قصة صدام حسين ..
صفحة 7 من اصل 7 • شاطر
صفحة 7 من اصل 7 • 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7
- *شيخ البلد*VIP™
- المشاركات : 657
الوظيفة : زملكاوى جداً
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
أما الآن، فقد تكون موجودة في وسائل الاتصال، وفي شاشات التلفاز، وفي المقتنيات الحديثة، وما يمكن أن تغري به، أو في عيني امرأة شرهة سوتهما بأصباغ هذا الزمان وفق نزعتها، بعد أن لصقت عليهما عدستين ملونتين تحجبان لون عينيها الأساس، بحيث لا يعرف المرء من خلالهما متى ترغب أو لا ترغب بكل شيء، وأي شيء، مما هو مشروع، أو غير مشروع، ومتى تستحي.. وتستعصم بالله، فتعز نفسها وأهلها، أو تنزلق في مهاوي الشيطان، فتخزي نفسها وأهلها.. أو في نزعات الرجال عندما يصبون إلى ما لا يرضي الله، وعندما يغضبون ولا يتذكرون أي شيء مما ينبغي أو يجب، إلا ما يناسب هوى أنفسهم وغضبهم.. وهي في كل الأحوال، موجودة حيثما وجد طمع وطامعون، وظلم وظالمون، وشر وأشرار، حتى لتخالها موجودة في سدادة مدفع، أو في خزانة مترعة بمال حرام، أو محرك طائرة، أو زعنفة قنبرة طائرة، أو صاروخ مدمر، أو احتلال اجنبي مغتصب، أو في مغاليق السجون وخلف قضبانها، حيث تضم في زواياها أبرياء أو أناساً يناضلون ويجاهدون حباً بالله ضد الكفر والظلم، أو يناضلون من أجل الحرية، بل لعلها موجودة في صدور أصحابها، وفي دمائهم، وحتى في نواياهم، والأقلام التي يخطون الباطل بها على الورق، ويهيئون له، أو في ما يضمرون.
ومع كل هذا، تكيف الشيطان ليكمن في مفرداتها، أو يحرك ما يقتضي ليهيج الشر، وبذلك طور وجوده، وفعله مع تطور قدرة الإنسان ووسائله، فتحول الشيطان من الشكل التشبيهي القديم، الذي عرف به في رسومات وتخيلات الأقدمين: عينان مسحوبتان عرضا أو طولا، وشعر أشعث منتصب إلى الأعلى فوق رأسه، رافض أن ينسدل مسرّحا مع رقبته، أو متدليا من الرأس على الكتفين، أو حتى وردة الأذن، كما هو الحال في الإنسان، وصار الشيطان يتخلل الإنسان إلى الحد الذي بات الدراويش، أو المعنيون بالطب الروحي، غير قادرين على إخراجه من جسم من يتخلله عابثاً بروحه، حتى لو رددوا آلاف المرات، وهم يضربون الأرض بعصيهم على مقربة ممن دخله الشيطان، أو حتى على قفاه، وهم يصيحون، بعد أن يقرأوا ما يقرأونه: اخرج منه، أو منها، (يا ملعون).
صار الشيطان كأنه مندمج بالإنسان المناسب لوصفه، بعد أن تخلله، أو صار الإنسان المعني فعلا، من ناحية الصفات والأثر، بوصف يجعله كأنه شيطان، أو أن الشيطان هرب من المكان، بعد أن كثرت أعداد من يقوم بواجبه من البشر، فانزوى بعيداً.
وفي كل الأحوال، بقي الشيطان متخللاً ومستقراً في ضمير، وعقل، وتفكير، وفعل من يقبل ولايته عليه، إلا أنه بقي بعيداً، بعد أن اخفق مع أولئك المحصنين بدروع إيمانهم وعقيدتهم، الذين يرفضون الولاية إلا للرحمن الرحيم والمؤمنين الذين يسعون ويفكرون، ويتأملون وفق ما يرضي الله، ويتجنبون ما ينهاهم عنه، سبحانه.....
تعيش الشياطين، حسب اعتقاد من يعتقد بذلك، وتفرخ بين أعمدة الخشب في البيوت العتيقة، حيث تشكل تلك الأعمدة مساند سقوفها، أو بين أعقاب النبات والحطب حيث يخزنان، أو في المغاور، والشعاب، والأكواخ المهجورة، وفي بقايا جدران إرم ذات العماد، التي غضب الله على أهلها فهلك من هلك وهجرها الناس، أو في خرائب بابل، التي هجرها أهلها بعد أن دمرها الفرس، وفق تدبير تآمر به معهم اليهود الذين جاء بهم نبوخذ نصر أسرى إليها..
أما الآن، فقد تكون موجودة في وسائل الاتصال، وفي شاشات التلفاز، وفي المقتنيات الحديثة، وما يمكن أن تغري به، أو في عيني امرأة شرهة سوتهما بأصباغ هذا الزمان وفق نزعتها، بعد أن لصقت عليهما عدستين ملونتين تحجبان لون عينيها الأساس، بحيث لا يعرف المرء من خلالهما متى ترغب أو لا ترغب بكل شيء، وأي شيء، مما هو مشروع، أو غير مشروع، ومتى تستحي.. وتستعصم بالله، فتعز نفسها وأهلها، أو تنزلق في مهاوي الشيطان، فتخزي نفسها وأهلها.. أو في نزعات الرجال عندما يصبون إلى ما لا يرضي الله، وعندما يغضبون ولا يتذكرون أي شيء مما ينبغي أو يجب، إلا ما يناسب هوى أنفسهم وغضبهم.. وهي في كل الأحوال، موجودة حيثما وجد طمع وطامعون، وظلم وظالمون، وشر وأشرار، حتى لتخالها موجودة في سدادة مدفع، أو في خزانة مترعة بمال حرام، أو محرك طائرة، أو زعنفة قنبرة طائرة، أو صاروخ مدمر، أو احتلال اجنبي مغتصب، أو في مغاليق السجون وخلف قضبانها، حيث تضم في زواياها أبرياء أو أناساً يناضلون ويجاهدون حباً بالله ضد الكفر والظلم، أو يناضلون من أجل الحرية، بل لعلها موجودة في صدور أصحابها، وفي دمائهم، وحتى في نواياهم، والأقلام التي يخطون الباطل بها على الورق، ويهيئون له، أو في ما يضمرون.
ومع كل هذا، تكيف الشيطان ليكمن في مفرداتها، أو يحرك ما يقتضي ليهيج الشر، وبذلك طور وجوده، وفعله مع تطور قدرة الإنسان ووسائله، فتحول الشيطان من الشكل التشبيهي القديم، الذي عرف به في رسومات وتخيلات الأقدمين: عينان مسحوبتان عرضا أو طولا، وشعر أشعث منتصب إلى الأعلى فوق رأسه، رافض أن ينسدل مسرّحا مع رقبته، أو متدليا من الرأس على الكتفين، أو حتى وردة الأذن، كما هو الحال في الإنسان، وصار الشيطان يتخلل الإنسان إلى الحد الذي بات الدراويش، أو المعنيون بالطب الروحي، غير قادرين على إخراجه من جسم من يتخلله عابثاً بروحه، حتى لو رددوا آلاف المرات، وهم يضربون الأرض بعصيهم على مقربة ممن دخله الشيطان، أو حتى على قفاه، وهم يصيحون، بعد أن يقرأوا ما يقرأونه: اخرج منه، أو منها، (يا ملعون).
صار الشيطان كأنه مندمج بالإنسان المناسب لوصفه، بعد أن تخلله، أو صار الإنسان المعني فعلا، من ناحية الصفات والأثر، بوصف يجعله كأنه شيطان، أو أن الشيطان هرب من المكان، بعد أن كثرت أعداد من يقوم بواجبه من البشر، فانزوى بعيداً.
وفي كل الأحوال، بقي الشيطان متخللاً ومستقراً في ضمير، وعقل، وتفكير، وفعل من يقبل ولايته عليه، إلا أنه بقي بعيداً، بعد أن اخفق مع أولئك المحصنين بدروع إيمانهم وعقيدتهم، الذين يرفضون الولاية إلا للرحمن الرحيم والمؤمنين الذين يسعون ويفكرون، ويتأملون وفق ما يرضي الله، ويتجنبون ما ينهاهم عنه، سبحانه.....
- *شيخ البلد*VIP™
- المشاركات : 657
قال حسقيل ذلك، لكن خطته الحقيقية غلبت رأيه في المرأة بتصويره على غير حقيقته، عندما وضع النساء قبل الرجال وهو يقول (اخواتي واخواني)، فهنا اقترح ان يقتصر التصويت بصورة شبه سرية على الرجال فقط من وجوه وشيوخ القوم..
نقر أبو سالم على الصحن الموضوع أمامه لينبه الجميع لكي ينصتوا، وقال موجهاً الكلام للجميع، بعد أن استمع إلى حسقيل:
ـ سنعرض المقترحين على الحاضرين، حسب تقاليدنا، وسنبدأ وفق الأسبقية بالمقترح الأول، الذي يقضي، بناء على ما شرحه سالم بأن يعرض المقترح على كل بالغ في هذا الجمع، رجالا ونساء، وأن يجري التصويت برفع الأيدي، وعندما يحوز على أغلبية، يكون فائزاً، والمقترح يقضي بتجميد صفة الشيخ الممنوحة لحسقيل حتى ننتهي من محاكمة حسقيل يوم غد، إن شاء الله، وفق ما أرادت نخوة، وفي ضوء القرار الذي نتخذه تجري مراجعة كل ما يتصل بالموضوع.
عندما أكمل أبو سالم كلامه، وهمَّ ليعرض مقترح سالم للتصويت رفع حسقيل يده مرة أخرى، وأذن له أبو سالم بالكلام،
قال حسقيل: ولماذا، يا أبا سالم، نتشبث بتقاليد عفا عليها الدهر، ولا ننشئ تقاليد جديدة؟.
استأذن سالم أباه والحضور ليتكلم، فقال، موجهاً كلامه لحسقيل ومعه من كان في المكان:
ـ ان كل شيء موروث جزء من تاريخنا، ويعتمد على حيويته أو جموده في حالة ما إذا قررنا أن نقبل استمراره، أو أن نمر به مروراً كحالة مجردة، أو مجرد نشاط حصل في تاريخنا فحسب.. ان مقترحك، يا حسقيل، مقترح متخلف، ذلك لأنه يختار عددا من الرجال على أساس عناوينهم، ويستثني الآخرين من الناس.. وفي الوقت الذي يؤخذ عدد محدد من الناس قد يثير الجدل حول مشروعية قاعدته ورصانتها، فإنه يستثني من المشاركة كل الرجال البالغين الآخرين، ومع أنك خاطبت المرأة قبل الرجل، وأنت تهم ان تقدم اقتراحك، فقد استثنيت كل النساء من المشاركة في أمر يتعلق بالحاضر والمستقبل، ويتعلق بمصير الناس وحماها ومصالحها التاريخية، وليس بالسلطة وشكلها ومدى استحقاق من يحمل عناوينها فحسب، ثم اننا عندما نقول بأهمية احترام الأسبقية في عرض المقترحات على أساس تسلسلها الزمني، فلأنه الأكثر عدالة بين ما هو معروف من أساليب أخرى، ومن بينها ما يمكن أن يفهم، من اعتراضك على هذه التقاليد، كأنك تريد أن تقول إن المقترح يطرح للتصويت على أساس عنوان من يقترحه، ويتأخر مقترح من يكون مواطناً فحسب في القبيلة، ويتقدم مقترح من اسمه حسقيل، وان كان على هامش القبيلة، أو لا يمت إليها بصلة، في المعاني ولا في الأصل، أو يترك لمن يدير الجلسة أن يتصرف على هواه، فيقدم هذا ويؤخر ذاك من المقترحات، وعندما لا تكون هناك ضوابط متفق عليها، تسود الفوضى والخلافات، ليس في اطلاق الأحكام فحسب، إنما في تطبيقها ايضا، وفي وصف المواقف، ومن يلتزم بالجماعة، أو يخرج عليها، لذلك يستمر أي تقليد لا تلغيه روح الجماعة، ولا تقتضي تغييره الضرورات الظرفية الملجئة، أو تستوجبه قوانين التطور المولود من رحم وصلب قومنا، وان المحافظة عليه، والالتزام به ضروريان، لذلك نلتزم بالتقليد الموروث الذي أشار إليه والدي، واترك لاخواني وأعمامي الحضور أن يبدوا آراءهم، إذا كان لأحد منهم رأي آخر.
ومع إكمال سالم الجملة الأخيرة، دوى تصفيق من الحضور، بما يعني انهم متمسكون بما ورثوه من تقاليد، كانت قد أعزت قومهم عندما كانوا متمسكين بها، واضعفهم الهوى والتخلي عنها كلياً، أو جزئياً، الى الحد الذي جاء الضعف والتخلي بحسقيل شيخاً عليهم، بدلا من أن يكون شيخهم منهم عقلاً وضميراً، نسباً وموقفاً، كتاباً وسيفاً وراية..
عرض أبو سالم مقترح سالم، وفاز المقترح بإجماع الحضور، رجالاً ونساء، عدا عدد قليل رآهم أبو سالم يجلسون قبالة حسقيل، ويرفعون أيديهم بصورة غير كاملة، ثم يخفضونها حيثما نظر إليهم..
وعندما طلب أبو سالم من سالم أن يقول لهم: إذا كنتم غير مقتنعين، اخفضوا أيديكم، ولن نزعل لهذا..
قالوا له:
ـ لا نحن مقتنعون بمقترحك..
ومن تلك اللحظة رفعوا أيديهم بثبات، فكان القرار بالإجماع.
خرج حسقيل بأمل ان يحضر المحاكمة في المكان نفسه، في اليوم التالي، فيما راح الجميع يدبك ويغني ويرقص، او يهتف، ويجول، كل حسب اختياره، وشعوره في تلك اللحظة، والاسلوب الذي يقدر انه متمكن فيه اكثر من غيره ليعبر عن نفسه.
انسل سالم من بين الجمع، واشار الى نخوة وعدد من الرجال: ان اتبعوني، وبعد ان تبعوه الى حيث بيت ابي سالم، الذي كان اقرب بيت الى تجمعهم، حيث تناولوا طعام الغداء، بعد ان استمعوا الى حسقيل وسالم ونخوة، وعندما جلسوا في مكان واحد، قال سالم:
ـ ان طلب حسقيل تأجيل البت في مصيره في ضوء ما اقترف من جرائم، لم يكن وفق ما اشار له في الجلسة.. ان هزيمة حسقيل امام محاكمتنا له بحضور كل الناس من قومنا، وافتضاح امره وجرائمه تجعلها ضرورية له قبل ان يعرض مصيره وحياته علينا، يوم غد، وهو امر لا يتحمله، لا هو ولا شيخ الروم من بعده، لذلك اردت ان اقول لكم هواجسي واستنتاجي، لنعد انفسنا على قاعدة صحيحة، وقد نصل بالحوار فيما بيننا الآن الى افضل الوسائل لمعالجة اقرب الاستنتاجات مما نتوقعه.
سكت سالم.. وتكلمت نخوة قائلة: ان ما اشار اليه سالم هو الاستنتاج الاساس، بل قاعدة ما يمكن ان نتصور من استنتاجات فرعية منه، واي تصور غير هذا عن نوايا حسقيل، ومن خلفه كلب الروم، يعد تصورا قاصرا من شأنه ان يوقعنا في الوهم، وقد يسبب لنا خسارة، لا سمح الله.. ان اعداءنا لا ذمة لهم ولا عهد.. كما ان هاجس اي منهم لا يكون صادقا امينا، بل غادرا اشرا، وان حسقيل وجماعة الروم معروفون بنكثهم العهود، وعلى هذا ينبغي ان نعد انفسنا ووسائلنا وخططنا
نقر أبو سالم على الصحن الموضوع أمامه لينبه الجميع لكي ينصتوا، وقال موجهاً الكلام للجميع، بعد أن استمع إلى حسقيل:
ـ سنعرض المقترحين على الحاضرين، حسب تقاليدنا، وسنبدأ وفق الأسبقية بالمقترح الأول، الذي يقضي، بناء على ما شرحه سالم بأن يعرض المقترح على كل بالغ في هذا الجمع، رجالا ونساء، وأن يجري التصويت برفع الأيدي، وعندما يحوز على أغلبية، يكون فائزاً، والمقترح يقضي بتجميد صفة الشيخ الممنوحة لحسقيل حتى ننتهي من محاكمة حسقيل يوم غد، إن شاء الله، وفق ما أرادت نخوة، وفي ضوء القرار الذي نتخذه تجري مراجعة كل ما يتصل بالموضوع.
عندما أكمل أبو سالم كلامه، وهمَّ ليعرض مقترح سالم للتصويت رفع حسقيل يده مرة أخرى، وأذن له أبو سالم بالكلام،
قال حسقيل: ولماذا، يا أبا سالم، نتشبث بتقاليد عفا عليها الدهر، ولا ننشئ تقاليد جديدة؟.
استأذن سالم أباه والحضور ليتكلم، فقال، موجهاً كلامه لحسقيل ومعه من كان في المكان:
ـ ان كل شيء موروث جزء من تاريخنا، ويعتمد على حيويته أو جموده في حالة ما إذا قررنا أن نقبل استمراره، أو أن نمر به مروراً كحالة مجردة، أو مجرد نشاط حصل في تاريخنا فحسب.. ان مقترحك، يا حسقيل، مقترح متخلف، ذلك لأنه يختار عددا من الرجال على أساس عناوينهم، ويستثني الآخرين من الناس.. وفي الوقت الذي يؤخذ عدد محدد من الناس قد يثير الجدل حول مشروعية قاعدته ورصانتها، فإنه يستثني من المشاركة كل الرجال البالغين الآخرين، ومع أنك خاطبت المرأة قبل الرجل، وأنت تهم ان تقدم اقتراحك، فقد استثنيت كل النساء من المشاركة في أمر يتعلق بالحاضر والمستقبل، ويتعلق بمصير الناس وحماها ومصالحها التاريخية، وليس بالسلطة وشكلها ومدى استحقاق من يحمل عناوينها فحسب، ثم اننا عندما نقول بأهمية احترام الأسبقية في عرض المقترحات على أساس تسلسلها الزمني، فلأنه الأكثر عدالة بين ما هو معروف من أساليب أخرى، ومن بينها ما يمكن أن يفهم، من اعتراضك على هذه التقاليد، كأنك تريد أن تقول إن المقترح يطرح للتصويت على أساس عنوان من يقترحه، ويتأخر مقترح من يكون مواطناً فحسب في القبيلة، ويتقدم مقترح من اسمه حسقيل، وان كان على هامش القبيلة، أو لا يمت إليها بصلة، في المعاني ولا في الأصل، أو يترك لمن يدير الجلسة أن يتصرف على هواه، فيقدم هذا ويؤخر ذاك من المقترحات، وعندما لا تكون هناك ضوابط متفق عليها، تسود الفوضى والخلافات، ليس في اطلاق الأحكام فحسب، إنما في تطبيقها ايضا، وفي وصف المواقف، ومن يلتزم بالجماعة، أو يخرج عليها، لذلك يستمر أي تقليد لا تلغيه روح الجماعة، ولا تقتضي تغييره الضرورات الظرفية الملجئة، أو تستوجبه قوانين التطور المولود من رحم وصلب قومنا، وان المحافظة عليه، والالتزام به ضروريان، لذلك نلتزم بالتقليد الموروث الذي أشار إليه والدي، واترك لاخواني وأعمامي الحضور أن يبدوا آراءهم، إذا كان لأحد منهم رأي آخر.
ومع إكمال سالم الجملة الأخيرة، دوى تصفيق من الحضور، بما يعني انهم متمسكون بما ورثوه من تقاليد، كانت قد أعزت قومهم عندما كانوا متمسكين بها، واضعفهم الهوى والتخلي عنها كلياً، أو جزئياً، الى الحد الذي جاء الضعف والتخلي بحسقيل شيخاً عليهم، بدلا من أن يكون شيخهم منهم عقلاً وضميراً، نسباً وموقفاً، كتاباً وسيفاً وراية..
عرض أبو سالم مقترح سالم، وفاز المقترح بإجماع الحضور، رجالاً ونساء، عدا عدد قليل رآهم أبو سالم يجلسون قبالة حسقيل، ويرفعون أيديهم بصورة غير كاملة، ثم يخفضونها حيثما نظر إليهم..
وعندما طلب أبو سالم من سالم أن يقول لهم: إذا كنتم غير مقتنعين، اخفضوا أيديكم، ولن نزعل لهذا..
قالوا له:
ـ لا نحن مقتنعون بمقترحك..
ومن تلك اللحظة رفعوا أيديهم بثبات، فكان القرار بالإجماع.
خرج حسقيل بأمل ان يحضر المحاكمة في المكان نفسه، في اليوم التالي، فيما راح الجميع يدبك ويغني ويرقص، او يهتف، ويجول، كل حسب اختياره، وشعوره في تلك اللحظة، والاسلوب الذي يقدر انه متمكن فيه اكثر من غيره ليعبر عن نفسه.
انسل سالم من بين الجمع، واشار الى نخوة وعدد من الرجال: ان اتبعوني، وبعد ان تبعوه الى حيث بيت ابي سالم، الذي كان اقرب بيت الى تجمعهم، حيث تناولوا طعام الغداء، بعد ان استمعوا الى حسقيل وسالم ونخوة، وعندما جلسوا في مكان واحد، قال سالم:
ـ ان طلب حسقيل تأجيل البت في مصيره في ضوء ما اقترف من جرائم، لم يكن وفق ما اشار له في الجلسة.. ان هزيمة حسقيل امام محاكمتنا له بحضور كل الناس من قومنا، وافتضاح امره وجرائمه تجعلها ضرورية له قبل ان يعرض مصيره وحياته علينا، يوم غد، وهو امر لا يتحمله، لا هو ولا شيخ الروم من بعده، لذلك اردت ان اقول لكم هواجسي واستنتاجي، لنعد انفسنا على قاعدة صحيحة، وقد نصل بالحوار فيما بيننا الآن الى افضل الوسائل لمعالجة اقرب الاستنتاجات مما نتوقعه.
سكت سالم.. وتكلمت نخوة قائلة: ان ما اشار اليه سالم هو الاستنتاج الاساس، بل قاعدة ما يمكن ان نتصور من استنتاجات فرعية منه، واي تصور غير هذا عن نوايا حسقيل، ومن خلفه كلب الروم، يعد تصورا قاصرا من شأنه ان يوقعنا في الوهم، وقد يسبب لنا خسارة، لا سمح الله.. ان اعداءنا لا ذمة لهم ولا عهد.. كما ان هاجس اي منهم لا يكون صادقا امينا، بل غادرا اشرا، وان حسقيل وجماعة الروم معروفون بنكثهم العهود، وعلى هذا ينبغي ان نعد انفسنا ووسائلنا وخططنا
- *شيخ البلد*VIP™
- المشاركات : 657
وتكلم بعدهما من تكلم، ولم يخرجوا عن دائرة الاستنتاج الرئيس، سوى انهم كانوا يقترحون اساليب وخططا لمواجهة تكمل ما قاله سالم ونخوة.. ومن بين ذلك ان احدهم قال:
ـ اقترح ان نراقبه، رغم ان هذا ليس متيسرا من غير تضحية، ذلك لأن حراس وخدم حسقيل، الا واحدا منهم، هم ممن جاء بهم الروم، بعد ان فقد الثقة بمن حوله..
تساءل آخر: ما هي الصعوبة في ان نراقبه؟
أجابه من قال بالصعوبة:
ـ ان ما اقصده ان احد رجالنا الموجودين معه لا يستطيع ان يغادر المكان الا لو هرب على فرسه.. وان وضعنا عيونا جددا عليه الآن سنكون قد اتخذنا قرارنا هذا بصورة مستعجلة وربما مرتبكة، فإنه عندما يكتشفهم سيلقي القبض عليهم ويعرضهم بعد الضغط الى السؤال والجواب، وعندما يعرف اننا نحن الذين امرنا بمراقبته، ستكون له حجة علينا، ومن بين ذلك قد يمتنع عن الحضور للمحاكمة امام القبيلة.
وبعد مداولة طويلة، اكتفوا بوضع عين عليه في بيت هو الاقرب لبيت حسقيل ممن يطمئنون الى اهله، لينبههم بهروب حسقيل خارج المنطقة ان هو فعل ذلك، لكن حسقيل لم يخرج الا في اللحظة الاخيرة، التي سبقت الزمن المحدد، الذي اتفقوا عليه، ليحضروا في اليوم التالي، بقصد اللقاء في بيت ابي سالم.
تكلم الثمانية المجتمعون في بيت ابي سالم، ومنهم سالم ونخوة، والستة الاضافيون، وهم خمسة رجال وامرأة.
قال سالم:
ـ لتكن خطتنا على اساس ان نموه عليه، ونمكر بخطط حسقيل ونواياه، مثلما نتصور انه يعد العدة ليمكر بنا.. وعلى هذا، فإن خمسين من رجالنا ينبغي ان لا يحضروا مكان الاجتماع، وان يكونوا مع خيولهم خلف بيتنا هذا، في الوادي الذي يبعد عن مكاننا هذا ما بين مائة وخمسين الى مائتي متر، اما سلاحنا فهو في بيتنا هذا في مقطع العيال.. واذا ما داهمونا بغدر، سوف يسبق الخيالة المشاة الينا، واعتقد ان حسقيل سيتصور اننا بلا سلاح، وسيفاجئهم سلاحنا، وسيكون هو وحليفه في وضع صعب، ربما لم يتمنياه لو انطلق فرساننا الخمسون من مكانهم، مقسمين على مجموعتين.. وظهروا كلهم بعد ان يلتفوا من الجوانب خلف العدو، واعملوا سيوفهم في رقاب العدو، في الوقت الذي اركب انا ونخوة فرسينا، حيث ستكون لها فرس مجنبة قرب فرسي، وسوف اوعز الى حازم وعمر وسمعان بأن يحضروا خيولهم، لتكون قرب جارنا، وتربط في مقدم البيت، لتكون اقرب الى مكاننا، وسوف آمرهم بأن يلازم اثنان منهم نخوة على جناحي حركتها، والثالث الى الامام قليلا..
علقت نخوة:
ـ ألا تثق بقدراتي، يا سالم؟
ـ بلى، ولكن التحسب واجب.
ـ ألا يكفي حازم لحمايتي، هو وشخص آخر، وان يكون الثالث معك؟
ـ اطمئني، سأكون بين جمعكم، حتى عندما اتقدم صفوفكم، وفق ضرورات الحرب، اذا تطلب الامر ذلك، لذلك ستكونون جميعا بحمايتي بعد الاتكال على الله.
تبسم الجميع..
قالت نخوة:
ـ ربنا، منك النصر، وبك نستعين..
ردد الجميع:
ـ آمين..
ونهضوا بعد ذلك، ليقوم كل بواجبه قبل ان يحل موعد اليوم التالي.
في الوقت الذي كان سالم ونخوة يرسمان، كل في ميدانه، سيناريوهات لما ينبغي او يجب، في ضوء ما استنتجاه عن نوايا حسقيل وخططه.. اتصل حسقيل فور وصوله الى بيته بشيخ الروم.. بعد ان كلف من يقوم بذلك ليشرح كل ما سمعه عن الاتهام الذي وجه اليه هذا اليوم، والى تجميد صفة المشيخة فيه، والى دعوته ظهر اليوم التالي ليحضر اجتماع القبيلة، الذي يتقرر فيه مصيره النهائي كشيخ للقبيلة، وربما حتى حياته، قال، وأكد القول على من بعثه الى شيخ الروم:
ـ قل لشيخ الروم انني سأنتظره هو وفرسانه عند القنطرة التي كنا نخيم حولها في خريف العام الماضي، عندما كنا في (القنيص، القنص، وهناك سأبين لهم كل شيء اضافي عن الخطة، واسمع ايضا اي تعديلات اضافية يريد الشيخ ادخالها عليها.. وكرر على شيخنا الكبير ان التوقيت قبل الظهر بساعة او ساعة ونصف الساعة.. وقل له ان تأخرهم قد يفشل خطتنا، لأن سالم وجماعته ومعهم قبيلتهم، عندما يعرفون انني لم احضر في الموعد المقرر، سوف تداخل عقولهم هواجس عن سبب تأخري، وقد يحتاطون، بينما لو داهمناهم قبل ذلك، سنغلبهم لأنهم غير مسلحين..
انطلق من كلفه حسقيل على فرسه باتجاه شيخ الروم، وبعد ان تسلل في الوديان القريبة من بيت حسقيل، لئلا يراه احد ويكشف اتجاهه، وصل الى شيخ الروم وابلغه الرسالة..
قال شيخ الروم للرسول: ابلغ حسقيل بأن يطمئن فإن ما لدينا من عدة حرب تكفي لما هو اكثر عددا من قبيلة سالم، وان رجالنا كثر، مع اننا لم نجرب من قبل الاصطدام بهم، ولا نعرف تفاصيل كثيرة عنهم، وبخاصة معنوياتهم، لذلك قد يجد رجالنا في بادئ الامر صعوبة في ان نجعلهم يقاتلون كما يجب، لكن التفوق في السلاح والخيل امام رجال غير مسلحين يجعل القتال معهم محض نزهة.
ثم ان حسقيل يقول ان عددا كبيرا من شيوخ وشباب القبيلة سينسلخون عن سالم وجماعته، عندما يبدأ القتال، وهذا جيد، ذلك لأنهم ما ان يروا خيولنا تجمح باتجاههم، حتى ينقسموا على بعضهم، وعندما ينقسمون ويبدأون ببعضهم، سآمر رجالي بأن يكفوا عن مهاجمتهم، لكي لا نوحدهم اذا جعلناهم هدفا واحدا، وحيثما مالت منهم كفة على كفة، سندعم الكفة التي تضعف، بحيث نعيد التوازن بين الكفتين، بما يجعل القتال ومعه الخسائر يستمران ولا يتوقفان.. واذا ما حاولوا الصلح فيما بينهم بعد ان يتعبوا، سوف ندس بينهم، ونخرب اي صفاء، ليعاودوا التناحر والانقسام، فيضعفون، واذا ما التجأوا الينا بعد ذلك لنحكم بينهم، سوف نفرض عليهم شروطنا، حتى يرضخوا، ولا يعودوا يتمردون على سلطتنا، سلطة تحالفنا العتيد.. وقل لحسقيل اننا لن نتخلى عنه.. الا اذا هددت مصالحنا، وبما ان مصالحنا مضمونة ومؤمنة بدوره وجلوسه فوق رؤوس المضطرة كشيخ عليهم.. فلن نتخلى عنه.. وسأكون مع فرساني.. وسأحشد كل ما استطيع حشده، وهو كثير، قرب القنطرة..
يركب المبعوث فرسه، ويهم بأن يلكزها ليغير عائداً من حيث أتى.. لكن شيخ الروم يستوقفه.
ـ قلت إنهم سيكونون غير مسلحين.. أليس كذلك؟
ـ نعم يا شيخ، حتى ان حسقيل اشترط أن لا يحضر منهم أحد حتى لو كان يحمل عصا غليظة، وليس سلاحاً..
ـ هذا جيد، أجاب شيخ الروم.. سأكون عنده قبل ظهر يوم غد، وفق ما أراد.. ثم قال للمبعوث:
ـ ارشد.. أي اذهب راشدا..
ـ اقترح ان نراقبه، رغم ان هذا ليس متيسرا من غير تضحية، ذلك لأن حراس وخدم حسقيل، الا واحدا منهم، هم ممن جاء بهم الروم، بعد ان فقد الثقة بمن حوله..
تساءل آخر: ما هي الصعوبة في ان نراقبه؟
أجابه من قال بالصعوبة:
ـ ان ما اقصده ان احد رجالنا الموجودين معه لا يستطيع ان يغادر المكان الا لو هرب على فرسه.. وان وضعنا عيونا جددا عليه الآن سنكون قد اتخذنا قرارنا هذا بصورة مستعجلة وربما مرتبكة، فإنه عندما يكتشفهم سيلقي القبض عليهم ويعرضهم بعد الضغط الى السؤال والجواب، وعندما يعرف اننا نحن الذين امرنا بمراقبته، ستكون له حجة علينا، ومن بين ذلك قد يمتنع عن الحضور للمحاكمة امام القبيلة.
وبعد مداولة طويلة، اكتفوا بوضع عين عليه في بيت هو الاقرب لبيت حسقيل ممن يطمئنون الى اهله، لينبههم بهروب حسقيل خارج المنطقة ان هو فعل ذلك، لكن حسقيل لم يخرج الا في اللحظة الاخيرة، التي سبقت الزمن المحدد، الذي اتفقوا عليه، ليحضروا في اليوم التالي، بقصد اللقاء في بيت ابي سالم.
تكلم الثمانية المجتمعون في بيت ابي سالم، ومنهم سالم ونخوة، والستة الاضافيون، وهم خمسة رجال وامرأة.
قال سالم:
ـ لتكن خطتنا على اساس ان نموه عليه، ونمكر بخطط حسقيل ونواياه، مثلما نتصور انه يعد العدة ليمكر بنا.. وعلى هذا، فإن خمسين من رجالنا ينبغي ان لا يحضروا مكان الاجتماع، وان يكونوا مع خيولهم خلف بيتنا هذا، في الوادي الذي يبعد عن مكاننا هذا ما بين مائة وخمسين الى مائتي متر، اما سلاحنا فهو في بيتنا هذا في مقطع العيال.. واذا ما داهمونا بغدر، سوف يسبق الخيالة المشاة الينا، واعتقد ان حسقيل سيتصور اننا بلا سلاح، وسيفاجئهم سلاحنا، وسيكون هو وحليفه في وضع صعب، ربما لم يتمنياه لو انطلق فرساننا الخمسون من مكانهم، مقسمين على مجموعتين.. وظهروا كلهم بعد ان يلتفوا من الجوانب خلف العدو، واعملوا سيوفهم في رقاب العدو، في الوقت الذي اركب انا ونخوة فرسينا، حيث ستكون لها فرس مجنبة قرب فرسي، وسوف اوعز الى حازم وعمر وسمعان بأن يحضروا خيولهم، لتكون قرب جارنا، وتربط في مقدم البيت، لتكون اقرب الى مكاننا، وسوف آمرهم بأن يلازم اثنان منهم نخوة على جناحي حركتها، والثالث الى الامام قليلا..
علقت نخوة:
ـ ألا تثق بقدراتي، يا سالم؟
ـ بلى، ولكن التحسب واجب.
ـ ألا يكفي حازم لحمايتي، هو وشخص آخر، وان يكون الثالث معك؟
ـ اطمئني، سأكون بين جمعكم، حتى عندما اتقدم صفوفكم، وفق ضرورات الحرب، اذا تطلب الامر ذلك، لذلك ستكونون جميعا بحمايتي بعد الاتكال على الله.
تبسم الجميع..
قالت نخوة:
ـ ربنا، منك النصر، وبك نستعين..
ردد الجميع:
ـ آمين..
ونهضوا بعد ذلك، ليقوم كل بواجبه قبل ان يحل موعد اليوم التالي.
في الوقت الذي كان سالم ونخوة يرسمان، كل في ميدانه، سيناريوهات لما ينبغي او يجب، في ضوء ما استنتجاه عن نوايا حسقيل وخططه.. اتصل حسقيل فور وصوله الى بيته بشيخ الروم.. بعد ان كلف من يقوم بذلك ليشرح كل ما سمعه عن الاتهام الذي وجه اليه هذا اليوم، والى تجميد صفة المشيخة فيه، والى دعوته ظهر اليوم التالي ليحضر اجتماع القبيلة، الذي يتقرر فيه مصيره النهائي كشيخ للقبيلة، وربما حتى حياته، قال، وأكد القول على من بعثه الى شيخ الروم:
ـ قل لشيخ الروم انني سأنتظره هو وفرسانه عند القنطرة التي كنا نخيم حولها في خريف العام الماضي، عندما كنا في (القنيص، القنص، وهناك سأبين لهم كل شيء اضافي عن الخطة، واسمع ايضا اي تعديلات اضافية يريد الشيخ ادخالها عليها.. وكرر على شيخنا الكبير ان التوقيت قبل الظهر بساعة او ساعة ونصف الساعة.. وقل له ان تأخرهم قد يفشل خطتنا، لأن سالم وجماعته ومعهم قبيلتهم، عندما يعرفون انني لم احضر في الموعد المقرر، سوف تداخل عقولهم هواجس عن سبب تأخري، وقد يحتاطون، بينما لو داهمناهم قبل ذلك، سنغلبهم لأنهم غير مسلحين..
انطلق من كلفه حسقيل على فرسه باتجاه شيخ الروم، وبعد ان تسلل في الوديان القريبة من بيت حسقيل، لئلا يراه احد ويكشف اتجاهه، وصل الى شيخ الروم وابلغه الرسالة..
قال شيخ الروم للرسول: ابلغ حسقيل بأن يطمئن فإن ما لدينا من عدة حرب تكفي لما هو اكثر عددا من قبيلة سالم، وان رجالنا كثر، مع اننا لم نجرب من قبل الاصطدام بهم، ولا نعرف تفاصيل كثيرة عنهم، وبخاصة معنوياتهم، لذلك قد يجد رجالنا في بادئ الامر صعوبة في ان نجعلهم يقاتلون كما يجب، لكن التفوق في السلاح والخيل امام رجال غير مسلحين يجعل القتال معهم محض نزهة.
ثم ان حسقيل يقول ان عددا كبيرا من شيوخ وشباب القبيلة سينسلخون عن سالم وجماعته، عندما يبدأ القتال، وهذا جيد، ذلك لأنهم ما ان يروا خيولنا تجمح باتجاههم، حتى ينقسموا على بعضهم، وعندما ينقسمون ويبدأون ببعضهم، سآمر رجالي بأن يكفوا عن مهاجمتهم، لكي لا نوحدهم اذا جعلناهم هدفا واحدا، وحيثما مالت منهم كفة على كفة، سندعم الكفة التي تضعف، بحيث نعيد التوازن بين الكفتين، بما يجعل القتال ومعه الخسائر يستمران ولا يتوقفان.. واذا ما حاولوا الصلح فيما بينهم بعد ان يتعبوا، سوف ندس بينهم، ونخرب اي صفاء، ليعاودوا التناحر والانقسام، فيضعفون، واذا ما التجأوا الينا بعد ذلك لنحكم بينهم، سوف نفرض عليهم شروطنا، حتى يرضخوا، ولا يعودوا يتمردون على سلطتنا، سلطة تحالفنا العتيد.. وقل لحسقيل اننا لن نتخلى عنه.. الا اذا هددت مصالحنا، وبما ان مصالحنا مضمونة ومؤمنة بدوره وجلوسه فوق رؤوس المضطرة كشيخ عليهم.. فلن نتخلى عنه.. وسأكون مع فرساني.. وسأحشد كل ما استطيع حشده، وهو كثير، قرب القنطرة..
يركب المبعوث فرسه، ويهم بأن يلكزها ليغير عائداً من حيث أتى.. لكن شيخ الروم يستوقفه.
ـ قلت إنهم سيكونون غير مسلحين.. أليس كذلك؟
ـ نعم يا شيخ، حتى ان حسقيل اشترط أن لا يحضر منهم أحد حتى لو كان يحمل عصا غليظة، وليس سلاحاً..
ـ هذا جيد، أجاب شيخ الروم.. سأكون عنده قبل ظهر يوم غد، وفق ما أراد.. ثم قال للمبعوث:
ـ ارشد.. أي اذهب راشدا..
- *شيخ البلد*VIP™
- المشاركات : 657
قال شيخ الروم ذلك، واستدار بوجهه ناحية البرج، الذي بناه الى جانب برج حسقيل، وكلاهما في حماه، لكن على مقربة من الخط المتعارف عليه بين القبيلتين.
التقى شيخ الروم بشيوخ قبيلته وفرسانه، وشرح لهم الخطة.. وناموا ليلتهم.. وما ان صارت الشمس في صباح يومهم ذاك (بارتفاع قامة) عن الأفق، كما يقول أهل الريف والبادية، حتى سار بفرسانه، منطلقا ناحية القنطرة بعد ان حسب مسافة الطريق، يحف به الفرسان المدججون بأسلحتهم ودروعهم، وهم يضعون على قلنسوات المعروفين منهم ريش نعام أو ريش (فزن)، أو قرون اكباش كأنهم في غرورهم وحبورهم ومظهرهم إنما يقدمون على زفاف او استعراض في مناسبته..
وما أن اقتربوا من القنطرة، حتى لاح لهم (خيّال) فارس وحيد فوق فرسه، مما اثار استغراب شيخ الروم، خاصة أنه رأى خيالاً واحداً في هذا المكان، في الوقت الذي يفترض ان يكون حسقيل فيه.. وعندما ابدى استغرابه لمن حوله.. اجابهم الأكبر مكانة ومرتبة بين من كان مع الشيخ الكبير، شيخ الروم:
ـ قد يكون أحد فرسان حسقيل وسبقهم إلى هنا، ليكون في استقبالنا قبل حضور حشد حسقيل الكبير.
عاد الشيخ ليقول:
ـ لكن التوقيت حكم، فمتى يأتي؟!.. ليذهب اثنان منكم ناحيته وليتأكدا من هويته، لكن احذرا أن تتركا له فرصة الهرب، إذا لم يكن من جماعة حسقيل، خشية أن يبلغ جماعة القبيلة المضطرة بأي شيء، بعد ان رأى موكبنا.. ونحن قريبون منازلهم الآن..
انطلق الفارسان باتجاه الفارس الذي كان متوقفا وهو يمتطي جواده عند القنطرة، بينما توقف رتل الشيخ الرومي بانتظار ما سيكتشفانه عن ذاك الخيال..
وصل الفارسان، وتعرفا على الفارس.. انه حسقيل الذي جاء معهما (هذبا) خببا باتجاه رتل الروم.. وما ان وصل حتى قفز من على ظهر فرسه، واتجه ناحية شيخ الروم، فيما بقي شيخ الروم في بادئ الأمر على ظهر حصانه، مما اضطر حسقيل أن يمد يده لشيخ الروم ليصافحه وهو على ظهر حصانه.
سأله شيخ الروم قائلا:
ـ أراك وحدك، يا شيخ.. ترى، ألم يبق معك أحد؟..
عرف حسقيل أسباب التغيّر الذي طرأ على شيخ الروم (ذلك ان من يكون وحده، لا يحمل إلا وزن جسمه حتى في نظر اصدقائه).. هكذا قال حسقيل في نفسه.. وعلى أساس ما فهم اجاب حسقيل شيخ الروم:
ـ ان فرساني كثر، يا شيخنا، لكنني قدرت أننا لن نحتاجهم، ذلك لأننا سنواجه قوماً بلا سلاح، وخطتي مثلما شرحت لك تقوم على المخادعة، واستصحاب فرساني معي إلى هنا سيكشف خطتي، ويجعل القوم يتهيأون، لذلك فضلت استبقاءهم هناك، على أن يلحقوا بنا، عندما يروننا نهجم على تجمع سالم في قبيلته، وربما هاجموهم قبل ان نصل لو رأوا (عجاج) الخيل.. اما لو سألتني: هل تريد أن يهجموا معنا؟ لقلت: كلا، ومع ذلك عملت هذا التدبير خشية ان تلومني لو حرمتهم من المشاركة معنا.. وإلا كنت افضل ان لا يحظى بشرف إبادة سالم وجماعته إلا أنتم وأنا معكم.. وربما خادمي شميل الذي تركته معهم هناك..
ترجل شيخ الروم من على ظهر حصانه، بعد ان سلم رسنه إلى أقرب مرافق له.. وتكلم وهو منفرج الأسارير:
ـ ظننتك وحدك من غير تدبير، لذلك ظننت انهم ربما جردوك من الرجال فأصابني الغم.. لأن الشيخ من غير رجال لا يساوي وزن عقاله، حتى لو كان عقاله من ذهب.. قال ذلك وهو يشير إلى عقال حسقيل الذي كانت خيوطه من ذهب، كأنه ذاهب هو الآخر إلى حفلة..
قال حسقيل، بعد ان نفث حسرة من صدره:
ـ نعم، يا شيخ، كلامك ذهب.. سترى ان فرساني (يسدون عين الشمس) لو اصطفوا في مكان بعينه.. لكنني استبقيتهم هناك وفق ما أشرت ـ واسترسل في الكذب ـ حتى انني نسيت ان اقول لمبعثوي إليك اننا لا نحتاج إلى فرسانك كلهم، إنما لجزء صغير منهم، أو بالعدد الذي كنا نستصحبه معنا في (القنيص) القنص.. وطالما احضرتهم جميعاً، فعلى بركة الله، ولو ان حصصهم من الغنائم ستقل بسبب العدد الكبير.. لكن حصتي وحصتك لن تتأثرا.. حيث لنا النصف مما يغنمون..
قال ذلك وضحك هو وشيخ الروم.. ثم رفع شيخ الروم يده ليصافح حسقيل.. وضربا يدا بيد بقوة، وكانت يداهما مرتفعتين بصورة قائمة وليستا ممدودتين إلى بعضهما، كما الطريقة العربية.. فعلا ذلك جرياً على عادة الروم، تعبيرا عن مستوى علاقتهما وحبورهما..
جلس حسقيل وشيخ الروم القرفصاء، وأعاد حسقيل شرح خطته على الارض، بعد ان استخدم عصا بيده، يخط بها على الأرض، وكان يستعين بشفرة حصى من حين لحين، ليحفر بها خطوطاً على الأرض بما يشبه الخريطة الإيضاحية..
طلب حسقيل وشيخ الروم احضار عدد اضافي يمثلون عينات من قوم الروم الذين يتولون القيادة..
نهضا واتجها كل إلى فرسه أو حصانه، وقبل ان يركبا، لاحظ حسقيل ان عددا من الصقور كان يطارد رف طيور من الحبر، فنبه شيخ الروم الى ذلك المنظر، وقال شيخ الروم:
التقى شيخ الروم بشيوخ قبيلته وفرسانه، وشرح لهم الخطة.. وناموا ليلتهم.. وما ان صارت الشمس في صباح يومهم ذاك (بارتفاع قامة) عن الأفق، كما يقول أهل الريف والبادية، حتى سار بفرسانه، منطلقا ناحية القنطرة بعد ان حسب مسافة الطريق، يحف به الفرسان المدججون بأسلحتهم ودروعهم، وهم يضعون على قلنسوات المعروفين منهم ريش نعام أو ريش (فزن)، أو قرون اكباش كأنهم في غرورهم وحبورهم ومظهرهم إنما يقدمون على زفاف او استعراض في مناسبته..
وما أن اقتربوا من القنطرة، حتى لاح لهم (خيّال) فارس وحيد فوق فرسه، مما اثار استغراب شيخ الروم، خاصة أنه رأى خيالاً واحداً في هذا المكان، في الوقت الذي يفترض ان يكون حسقيل فيه.. وعندما ابدى استغرابه لمن حوله.. اجابهم الأكبر مكانة ومرتبة بين من كان مع الشيخ الكبير، شيخ الروم:
ـ قد يكون أحد فرسان حسقيل وسبقهم إلى هنا، ليكون في استقبالنا قبل حضور حشد حسقيل الكبير.
عاد الشيخ ليقول:
ـ لكن التوقيت حكم، فمتى يأتي؟!.. ليذهب اثنان منكم ناحيته وليتأكدا من هويته، لكن احذرا أن تتركا له فرصة الهرب، إذا لم يكن من جماعة حسقيل، خشية أن يبلغ جماعة القبيلة المضطرة بأي شيء، بعد ان رأى موكبنا.. ونحن قريبون منازلهم الآن..
انطلق الفارسان باتجاه الفارس الذي كان متوقفا وهو يمتطي جواده عند القنطرة، بينما توقف رتل الشيخ الرومي بانتظار ما سيكتشفانه عن ذاك الخيال..
وصل الفارسان، وتعرفا على الفارس.. انه حسقيل الذي جاء معهما (هذبا) خببا باتجاه رتل الروم.. وما ان وصل حتى قفز من على ظهر فرسه، واتجه ناحية شيخ الروم، فيما بقي شيخ الروم في بادئ الأمر على ظهر حصانه، مما اضطر حسقيل أن يمد يده لشيخ الروم ليصافحه وهو على ظهر حصانه.
سأله شيخ الروم قائلا:
ـ أراك وحدك، يا شيخ.. ترى، ألم يبق معك أحد؟..
عرف حسقيل أسباب التغيّر الذي طرأ على شيخ الروم (ذلك ان من يكون وحده، لا يحمل إلا وزن جسمه حتى في نظر اصدقائه).. هكذا قال حسقيل في نفسه.. وعلى أساس ما فهم اجاب حسقيل شيخ الروم:
ـ ان فرساني كثر، يا شيخنا، لكنني قدرت أننا لن نحتاجهم، ذلك لأننا سنواجه قوماً بلا سلاح، وخطتي مثلما شرحت لك تقوم على المخادعة، واستصحاب فرساني معي إلى هنا سيكشف خطتي، ويجعل القوم يتهيأون، لذلك فضلت استبقاءهم هناك، على أن يلحقوا بنا، عندما يروننا نهجم على تجمع سالم في قبيلته، وربما هاجموهم قبل ان نصل لو رأوا (عجاج) الخيل.. اما لو سألتني: هل تريد أن يهجموا معنا؟ لقلت: كلا، ومع ذلك عملت هذا التدبير خشية ان تلومني لو حرمتهم من المشاركة معنا.. وإلا كنت افضل ان لا يحظى بشرف إبادة سالم وجماعته إلا أنتم وأنا معكم.. وربما خادمي شميل الذي تركته معهم هناك..
ترجل شيخ الروم من على ظهر حصانه، بعد ان سلم رسنه إلى أقرب مرافق له.. وتكلم وهو منفرج الأسارير:
ـ ظننتك وحدك من غير تدبير، لذلك ظننت انهم ربما جردوك من الرجال فأصابني الغم.. لأن الشيخ من غير رجال لا يساوي وزن عقاله، حتى لو كان عقاله من ذهب.. قال ذلك وهو يشير إلى عقال حسقيل الذي كانت خيوطه من ذهب، كأنه ذاهب هو الآخر إلى حفلة..
قال حسقيل، بعد ان نفث حسرة من صدره:
ـ نعم، يا شيخ، كلامك ذهب.. سترى ان فرساني (يسدون عين الشمس) لو اصطفوا في مكان بعينه.. لكنني استبقيتهم هناك وفق ما أشرت ـ واسترسل في الكذب ـ حتى انني نسيت ان اقول لمبعثوي إليك اننا لا نحتاج إلى فرسانك كلهم، إنما لجزء صغير منهم، أو بالعدد الذي كنا نستصحبه معنا في (القنيص) القنص.. وطالما احضرتهم جميعاً، فعلى بركة الله، ولو ان حصصهم من الغنائم ستقل بسبب العدد الكبير.. لكن حصتي وحصتك لن تتأثرا.. حيث لنا النصف مما يغنمون..
قال ذلك وضحك هو وشيخ الروم.. ثم رفع شيخ الروم يده ليصافح حسقيل.. وضربا يدا بيد بقوة، وكانت يداهما مرتفعتين بصورة قائمة وليستا ممدودتين إلى بعضهما، كما الطريقة العربية.. فعلا ذلك جرياً على عادة الروم، تعبيرا عن مستوى علاقتهما وحبورهما..
جلس حسقيل وشيخ الروم القرفصاء، وأعاد حسقيل شرح خطته على الارض، بعد ان استخدم عصا بيده، يخط بها على الأرض، وكان يستعين بشفرة حصى من حين لحين، ليحفر بها خطوطاً على الأرض بما يشبه الخريطة الإيضاحية..
طلب حسقيل وشيخ الروم احضار عدد اضافي يمثلون عينات من قوم الروم الذين يتولون القيادة..
نهضا واتجها كل إلى فرسه أو حصانه، وقبل ان يركبا، لاحظ حسقيل ان عددا من الصقور كان يطارد رف طيور من الحبر، فنبه شيخ الروم الى ذلك المنظر، وقال شيخ الروم:
- *شيخ البلد*VIP™
- المشاركات : 657
انه لأمر عجيب حقا ان نرى في شهر نيسان هذا العدد الكبير من طير الحبر، يطارده هذا العدد من الصقور.. بينما اعتدنا ان نرى هذا في الخريف فحسب، أو حتى في أوائل الشتاء..
أجابه الأعرابي الذي اتخذه شيخ الروم دليلاً في معرفة الأرض والقبائل والبطون:
ـ اننا في شهر نيسان، يا شيخنا، والعرب يتفاءلون بشهر نيسان، مثلما يتفاءلون بشهر أيلول، ونيسان مثل أيلول يحمل مفاجآت سارة، لذلك فإن منظر الصقور هذا، وهي تطارد رف طيور الحبر، علامة فأل خير قد ينصرنا الله به على عدونا..
ورغم ان أحد حكماء الروم نبّه شيخ الروم إلى التورية في كلام الأعرابي بقوله: (فأل خير قد ينصرنا الله به على عدونا)، بينما كان يفترض أن يقول تعبيراً عن الاحترام والتبجيل انه (فأل خير قد ينصرك الله بعده على عدوك).. فقد أجاب شيخ الروم بنزق:
ـ بل سننتصر عليهم وعلى قومهم كلهم، من غير أن يذكر اسم الله، أو يتّكل عليه..
بقي شيخ الروم ممتطياً ظهر حصانه، يتوسط مقدمة الفرسان الذين كانوا يحيطون به من اليمين واليسار، وكان حسقيل اقربهم إليه من جهة اليمين، يتوزع حوله وجوه القوم وشيوخ القبيلة، وتتأخر خلفهم، على جانبي حصانه، كوكبة من الذين يتولون حمايته اثناء القتال، وغالبا ما كان دوره في القتال رمزيا، لأن مرافقيه ورجال حمايته ينوبون عنه في ذلك..
بعد ان أنجزت نخوة واجباتها مع نساء القبيلة، وقدرت ان سالماً وأباه أنجزا واجباتهما، عادت إلى بيت أبي سالم بعد المغرب بقليل.. فقدموا لها ولهم طعام العشاء المؤلف ذلك اليوم من خروف صغير، أعدته أم سالم، وجعلته هبيطاً ثردت خبزاً فيه..
قالت نخوة:
ـ هلاّ أعفيتموني من العشاء، فنفسي لا تشتهي الطعام..
أجابتها أم سالم:
ـ كيف يا عمة؟ أيصح هذا.. مضى زمن ونحن نأكل من خيرك.. ولا تريدين الآن أن (تمالحينا) في بيتنا؟ ما الذي تنوينه مما لا نعرف؟!!..
ضحكت أم سالم وضحك الجميع.. وأشارت أم سالم إلى أهمية الملح ودوره شبه المقدس عند العرب، ذلك لأن الملح يوضع في الطعام، ومنه الخبز، ورغم ان كثيره ضار للصحة، فإن شيئاً منه ضروري للإنسان، بل حتى للحيوان، إلى الحد الذي قد لا يعيش الإنسان ولا الحيوان من غير ان يتناولاه في أي مما يأكلان أو يشربان، ولأن الغذاء، مثل الماء، مقدس عند العرب، لتوقف الحياة عليه، فإنه يتخذ بما يشبه الرمز المقدس.. وتقديرا لهذا وما يرتبط بمعانيه، فلو ذاق أي عربي طعاماً في بيت أحد، فإنه لن يخونه أو يغشه أو يسرقه، وعلى ذلك قصص كثيرة في الموروث الشعبي بعضها يقول:
ان احد الأعراب حمل عصاه، وارتحل يبحث عمن يغزوهم، ليسرقهم خلسة، لا علنا.. وهذا النوع من السرقة يسمى (الحنشل) وقد سطا على بيت لا على التعيين في الليل.. وعندما كان يبحث عن ضالته في الظلام، وجد جرة فتحتها واسعة، وعندما تحسس شيئاً ما في يده، لم يستطع ان يتعرف عليه إلا بعد أن تذوقه، ووجده ملحا.. فترك كل شيء، ولم يسرق ذاك البيت أو تلك القبيلة، علما ان عياله كانوا بحاجة إلى ما ينقذهم من الجوع والهلاك.. وقد سار مسافة ثلاثة أيام عن نقطة انطلاقه، ومع ذلك أبى أن يسرقهم وعاد إلى دياره، ومن هناك حمل عصاه واتجه ناحية تلك القبيلة مرة اخرى.. كأنه بعودته الى حيث انطلق.. ثم معاودته الكرة كفّر عن استحقاق ما تذوقه من ملح.. لو أراد أن يسرق من بيت آخر في القبيلة..
قالت نخوة:
ـ كل ما أنويه وتنوونه خير، يا عمة، بعد الاتكال على الله..
تدخل سالم ليقول:
ـ أتعرفون لماذا نفس نخوة (مسدودة) عن الأكل هذا اليوم، يا أماه؟..
قالت أمه:
ـ لماذا؟! قال، بعد أن لاحظ أن نخوة تتبسم كأنها حزرت أنه ينوي أن يمزح:
ـ ان نخوة تخاف أن يصيبني مكروه غدا..
قالت أم سالم:
ـ أبعد الله الشر، (سور سليمان من حولك) إن شاء الله..
قال سالم:
ـ اننا زرع الله، يا أماه.. وهو سبحانه خالقنا، وعليه نتوكل، وبه نستعين.. ان تعليقي هو انها طيلة هذه السنين لم تقلق عليّ قلقاً خاصاً، لكن عندما سميت باسمها، بعد أن خطبتها، صارت معدتها (تنسد) ولا تشتهي الطعام عندما تنتظر منازلة..
قالت نخوة مازحة وهي تتبسم:
ـ وانت ايضا، لم تقلق عليّ مثلما تقلق الآن.. ألم تعيّن بالاسم ثلاثة يقومون بحراستي؟ في حين انك، رغم معرفتك في السابق انني انشط بين النساء ضد حسقيل، وانني معرضة لاحتمال غدره، لم تكن تقلق عليّ كما الآن..
ضحكوا جميعاً..
قال أبو سالم:
ـ ما يريده الله يفعله، إن خيراً فخير، وإلا فنحن له مسلمون.. ولا راد لما يريده، سبحانه..
عادت أم سالم لتقول:
ـ خير، إن شاء الله.. تفاءلوا بالخير، يا جماعة..
قال الجميع:
ـ خير، إن شاء الله، يا رب العالمين..
قال أبو سالم:
ـ الزاد برد.. كلوا بعد ان تسموا، وامتدت أيديهم إلى الطعام، يسبقهم أبو سالم وقالوا جميعاً «بسم الله الرحمن الرحيم»، وعندما انتهوا من تناول الطعام، قال أبو سالم، بعد ان رفع يده من الصحن (الصينية): الحمد لله رب العالمين..
وقال الجميع مثل ما قال..
هامش
القنيص، الصيد براً
أجابه الأعرابي الذي اتخذه شيخ الروم دليلاً في معرفة الأرض والقبائل والبطون:
ـ اننا في شهر نيسان، يا شيخنا، والعرب يتفاءلون بشهر نيسان، مثلما يتفاءلون بشهر أيلول، ونيسان مثل أيلول يحمل مفاجآت سارة، لذلك فإن منظر الصقور هذا، وهي تطارد رف طيور الحبر، علامة فأل خير قد ينصرنا الله به على عدونا..
ورغم ان أحد حكماء الروم نبّه شيخ الروم إلى التورية في كلام الأعرابي بقوله: (فأل خير قد ينصرنا الله به على عدونا)، بينما كان يفترض أن يقول تعبيراً عن الاحترام والتبجيل انه (فأل خير قد ينصرك الله بعده على عدوك).. فقد أجاب شيخ الروم بنزق:
ـ بل سننتصر عليهم وعلى قومهم كلهم، من غير أن يذكر اسم الله، أو يتّكل عليه..
بقي شيخ الروم ممتطياً ظهر حصانه، يتوسط مقدمة الفرسان الذين كانوا يحيطون به من اليمين واليسار، وكان حسقيل اقربهم إليه من جهة اليمين، يتوزع حوله وجوه القوم وشيوخ القبيلة، وتتأخر خلفهم، على جانبي حصانه، كوكبة من الذين يتولون حمايته اثناء القتال، وغالبا ما كان دوره في القتال رمزيا، لأن مرافقيه ورجال حمايته ينوبون عنه في ذلك..
بعد ان أنجزت نخوة واجباتها مع نساء القبيلة، وقدرت ان سالماً وأباه أنجزا واجباتهما، عادت إلى بيت أبي سالم بعد المغرب بقليل.. فقدموا لها ولهم طعام العشاء المؤلف ذلك اليوم من خروف صغير، أعدته أم سالم، وجعلته هبيطاً ثردت خبزاً فيه..
قالت نخوة:
ـ هلاّ أعفيتموني من العشاء، فنفسي لا تشتهي الطعام..
أجابتها أم سالم:
ـ كيف يا عمة؟ أيصح هذا.. مضى زمن ونحن نأكل من خيرك.. ولا تريدين الآن أن (تمالحينا) في بيتنا؟ ما الذي تنوينه مما لا نعرف؟!!..
ضحكت أم سالم وضحك الجميع.. وأشارت أم سالم إلى أهمية الملح ودوره شبه المقدس عند العرب، ذلك لأن الملح يوضع في الطعام، ومنه الخبز، ورغم ان كثيره ضار للصحة، فإن شيئاً منه ضروري للإنسان، بل حتى للحيوان، إلى الحد الذي قد لا يعيش الإنسان ولا الحيوان من غير ان يتناولاه في أي مما يأكلان أو يشربان، ولأن الغذاء، مثل الماء، مقدس عند العرب، لتوقف الحياة عليه، فإنه يتخذ بما يشبه الرمز المقدس.. وتقديرا لهذا وما يرتبط بمعانيه، فلو ذاق أي عربي طعاماً في بيت أحد، فإنه لن يخونه أو يغشه أو يسرقه، وعلى ذلك قصص كثيرة في الموروث الشعبي بعضها يقول:
ان احد الأعراب حمل عصاه، وارتحل يبحث عمن يغزوهم، ليسرقهم خلسة، لا علنا.. وهذا النوع من السرقة يسمى (الحنشل) وقد سطا على بيت لا على التعيين في الليل.. وعندما كان يبحث عن ضالته في الظلام، وجد جرة فتحتها واسعة، وعندما تحسس شيئاً ما في يده، لم يستطع ان يتعرف عليه إلا بعد أن تذوقه، ووجده ملحا.. فترك كل شيء، ولم يسرق ذاك البيت أو تلك القبيلة، علما ان عياله كانوا بحاجة إلى ما ينقذهم من الجوع والهلاك.. وقد سار مسافة ثلاثة أيام عن نقطة انطلاقه، ومع ذلك أبى أن يسرقهم وعاد إلى دياره، ومن هناك حمل عصاه واتجه ناحية تلك القبيلة مرة اخرى.. كأنه بعودته الى حيث انطلق.. ثم معاودته الكرة كفّر عن استحقاق ما تذوقه من ملح.. لو أراد أن يسرق من بيت آخر في القبيلة..
قالت نخوة:
ـ كل ما أنويه وتنوونه خير، يا عمة، بعد الاتكال على الله..
تدخل سالم ليقول:
ـ أتعرفون لماذا نفس نخوة (مسدودة) عن الأكل هذا اليوم، يا أماه؟..
قالت أمه:
ـ لماذا؟! قال، بعد أن لاحظ أن نخوة تتبسم كأنها حزرت أنه ينوي أن يمزح:
ـ ان نخوة تخاف أن يصيبني مكروه غدا..
قالت أم سالم:
ـ أبعد الله الشر، (سور سليمان من حولك) إن شاء الله..
قال سالم:
ـ اننا زرع الله، يا أماه.. وهو سبحانه خالقنا، وعليه نتوكل، وبه نستعين.. ان تعليقي هو انها طيلة هذه السنين لم تقلق عليّ قلقاً خاصاً، لكن عندما سميت باسمها، بعد أن خطبتها، صارت معدتها (تنسد) ولا تشتهي الطعام عندما تنتظر منازلة..
قالت نخوة مازحة وهي تتبسم:
ـ وانت ايضا، لم تقلق عليّ مثلما تقلق الآن.. ألم تعيّن بالاسم ثلاثة يقومون بحراستي؟ في حين انك، رغم معرفتك في السابق انني انشط بين النساء ضد حسقيل، وانني معرضة لاحتمال غدره، لم تكن تقلق عليّ كما الآن..
ضحكوا جميعاً..
قال أبو سالم:
ـ ما يريده الله يفعله، إن خيراً فخير، وإلا فنحن له مسلمون.. ولا راد لما يريده، سبحانه..
عادت أم سالم لتقول:
ـ خير، إن شاء الله.. تفاءلوا بالخير، يا جماعة..
قال الجميع:
ـ خير، إن شاء الله، يا رب العالمين..
قال أبو سالم:
ـ الزاد برد.. كلوا بعد ان تسموا، وامتدت أيديهم إلى الطعام، يسبقهم أبو سالم وقالوا جميعاً «بسم الله الرحمن الرحيم»، وعندما انتهوا من تناول الطعام، قال أبو سالم، بعد ان رفع يده من الصحن (الصينية): الحمد لله رب العالمين..
وقال الجميع مثل ما قال..
هامش
- *شيخ البلد*VIP™
- المشاركات : 657
قبل ان يصلوا إلى ديار أبي سالم، سأل حسقيل شيخ الروم:
ـ هل أبقيت حراسة كافية على البرجين؟..
ـ نعم، لكن ليس بنفس عدد من يقومون بالحراسة كل يوم، إنما أقل من ذلك..
قلق حسقيل على المال والذهب في برجه فقال:
ـ لو اعدنا عددا من فرساننا الذين لا تقدر اننا بحاجة إليهم، ليعودوا ويعززوا حراسة البرجين، خشية ان يدهمهما عدو أو طامع في غيابنا..
أعاد شيخ الروم ستة من الخيالة إلى البرجين، قبل أن يقتربوا من المثابة التي بعدها تبدأ الصولة.. وبعد مسافة ليست ببعيدة، وصلوا إلى تل يشرف من يكون فوقه على ديار أبي سالم هناك، بل لعل من يكون فوقه على ديار أبي سالم هناك، بل لعل من يكون فوقه بامكانه ان يرصد كل حركة، ويعرف الراجل من الخيّال..
تجمع وجوه القوم حول حسقيل وشيخ الروم.
قال شيخ الروم موجها كلامه اليهم: عليكم ان تنقسموا الى قسمين متساويين، كل قسم يخرج على العدو من جهة التل.. رتل من جهة الشرق، ورتل من جهة الغرب ـ قال ذلك وهو يشير بيديه الى حيث ينبغي ـ اما انا وحسقيل، فبعد ان تخرجوا عليهم، سنكون فوق التل، نرصد حركتكم وحركة العدو، ونتدخل في الوقت المناسب، ويبقى عدد من الخيالة حولنا خلف التل، ليقوموا بواجب الحماية، وكاحتياط بايدينا، نزج بهم في اللحظات الحاسمة.
لاحظ شيخ الروم، وهو يعطي أوامره، ان هناك بيتين صغيرين يقعان في اطراف منزل القبيلة، كل منهما يرفع راية على عمود عال كأنها اشارة ما.. فنبه حسقيل الى ذلك..
قال حسقيل:
ـ اخشى ان تكون اشارة متفقا عليها، وهذا معناه، ان العدو اكتشفنا قبل ان نظهر عليه من خلف التل..
في اليوم التالي مر سالم على كل العناصر القيادية من جماعته، وتأكد بنفسه من ان الاوامر التي اعطاها في اليوم السابق فهمت تماما، وان الاجراءات التي امر بها نفذت وفق ما اراد، وان التهيؤ جرى وفق روحية تلك الاوامر..
كان هناك واد عميق يحيط بمنزل القبيلة، حفرته مياه الامطار على مر السنوات الماضية، حتى صار وهو يستدير هنا، وينعطف هناك، على شكل حدوة حصان، أو شبه جزيرة، تاركا خلفه التل الذي كان حسقيل وشيخ الروم ينويان ان يبقياه خارج منازلهم، وما يليه باتجاه خط مجيء قبيلة الروم الى المكان، منبسطا تماما..
أمر سالم، وشدد حتى اللحظات الاخيرة على الخيالة المختبئين في الوادي ان ينطلقوا، مستخدمين الوادي، كل باتجاه، وان يظهروا خلف التل، أو قريبا من جهتيه، ليقطعوا على المهاجمين خط انسحابهم، وليوقعوا بالاسر اكبر عدد ممكن منهم..
اعطى شيخ الروم أوامره.. وانطلقت الخيول بفرسانها على ظهورها، وبدلا من ان يجدوا الناس بلا سلاح، وجدوهم مدججين بالسلاح، ووجدوا النساء متهيئات للقتال، ومتسلحات باعمدة بيوت الشعر في الاقل، بعد ان سحبن الاعمدة منها حال وصول الاشعار بهجوم العدو.. وما هي الا لحظات، حتى صار فرسان القبيلة كل على ظهر فرسه أو راحلته، أو يمسك بسلاحه ليقاتل راجلا..
كان الصف الاول في القلب من حاملي القسي والسهام، يليهم الرماحة، فيما يحاول الفرسان الاغارة فوق جيادهم على الاجنحة.. وكان جماعة سالم، كلما حاول جماعة الروم اختراق القلب، امطرهم حاملو القسي بوابل من السهام، فيسقط الفرسان من على ظهور خيولهم، أو يسقط الجواد المصاب، فيتدحرج الفارس، ويضع الاقرب اليه السيف في رقبته، وقد اختلط الحابل بالنابل، في الوقت الذي اختلط صهيل الخيول بصيحات الفرسان، وهلاهل (زغاريد) النساء العربيات اللائي كن يمسكن بالاعمدة، ويحرسن الاطفال والبيوت، كلما جاء فارس رومي مهزوما على فرسه، أو منقضا على العرب، ضربت النساء قوائم فرسه بالاعمدة، أو يشددن قوائم فرسه بحبال ممسوكة من طرفها، وتكون ممدودة على الارض، وترفع فور اقتراب الفرس الغائرة منه فيتجندل الفارس، ويتناولنه بالعصي والعمد، فيهرب، أو يردينه قتيلا.. أو يسقط في الاسر..
وكانت نخوة تهجم، يسندها الرجال الثلاثة على خيولهم.. وكلما حاول احد فرسان الروم الاقتراب منها، برز اليه احدهم ليرديه قتيلا مضرجا بدمائه.. وكانت صيحات (الله أكبر) هي الأعلى..
وكان سالم يقاتل فرسان الروم، كأنه صقر ينقض على فريسته.. وكان يمتطي حصانه الابيض الذي سماه (نسر).. بعد ان خلع قميصه، حتى بان صدره وظهره، ولم يبق على رأسه غطاء.. وكان يطلق ضفيرتين طويلين تتدليان حتى اسفل كتفيه، مثلما كانت عادة شباب العرب آنذاك، والى وقت قريب من زمننا هذا، وهو ينتخي.. ويصيح:
ـ الله أكبر..
ـ الله أكبر..
ـ وليخسأ الخاسئون..
ـ ليخسأ حسقيل وكلب الروم..
ـ وعاش العرب..
ـ يحيا الايمان..
ـ وتبا للكفر والالحاد..
وكان لا يحمل الا سيفا فحسب.. وكلما انكسر سيفه، ناوله احد الفرسان سيفا آخر. وكان جمع الروم يتفرق عندما يغير عليهم، تماما كما تفر النعاج امام ذئب يطاردها، أو كما حمر فرت من قسورة..
وبعد ان يصيح:
ـ الله أكبر.. كان يقول (عين عيونك يا نخوة).. حياك الله.. وحيا الحمى.. حياك الله.. وحيا أهلنا..
كانت نخوة غالبا ما تنسى القتال وتقف لتملأ عينيها بمنظر سالم وهو يقاتل، وكان حصانه (نسر) يجود بما لا يخذل فارسه..
بدأ جمع الروم يتقهقر، وعبر التل الذي كان حسقيل وكلب الروم يقفان فوقه.. وقفت نخوة هي والفرسان الثلاثة عمر، وحازم، وسمعان.. لترى اللوحة العظيمة التي خذل الله فيها الروم وحسقيل امام العرب.. وعرفت حسقيل وشيخ الروم من طبيعة الكوكبة التي كانت تحيط بهما ولا تغادرهما، وعرفت ايضا انهم صاروا في وضع كأنهم يهيئون انفسهم للهزيمة..
ولاحظت نخوة ان سالما، كلما قاتل وجيها كبيرا من وجوه الروم، أو جندل احدهم فرسه من تحته، أمر له بفرس، ولم يقاتله، ومنع الآخرين من قتاله الا بعد ان يصير فوق ظهر فرس أو حصان، واذا كسر احد سيفه أمر له بسيف جديد.. حتى يقاتله، أو يقبل بأن يقاتله أحد الفرسان.. وهذه عادة اصيلة حفظها عن اجداده وبقي متمسكا بها..
عندما كانت نخوة فوق التل، ترقب منظر القتال، وتراجع فرسان العدو، لاحظت ان اثنين جآء مسرعين على جواديهما، وما ان توقفا قرب مجموعة شيخ الروم وحسقيل، حتى انطلقت خيولهم مسرعة للخلف باتجاه البرجين، في الوقت الذي بقي الآخرون يقاتلون، وفي ظنهم ان امكانية التراجع المنظم ممكنة.. ولكن الهجمات المستمرة للعرب جعلتهم لا يصمدون امام الموت، ففروا معقبين حسقيل وشيخهم، بعد ان سقط خلق كثير منهم بين صريع ميت وجريح، اضافة الى اسر خلق كثير ايضا.. وفقد العرب صناديد منهم، ولكنهم انتصروا، وبقيت راية الله أكبر ترفرف فوق هاماتهم.. وعرفوا، بعد ان جاءهم من تولى مطاردة الفارين، ان النيران شبت في البرجين، واتت عليهما وعلى كل شيء فيهما، مما لا يعرف مصدره الا الله، وان شيخ الروم وحسقيل، عندما اخبرهما الفارسان بالواقعة، وجدا في ما اخبرا به الغطاء الذي كانا يبحثان عنه للهزيمة..
ـ هل أبقيت حراسة كافية على البرجين؟..
ـ نعم، لكن ليس بنفس عدد من يقومون بالحراسة كل يوم، إنما أقل من ذلك..
قلق حسقيل على المال والذهب في برجه فقال:
ـ لو اعدنا عددا من فرساننا الذين لا تقدر اننا بحاجة إليهم، ليعودوا ويعززوا حراسة البرجين، خشية ان يدهمهما عدو أو طامع في غيابنا..
أعاد شيخ الروم ستة من الخيالة إلى البرجين، قبل أن يقتربوا من المثابة التي بعدها تبدأ الصولة.. وبعد مسافة ليست ببعيدة، وصلوا إلى تل يشرف من يكون فوقه على ديار أبي سالم هناك، بل لعل من يكون فوقه على ديار أبي سالم هناك، بل لعل من يكون فوقه بامكانه ان يرصد كل حركة، ويعرف الراجل من الخيّال..
تجمع وجوه القوم حول حسقيل وشيخ الروم.
قال شيخ الروم موجها كلامه اليهم: عليكم ان تنقسموا الى قسمين متساويين، كل قسم يخرج على العدو من جهة التل.. رتل من جهة الشرق، ورتل من جهة الغرب ـ قال ذلك وهو يشير بيديه الى حيث ينبغي ـ اما انا وحسقيل، فبعد ان تخرجوا عليهم، سنكون فوق التل، نرصد حركتكم وحركة العدو، ونتدخل في الوقت المناسب، ويبقى عدد من الخيالة حولنا خلف التل، ليقوموا بواجب الحماية، وكاحتياط بايدينا، نزج بهم في اللحظات الحاسمة.
لاحظ شيخ الروم، وهو يعطي أوامره، ان هناك بيتين صغيرين يقعان في اطراف منزل القبيلة، كل منهما يرفع راية على عمود عال كأنها اشارة ما.. فنبه حسقيل الى ذلك..
قال حسقيل:
ـ اخشى ان تكون اشارة متفقا عليها، وهذا معناه، ان العدو اكتشفنا قبل ان نظهر عليه من خلف التل..
في اليوم التالي مر سالم على كل العناصر القيادية من جماعته، وتأكد بنفسه من ان الاوامر التي اعطاها في اليوم السابق فهمت تماما، وان الاجراءات التي امر بها نفذت وفق ما اراد، وان التهيؤ جرى وفق روحية تلك الاوامر..
كان هناك واد عميق يحيط بمنزل القبيلة، حفرته مياه الامطار على مر السنوات الماضية، حتى صار وهو يستدير هنا، وينعطف هناك، على شكل حدوة حصان، أو شبه جزيرة، تاركا خلفه التل الذي كان حسقيل وشيخ الروم ينويان ان يبقياه خارج منازلهم، وما يليه باتجاه خط مجيء قبيلة الروم الى المكان، منبسطا تماما..
أمر سالم، وشدد حتى اللحظات الاخيرة على الخيالة المختبئين في الوادي ان ينطلقوا، مستخدمين الوادي، كل باتجاه، وان يظهروا خلف التل، أو قريبا من جهتيه، ليقطعوا على المهاجمين خط انسحابهم، وليوقعوا بالاسر اكبر عدد ممكن منهم..
اعطى شيخ الروم أوامره.. وانطلقت الخيول بفرسانها على ظهورها، وبدلا من ان يجدوا الناس بلا سلاح، وجدوهم مدججين بالسلاح، ووجدوا النساء متهيئات للقتال، ومتسلحات باعمدة بيوت الشعر في الاقل، بعد ان سحبن الاعمدة منها حال وصول الاشعار بهجوم العدو.. وما هي الا لحظات، حتى صار فرسان القبيلة كل على ظهر فرسه أو راحلته، أو يمسك بسلاحه ليقاتل راجلا..
كان الصف الاول في القلب من حاملي القسي والسهام، يليهم الرماحة، فيما يحاول الفرسان الاغارة فوق جيادهم على الاجنحة.. وكان جماعة سالم، كلما حاول جماعة الروم اختراق القلب، امطرهم حاملو القسي بوابل من السهام، فيسقط الفرسان من على ظهور خيولهم، أو يسقط الجواد المصاب، فيتدحرج الفارس، ويضع الاقرب اليه السيف في رقبته، وقد اختلط الحابل بالنابل، في الوقت الذي اختلط صهيل الخيول بصيحات الفرسان، وهلاهل (زغاريد) النساء العربيات اللائي كن يمسكن بالاعمدة، ويحرسن الاطفال والبيوت، كلما جاء فارس رومي مهزوما على فرسه، أو منقضا على العرب، ضربت النساء قوائم فرسه بالاعمدة، أو يشددن قوائم فرسه بحبال ممسوكة من طرفها، وتكون ممدودة على الارض، وترفع فور اقتراب الفرس الغائرة منه فيتجندل الفارس، ويتناولنه بالعصي والعمد، فيهرب، أو يردينه قتيلا.. أو يسقط في الاسر..
وكانت نخوة تهجم، يسندها الرجال الثلاثة على خيولهم.. وكلما حاول احد فرسان الروم الاقتراب منها، برز اليه احدهم ليرديه قتيلا مضرجا بدمائه.. وكانت صيحات (الله أكبر) هي الأعلى..
وكان سالم يقاتل فرسان الروم، كأنه صقر ينقض على فريسته.. وكان يمتطي حصانه الابيض الذي سماه (نسر).. بعد ان خلع قميصه، حتى بان صدره وظهره، ولم يبق على رأسه غطاء.. وكان يطلق ضفيرتين طويلين تتدليان حتى اسفل كتفيه، مثلما كانت عادة شباب العرب آنذاك، والى وقت قريب من زمننا هذا، وهو ينتخي.. ويصيح:
ـ الله أكبر..
ـ الله أكبر..
ـ وليخسأ الخاسئون..
ـ ليخسأ حسقيل وكلب الروم..
ـ وعاش العرب..
ـ يحيا الايمان..
ـ وتبا للكفر والالحاد..
وكان لا يحمل الا سيفا فحسب.. وكلما انكسر سيفه، ناوله احد الفرسان سيفا آخر. وكان جمع الروم يتفرق عندما يغير عليهم، تماما كما تفر النعاج امام ذئب يطاردها، أو كما حمر فرت من قسورة..
وبعد ان يصيح:
ـ الله أكبر.. كان يقول (عين عيونك يا نخوة).. حياك الله.. وحيا الحمى.. حياك الله.. وحيا أهلنا..
كانت نخوة غالبا ما تنسى القتال وتقف لتملأ عينيها بمنظر سالم وهو يقاتل، وكان حصانه (نسر) يجود بما لا يخذل فارسه..
بدأ جمع الروم يتقهقر، وعبر التل الذي كان حسقيل وكلب الروم يقفان فوقه.. وقفت نخوة هي والفرسان الثلاثة عمر، وحازم، وسمعان.. لترى اللوحة العظيمة التي خذل الله فيها الروم وحسقيل امام العرب.. وعرفت حسقيل وشيخ الروم من طبيعة الكوكبة التي كانت تحيط بهما ولا تغادرهما، وعرفت ايضا انهم صاروا في وضع كأنهم يهيئون انفسهم للهزيمة..
ولاحظت نخوة ان سالما، كلما قاتل وجيها كبيرا من وجوه الروم، أو جندل احدهم فرسه من تحته، أمر له بفرس، ولم يقاتله، ومنع الآخرين من قتاله الا بعد ان يصير فوق ظهر فرس أو حصان، واذا كسر احد سيفه أمر له بسيف جديد.. حتى يقاتله، أو يقبل بأن يقاتله أحد الفرسان.. وهذه عادة اصيلة حفظها عن اجداده وبقي متمسكا بها..
عندما كانت نخوة فوق التل، ترقب منظر القتال، وتراجع فرسان العدو، لاحظت ان اثنين جآء مسرعين على جواديهما، وما ان توقفا قرب مجموعة شيخ الروم وحسقيل، حتى انطلقت خيولهم مسرعة للخلف باتجاه البرجين، في الوقت الذي بقي الآخرون يقاتلون، وفي ظنهم ان امكانية التراجع المنظم ممكنة.. ولكن الهجمات المستمرة للعرب جعلتهم لا يصمدون امام الموت، ففروا معقبين حسقيل وشيخهم، بعد ان سقط خلق كثير منهم بين صريع ميت وجريح، اضافة الى اسر خلق كثير ايضا.. وفقد العرب صناديد منهم، ولكنهم انتصروا، وبقيت راية الله أكبر ترفرف فوق هاماتهم.. وعرفوا، بعد ان جاءهم من تولى مطاردة الفارين، ان النيران شبت في البرجين، واتت عليهما وعلى كل شيء فيهما، مما لا يعرف مصدره الا الله، وان شيخ الروم وحسقيل، عندما اخبرهما الفارسان بالواقعة، وجدا في ما اخبرا به الغطاء الذي كانا يبحثان عنه للهزيمة..
- *شيخ البلد*VIP™
- المشاركات : 657
عندما رأى حسقيل النار كأنها الجحيم، تعصف بالبرجين بلهيبها ودخانها، راح ينثر التراب على وجهه..ويصيح:
ـ (أويلي عليّ).. لقد ذهب كل شيء جمعته طيلة السنين الماضية.. يا لها من نكبة كبيرة لي ولشيخ الروم!! قال له أحدهم متشفيا من الروم:
ـ انصحك يا حسقيل ان تبني برجين آخرين، تبيع احدهما وتؤجر الآخر لشيخ الروم، وتذهب انت لتكون ضيفا على ابن عمك في النار.
لقد فعلها العرب.. يا لهم من مغامرين عندما يستفزون!! ومع ان حسقيل، والى جانبه كلب الروم، كانا يحثان التراب ويذروانه على رأسيهما.. فقد تساءل كبير الروم مستفسرا من حسقيل:
ـ هل عملها العرب حقا، واحرقوا البرجين، في الوقت الذي كنا منشغلين بالقتال مع جماعة سالم، أم فعلها غيرهم، ليرمي نتائجها على العرب، مع ان اعداءنا من غير العرب كثر ايضا؟
ويجيبه حسقيل: لا، ان مثل هذا العمل الفدائي لا يقوم به الا عربي.. لانني وفق ما عرفته ممن جاءنا بالخبر ان الذين احرقوا البرجين، احترقوا جميعهم في نيران البرجين بعد ان احرقوهما..
ـ كيف ذلك؟، يستفهم كلب الروم.. اعتقد ان آخرين من غير العرب لو آمنوا بما يؤمن به العرب قد يقومون بهذا ايضا.
ويجيبه حسقيل:
ـ لقد باشروا باحراق البرجين بعد ان صعدوا الى حيث الحرس في البرجين، وقتلوهم.. باشروا باحراق البرجين من على الأعلى، أو منتصفهما ابتداء، وليس من الاسفل، وكانوا يعرفون، كما يبدو، ان مثل هذا العمل يجعل امكانية احتفاظهم بالحياة غير ممكنة، ولذلك قبلوا هذا المصير لأنفسهم.. وقال من اخبرنا بهذه التفاصيل انهم كانوا يرددون، مع قيامهم باحراق البرجين، بصوت جماعي مدو: الله أكبر.. الله أكبر.
وعندما سمع أحد حراس كلب الروم هذا، ويبدو ان جماعة سالم كسبوه الى طريقهم وموقفهم، قال:
ـ رحم الله الشهداء الابرار، شهداء الايمان، والعروبة المؤمنة، واخزى الله الكافرين. عندها جفل كبير الروم وحسقيل، وهما يقولان:
ـ يبدو ان لا مفر امامنا.. ان البرجين وخسائرنا وهزيمتنا في هذه المعركة ليست نهاية المطاف.
قالا ذلك، وركبا فرسيهما، ورحلا..
رأى سالم منظر النار وهي تشب في البرجين.. وكان فوق التل، بعيدا عنهم، وقد ارخى الليل سدوله، ولما يزل يطارد بقايا قوم الروم المهزومين قريبا من ديارهم.. رأى منظر البرجين البائس، واستعاد بذاكرته ثروة حسقيل، وشيخ الروم، تلك الثروة التي جمعاها من المنطقة على حساب اهلها والمحتاجين اليها..
التحقت به نخوة، وفرسانها الثلاثة، وكوكبة من افضل رجال العرب، ووقفوا هناك، فوق ذاك التل، يتأملون في ما حصل..
ردد سالم عند ذاك بصوت متهدج، بعد ان فاضت الدموع من عينيه، ومن عيون الجميع، وبكت نخوة خشوعا وحبورا:
(بسم الله الرحمن الرحيم.. الم يجعل كيدهم في تضليل، وارسل عليهم طيرا ابابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول)
وردد ايضا: (قل اللهم مالك الملك، تأتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) صدق الله العظيم..
كأنه استحضر ما يعطي التفسير لما رآه من هزيمة حسقيل والروم واحتراق برجيهما.. واستحضر هذه الآيات من هذا المنظر ومنظر الصقور، وهي تنقض على طيور الحبر، ذلك لأنها قد مرت من فوق رؤوسهم، وهم يتجمعون في بيت سالم، وحوله وامامه، مثلما مرت من فوق حسقيل وشيخ الروم.
اللهأكبر...الله اكبر .. وليخسىء الخاسئون
ـ (أويلي عليّ).. لقد ذهب كل شيء جمعته طيلة السنين الماضية.. يا لها من نكبة كبيرة لي ولشيخ الروم!! قال له أحدهم متشفيا من الروم:
ـ انصحك يا حسقيل ان تبني برجين آخرين، تبيع احدهما وتؤجر الآخر لشيخ الروم، وتذهب انت لتكون ضيفا على ابن عمك في النار.
لقد فعلها العرب.. يا لهم من مغامرين عندما يستفزون!! ومع ان حسقيل، والى جانبه كلب الروم، كانا يحثان التراب ويذروانه على رأسيهما.. فقد تساءل كبير الروم مستفسرا من حسقيل:
ـ هل عملها العرب حقا، واحرقوا البرجين، في الوقت الذي كنا منشغلين بالقتال مع جماعة سالم، أم فعلها غيرهم، ليرمي نتائجها على العرب، مع ان اعداءنا من غير العرب كثر ايضا؟
ويجيبه حسقيل: لا، ان مثل هذا العمل الفدائي لا يقوم به الا عربي.. لانني وفق ما عرفته ممن جاءنا بالخبر ان الذين احرقوا البرجين، احترقوا جميعهم في نيران البرجين بعد ان احرقوهما..
ـ كيف ذلك؟، يستفهم كلب الروم.. اعتقد ان آخرين من غير العرب لو آمنوا بما يؤمن به العرب قد يقومون بهذا ايضا.
ويجيبه حسقيل:
ـ لقد باشروا باحراق البرجين بعد ان صعدوا الى حيث الحرس في البرجين، وقتلوهم.. باشروا باحراق البرجين من على الأعلى، أو منتصفهما ابتداء، وليس من الاسفل، وكانوا يعرفون، كما يبدو، ان مثل هذا العمل يجعل امكانية احتفاظهم بالحياة غير ممكنة، ولذلك قبلوا هذا المصير لأنفسهم.. وقال من اخبرنا بهذه التفاصيل انهم كانوا يرددون، مع قيامهم باحراق البرجين، بصوت جماعي مدو: الله أكبر.. الله أكبر.
وعندما سمع أحد حراس كلب الروم هذا، ويبدو ان جماعة سالم كسبوه الى طريقهم وموقفهم، قال:
ـ رحم الله الشهداء الابرار، شهداء الايمان، والعروبة المؤمنة، واخزى الله الكافرين. عندها جفل كبير الروم وحسقيل، وهما يقولان:
ـ يبدو ان لا مفر امامنا.. ان البرجين وخسائرنا وهزيمتنا في هذه المعركة ليست نهاية المطاف.
قالا ذلك، وركبا فرسيهما، ورحلا..
رأى سالم منظر النار وهي تشب في البرجين.. وكان فوق التل، بعيدا عنهم، وقد ارخى الليل سدوله، ولما يزل يطارد بقايا قوم الروم المهزومين قريبا من ديارهم.. رأى منظر البرجين البائس، واستعاد بذاكرته ثروة حسقيل، وشيخ الروم، تلك الثروة التي جمعاها من المنطقة على حساب اهلها والمحتاجين اليها..
التحقت به نخوة، وفرسانها الثلاثة، وكوكبة من افضل رجال العرب، ووقفوا هناك، فوق ذاك التل، يتأملون في ما حصل..
ردد سالم عند ذاك بصوت متهدج، بعد ان فاضت الدموع من عينيه، ومن عيون الجميع، وبكت نخوة خشوعا وحبورا:
(بسم الله الرحمن الرحيم.. الم يجعل كيدهم في تضليل، وارسل عليهم طيرا ابابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول)
وردد ايضا: (قل اللهم مالك الملك، تأتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) صدق الله العظيم..
كأنه استحضر ما يعطي التفسير لما رآه من هزيمة حسقيل والروم واحتراق برجيهما.. واستحضر هذه الآيات من هذا المنظر ومنظر الصقور، وهي تنقض على طيور الحبر، ذلك لأنها قد مرت من فوق رؤوسهم، وهم يتجمعون في بيت سالم، وحوله وامامه، مثلما مرت من فوق حسقيل وشيخ الروم.
اللهأكبر...الله اكبر .. وليخسىء الخاسئون
- *شيخ البلد*VIP™
- المشاركات : 657
انتهت القصه
بفضل الله
:تمام واحد :
بفضل الله
:تمام واحد :
- ميدو المصريVIP™
- المشاركات : 2032
بجد بجد شيخ البلد مووضوع مهم جدا جدا
تسلم عسل على المعلومات القيمه دى
مع التحيه
ميدو المصرى
:ورده واحد:
تسلم عسل على المعلومات القيمه دى
مع التحيه
ميدو المصرى
:ورده واحد:
- زائرزائر
موضوع اكثر من رائع
سلمت اليد التى كتبت هذا الموضوع
ويارب فى تميز وابداع دائم
:تمام واحد :
سلمت اليد التى كتبت هذا الموضوع
ويارب فى تميز وابداع دائم
:تمام واحد :
- *شيخ البلد*VIP™
- المشاركات : 657
الوظيفة : زملكاوى جداً
تسلمووووو أحبائى الكراام
وأسعدنى مروركم الجميل
احمد حمدى ...مشكوووور
ميدو المصرى ...مشكووور
:شكرا واحد:
- محمد خفاجةعضو جديد
- المشاركات : 10
مشكوووووووووووووووووووووووووووووووور يا غالي
- *شيخ البلد*VIP™
- المشاركات : 657
الوظيفة : زملكاوى جداً
كلكم مشكورين بس ياريت الردود تكون لها علاقة بالموضوع نفسه
صفحة 7 من اصل 7 • 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7
مواضيع مماثلة
للمشاركة انت بحاجه الى تسجيل الدخول او التسجيل
يجب ان تعرف نفسك بتسجيل الدخول او بالاشتراك معنا للمشاركة
صفحة 7 من اصل 7
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى