتين أسقفاً للنظر في مقالته فقرروا إبطالها ولعنوه وأشادوا بكفره‏.‏ ووجد عليهم يوحنا بطرك إنطاكية حيث لم ينتظروا حضوره فخالفهم ووافق نسطوريوس ثم أصلح بينهم باوداسوس من بعد مدة واتفقوا على نسطوريوس وكتب أساقفة المشارقة أمانتهم وبعثوا بها إلى كرلس فقبلها‏.‏ ونفى نسطوريوس إلى صعيد مصر فنزل أخميم ومات بها لسبع سنين من نزولها وظهرت مقالته في نصارى المشرق وبفارس والعراق والجزيرة والموصل إلى الفرات‏.‏ وكان بعد ذلك بإحدى وعشرين سنة المجمع الرابع بمدينة خلقدونية اجتمع فيه ستمائة وأربعة وثلاثون أسقفاً من فتيان قيصر للنظر في مقالة ديسقورس بطرك الإسكندرية لأنه كان يقول‏:‏ المسيح جوهر من جوهرين وأقنوم من أقنومين وطبيعة من طبيعتين ومشيئة من مشيئتين‏.‏ وكانت الأساقفة والبطاركة لذلك العهد يقولون بجوهرين وطبيعتين ومشيئتين وأقنوم واحد فخالفهم ديسقورس في بعض الأساقفة وكتب خطه بذلك ولعن من يخالفه‏.‏ فأراد مرقيان قيصر قتله فأشارت البطارقة بإحضاره وجمع الأساقفة لمناظرته فحضر بمجلس مرقيان قيصر وافتضح في مخاطبتهم ومناظرتهم‏.‏ وخاطبته زوج الملك فأساء الرد فلطمته بيدها وتناوله الحاضرون بالضرب‏.‏ وكتب مرقيان قيصر إلى أهل مملكته في جميع النواحي بأن مجمع خلقدونية هو الحق ومن لا يقبله يقتل‏.‏ ومر ديسقوروس بالقدس وأرض فلسطين وهو مضروب منفي فاتبعوا رأيه وكذلك اتبعه أهل مصر والإسكندرية وولى وهو في النفي أساقفة كثيرة كلهم يعقوبية‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وإنما سمي أهل مذهب ديسقورس يعقوبية لأن اسمه كان في الغلمانية يعقوب وكان يكتب إلى المؤمنين من المسكين المنفي يعقوب‏.‏ وقيل بل كان له تلميذ اسمه يعقوب فنسبوا إليه‏.‏ وقيل بل كان شاويرش بطرك أنطاكية على رأي ديسقورس وكان له تلميذ اسمه يعقوب فكان شاويرش يبعث يعقوب إلى المؤمنين ليثبتوا على أمانة ديسقورس فنسبوا إليه‏.‏ قال‏:‏ ومن جمع خلقدونية افترقت الكنائس والأساقفة إلى يعقوبية وملكية ونسطورية‏.‏ فاليعقوبية أهل مذهب ديسقورس الذي قررناه أنفاً‏.‏ والملكية أهل الأمانة التي قررها جماعة نيقية وجماعة خلقدونية بعدهم وعليها جمهور النصرانية‏.‏ والنسطورية أهل المجمع الثالث وأكثرهم بالمشرق‏.‏ وبقي الملكية واليعقوبية يتعاقبون في الرياسة على الكراسي بحسب من يريدهم من القياصرة وما يختارونه من المذهبين‏.‏ ثم كان بعد ذلك بمائة وثلاثين سنة أوثلاث وستين سنة المجمع الخامس بقسطنطينية في أيام يوسطانوس قيصر للنظر في مقالة أقفسح لأنه نقل عنه أنه يقول بالتناسخ وينكر البعث‏.‏ ونقل عن أساقفة أنقرا والمصيصة والرها أنهم يقولون‏:‏ إن جسد المسيح فنطايسا‏:‏ فأحضر قيصر جمعهم بالقسطنطينية ليناظرهم البطرك بها‏.‏ فقال البطرك‏:‏ إن كان جسد المسيح فني فقوله وفعله كذلك‏.‏ وقال الأسقف أقفسح‏:‏ إنما قام المسيح من بين الأموات ليحقق البعث والقيامة فكيف تنكر ذلك أنت وجمع لهم مائة وعشرين أسقفاً فأشادوا بكفره وأوجبوا لعنتهم ولعنة من يقول بقولهم‏.‏ واستقرت فرق النصارى على هذه الثلاثة‏.‏ الفرس الخبرعن الفرس وذكر أيامهم ودولهم وتسمية ملوكهم وكيف كان مصير أمرهم إلى تمامه وانقراضه‏.‏ هذه الأمة من أقدم أمم العالم وأشدهم قوة وآثاراً في الأرض وكانت لهم في العالم دولتان عظيمتان طويلتان الأولى منهما الكينية ويظهر أن مبتدأها ومبتدأ دولة التبابعة وبني إسرائيل واحد وأن الثلاثة متعاصرة‏.‏ ودولة الكينية هذه هي التي غلب عليها الإسكندر والساسانية الكسراوية ويظهر أنها معاصرة لدولة الروم بالشام وهي التي غلب عليها المسلمون‏.‏ وأما ما قبل هاتين الدولتين فبعيد وأخباره متعارضة‏.‏ ونحن ذاكرون ما اشتهر من ذلك‏.‏ وأما أنسابهم فلا خلاف بين المحققين أنهم من ولد سام بن نوح وأن جدهم الأعلى الذي ينتمون إليه هو فرس‏.‏ والمشهور أنهم من ولد إيران بن أشوذ بن سام بن نوح وأرض إيران هي بلاد الفرس‏.‏ ولما عربت قيل لها إعراق‏.‏ هذا عند المحققين‏.‏ وقيل‏:‏ إنهم منسوبون إلى إيران بن إيران بن أشوذ‏.‏ وقيل إلى غليم بن سام‏.‏ ووقع في التوراة ذكر ملك الأهواز كردامر من بني غليم‏.‏ فهذا أصل هذا القول والله أعلم‏.‏ لان الأهواز من ممالك بلاد فارس‏.‏ وقيل‏:‏ إلى لاوذ بن إرم بن سام وقيل إلى أميم بن لاوذ وقيل إلى يوسف بن يعقوب بن إسحاق‏.‏ ويقال إن الساسانية فقط من ولد إسحاق وأنه يسمى عندهم وترك وأن جدهم منوشهر بن منشحر بن فرهس بن وترك‏.‏ هكذا نقل المسعودي هذه الأسماء وهي كما تراه غير مضبوطة‏.‏ وفيما قيل‏:‏ إن الفرس كلهم من ولد إيران بن أفريدون الآتي ذكره وأن من قبله لا يسمون بالفرس والله أعلم‏.‏ وكان أول ما ملك إيران أرض فارس‏.‏ فتوارث أعقابه الملك ثم صارت لهم خراسان ومملكة النبط والجرامقة‏.‏ ثم اتسعت مملكتهم إلى الإسكندرية غرباً وباب الأبواب شمالاً‏.‏ وفي الكتب أن أرض إيران هي أرض الترك وعند الإسرائيليين أنهم من ولد طيراس بن يافث وإخوتهم بنو مادي بن يافث وكانوا مملكة واحدة‏.‏ فأما علماء الفرس ونسابتهم فيأبون من هذا كله وينسبون الفرس إلى كيومرث ولا يرفعون نسبه إلى ما فوقه‏.‏ ومعنى هذا الاسم عندهم ابن الطين وهو عندهم أول ابن الطين وهو عندهم أول النسب‏.‏ هذا رأيهم وأما مواطن الفرس فكانت أول أمرهم بأرض فارس وبهم سميت‏.‏ ويجاورهم إخوانهم في نسب أشوذ بن سام وهم فيما قال البيهقي الكرد والديلم والخزر والنبط والجرامقة‏.‏ ثم صارت لهم خراسان ومملكة النبط والجرامقة وسائر هؤلاء الأمم‏.‏ ثم اتسعت ممالكهم إلى الإسكندرية‏.‏ وفي هذا الجيل على ما اتفق عليه


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:26

المؤرخون أربع طبقات
الطبقة الأولى تسمى البيشدانية والطبقة الثانية تسمى الكينية والطبقة الثالثة تسمى الأشكانية والطبقة الرابعة تسمى الساسانية ومدة ملكهم في العالم على ما نقل ابن سعيد عن كتاب تاريخ الأمم لعلي بن حمزة الأصبهاني وذلك من زمن كيومرث أبيهم إلى مهلك يزدجرد أيام عثمان أربعة آلاف سنة ومائتا سنة ونحو إحدى وثمانين سنة‏.‏ وكيومرث عندهم هو أول ملك نصب في الأرض ويزعمون فيما قال المسعودي‏:‏ أنه عاش ألف سنة وضبطه بكاف أول الاسم قبل الياء المثناة من أسفل والسهيلي ضبطه بجيم مكان الكاف والظاهر أن الحرف بين الجيم والكاف كما قدمناه‏.‏ الطبقة الأولى من الفرس وهي البيشدانية M0 وذكر ملوكهم وما صار إليه في الخليقة أحوالهم الفرس كلهم متفقون على أن كيومرث هو آدم الذي هو أول الخليقة وكان له ابن اسمه منشا ولمنشا سيامك ولسيامك أفروال ومعه أربعة بنين وأربع بنات ومن أفروال كان نسل كيومرث والباقون انقرضوا فلا نعرف لهم عقب‏.‏ قالوا وولد لأفروال أوشهنك بيشداد‏.‏ فاللفظة الأولى حرفها الأخير بين الكاف والقاف والجيم واللفظة الأخرى معناها بلغتهم النور‏.‏ قاله السهيلي وقال الطبري‏:‏ أول حاكم بالعدل‏.‏ وكان أفروال وارث ملك كيومرث وملك الأقاليم السبعة‏.‏ قال الطبري عن ابن الكلبي إنه أوشهنك ابن عابر بن شالخ‏.‏ قال والفرس تدعيه وتزعم أنه بعد آدم بمائتي سنة‏.‏ قال وإنما كان نوح بعد آدم بمائتي سنة فصيره بعد آدم‏.‏ وأنكره الطبري لأن شهرة أوشهنك تمنع من مثل هذا الغلط فيه‏.‏ ويزعم بعض الفرس أن أوشهنك بيشداد هو مهلايل وأن أباه أفروال هو قينن وأن سيامك هو أنوش وأن منشا هو شيت وأن كيومرث هو آدم‏.‏ بمائتي سنة‏.‏ وقال بعض علماء الفرس‏:‏ إن كيومرث هو كومر بن يافث بن نوح وأنه كان معمراً ونزل جبل دنباوند من جبال طبرستان وملكها ثم ملك فارس وعظم أمره وأمر بنيه حتى ملكوا بابل‏.‏ وأن كيومرث هو الذي بنى المدن والحصون واتخذ الخيل تسمى بآدم وحمل الناس على دعائه بذلك‏.‏ وأن الفرس من عقب ولده ماداي ولم يزل الملك في عقبهم في الكينية والكسروية إلى آخر أيامهم‏.‏ وتقول الفرس أن أوشهنك وهو مهلايل ملك الهند‏.‏ قالوا وملك بعد أوشهنك طهمورث بن أنوجهان بن أنكهد بن أسكهد بن أوشهنك وقيل مكان أسكهد فيشداد‏.‏ وكلها أسماء أعجمية لا عهدة علينا في نقلها لعجمتها وانقطاع الرواية في الأصول التي نقلت منها‏.‏ قال ابن الكلبي إن طهمورث أول ملوك بابل وأنه ملك الأقاليم كلها وكان محموداً في ملكه وفي أول سنة من ملكه ظهر بيوراسب ودعا إلى ملة الصابئة‏.‏ وقال علماء الفرس‏:‏ ملك بعد طهمورث جمشيد ومعناه الشجاع لجماعة وهو جم بن نوجهان أخو طهمورث وملك الأرض واستقام أمره‏.‏ ثم بطر النعمة وساءت أحواله فخرج عليه قبل موته بسنة بيوراسب وظفر به فنشره بمنشار وأكله وشرط أمعاءه‏.‏ وقيل إنه ادعى الربوبية فخرج عليه أولاً أخوه أستوير فاختفى‏.‏ ثم خرج بيوراسب فانتزع الأمر من يده وملك سبعمائة سنة‏.‏ وقال ابن الكلبي مثل ذلك قال الطبري بيوراسب هو الأزدهاك والعرب تسميه الضحاك وهو بصاد بين السين والزاي وحاء قريب من الهاء وكاف قريبة من القاف‏.‏ وهو الذي عنى أبو نواس بقوله‏:‏ وكان منا الضحاك تعبده الجامل والجن في محاربها لأن اليمن تدعيه‏.‏ قال‏:‏ وتقول العجم‏:‏ إن جمشيد زوج أخته من بعض أهل بيته وملك على اليمن فولدت الضحاك‏.‏ وتقول أهل اليمن في نسبه‏:‏ الضحاك بن علوان بن عبيدة بن عويج وأنه بعث على مصر أخاه سنان بن علوان ملكاً وهو فرعون إبراهيم‏.‏ قاله ابن الكلبي‏.‏ وأما الفرس فينسبونه هكذا‏:‏ بيوراسب بن رتيكان بن يدوشتك بن فارس بن أفروال ومنهم من خالف في هذا‏.‏ ويزعمون أنه ملك الأقاليم كلها وكان ساحراً كافراً وقتل أباه وكان أكثر إقامته ببابل‏.‏ وقال هشام‏:‏ ملك الضحاك وهو نمرود الخليل بعد جمشيد وأنه التاسع منهم وكان مولده بدنباوند وأن الضحاك سار إلى الهند فخالفه أفريدون إلى بلاده فملكها‏.‏ ورجع الضحاك فظفر به أفريدون وحبسه بجبال دنباوند واتخذ يوم ظفر به عيداً‏.‏ وعند الفرس أن الملك إنما كان للبيت الذي وطنه أوشهنك وجمشيد وأن الضحاك هو بيوراسب خرج عليهم وبنى بابل وجعل النبط جنده وغلب أهل الأرض بسحره وخرج عليه رجل من عامة أصبهان اسمه عالي وبيده عصا علق فيها جراباً واتخذها راية ودعا الناس إلى حربه فأجابوا وغلبه فلم يدع الملك وأشار بتولية بني جمشيد لأنه من عقب أوشهنك ملكهم الأول بن أفروال فاستخرجوا أفريدون من مكان اختفائه فملكوه واتبع الضحاك فقتله‏.‏ وقيل أسره بدنباوند‏.‏ ويقال كان على عهد نوح وإليه بعث‏.‏ ولهذا يقال‏:‏ إن أفريدون هو نوح‏.‏ والتحقيق عند نسابة الفرس على ما نقل هشام بن الكلبي أن أفريدون من ولد جمشيد بينهما تسعة آباء‏.‏ وملك مائتي سنة‏.‏ ورد غصوب الضحاك ومظالمة‏.‏ وكان له ثلاثة بنين الأكبر سرم والثاني طوج والثالث إيرج‏.‏ وإنه قسم الأرض بينهم‏:‏ فكانت الروم وناحية المغرب لسرم والترك والصين والعراق لايرج وآثره بالتاج والسرير ولما مات قتله أخواه واقتسما الأرض بينهما ثلثمائة سنة‏.‏ ويزعمون أن أفريدون وآباءه العشرة يلقبون كلهم أشكايان‏.‏ وقيل في قسمته الأرض بين ولده غير هذا‏.‏ وإن بابل كانت لإيرج الأصغر وكان يسمى خيارث ويقال كان لإيرج ابنان‏:‏ وندان وأسطوبة وبنت اسمها خورك‏.‏ وقتل الابنان مع أبيهما بعد مهلك أفريدون وأن أفريدون ملك خمسمائة سنة وأنه هو الذي محا آثار ثمود من النبط بالسواد وأنه أول من تسمى بكي فقيل كي أفريدون ومعناه التنزيه أي مخلص متصل بالروحانيات‏.‏ وقيل معناه البهاء لأنه يغشاه نور من يوم قتل الضحاك وقيل معناه مدرك


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:32

بينهم حروب شديدة انهزمت فيها عساكر الفرس فنهض كي خسرو بنفسه إلى بلخ قدم عساكره وكان قاتل سباوخش بن كي خسرو فيمن قتل منهم‏.‏ وبعث أفراسيات ابنه وكان ساحراً إلى كيخسرو يستميله فعمد إلى القواد بمنعه وقتاله وقاتل فقتل‏.‏ وزحف أفراسيات فلقيه كي خسرو وكانت بينهما حروب شديدة انجلت عن هزيمة أفراسيات والترك واتبعه كي خسرو فظفر به في أذرربيجان فذبحه وانصرف ظافراً‏.‏ وكان فيمن حضر معه لهذا الفتح ملك فارس هو كي أوجن بن حينوش بن كيكاوس ابن كينية بن كيقباذ‏.‏ وهو عند الطبري أبو كيهراسف الذي ملك بعد كيخسرو على ما نذكر‏.‏ وملك على الترك بعد أفراسيات جوراسف ابن أخيه شراشف‏.‏ ثم إن كي خسرو ترهب وتزهد في الملك واستخلف مكانه كيهراسف بن كي أوجن الذي قدمناه أنه أبوه عند الطبري ولد كيخسرو فقيل غاب في البرية وقيل مات وذلك لستين سنة من ملكه‏.‏ ولما ملك كيهراسف اشتدت شوكة الترك فسكن لقتالهم مدينة بلخ على نهر جيحون وأقام في حروبهم عامة أيامه‏.‏ وكان أصبهبذ ما بين الأهواز والروم من غربي دجلة في أيامه بختنرسي المشتهر ببختنصر وأضاف إليه كهراسف ملكاً عندما سار إليه وأذن له في فتح ما يليه‏.‏ وسار إلى الشام معه ملوك الفرس وبختنصر ملك الموصل وله سنجاريف ففتح بيت المقدس وكان له الظهور على اليهود واستأصلهم كما مر في أخبارهم‏.‏ وبختنصر هذا الذي غزا العرب وقاتلهم واستباحهم قال هشام بن محمد‏:‏ أوحى الله إلى أرميا النبي عليه السلام وكان حافد في زريافيل الذي رجع بني إسرائيل إلى بيت المقدس بأمر بختنصر أن يفرق العرب الذين لا أغلاق لبيوتهم ويستبيحهم بالقتل ويعلمهم بكفرهم بالرسل واتخاذهم الآلهة‏.‏ وفي كتاب الإسرائيليين‏:‏ والوحي بذلك كان إلى يرميا بن خلقيا وقد مر ذكره‏.‏ وإنه أمر أن يستخرج معد بن عدنان من بينهم ويكفله إلى انقضاء أمر الله فيهم انتهى‏.‏ قال فوثب بختنصر على من وجده ببلاده من العرب للميرة فحبسهم ونادى بالغزو وجاءت منهم طوائف مستسلمين فقبلهم وأنزلهم بالأنبار والحيرة‏.‏ وقال غير هشام‏:‏ إن بختنصر غزا العرب بالجزيرة وما بين أيلة والأبلة وملأها عليهم خيلاً ورجالاً ولقيه بنو عدنان فهزمهم إلى حضورا واستلحمهم أجمعين‏.‏ وإن الله أوحى إلى أرميا ويوحنا أن يستخرجا معد بن عدنان الذي من ولده محمد أختم به النبيين آخر الزمان وهو ابن اثنتي عشرة سنة‏.‏ وردفه يوحنا على البراق وجاء به إلى حران وربي بين أنبياء بني إسرائيل‏.‏ ورجع بختنصر إلى بابل وأنزل السبي بالأنبار فقيل أنبار العرب وسميت بهم‏.‏ خالطهم النبط بعد ذلك‏.‏ ولما قيد بختنصر خرج معد بن عدنان مع أنبياء بني إسرائيل إلى الحج فحجوا وبقي هنالك مع قومه وتزوج بعانة بنت الحارث بن مضاض الجرهمي فولدت له نزار بن معد‏.‏ وأما كيهراسف فكان يحارب الترك عامة أيامه وهلك بحروبهم لمائة وعشرين سنة من ملكه وكان محمود السيرة وكانت الملوك شرقاً وغرباً يحملون إليه الأتاوة ويعظمونه‏.‏ وقيل‏:‏ إنه ولى ابنه كيستاسب على الملك وانقطع للعبادة‏.‏ ولما ملك ابنه كيستاسب شغل بقتال الترك عامة أيامه ودفع لحروبهم ابنه أسفنديار فعظم عناؤه فيهم‏.‏ وظهر في أيامه زرادشت الذي يزعم المجوس نبوته وكان فيما زعم أهل الكتاب من أهل فلسطين خادماً لبعض تلامذة إرميا النبي خالصة عنده فخانه في بعض أموره فدعا الله عليه فبرص ولحق بأذربيجان وشرع بها دين المجوسية‏.‏ وتوجه إلى كيستاسف فعرض عليه دينه فأعجبه وحمل الناس على الدخول فيه وقتل من امتنع‏.‏ وعند علماء الفرس أن زرادشت من نسل منوشهر الملك وأن نبياً من بني إسرائيل بعث إلي كيستاسف وهو ببلخ فكان زرادشت وجاماسب العالم وهو من نسل منوشهر أيضاً يكتبان بالفارسية ما يقول ذلك النبي بالعبرانية وكان جاماسب يعرف اللسان العربي ويترجمه لزرادشت وأن ذلك كان لثلاثين سنة من دولة كيهراسف‏.‏ وقال علماء الفرس‏:‏ إن زرادشت جاء بكتاب أدعاه وحياً كتب في اثني عشر ألف بعده نقشاً بالذهب وكان كيستاسف وضع ذلك في هيكل باصطخر ووكل به الهرابذة ومنع من تعليمه العامة‏.‏ قال المسعودي‏:‏ ويسمى ذلك الكتاب نسناه وهو كتاب الزمزمة ويدور على ستين حرفاً من حروف المعجم‏.‏ وفسره زرادشت وسمى تفسيره زئذ ثم فسر التفسير ثانياً وسماه زندية‏.‏ وهذه اللفظة هي التي عربتها العرب زنديق‏.‏ وأقسام هذا الكتاب عندهم ثلاثة‏:‏ قسم في أخبار الأمم الماضية وقسم في حدثان المستقبل وقسم في نواميسهم وشرائعهم‏.‏ مثل أن المشرق قبلة وأن الصلوات في الطلوع والزوال والغروب وأنها ذات سجدات ودعوات‏.‏ وجدد لهم زرادشت بيوت النيران التي كان منوشهر أخمدها ورتب لهم عيدين‏:‏ النيروز في الاعتدال الربيعي والمهرجان في الاعتدال الخريفي وأمثال ذلك من نواميسهم‏.‏ ولما انقرض ملك الفرس الأول أحرق الإسكندر هذه الكتب‏.‏ ولما جاء أردشير جمع الفرس على قراءة سورة منها تسمى أسبا‏.‏ قال المسعودي‏:‏ وأخذ كيستاسف بدين المجوسية من زرادشت لخمس وثلاثين سنة من نبوته فيما زعموا ونصب كيستاسف مكانه جاماسب العالم من أهل أذربيجان وهو أول موبذان كان في الفرس انتهى‏.‏ قال الطبري‏:‏ وكان كيستاسب مهادناً أرجاماسب ملك الترك وقد اشترط عليه أن تكون دابة كيستاسف موقفة على بابه بمنزلة دواب الرؤساء عند أبواب الملوك فمنعه من ذلك زرادشت وأشار عليه بفتنة الترك فبعث إلى الدابة والموكل بها وصرفهما إليه‏.‏ وبلغ الخبر إلى ملك الترك فبعث إليه بالعتاب والتهديد وأن يبعث بزرادشت إليه وإلا فيعزره‏.‏ وأغلظ كيستاسف في الجواب وآذنه بالحرب وسار بعضهما إلى بعض واقتتلوا وقتل رزين بن كيستاسف وانهزم الترك وأثخن فيهم الفرس‏.‏ وقتل ساحر الترك قيدوشق ورجع كيستاسف إلى بلخ‏.‏ ثم سعى عنده بابنه أسفنديار فحبسه وقيده وسار إلى جبل بناحية كرمان وسجستان فانقطع به للعبادة ودراسة الدين‏.‏ وخلف أباه كهراسف في بلخ شيخاً قد أبطله الكبر وترك خزائنه وأمواله فيها مع امرأته فغزاهم بها خدراسف وقدم أخاه جورا في جموع الترك وكان


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:33

مرشحاً للملك فأثخن واستباح واستولى على بلخ وقتل كهراسف أباهم وغنموا الأموال وهدموا بيوت النيران وسبوا حمايي بنت كستاسف وأختها‏.‏ وكان فيما غنموه العلم الأكبر الذي كانوا يسمونه زركش كاويان وهي راية الحداد الذي خرج على الضحاك وقتله‏.‏ وولى أفريدون فسموا بتلك الراية ورصعوها بالجواهر ووضعوها في ذخائرهم يبسطوها في الحروب العظام‏.‏ وكان لها ذكر في دولتهم وغنمها المسلمون يوم القادسية‏.‏ ثم مضت خدراسف ملك الترك في جموعه إلى كستاسف وهو بجبال سجستان متعبداً فتحصن منه وبعث إلى ابنه اسفنديار مع جاماسب العالم وهو في الجبل فقلده الملك ومحاربة الترك فسار إليهم وأبلى في حروبهم فانهزموا وغنم ما معهم واسترد ما كانوا غنموه والراية زركش كاويان في جملته‏.‏ ثم دخل أسفنديار إلى بلادهم في اتباعهم وفتح مدينتهم عنوة وقتل مهلكهم خدراسف وإخوته واستلحم مقاتلته واستباح أمواله ونساءه ودخل مدينة أفراسيات ودوخ البلاد وانتهى إلى بلاد صول والتبت وولى على كل ناحية من الترك وفرض الخراج وانصرف إلى بلخ وقد غص به أبوه‏.‏ قال هشام بن محمد‏:‏ فبعثه إلى رستم ملك سجستان الذي كان يستنفره كيقباذ جدهم من ملوك اليمن وأقطعه تلك الممالك جزاء لفعله‏.‏ فسار إليه أسفنديار وقاتله وهلك كستاسف لمائة وعشرين سنة‏.‏ ويقال أنه الذي رد بني إسرائيل إلى بلادهم وأن أمه كانت من بني طالوت‏.‏ ويقال أن ذلك هو حافد بهمن وقيل أن الذي ردهم هو كورش من ملوك بابل أيام بهمن بأمره‏.‏ ثم ملك بعد كستاسف حافده كي بهمن ويقال أردشير بهمن‏.‏ قال الطبري‏:‏ ويعرف بالطويل الباع لاستيلائه على الممالك والأقاليم‏.‏ قال هشام بن محمد‏:‏ ولما ملك سار إلى سجستان طالباً بثأر أبيه فكانت بينهما حروب فقتل فيها رستم بن دستان وأبوه وإخوته وأبناؤه‏.‏ ثم غزا الروم وفرض عليهم الأتاوة وكان من أعظم ملوك الفرس وبنى مدناً بالسواد وكانت أمه من نسل طالوت لأربعة آباء من لدنه وكانت له أم ولد من سبي بني إسرائيل اسمها راسف وهي أخت زريافيل الذي ملكه على اليهود ببيت المقدس وجعل له رياسة الجالوت وملك الشام وملك ثمانين سنة‏.‏ فملكت حماي ملكها الفرس لجمالها ولحسن أدبها وكمال معرفتها وفروسيتها وكانت بلغت شهرازاد‏.‏ وقيل إنما ملكوها لأنها لما حملت من أبيها بدار الأكبر سألته أن يعقد له التاج في بطنها ففعل ذلك‏.‏ وكان ابنه ساسان مرشحاً للملك فغضب ولحق بجبال إصطخر زاهداً يتولى ماشيته بنفسه فلما مات أبوه فقدوا ذكراً من أولاده فولوا حماي هذه وكانت مظفرة على الأعداء‏.‏ ولما بلغ ابنها دارا الأشد سلمت إليه الملك وسارت إلى فارس واختطت مدينة ذارا بجرد‏.‏ وردت الغزو إلى بلاد الروم وأعطيت الظفر فكثر سبيم عندها وملكت ثلاثين سنة‏.‏ ولما ملك ابنها دارا نزل بابل وضبط ملكه وغزا الملوك وأدوا الخراج إليه‏.‏ ويقال‏:‏ إنه الذي رتب دواب البرد‏.‏ وكان معجباً بابنه دارا حتى سماه باسمه وولاه عهده وهلك لاثنتي عشرة سنة وملك بعده ابنه دارا بهمن‏.‏ وكان له مرب اسمه بيدلي قتله أبوه دارا بسعاية وزيره أرشيش محمود وندم على قتله‏.‏ فلما ولي دارا جعل على كتابته أخا بيدلي ثم استوزره رعياً لمرباه مع أخيه‏.‏ فاستفسده على أرشيش وزيره ووزير أبيه وعلى سائر أهل الدولة استوحشوا منه‏.‏ وقال هشام بن محمد‏:‏ وملك دارا بن دارا أربع عشرة سنة فأساء السيرة وقتل الرؤساء وأهلك الرعية‏.‏ وغزاه الإسكندر بن فيلبس ملك بني يونان‏.‏ وقد كانوا يسمونه‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ فوثب عليه بعضهم وقتله ولحق بالإسكندر وتقرب بذلك إليه فقتله الإسكندر وقال‏:‏ هذا جزاء من اجرأ على سلطانه وتزوج بنته روشنك كما نذكره في أخبار الإسكندر‏.‏ وقال الطبري‏:‏ قال بعض أهل العلم بأخبار الماضين كان لدارا من الولد يوم قتل أربع بنين‏:‏ أسسك وبنودار وأرداشير وبنت اسمها روشنك‏.‏ وهي التي تزوجها الإسكندر‏.‏ قال وملك أربع عشرة سنة‏.‏ هذه هي الأخبار المشهورة للفرس الأولى إلى ملكهم الأخير دارا‏.‏ قال هروشيوش مؤرخ الروم في مبدأ دولة الفرس هؤلاء إنما كانت بعد دخول بني إسرائيل إلى الشام وعلى عهد عثنيئال بن قناز بن يوفنا وهو ابن أخي كالب بن يوفنا الذي دبر أمر بني إسرائيل بعد يوشع‏.‏ قال‏:‏ وفي ذلك الزمان خرج أبو الفرس من أرض الروم الغريقيين من بلاد آسيا واسمه بالعربية فارس وباليونانية يرشور وبالفارسية يرشيرش‏.‏ فنزل بأهل بيته في ناحية وتغلب على أهل ذلك الموضع فنسبت إليه تلك الأمة واشتق اسمها من اسمه وما زال أمرهم ينمو إلى دولة كيرش الذي يقال فيه إنه كسرى الأول فغلب على القضاعيين ثم زحف إلى مدينة بابل وعرض له دونها النهر الثاني بعد الفرات وهو نهر دجلة فاحتفر له الجداول وقسمه فيها ثم زحف إلى المدينة وتغلب عليها وهدمها‏.‏ ثم حارب السريانيين فهلك في حروبهم يبلاديشت وولي ابنه قنبيشاش بن كيرش فثأر منهم بأبيه وتخطاهم إلى أرض مصر فهدم أوثانهم ونقض شرائعهم فقتله السحرة وذلك لألف سنة من ابتداء دولتهم فولي أمر الفرس دارا وقتل السحرة بمصر ورد عمالة السريانيين إليهم ورجع بني إسرائيل إلى الشام في الثانية من أيامه وزحف إلى بلاد الروم الغريقيين طالباً ثأر كيرش ولم يزل في حروبهم إلى أن هلك لثلاث وعشرين من دولته ثار عليه أحد قواده فقتله وولى بعده ابنه أرتشخار أربعين سنة وولي بعده ابنه دارا أنوطو سبع عشرة سنة‏.‏ ثم ولي بعده ابنه أرتشخار بعد أن نازعه كيرش بن نوطو فقتله أرتشخار واستولى على الأمر وسالم الروم الغريقيين‏.‏ ثم انتقضوا عليه واستعانوا بأهل مصر فطالت الحرب ثم اصطلحوا ووقعت الهدنة‏.‏ وهلك أرتشخار وذلك على عهد الإسكندر ملك اليونانيين وهو خال الإسكندر الأعظم وهلك لعهده فولي أبو الإسكندر الأعظم ببلد مقدونية وهو ملك فيلبس‏.‏ وهلك أرتشخار


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:33

أوقش لست وعشرين من دولته وولي من بعده ابنه شخشار أربع سنين وفي أيامه ولي على مقدونية واليونانيين وسائر الروم الغريقيين الإسكندر بن فيلبس ثم ولي بعده شخاردارا وعلى عهده تغلب الإسكندر على يهود بيت المقدس وعلى جميع الروم الغريقيين‏.‏ ثم حدثت الفتنة بينه وبين دارا وتزاحفوا مرات انهزم في محلها‏.‏ وكان للإسكندر الظهور عليه ومضى إلى الشام ومصر فملكهما وبنى الإسكندرية وانصرف فلقيه دارا أنطوس فهزمه وغلب على ممالك الفرس واستولى على مدينتهم خرج في اتباع دارا فوجده في بعض طريقه جريحاً ولم يلبث أن هلك من تلك الجراحة فأظهر الإسكندر الحزن عليه وأمر بدفنه في مقابر الملوك وذلك لألف سنة‏.‏ ونحو من ثمانين سنة منذ ابتداء دولتهم كما قلناه انتهى كلام هروشيوش‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ وجده مثخناً في المعركة فوضع رأسه على فخذه وقال‏:‏ يا سيد الناس لم أرد قتلك ولا رضيته فهل من حاجة فقال تتزوج ابنتي وتقتل قاتلي ففعل الإسكندر ذلك وانقرض أمر هذه الطبقة الثانية والبقاء لله وحده سبحانه وتعالى‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ في ترتيب هؤلاء الملوك الفرس من بعد كيرش إلى دارا آخرهم يقال‏:‏ إنه ملك من بعد كورش ابنه قمبوسيوس ثمانياً وقيل تسعاً وقيل اثنتين وعشرين سنة‏.‏ وقيل أنه غزا مصر واستولى عليها وتسمى بختنصر الثاني وملك بعده أريوش بن كستاسب خمساً وعشرين سنة وهو أول الملوك الأربعة الذين عناهم دايال بقوله ثلاث ملوك يقومون بفارس والرابع يكثر ماله ويعظم على من قبله‏.‏ فأولهم دارا بن كستاسف وهو مذكور في المجسطي والثاني دارا ابن الأمة والثالث الذي قتله الإسكندر وقيل بل هو الرابع الذي عناه دانيال‏.‏ لأنه جعل أول الأربعة داريوش وأخشورش العادي‏.‏ وسركورش ورديفه في الملك ثم عد الثلاثة بعده‏.‏ وفي الثانية من ملكه داريوش بن كيستاسف لبابل تمت سبعون سنة لخراب القدس وفي الثالثة كمل بناء البيت‏.‏ ثم ملك بعد داريوش بن كيستاسف هذا أسمرديوس المجوسي سنة واحدة وقيل ثلاث عشرة سنة وسمي مجوسياً لظهور زرادشت بدين المجوسية في أيامه‏.‏ ثم ملك أخشويرش بن داريوش عشرين سنة وكان وزيره هامان العمليقي وقد مرت قصته مع الجارية من بني إسرائيل‏.‏ ثم ملك من بعده ابنه أرطحشاشت بن أخشويرش ويلقب بطويل اليدين وكانت أمه من اليهود بنت أخت مردخاي وكانت حظية عند أبيه وعلى يدها تخلص اليهود من سعاية وزيره فيهم عنده وكان العزيز في خدمته‏.‏ ولعشرين من دولته أمر بهدم أسوار القدس ثم رغب إليه العزيز في تجديدها فبناها في اثنتي عشرة سنة‏.‏ قال ابن العميد عن المجسطي‏:‏ إن العزير هذا ويسمى عزرا هو الرابع عشر من الكهنونية من لدن هارون عليه السلام وأنه كتب لبني إسرائيل التوراة وكتب الأنبياء من حفظه بعد عودهم من الجلاء الأول لأن بختنصر كان أحرقها‏.‏ وقيل أن الذي كتب لهم ذلك هو يشوع بن أبو صادوق‏.‏ ثم ملك من بعده أرطحشاشت الثاني خمس سنين وقيل إحدى وثلاثين وقيل ست عشرة وقيل شهرست‏.‏ ورجح ابن العميد الخمس لموافقتها سياقة التواريخ‏.‏ وكان لعهده أبقراط وسقراط في مدينة أشياش ولعهده كتب النواميس الاثني عشر‏.‏ ثم ملك بعده صغريتوس ثلاث سنين ثم ملك من بعده دارا بن الأمة ويلقب الناكيش وقيل داريوس ألياريوس ملك سبع عشرة سنة وكان على عهده من حكماء يونان سقراط وفيثاغورس وأقليوس‏.‏ وفي الخامسة من دولته انتقض أهل مصر على يونان واستبدوا بملكهم بعد مائة وأربع وعشرين سنة‏.‏ كانوا فيها في ملكتهم‏.‏ ثم ملك من بعده أرطحشاشت ابن أخي كورش داريوش إحدى عشرة سنة وقيل اثنتين وعشرين سنة وقيل أربعين وقيل إحدى وعشرين‏.‏ وكان لعهده ألياقيم الكوهن الذي داهن الكهنونية ستاً وأربعين سنة‏.‏ ثم ملك من بعده أرطحشاشت وتسمى أخوش ويقال أوغش عشرين سنة وقيل خمساً وعشرين وقيل تسعاً وعشرين‏.‏ وزحف إلى مصر فملكها وهرب منها فرعون ساناق إلى مقدونية واسمه قصطرا‏.‏ وبنى أرطحشاشت قصر الشمع وجعل فيه هيكلاً وهو الذي حاصره عمرو بن العاص وملكه‏.‏ ثم ملك من بعده ابنه أرشيش بن أرطحشاشت وقيل اسمه فارس أربع سنين وقيل إحدى عشرة‏.‏ وكان لعهده من حكماء يونان بقراط وأفلاطون ودمقراطس ولعهده قتل بقراط على القول بالتناسخ وقيل لم يكن مذهبه وإنما ألزمه به بعض تلامذته ثم شهدوا عليه‏.‏ وقتل مسموماً قتله القضاة بمدينة أثينا‏.‏ ثم ملك من بعده ابنه دارا بن أرشيش عشرين سنة وقيل ست عشرة‏.‏ وقال ابن العميد عن أبي الراهب‏:‏ إنه دارا الرابع الذي أشار إليه دانيال كما مر‏.‏ وكان هذا الملك عظيماً فيهم وتغلب على يونان وألزمهم الوظائف التي كانت عليهم لآبائه وملكهم يومئذ الإسكندر بن فيلبس وكان عمره ست عشرة سنة فطمع فيه دارا وطلب الضريبة فمنع وأجاب بالأغلاظ وزحف إليه فقاتله وقتله واستولى الإسكندر على ملك فارس وما وراءه‏.‏ انتهى كلام ابن العميد‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:35

الطبقة الثالثة من الفرس وهم الأشكانية
ملوك الطوائف وذكر دولهم ومصاير أمورهم إلى نهايتها هذه الطبقة من ملوك الفرس يعرفون بالأشكانية وكافها أقرب إلى الغين من ولد أشكان بن دارا الأكبر وقد مر ذكره وكانوا من أعظم ملوك الطوائف عند افتراق أمر الفرس‏.‏ وذلك أن الإسكندر لما قتل دارا الأصغر استشار معلمه أرسطو في أمر الفرس فأشار عليه أن يفرق رياستهم في أهل البيوت منهم فتفترق كلمتهم ويخلص لك أمرهم‏.‏ فولى الإسكندر عظماء النواحي من الفرس والغرب والنط والجرامقة كلاً على عمله واستبد كل بناحية‏.‏ واستقام له ملك فارس والمشرق‏.‏ ولما مات الإسكندر قسم ملكه بين أربعة من أمرائه‏:‏ فكان ملك مقدونية وأنطاكية وما إليها من ممالك الروم لفيلبس من قواده‏.‏ وكانت الإسكندرية ومصر والمغرب لفيلادفس ولقبه بطليموس‏.‏ وكان الشام وبيت المقدس وما إلى ذلك لدمطوس‏.‏ وكان السواد إلى الجبال والأهواز وفارس ليلاقش سيلقس ولقبه أنطيخس وأقام السواد في ملكته أربعاً وخمسين سنة‏.‏ قال الطبري‏:‏ وكان أشك بن دارا الأكبر خلفه أبوه بالري فنشأ بها فلما كبر وهلك الإسكندر جمع العساكر وسار يريد أنطيخس والتقيا بالموصل فانهزم أنطيخس وقتل‏.‏ وغلب أشك على السواد من الموصل إلى الري وأصبهان‏.‏ وعظمه سائر ملوك الطوائف لشرفه ونسبه وأهدوا إليه من غير أن يكون له عليهم إيالة في عزل ولا تولية بل إنما كانوا يعظمونه ويبدؤون باسمه في المخاطبات وهم مع ذلك متعادون تختلف حالاتهم بعضهم مع بعض في الحرب والمهادنة‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ كان رجل من نسل الملوك من فارس مملكاً على الجبال وأصبهان والسواد لفوات الإسكندر‏.‏ ثم غلب بعد ذلك ولده على السواد وجمعه إلى الجبال وأصبهان وصار كالرئيس على سائر ملوك الطوائف‏.‏ ولذلك قصر ذكر هؤلاء الملوك دون غيرهم من الطوائف‏.‏ فمنهم من قال أنه أشك بن دارا كما قدمناه وهو قول الفرس وقيل هو أشك عقب أسفنديار بن كستاسب بينهما ستة آباء وقيل هو أشك بن أشكان الأكبر من ولد كينية بن كيقباذ‏.‏ ويقال‏:‏ إنه كان أعظم الأشكانية وقهر ملوك الطوائف واستولى على إصطخر لاتصالها بأصبهان وتخطاها إلى ما يتاخمها من بلاد فارس فغلب عليه واتصل ملكه عشرين سنة‏.‏ وملك بعده وقال المسعودي‏:‏ ملك أشك بن أشك بن دارا بن أشكان الأول منهم عشر سنين ثم سابور ابنه ستين سنة وغزا بني إسرائيل بالشام ونهب أموالهم ولإحدى وأربعين من ملكه ظهر عيسى صلوات الله عليه بأرض فلسطين‏.‏ ثم ملك عمه جور عشر سنين ثم نيرو بن سابور إحدى وعشرين سنة‏.‏ وفي أيامه غلب طيطش قيصر على بيت المقدس وخربها وأجلى منها اليهود كما مر ثم جور بن نيرو تسع عشرة سنة ثم جرسي أخوه أربعين سنة ثم هرمز أخوهما أربعين سنة ثم ابنه أردوان بن هرمز خمس عشرة سنة ثم ابنه كسرى بن أردوان أربعين سنة ثم ابنه يلاش ابن كسرى أربعاً وعشرين سنة‏.‏ وفي أيامه غزت الروم السواد مع قيصر يطلبون بثأر أنطيخش ملك أنطاكية من اليونان الذي قتله أشك جد يلاوش هذا‏.‏ فجمع يلاوش العساكر واستنفر ملوك الطوائف بفارس والعراق فوجهوا له بالمدد واجتمع له أربعمائة ألف من المقاتلة وولى عليهم صاحب الحصر وكان من ملوك الطوائف على السواد فزحف إلى قيصر فقتله واستباح عسكر الروم وقتل وفتح أنطاكية وانتهى إلى الخليج‏.‏ وولي من بعد يلاوش ابنه أردوان بن يلاوش ثلاث عشرة سنة‏.‏ ثم خرج عليه أردشير بن بابك بن ساسان وجمع ملك فارس من أيدي ملوك الطوائف وجدد الدولة الساسانية كما نذكر في أخبارهم‏.‏ قال الطبري‏:‏ وفي أيام الطوائف كانت ولادة عيسى صلوات الله عليه لخمس وستين من غلب الإسكندر على بابل ولإحدى وخمسين من ملك الأشكانية والنصارى يزعمون أن ذلك كان لمضي ثلثمائة وثلاث وستين من غلب الإسكندر على بابل‏.‏ قال الطبري‏:‏ وجميع سني الطوائف من لدن الإسكندر إلى ظهور أردشير بن بابك واستوائه على الأمر مائتان وستون سنة وبعضهم يقول خمسمائة وثلاث وعشرون سنة‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ ملك في هذه المدة منهم تسعون ملكاً على تسعين طائفة كلهم يعظم ملوك المدائن منهم وهم الأشكانيون‏.‏ الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانية و الخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي هذه الدولة كانت من أعظم الدول في الخليقة وأشدها قوة وهي إحدى الدولتين اللتين صبحهما الإسلام في العالم وهما دولة فارس والروم‏.‏ وكان مبدأ أمرها من توثب أردشير بن بابك شاه ملك مرو وهو ساسان الأصغر ابن بابك بن سامان بن بابك بن هرمز بن ساسان الأكبر ابن كي بهمن وقد تقدم لنا ذكر كي بهمن وأن ابنه ساسان غضب لما توج للملك أخوه دارا وهو في بطن أمه ولحق بجبال إصطخر فأقام هنالك وتناسل ولده بها إلى أن كان ساسان الأصغر منهم فكان قيماً على بيت النار لاصطخر وكان شجاعاً‏.‏ وكانت امرأته من بيت ملك فولدت له ابنه بابك وولد لبابك أردشير وضبطه الدارقطني‏:‏ بالراء المهملة‏.‏ وكان على إصطخر يومئذ ملك من ملوك الطوائف وله عامل على دارا بجرد خصي اسمه سري فلما أتت لأردشير سبع سنين جاء به جده ساسان إلى ملك إصطخر وسأله أن يضمه إلى عامل دارا بجرد الخصي يكفله إلى أن تتم تربيته‏.‏ ولما هلك عامل دارا بجرد فأقام بأمره فيها أردشير هذا وملكها‏.‏ وكان له علم من المنجمين بأن الملك سيصير إليه فوثب على كثير من ملوك الطوائف بأرض فارس فاستولى عليهم وكتب إلى أبيه بذلك ثم وثب على عامل إصطخر فغلبه على ما بيده وملك إصطخر وكثير من أعمال فارس‏.‏ وكان زعيم الطوائف يومئذ أردوان ملك الأشكانيين فكتب إليه يسأله أن يتوجه فعنفه وكتب إليه بالشخوص فامتنع وخرج بالعساكر من اصطخر وقدم موبذان رورين فتوجه ثم فتح كرمان وبها ملك من ملوك الطوائف وولى عليها ابنه‏.‏ وكتب إليه أردوان يتهدده وأمر ملك الأهواز من الطوائف أن يسير إليه فرجع مغلوباً‏.‏ ثم سار أردشير إلى أصبهان فقتل ملكها واستولى عليها ثم إلى الأهواز فقتل ملكها كذلك ثم زحف إليه أردوان عميد الطوائف فهزمه أردشير وقتله‏.‏ وملك همذان والجبل وأذربيجان وأرمينية والموصل ثم السواد‏.‏ وبنى مدينة على شاطىء دجلة شرقي المدائن‏.‏ ثم رجع إلى اصطخر ففتح


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:36

سجستان ثم جرجان ثم مرو وبلخ وخوارزم إلى تخوم خراسان وبعث بكثير من الرؤوس إلى بيت النيران‏.‏ ثم رجع إلى فارس ونزل صول وأطاعه ملك كوشان ومكران ثم ملك البحرين بعد أن حاصرها مدة وألقى ملكها بنفسه في البحر‏.‏ ثم رجع فنزل المدائن وتوجه ابنه سابور ولم يزل مظفراً وقهر الملوك حوله وأثخن في الأرضي ومدن المدن واستكثر العمارة وهلك لأربع عشرة سنة من ملكه بأصطخر بعد مقتل أردوان‏.‏ وقال هشام بن الكلبي‏:‏ قام أردشير في أهل فارس يريد الملك الذي كان لآبائه قبل الطوائف وأن يجمعه لملك واحد‏.‏ وكان أردوان ملكاً على الأردوانيين وهم أنباط السواد وكان باباً ملكاً على الأردوانيين وهم أنباط الشام وبينهما حرب وفتنة فاجتمعا على قتال أردشير فحارباه مناوبة‏.‏ ثم بعث أردشير إلى بابا في الصلح على أن يدعه في الملك ويخلي بابا بينه وبين أردوان فلم يلبث أن قتل أردوان واستولى على السواد فأعطاه بابا الطاعة بالشام ودانت له سائر الملوك وقهرهم‏.‏ ثم رجع إلى أمر العرب وكانت بيوتهم على ريف العراق ينزلون الحيرة وكانوا ثلاث فرق‏:‏ الأولى تنوخ ومنهم قضاعة الذين كنا قدمنا أنهم كانوا اقتتلوا مع ملك من التبابعة وأتى بهم‏.‏ وكانوا يسكنون بيوت الشعر والوبر ويضعونها غربي الفرات بين الأنبار والحيرة وما فوقها‏.‏ فأنفوا من الإقامة في مملكة أردشير وخرجوا إلى البرية‏.‏ والثانية العباد الذين كانوا يسكنون الحيرة أو وطئوها‏.‏ والثالثة الأحلاف الذين نزلوا بهم من غير نسبهم ولم يكونوا من تنوخ الناكثين عن طاعة الفرس ولا من العباد الذين دانوا بهم فملك هؤلاء الأحلاف الحيرة والأنبار وكان منهم عمرو بن عدي وقومه فعمروا الحيرة والأنبار ونزلوا وخربوها وكانتا من بناء العرب أيام بختنصر ثم عمرها بنو عمرو بن عدي لما أصاروها نزلاً لملكهم إلى أن صبحهم الإسلام‏.‏ واختط العرب الإسلاميون مدينة الكوفة فدثرت الحيرة وكان أردشير لما ملك أسرف في قتل الأشكانية حتى أفناهم لوصية جده ووجد بقصر أردوان جارية استملحها ودفعت عن نفسها القتل بإنكار نسبها فيهم فقالت‏:‏ أنا مولاة وبكر فواقعها وحملت وظنت الأمن على نفسها فأخبرته بنسبها فتنكر ودفعها إلى بعض مرازبته ليقتلها فاستبقاها ذلك المرزبان إلى أن شكا إليه أردشير قلة الولد والخوف على ملكه من الانقطاع وندم على ما سلف منه من قتل الجارية وإتلاف الحمل‏.‏ فأخبره بحياتها وأنها ولدت ولداً ذكراً وأنه سماه سابور وأنه قد كملت خصاله وآدابه فاستحضره أردشير واختبره فرضيه وعقد له التاج‏.‏ ثم هلك أردشير فملك سابور من بعده فأفاض العطاء في أهل الدولة وتخير العمال ثم شخص إلى خراسان فمهد أمورها ثم رجع فشخص إلى نصيبين فملكها عنوة فقتل وسبى وافتتح من الشام مدناً وحاصر أنطاكية وبها من الملوك أريانوس فاقتحمها عليه وأسره وحمله إلى جندي سابور فحبسه بها إلى أن فاداه على أموال عظيمة ويقال على بناء شاذروان تستر ويقال جدع أنفه وأطلقه ويقال‏:‏ بل قتله‏.‏ وكان بجبال تكريت بين دجلة والفرات مدينة يقال لها الحضر وبها ملك من الجرامقة يقال له الساطرون من ملوك الطوائف وهو الذي يقول فيه الشاعر‏:‏ ورأى الموت قد تدلى من الحضر على رب أهله الساطرون ولقد كان آمناً للدواهي ذا ثراء وجوهر مكنون قال المسعودي وهو الساطرون بن إستطرون من ملوك السريانيين‏.‏ قال الطبري‏:‏ وتسميه العرب الضيزن وقال هشام بن محمد الكلبي‏:‏ من قضاعة وهو الضيزن بن معاوية بن العميد بن الأجذم بن عمرو بن النخع بن سليم وسنذكر نسب سليم في قضاعة‏.‏ وكان بأرض الجزيرة وكان معه من قبائل قضاعة ما لا يحصى وكان ملكه قد بلغ الشام فخلف سابور في غزاته إلى خراسان وعاث في أرض السواد فشخص إليه سابور عند انقضاء غزاته حتى أناخ على حصنه وحاصره أربع سنين قال الأعشى‏:‏ ألم تر للحضر إذ أهله بنعمة وهل خالد من نعم ثم إن ابنة ساطرون واسمها النضيرة خرجت إلى ربض المدينة وكانت من أجمل النساء وسابور كان جميلاً فأشرفت عليه فشغفت به وشغف بها وداخلته في أمر الحصن ودلته على عورته فدخله عنوة وقتل الضيزن وأباد قضاعة الذين كانوا معه وأكثرهم بنو حلوان فانقرضوا وخرب حصن الحضر‏.‏ وقال عدي ابن زيد في رثائه‏:‏ # وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة تجبى إليه والخابور شاده مرمراً وجللة كلساً فللطير في ذراه وكور لم يهبه ريح المنون فبا د الملك عنه فبابه مهجور ثم أعرس بالنضيرة بعين النمر وباتت ليلها تتضور في فراشها وكان من الحرير محشواً بالقز والقسي فإذا ورقة آس بينها وبين الفراش تؤذيها‏.‏ فقال‏:‏ ويحك‏!‏ ما كان أبوك يغذيك قالت الزبد والمح والشهد وصفو الخمر‏.‏ فقال‏:‏ وأبيك لأنا أحدث عهداً ويبعد وداً من أبيك الذي غذاك بمثل هذا‏.‏ وأمر رجلاً ركب فرساً جموحاً وعصب غدائرها بذنبه ولم يزل يركضه حتى تقطعت أوصالها‏.‏ وعند ابن إسحق‏:‏ أن الذي فتح حصن الحضر وخربه وقتل الساطرون هو سابور ذو الأكتاف‏.‏ وقال السهيلي لا يصح‏:‏ لأن الساطرون من ملوك الطوائف والذي أزال ملكهم هو أردشير وابنه سابور وسابور ذو الأكتاف بعدهم بكثير وهو التاسع من ملوك أردشير‏.‏ قال السهيلي‏:‏ وأول من ملك الحيرة من ملوك الساسانية سابور بن أردشير‏.‏ والحيرة وسط بلاد السواد وحاضرة العرب ولم يكن لأحد قبله من آل ساسان حتى استقام العرب على طاعته‏.‏ وولى عليهم عمرو بن عدي جد آل المنذر بعده وأنزله الحيرة فجبى خراجها وإتاوتهم واستبعدهم لسلطانه وقبض أيديهم عن الفساد بأقطار ملكه وما كانوا يرومونه بسواد العراق من نواحي مملكته وولى بعده ابنه امرأ القيس بن عمرو بن عدي وصار ذلك ملكاً لآل المنذر بالحيرة توارثوه حسبما نذكر بعد‏.‏ وهلك سابور لثلاثين سنة من ملكه وولي بعده ابنه هرمز ويعرف بالبطل فملك سنة واحدة وولي بعده ابنه بهرام بن هرمز وكان عامله على مذحج من ربيعة ومضر وسائر بادية العراق والجزيرة والحجاز آمرو القيس بن عمرو بن عدي وهو أول من تنصر من ملوك الحيرة وطال أمد ملكه‏.‏ قال هشام بن الكلبي‏:‏ ملك مائة وأربع عشرة سنة من لدن أيام سابور‏.‏ وكان بهرام بن هرمز حليماً وقوراً وأحسن السيرة واقتدى بآبائه‏.‏ وكان ماني الثنوي الزنديق صاحب القول بالنور والظلمة قد ظهر في أيام جده سابور فاتبعه قليلاً ثم رجع إلى المجوسية دين آبائه‏.‏ ولما ولي بهرام بن هرمز جمع الناس لامتحانه فأشادوا بكفره وقتله وقالوا زنديق‏.‏ قال المسعودي‏:‏ ومعناه أن من عدل عن ظاهر إلى تأويله ينسبونه إلى تفسير كتاب زرادشت الذي قدمنا أن اسمه زندة فيقولون زندية فعربته العرب فقالوا زنديق ودخل فيه كل من خالف الظاهر إلى الباطن المنكر ثم اختص في عرف الشرع بمن يظهر الإسلام ويبطن الكفر‏.‏ ثم هلك بهرام بن هرمز لثلاث سنين وثلاثة أشهر من دولته وولي ابنه بهرام ثماني عشرة سنة عكف أولها على اللذات أمدت أيدي بطانته إلى الرعايا بالجور والظلم فخربت الضياع والقرى حتى نبهه الموبذان لذلك بمثل ضربة له وذلك أنه سامره في ليلة فمر راجعاً من الصيد فسمعا بومين يتحدثان في خراب‏.‏ فقال بهرام‏:‏ ليت شعري هل أحد فهم لغات الطير فقال له الموبذان‏:‏ نعم إنا نعرف ذلك أيها الملك‏!‏ وإنهما يتحاوران في عقد نكاح وإن الأنثى اشترطت عليه إقطاع عشرين ضيعة من الخراب فقبل الذكر وقال‏:‏ إذا دامت أيام بهرام أقطعتك ألفاً فتفطن بهرام لذلك وأفاق


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:37

من غفلته وأشرف على أحوال ملكه مباشراً بنفسه وقابضاً أيدي البطانة عن الرعية وحسنت أيامه إلى أن هلك‏.‏ وولي بعده بهرام بن بهرام بن بهرام ثلاثة أسماء متشابهة وتقلب شاه وكان مملكاً على سجستان وهلك لأربع سنين من دولته وملك بعده أخوه قرسين بن بهرام تسع سنين أخرى‏.‏ وكان عادلاً حسن السيرة وملك بعده ابنه هرمز بن قرسين فوجل منه الناس لفظاظته‏.‏ ثم أبدل من خلقه الشر بالخير وسار فيهم بالعدل والرفق والعمارة وهلك لسبع سنين من ولايته‏.‏ وكان هؤلاء كلهم ينزلون جنديسابور من خراسان‏.‏ ولما هلك ولم يترك ولداً شق ذلك على أهل مملكته لميلهم إليه ووجدوا ببعض نسائه حملاً فتوجوه وانتظروا إتمامه‏.‏ وقيل بل كان هرمز أبوه أوصى بالملك لذلك الحمل فقام أهل الدولة بتدبير الملك ينتظرون تمام الولد‏.‏ وشاع في أطراف المملكة أنهم يتلومون صبياً في المهد فطمع فيهم الترك والروم‏.‏ وكانت بلاد العرب أدنى إلى بلادهم وهم أحوج إلى تناول الحبوب من البلاد لحاجاتهم إليها بما هم فيه من الشظف وسوء العيش‏.‏ فسار منهم جمع من ناحية البحرين وبلاد القيس ووحاظة فأناخوا على بلاد فارس من ناحيتهم وغلبوا أهلها على الماشية والحرث والمعايش وأكثروا الفساد ومكثوا في ذلك حيناً ولم يغزهم أحد من فارس ولا دافعوهم لصغر الملك‏.‏ حتى إذا كبر وعرضوا عليه الأمور فأحسن فيها الفصل وبلغ ستة عشر سنة من عمره ثم أطاق حمل السلاح نهض حينئذ للاستبداد بملكه‏.‏ وكان أول شيء ابتدأ به شأن العرب فجهز إليهم العساكر وعهد إليهم أن لا يبقوا على أحد ممن لقوا منهم‏.‏ ثم شخص بنفسه إليهم وغزاهم وهم غازون ببلاد فارس فقتلهم أبرح القتل وهربوا أيامه وأجاز البحر في طلبهم إلى الخط وتعدى إلى بلاد البحرين قتلاً وتخريباً ثم غزا بعدها رؤوس العرب من تميم وبكر وعبد القيس فأثخن فيهم وأباد عبد القيس ولحق فلهم بالرمال‏.‏ ثم أتى اليمامة فقتل وأسر وخرب ثم عطف إلى بلاد بكر وتغلب ما بين مملكة فارس ومناظر الروم بالشام فقتل من وجد هنالك من العرب وطم مياههم وأسكن من رجع إليه من بني تغلب دارين من البحرين والخط ومن بني تميم هجروا من بكر بن وائل كرمان ويدعون بكر إياد ومن بني حنظلة الأهواز‏.‏ وبنى مدينة الأنبار والكرخ والسوس‏.‏ وفيما قاله غيره إن إياداً كانت تشتو بالجزيرة وتصيف بالعراق وتشن الغارة‏.‏ وكانت تسمى طما لانطباقها على البلاد وسابور يومئذ صغير حتى إذا بلغ القيام على ملكه شرع في غروهم ورئيسهم يومئذ الحرث بن الأغر الأيادي وكتب إليهم بالنذر بذلك من إياد كان بين ظهراني الفرس فلم يقبلوا حتى واقعتهم العساكر فاستلحمهم وخرجوا إلى أرض الجزيرة والموصل إجلاءً ولم يعاودوا العراق‏.‏ ولما كان الفتح طلبهم المسلمون بالجزية مع تغلب وغيرهم فأنفوا ولحقوا بأرض الروم‏.‏ وقال السهيلي عند ذكر سابور بن هرمز‏:‏ إنه كان يخلع أكتاف العرب ولذلك لقبه العرب ذو الأكتاف وإنه أخذ عمرو بن تميم بأرضهم بالبحرين وله يومئذ ثلثمائة سنة وإنه قال إنما أقتلكم معاشر العرب لأنكم تزعمون أن لكم دولة‏.‏ فقال له عمرو بن تميم‏:‏ ليس هذا من الحزم أيها الملك‏!‏ فإن يكن حقاً فليس قتلك إياهم بدافعه وقد تكون اتخذت يداً عندهم ينتفع بها ولدك وأعقاب قومك فيقال إنه استبقاه ورحم كبره‏.‏ ثم سابور بلاد الروم وتوغل فيها ونازل حصونهم‏.‏ وكان ملوك الروم على عصره‏:‏ قسطنطين وهو أول من تنصر من ملوكهم وهلك قسطنطين وملك بعده إليانوس من أهل بيته وانحرف عن دين النصرانية وقتل الأساقفة وهدم البيع وجمع الروم وانحدر لقتال سابور‏.‏ واجتمعت العرب معهم لثأرهم عند سابور بمن قتل منهم وسار قائد إليانوس واسمه يوسانوس في مائة وسبعين ألفاً من المقاتلة حتى دخل أرض فارس وبلغ خبره وكثرة جموعه إلى سابور فأحجم عن اللقاء وأجفل وصبحه العرب ففضوا جموعه وهرب في فل من عسكره واحتوى إليانوس على خزائنه وأمواله واستولى على مدينة طبسون من مدائن ملكه‏.‏ ثم استنفر أهل النواحي واجتمعت إليه فارس وارتجع مدينة طبسون وأقاما متظاهرين‏.‏ وهلك إليانوس بسهم أصابه فبقي الروم فوضى وفزعوا إلى يوسانوس القائد أن يملكوه فشرط عليهم الرجوع إلى دين النصرانية كما كان قسطنطين فقبلوا‏.‏ وبعث إليه سابور في القدوم عليه فسار إليه في ثمانين من أشراف الروم وتلقاه سابور وعانقه وبالغ في إكرامه وعقد معه الصلح على أن يعطي الروم قيمة ما أفسدوه من بلاد فارس وأعطوا بدلاً عن ذلك نصيبين‏.‏ فرضي بها أهل فارس‏.‏ وكانت مما أخذه الروم من أيديهم فملكها سابور وشرد عنها أهلها خوفاً من سطوته‏.‏ فنقل إليها من أهل إصطخر وأصبهان وغيرهما‏.‏ وانصرف يوسانوس بالروم وهلك عن قريب ورجع سابور إلى بلاده‏.‏ وفيما نقله بعض الإخباريين أن سابور دخل بلاد الروم متنكراً وعثر عليه‏.‏ فأخذ في جلد ثور‏.‏ وزحف ملك الروم بعساكره إلى جنديسابور فحاصرها وإن سابور هرب من حبسه ودخل جنديسابور المدينة ثم خرج إلى الروم فهزمهم وأسر ملكهم قيصر وأخذه بعمارة ما خرب من بلاده ونقل التراب والغروس إليها ثم قطع أنفه وبعث به على حمار إلى قومه‏.‏ وهي قصة واهية تشهد العادة بكذبها‏.‏ ثم هلك سابور لاثنتين وسبعين سنة من ملكه وهو الذي بنى مدينة نيسابور وسجستان وبنى الإيوان المشهور لمقعد ملوكهم‏.‏ وملك لعهده امرؤ القيس بن عدي وأوصى بالملك لأخيه أردشير بن هرمز وفتك في أشراف فارس وعظمائهم فخلعوه لأربعين سنة من دولته وملكوا سابور بن ذي الأكتاف فاستبشر الناس برجوع ملك أبيه إليه‏.‏ وأحسن السيرة ورفق بالرعية وحمل على ذلك العمال والوزراء والحاشية ولم يزل عادلاً وخضع له عمه أردشير المخلوع وكانت له حروب مع إياد وفي ذلك يقول شاعرهم‏:‏ على رغم سابور بن سابور أصبحت قباب إياد حولها الخيل والنعم وقيل إن هذا الشعر إنما قيل في سابور ذي الأكتاف‏.‏ ثم هلك سابور لخمس سنين من دولته وملك أخوه بهرام ويلقب كرمان شاه وكان حسن السياسة وهلك لإحدى عشرة سنة من دولته رماه بعض الرماة بسهم في القتال فقتله وملك بعده ابنه يزدجرد الأثيم‏.‏ وبعض نسابة الفرس يقول إنه أخوه وليس ابنه وإنما هو ابن ذي الأكتاف‏.‏ وقال هشام محمد‏:‏ كان فظاً غليطاً كثير المكر والخديعة يفرغ في ذلك عقله وقوة معرفته وكان معجباً برأيه سيء الخلق كثير الحدة يستعظم الزلة الصغيرة ويرد الشفاعة من أهل بطانته متهماً للناس قليل المكافأة‏.‏ وبالجملة فهو سيء الأحوال مذمومها‏.‏ واستوزر لأول ولايته برسي الحكيم ويسمى فهربرشي ومهرمرسة وكان متقدماً في الحكمة والفضائل‏.‏ وأمل أهل المملكة أن تهرب من يزدجرد الأثيم فلم يكن ذلك‏.‏ واشتد أمره على الأشراف بالإهانة وعلى من دونهم بالقتل‏.‏ وبينما هو جالس في مجلسه يوماً إذا بفرس عابر لم يطق أحد إمساكه قد وقف ببابه فقام إليه ليتولى إمساكه بنفسه فرمحه فمات لوقته لإحدى وعشرين سنة من ملكه‏.‏ وملك بعده ابنه بهرام بن يزدجرد ويلقب ببهرام جور وكان نشؤوه ببلاد الحيرة مع العرب أسلمه أبوه إليهم فربي بينهم وتكلم بلغتهم ولما مات أبوه قدم أهل فارس رجلاً من نسل أردشير ثم زحف بهرام جور بالعرب فاستولى على ملكه كما نذكر في أخبار آل المنذر‏.‏ وفي أيام بهرام جور سار خاقان ملك الترك إلى بلاد الصغد من ممالكه فهزمه بهرام وقتله ثم غزا الهند وتزوج ابنة ملكهم فهابته ملوك الأرض وحمل إليه الروم الأموال على سبيل المهادنة‏.‏ وهلك لتسع وعشرين من دولته وملك ابنه يزدجرد بن بهرام جور واستوزر مهربرسي الحكيم الذي كان أبوه استوزره وجرى في ملكه بأحسن سيرة من العدل والإحسان‏:‏ وهو الذي شرع في بناء الحائط بناحية الباب الأبواب وجعل جبل الفتح سداً بين بلاده وما وراءها من أمم الأعاجم وملك لعشرين سنة من دولته‏.‏ وملك من بعده ابنه هرمز وكان ملكاً على سجستان فغلب على الدولة ولحق أخوه فيروز بملك الصغد بمرو الروذ‏.‏ وهذه الأمم هم المعروفون قديماً بالهياطلة وكانوا بين خوارزم وفرغانة فأمر فيروز بالعساكر وقاتل أخاه هرمز فغلبه وحبسه‏.‏ وكانت الروم قد امتنعت عن حمل الخراج فحمل إليهم العساكر مع وزيره مهربرسي فأثخن في بلادهم حتى حملوا ما كانوا يحملونه واستقام أمره وأظهر العدل‏.‏ وأصابهم القحط في دولته سبع سنين فأحسن تدبير الناس فيها وكف عن الجباية وقسم الأموال ولم يهلك في تلك السنين أحد إتلافاً‏.‏ وقيل إنه استسقى لرعيته من ذلك القحط فسقوا وعادت البلاد إلى أحسن


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:39

ما كانت عليه‏.‏ وكان لأول ما ملك أحسن إلى الهياطلة جزاءً بما أعانوه على أمره‏.‏ فقوى ملكهم أمره‏.‏ وزحفوا إلى أطراف ملكه وملكوا طخارستان وكثيراً من بلاد خراسان وزحف هو إلى قتالهم فهزموه وقتلوه وأربعة بنين له وأربعة إخوة واستولوا على خراسان بأسرها‏.‏ وسار إليهم رجل من عظماء الفرس من أهل شيراز فغلبهم على خراسان وأخرجهم منها حتى ألقوا بجميع ما أخذوه من عسكر فيروز من الأسرى والسبي‏.‏ وكان مهلكه لسبع وعشرين من دولته‏.‏ وبنى المدن بالري وجرجان وأذربيجان‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ إن ملك الهياطلة الذي سار إلى فيروز اسمه خشتوا والرجل الذي استرجع خراسان من يده هو خرسوس من نسل منوشهر وأن فيروز استخلفه لما سار إلى خشتوا والهياطلة على مدينتي الملك وهما طبسون ونهرشير فكان من أمره مع الهياطلة بعد فيروز ما تقدم‏.‏ وملك بعد فيروز بن يردجرد ابنه يلاوش ابن فيروز ونازعه أخوه قباذ الملك فغلبه يلاوش ولحق قباذ بخاقان ملك الترك يستنجده وأحسن يلاوش الولاية والعدل وحمل أهل المدن على عمارة ما خرب من مدنهم وبنى مدينة ساباط قرب المدائن‏.‏ وهلك لأربع سنين من دولته وملك من بعده أخوه قباذ بن فيروز وكان قد سار بعساكر الترك أمده بها خاقان فبلغه الخبر بمهلك أخيه وهو بنيسابور من طريقه وقد لقي بها ابناً كان له هنالك حملت به أمه منه عند مروره ذلك إلى خاقان‏.‏ فلما أحل بنيسابور ومعه العساكر وسأل عن المرأة فأحضرت ومعها الخبر وجاء الخبر هنالك بمهلك أخيه يلاوش فتيمن بالمولود وسار إلى سرحد الذي كان أبوه فيروز استخلفه على المدائن مال الناس إليه دون قباذ واستبد عليه‏.‏ فلما كبر وبلغ سن الاستبداد بأمره أنف من استبداد سرحد عليه فبعث إلى أصبهبذ البلاد وهو سابور مهران فقدم عليه وقبض على سرحد وحبسه ثم قتله‏.‏ ولعشرين من دولته حبس وخلع ثم عاد إلى الملك‏.‏ وصورة الخبر عن ذلك أن مزدك الزنديق كان إباحياً وكان يقول باستباحة أموال الناس وأنها فيء وأنه ليس لأحد ملك شيء ولا حجره والأشياء كلها ملك لله مشاع بين ناس لا يختص به أحد دون أحد وهو لمن اختاره‏.‏ فعثر الناس منه على متابعة مزدك في هذا الاعتقاد واجتمع أهل الدولة فخلعوه وحبسوه وملكوا جاماسات أخاه‏.‏ وخرج رزمهر شاكياً داعياً لقباذ ويقرب إلى الناس بقتل المزدكية وأعاد قباذ إلى ملكه ثم سعت المزدكية عنده في رزمهر بإنكار ما أتى قبلهم فقبله واتهمه الناس برأي مزدك فانتقضت الأطراف وفسد الملك وفر قباذ من محبسه ولحق قباذ بالهياطلة وهم الصغد مستجيشاً لهم ومر في طريقه بأبوشهر فتزوج بنت ملكها وولدت له أنوشروان‏.‏ ثم أمده ملك الهياطلة فزحف إلى المدائن لست سنين من مغيبه وغلب أخاه جاماسات واستولى على الملك‏.‏ ثم غزا بلاد الروم وفتح آمد وسبى أهلها وطالت مدته وابتنى المدن العظيمة منها مدينة أراجان بين الأهواز وفارس‏.‏ ثم هلك لثلاث وأربعين سنة من ملكه في الكرة الأولى‏.‏ وملك ابنه أنوشروان بن قباذ بن فيروز بن يزدجرد وكان يلي الأصبهبذ وهي الرياسة على الجنود‏.‏ ولما ملك فرق أصبهبذ البلاد على أربعة‏:‏ فجعل أصبهبذ المشرق بخراسان والمغرب بأذربيجان وبلاد الخزر واسترد البلاد التي تغلب عليها جيران الأطراف من الملوك مثل السند وبست الرخج وزابلستان وطخارستان ودهستان‏.‏ وأثخن في أمة البازر وأجلى بقيتهم‏.‏ ثم أدهنوا واستعان بهم في حروبه‏.‏ وأثخن في أمة صول واستلحمهم وكذلك الجرامقة وبلنجر واللان‏.‏ وكانوا يجاورون أرمينية ويتمالأون على غزوها فبعث إليهم العساكر واستلحموهم وأنزل بقيتهم أذربيجان‏.‏ وأحكم بناء الحصون التي كان بناها قباذ وفيروز بناحية صول واللان لتحصين البلاد وأكمل بناء الأبواب والسور الذي بناه جده بجبل الفتح بنوه على الأزماق المنفوخة تغوص في الماء كلما ارتفع البناء إلى أن استقرت بقعر البحر وشقت بالخناجر فتمكن الحائط من الأرض ثم وصل السور في البر ما بين جبل الفتح والبحر وفتحت فيه الأبواب ثم وصلوه في شعاب الجبل وبقي فيه إلى أن كمل‏.‏
قال المسعودي‏:‏ إنه كان باقياً لعصره والظن أن التتر خربوه بعد لما استولوا على ممالك الإسلام في المائة السابعة ومكانه اليوم في مملكة بني ذو شيخان ملوك الشمال منهم‏.‏ وكان لكسرى أنو شروان في بنائه خبر مع ملوك الخزر‏.‏ ثم استفحل ملك الترك وزحف خاقان سيحور وقتل ملك الهياطلة واستولى على بلادهم وأطاعه أهل بلنجر وزحف إلى بلاد صول في عشرة آلاف مقاتل‏.‏ وبعث إلى أنو شروان يطلب منه ما أعطاه أهل بلنجر في الفداء وضبط أنو شروان أرمينية بالعساكر وامتنعت صول بملكها أنو شروان والناحية الأخرى بسور الأبواب فرجع خاقان خائباً‏.‏ وأخذ أنو شروان في إصلاح السابلة والأخذ بالعدل وتفقد أهل المملكة وتخير الولاة والعمال مقتدياً بسير أردشير بن بابك جده‏.‏ ثم سار إلى بلاد الروم وافتتح حلب وقبرص وحمص وأنطاكية ومدينة هرقل الإسكندرية وضرب الجزية على ملوك القبط وحمل إليه ملك الروم الفدية وملك الصين والتبت الهدايا‏.‏ ثم غزا بلاد الخزر وأدرك فيهم بثأره وما فعلوه ببلاده‏.‏ ثم وفد عليه ابن ذي يزن من نسل الملوك التبابعة يستجيشه على الحبشة فبعث معه قائداً من قواده في جند من الديلم فقتلوا مسروقاً ملك الحبشة باليمن وملكوها‏.‏ وملك عليهم سيف بن ذي يزن وأمره أن يبعث عساكره إلى الهند فبعث إلى سرنديب قائداً من قواده فقتل ملكها واستولى عليها وحمل إلى كسرى أموالاً جمة‏.‏ وملك على العرب في مدينة الحيرة ثم سار نحو الهياطلة مطالباً بثأر جده فيروز فقتل ملكهم واستأصل أهل بيته‏.‏ وتجاوز بلخ وما وراءها وأنزل عساكره فرغانة وأثخن في بلاد الروم وضرب عليهم الجزى وكان مكرماً للعلماء محباً للعلم وفي أيامه ترجم كتاب كليلة وترجمه من لسان اليهود وحله بضرب الأمثال ويحتاج إلى فهم دقيق‏.‏ وعلى عهد ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم لاثنتين وأربعين سنة من ملكه وذلك عام الفيل‏.‏ وكذلك ولد أبوه عبد الله ابن عبد المطلب لأربع وعشرين سنة من ملكه‏.‏ قال الطبري‏:‏ وفي أيامه رأى الموبذان الإبل الصعاب تقود الخيل العراب وقد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها فأفزعه ذلك وقص الرؤيا على من يعبرها فقال‏:‏ حادث يكون من العرب‏.‏ فكتب كسرى إلى النعمان أن يبعث إليه بمن يسأله عما يريده فبعث إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حسان بن نفيلة الغساني وقص عليه الرؤيا فدله على سطيح وقال له ائته وكان فيما قاله سطيح إنه يملك من آل كسرى أربعة عشر ملكاً‏.‏ فاستطال كسرى المدة وملكوا كلهم في عشرين سنة أو نحوها‏.‏ وبعث عامل اليمن وهرز بهدية وأموال وطرف من اليمن إلى كسرى فأغار عليها بنو يربوع من تميم وأخذوها‏.‏ وجاء أصحاب العير إلى هوذة بن علي ملك اليمامة من بني حنيفة فسار معهم إلى كسرى فأكرمه وتوجه بعقد من لؤلؤ ومن ثم قيل له ذو التاج‏.‏ وتحب إلى عامله بالبحرين في شأنهم وكان كثيراً مايوقع ببني تميم ويقطعهم حتى سموه المكفر فتحيل عليهم بالميرة ونادى مناديه في أحيائهم‏:‏ أن الأمير يقسم فيكم بحصن المشعر ميرة فتسايلوا إليه ودخلوا الحصن‏.‏ فقتل الرجال وخصى الصبيان‏.‏ وجاءت هدية أخرى من اليمن على أرض الحجاز أجازها رجل من بني كنانة فعدت عليه قيس وقتلوه وأخذوا الهدية فنشأت الفتنة بين كنانة وقيس لأجل ذلك وكانت بينهم حرب الفجار عشرين سنة وشهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم صغيراً كان ينبل على أعمامه‏.‏ ثم هلك أنو شروان لثمان وأربعين من دولته وملك ابنه هرمز‏.‏ قال هشام‏:‏ وكان عادلاً حتى لقد أنصف من نفسه خصياً كان له وكانت له خؤولة في الترك وكان مع ذلك يقتل الأشراف والعلماء‏.‏ وزحف إليه ملك الترك شبابة في ثلثمائة ألف مقاتل فسار هرمز إلى هراة وباذغيس لحربهم وخالفه ملك الروم إلى ضواحي العراق وملك الخزر إلى باب الأبواب وجموع العرب إلى شاطىء الفرات فعاثوا في البلاد ونهبوا واكتنفته الأعداء من كل جانب‏.‏ وبعث قائده بهرام صاحب الري إلى لقاء الترك وأقام هو بمكانه من خراسان بيت هراة وباذغيس‏.‏ وقاتل بهرام الترك وقتل ملكهم شبابة بسهم أصابه واستباح معسكره وأقام بمكانه‏.‏ فزحف إليه برمومة بن شبابة بالترك فهزمه بهرام وحاصره في بعض الحصون حتى استسلم‏.‏ وبعث به إلى هرمز أسيراً وبعث معه بالأموال والجواهر والآنية والسلاح وسائر الأمتعة‏.‏ يقال في مائتين وخمسين ألفاً من الأحمال‏.‏ فوقع ذلك من هرمز أحسم المواقف‏.‏ وغص أهل الدولة ببهرام وفعله فأكثروا فيه السعاية‏.‏ وبلغ الخبر إلى بهرام فخشيه على نفسه‏.‏ فداخل من كان معه من المرازبة وخلعوا هرمز ودعوا لابنه أبرويز وداخلهم في ذلك أهل الدولة فلحق أبرويز بأذربيجان خائفاً على نفسه واجتمع إليه المرازبة والأصبهبذيون فملكوه‏.‏ ووثب بالمدائن الأشراف والعظماء وتفدويه وبسطام خال


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:39

أبرويز فخلعوا هرمز وحبسوه وتحرزوا من قتله‏.‏ وأقبل أبرويز بمن معه إلى المدائن فاستولى على الملك ثم نظر في أمر بهرام وتحرز منه وسار إليه وتوافقا بشط النهروان ودعا أبرويز إلى الدخول في أمره ويشترط ما أحب فلم يقبل ذلك وناجزه الحرب فهزمه‏.‏ ثم عاود الحرب مراراً وأحسن أبرويز بالقتل من أصحابه فرجع إلى المدائن منهزماً وعرض على النعمان أن يركبه فرسه فنجا عليها‏.‏ وكان أبوه محبوساً بطبسون فأخبر الخبر وشاوره فأشار عليه بقصد مريق ملك الروم يستجيشه فمضى لذلك ونزل المدائن لاثنتي عشرة سنة من ملكه‏.‏ وفي بعض طرق هذا الخبر أن أبرويز لما استوحش من أبيه هرمز لحق بأذربيجان واجتمع عليه مع من اجتمع ولم يحدث شيئاً‏.‏ وبعث هرمز لمحاربة بهرام قائداً من مرازبته فانهزم وقتل ورجع فلهم إلى المدائن وبهرام في اتباعهم‏.‏ واضطرب هرمز وكتبت إليه أخت المرزبان المهزوم من بهرام تستحثه للملك‏.‏ فسار إلى المدائن وملك وأتاه أبوه فتواضع له أبرويز وتبرأ له من فعل الناس وأنه إنما حمله على ذلك الخوف‏.‏ وسأله أن ينتقم له ممن فعل به ذلك وأن يؤنسه بثلاثة من أهل النسب والحكمة يحادثهم في كل يوم فأجابه واستأذنه في قتل بهرام جوبين فأشار به‏.‏ وأقبل بهرام حثيثاً وبعث خاليه نفدويه وبسطام يستدعيانه للطاعة فرد أسوأ رد وقاتل أبرويز واشتدت الحرب بينهما‏.‏ ‏.‏ لما رأى أبرويز فشل أصحابه شاور أباه ولحق بملك الروم وقال له خالاه عند فصولهم من المدائن‏:‏ نخشى أن يدخل بهرام المدائن ويملك أباك ويبعث فينا إلى ملك الروم‏.‏ وانطلقوا إلى المدائن فقتلوا هرمز ثم ساروا مع أبرويز وقطعوا الفرات واتبعتهم عساكر بهرام وقد وصلوا إلى تخوم الروم وقاتلوهم وأسروا نفدويه خال أبرويز ورجعوا عنهم‏.‏ ولحق أبرويز ومن معه بأنطاكية وبعث إلى قيصر موريق يستنجده فأجابه وأكرمه وزوجه ابنته مريم وبعث إليه أخاه بناطوس بستين ألف مقاتل وقائدهم واشترط عليه الأتاوة التي كان الروم يحملونها‏.‏ فقبل وسار بالعساكر إلى أذربيجان ووافاه هنالك خاله نفدويه هارباً من الأسر الذي كانوا أسروه‏.‏ ثم بعث العساكر من أذربيجان مع أصبهبذ الناحية فانهزم بهرام جوبين ولحق بالترك وسار أبرويز إلى المدائن فدخلها وفرق في الروم عشرين ألف ألف دينار وأطلقهم إلى قيصر‏.‏ وأقام بهرام عند ملك الترك وصانع أبرويز عليه ملك الترك وزوجته حتى دست عليه من قتله‏.‏ واغتم لذلك ملك الترك وطلقها من أجله‏.‏ وبعث إلى أخت بهرام أن يتزوجها فامتنعت ثم أخذ أبرويز في مهاداة قيصر موريق والطافه وخلعه الروم وقتلوه وملكوا عليهم ملكاً اسمه قوفا قيصر ولحق ابنه بأبرويز فبعث العساكر على ثلاثة من القواد وسار أحدهم ودوخوا الشام إلى فلسطين‏.‏ ووصلوا إلى بيت المقدس فأخذوا أساقفتها ومن كان بها من الأقسة وطالبوهم بخشبة الصليب فاستخرجوها من الدفن وبعثوا بها إلى كسرى‏.‏ وسار منهم قائد آخر إلى مصر وإسكندرية وبلاد النوبة فملكوا ذلك كله‏.‏ وقصد الثالث قسطنطينية وخيم على الخليج وعاث في ممالك الروم ولم يجب أحد إلى طاعة ابن موريق‏.‏ وقتل الروم قوفا الذي كانوا ملكوه لما ظهر من فجوره وملكوا عليهم هرقل‏.‏ فافتتح أمره بغزو بلاد كسرى وبلغ نصيبين فبعث كسرى قائداً من أساورته فبلغ الموصل وأقام عليها يمنع الروم المجاوزة‏.‏ وجاز هرقل من مكان آخر إلى جند فارس فأمر كسرى قائده بقتاله فانهزم وقتل وظفر هرقل بحصن كسرى وبالمدائن‏.‏ ووصل هرقل قريباً منها ثم رجع‏.‏ وأولع كسرى العقوبة بالجند المنهزمين وكتب إلى سخراب بالقدوم من خراسان وبعثه بالعساكر وبعث هرقل عساكره والتقيا بأذرعات وبصرى فغلبتهم عساكر فارس‏.‏ وسار سخراب في أرض الروم يخرب ويقتل ويسبي حتى بلغ القسطنطينية ورجع وعزله أبرويز عن خراسان وولى أخاه‏.‏ وفي مناوبة هذا الغلب بين فارس والروم نزلت الآيات من أول سورة الروم‏.‏ قال الطبري‏:‏ وأدنى الأرض التي أشارت إليها الآية هي أذرعات وبصرى التي كانت بها هذه الحروب‏.‏ ثم غلبت الروم لسبع سنين من ذلك العهد وأخبر المسلمون بذلك الوعد الكريم لما أهمهم من غلب فارس الروم لأن قريشاً كانوا يتشيعون لفارس لأنهم غير دائنين بكتاب والمسلمون يودون غلب الروم لأنهم أهل كتاب‏.‏ وفي كتب التفسير بسط ما وقع في ذلك بينهم وأبرويز هذا هو الذي قتل النعمان بن المنذر ملك العرب وعامله على الحيرة سخطه بسعاية عدي بن زيد العبادي وزير النعمان وكان قد قتل أباه وبعثه إلى كسرى ليكون عنده ترجماناً للعرب كما كان أبوه قد فعل بسعايته في النعمان وحمله على أن يخطب إليه ابنته‏.‏ وبعث إليه رسوله بذلك عدي بن زيد فترجم له عنه في ذلك مقابلة قبيحة أحفظت كسرى أبرويز مع ما كان تقدم له في منعه الفرس يوم بهرام كما تقدم‏.‏ فاستدعاه أبرويز وحبسه بساباط ثم أمر به فطرح للفيلة وولى على العرب بعده أياس بن قبيصة الطائي جزاء بوفاء ابن عمه حسان يوم بهرام كما تقدم‏.‏ ثم كان على عهده وقعة ذي قار لبكر بن وائل ومن معهم من عبس وتميم على الباهوت مسلحة كسرى بالحيرة ومن معه من طيء‏.‏ وكان سببها أن النعمان بن المنذر أودع سلاحه عند هانىء بن مسعود الشيباني وكانت شكة ألف فارس وطلبها كسرى منه فأبى إلا أن يردها إلى بيته فآذنه كسرى بالحرب وآذنوه بها‏.‏ وبعث كسرى إلى أياس أن يزحف إليه بالمسالح التي كانت ببلاد العرب بأن يوافوا أياساً واقتتلوا بذي قار وانهزمت الفرس ومن معهم‏.‏ وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ اليوم انتصف العرب من العجم وبي نصروا ‏"‏ أوحى إليه بذلك أو نفث في روعه‏.‏ قيل إن ذلك كان بمكة وقيل بالمدينة بعد وقعة بدر بأشهر‏.‏ وفي أيام أبرويز كانت البعثة لعشرين من ملكه وقيل لاثنتين وثلاثين حكاه الطبري‏.‏ وبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه يدعوه إلى الإسلام كما تقدم في أخبار اليمن وكما يأتي في أخبار الهجرة‏.‏ ولما طال ملك أبرويز بطر وأشر وخسر الناس في أموالهم وولى عليهم الظلمة وضيق عليهم المعاش وبغض عليهم ملكه‏.‏ وقال هشام‏:‏ جمع أبرويز من المال ما لم يجمعه أحد وبلغت عساكره القسطنطينية وأفريقية وكان يشتو بالمدائن ويصيف بهمدان وكان له إثنتا عشرة ألف امرأة وألف فيل وخمسون ألف دابة‏.‏ وبنى بيوت النيران وأقام فيها اثني عشر ألف هربذ وأحصى جبايته لثمان عشر سنة من ملكه فكان أربعمائة ألف ألف مكررة مرتين وعشرون ألف ألف مثلها فحمل إلى بيت المال بمدينة طبسون وكانت هنالك أموال أخرى من ضرب فيروز بن يزدجرد منها اثنا عشر ألف بدرة في كل بدرة من الورق مصارفة أربعة آلاف مثقال فتكون جملتها ثمانية وأربعين ألف ألف مثقال مكررة مرتين في صنوف من الجواهر والطيوب والأمتعة والآنية لا يحصيها إلا الله تعالى‏.‏ ثم بلغ من عتوه واستخفافه بالناس أنه أمر بقتل المقيدين في سجونه وكانوا ستة وثلاثين ألفاً فنقم ذلك عليه أهل الدولة وأطلقوا ابنه شيرويه واسمه قباذ وكان محبوساً مع أولاده كلهم لإنذار بعض المنجمين له بأن بعض ولده يغتاله فحبسهم‏.‏ وأطلق أهل الدولة شيرويه وجمعوا إليه المقيدين الذين أمر بقتلهم ونهض إلى قصور الملك بمدينة نهشير فملكها وحبس أبرويز وبعث إلى ابنه شيرويه يعنفه‏.‏ فلم يرض ذلك أهل الدولة وحملوه على قتله‏.‏ وقتل لثمان وثلاثين سنة من ملكه وجاءته أختاه بوران وأزرميدخت فأسمعتاه وأغلظتا له فيما فعل فبكى ورمى التاج عن رأسه وهلك لثمانية أشهر من


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:40

مقتل أبيه في طاعون هلك فيه نصف الناس أو ثلثهم‏.‏ وكان مهلكه لسبع من الهجرة فيما قال السهيلي‏.‏ ثم ولى ملك الفرس من بعده ابنه أردشير طفلاً ابن سبع سنين لم يجدوا من بيت الملك سواه لأن أبرويز كان قتل المرشحين كلهم من بنيه وبني أبيه فملك عظماء فارس هذا الطفل أردشير وكفله بهادرخشنش صاحب المائدة في الدولة فأحسن سياسة ملكه وكان شهريران بتخوم الروم في جند ضمهم إليه أبرويز وحموهم هنالك وصاحب الشورى في دولتهم ولما لم يشاوروه في ذلك غضب وبسط يده في القتل وطمع في الملك وأطاعه من كان معه من العساكر وأقبل إلى المدائن‏.‏ وتحصن بهادرخشنش بمدينة طبسون دار الملك ونقل إليها الأموال والذخائر وأبناء الملوك وحاصرها شهريران فامتنعت ثم داخل بعض العسس ففتحوا له الباب فاقتحمها وقتل العظماء واستصفى الأموال وفضح النساء‏.‏ وبعث إلى أردشير الطفل الملك من قتله لسنة ونصف من ملكه‏.‏ وملك شهريران على التخت ولم يكن من بيت الملك وامتعض لقتل أردشير جماعة من عظماء الدولة وفيهم زادان فروخ وشهريران ووهب مؤدب الأساورة وأجمعوا على قتل شهريران‏.‏ وداخلوا في ذلك بعض حرس الملك فتعاقدوا على قتله‏.‏ وكانوا يعملون قدام الملك في الأيام والمشاهد سماطين ومر بهم شهريران بعض أيام بين السماطين وهم مسلحون فلما حاذاهم طعنوه فقتلوه‏.‏ وقتلوا العظماء بعد قتل أردشير الطفل ثم ملكوا بوران بنت أبرويز ودفعت أمر الدولة إلى قبائل شهريران من حرس الملك وهو فروخ بن ماخدشيراز من أهل إصطخر ورفعت رتبته وأسقطت الخراج عن الناس وأمرت برم القناطير والجسور وضرب الورق وردت خشبة الصليب على الجاثيليق ملك إلى الروم وهلكت لسنة وأربعة أشهر‏.‏ وملكوا بعدها خشنشده من عمومة أبرويز عشرين يوماً فملك أقل من شهر‏.‏ ثم ملك أزرميدخت بنت أبرويز وكانت من أجل نسائهم‏.‏ وكان عظيم فارس يومئذ فروخ هرمز أصبهبذ خراسان فأرسل إليها في التزويج فقالت هو حرام على الملكة ودعته ليلة كذا فجاء وقد عهدت إلى صاحب حرسها أن يقتله ففعل فأصبح بدار الملك قتيلاً وأخفى أثره‏.‏ وكان لما سار إلى أزرميدخت استخلف خراسان ابنه رستم‏.‏ فلما سمع بخبر أبيه أقبل في جند عظيم حتى نزل المدائن وملكها وسمل أزرميدخت وقتلها وقيل سمها فماتت وذلك لستة أشهر من ملكها‏.‏ وملكوا بعدها رجلاً من نسل أردشير بن بابك وقتل لأيام قلائل‏.‏ وقيل بل هو من ولد أبرويز اسمه فروخ زاد بن خسرو وجدوه بحصن الحجارة قريب نصيبين فجاؤوا وقيل لما قتل كسرى ابن مهرخشنش طلب عظماء فارس من يولونه الملك ولو من قبل النساء فأتي برجل وجد بميسان اسمه فيروز بن مهرخشنش ويسمى أيضاً خشنشدة أمه صهاربخت بنت يرادقرار بن أنو شروان فملكوه كرهاً ثم قتلوه بعد أيام قلائل‏.‏ ثم شخص رجل من عظماء الموالي وهو رئيس الخول إلى ناحية الغرب فاستخرج من حصن الحجارة قرب نصيبين ابناً لكسرى كان لجأ إلى طبسون فملكوه ثم خلعوه وقتلوه لستة أشهر من ملكه‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ كان أهل إصطخر قد ظفروا بيزدجرد بن شهريار بن أبرويز فلما بلغهم أن أهل المدائن عصوا على خسرو فروخ زاذ أتوا بيزدجرد من بيت النار الذي عندهم ويدعى أردشير فملكوه باصطخر وأقبلوا به إلى المدائن وقتلوا فروخ زاذ خسرو لسنة من ملكه‏.‏ واستقل يزدجرد بالملك‏.‏ وكان أعظم وزرائه رئيس الموالي الذي جاء بفرخزاد خسرو من حصن الحجارة وضعفت مملكة فارس وتغلب الأعداء على الأطراف من كل جانب‏.‏ فزحف إليهم العرب المسلمون بعد سنتين من ملكه وقيل بعد أربع‏.‏ فكانت أخبار دولته كلها هي أخبار الفتح نذكرها هنالك إلى أن قتل بمرو بعد نيف وعشرين سنة من ملكه‏.‏ هذه هي سياقة الخبر عن دولة هؤلاء الأكاسرة الساسانية عند الطبري‏.‏ ثم قال آخرها‏:‏ فجميع سني العالم من آدم إلى الهجرة على ما يزعمه اليهود أربعة آلاف سنة وستمائة واثنان وأربعون سنة وعلى ما يدعيه النصارى في توراة اليونانيين ستة آلاف سنة غير ثمان سنين وعلى ما يقوله الفرس إلى مقتل يزدجرد أربعة آلاف ومائة وثمانون سنة ومقتل يزدجرد عندهم لثلاثين من الهجرة‏.‏ وأما عند أهل الإسلام فبين آدم ونوح عشرة قرون والقرن مائة سنة وبين نوح وإبراهيم كذلك وبين إبراهيم وموسى كذلك‏.‏ ونقله الطبري عن ابن عباس وعن محمد بن عمرو بن واقد الإسلامي عن جماعة من أهل العلم‏.‏ وقال إن الفترة بين عيسى وبين محمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة ورواه عن سلمان الفارسي وكعب الأحبار والله أعلم بالحق في ذلك والبقاء لله الواحد القهار‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:41

الخبر عن دولة يونان والروم و أنسابهم ومصايرهم كان هؤلاء الأمم من أعظم أمم العالم وأوسعهم ملكاً وسلطاناً
وكانت لهم الدولتان العظيمتان للإسكندر والقياصرة من بعده الذين صبحم الإسلام وهم ملوك بالشام‏.‏ ونسبهم جميعاً إلى يافث باتفاق من المحققين إلا ما ينقل عن الكندي في نسب يونان إلى عابر بن فالغ وأنه خرج من اليمن بأهله وولده مغاضباً لأخيه قحطان فنزل ما بين الأفرنجة والروم فاختلط نسبه بهم وقد تخلط يونان بقحطان ضلة لعمري لقد باعدت بينهما جدا ولذلك يقال إن الإسكندر من تبع وليس شيء من ذلك بصحيح وإنما الصحيح نسبهم إلى يافث‏.‏ ثم إن المحققين ينسبون الروم جميعاً إلى يونان الإغريقيون منهم واللطينيون‏.‏ ويونان معدود في التوراة من ولد يافث لصلبه واسمه فيها يافان بفاء تقرب من الواو فعربته العرب إلى يونان‏.‏ وأما هروشيوش فجعل الغريقيين خمس طوائف منتسبين إلى خمسة من أبناء يونان وهم‏:‏ كيتم وحجيلة وترشوش وددانم وإيشاي‏.‏ وجعل من شعوب إيشاي سجيبية وأثناش وشمالا وطشال ولجدمون‏.‏ ونسب الروم اللطينيين فيهم ولم يعين نسبهم في أحد من الخمسة ونسب الإفرنج إلى غطرما بن عومر بن يافث‏.‏ وقال‏:‏ إن الصقالبة إخوانهم في نسبه‏.‏ وقال‏:‏ إن الملك كان في هذه الطوائف لبني أشكال بن غومر والملوك منهم هؤلاء الغريقيون قبل يونان وغيرهم‏.‏ ونسب القوط إلى ماداي بن يافث وجعل من إخوانهم الأرمن‏.‏ ثم نسب القوط مرة أخرى إلى ماغوغ بن يافث وجعل اللطينيين من إخوانهم في ذلك النسب‏.‏ ونسب القاللين منهم إلى رفنا بن غومار‏.‏ ونسب إلى طوبال بن يافث الأندلس والإيطاليين والأركاديين‏.‏ ونسب إلى طبراش بن يافث أجناس الترك واسم الغريقيين عنده يشمل أبناء يونان كلهم كما ذكره‏.‏ وينوع الروم إلى الغريقيين واللطينيين‏.‏ وقال ابن سعيد فيما نقله من تواريخ المشرق عن البيهقي وغيره‏:‏ إن يونان هو ابن علجان بن يافث قال‏:‏ ولذلك يقال لهم العلوج ويشركهم في هذا النسب سائر أهل الشمال من غير الترك‏.‏ وإن الشعوب الثلاثة من ولد يونان‏:‏ فالاغريقيون من ولد أغريقش بن يونان والروم من ولد رومي بن يومان واللطينيون من ولد لطين بن يونان وإن الإسكندر من الروم منهم والله أعلم‏.‏ ونحن الآن نذكر أخبار الدولتين الشهيرتين منهم مبلغ علمنا والله الموفق للصواب سبحانه وتعالى‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:42

الخبر عن دولة يونان والإسكندر منهم وما كان لهم من الملك والسلطان إلى انقراض أمرهم هؤلاء اليونانيون المتشبعون إلى الغريقيين واللطينيين
كما قلناه اختصوا بسكنى الناحية الشمالية من المعمور مع إخوانهم من سائر بني يافث كلهم كالصقالبة والترك والإفرنجة من ورائهم وغيرهم من شعوب يافث‏.‏ ولهم منها الوسط ما بين جزيرة الأندلس إلى بلاد الترك بالمشرق طولاً وما بين البحر المحيط والبحر الرومي عرضاً فمواطن اللطينيين منهم في الجانب الغربي ومواطن الغريقيين منهم في الجانب الشرقي والبحر بينهما خليج القسطنطينية‏.‏ وكان لكل واحد من شعبي الغريقيين واللطينيين منهم دولة عظيمة مشهورة في العالم واختص الغريقيون باسم اليونانيين وكان منهم الاسكندر المشهور الذكر أحد ملوك العالم وكانت ديارهم كما قلناه بالناحية الشرقية من ثم استولى على ما وراء ذلك من بلاد الترك والعراق والهند ثم جال أرمينية وما وراءها من بلاد الشام وبلاد مقدونية ومصر والإسكندرية وكان ملوكهم يعرفون بملوك مقدونية‏.‏ وذكر هروشيوش مؤرخ الروم من شعوب هؤلاء الغريقيين نحو لجدمون‏.‏ وبنو أنتناش‏.‏ قال‏:‏ وإليهم ينسب الحكماء الأنتاشيون وهم ينسبون لمدينتهم أجدة أنتاش‏.‏ قال‏:‏ ومن شعوبهم أيضاً بنو طمان ولجدمون كلهم بنو شمالا بن إيشاي وقال في موضع آخر‏:‏ لجدمون أخو شمالا‏.‏ وكانت شعوب هذه الأمة قبل الفرس والقبط وبني إسرائيل متفرقة بافتراق شعوبها وكان بينهم وبين إخوانهم اللطينيين فتن وحروب‏.‏ ولما استفحل ملك فارس لعهد الكينية أرادوهم على الطاعة لهم فامتنعوا وغزتهم فارس فاستصرخوا عليهم بالقبط فسالموهم إلى محاربة الغريقيين حتى أذلوهم وأخذوا الجزى منهم وولوا عليهم‏.‏ ويقال أن أفريدون ولى عليهم ابنه‏.‏ وأن جده الإسكندر لأبيه من أعقابه‏.‏ ويقال‏:‏ إن بختنصر لما ملك مصر والمغرب أنفوه بالطاعة وكانوا يحملون خراجهم إلى ملك فارس عدداً من كرات الذهب أمثال البيض ضريبة معلومة عليهم في كل سنة‏.‏ ولما فرغوا من شأن أهل فارس وأنفوا ملكهم بالجزى والطاعة صرفوا وجوههم إلى حرب الليطينيين ثم استفحل أمر الإيشائيين من الغريقيين ولم يكن قوامهم إلا الجرمونيون فغلبوهم وغلبوا بعدهم اللطينيين والفرناسيين والأركاديين‏.‏ واجتمع إليهم سائر شعوب الغريقيين واعتز وقال ابن سعيد‏:‏ إن الملك استقر بعد يونان في ابنه أغريقش في الجانب الشرقي من خليج قسطنطينية وتوالى الملك في ولده وقهروا اللطينيين والروم ودال ملكهم في أرمينية وكان من أعظمهم هرقل الجبار بن ملكاًن بن سلقوس بن أغريقش‏.‏ يقال‏:‏ إنه ضرب الأتاوة على الأقاليم السبعة وملك بعده ابنه يلاق وإليه تنسب الأمة اليلاقية وهي الآن باقية على بحر سودان‏.‏ واتصل الملك في عقب يلاق إلى أن ظهر إخوانهم الروم واستبدوا بالملك‏.‏ وكان أولهم هردوس بن منطرون بن رومي ابن يونان‏.‏ فملك الأمم الثلاثة وصار اسمه لقباً لكل من ملك بعده‏.‏ وسمت به يهود الشام كل من قام بأمرها منهم‏.‏ ثم ملك بعده ابنه هرمس‏.‏ فكانت له حروب مع الفرس إلى أن قهروه وضربوا عليه الأتاوة فاضطرب حينئذ أمر اليونانيين وصاروا دولاً وممالك‏.‏ وانفرد الإغريقيون برئيس لهم وصنع مثل ذلك اللطينيون إلا أن اللقب بملك الملوك كان لملك الروم‏.‏ ثم ملك بعده ابنه مطريوش فحمل الأتاوة لملك الفرس لاشتغاله بحرب اللطينيين والإغريقيين‏.‏ وملك بعده ابنه فيلفوش وكانت أمه من ولد أفريدون الذي ملكه أبوه على اليونان فظهر وهدم مدينة أغريقية وبنى مدينة مقدونية في وسط الممالك بالجانب الغربي من الخليج‏.‏ وكان محباً للحكمة فلذلك كثر ثم ملك من بعده ابنه الإسكندر وكان معلمه من الحكماء أرسطو‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ إن أباه فيلفوش إنما ملك بعد الاسكندر ابن تراوش أحد ملوكهم العظماء‏.‏ وكان فيلفوش صهراً له على أخته لينبادة بنت تراوش وكان له منها


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:42

الإسكندر الأعظم‏.‏ قال وكان ملك الإسكندر بن تراوش لعهد أربعة آلاف وثمانمائة من عهد الخليقة ولعهد أربعمائة أو نحوها من بناء رومة‏.‏ وهلك وهو محاصر لرومة قتله اللطينيون عليها لسبع سنين من دولته‏.‏ فولي أمر الغريقيين والروم من بعده صهره على أخته لينبادة فيلفوش بن آمنتة بن هركلش‏.‏ واختلفوا عليه فافترق أمرهم وحاربهم إلى أن انقادوا وغلبهم على سائر أوطانهم وأراد بناء القسطنطينية فمنعه الجرمانيون بما كانت لهم فقاتلهم حتى استلحمهم واجتمع إليه سائر الروم والغريقيين من بني يونان‏.‏ وملك ما بين المانية وجبال أرمينية‏.‏ وكان الفرس لذلك العهد قد استولوا على الشام ومصر فاعتزم فيلوفش على غزو الشام فاغتاله في طريقه بعض اللطينيين وقتله بثأر كان له عنده‏.‏ وولي من بعده ابنه الإسكندر فاستمر على مطالبة بلاد الشام وبعث إليه ملوك فارس في الخراج على الرسم الذي كان لعهد أبيه فيلفوش فبعث إليه الإسكندر إني قد ذبحت تلك الدجاجة التي كانت تبيض الذهب وأكلتها‏.‏ ثم زحف إلى بلاد الشام واستولى عليها وفتح بيت المقدس وقرب فيه القربان وذلك لعهد مائتين وخمسين من فتح بختنصر إياها‏.‏ وامتعض أهل فارس لانتزاعه إياها من ملكتهم فزحف إليه دارا في ستين ألفاً من الفرس ولقيه الإسكندر في ستمائة ألف من قومه فغلبهم وفتح كثيراً من مدن الشام ورجع إلى طرسوس فزحف إليه دارا ولقيه عليها فهزمه الإسكندر وافتتح طرسوس ومضى وبنى الإسكندرية‏.‏ ثم تزاحف مع دارا وهزمه وقتله وتخطى إلى فارس فملك بلادها وهدم مدينة الملك بها وسبى أهلها وأشار عليه معلمه إلى أرسطو بأن يجعل الملك في أسافلهم لتتفرق كلمتهم ويخلص إليه أمرهم‏.‏ فكاتب الإسكندر ملوك كل ناحية من الفرس والنبط والعرب وملك على كل ناحية وتوجه فصاروا طوائف في ملكهم‏.‏ واستبد كل واحد منهم بجهة كان ملكها لعقبه‏.‏ ومعلمه أرسطو هذا من اليونانيين وكان مسكنه أثينا وكان كبير حكماء الخليقة غير منازع‏.‏ أخذ الحكمة عن أفلاطون اليوناني‏.‏ كان يعلم الحكمة وهو ماش تحت الرواق المظلل له من حر الشمس فسمي تلاميذه بالمشائين وأخذ أفلاطون عن سقراط ويعرف بسقراط الدن بسكناه في دن من الخزف اتخذه لرهبانيته وقتله قومه أهل يونان مسموماً لما نهاهم عن عبادة الأوثان‏.‏ وكان هو أخذ الحكمة عن فيثاغورس منهم‏.‏ ويقال‏:‏ إن فيثاغورس أخذ عن تاليس حكيم ملطية وأخذ تاليس عن لقمان‏.‏ ومن حكماء اليونانيين دميقراطيس وأنكسيثاغورس كان مع حكمته مبرزاً في علم الطب وبعث فيه بهمن ملك الفرس إلى ملك يونان فامتنع من إيفاده عليه ضنانة به‏.‏ وكان من تلامذته جالينوس لعهد عيسى عليه السلام ومات بصقلية ودفن بها‏.‏ ولما استولى الإسكندر على بلاد فارس تخطاها إلى بلاد السند فملكها وبنى بها مدينة سماها الإسكندرية‏.‏ ثم زحف إلى بلاد الهند فغلب على أكثرها وحاربه فور ملك الهند فانهزم وأخذه الإسكندر أسيراً بعد حروب طويلة وغلب على جميع طوائف الهنود وملك بلاد الصين والسند وذللت إليه الملوك وحملت إليه الهدايا والخراج من كل ناحية‏.‏ وراسله ملوك الأرض من أفريقية والمغرب والإفرنجة والصقالبة والسودان‏.‏ ثم ملك بلاد خراسان والترك واختط مدينة الإسكندرية عند مصب النيل في البحر الرومي واستولى على الملوك‏.‏ يقال على خمسة وثلاثين ملكاً وعاد إلى بابل فمات بها‏.‏ يقال مسموماً سمه عامله على مقدونية لأن أمه شكته إلى الإسكندر فتوعده فأهدى له سماً وتناوله فمات لاثنتين وأربعين سنة من عمره بعد أن ملك اثنتي عشرة سنة‏:‏ سبعاً منها قبل مقتل دارا وخمساً بعده‏.‏ قال الطبري‏:‏ ولما مات عرض الملك على ابنه اسكندروس فاختار الرهبانية فملك يونان عليهم لوغوس من بيت الملك ولقبه بطليموس‏.‏ قال المسعودي‏:‏ ثم صارت هذه التسمية لكل من يملك منهم ومدينتهم مقدونية وينزلون الإسكندرية وملك منهم أربعة عشر ملكاً في ثلثمائة سنة‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ كان قسم الملك في حياته بين أربعة من أمرائه‏:‏ بطليموس فلدفوس كان على الإسكندرية وصر والمغرب وفيلفوس بمقدونية وما إليها من ممالك الروم وهو الذي سم الإسكندر ودمطرس بالشام وسلقوس بفارس والمشرق‏.‏ فلما مات استبد كل واحد بناحيته‏.‏ وكتب أرسطو شرح كتاب هرمس وترجمه من اللسان المصري إلى اليوناني وشرح ما فيه من العلوم والحكمة والطلسمات‏.‏ وكتاب الأسطماخيس يحتوي على عبادة الأول وذكر فيه أن أهل الأقاليم السبعة كانوا يعبدون الكواكب السيارة كل إقليم لكوكب ويسجدون له ويبخرون ويقربون ويذبحون‏.‏ وروحانية ذلك الكوكب تدبرهم بزعمهم‏.‏ وكتاب الإستماطيس يحتوي على فتح المدن والحصون بالطلسمات والحكم ومنها طلسمات لانزال المطر وجلب المياه‏.‏ وكتب الأشطرطاش في الاختبارات على سرى القمر في المنازل والاتصالات‏.‏ وكتب أخرى في منافع وخواص الأعضاء الحيوانيات والأحجار والأشجار والحشائش‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ إن الذي ملك بعد الإسكندر صاحب عسكره بطليموس بن لاوي فقام بأمرهم ونزل الإسكندرية واتخذها داراً لملكهم‏.‏ ونهض كلمنس بن الإسكندر وأمه بنت دارا ولينبادة أم الإسكندر وساروا إلى صاحب أنطاكية واسمه فمشاندر قتلهم‏.‏ واختلف الغريقيون على بطليموس وافترق أمره وحارب كل واحد منهم ناحيته إلى أن غلبهم جميعاً واستقام أمره‏.‏ ثم زحف إلى فلسطين وتغلب على اليهود وأثخن فيهم بالقتل والسبي والأسر‏.‏ ونقل رؤساءهم إلى مصر‏.‏ ثم هلك لأربعين سنة من ملكه وولي بعده ابنه فلديغيش وأطلق أسرى اليهود من مصر ورد الأواني إلى البيت وحباهم بآنية من الذهب وأمرهم بتعليقها في مسجد القدس وجمع سبعين من أحبار اليهود ترجموا له التوراة من اللسان العبراني إلى اللسان الرومي واللطيني‏.‏ ثم هلك فلديغيش لثمان وثلاثين سنة من ملكه وولي بعده ابنه أنطريس ويلقب أيضاً بطليموس لقبهم المخصوص بهم إلى آخر دولتهم‏.‏ فانعقدت السلم بينه وبين أهل أفريقية على مدعيون ملك قرطاجنة ووفد عليه وعقد معه الصلح عن قومه‏.‏ وزحف قواد رومة إلى الغريقيين ونالوا منهم‏.‏ ثم هلك أنطريس لست وعشرين سنة من ملكه وولي بعده أخوه فلوباذي فزحف إليه قواد رومة فهزمهم وجال في ممالكهم‏.‏ ثم كانت حروبه معهم بعدها سجالاً‏.‏ وزحف إلى اليهود فملك الشام عليهم وولى الولاة من قبله فيهم وأثخن بالقتل والسبي فيهم‏.‏ يقال إنه قتل منهم نحواً من ستين ألفاً‏.‏ وهلك لسبع عشرة سنة من ملكه وولي بعده ابنه إيفانش وعلى عهده كانت فتنة أهل رومة وأهل أفريقية التي اتصلت نحواً من عشرين سنة‏.‏ وافتتح أهل رومة صقلية وأجاز قوادهم إلى أفريقية وافتتحوا قرطاجنة كما نذكر في أخبارهم‏.‏ وهلك إيفانش لأربع وعشرين سنة من دولته‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:43

وولي بعده بالإسكندرية ابنه فلوماطر فزحف الغريقيون إلى رومة وكان فيهم صاحب مقدونية وأهل أرمينية والعراق وظاهرهم مهلك النوبة واجتمعوا لذلك فغلبهم الرومانيون وأسروا صاحب مقدونية وهلك فلوماطر لخمس وثلاثين سنة من ملكه‏.‏ وولي بعده ابنه إيرياطس وعلى عهده استفحل ملك أهل رومة واستولوا على الأندلس وجازوا البحر إلى قرطاجنة بأفريقية فملكوها وقتلوا ملكها أشدريال وخربوا مدينتها بعد أن عمرت تسعمائة سنة من بنائها كما نذكره في أخبارها‏.‏ وزحف أيضاً أهل رومة إلى الغريقيين فغلبوهم وملكوا عليهم مدينتهم قرنطة من أعظم مدنهم‏.‏ يقال إنها كانت ثانية قرطاجنة‏.‏ ثم هلك إيرياطس لسبع وعشرين سنة من ملكه وولي بعده ابنه شوطار سبع عشرة سنة‏.‏ وعلى عهده استفحل ملك أهل رومة ومهدوا الأندلس‏.‏ وملك بعده أخوه الإسكندر عشر سنين ثم ابنه ديونشيس مائة وثلاثين سنة‏.‏ وعلى عهده استولى الرومانيون على بيت المقدس ووضعوا الجزية على اليهود وزحف قيصر يوليوس من قوادهم إلى الإفرنجة ولمياش أيضاً من قوادهم إلى الفرس فغلبوهم جميعاً ومما حولهم إلى أنطاكية واستولوا على ما كان لهم من ذلك وخرج الترك من بلادهم فأغاروا على مقدونية فردهم هامس قائد الرومانيين بالمشرق على أعقابهم‏.‏ وهلك ديونشيس فوليت بعده ابنته كلابطرة سنتين فيما قال هروشيوش لخمسة آلاف ونيف من مبدإ الخليقة ولسبعمائة سنة من بناء رومة‏.‏ وعلى عهدها استبد قيصر يوليوس بملك رومة وغلب عليها القواد أجمع ومحا دولتهم منها وذلك بعد مرجعه من حرب الإفرنج‏.‏ ثم سار إلى المشرق فملك إلى أرمينية ونازعه مبانش هنالك فهزمه قيصر وفر مبانش إلى مصر مستنجداً بملكتها - وهي يومئذ كلابطرة - فبعثت برأسه إلى قيصر خوفاً منه فلم يغنها ذلك وزحف قيصر إليها فملك مصر والإسكندرية من كلابطرة هذه وانقرض ملك اليونانيين وولي قيصر على مصر والإسكندرية وبيت المقدس من قبله وذلك لسبعمائة أو نحوها من بناء رومة ولخمسة آلاف من مبدإ الخليقة‏.‏ وذكر البيهقي أن كلابطرة زحفت إلى أرض اللطينيين وقهرتهم وأرادت العبور إلى الأندلس فحال دونها الجبل الحاجز بين الأندلس والإفرنج فاستعملت في فتحه الحيل والنار حتى نفذت إلى الأندلس وإن مهلكها كان على يد أوغسطوس يوليوس ثاني القياصرة‏.‏ وكذا ذكر المسعودي وأنها ملكت اثنتين وعشرين سنة وكان زوجها أنطونيوس مشاركاً لها في ملك مقدونية ومضر وأن قيصر أوغسطوس زحف إليهم فهلك زوجها أنطونيوس في حروبه‏.‏ ثم أراد التحكم في كلابطرة ليستولي على حكمتها إذ كانت بقية الحكماء من آل يونان فخطبها وتحيلت في إهلاكه وإهلاك نفسها بعد أن اتخذت بعض الحيات القاتلة التي بين الشام والحجاز وأطلقتها بمجلسها بين رياحين نصبتها هنالك ولمست الحيات فهلكت لحينها وأقامت بمكانها كأنها جالسة ودخل أوغسطس لا يشعر بذلك حتى تناول من تلك الرياحين ليشمها فأصابته الحية وهلك لحينه وتمت حيلتها عليه‏.‏ وانقرض ملك اليونانيين بهلاكها وذهبت علومهم إلا ما بقي بأيدي حكمائهم في كتب خزائنهم حتى بعث عنها المأمون وأمر باستخراجها فترجمت له من هروشيوش‏.‏ وأما ابن العميد فعد ملوك مصر والاسكندرية بعد الإسكندر أربعة عشر آخرهم كلابطرة كلهم يسمون بطليموس كما قال المسعودي‏.‏ ولم يذكر ملوك المشرق منهم بعد الإسكندر ولا ملوك الشام ولا ملوك مقدونية الذين قسم الملك فيهم كما ذكرناه إلا بذكر ملك أنطاكية من اليونانيين ويسميه أنطيوخس كما ذكرناه الآن‏.‏ وذكر في أسماء ملوك مصر هؤلاء وفي عددهم خلافاً كثيراً إلا أنه سمى كل واحد منهم بطليموس‏.‏ فقال في بطليموس الأول إنه أخو الإسكندر أو مولاه اسمه‏:‏ فلافاذافسد أو أرنداوس أو لوغس أوفيلبس ملك سبعاً وقيل أربعين‏.‏ قال وفي عصره بنى سلقيوس وأظنه ملك المشرق منهم قمامة وحلب وقنسرين وسلوقية واللاذقية‏.‏ قال ومنها كان الكوهن الأعظم بالقدس سمعان بن خونيا وبعده أخوه ألعازر قال وفي التاسعة من لوغش جاء أنطيوخس المعظم إلى بلاد اليهود واستعبدهم‏.‏ وفي الحادية عشر حارب الروم فغلبوه وأسروه وأخذوا منه ابنه أقفاقس رهينة‏.‏ وفي الثالثة عشر تزوج أنطيوخس كلابطرة بنت لوغس زوجها له أبوها وأخذ سورية بلاد المقدس في مهرها‏.‏ وفي التاسعة عشر وثب أهل فارس والمشرق على ملكهم فخلعوه وولوا ابنه ثم هلك لوغس‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ بعد مائة وإحدى وثلاثين سنة لليونان ملك بطليموس بن الإسكندروس ويلقب غالب أثور وملك مصر والإسكندرية والبلاد الغربية إحدى وعشرين سنة وقيل ثمانياً وثلاثين سنة ويسمى أيضاً فيلادلفوس أي‏:‏ محب أخيه وهو الذي استدعى أحبار اليهود وعلماءهم الاثنين وسبعين يترجموا له التوراة وكتب الأنبياء من العبرانية إلى اليونانية وقابلوها بنسخهم فصحت‏.‏ وكان من هؤلاء الأحبار سمعان المذكور أولاً وعاش إلى أن حمل على ذراعيه في الهيكل ومات ابن ثلثمائة وخمسين‏.‏ سبعين سنة‏.‏ ويظهر من هذا أن بطليموس هو تلماي وإنه من ملوك مقدونية وملك مصر لان ابن كريون قال‏:‏ وفي ذلك الزمان كان تلماي من أهل مقدونية ملك مصر وكان يحب العلوم‏.‏ فاستدعى من اليهود سبعين من أحبارهم وترجموا له التوراة وكتب الأنبياء‏.‏ وكان في عصره صادوق الكوهن انتهى‏.‏ وملك خمساً وأربعين سنة وملك بعده بطليموس الأرنبا وقيل اسمه رغادي وقيل راكب الأنبر ملك أربعاً وعشرين وقيل سبعاً وعشرين وهو الذي بنى ملعب الخيل باسكندرية الذي أحرق في عصر زينون قيصر‏.‏ وملك بعده بطليموس محب أخيه ويقال أوغسطس ويقال فيلادلفس ملك ست عشرة سنة وكان في عصره أخميم الكوهن‏.‏ وملك بعده بطليموس الصائغ ويقال أخيه ملك خمس سنين وقيل خمساً وعشرين‏.‏ وعلى عهده كان اليهود الكوهن وكان ضالاً غشوماً وقتله بعض خدمه خنقاً‏.‏ و ملك بعده بطليموس محب أبيه وقيل اسمه فيلوباطر ملك سبع عشرة سنة وأخذ الجزية من اليهود‏.‏ وملك بعده بطليموس المظفر وقيل الغالب وقيل محب أمه ملك عشرين وقيل أربعاً وعشرين‏.‏ وفي التاسع عشر من ملكه خرج متيتياً بن يوحنا بن شمعون الكوهن الأعظم ويعرف بحشمناي من بني يوناداب من نسل هارون‏.‏ وبعث أنطيوخس ملك أنطاكية ابنه ألغايش بالعساكر إلى القدس فأعمل الحيلة في ملكها وقتل ألعازر الكوهن وحمل بني إسرائيل على السجود لآلهته‏.‏ فهرب متيتا في جماعة من اليهود إلى الجبال‏.‏ حتى إذا خرجت عساكر يونان رجع إلى القدس ومر بالمذبح فوجد يهودياً يذبح خنزيراً عليه‏.‏ وثار باليونانيين فقتل قائدهم وأخرجهم واستبد بملك القدس كما ذكرناه في أخباره‏.‏ ثم ملك بطليموس فيلوباطر أي‏:‏ محب أبيه خمساً وعشرين سنة وقيل عشرين‏.‏ وكان في أيامه بالقدس يهوذا بن متيتيا وبعده أخوه يوناداب وبعده أخوه شمعون وبعده أخوه هرقانوس واسمه يوحنان وهو أول من تسمى بالملك من بني حشمناي‏.‏ وبعث ابنه يوحنا بالعساكر لقتال قيدونوس قائد أنطيوخس فغلبه‏.‏ وارتفع عن اليهود الخراج الذي كانوا يعطونه لملوك سورية من أيام فيلبوس ملك المشرق‏.‏ وملك بعده بطليموس أرغادي أي الفاضل وقيل بطليموس الصايغ وقيل سانيطر ملك عشرين وقيل ثلاثاً وعشرين وقيل ثلاثة عشر‏.‏ ولعهده جدد أنطيوخس بناء أنطاكية وسماها باسمه‏.‏ ولعهده كان ملك هرقانوس على القدس وبنيه الثلاثة وخرب مدينة السامرة سبسطية ولعهده أيضاً زحف أنطيوخس إلى القدس وحاصرها فصانعه هرقانوس بثلثمائة كرة من الذهب استخرجها من قبر داود عليه السلام‏.‏ ثم ملك على مصر والإسكندرية بطليموس المخلص وقيل مقروطون وقيل شعري ملك ثماني عشرة وقيل عشرين وقيل سبعاً وعشرين ولعهده كان الإسكندروس تلماي بن هرقانوس سابع بني حشمناي بالقدس‏.‏ وكانت فرق اليهود عندهم ثلاثة‏:‏ الربانيون ثم القراوون وهم في الإنجيل زنادقة وهم في الإنجيل الكتبة‏.‏ ثم على مصر بطليموس محب أمه وقيل الإسكندروس وقيل قيقتس وقيل الإسكندر وقيل ابن المخلص ملك عشر سنين لا غير‏.‏ ولعهده كانت الإسكندرة ملكة على بيت المقدس‏.‏ ولعهده بطلت مملكة سورية لمائتين وسبع عشرة سنة من ملك يونان‏.‏ وقتل بطليموس هذا قتله أهل إهراقية وأحرقوه‏.‏ ثم ملك على مصر بطليموس فيناس وقيل إيزيس وقيل المنفي لأن كلابطرة الملكة نفته عن الملك وملك ثمان سنين وقيل ثلاثاً وعشرين يوماً وقيل ثمانية عشر يوماً‏.‏ وبعضهم أسقطه من البطالسة ولم يذكره‏.‏ ثم ملك على مصر بطليموس يوناشيش إحدى وعشرين سنة وقيل إحدى وثلاثين وقيل ثلاثين‏.‏ ولعهده كان أرستبلوس وأخوه هرقانوس على القدس‏.‏ ثم ملك على مصر كلابطرة بنت ديوناشيش ومعنى هذا الاسم الساكنة على الصخرة‏.‏ وملكت ثلاثين وقيل اثنتين وعشرين وكانت حاذقة‏.‏ وفي الثالثة من ملكها حفرت


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:43

خليج الإسكندرية وجرى فيه الماء‏.‏ وبنت باسكندرية هيكل زحل والعاروص وبنت مقياساً بأخميم وآخر بمدينة أنصناء‏.‏ وفي الرابعة من ملكها ملك برومة أغانيوس أول القياصرة ملك أربعاً ثم يوليوس بعده ثلاثاً ثم أغسطس بن مونوجس فاستولى على الممالك والنواحي وبلغ خبره إليها فحصنت بلادها وبنت حائطاً من الفرماء إلى النوبة شرقي النيل وحائطاً آخر من إسكندرية إلى النوبة غربي النيل وهو حائط العجوز لهذا العهد وبعث أوغسطس العساكر إلى مصر مع قائده أنطريوس ومعه متردات ملك الأرمن فخادعت كلابطرة أنطريوس وأوعدته بتزويجها فقتل رفيقه متردات وتزوجها وعصى أوغسطس‏.‏ فسار أوغسطس إليها وملك مصر وقتل كلابطرة وولديها وقائده بطريوس الذي تزوجها‏.‏ ويقال إنها وضعت له سماً في مجلسها وإن أوغسطس تناوله ومات والله أعلم‏.‏ وانقرضت مملكة يونان من مصر والاسكندرية والمغرب بملكها وصارت هذه الممالك للروم إلى حين الفتح الإسلامي‏.‏ انتهى كلام ابن العميد‏.‏ والخلاف الذي ينقله عن جماعة مؤرخيهم يذكر منهم سعيد بن بطريق ويوحنا فم الذهب والمنجي وابن الراهب وابيفانيوس‏.‏ والظاهر أنهم من مؤرخي النصارى والبقاء لله الواحد القهار سبحانه لا إله غيره ولا معبود سواه‏.


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:44

الخبر عن اللطينيين وهو الكيتم المعروفون بالروم من أمم يونان و أشياعهم وشعوبهم
وما كان لهم من الملك والغلب وذكر الدولة التي فيهم للقياصرة وأولية ذلك ومصايره هذه الأمة من أشهر أمم العالم وهي ثانية الغريقيين عند هروشيوش ويجتمعان في نسب يونان‏.‏ وثالثتهم عند البيهقي ويجتمعون في نسب يونان بن علجان بن يافث‏.‏ واسم الروم يشملهم ثلاثتهم لما كان الروم أهل المملكة العظمى منهم‏.‏ ومواطن هؤلاء الليطينيين بالناحية الغربية من خليج القسطنطينية إلى بلاد الإفرنجة فيما بين البحر المحيط والبحر الرومي من شماليه‏.‏ وملك هذه الأمة قديماً‏.‏ كانت لهم مدينة اسمها طروبة وذكر هروشيوش أن أول من ملك من الليطينيين ألفنس بن شطرنش بن أيوب وذلك لعهد دائرة بني إسرائيل وقد مر ذكرها‏.‏ وفي آخر الألف الرابع من مبدإ الخليقة‏.‏ وملك من بعده ابنه بريامش واتصل الملك في عقب ألفنس هذا وإخوته وكان منهم كرمنس بن مرسية بن شيبن بن مزكة الذي ألف حروف اللسان اللطيني وأثبتها ولم تكن قبله‏.‏ وذلك على عهد يؤاثير بن كلعاد من حكام بني إسرائيل بعد أربعة آلاف وخمسين من مبدإ الخليقة‏.‏ وكان بين هؤلاء اللطينيين وبين الغريقيين إخوانهم فتن طويلة وعلى يدهم خربت طروبة مدينة اللطينيين لعهد أربعة آلاف ومائة وعشرين من مبدإ الخليقة أيام عبدون ملك بني إسرائيل وقد مر ذكره‏.‏ وكان ملكهم يومئذ أناش من عقب بريامش بن ألفنس بن شطرنش‏.‏ وولي بعده ابنه أشكانيش بن أناس وهو الذي بنى مدينة ألبا‏.‏ ثم اتصل الملك فيهم إلى أن افترق أمرهم‏.‏ ثم كان من أعقابهم برقاش أيام انقراض ملك الكلدانيين‏.‏ وصار للمازنيين والقضاعيين على عهد عزيا بن أمصيا من ملوك بني إسرائيل ولعهد أربعة آلاف ومائة وعشرين سنة من مبدإ الخليقة فصار الأمر في اللطينيين لبرقاش هذا بتولية ملك المازنيين ما كان لهم وللسرينيين قبلهم من الصيت في العالم والتفوق على الملوك بنسبهم وعصبيتهم‏.‏ ثم إتصل الملك لابنه ولحافديه روملس وداموس وهما اللذين اختطا مدينة روما وذلك لعهد أربعة آلاف وخمسمائة سنة من مبدإ الخليقة وعلى عهد حزقيا بن آحآز ملك بني إسرائيل ولأربعمائة ونيف من خراب مدينة طروبة‏.‏ وكان طول مدينة رومة من الشمال إلى الجنوب عشرين ميلاً في عرض اثني عشر ميلاً وارتفاع سورها ثمانية وأربعون ذراعاً في عرض عشرة أذرع وكانت من أحفل مدن العالم‏.‏ و تزل دارا مملكة اللطينيين والقياصرة منهم حتى صبحهم الإسلام وهي في ملكهم‏.‏ وكان اللطينيون بعد رملس وداموس وانقراض عقبهم قد سئموا ولاية الملوك عليهما فعزلوهم وصار أمرهم شورى بين الوزراء وكانوا يسمونهم القنشلش ومعناه الوزراء بلغتهم‏.‏ وكان عددهم سبعين على ما ذكر هروشيوش‏.‏ ولم يزل أمرهم على ذلك مدة سبعمائة سنة إلى أن استبد عليهم قيصر يوليوس بن غايش أول ملوك القياصرة كما نذكره بعد‏.‏ وكانت لهم حروب مع الأمم المجاورة لهم من كل جهة فحاربوا اليونانيين ثم حاربوا الفرس من بعدهم واستولوا على الشام ومصر‏.‏ ثم ملكوا جزيرة الأندلس ثم جزيرة صقلية ثم أجازوا إلى أفريقية فملكوها وخربوا قرطاجنة‏.‏ وأجاز أهل أفريقية إليهم وحاصروا رومة واتصلت الفتن بينهم عشرين سنة أو نحوها على ما نذكر وذهب جماعة من الإخباريين إلى أن الروم من ولد عيصو بن إسحاق عليه السلام‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ كان لليفاز ابن عيصو ولد اسمه صفوا ولما خرج يوسف من مصر ليدفن أباه يعقوب في مدينة الخليل عليه السلام اعترضه بنو عيصو وقاتلوه فهزمهم وأسر منهم صفوا بن أليفاز وبعثه إلى أفريقية فصار عند ملكها واشتهر بالشجاعة وحدثت الفتنة بين أغنياس وبين الكيتم وراء البحر فأجاز إليهم أغنياس في أهل أفريقية وأثخن فيهم وظهرت شجاعة صفوا بن أليفاز‏.‏ ثم هرب صفوا إلى الكيتم وعظم بينهم وحسن أثره في أهل أفريقية وفي الأمم المجاورة لكيتم من أموال وغيرها فزوجوه وملكوه عليهم‏.‏ قال‏:‏ وهو أول من ملك في بلاد أسبانيا وأقام ملكاً خمساً وخمسين سنة‏.‏ ثم عد ابن كريون بعده ستة عشر ملكاً من أعقابه آخرهم روملس باني رومة وكان لعهد داود عليه السلام وخاف منه فوضع مدينة رومة وبنى على جميعها هياكله ونسبت المدينة إليه وسميت باسمه وسمى أهنها الروم نسبة إليها‏.‏ ثم عد بعد روملس خمسة من الملوك الهيكل وأجمع أهل رومة أن لايولوا عليهم ملكاً‏.‏ وقدموا شيوخاً ثلثمائة وعشرين يدبرون ملكهم فاستقام أمرهم كما يجب إلى أن تغلب قيصر وسمى نفسه ملكاً فصاروا من بعده يسمون ملوكاً‏.‏ انتهى كلام ابن كريون وهو مناقض لما قاله هروشيوش‏.‏ فإنه زعم أن بناء رومة كان لعهد داود عليه السلام وهروشيوش قال إنه كان لعهد حزقيا رابع عشر ملوك بني يهوذا من لدن داود عليه السلام وبين المدتين تفاوت‏.‏ وخبر هروشيوش مقدم لأن واضعيه مسلمان كانا يترجمان لخلفاء الإسلام بقرطبة وهما معروفان ووضعا الكتاب‏.‏ فالله أعلم بحقيقة الأمر في ذلك‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:45

الخبر عن فتنة الكيتم مع أهل أفريقية وتخريب قرطاجنة ثم بناؤها على الكيتم وهم اللطينيون
كان بناء قرطاجنة هذه قبل بناء رومة باثنتين وسبعين سنة‏.‏ قال هروشيوش على يدي ديدن بن أليثا من نسل عيصو بن إسحاق وكان بها أمير يسمى ملكون وهو الذي بعث إلى الإسكندر بطاعته عند استيلائه على طرسوس‏.‏ ثم صار ملك أفريقية إلى أملقا من ملوكهم فافتتح صقلية وهاجت الحرب بينه وبين الرومانيين وأهل الإسكندرية بسبب أهل سردانية وذلك لخمسين سنة من بناء رومة‏.‏ ثم وقعت السلم بينهم وهي السلم التي وفد فيها عتون من ملوك ثم ولى بقرطاجنة أملقا ابنه أنبيل فأجاز إلى بلاد الإفرنج وغلبهم على بلادهم وزحف إليه قواد رومة فوالى عليهم الهزائم وبعث أخاه أشدريال إلى الأندلس فملكها وخالفه قواد الرومانيين إلى أفريقية بعد أن ملكوا من حصون صقلية أربعين أو نحوها‏.‏ ثم أجازوا إلى أفريقية فملكوها وقتلوا غشول خليفة أنبيل فيها وافتتحوا مدينة جردا‏.‏ وخرج آخرون من قواد رومة إلى الأندلس فهزموا أشدريال واتبعوه إلى أن قتلوه وفر أخوه أنهبيل عن بلادهم بعد ثلاث عشرة سنة من إجازته إليهم‏.‏ وبعد أن حاصر رومة وأثخن في نواحيها فلحق بافريقية ولقيه قواد أهل رومة الذين أجازوا إلى أفريقية فهزموه وحاصروه بقرطاجنة حتى سأل الصلح على أن يغرم لهم ثلاثة آلاف قنطار من الفضة فأجابوه إليه وسكنت الحرب بينهم ثم ظاهر بعد ذلك أنبيل صاحب أفريقية ملوك السرياينين على حرب أهل رومة فهلك في حربهم مسموماً‏.‏ وبعد أن تخلص أهل رومة من تلك الحروب رجعوا إلى الأندلس فملكوها ثم أجازوا البحر إلى قرطاجنة ففتحوها وقتلوا ملكها يومئذ أنبيل وخربوها لتسعمائة سنة من بنائها وسبعمائة لبناء رومة‏.‏ ثم دارت الحرب بين أهل رومة وملك النوبة واستظهر ملك النوبة بالبربر بعد أن هزموا أهل رومة واتبعوه إلى قفصة فملكوها واستولوا على ذخيرتها وهي من بناء أركلش الجبار ملك الروم وهزمهم أهل رومة فخافهم مالك البربر من ملوك النوبة إلى أن هلك في أسرهم وكانت هذه الحروب لعهد بطليموس الإسكندر بعد أن كان قواد رومة اجتمعوا على بناء قرطاجنة وتجديدها لاثنتين وعشرين سنة من خرابها فعمرت واتصل بها لأهل رومة ملك على ما نذكره بعد أن شاء الله تعالى‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:45

الخبر عن ملوك القياصرة من الكيتم وهم اللطينيون ومبد أ أمورهم ومصاير أحوالهم
لم يزل أمر هؤلاء الكيتم وهم اللطينيون راجعاً إلى الوزراء منذ سبعمائة سنة كما قلناه من عهد بناء رومة أو قبلها بقليل كما قال هروشيوش‏.‏ تقترع الوزراء في كل سنة فيخرج قائد منهم إلى كل ناحية كما توجبه القرعة فيحاربون أمم الطوائف ويفتحون الممالك‏.‏ وكانوا أولاً يعطون إخوانهم من الروم اليونانيين طاعة معروفة بعد الفتن والمحاربة حتى إذا هلك الإسكندر وافترق أمر اليونانيين والروم وفشلت ريحهم وقعت فتنة هؤلاء اللطينيين وهم الكيتم مع أهل أفريقية واستولوا عليها مراراً وخربوا قرطاجنة ثم بنوها كما ذكرناه‏.‏ وملكوا الأندلس وملكوا الشام وأرض الحجاز وقهروا العرب بالحجاز وافتتحوا بيت المقدس وأسروا ملكها يومئذ من اليهود وهو أرستبلوس بن الإسكندر ثامن ملوك بني حشمناي وغربوه إلى رومة وولوا قائدهم على ثم حاربوا ألغامس فكانت حروبهم معهم سجالاً إلى أن خرج يوليوس بن غايش ومعه ابن عمه لوجيار بن مدكة إلى جهة الأندلس وحارب من كان بها من الإفرنج والجلالقة إلى أن ملك بريطنية وأشبونة ورجع إلى رومة واستخلف على الأندلس أكتبيان ابن أخيه يونان‏.‏ فلما وصل إلى رومة وشعر الوزراء أنه يروم الاستبداد عليهم قتلوه فزحف أكتبيان ابن أخيه من الأندلس فأخذ بثأره وملك رومة واستولى على أرض قسطنطينية وفارس وأفريقية والأندلس‏.‏ وعمه بولس هو الذي تسمى قيصر فصار سمة لملوكهم من بعده‏.‏ وأصل هذا الاسم جاشر فعربته العرب إلى قيصر‏.‏ ولفظ جاشر مشترك عندهم فيقال جاشر للشعر‏.‏ وزعموا أن بولس ولد شعره نام يبلغ عينيه‏.‏ ويقال أيضاً للمشقوق جاشر‏.‏ وزعموا أن قيصر ماتت أمه وهي مقرب فبقر بطنها واستخرج بولس والأول أصح وأقرب إلى الصواب‏.‏ وكانت مدة بولس قيصر خمس سنين‏.‏ ولما ولى قيصر أكتبيان ابن أخته بملك الناحية الشمالية من الأرض ووفد عليه رسل الملوك بالمشرق يرغبون ولايته ويضرعون إليه في السلم فأسعفهم ودانت له أقطار الأرض‏.‏ وضرب الأتاوة على أهل الآفاق من الصغر وكان العامل على اليهود بالشام من قبله هيرودس بن أنظفتر وعلى مصر ابنه غايش‏.‏ وولد المسيح لاثنتين وأربعين سنة خلت من ملكه‏.‏ وهلك قيصر أكتبيان لست وخمسين من ملكه بعد وأما ابن العميد مؤر النصارى فذكر عن مبدإ هؤلاء القياصرة أن أمر رومة كان راجعاً إلى الشيوخ الذين يدبرون أمرهم وكانوا ثلثمائة وعشرين رجلاً لأنهم كانوا حلفوا أن لا يولوا عليهم ملكاً فكان تدبيرهم يرجع إلى هؤلاء وكانوا يقدمون واحداً منهم ويسمونه الشيخ وانتهى تدبيرهم في ذلك الزمان إلى أغانيوس فدبرهم أربع سنين وهو الذي سمي قيصر لأن أمه ماتت وهو جنين في بطنها فبقروا بطنها وأخرجوه‏.‏ ولما كبر انتهت إليه رياسة هؤلاء الشيوخ برومة أربع سنين‏.‏ ثم ولي من بعده يوليوس قيصر ثلات سنين ثم ولي من بعده أغسطس قيصر بن مرنوخس‏.‏ قال‏:‏ ويقال إن أوغسطس قيصر كان أحد قواد الشيخ مدبر رومة وتوجه بالعساكر لفتح المغرب والأندلس ففتحهما وعاد إلى رومة فملك عليهم وطرد الشيخ من رياسته بها وتدبيره ووافقته الناس على ذلك‏.‏ وكان للشيخ نائب بناحية المشرق يقال له فمقيوس فلما بلغه ذلك زحف بعساكره إلى رومة فخرج إليه أوغسطس فهزمه وقتله واستولى على ناحية المشرق وسير عساكره إلى فتح مصر مع قائدين من قواده وهما أنطونيوس ومتردات ملك الأرمن بدمشق فتوجها إلى مصر وبها يومئذ كلابطرة الملكة من قية البطالسة ملوك يونان بالإسكندرية ومصر فحصنت بلادها وبنت بعدوتي النيل حائطين مبدؤهما من النوبة إلى الإسكندرية غرباً وإلى ثم داخلت القائد أنطونيوس وخادعته بالتزويج فتزوجها وقتل رفيقه متردات وعصى على أوغسطس فزحف إليه وقتله وملك مصر وقتل كلابطرة وولديها وكانا يسميان الشمس والقمر‏.‏ وملك مصر والإسكندرية وذلك لاثنتي عشرة سنة من ملكه‏.‏ قال ولاثنتين وأربعين سنة من ملك أوغسطس ولد المسيح بعد مولد يحيى بثلاثة أشهر‏.‏ وذلك لتمام خمسة آلاف وخمسمائة سنة من سني العالم ولاثنتين وثلاثين من ملك هيردوس بالقدس وقيل لخمس وثلاثين من مملكته‏.‏ والكل متفقون على أنها لاثنتين وأربعين من ملك أوغسطس‏.‏ قال‏:‏ وسياقة التاريخ تقتضي أنها خمسة آلاف وخمسمائة شمسية من مبدإ العالم لأن من آدم إلى نوح ألفاً وستمائة ومن نوح إلى الطوفان ستمائة ومن الطوفان إلى إبراهيم ألفاً واثنتين وسبعين سنة ومن إبراهيم إلى موسى أربعمائة وخمساً وعشرين ومن موسى إلى داود عليهما السلام سبعمائة وستين ومن داود إلى الإسكندر سبعمائة وستين سنة ومن الإسكندر إلى مولد المسيح ثلثمائة وتسع عشرة سنة‏:‏ هكذا ذكر ابن العميد وأنها تواريخ النصارى وفيها نظر ويظهر من كلامه أن قيصر الذي سماه أوغسطس‏.‏ وذكر أن المسيح ولد لاثنتين وأربعين من ملكه هو الذي سماه هيردوس قيصر أكتبيان وجعل مهلكه لخمسة آلاف ومائتين من مبدإ الخليقة‏.‏ وعند ابن العميد أن ملكه لخمسة آلاف وخمسمائة وخمس عشرة والله أعلم بالحق من ذلك‏.‏ ثم ولي من بعده طباريش قيصر وكان وادعاً واستولى على النواحي وعلى عهده كان شأن المسيح وبغى اليهود عليه ورفعه الله من الأرض‏.‏ وأقام الحواريون من بعده واليهود يضطهدونهم ويحبسونهم علم إظهار أمرهم‏.‏ وكان بلاطس النبطي الذي كان قائداً على اليهود يسعى إلى طباريش بأخبار المسيح وبغي اليهود عليه وعلى يوحنا المعمدان وتبعتهم الحواريون من بعده بالأذية وأراه أنهم على حق فأمر بتخلية سبيلهم وهم بالأخذ بدينهم فمنعه من ذلك قومه‏.‏ ث م قبض على هيردوس وأحضره إلى رومة ثم نفاه إلى الأندلس فمات بها‏.‏ ثم ولى مكانه أغرياس ابن أخيه‏.‏ وافترق الحواريون في الآفاق لإقامة الدين وحمل الأمم على عبادة الله‏.‏ ثم قتل طباريش قيصر أغرياس ملك اليهود إلى أشر من حالهم وقتلوا أتباع الحواريين من الروم ومات طباريش لثلاث وعشرين من ملكه بعد أن جدد مدينة طبرية فيما قال ابن العميد واشتق اسمها من اسمه‏.‏ وملك من بعده غاينس قيصر‏.‏ وقال هروشيوش هو أخو طباريش وسماه غاينس فليفة بن أكتيبان‏.‏ وقال‏:‏ هو رابع القياصرة وأشدهم وأراد اليهود على نصب وثنه ببيت المقدس فمنعوه‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ ووقعت في أيامه شدة على النصارى وقتل يعقوب أخا يوحنا من الحواريين وحبس بطرس رئيسهم ثم هرب إلى أنطاكية فأقام بها‏.‏ وقدم هراديوس بطركاً عليها‏.‏ وهو أول البطاركة فيها‏.‏ ثم توجه إلى رومة لسنتين من ملك


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:46

غانيس فدبرها خمساً وعشرين سنة ونصب فيها الأساقفة وتنصرت امرأة من بيت الملك فعضدت النصارى ولقي النصارى الذين بالقدس شدائد من اليهود وكان الأسقف عليهم يومئذ يعقوب بن يوسف الخطيب‏.‏ وقال ابن العميد عن المسبحي‏:‏ إن فيلبس ملك مصر غزا اليهود أول سنة من ملك غانيس واستعبدهم سبع سنين‏.‏ قال وفي الرابعة من ملكه أمر عامله على اليهود بسورية وهي أورشاليم وهي بيت المقدس أن ينصب الأصنام في محاريب اليهود‏.‏ ووثب عليه بعض قواده فقتله‏.‏ وملك من بعده قلوديش قيصر‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ هو ابن طباريش وعلى عهده كتب متى الحواري إنجيله في بيت المقدس بالعبرانية‏.‏ قال ابن العميد ونقله يوحنا بن زبدي إلى الرومية قال‏:‏ وفي أيامه كتب بطرس رأس الحواريين إنجيله بالرومية وبعث به إلى مرقص تلميذه‏.‏ وكتب لوقا من الحواريين إنجيله بالرومية وبعث به إلى بعض الأكابر من الروم وكان لوقا طبيباً‏.‏ ثم عظم الفساد بين اليهود ولحق ملكهم أغرباش برومة فبعث معه أقلوديش عساكر الروم فقتلوا من اليهود خلقاً وحملوا إلى أنطاكية ورومة منهم سبياً عظيماً وخربت القدس وانجلى أهلها‏.‏ فلم يول عليهم القياصرة أحداً لخرابها‏.‏ قال ولسبع من ملك أقلوديش دخلت بطريقة من الروم في دين النصارى على يد شمعون الصفا وسمعت منه بالصليب فجاءت إلى القدس لإظهاره ورجعت إلى رومة‏.‏ وهلك أقلوديش قيصر لأربع عشرة سنة من ملكه وملك من بعده ابنه نيرون‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ هو سادس القياصرة وكان غشوماً فاسقاً وبلغه أن كثيراً من أهل رومة أخذوا بدين المسيح فنكر ذلك وقتلهم حيث وجدوا‏.‏ وقتل بطرس رأس الحواريين وأقام أريوس بطركاً برومة مكان بطرس من بعد خمس وعشرين سنة مضت لبطرس في كرسيها وهو رأس الحواريين ورسول المسيح إلى رومة‏.‏ وقتل مرقص الإنجيلي بالإسكندرية لاثنتي عشرة من ملكه وكان هنالك من منذ سبع سنين بها مساعداً إلى النصرانية بالإسكندرية ومصر وبرقة والمغرب وولى مكانه حنانيا ويسمى بالقبطية جنبار وهو أول البطارقة بها واتخذ معه الأقسة الاثني عشر‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:48

قال ابن العميد عن المسبحي‏:‏ وفي الثانية من ملك نيرون عزل بلخس القاضي كان على اليهود من جهة الروم وولى مكانه قسطس القاضي وقتل بوثار رئيس الكهنونية بالمقدس ومات القاضي قسطس فصار اليهود على من كان بالمقدس من النصارى وقتلوا أسقفهم هنالك وهو يعقوب بن يوسف النجار وهدموا البيعة وأخذوا الصليب والخشبتين ودفنوها إلى أن استخرجتها هلانة أم قسطنطين كما نذكر بعد‏.‏ وولي مكان يعقوب النجار ابن عمه شمعون بن كنابا ثم ثار بهم اليهود وأخرجوهم من المقدس لعشر من ملك نيرون فأجازوا الأردن وأقاموا هنالك‏.‏ وبعث نيرون قائده أسباشيانس وأمر بقتل اليهود وخراب القدس وتحصن اليهود منه وبنوا عليهم ثلاثة حصون وحاصرهم أسباشيانس وخرب جميع حصونهم وأحرقها وأقام عليهم سنة كاملة‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ إن نيرون قيصر انتقض عليه أهل مملكته فخرج عن طاعته أهل برطانية من أرض الجوف ورجع أهل أرمينية والشام إلى طاعة الفرس‏.‏ فبعث صهره على أخته وهو يشبشيان ابن لوجية فسار إليهم في العساكر وغلبهم على أمرهم‏.‏ ثم زحف إلى اليهود بالشام وكانوا قد انتقضوا فحاصرهم بالقدس وبينما هو في حصاره إذ بلغه موت نيرون لأربع عشرة سنة من ملكه ثار به جماعة من قواده فقتلوه‏.‏ وكان قد بعث قائداً إلى جهة الجوف والأندلس فافتتح برطانية ورجع إلى رومة بعد مهلك نيرون قيصر فملكه الروم عليهم وأنه قتل أخاه يشبشبان فأشار عليه أصحابه بالانصراف إلى رومة‏.‏ وبشره رئيس اليهود وكان أسيراً عنده بالملك‏.‏ ويظهر أنه يوسف بن كريون الذي مر ذكره فانطلق إلى رومة وخلف ابنه طيطش على حصار القدس فافتتحها وخرب مسجدها وعمرانها كما مر ذكره‏.‏ قال‏:‏ وقتل منهم نحواً من ستمائة ألف ألف مرتين وهلك في حصارها جوعاً نحو هذا العدد وبيع من سراريهم في الآفاق نحواً من تسعين ألفاً وحمل منهم إلى رومة نحواً من مائة ألف استبقاهم لفتيان الروم يتعلمون المقاتلة فيهم ضرباً بالسيوف وطعناً بالرماح‏.‏ وهي الجلوة الكبرى كانت لليهود بعد ألف ومائة وستين سنة من بناء بيت المقدس ولخمسة آلاف ومائتين وثلاثين من مبدإ الخليقة ولثمانمائة وعشرين من بناء رومة‏.‏ فكان معه إلى أن افتتحها وكان المستبد بها بعد مهلك نيرون قيصر وانقطع ملك آل بولس قيصر لمائة وست عشرة سنة من مبدإ دولتهم‏.‏ واستقام ملك يشبشيان في جميع ممالك الروم وتسمى قيصر كما كان من قبل كلام هروشيوش‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ إن أسباشيانس لما بلغه وهو محاصر للقدس أن نيرون هلك ذهب بالعساكر الذين معه وبشره يوسف بن كريون كهنون طبرية من اليهود بأن مصير ملك القياصرة إليه‏.‏ ثم بلغه أن الروم بعد مهلك نيرون ملكوا غلبان بن قيصر فأقام عليهم تسعة أشهر وكان رديء السيرة وقتله بعض خدمه غيلة وقدموا عوضه أنون ثلاثة أشهر ثم خلعوه وملكوا أبطالس ثمانية أشهر فبعث أسباشيانس وهو الذي سماه هروشيوش يشبشيان قائدين إلى رومة فحاربوا أبطانش وقتلوه وسار أسباشيانس إلى رومة وبعث إليه طيطش المحاصر للقدس بالأموال والغنائم والسبي‏.‏ قال‏:‏ وكانت عدة القتلى ألف ألف والسبي تسعمائة ألف واحتمل الخوارج الذين كانوا قال ولما ملك طيطش بيت المقدس رجع النصارى الذين كانوا عبروا إلى الأردن فبنوا كنيسة بالمقدس وسكنوا‏.‏ وكان الأسقف فيهم سمعان بن كلوبا ابن عم يوسف النجار وهو الثاني من أساقفة المقدس‏.‏ ثم هلك أسباشيانس وهو يشبشيان لتسع سنين من ملكه وملك بعده ابنه طيطش قيصر سنتين وقيل ثلاثاً‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ لاربعمائة من ملك الإسكندر وقال هيروشيوش‏:‏ كان متفنناً في العلوم ملتزماً للخير عارفاً باللسان الغريقي واللطيني وولي بعده أخوه دومريان خمس عشرة سنة قال هيروشيوش‏:‏ وهو ابن أخت نيرون قيصر‏.‏ قال‏:‏ وكان غشوماً كافراً وأمر بقتل النصارى فعل خاله نيرون وحبس يوحنا الحواري وأمر بقتل اليهود من نسل داود حذراً أن يملكوا وهلك في حروب الإفرنج وسماه ابن العميد دانسطيانوس‏.‏ وقال‏:‏ ملك ست عشرة سنة وقيل تسعاً وكان شديداً على اليهود‏.‏ وقتل أبناء ملوكهم‏.‏ وقيل له إن النصارى يزعمون أن المسيح يأتي ويملك فأمر بقتلهم وبعث عن أولاد يهوذا بن يوسف من الحواريين وحملهم إلى رومة مقيدين وسألهم عن شأن المسيح فقالوا‏:‏ إنما يأتي عند انقضاء العالم فخلى سبيلهم‏.‏ وفي الثالثة من دولته طرد بطرك اسكندرية لسبع وثمانين سنة للمسيح وقدم مكانه ملموا فأقام ثلاث عشرة سنة ومات فولى مكانه كرماهو‏.‏ قال ابن العميد عن المسبحي‏:‏ ولعهده كان أمر ليونيوس صاحب الطلسمات برومة فنفى ذوسطيالوس جميع الفلاسفة والمنجمين من رومة وأمر أن لا يغرس بها كرم‏.‏ ثم هلك ذوسطيالوس وهو الذي سماه هروشيوش دومريان وقال‏:‏ هلك في حروب الإفرنج وملك بعده برما ابن أخيه طيطش نحواً من سنتين وسماه ابن العميد تاوداس وقال أن المسبحي سماه قارون‏.‏ قال‏:‏ ويسمى أيضاً برسطوس وقال ملك على الروم سنة أو سنة ونصفاً وأحسن السيرة وأمر برد من كان منفياً من النصارى وخلاهم ودينهم ورجع يوحنا الإنجيلي إلى أفسس بعد ست سنين‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ أطلقه من السجن‏.‏ قال‏:‏ ولم يكن له ولد فعهد بالملك إلى طريانس من عظماء قواده وكان من أهل مالقة فولي بعده وتسمى قيصر‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ واسمه أنديانوس وسماه المسبحي طرينوس وملك على الروم باتفاق المؤرخين سبع عشرة سنة وقتل سمعان بن كلاويا أسقف بيت المقدس وأغناطيوس بطرك أنطاكية‏.‏ ولقي النصارى في أيامه شدة وتتبع أئمتهم بالقتل واستعبد عامتهم‏.‏ وهو ثالث القياصرة بعد نيرون في هذه الدولة‏.‏ ولعهده كتب يوحنا إنجيله برومة في بعض الجزائر لسادسة من ملكه وكان قد رجع اليهود إلى بيت المقدس فكثروا بها وعزموا على الانتقاض فبعث عساكره وقتل منهم خلقاً كثيراً‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ إن الحرب طالت بينه وبين اليهود فخربوا كثيراً من المدن إلى عسقلان ثم إلى مصر والإسكندرية فانهزموا هنالك وقتلوا وزحفوا بعدها إلى الكوفة فأثخن فيهم بالقتل وخضد من شوكتهم‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وفي تاسعة من ملكة مات كوثبانو بطرك الإسكندرية لإحدى عشرة سنة من ولايته وولي مكانه أمرغو عشر سنوات أخرى‏.‏ وقال بطليموس صاحب كتاب المجسطي‏:‏ إن شيلوش الحكيم رصد برومة في السنة الأولى من ملك طرينوس وهو أندريانوس لأربعمائة وإحدى وعشرين للإسكندر ولثمانمائة وخمس وأربعين لبختنصر‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ خرج عليه خارجي ببابل فهلك في حروبه لتسع عشرة سنة من ولايته كما قلناه فولي من بعده أندريانوس إحدى وعشرين سنة‏.‏ وقال ابن العميد عن ابن بطريق عشرين سنة‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ إنه أثخن في اليهود ثم بنى مدينة المقدس وسماها إيلياء‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ كان شديداً على النصارى وقتل منهم خلقاً وأخذ الناس بعبادة الأوثان وفي ثامنة ملكه خرب بيت المقدس وقتل عامة أهلها وبنى على باب المدينة عموداً وعليه لوح نقش فيه مدينة إيلياء‏.‏ ثم زحف إلى الخارجي الذي خرج على طرنيوس قبله فهزمه إلى مصر وألزم أهل مصر حفر خليج من مجرى النيل إلى بحر القلزم وأجرى فيه الحلو ثم ارتدم بعد ذلك‏.‏ وجاء الفتح والدولة الإسلامية فألزمهم عمرو بن العاص حفره حتى جرى فيه الماء ثم انسد لهذا العهد‏.‏ وكان أندريانوس هذا قد بنى مدينة القدس ورجع إليها اليهود وبلغه أنهم يرومون الانتقاض وأنهم ملكوا عليهم زكريا من أبناء الملوك‏.‏ فبعث إليهم العساكر وتتبعهم بالقتل وخرب المدينة حتى عادت صحراء وأمر أن لا يسكنها يهودي وأسكن اليونان بيت المقدس‏.‏ وكان هذا الخراب لثلاث وخمسين سنة من خراب طيطش
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:49

الذي هو الجلوة الكبرى‏.‏ وامتلأ القدس من اليونان وكانت النصارى يتردوون إلى موضع القبر والصليب يصلون فيه‏.‏ وكانت اليهود يرمون عليه الزبل والكناسات فمنعهم اليونان من الصلاة فيه وبنوا هنالك هيكلاً على اسم الزهرة‏.‏ وقال ابن العميد عن المسبحي‏:‏ وفي الرابعة من ملك أندريانوس بطل الملك من الرها وتداولتها القضاة من قبل الروم وبنى أندريانوس بمدينة أثنوس بيتاً ورتب فيه جماعة من الحكماء لمدارسة العلوم‏.‏ قال‏:‏ وفي خامسة ملكه قدم نسطس بطركاً على اسكندرية وكان حكيماً فاضلاً فلبث إحدى عشرة سنة ثم مات وقدم مكانه أمانيق في سادسة عشر من ملك أندريانوس فلبث إحدى عشرة سنة وهو سابع البطارقة‏.‏ ثم مات أندريانوس لإحدى وعشرين من ملكه كما مر وولي ابنه أنطونيش‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ ويسمى قيصر الرحيم‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ ملك اثنتين وعشرين‏.‏ وقال الصعيديون إحدى وعشرين‏.‏ قال‏:‏ وفي خامسة ملكه قدم مرتيانو بطركاً باسكندرية وهو الثامن منهم فلبث تسع سنين ومات وكان فاضل السيرة‏.‏ وقدم بعده كلوتيانو فلبث أربع عشرة سنة ومات في سابعة ملكه أوراليانوس بعده وكان محبوباً‏.‏ وقال بطليموس صاحب المجسطي‏:‏ إنه رصد الاعتدال الخريفي في ثالثة ملك أنطونيوس‏.‏ فكان لاربعمائة وثلاث وستين بعد الإسكندر‏.‏ ثم هلك أنطونيوس لاثنتين وعشرين كما مر‏.‏ فملك من بعده أوراليانوس‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وهو أخو أنطونيوس وسماه أورالش وأنطونيوس الأصغر‏.‏ وقال كانت له حروب مع أهل فارس‏.‏ وبعد أن غلبوا على أرمينية وسورية من ممالكه فدفعهم عنهما وغلبهم في حروب طويلة‏.‏ ‏.‏ وأصاب الأرض على عهده وباء عظيم وقحط الناس سنتين واستسقى لهم النصارى فأمطروا وارتفع الوباء والقحط بعد أن كان اشتد على النصارى وقتل منهم خلقاً وهي الشدة الرابعة من بعد نيرون‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وفي السابعة من ملكه قدم على الإسكندرية البطرك أغريبوس فلبث اثني عشر سنة ومات في تاسعة عشر من ملك أنطونيوس الأصغر‏.‏ قال‏:‏ وفي أيامه ظهرت مبتدعة من النصارى واختلفت أقوالهم وكان منهم ابن ديصان وغيره فجاهدهم أهل الحق من الأساقفة وأبطلوا بدعتهم‏.‏ وهلك أنطونيوس هذا لتسع عشرة من ملكه وفي عاشرة ملكه ظهر أردشير بن بابك أول ملوك الساسانية واستولى علي ملك الفرس وكان صاحب الحض متملكاً على السواد فغلبه وملك السواد وقتله وقصته معروفة‏.‏ وكان لعهده جالينوس المشهور بالطب وكان ربي معه فلما بلغه أنه ملك على الروم قدم عليه من بلاد اليونان وأقام عنده وكان لعهده أيضاً ديمقراطس الحكيم ولأول سنة من ملكه قدم بليانوس بطركاً على إسكندرية وهو الحادي عشر من بطاركتها فلبث فيهم عشر سنين ومات‏.‏ وولي مكانه ديمتريوس فلبث فيهم ثلاثاً وثلاثين سنة‏.‏ ومات كمودة قيصر لثلاثة عشر كما قلناه فولي من بعده ورمتيلوش ثلاثة أشهر‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وسماه ابن بطريق فرطنوش وقال‏:‏ وملك ثلاثة أشهر‏.‏ وسماه غيره فرطيخوس وسماه الصعيديون برطانوس ومدة ملكه باتفاقهم شهران‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ اسمه اللبيس بن طيجليس وهو عم كمودة قيصر‏.‏ قال‏:‏ وولي سنة واحدة وقتله بعض قواده وأقام في الملك ستة أشهر وقتل‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وملك بعده يوليانس قيصر شهرين ومات‏.‏ ثم ولي سوريانوس قيصر وسماه بعضهم سويرس وسماه هروشيوش‏:‏ طباريش بن أرنت بن أنطونيش‏.‏ واختلفوا في مدته فقال ابن العميد عن ابن بطريق‏:‏ سبع عشرة سنة وقال المسبحي ثمان عشرة‏.‏ وعن أبي فانيوس ست عشرة وعن ابن الراهب ثلاث عشرة وعن الصعيديين سنتين‏.‏ قال وملك في رابعة من ملك أردشير واشتد على النصارى وفتك فيهم وسار إلى مصر‏.‏ والإسكندرية فقتلهم وهدم كنائسهم وشردهم كل مشرد وبنى بالإسكندرية هيكلاً سماه هيكل الإله قال هروشيوش‏:‏ هي الشدة الخامسة من بعد شدة نيرون‏.‏ قال‏:‏ ثم انتقض عليه اللطينيون ولم يزل محصوراً إلى أن هلك‏.‏ وملك من بعده أقطونيش‏.‏ قال ابن العميد عن ابن بطريق‏:‏ ست سنين‏.‏ وعن المسبحي‏:‏ سبع سنين‏.‏ وسماه أنطونيش قسطس‏.‏ قال‏:‏ وكان ابتداء ملكه عندهم لخمس وعشرين وخمسمائة من ملك الإسكندر ولعهده سار أردشير ملك الفرس إلى نصيبين فحاصرها وبنى عليها حصناً‏.‏ ثم بلغه أن خارجاً خرج عليه بخراسان فأجفل عنهم بعد المصالحة على أن لا يتعرضوا لحصنه‏.‏ فلما رحل بنوا من وراء الحصن وأدخلوه في مدينتهم‏.‏ ورجع أردشير فنازلهم وامتنعوا عليه فأشار بعض الحكماء بأن يجمع أهل العلم فيدعون الله دعوة رجل واحد ففعلوا فملك الحصن لوقته‏.‏ وقال هروشيوش لما ولي أنطونيش ضعف عن مقاومة الفرس فغلبوا على أكثر مدن الشام ونواحي أرمينية وهلك في حروبهم‏.‏ وولي بعده مفريق بن مركة وقتله قواد رومة لسنة من ملكه وكذا قال ابن العميد‏.‏ وسماه ابن بطريق بقرونشوش والمسبحي هرقليانوس قالوا جميعاً‏:‏ وملك من بعده أنطونيش‏.‏ قال ابن العميد عن ابن بطريق وابن الراهب‏:‏ ثلاث سنين وعن المسبحي والصعيديين‏:‏ أربع سنين‏.‏ قال‏:‏ وفي أول سنة من ملكه بنيت مدينة عمان بأرض فلسطين‏.‏ وملك سابور بن بن أردشير مدناً كثيرة من الشام‏.‏ ومات أنطونيش فملك من بعده إسكندروس لثلاث وعشرين من ملك سابور بن أردشير فملك على الروم ثلاث عشرة سنة‏.‏ وكانت أمه محبة في النصارى‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ ملك عشرين سنة وكانت أمه نصرانية وكانت النصارى معه في سعة من أمرهم‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وفي سابعة ملكه قدم تاوكلاً بطركاً بالإسكندرية وهو الثالث عشر من البطاركة فلبث فيهم ست عشرة سنة ومات‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ ولعشر من ملكه غزا فارس فقتل سابور بن أردشير وانصرف ظافراً فثار عليه أهل رومة وقتلوه‏.‏ وملك من بعده مخشميان بن لوجية ثلاث سنين‏.‏ ولم يكن من بيت الملك وإنما ولوه لأجل حرب الافرنج واشتد على النصارى الشدة السادسة من بعد نيرون‏.‏ وأما ابن العميد فسماه فقيموس ووافق على الثلاث سنين في مدته وعلى ما لقي النصارى منه وأنه قتل منهم سرحبوس في سلمية وواجوس في بالس على الفرات‏.‏ وقتل بطرك أنطاكية فسمع أسقف بيت المقدس بقتله فهرب وترك الكرسي‏.‏ قال وفي ثالثة ملكه ملك سابور بن أردشير خلاف ما زعم هروشيوش من أنه قتله ثم هلك فقيموس أرمشميان وولي من بعده يونيوس ثلاثة أشهر وقتل فيما قال ابن العميد‏.‏ وقال‏:‏ سماه أبو فانيوس لوكس قيصر وابن بطريق بلينايوس ولم يذكره هروشيوش‏.‏ ثم ملك عرديانوس قيصر‏.‏ قال ابن العميد عن ابن بطريق وابن الراهب‏:‏ أربع سنين وعن المسبحي والصعيديين‏:‏ سنين وسماه أبو فانيوس فودينوس والصعيديون قرطانوس‏.‏ قال‏:‏ وكان ملكه لإحدى وخمسين وخمسمائة من ملك الإسكندر‏.‏ وقال هروشيوش غرديار بن بليسان‏.‏ قال‏:‏ وملك سبع سنين وطالت حروبه مع الفرس وكان ظافراً عليهم وقتله أصحابه على نهر الفرات‏.‏ قال وولي بعده فيلبس بن أولياق بن أنطونيش سبع سنين وهو ابن عم الإسكندر الملك قبله وأول من تنصر من ملوك الروم‏.‏ وقال ابن العميد عن الصعيديين‏:‏ ملك ست سنين وقيل تسع سنين وكان ملكه لخمس وخمسين وخمسمائة من ملك الإسكندر وآمن بالمسيح‏.‏ وفي أول من ملكه قدم دنوشيوش بطركاً بالإسكندرية وهو رابع عشر البطاركة بها فلبث تسع عشرة سنة‏.‏ ولعهد فيلبس هذا قدم غرديانوس أسقفاً على بيت المقدس بعد هروب مركيوس ثم عاد من هروبه فأقام شريكاً معه سنة واحدة‏.‏ ومات غرديانوس فانفرد مركيوش أسقفاً ببيت المقدس عشر سنين‏.‏ قال‏:‏ وقتل فيلبس قيصر قائد من قواده يقال له دافيس وملك مكانه خمس سنين‏.‏ وقال عن المسبحي وابن الراهب سنة وعن ابن طريق سنتين‏.‏ قال‏:‏ وكان يعبد الأصنام ولقي النصارى منه شدة وكان من أولاد الملوك وقتل بطرك رومة وأجاز من مدينة قرطاجنة إلى مدينة أفسس وبنى بها هيكلاً وحمل النصارى على السجود له‏.‏ قال‏:‏ وفي أيامه كانت قصة فتية أهل الكهف وظهروا بعده في أيام تاودسيوس‏.‏ وأما هروشيوش فسماه داجية بن مخشيميان وقال‏:‏ ملك سنة واحدة وكانت على النصارى في أيامه الشدة السابعة وقتل بطرك رومة منهم‏.‏ وولي من بعده غالش قيصر سنتين واستباح في قتل النصارى وباء عظيم أقفلت له المدن‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ هو غالش بن يولياش‏.‏ وقال ابن بطريق‏:‏ إن يولياش كان شريكاً له في ملكه ومات قبله‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ إحدى عشرة سنة لسبعين وخمسمائة من ملك الإسكندر‏.‏ وقال هروشيوش وابن بطريق ملك خمس عشرة سنة واسمه غاليوش‏.‏ وقال المسبحي خمس عشرة سنة وسماه داقيوس وغاليوش ابنه‏.‏ وقال آخرون اسمه أورليوش وملك خمس سنين‏.‏ وقال أبو فانيوس اسمه غليوس وملك أربع عشرة سنة‏.‏ وقال الصعيديون ملك كذلك واسمه أراليونوس‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وكان يعبد الأصنام ولقي النصارى منه شدة‏.‏ وفي أول سنة من ملكه قدم مكسيموس بطركاً بالإسكندرية وهو الخامس عشر من بطاركتها فلبث اثنتي عشرة سنة ومات‏.‏ وهو خامسة ملكه قدم اسكندروس إسقفاً ببيت المقدس ثم قتله بعد سبع سنين وبعث ابنه في عساكر الروم لغزو الفرس فانهزم وحمل أسيراً إلى كسرى بهرام فقتله‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ ولي غلينوس خمس عشرة سنة فاشتد على النصارى الأمر وقتلهم وقتل معهم بطرك بيت المقدس وكانت له حروب مع الفرس أسره في بعضها ملكهم سابور ثم من عليه وأطلقه‏.‏ ووقع في أيامه برومة وباء عظيم فرفع طلبه عن النصارى بسببه‏.‏ وفي أيامه خرج القوط من بلادهم وتغلبوا على بلاد الغريقيين ومقدونية وبلاد النبط‏.‏ وكان هؤلاء القوط يعرفون بالسنسبين وكانت مواطنهم في ناحية بلاد السريانيين فخرجوا لعهد غلينوس هذا وغلبوا كما قلناه على بلاد الغريقيين ومقدونية وعلى مرية وهلك غلينوس قتيلاً على يد قواد رومة‏.‏ ثم ملك أقاويدوش قيصر سنة واحدة‏.‏ وقال ابن العميد عن المسبحي سنة وتسعة أشهر لثمانين وخمسمائة للاسكندر وفي أول سنة من ملكه قدم يونس السميصاني بطركاً بانطاكية فلبث ثمان سنين وكان يقول بالوحدانية ويجحد الكلمة بالروح‏.‏ ولما مات اجتمع الأساقفة بأنطاكية وردوا مقالته‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ ولي بعد غلينوش فلوديش ابن يلاريان بن موكله فنسبه هكذا‏.‏ وقال فيه من عظماء القواد ولم يكن من بيت الملك ودفع القوط المتغلبين عن مقدونية من منذ خمس عشرة سنة عليها ومات لسنتين من ملكه وهذا كما قال المسبحي‏.‏ وقال هروشيوش ولي بعده أخوه نطيل سبع عشرة يوماً وقتله بعض القواد ولم يذكر ذلك ابن العميد‏.‏ ثم ملك بعده أوريليانس ست سنين وسماه ابن بطريق أوراليوس والمسبحي أرينوس وأبو فانيوس أوليوش وهروشيوش أوراليان بن بلنسيان وقال‏:‏ ملك خمس سنين‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وفي الرابعة من ملكه قدم تاوناً بطركاً بالإسكندرية سادس عشر البطاركة فلبث عشر سنين‏.‏ وكان النصارى يقيمون الدين خفية‏.‏ فلما صار بطركاً قابل الروم ولاطفهم بالهدايا فأذنوا له في بناء كنيسة مريم وأعلنوا فيها بالصلاة‏.‏ قال‏:‏ وفي سادسة ملكه ولد قسطنطين وقال هروشيوش‏:‏ إن أورليان بن بلنسيان هذا حاب القوط فظفر بهم ودد بناء رومة واشتد على النصارى تاسعة بعد نيرون ثم قتل‏.‏ فولي بعده طانيش بن إلياس وملك قريباً من سنة‏.‏ وقال ابن العميد اسمه طافسوس وملك ستة أشهر‏.‏ وقال ابن بطريق اسمه طافساس وملك تسعة أشهر‏.‏ ثم ملك فروفش قيصر خمس سنين‏.‏ وقال أبو فانيوس‏:‏ اسمه فروش وقال ابن بطريق وابن الراهب والصعيديون ست سنين‏.‏ وقال المسبحي سبع سنين وسماه ألاكيوس وأرفيون‏.‏ وسماه ابن بطريق بروش وسماه هروشيوش فاروش بن أنطويش‏.‏ قال‏:‏ وتغلب على كثير من بلاد الفرس‏.‏ وقال ابن العميد كان ملكه لسابعة من ملك سابور ذي الأكتاف ولخمسمائة واثنتين وتسعين من ملك الإسكندر وكان شديداً على النصارى وقتل منهم خلقاً كثيراً وهلك هو وإبناه في الحرب‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ ولما هلك فاروش ولي من بعده أبنه مناربان وقتل لحينه ولم يذكره ابن العميد‏.‏ ثم ملك بقلاديانوش إحدى وعشرين سنة‏.‏ وقال المسبحي عشرين سنة‏.‏ وقال غيره ثماني عشرة سنة‏.‏ وملك لخمسمائة وخمس وتسعين للإسكندر‏.‏ وقال غيرهم‏:‏ كان اسمه عربياً وارتقى في أطوار الخدمة عند القياصرة إلى أن استخلصه فاريوش وجعله على خيله وكان حسن المزمار‏.‏ ويقال إن الخيل كانت ترقص طرباً لمزاميره وعشقته بنت فاريوش الملك‏.‏ ولما مات أبوها وإخوتها ملكها الروم عليهم فتزوجته وسلمت له في الملك فاستولى على جميع ممالك الروم وما والاها وقسطنطش ابن عمه على بلاد أشيا وبيزنطية وأقام هو بأنطاكية وله الشام ومصر إلى أقصى المغرب‏.‏ وفي تاسعة عشر من ملكه انتقض أهل مصر الإسكندرية فقتل منهم خلقاً ورجع إلى عبادة الأصنام وأمر بغلق الكنائس ولقي النصارى منه شدة وقتل القسيس مار جرس وكان مش أكابر أبناء البطارقة وقتل ملقوس منهم أيضاً‏.‏ وفي عاشرة ملكه قدم مار بطرس بطركاً بالإسكندرية فلبث عشر سنين وقتله وجعل مكانه تلميذه اسكندروس وكان كبير تلامذته أريوش كثيراً لمخالفة له فسخطه وطرده ولما مات مار بطرس قال ابن العميد‏:‏ وفي أيام ديقلاديانوس خرج قسطنطش ابن عمه ونائبه على بيزنطيا وأشيا ورأى هلانة وكانت تنصرت على يد أسقف الرها فأعجبته وتزوجها وولدت له قسطنطين وحضر المنجمون لولادته فأخبروا بملكه فأجمع ديقلاديانوس على قتله فهرب إلى الرها‏.‏ ثم جاء بعد موت ديقلاديانوس فوجد أباه قسطنطس قد ملك على الروم فتسلم الملك من يده على ما نذكر‏.‏ وهلك ديقلاديانوس لعشرين سنة من ملكه ولستمائة وست عشرة سنة من ملك الإسكندر وملك من بعده ابنه مقسيمانوس‏.‏ قال ابن بطريق‏:‏ سبع سنين وقال المسبحي وابن الراهب‏:‏ سنة واحدة‏.‏ قالوا وكان شريكه في الملك مقطوس وكان أشد كفراً من ديقلاديانوس ولقي النصارى منهما شدة وقتلا منهم خلقاً كثيراً‏.‏ وفي أول سنة من ملكه قدم الإسكندروس تلميذ مار بطرس الشهير بطركاً بالإسكندرية فلبث فيهم ثلاثاً وعشرين سنة‏.‏ وعلى عهد مقسيمانوس تذكر تلك الخرافة بين المؤرخين من أن سابور ملك الفرس دخل أرض الروم متنكراً وحضر مكان مقسيمانوس وسجنه في جلد بقرة وسار إلى مملكة فارس وسابور في ذلك الجلد وهرب منه ولحق بفارس وهزم الروم في حكاية مستحيلة وكلها أحاديث خرافة‏.‏ والصحيح منه أن سابور سار إلى مملكة الروم فخرج إليه مقسيمانوس واستولى على ملكه كما نذكر بعد‏.‏ ثم قال‏:‏ وقام بملكهم ديوقاريان وثأر من قاتله‏.‏ ثم خرج عليه أقرير بن قاريوس فقتله ديوقاريان بعد حروب طويلة‏.‏ ثم انتقض عليه أهل ممالكه وثار الثوار ببلاد الافرنجة والأندلس وأفريقية ومصر وسار إليه سابور ذو الأكتاف فدفع ديوقاريان إلى هذه الحروب كلها مخشميان هركوريش وصيره قيصراً فبدأ أولاً ببلاد الافرنجة فغلب الثوار بها وأصلحها‏.‏ وكان الثائر الذي بالأندلس قد ملك برطانية سبع سنين فقتله بعض أصحابه ورجعت برطانية إلى ملك ديوقاريان‏.‏ ثم استعمل مخشميان خليفة ديوقاريان صهره قسطنطش وأخاه مخشمس ابني وليتنوس فمضى إلى أفريقية وقهر الثوار بها وردها إلى طاعة الرومانيين‏.‏ وزحف ديوقاريان قيصر الأعظم إلى مصر والإسكندرية فحصر الثائر بها إلى أن ظفر به وقتله‏.‏ ومضى قسطنطش إلى الليمانيين في ناحية بلاد الافرنج فظفر بهم بعد حروب طويلة وزحف مخشميان خليفة ديوقاريان إلى سابور ملك الفرس فكانت حروبه معه سجالاً حتى غلبه وأصاب منه واستأصل مدينة غورة والكوفة من بلاده سبياً وقتلاً ورجع إلى رومة‏.‏ ثم سرحه ديوقاريان قيصر إلى حروب أهل غالش من الافرنجة فأثخن فيهم قتلاً وسبياً‏.‏ ثم اشتد ديوقاريان على النصارى الشدة العاشرة بعد نيرون وأثخن فيهم بالقتل ودام ذلك عليهم عشر سنين‏.‏ ثم اعتزل ديوقاريان وخليفته مخشميان الملك ورفضاه ودفعاه إلى قسطنش ابن وليتنوش وأخيه مخشمس ويسمى غلاريس فاقتسما ملك الرومانيين‏.‏ فكان لمخشمس غلاريش ناحية الشرق وكان لقسطنش ناحية المغرب‏.‏ وكانت أفريقية وبلاد الأندلس وبلاد الافرنج في ملكته‏.‏ وهلك ديوقاريان ومخشميان معتزلين عن الملك بناحية الشام وأقام قسنطش في الملك‏.‏ ثم هلك ببرطانية وأقام بملك اللطينيين من بعده ابنه قسطنطين‏.‏ انتهى كلام هروشيوش‏.‏ ويظهر أن هذا الملك الذي سماه ابن العميد ديتلاديانوس هو الذي سماه هروشيوش ديوقاريان والخبر من بعد ذلك متشابه والأسماء مختلفة ولا يخفى عليك وضع كل اسم في مكانه من الآخر والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:52

الخبر عن القياصرة المتنصرة من اللطينيين وهم الكيتم واستفحال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعده إلى انقراض أمرهم
هؤلاء الملوك القياصرة المنتصرة من أعظم ملوك العالم وأشهرهم وكان لهم الاستيلاء على جانب البحر الرومي من الأندلس إلى رومة إلى القسطنطينية إلى الشام إلى مصر والإسكندرية إلى أفريقية والمغرب‏.‏ وحاربوا الترك والفرس بالمشرق والسودان بالمغرب من النوبة فمن وراءهم‏.‏ وكانوا أولاً على دين المجوسية ثم بعد ظهور الحواريين ونشر دين النصرانية بأرضهم وتسلطهم عليهم بأرضهم مرة بعد أخرى أخذوا بدينهم‏.‏ وكان أول من أخذ به قسطنطين بن قسنطش بن وليتنوه وأمه هلانة بنت مخشميان قيصر خليفة ديوقاريان قيصر الثالث والثلاثون من القياصرة وقد مر ذكره آنفاً‏.‏ وإنما سمي هذا الدين دين النصرانية نسبة إلى ناصرة‏:‏ القرية التي كان فيها مسكن عيسى عليه السلام عندما رجع من مصر مع أمه‏.‏ وأما نسبه إلى نصران فهو من أبنية المبالغة ومعناه أن هذا الدين في غير أهل عصابة فهو دين من ينصره من أتباعه‏.‏ ويعرف هؤلاء القياصرة ببني الأصفر وبعض الناس ينسبهم إلى عيصو بن إسحاق وقد أنكر ذلك المحققون وأبوه‏.‏ وقال أبو محمد بن حزم عند ذكر إسرائيل عليه السلام‏:‏ كان لإسحاق عليه السلام ابن آخر غير يعقوب وأسمه عيصاب وكان بنوه يسكنون جبال السراة من الشام إلى الحجاز وقد بادوا جملة‏.‏ إلا أن قوماً يذكرون أن الروم من ولده وهو خطأ وإنما وقع لهم هذا الغلط لأن موضوعهم كان يقال له أروم فظنوا أن الروم من ذلك الموضع وليس كذلك لأن الروم إنما نسبوا إلى روملس باني رومة‏.‏ وربما يحتجون بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة تبوك للحرث بن قيس‏:‏ ‏"‏ هل لك في جلاد بني الأصفر ‏"‏ ولا حجة فيه لاحتمال أن يريد بني عيصاب على الحقيقة لأن قصده كان إلى ناحية السراة وهو مسكن بني عيصو‏.‏ قلت‏:‏ مسكن عيصو هؤلاء كما يقال له أيذوم بالذال المعجمة إلى الظاء أقرب فعربتها العرب راء ومن هنا جاء الغلط والله تعالى أعلم‏.‏ وهذا الموضع يقال له يسعون أيضاً والاسمان له في التوراة‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ خرج قسطنطين المؤمن على مقسيمانوس فهزمه ورجع إلى رومة وازدحم العسكر على الجسر فوقع بهم في البحر وغرق مقسيمانوس مع من غرق ودخل قسطنطين رومة وملكها بعد أن أقام ملكاً على بيزنطية من بعد أبيه ستاً وعشرين سنة فبسط الدل ورفع الجور وخرخ قائده يسكن ناحية قسطنطينية وولاه على رومة وأعمالها وألزمه بإكرام النصارى‏.‏ ثم انتقض عليه وقتل النصارى وعبد الأصنام‏.‏ وكان فيمن قتل ماردياس سق بطرك بطارقة فبعث قسطنطين العساكر إلى رومة لحربه فساقوه أسيراً وقتله‏.‏ ثم تنصر قسطنطين في مدينة نيقية لاثنتي عشر من ملكه وهدم بيوت الأصنام وبنى الكنائس وللتاسعة عشرة من ملكه كان مجمع الأساقفة بمدينة نيقية ونفى أريوس كما ذكرنا ذلك كله من قبل‏.‏ وأن رئيس هذا المجمع كان اسكندروس بطرك الإسكندرية‏.‏ وفي الخامسة عشرة من رياسته توفي بعد المجمع بخمسة أشهر‏.‏ وقال ابن بطريق‏:‏ كانت ولاية اسكندروس في الخامسة من ملك قسطنطين وبقي ست عشرة سنة وقتل في السادسة والعشرين من ملك ديقلاديانوس وأنه كان على عهده أرسيانوس أسقف قيسارية‏.‏ قال المسبحي‏:‏ مكث بطركاً ثلاثاً وعشرين وكسر صنم النحاس الذي هو هيكل زحل باسكندرية‏.‏ وجعل مكانه كنيسة فهدمها العبيديون عند ملكهم اسكندرية‏.‏ وقال ابن الراهب‏:‏ إن اسكندروس البطرك ولى أول سنة من ملك قسطنطين فمكث اثنتين وعشرين سنة وعلى عهده جاءت هلانة أم قسطنطين لزيارة بيت المقدس وبنت الكنائس وسألت عن موضع الصليب فأخبرها مقاريوس الأسقف أن اليهود أهالوا عليه التراب والزبل‏.‏ فأحضرت الكهنونية وسألتهم عن موضع الصليب وسألتهم رفع ما هنالك من الزبل‏.‏ ثم استخرجت ثلاثة من الخشب وسألت أيتها خشبة المسيح فقال لها الأسقف‏:‏ علامتها أن الميت يحيا بمسيسها فصدقت ذلك بتجربتها واتخذوا ذلك اليوم عيداً لوجود الصليب‏.‏ وبنت على الموضعع كنيسة القمامة وأمرت مقاريوس الأسقف ببناء الكنائس وكان ذلك لثلثمائة وثمان وعشرين من مولد المسيح عليه السلام‏.‏ وفي حادية وعشرين من ملك قسطنطين كان مهلك اسكندروس البطرك وولي مكانه تلميذه أثناسيوس كانت أمه تنصرت على يده فربي ابنها عنده وعلمه وولى بطركاً مكانه وسعى به أصحاب أريوش إلى الملك بعده مرتين بقي فيهما على كرسيه ثم رجع‏.‏ وحمل قسطنطين اليهود بالقدس على النصرانية فأظهروها وافتتحوا في الامتناع من أكل الخنزير فقتل منهم خلقاً‏.‏ وتنصر بعضهم فزعموا أن أحبار اليهود نقصوا من سني مواليد الآباء نحواً من ألف وخمسمائة سنة ليبطلوا مجيء المسيح في السوابيع التي ذكر دانيال أن المسيح يظهر عندها وأنها لم يحن وقتها وأن التوراة الصحيحة هي التي فسرها السبعون من أحبار اليهود ملك مصر‏.‏ وزعم ابن العميد أن قسطنطين أحضرها واطلع منها على النقص الذي قاله‏.‏ قال وهي التوراة التي بيد النصارى الآن‏.‏ قال‏:‏ ثم أمر قسطنطين بتجديد مدينة بيزنطية وسماها قسطنطينية باسمه وقسم ممالكه بين أولاده فجعل لقسطنطين قسطنطينية وما والاها ولقسطنطين الآخر بلاد الشام إلى أقصى المشرق ولقسطوس الثالث رومة وما والاها‏.‏ قال وملك خمسين سنة منها ست وعشرون ببزنطية قبل غلبة مقسميانوس ومنها أربع وعشرون بعد استيلائه على الروم‏.‏ وتنصر في اثنتي عشرة من آخر ملكه وهلك لستمائة وخمسين للاسكندر‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ كان قسطنطين بن قسنطش على دين المجوسية وكان شديداً على النصارى ونفى بطرك رومة فدعا عليه وابتلي بالجذام ووصف له في مداواته أن ينغمس في دماء الأطفال فجمع منهم لذلك عدداً ثم أدركته الرقة عليهم فأطلقهم فرأى في منامه من يحضه على الاقتداء بالبطرك فرده إلى رومة وبرىء من الجذام‏.‏ وجنح من حينئذ إلى دين النصرانية ثم خشي خلاف قومه في ذلك فارتحل إلى القسطنطينية ونزلها وشيد بناءها وأظهر ديانة المسيح وخالف أهل رومة فرجع إليهم وغلبهم على أمرهم وأظهر دين النصرانية‏.‏ ثم جاهد الفرس حتى غلبهم على كثير من ممالكهم‏.‏ ولعشرين سنة من ملكه خرجت طائفة من القوط إلى بلاده فأغاروا وسبوا فزحف إليهم وأخرجهم من بلاده‏.‏ ثم رأى في منامه عرباً وبنودا على تمثال الصلبان وقائلاً يقول‏:‏ هذا علامة الظفر لك‏.‏ فخرجت أمه هلانة إلى بيت المقدس لطلب آثار المسيح وبنت الكنائس في البلدان ورجعت ثم هلك قسطنطين لإحدى وثلاثين سنة من ملكه كلام هروشيوش‏.‏ ثم ولي قسطنطين الصغير بن قسطنطين وسماه هروشيوش قسنطش‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ ملك أربعاً وعشرين سنة وكان أخوه قسطوس برومة بولاية أبيهما ففي خامسة من ملك قسطنطين بعث العساكر فقتل مقنيطوس وأتباعه وولى على رومة من جهته فكانت له صاغية إلى أريوس فأخذ بمذهبه وغلبت تلك المقالة على أهل قسطنطينية


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:53

وأنطاكية ومصر والإسكندرية وغلب أتباع أريوس على الكنائس ووثبوا على بطرك اسكندرية ليقتلوه فهرب كما مر‏.‏ ثم هلك لأربع وعشرين سنة من ملكه‏.‏ وقال ابن العميد ملك سنتين باتفاق لثلاثة من ملك سابور وكان كافراً وقتل النصارى وعزلهم عن الكنائس واطرحهم من الديوان وسار لقتل الفرس فمات من سهم أصابه‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ تورط في طريقه في مفازة ضل فيها عن سبيله فتقبض عليه أعداوه وقتلوه‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وولي بعده بليان ابن قسطنطي سنة أخرى وزحف إلى الفرس وملكهم يومئذ سابور فحجم عن لقائهم فصالحهم ورجع وهلك في طريقه‏.‏ ولم يذكر ابن العميد بليان هذا وإنما قال‏:‏ ملك من بعد يوليانوس الملك يوشانوش سنة واحدة باتفاق في السادسة عشرة من ملك سابور وكان مقدم عساكر يوليانوس فلما قتل اجتمعوا إليه وبايعوه واشترط عليهم الدخول في النصرانية فغلبوه‏.‏ وأشار سابور بتوليته ونصب له صليباً في العسكر‏.‏ ولما ولي نزل على نصيبين للفرس ونقل الروم الذي بها إلى آمد ورجع إلى كرسي مملكتهم فرد الأساقفة إلى الكنائس ورجع فيمن رجع أثناسيوس بطرك اسكندرية وطلب منه أن يكتب له أمانة أهل مجمع نيقية فجمع الأساقفة وكتبوها وأشار عليه بلزومها ولم يذكر هروشيوش يوشانوش هذا وذكر مكانه آخر قال وسماه بلنسيان بن قسنطس‏.‏ قال‏:‏ وقاتل أمماً من القوط والافرنجة وغيرهم‏.‏ قال‏:‏ وافترق القوط في أيامه فرقتين على مذهبي أريوس وأمانة نيقية‏.‏ قال‏:‏ وفي أيامه ولى داماش بطركاً برومة ثم هلك بالفالج وملك بعده أخوه واليس أربع سنين وعمل على مذهب أريوس واشتد على أهل الأمانة وقتلهم وثار عليه بأهل أفريقية بعض النصارى مع البربر فأجاز إليهم البحر وحاربهم فظفر بالثائر وقتله بقرطاجنة ورجع إلى قسطنطينية فحارب القوط والأمم من ورائهم وهلك في حروبهم‏.‏ وقال ابن العميد في قيصر الذي قتل واليس وسماه واليطنوس أنه ملك اثنتي عشرة سنة فيما حكاه ابن بطريق وابن الراهب‏.‏ وحكى عن المسبحي خمسة عشرة سنة وأن أخاه والياس كان شريكه في الملك وأنه كان مبايناً وأنه ملك لستمائة وست وسبعين للاسكندر وسبع عشرة لسابور كسرى‏.‏ قال وفي أيامه وثب أهل إسكندرية على اثناسيوس البطرك ليقتلوه فهرب وقدموا مكانه لوقيوس وكان على رأي أريوس‏.‏ ثم اجتمع أهل الأمانة بعد خمسة أشهر ورجعوه إلى كرسيه وطردوا لوقيوس وأقام أثناسيوس بطركاً إلى أن مات فولوا بعده تلميذه بطرس سنتين ووثب به أصحاب لوقيوس فهرب ورجع لوقيوس إلى الكرسي فأقام ثلاث سنين‏.‏ ثم وثب به أهل الأمانة ورجعوا بطرس ومات لسنة من رجعته‏.‏ ولقي من داريانوس قيصر ومن أصحاب أريوس شدائد ومحناً‏.‏ قال المسجي‏:‏ كان واليطينوس يدين بالأمانة وأخوه واليس يدين بمذهب أريوس أخذه عن ثاودكسيس أسقف القسطنطينية وعاهده على إظهاره فلما ملك نفى جميع أساقفة الأمانة وسار أريوس أسقف أنطاكية بإذنه إلى الإسكندرية فحبس بطرس البطرك وأقام مكانه أريوس من أهل سميساط وهرب بطرس من السجن وأقام برومة وكانت بين واليطينوس قيصر وبين سابور كسرى فتنة وحروب وهلك في بعض حروبه معهم وولى بعده أخوه واليس‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ عن ابن الراهب سنتين وعن أبي فانيوس ثلاث سنين وسماه والاس‏.‏ وقال هو أبو الملكين اللذين تركا الملك وترهبا وسمي مكسينموس ودوقاديوس‏.‏ قال‏:‏ وفي الثانية من ملكه بعث طيماناوس أخا بطرس بطركاً على إسكندرية فلبث فيهم سبع سنين ومات وفي سادسة ملكه كان المجمع الثاني بقسطنطينية وقد مر ذكره‏.‏ وفي أيام واليس قيصر هذا مات بطرك قسطنطينية فبعث أغريوس أسقف يزناروا وولاه مكانه فوليه أربع سنين ومات‏.‏ ثم خرج على واليس خارج من العرب فخرج إليه فقتل في حروبه‏.‏ ثم ولى أغراديانوس قيصر‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وهو أخو واليس وكان والنطوس بن واليس شريكاً له في الملك وملك سنة واحدة‏.‏ وقال عن أبي فانيوس سنتين وعن ابن بطريق ثلاث سنين‏.‏ وذكر عن ابن المسبحي وابن الراهب أن تاوداسيوس الكبير كان شريكاً لهما وأن ابتداء ملكهم لستمائة وتسعين من ملك الإسكندر وأنه رد جميع ما نفاه واليس قبله من الأساقفة إلى كرسيه وخلى كل واحد مكانه‏.‏ ومات أغراديانوس وابن أخيه في سنة واحدة‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وملك بعدهما ثاوداسيوس سبع عشرة سنة باتفاق لستمائة وتسعين من ملك الإسكندر ولإحدى وثلاثين من ملك سابور كسرى‏.‏ وفي سادسة ملكه مات أثناسيوس بطرك اسكندرية فولي مكانه كاتبه تاوفيلا وكان بطرك القسطنطينية يوحنا فم الذهب وأسقف قبرس أبو فانيوس كان يهودياً وتنصر‏.‏ قال‏:‏ وكان لتاوداسيوس ولدان أرقاديوس وبرباريوس‏.‏ قال‏:‏ وفي خامسة عشر من ملكه ظهر الفتية السبعة أهل الكهف الذين قاموا أيام دقيانوس ولبثوا في نومهم ثلثمائة سنة وتسع سنين كما قصه القرآن ووجد معهم صندوق النحاس والصحيفة التي أودع البطريق فيها خبرهم‏.‏ وبلغ الأمر إلى قيصر تاوداسيوس فبعث في طلبهم فوجدهم قد ماتوا فأمر أن يبنى عليهم كنيسة ويتخذ يوم ظهورهم عيداً‏.‏ قال المسبحي‏:‏ وكان أصحاب أريوس قد استولوا على الكنائس منذ أربعين سنة فأزالهم عنها ونفاهم وأسقط من عساكره كل من يدين بتلك المقالة‏.‏ وعقد المجمع الثاني بقسطنطينية لمائتين وخمسين سنة من مجمع نيقية وقرر فيه الأمانة الأولى بنيقية وعهدوا أن لا يزاد فيها ولا ينقص‏.‏ وفي الخامسة عشرة من ملكه مات سابور بن سابور وملك بعده بهرام‏.‏ ثم هلك تاوداسيوس لسبع عشرة سنة من ملكه‏.‏ سنين وهو الموفى أربعين عدداً من ملوك القياصرة قال‏:‏ واستعمل طودوشيش بن أنطيونش بن لوخيان على ناحية المشرق‏.‏ فملك الكثير منها‏.‏ ثم هجم أهل رومة على قائدهم فقتلوه وخلعوا وليطيانش الملك فلحق بطودوشيش بالمشرق فسلم إليه في الملك فأقبل طودوشيش إلى رومة وقتل الثائر بها واستقل بملك القياصرة‏.‏ وهلك لأربع عشرة سنة من ولايته‏.‏ فولي ابنه كاديكش ويظهر من كلام هروشيوش أن طودوشيش هو تاوداسيوس الذي ذكره ابن العميد لأنهما متفقان في أن ابنه أركاديس ومتقاربان في المدة‏.‏ فلعل وليطانش الذي ذكره هروشيوش هو أغراديانوس الذي ذكره ابن العميد‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وملك أركاديش ولد تاوداسيوس الأكبر ثلاث عشرة سنة باتفاق في ثالثة ملك بهرام بن سابور وكان مقيماً بالقسطنطينية وولى أخاه أنوريش على رومة‏.‏ قال وولد لأركاديش ابن سماه طودوشيش باسم أبيه‏.‏ ولما كبر طلب معلمه أريانوس ليعلم ولده فهرب إلى مصر وترهب ورغبه بالمال فأبى وأقام في مغارة بالجبل المقطم على قرية طرا ثلاث سنين‏.‏ ومات فبنى الملك على قبره كنيسة وديراً يسمى دير القصير ويقال‏:‏ دير البغل‏.‏ وفي أيامه غرق أبو فانيوس بمرجعه إلى قبرص‏.‏ ومات يوحنا فم الذهب بطرك القسطنطينية وكان نفاه أركاديش بموافقة أبي فانيوس ودعا كل منهما على صاحبه فهلكا‏.‏ وفي التاسعة من ملك ثم هلك أركاديش وملك من بعده طودوشيش الأصغر ابن أركاديش ثلاث عشرة سنة وولى أخاه أنوريش على رومة فاقتسما ملك اللطينيين وانتقض لعهديهما قومس أفريقية وخالفه إلى طاعة القياصرة فحدثت بأفريقية فتنة لذلك‏.‏ ثم غلب القومس أخاه فلحق بقبرص وترهب بها‏.‏ ثم زحف القوط إلى رومة وفر عنها أنوريش فحاربوها ودخلوها عنوة واستباحوها ثلاثاً وتجافوا عن أموال الكنائس‏.‏ قال‏:‏ ولما هلك أركاديش قيصر استبد أخوه أنوريش بالملك خمس عشرة سنة وأحسن في دفاع القوط عن رومة وهلك فولي من بعده طودوشيش ابن أخيه أركاديش ولم يذكر ابن العميد أنوريش وإنما ذكر بعد أركاديش ابنه طودشيش وسماه الأصغر‏.‏ قال وملك اثنتين وأربعين سنة باتفاق في خامسة ملك يزدجرد وكانت بينه وبين الفرس حروب كثيرة‏.‏ قال‏:‏ وفي أول سنة من ملكه مات تاوفيلا بطرك إسكندرية فولي مكانه كيرلوس ابن أخته‏.‏ في السابعة عشرة من ملكه قدم نسطوريش بطركاً بالقسطنطينية فأقام أربع سنين وظهرت عنه العقيدة التي دان بها وقد تقدمت وبلغت مقالته إلى كيرلس بطرك الإسكندرية‏.‏ فخاطب في ذلك بطرك رومة‏.‏ أنطاكية وبيت المقدس ثم اجتمعوا بمدينة أفسيس في مائتي أسقف وأجمعوا على كفر نسطوريس ونفوه فنزل أخميم من صعيد مصر أقام بها سبع سنين وأخذ بمقالته نصارى الجزيرة والموصل إلى الفرات ثم العراق وفارس إلى المشرق‏.‏ وولى طودوشيش بالقسطنطينية مقسيموس عوضاً عن نسطورس فأقام بها ثلاث سنين‏.‏ وفي ثامنة وثلاثين من ملك طودوشيش الأصغر مات كيرلس بطرك الإسكندرية وولي مكانه ديسقرس ولقي شدائد من مرقيان الملك بعده‏.‏ وفي السادسة عشرة من ملك طودوشيش الأصغر مات يزدجرد كسرى وولي ابنه بهرام جور وكانت بينه وبين خاقان ملك الترك وقائع‏.‏ ثم عدل عن حروبهم ودخل إلى أرض الروم فهزمه طودوشيش وملك ابنه يزدجرد‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وفي أيام طودوشيش


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:54

الأصغر تغلب القوط على رومة وملكوها وهلك ملكهم أبطريك كما نذكر في أخبارهم‏.‏ ثم صالحوا الروم على أن يكون لهم الأندلس فانقلبوا إليها وتركوا رومة انتهى‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ ثم ملك مرقيان بعده ست سنين باتفاق وتزوج أخت طودوشيش وسماه هروشيوش مركيان بن مليكة‏.‏ قالوا وكان في أيامه المجمع الرابع بمقدونية وقد تقدم ذكره وإنه كان بسبب ديسقوس بطرك إسكندرية وما أحدث من البدعة في الأمانة فأجمعوا على نفيه وجعلوا مكانه برطارس‏.‏ وافترقت النصارى إلى ملكية وهم أهل الأمانة فنسبوا إلى مركيان قيصر الملك الذي جمعهم وعهد بأن لا يقبل ما اتفق عليه أهل المجمع الخلقدوني‏.‏ وإلى يعقوبية وهم أهل مذهب ديسقوس وتقدم الكلام في تسميتهم يعقوبية‏.‏ وإلى نسطورية وهم نصارى المشرق‏.‏ وفي أيام مركيان سكن شمعون الحبيس الصومعة بأنطاكية وترهب وهو أول من فعل ذلك من النصارى‏.‏ وعلى عهده مات يزدجرد كسرى‏.‏ ومات مركيان قيصر لست سنين من ملكه وملك بعده لاون الكبير‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ لسبعمائة وسبعين من ملك الإسكندر ولثانية من ملك نيرون ملك ست عشرة سنة‏.‏ ووافقه هروشيوش على مدته وقال فيه ليون بن شمخلية‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وكان على مذهب الملكية ولما سمع أهل إسكندرية بموت مركيان وثبوا على برطارس البطرك فقتلوه بعد ست سنين من ولايته وأقاموا مكانه طيمناوس‏.‏ وكات يعقوبياً فجاء قائد من قسطنطينية بعد ثلاث سنين من ولايته فنفاه وأبدل عنه سوريس من الملكية وأقام تسع سنين‏.‏ ثم عاد طيماناوس بالأمر لاون قيصر ويقال أنه بقي بطركاً اثنتين وعشرين سنة ولثانية عشر من ملك لاون زحف الفرس إلى مدينة آمد وحاصروها وامتنعت عليهم‏.‏ وفي أيامه مات شمعون الحبيس صاحب العمود‏.‏ ثم هلك لاون قيصر لست عشرة سنة من ملكه‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وولي من بعده لاون الصغير وهو أبو زينون الملك بعده‏.‏ وقال ابن بطريق هو ابن سينون وكان يعقوبياً وملك سنة واحدة‏.‏ ولم يذكره هووشيوش وإنما ذكر زينون الملك بعده وسماه سينون بالسين المهملة وقال‏:‏ ملك سبع عشرة سنة وقال ابن العميد مثله‏.‏ ولثمانية عشر من ملك نيرون ولسبعمائة وسبع وثمانين للاسكندر قال وكان يعقوبياً وخرج عليه ولده ورجل من قرابته وحاربهما عشرين شهراً‏.‏ ثم قتلهما وأتباعهما ودخل قسطنينية ووجد بطركها وكان رديء العقيدة قد غير كتب الكنيسة وزاد ونقص‏.‏ فكتب زينون قيصر إلى بطرك رومة وجمع الأساقفة فناظروه ونفوه‏.‏ وفي سابعة ملك زينون مات طيماناوس بطرك إسكندرية فولي مكانه بطرس وهلك بعد ثمان سنين فولي مكانه أثناسيوس وهلك لسبع سنين وكان قيماً ببعض البيع في بطركيته‏.‏ قال المسبحي وفي أيام زينون احترق ملعب الخيل الذي بناه بطليموس الأرنبا بالإسكندرية‏.‏ وقال ابن بطريق‏:‏ وفي أيام زينون هاجت الحرب بين نيرون والهياطلة وهزموه في بعض حروبهم ورد الكرة عليه بعض قواده كما في أخبارهم ومات نيرون وتنازع الملك ابناه قياد ويلاش وفي عاشرة من ملك زينون غلب يلاش أخاه واستقل بالملك‏.‏ ولحق أخوه قياد بخاقان ملك الترك‏.‏ ثم هلك يلاش لأربع سنين ورجع قياد واستولى على مملكة فارس وذلك في أربعة عشر من ملك زينون فأقام ثلاثاً وأربعين سنة‏.‏ وهلك زينون لسبع عشر من ولايته فملك بعده نسطاس سبعاً وعشرين سنة في أربعة من ملك قياد ولثمانمائة وثلاث للاسكندر وكان يعقوبياً وسكن حماة ولذلك أمر أن تشيد وتحصن فبنيت في سنتين‏.‏ وعهد لأول ملكه أن يقتل كل امرأة كاتبة‏.‏ وفي ثالثة ملكه أمر ببناء مدينة في المكان الذي قتل فيه دارا فوق نصيبين‏.‏ ثم وقعت الحرب بينه وبين الأكاسرة وخرب قياد مدينة آمد ونازلت عساكر الفرس إسكندرية وأحرقوا ما حولها من البساتين والحصون‏.‏ وقتل بين الأمتين خلق كثير‏.‏ وفي سادسة ملكه مات أثناسيوس بطرك الإسكندرية فصير مكانه يوحنا وكان يعقوبياً ومات لتسع سنين فصير بعده يوحنا الحسن ومات بعد إحدى عشرة‏.‏ وفي أيام نسطاس قدم ساريوس بطركاً بأنطاكية وكان كلاهما على أمة ديسقوس‏.‏ وفي سابعة وعشرين من ملك نسطاس قدم ساريوس بطركاً بأنطاكية‏.‏ ومات يوحنا بطرك إسكندرية فولى مكانه ديسقوس الجديد ومات لسنتين ونصف‏.‏ وقال سعيد بن بطريق‏:‏ إن إيليا بطرك المقدس كتب إلى نسطاس قيصر يسأله الرجوع إلى الملكية ويوضح له الحق في مذهبهم وصبا إليه في ذلك جماعة من الرهبان فأحضرهم وسمع كلامهم وبعث إليهم بالأموال للصدقات وعمارة الكنائس وكان بقسطنطينية رجل على رأي ديسقوس فمضى إلى نشطانش قيصر ومضى وأشارعليه باتباع مذهب ديسقوس وأن يرفض المجمع الخلقدوني فقبل ذلك منه وبعث إلى جميع أهل مملكته‏.‏ وبلغ ذلك بطرك أنطاكية فكتب إلى نشطانش قيصر بالملامة على ذلك فغضب ونفاه‏.‏ وجعل مكانه بإنطاكية سويوس وبلغ ذلك إلى إيليا بطرك القدس‏.‏ فجمع الرهبان ورؤساء الديور في نحو عشرة آلاف ولعنوا سويوس وأجرموه والملك نشطانش معه‏.‏ فنفاه نشطانش إلى إيليا وذلك في ثالثة وعشرين من ملكه‏.‏ فاجتمع جميع البطاركة والأساقفة من الملكية وأجرموا نشطانش الملك وسويوس وديسقوس إمام اليعقوبية ونسطورس‏.‏ قال ابن بطريق‏:‏ وكان لسيوس تلميذ اسمه يعقوب البرادعي يطوف البلاد داعياً إلى مقالة سويروس ودسقوس فنسب اليعاقبة إليه‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ وليس كذلك لأن اليعاقبة سموا بذلك من عهد ديسقوس كما مر‏.‏ ثم هلك نشطانش أسمبع وعشرين من ملكه وملك بعده يشطيانش قيصر لثمانية وثلاثين من ملك قياد بن نيرون ولثمانية وثلاثين للاسكندر‏.‏ وملك تسع سنين باتفاق‏.‏ وقال هروشيوش سبعاً‏.‏ وقال المسبحي كان معه شريك في ملكه اسمه يشطيان‏.‏ وفي ثالثة ملكة غزت الفرس بلاد الروم فوقعت بين الفرس والروم حروب كثيرة‏.‏ وزحف كسرى في آخرها لثمانية من ملك يشطيانش ومعه المنذر ملك العرب فبلغ الرها وغلب الروم وغرق من الفريقين في الفرات خلق كثير وحمل الفرس أسارى الروم وسباياهم‏.‏ ثم وقع الصلح بينهما بعد موت قيصر‏.‏ وفي تاسعة ملكه أجاز البربر من المغرب إلى رومة وغلبوا عليها‏.‏ قال ابن بطريق وكان


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:54

يشطيانش على دين الملكية فرد كل من نفاه نشطانش قبله منهم‏.‏ وصير طيماناوس بطركاً بالإسكندرية وكان يعقوبياً فلبث فيهم ثلاث سنين وقيل سبع عشرة سنة‏.‏ وقال ابن الراهب‏:‏ كان يشطيانش خلقدونياً ونفى طيماناوس البطرك عن إسكندرية وجعل مكانه أيوليناريوس وكان ملكياً وعقد مجمعاً بالقسطنطينية يريد جمع الناس على رأي الخلقدونية مذهبه‏.‏ وأحضر شاويرش بطرك إنطاكية وأساقفة المشرق فلم يوافقوه فاعتقل بطرك أنطاكية سنين ثم أطلقه فسار إلى مصر وبقي مختفياً في الديور‏.‏ ثم وصل أيوليناريوس بطرك إسكندرية ومعه كتاب الأمانة الخلقدونية فقبل الناس منه وتبعوا مذهبه فيها وصاروا إليه‏.‏ وهلك يشطيانش لتسع سنين من ملكه‏.‏ ثم ملك يشطيانش قيصر لإحدى وأربعين من ملك قياد ولثمانمائة وأربعين للاسكندر وكان ملكياً وهو ابن عم يشطيانش الملك قبله‏.‏ وقال المسبحي‏:‏ بل كان شريكه كما مر وملك أربعين سنة باتفاق‏.‏ وقال أبو فانيوس‏:‏ ثلاثاً وثلاثين وفي سابعة ملكه غزا كسرى بلاد الروم وأحرق إيليا وأخذ الصليب الذي كان فيها وفي حادية عشر من ملكه عصت السامرية عليه فغزاهم وخرب بلادهم وفي سادسة عشر من ملكه غزا الحارث بن جبلة أمير غسان والعرب ببرية الشام وغزا بلاد الأكاسرة وهزم عساكرهم وخرب بلادهم‏.‏ ولقيه بعض مرازبة كسرى فهزمهم ورد السبي منهم‏.‏ عهد بأن يتخذ عيد الميلاد في رابع وعشرين من كانوا الأول وعيد الغطاس في ست منه وكانا من قبل ذلك جميعاً في سادس كانون‏.‏ وقال المسبحي‏:‏ أراد يشطيانش حمل الناس على رأي الملكية طيماناوس بطرك إسكندرية وكان يعقوبياً وأراده على ذلك فامتنع فهم بقتله ثم أطلقه فرجع إلى مصر مختفياً ثم نفاه بعد ذلك وجعل مكانه بولس وكان ملكياً فلم يقبله اليعاقبة وأقام على ذلك سنين‏.‏ قال سعيد بن بطريق‏:‏ ثم بعث قيصر قائداً من قواده اسمه يوليناريوس وجعله بطرك إسكندرية فدخل الكنيسة بزي الجند ثم لبس زي في البطاركة وقدس فهموا به فصار إلى سياستها فأقصدوا ثم حملهم على رأي اليعقوبية وقتل من امتنع وكانوا مائتين‏.‏ وفي أيام يشطيانش هذا ثار السامرة بأرض فلسطين وقتلوا النصارى وهدموا كنائسهم فبعث العساكر وأثخنوا فيهم وأمر ببناء الكنائس كما كانت‏.‏ وكانت كنيسة بيت لحم صغيرة فأمر بأن يوسع فيها فبنيت كما هي لهذا العهد‏.‏ وفي عهده كان المجمع الخامس بقسطنطينية بعد مائة وثلاث وستين من المجمع الخلقدوني ولتاسعة وعشرين من ملك يشطيانش وقد مر ذكر ذلك‏.‏ وفي عهد قيصر هذا مات أيوليناريوس القائد الذي جعل بطركاً بإسكندرية لسبع عشرة سنة من ولايته وهو كان رئيس هذا المجمع وجعل مكانه يوحنا وكان أمانيا وهلك لثلاث سنين وانفرد اليعاقبة بالإسكندرية وكان أكثرهم القبط وقدموا عليهم طودوشيوش بطركاً لبث فيهم اثنتين وثلاثين سنة‏.‏ وجعل الملكية بطركهم داقيانوس وطردوا طودوشيوش من كرسيه ستة أشهر‏.‏ ثم أمر يشطيانش قيصر بأن يعاد فأعيد وطلب منه المغامسة أن يقدم دقيانوس بطرك الملكية على الشمامسة فأجابهم‏.‏ ثم كتب يشطيانش إلى طودوشيوش البطرك باجتماع المجمع الخلقدوني أو يترك البطركية فتركها ونفاه وجعل مكانه بولس التنسي فلم يقبله أهل إسكندرية ولا ما جاء به‏.‏ ثم مات وغلقت كنائس القبط اليعقوبية ولقوا شدائد من الملكية ومات طودوشيوش البطرك في سابعة وثلاثين من ملكة يشطيانش وجعل مكانه بإسكندرية بطرس ومات بعد سنتين‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وسار كسرى أنو شروان في مملكة يشطيانش قيصر إلى بلاد الروم وحاصر أنطاكية وفتحها وبنى قبالتها مدينة سماها رومة ونقل إليها أنطاكية‏.‏ ثم هلك يشطيانش وملك بعده يوشطونش قيصر لست وثلاثين من ملك أنو شروان ولثمانمائة وثمانين للإسكندر فملك ثلاث عشرة سنة‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ إحدى عشرة سنة ولثانية من ملكه مات بطرس ملك إسكندرية فجعل مكانه داميانو فمكث ستاً وثلاثين سنة‏.‏ وخربت الديور على عهده وفي الثانية عشرة من ملكه مات كسرى أنو شروان بعد أن كان بعث العساكر من الديلم مع سيف بن ذي يزن من التبابعة ففتحوا اليمن وصارت للأكاسرة‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:55

ثم هلك يوشطونش قيصر لإحدى عشرة أو ثلاث عشرة من ملكه‏.‏ وملك بعده طيباريوس قيصر لثالثة من ملك هرمز ابن أنوشروان‏.‏ ولثمانمائة واثنتين وتسعين للإسكندر‏.‏ فملك ثلاث سنين عند ابن بطريق وابن الراهب وأربعاً عند المسبحي ولعهده انتقض الصلح بين الروم وفارس واتصلت الحرب وانتهت عساكر الفرس إلى رأس عين الخابور فثار إليهم موريق من بطاركة الروم فهزمهم‏.‏ ثم جاء طباريش قيصر على أثره فعظمت الهزيمة واستمر القتل في الفرس وأسر الروم منهم نحواً من أربعة آلاف غربهم إلى جزيرة قبرص‏.‏ ثم انتقض بهرام مرزبان هرمز كسرى وطرده عن الملك بمنجع من تخوم بلاد الروم وبعث بالصريخ إلى طباريش قيصر فبعث إليه المدد من الفرسان والأموال‏.‏ يقال كان عسكر المدد أربعين ألفاً فسار هرمز ولقيه بهرام بين المدائين‏.‏ وواسط فانهزم واستبيح وعاد هرمز إلى ملكه وبعث إلى طباريش بالأموال والهدايا أضعاف ما أعطاه ورد إليه ما كانت الفرس أخذته من بلادهم وسألهم‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ وغيرها ونقل من كان فيها من الفرس إلى بلاده‏.‏ وسأله طباريش بأن يبني هيكلين للنصارى بالمدائن وواسط فأجابه إلى ذلك‏.‏ ثم هلك طباريش قيصر وملك من بعده موريكش قيصر في السادسة لهرمز ولثمانمائة وخمس وتسعين للإسكندر وملك عشرين سنة باتفاق المؤرخين فأحسن السيرة‏.‏ وفي حادية عشر من ملكه بلغه عن بعض اليهود بأنطاكية أنهم بالوا على صورة المسيح فأمر بقتلهم ونفيهم‏.‏ ولعهده انتقض على هرمز كسرى قريبه بهرام وخلعه واستولى على ملكه وقتله وسار أبنه أبرويز إلى موريكش قيصر صريخاً فبعث معه العساكر ورد أبرويز إلى ملكه‏.‏ وقتل بهرام الخارج عليه وبعث إليه بالهدايا والتحف كما فعل أبوه من قبله مع القياصرة وخطب أبرويز من موريكش قيصر ابنتة مريم فزوجه إياها وبعث معها من الجهاز والأمتعة والأقمشة ما يضيق عنه الحصر ثم وثب على موريكيش بعض مماليكه بمداخلة قريبه البطريق قوقا فدسه عليه فقتله وملك على الروم وتسمى قيصر وذلك لتسعمائة وأربع عشرة للإسكندر وخمس عشرة لأبرويز‏.‏ فملك ثماني سنين وقتل أولاد موريكش وأفلت صغير منهم فلحق بطور سينا وترهب ومات هنالك وبلغ أبرويز كسرى ما جرى على موريكش وأولاده فجمع عساكره وقصد بلاد الروم ليأخذ ثأر صهره وبعث عساكره مع مرزبانه خزرويه إلى القدس وعهد إليه بقتل اليهود وخراب البلد‏.‏ وبعث بمرزبان آخر إلى مصر والإسكندرية‏.‏ وجاء بنفسه في عساكر الفرس إلى القسطنطينية وحاصرها وضيق عليها‏.‏ وأما خزرويه المرزبان فسار إلى الشام وخرب البلاد‏.‏ واجتمع يهود طبرية والخليل وناصرة وصور وأعانوا الفرس على قتل النصارى وخراب الكنائس فنهبوا الأموال وأخذوا قطعة من الصليب وعادوا إلى كسرى بالسبي وفيهم زخريا بطرك القدس فاستوهبته مريم بنت موريكش من زوجها أبرويز فوهبه إياها مع قطعة الصليب‏.‏ ولما خلت الشام من الروم واجتمع الفرس على القسطنطينية تراسل اليهود من القدس والخليل وطبرية ودمشق وقبرص واجتمعوا في عشرين ألفاً وجاؤوا إلى صور ليملكوها وكان فيها من اليهود نحو من أربعة آلاف فتقبض بطركها عليهم وقيدهم وحاصرهم عساكر اليهود وهدموا الكنائس خارج صور‏.‏ والبطرك يقتل المقيدين ويرمي برؤوسهم إلى أن فنوا‏.‏ وارتحل كسرى عن القسطنطينية جاثياً فأجفل اليهود عن صور وانهزموا‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ وفي رابعة من قوقاص قيصر قدم يوحنا الرحوم بطركاً على الملكية بإسكندرية ومصر‏.‏ وإنما سمي الرحوم لكثرة رحمته وصدقته‏.‏ وهو الذي عمل البيمارستان للمرضى بإسكندرية‏.‏ ولما سمع بمسير الفرس هرب مع البطريق الوالي بإسكندرية إلى قبرص فمات بها لعشر سنين من ولايته‏.‏ وخلا كرسي الملكية بإسكندرية سبع سنين‏.‏ وكان اليعاقبة بإسكندرية قدموا عليهم في أيام قوقاص قيصر بطركاً اسمه أنسطانيوش مكث فيهم اثنتي عشرة سنة واسترد ما كانت الملكية استولت عليه من الكنائس اليعقوبية‏.‏ وجاءه أثناسيوس بطرك أنطاكية بالهدايا سروراً بولايته فتلقاه هو بالأساقفة والرهبان‏.‏ واتخذت الكنيسة بمصر والشام وأقام عنده أربعين يوماً ورجع إلى مكانه‏.‏ ومات أنسطانيوش بعد اثنتي عشرة من ولايته لثلثمائة وثلاثين من ملك ديقلاديانوس‏.‏ ولما انتهى أبرويز في حصار القسطنطينية نهايته وضيق عليها وعدموا الأقوات واجتمع البطاركة بعلوقيا وبعثوا السفن مشحونة بالأقوات مع هرقل أحد بطاركة الروم‏.‏ ففرحوا به ومالوا إليه وداخلهم في الملك وأن قوقاص سبب هذه الفتنة فثاروا عليه وقتلوه وملكوا هرقل‏.‏ وذلك لتسعمائة واثنتين وعشرين للإسكندر فارتحل أبرويز عن القسطنطينية راجعاً إلى بلاده‏.‏ وملك هرقل بعد ذلك إحدى وثلاثين سنة ونصف عند المسبحي وابن الراهب واثنتين وثلاثين عند ابن بطريق‏.‏ وكانت ملكته أول سنة من الهجرة‏.‏ وقال هروشيوش لتسع وسماه هرقل بن هرقل بن أنطونيش‏.‏ ولما تملك هرقل بعث أبرويز بالصلح بوسيلة قتلهم موريكش فأجابهم على تقرير الضريبة عليهم فامتنعوا فحاصرهم ست سنين أخرى إلى الثمان التي تقدمت وجهدهم الجوع فخادعهم هرقل بتقرير الضريبة على أن يفرج عنهم حتى يجمعوا له الأموال‏.‏ وضربوا الموعد معه ستة أشهر ونقض هرقل فخالف كسرى إلى بلاده واستخلف أخاه قسطنطين على قسطنطينية وسار في خمسة آلاف من عساكر الروم إلى بلاد فارس فخرب وقتل وسبى وأخذ بني أبرويز كسرى من مريم بنت موريكش وهما قباذ وشيرويه‏.‏ ومر بحلوان وشهرازور إلى المدائن ودجلة ورجع إلى أرمينية ولما قرب من القسطنطينية وارتحل أبرويز كسرى إلى بلاده فوجدها خراباً وكان ذلك مما أضعف من مملكة الفرس وأوهنها‏.‏ وخرج هرقل لتاسعة من ملكه لجمع الأموال وطلب عامل دمشق منصور بن شرخون فاعتذر بأنه كان يحمل الأموال إلى كسرى فعاقبه واستخلص منه مائة ألف دينار وأبقاه على عمله‏.‏ ثم سار إلى بيت المقدس وأهدى إليه فأمنهم أولاً ثم عرفه الأساقفة والرهبان بما فعلوه في الكنائس ورآها خراباً وأخبروه بمن قتلوه من النصارى فأمر هرقل بقتلهم فلم ينج منهم إلا من اختفى أو أبعد المفر إلى الجبال والبراري وأمر بالكنائس فبنيت‏.‏ وفي العاشرة من ملكه قدم أندرسكون بطركاً لليعاقبة بإسكندرية فأقام ست سنين خربت فيها الديور‏.‏ ثم مات فجعل مكانه بنيامين‏.‏ فمكث سبعاً وثلاثين سنة ومات‏.‏ والفرس يومئذ قد ملكوا مصر والإسكندرية‏.‏ وأما هرقل فسار من بيت المقدس إلى مصر وملكها وقتل الفرس وولى على الإسكندرية فوس وكان أمانيا وجمع له بين البطركة والولاية‏.‏ ورأى بنيامين البطرك في نومه شخصاً يقول قم فاختف إلى أن يجوز غضب الرب‏.‏ فاختفى وتقبض هرقل على أخيه مينا وأراده على الأخذ بالأمانة الخلقدونية فامتنع فأحرقه بالنار ورمى بجثته في البحر‏.‏ ثم عاد هرقل إلى قسطنطينية بعد أن جمع الأموال من دمشق وحمص وحماة وحلب عمر البلاد إلى أن ملك مصر عمرو بن العاص وفتحها لثلثمائة وسبع وخمسين لديقلاديانوس وكتب لبنيامين البطرك بالأمان فرجع إلى إسكندرية بعد أن غاب عن كرسيه ثلاث عشرة سنة‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وانتقل التاريخ إلى الهجرة لإحدى عشرة من ملك هرقل وذلك لتسعمائة وثلاث وثلاثين للإسكندر وستمائة وأربع عشرة للمسيح‏.‏ قال المسعودي‏:‏ وقيل إن مولده عليه السلام كان لعهد نيشطيانش الثاني الذي ذكر أنه نوسطيونس الذي بنى كنيسة الرها وأن ملكه كان عشرين سنة‏.‏ ثم هرقل بن نوسطيونس خمس عشرة سنة وهو الذي


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخ ابن خلدون - صفحة 8 Empty رد: تاريخ ابن خلدون

مُساهمة من طرف محمد منسى الأربعاء 7 مايو 2008 - 9:55

ضرب السكة الهرقلية وبعده مورق بن هرقل‏.‏ قال‏:‏ والمشهور بين الناس أن الهجرة وأيام الشيخين كان ملك الروم لهرقل‏.‏ قال‏:‏ وفي كتب السير أن الهجرة كانت على عهد قيصر بن مورق ثم كان بعده ابنه قيصر بن قيصر أيام أبي بكر ثم هرقل بن قيصر أيام عمر وعليه كان الفتح وهو المخرج من الشام‏.‏ قال‏:‏ ومدة ملكهم إلى الهجرة مائة وخمس وسبعون سنة‏.‏ قال الطبري‏:‏ مدة ما بين عمارة المقدس بعد تخريب بختنصر إلى الهجرة على قول النصارى ألف سنة وتزيد ومن ملك الإسكندر إليها تسعمائة ونيف وعشرين سنة ومنه إلى مولد عيسى ثلثمائة وثلاث سنين وعمره إلى رفعه اثنان وثلاثون سنة ومن رفعه إلى الهجرة خمسمائة وخمس وثمانون سنة‏.‏ وقال هروشيوش أن ملك هرقل كانت الهجرة في تاسعته وسماه هرقل بن هرقل ابن أنطونيوس لستمائة وإحدى عشرة من تاريخ المسيح ولألف ومائة من بناء رومة‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏


((  إن لم يكن شعري كعهدي به


فحسنك الشعر الذي أهوي   ))


م . منسي
محمد منسى
محمد منسى

عضومميز
عضومميز


المشاركات المشاركات : 3296

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 8 من اصل 20 الصفحة السابقة  1 ... 5 ... 7, 8, 9 ... 14 ... 20  الصفحة التالية

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى